٢٣٣ قوله تعالى: {وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ} لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، كقوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء} البقرة: ٢٢٨ وقال القاضي أبو يعلى: و هذا الأمر انصرف إلى الآباء لأن عليهم الاسترضاع، لا إلى الوالدات بدليل قوله تعالى: {وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} وقوله تعالى: {وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ} النساء: ٢٤ فلو كن متحتما على الوالدة لم تستحق الأجرة، وهل هذا عام في جميع الوالدات، فيه قولان. احدهما: أنه خاص في المطلقات، قاله سعيد بن جبير، و مجاهد، و الضحاك، والسدي، و مقاتل في آخرين. والثاني: أنه عام في الزوجات والمطلقات، ولهذا نقول: لها أن تؤجر نفسها لرضاع ولدها سواء كانت مع الزوج، أو مطلقة قاله القاضي أبو يعلى، وأبو سليمان الدمشقي في آخرين. والحول: السنة وفي قوله: {كَامِلَيْنِ} قولان. احدهما: أنه دخل للتوكيد كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} البقرة: ١٩٦. والثاني: أنه لما جاز أن يقول: حولين ويريد أقل منهما كما قال: {فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: ٢٠٣. ومعلوم أنه يتعجل في يوم وبعض آخر، وتقول العرب لم أر فلانا منذ يومين، و إنما يريدون يوما وبعض آخر قال: كاملين لتبيين أنه لا يجوز أن ينقص منهما، وهذا قول الزجاج والفراء. فصل واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية، فقال بعضهم: هو محكم، والمقصود منه بيان مدة الرضاع، ويتعلق به أحكام، منها أنه كمال الرضاع، ومنها أنه يلزم الأب نفقة الرضاع مدة الحولين، والجبره الحاكم على ذلك، ومنها أنه يثتب تحريم الرضاع في مدة الحولين، ولا يثبت فيما زاد، ونقل عن قتادة، والربيع بن أنس في آخرين. أنه منسوخ بقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا} قال شيخنا علي بن عبيد اللّه: وهذا قول بعيد لأن اللّه تعالى قال في اولها: {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} فلما قال في الثاني: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا} خير يين الإرادتين، وذلك لا يعاض المدة المقدرة في التمام. قوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} أي هذا التقدير بالحولين لمريدي إتمام الرضاعة. وقرأ مجاهد بتاءين «أن تتم الرضاعة» وبالرفع وهي رواية الحلبي عن عبد الوارث، وقد نبه ذكر التمام على نفي حكم الرضاع بعد الحولين، وأكثر القراء على فتح راء «الرضاعة» وقرأ طلحة بن مصرف، وابن أبي عبلة، و أبو رجاء، بكسرها قال الزجاج: يقال: الرضاعة بفتح الراء وكسرها، والفتح اكثر ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح ها هنا لا غير. قوله تعالى: {وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ} يعني: الأب {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} يعني: {المرضعات} وفي قوله: {وَٱلاْقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ} دلالة على أن الواجب على قدر حال الرجل في إعساره ويساره، إذ ليس من المعروف إلزام المعسر مالا يطيقه، ولا الموسر النزر الطفيف. وفي الآية دليل على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث، إذ لا يتوصل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلا من جهة غالب الظن، إذ هو معتبر بالعادة. قوله تعالى: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} أي: إلا ما تطيقه. {لاَ تُضَارَّ وٰلِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قرأ ابن كثير، و ابو عمرو، و أبان عن عاصم {لاَ تُضَارَّ} برفع الراء، وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي