٢

أخرج ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أتينا دخل عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير، فدخل إلى إحداهما، فقالت ذلك له، فقال‏:‏ لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود فنزلت{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ إلى ‏{‏أن تتوبا إلى اللّه‏}‏ لعائشة وحفصة ‏{‏إذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا‏}‏ لقوله‏:‏ بل شربت عسلا‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشرب من شراب عند سودة من العسل، فدخل على عائشة فقالت‏:‏ إني أجد منك ريحا فدخل على حفصة، فقالت‏:‏ إني أجد منك ريحا، فقال‏:‏ ‏"‏أراه من شراب شربته عند سودة واللّه لا أشربه‏"‏ فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن رافع قال‏:‏ سألت أم سلمة عن هذه الآية ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ قالت‏:‏ كانت عندي عكة من عسل أبيض، فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يلعق منها، وكان يحبسه، فقالت له عائشة‏:‏ نحلها تجرش عرفطا فحرمها، فنزلت هذه الآية‏.‏

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن عبد اللّه بن عتيبة أنه سئل أي شيء حرم النبي صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ عكة من عسل‏.‏

وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل اللّه هذه الآية ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج الترمذي والطبراني بسند حسن صحيح عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت{‏يا أيها النبي لم تحرم‏}‏ الآية، في سريته‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قلت لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ من المرأتان اللتان تظاهرتا‏؟‏ قال‏:‏ عائشة وحفصة، وكان بدء الحديث في شأن مارية أم إبراهيم القبطية أصابها النبي صلى اللّه عليه وسلم في بيت حفصة في يومها فوجدت حفصة، فقالت‏:‏ يا نبي اللّه لقد جئت إلي شيئا ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي داري وعلى فراشي فقال ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها‏؟‏ قالت‏:‏ بلى فحرمها وقال‏:‏ لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة رضي اللّه عنها فأظهره اللّه عليه، فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها النبي لم تحر ما أحل اللّه لك‏}‏ الآيات كلها فبلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفر عنها فأظهر اللّه يمينه وأصاب جاريته‏.‏

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضاة أزواجك‏}‏ قال‏:‏ حرم سريته‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كانت عائشة وحفصة متحابتين، فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده فأرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه حفصة فوجدتهما في بيتها فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم جاريته، ودخلت حفصة، فقالت‏:‏ قد رأيت من كان عندك، واللّه لقد سؤتني، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏واللّه لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه‏"‏ قالت‏:‏ ما هو‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن أبشري إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد حرم عليه فتاته، فلما أخبرت بسر النبي صلى اللّه عليه وسلم أظهر اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم عليه، فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ ذكر عند عمر بن الخطاب ‏{‏يا أيها النبي، لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضات أزواجك‏}‏ قال‏:‏ إنما كان ذلك في حفصة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنزل أم إبراهيم منزل أبي أيوب قالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ فدخل النبي صلى اللّه عليه وسلم بيتها يوما، فوجد خلوة فأصابها، فحملت بإبراهيم، قالت عائشة‏:‏ فلما استبان فزعت من ذلك، فمكث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى ولدت، فلم يكن لأمة لبن فاشترى له ضائنة يغذي منها الصبي، فصلح عليه جسمه وحسن لحمه وصفا لونه، فجاء به يوما يحمله على عنقه، فقال يا عائشة كيف تري الشبه‏؟‏ فقلت‏:‏ أنا غيري ما أدري شبها، فقال‏:‏ ولا باللحم‏؟‏ فقلت‏:‏ لعمري لمن تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه قال‏:‏ فجزعت عائشة رضي اللّه عنها وحفصة من ذلك فعاتبته حفصة، فحرمها وأسر إليها سرا فأفشته إلى عائشة رضي اللّه عنها، فنزلت آية التحريم، فأعتق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رقبة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ وجدت حفصة رضي اللّه عنها مع النبي صلى اللّه عليه وسلم أم ولده مارية أم إبراهيم، فحرم أم ولده لحفصة رضي اللّه عنها، وأمرها أن تكتم ذلك، فأسرته إلى عائشة رضي اللّه عنها، فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا‏}‏ فأمره اللّه بكفارة يمينه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ الآية، قال‏:‏ كان حرم فتاته القبطية أم إبراهيم عليه السلام في يوم حفصة، وأسر ذلك إليها، فأطلعت عليه عائشة رضي اللّه عنها، وكانتا تظاهرتا على نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأحل اللّه له ما حرم على نفسه، وأمره أن يكفر عن يمينه، فقال‏:‏ ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة إيمانكم‏}‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الشعبي وقتادة رضي اللّه عنهما ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ قال‏:‏ حرم جاريته، قال الشعبي‏:‏ وحلف يمينا مع التحريم، فعاتبه اللّه في التحريم، وجعل له كفارة اليمين، وقال قتادة‏:‏ حرمها فكانت يمينا‏.‏

