٨٣

قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ}

قال المفسرون: نزلت هذه الآية وما بعدها مما يتعلق بها في النجاشي وأصحابه. قال سعيد بن جبير: بعث النجاشي قوما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأسلموا، فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، وسنذكر قصتهم فيما بعد. قال الزجاج: واللام في «لتجدن» لام القسم، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال، و«عداوة» منصوب على التمييز، واليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين حسدا للنبي صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى:

{وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} يعني: عبدة الأوثان.

فأما الذين قالوا: إنا نصارى، فهل هذا عام في كل النصارى، أم خاص؟ فيه قولان.

احدهما: أنه خاص، ثم فيه قولان.

احدهما: أنه أراد النجاشي وأصحابه لما أسلموا، قاله ابن عباس، وابن جبير.

والثاني: أنهم قوم من النصارى كانوا متمسكين بشريعة عيسى، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا، قاله قتادة.

والقول الثاني: أنه عام. قال الزجاج: يجوز أن يراد به النصارى، لأنهم كانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود. قوله تعالى:

{ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ} قال الزجاج: «القس» و«القسيس»: من رؤساء النصارى. وقال قطرب: القسيس: العالم بلغة الروم، فأما «الرهبان» فهم العباد أرباب الصوامع. قال ابن فارس: الترهب: التعبد،

فان قيل: كيف مدحهم بأن منهم قسيسين ورهبانا، وليس ذلك من أمر شريعتنا؟

فالجواب: أنه مدحهم بالتمسك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم، وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم. والمعنى: بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال القاضي أبو يعلى:

﴿ ٨٣