بنصبها، قال أبو علي: من رفع فلأجل المرفوع قبله، وهو لا تكلف فأتبعه بما قبله ليقع تشابه اللفظ، ومن نصب جعله أمرا، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف قال ابن قتيبة معناه لا تضارر، فأدغمت الراء في الراء. وقال سعيد بن جبير: لا يحملن المطقة مضارة الزوج أن تلقي إليه ولده، وقال مجاهد: لا تأبى أن ترضعه ضرارا بأبيه، ولا يضار الوالد بولده فيمنع امه أن ترضعه ليحزنها بذلك. وقال عطاء، وقتادة، والزهري، وسفيان، والسدي في آخرين. إذا رضيت بما يرضى به غيرها فهي أحق به، وقرأ أبو جعفر لا تضار بتخفيفها وإسكانها. قوله تعالى: {وَعَلَى ٱلْوَارِثِ} فيه أربعة أقوال. احدها: أنه وارث المولود، وهو قوال عطاء، و مجاهد، و سعيد بن جبير، وابن أبي ليلى، وقتادة، والسدي، والحسن بن صالح، و مقاتل في آخرين. واختلف أرباب هذا القول. فقال بعضهم: هو وارث المولود من عصبته كائنا من كان، وهذا مروي عن عمر، وعطاء، والحسن، و مجاهد، و إبراهيم، وسفيان. وقال بعضهم: هو وارث المولود على الإطلاق من الرجال والنساء، روي عن ابن أبي ليلى، وقتادة، والحسن بن صالح، واسحاق، و احمد بن حنبل. وقال آخرون: هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود، روي عن أبي حنيفة، وابي يوسف، ومحمد. والقول الثاني: أن المراد بالوارث هاهنا: وارث الوالد روي عن الحسن، والسدي، والثالث: أن المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر، روي عن سفيان. والرابع: أنه أريد بالوارث الصبي نفسه، والنفقة عليه فان لم يملك شيئا فعلي عصبته، قاله الضحاك، وقبيصة بن ذؤيب، قال شيخنا علي بن عبيد اللّه: وهذا القول لا ينافي قول من قال المراد بالوارث وارث الصبي. لأن النفقة تجب للموروث على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه، وفي قوله تعالى: {مِثْلُ ذٰلِكَ} ثلاثة أقوال. احدها: أنه الإشارة إلى أجرة الرضاع والنفقة، روي عن عمر، وزيد بن ثابت، والحسن، وعطاء، و مجاهد، وابراهيم، وقتادة، وقبيصة بن ذؤيب، والسدي، واختاره ابن قتيبة. والثاني: أن الإشارة بذلك إلى النهي عن الضرار، روي عن ابن عباس، والشعبي، والزهري، واختاره الزجاج. والثالث: أنه إشارة إلى جميع ذلك، روي عن سعيد بن جبير، و مجاهد، و مقاتل، وابي سليمان الدمشقي، واختاره القاضي أبو يعلى. ويشهد لهذا أنه معطوف على ما قبله. وقد ثبت أن على المولود له النفقة والكسوة و أن لا يضار فيجب أن يكون قوله: {مِثْلُ ذٰلِكَ} مشيرا إلى جميع ما على المولود له. قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ} الفصال: الفطام. قال ابن قتيبة: يقال: فصلت الصبي أمه: إذا فطمته. ومنه قيل للحوار إذا قطع عن الرضاع: فصيل، لأنه فصل عن امه، وأصل الفصل: التفريق. قال مجاهد: التشاور فيما دون الحولين إن أرادت أن تفطم وأبى، فليس لها، و إن أراد هو، ولم ترد، فليس له ذلك حتى يقع ذلك عن تراض منهما وتشاور، يقول: غير مسيئين إلى أنفسهما و إلى صبيهما. قوله تعالى: {عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ} قال الزجاج:أي: لأولادكم قال مقاتل: إذا لم ترض الأم بما يرضى به غيرها فلا حرج على الأب أن سترضع لولده. وفي قوله تعالى: {إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ} قولان. احدهما: إذا سلمتم ايها الآباء إلى أمهات الأولاد أجور ما أرضعن قبل امتناعهن، قاله مجاهد، والسدي. والثاني: إذا سلمتم إلى الظئر أجرها بالمعروف، قاله سعيد بن جبير، و مقاتل، وقرأ ابن كثير {مَّا ءاتَيْتُم} بالقصر قال أبو علي: وجهه أن يقدر فيه ما أتيتم نقده أو سوقه فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه فكأن التقدير: ما آتيتموه ثم حذف الضمير من الصلة كما تقول: أتيت جميلا أي فعلته. |
﴿ ٢٣٣ ﴾