وأخرج ابن سعد عن زيد بن أسلم رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرم أم إبراهيم، فقال‏:‏ هي علي حرام، فقال‏:‏ واللّه لا أقربها، فنزلت{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن مسروق والشعبي قالا‏:‏ آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أمته وحرمها، فأنزل اللّه ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏ وأنزل{‏لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏‏.‏

وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لحفصة‏:‏ لا تحدثي أحدا وإن أم إبراهيم علي حرام، فقالت‏:‏ أتحرم ما أحل اللّه لك‏؟‏ قال‏:‏ فواللّه لا أقربها، فلم يقربها نفسه حتى أخبرت عائشة فأنزل اللّه ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مسروق أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حلف لحفصة أن لا يقرب أمته، وقال‏:‏ هي علي حرام، فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل اللّه له‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الضحاك أن حفصة زارت أباها ذات يوم، وكان يومها، فجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يجدها في المنزل، فأرسل إلى أمته مارية فأصاب منها في بيت حفصة، وجاءت حفصة على تلك الحال، فقالت يا رسول اللّه‏:‏ أتفعل هذا في بيتي وفي يومي‏؟‏ قال‏:‏ فإنها علي حرام ولا تخبري بذلك أحدا، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها بذلك فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وصالح المؤمنين‏}‏ فأمر أن يكفر عن يمينه، ويراجع أمته‏.‏

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال‏:‏ دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمارية القبطية سريته بيت حفصة فوجدتها معه، فقالت‏:‏ يا رسول اللّه في بيتي من بين بيوت نسائك‏؟‏ قال‏:‏ فإنها علي حرام أن أمسها، واكتمي هذا علي، فخرجت حتى أتت عائشة، فقالت‏:‏ ألا أبشرك‏؟‏ قالت‏:‏ بماذا‏؟‏ قالت‏:‏ وجدت مارية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيتي، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه في بيتي من بين بيوت نسائك‏؟‏ فكان أول السر أنه أحرمها على نفسه، ثم قال لي‏:‏ يا حفصة ألا أبشرك فأعلمي عائشة أن أباك يلي الأمر من بعده، وأن أبي يليه بعد أبيك، وقد استكتمني ذلك فاكتميه، فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏غفور رحيم‏}‏ أي لما كان منك إلى قوله‏:‏ ‏{‏وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه‏}‏ يعني حفصة ‏{‏حديثا فلما نبأت به‏}‏ يعني عائشة ‏{‏وأظهره اللّه عليه‏}‏ أي بالقرآن ‏{‏عرف بعضه‏}‏ عرف حفصة ما أظهر من أمر مارية ‏{‏وأعرض عن بعض‏}‏ عما أخبرت به من أمر أبي بكر وعمر، فلم يبده ‏{‏فلما نبأها به‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏الخبير‏}‏ ثم أقبل عليهما يعاتبهما فقال‏:‏ ‏{‏إن تتوبا إلى اللّه‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ثيبات وأبكارا‏}‏ فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم وأخت نوح عليه السلام، ومن الأبكار مريم بنت عمران وأخت موسى‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت هذه الآية ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

﴿ ٢