٧١

قوله تعالى: {قال إنه يقول إنها بقرة لاذلول} قال قتادة: لم يذلها العمل فتثير الأرض. قال ابن قتيبة: يقال في الدواب: دابة ذلول: بينة الذل بكسر الذال، وفي الناس: رجل ذليل بين الذل بضم الذال. {تُثِيرُ ٱلاْرْضَ}: تقلبها للزراعة، ويقال للبقرة: المثيرة. قال الفراء: لاتقفن على ذلول، لأن المعنى: ليست بذلول فتثير الأرض، وحكى ابن القاسم أن أبا حاتم السجستاني أجاز الوقف على ذلول، ثم أنكره عليه جدا، وعلل بأن التي تثير الأرض لايعدم منها سقي الحرث، ومتى أثارت الأرض كانت ذلولاً. ومعنى: ولا تسقي الحرث: لايستقي عليها الماء لسقي الزرع. قوله تعالى:

{مُسَلَّمَةٌ} فيه أربعة أقوال.

احدها: مسلمة من العيوب، قاله ابن عباس، و أبوالعالية، وقتادة، و مقاتل.

والثاني: مسلمة من العل، قاله الحسن. وابن قتيبة.

والثالث: مسلمة من الشية، قاله مجاهد وابن زيد.

والرابع: مسلمة القوائم والخلق، قاله عطاء الخراساني.

فأما الشية، فقال الزجاج: الوشي في اللغة: خلط لون بلون. ويقال: وشيت الثوب أشيه شية ووشيا، كقولك: وديت فلانا ادية دية. ونصب: لاشية فيها على النفي. ومعنى الكلام: ليس فيها لون يفارق سائر لونها. وقال عطاء الخراساسني: لونها لون واحد. قوله تعالى:

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ} قال ابن قتيبة: الآن: هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حد الزمانين، حد الماضي من آخره، وحد المستقبل من أوله، ومعنى{جِئْتَ بِٱلْحَقّ} بنيت لنا. قوله تعالى:

{كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فيه قولان.

احدهما: لغلاء ثمنها، قاله ابن كعب القرظي.

والثاني: لخوف الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل منهم، قاله وهب. قال ابن عباس: مكثوا يطلبون البقرة أربعن سنة حتى وجدوها عند رجل، فأبى ان يبيعها الا بملء مسكها ذهبا، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وعبيدة، ووهب، وابن زيد، والكلبي، و مقاتل في مقدار الثمن. فأما السبب الذي لأجله غلا ثمنها، فيحتمل وجهين.

احدهما: انهم شددوا فشدد اللّه عليهم.

والثاني: لإكرام اللّه عز وجل صاحبها، فإن كان برا بوالديه. فذكر بعض المفسرين أنه كان شاب من بني اسرائيل برا بأبيه، فجاء رجل يطلب سلعة هي عنده، فانطلق ليبيعه إياها، فاذا مفاتيح حانوته مع أبيه، وأبوه نائم فلم يوقظه، ورد المشتري، فأضعف له المشتري الثمن، فرجع الى أبيه، فوجده نائما، فعاد الى المشتري فرده، فأضعف له الثمن، فلم يزل ذلك دابها حتى ذهب المشتري، فأثابه اللّه على بره بأبيه أن نتجت له بقرة من بقرة، تلك البقرة.

وروي عن وهب بن منبه في حديث طويل أن فتى كان برا بوالديه، وكان يحتطب على ظهره، فاذا باعه تصدق بثلثه، واعطى أمه ثلثه، وأبقى لنفسه ثلثه، فقالت له يوما: إني ورثت من أبيك بقرة، فتركتها في البقر على اسم اللّه، فاذا أتيت البقر، فادعها باسم إله ابراهيم، فذهب فصاح بها، فأقبلت، فأنطقها اللّه، فقالت: اركبني يا فتى، فقال الفتى إن أمي لم تأمرني بهذا فقالت: أيها البر بأمهٰ لو ركبتني لم تقدر على، فانطلق فلوا أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لانقلع لبرك بأمك. فلما جاء بهاا قالت أمه: بعها بثلاثة دنانير على رضى مني، فبعث اللّه ملكا فقال: بكم هذه؟ قال: بثلاثة دنانير على رضى من أمي. قال: لك ستة ولا تستأمرها، فأبى، وعاد الى أمه فأخربها، فقالت: بعها بستة على رضى مني، فجاء الملك فقال: خذ اثني عشر ولاتستأمرها، فأبى وعاد الى أمه فأخرها، فقالت: يا بني: ذاك ملك، فقل له: بكم تأمرني أن أبيعها؟ فجاء اليه فقال له ذلك، فقال: يا فتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل في بني اسرائيل.

﴿ ٧١