٢٠

قوله تعالى: {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ}. يكاد بمعنى: يقارب، وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل، وإذا نفيت ثبت الفعل. وسئل بعض المتأخرين فقيل له:

أنحوي هذا العصر ماهي كلمة  جرت بلساني جرهم وثمود

إذا نفيت واللّه يشهد أثبتت  وإن أثبتت قامت مقام جحود

ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى: {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} النساء: ٨٧ وقوله{إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} النور: ٤٠ ومثله {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} الزخرف: ٥٢ ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ} البقرة: ٢٠ و {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} النور: ٤٣ و {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء} النور: ٣٥. وقال ابن قتيبة: كاد: بمعنى هم ولم يفعل. وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة:

ولو أن لقمان الحكيم تعرضت  لعينيه مي سافرا كاد يبرق

أي: لو تعرضت له لبرق، أي: دهش وتحير. قلت: وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل أنها تستعمل للاثبات، وهو قوله:

اذا غير النأي المحبين لم يكد  رسيس الهوى من حب مية يبرح

أراد: لم يبرح. قوله تعالى:

{يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ} قرأ الجمهور بفتح الياء، وسكون الخاء وفتح الطاء. وقرأ أبان بن تغلب، وأبان ابن يزيد كلاهما عن عاصم، بفتح الياء وسكون الخاء، وكسر الطاء مخففا. ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، بفتح الياء وكسر الخاء، وتشديد الطاء، وهي قراءة الحسن، كذلك إلا أنه كسر الياء. وعنه: فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددة. ومعنى «يخطف» يستلب، وأصل الاختطاف: الاستلاب، ويقال لما يخرج به الدلو: خطاف، لأنه يختطف ما علق به. قال النابغة:

خطاطيف حجن في حبال متينة  تمد بها أيد إليك نوازع

والحجن المتعقفة وجمل خيطف: سريع المر، وتلك السرعة الخطفى. قوله تعالى:

{كُلَّمَا أضاء لَهُمْ} قال الزجاج: يقال ضاء الشى يضوء، وأضاء يضيء، وهذه اللغة الثانية هى المختارة.

فصل

واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال.

احدها: أنه التحويف الذي في القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم، قاله مجاهد والسدي.

والثالث: انه ما يخافونه من الدعاء الى الجهاد، وقتال من يبطنون مودته، ذكره شيخنا. واختلفوا: ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال:

احدها: أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرأن وحكمه.

والثاني: أنه ما يشى لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه.

والثالث: انه مثل لما ينالونه بإظهار الإسلام من حقن دمائهم، فانه بالإضافة الى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق.واختلفوا في معنى قوله:

{يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِى ءاذَانِهِم مّنَ ٱلصَّوٰعِقِ} على قولين.

احدهما: أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت، قاله الحسن والسدي.

والثاني: أنه مثل لإعراضهم عن القرآن كراهية له، قاله مقاتل.

واختلفوا في معنى {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} على أربعة أقوال.

احدها: أن معناه: كلما أتاهم القرأن بما يحبون تابعوه، قاله ابن عباس والسدي.

والثاني: أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم فيسرعون الى متابعته، قاله قتادة.

والثالث: انه تكلمهم بالاسلام، ومشيهم فيه اهتداؤهم به، فاذا تركواذلك وقفوا في ضلالة، قاله مقاتل.

والرابع: أن إضاءته لهم: تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان، ومشيهم فيه: إقامتهم. على المسالمة باظهار ما يظهرونه. ذكره شيخنا. فأما قوله تعالى:

{وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ} فمن قال :إضاءته: إتيانه إياهم بما يحبون، قال: إظلامه: إتيانه إياهم بما يكرهون. وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكس. ومعنى {قَامُواْ}: وقفوا. قوله تعالى:

{وَلَوْ شَاء ٱللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ} قال مقاتل: معناه: لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم. قال مجاهد: من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في نعت المنافقين.

﴿ ٢٠