٩٥

قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قال أبو سليمان الدمشقي: نزلت هذه الآية من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود. وقال زيد بن ثابت: إني لقاعد إلى جنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذ غشيته السكينة، ثم سري عنه، فقال: «اكتب»

{لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون} الآية. فقام ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول اللّه، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد؟ فواللّه ما قضى كلامه حتى غشيت رسول اللّه السكينة، ثم سري عنه، فقال: اقرأ فقرأت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: {غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ} فألحقها.

قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ} يعني عن الجهاد، والمعنى: أن المجاهد أفضل. قال ابن عباس: وأريد بهذا الجهاد غزوة بدر. وقال مقاتل: غزاة تبوك. قوله تعالى:

{غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ} قرأ ابن كثير، وابو عمرو، وحمزة: {غَيْرِ} برفع الراء، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وخلف، والمفضل: بنصبها. قال أبو علي: من رفع الراء، جعل «غير» صفة للقاعدين، ومن نصبها، جعلها استثناء من القاعدين.

وفي «الضرر» قولان.

احدهما: أنه العجز بالزمانة والمرض، ونحوهما. قال ابن عباس: هم قوم كانت تحبسهم عن الغزاة أمراض وأوجاع. وقال ابن جبير، وابن قتيبة: هم أولو الزمانة. وقال الزجاج: الضرر: أن يكون ضريرا أو أعمى أو زمنا.

والثاني: أنه العذر، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله تعالى:

{فَضَّلَ ٱللّه ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ دَرَجَةً} في هؤلاء القاعدين قولان.

احدهما: أنهم القاعدون بالضرر، قاله ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: القاعدون من غير ضرر، قاله أبو سليمان الدمشقي. قال ابن جرير: والدرجة: الفضيلة. فأما الحسنى فهي الجنة في قول الجماعة. قوله تعالى:

{وَفَضَّلَ ٱللّه ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ} قال ابن عباس: القاعدون هاهنا: غير أولي الضرر، وقال سعيد بن جبير: هم الذين لا عذر لهم.

﴿ ٩٥