١١٧

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ ٱللّه يٰعِيسَى عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ}

في زمان هذا القول قولان.

احدهما: أنه يقول له يوم القيامة، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج.

والثاني: أنه قاله له حين رفعه إليه، قاله السدي، والأول أصح.

وفي إذ ثلاثة أقوال.

احدها: أنها زائدة، والمعنى: وقال اللّه، قاله أبو عبيدة.

والثاني: أنها على أصلها، والمعنى: وإذ يقوله اللّه له، قاله ابن قتيبة.

والثالث: أنها بمعنى: «إذا»، كقوله: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ} [سبأ: ٥١] والمعنى: إذا. قال أبو النجم:

ثم جزاك اللّه عني إذ جزى جنات عدن في السموات العلا

ولفظ الآية لفظ الاستفهام، ومعناها التوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى. قال أبو عبيدة: وإنما قال: «آلهين»، لأنهم إذ أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى [غلب فعل الذكر] ذكروهما.

فان قيل: فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها، فكيف قال اللّه تعالى ذلك فيهم؟

فالجواب: أنهم لما قالوا: لم تلد بشرا، وإنما ولدت إلها، لزمهم أن يقولوا: إنها من حيث البعضية بمثابة من ولدته، فصاروا بمثابة من قاله. قوله تعالى:

{قَالَ سُبْحَـٰنَكَ} أي: براءة لك من السوء

{مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ} أي: لست أستحق العبادة، فأدعو الناس إليها. وروى عطاء بن السائب عن ميسرة قال: لما قال اللّه تعالى لعيسى:

{قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللّه قَالَ} رعد كل مفصل منه حتى وقع مخافة أن يكون قد قاله، وما قال: إني لم أقل، ولكنه قال:

{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}

فان قيل: ما الحكمة في سؤال اللّه تعالى له عن ذلك وهو يعلم أنه ما قاله؟

فالجواب: أنه تثبيت للحجة على قومه، وإكذاب لهم في ادعائهم عليه أنه أمرهم بذلك، ولإنه إقرار من عيسى بالعجز في قوله:

{وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} وبالعبودية في قوله: {أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللّه رَبّى وَرَبَّكُمْ}. قوله تعالى:

{تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} قال الزجاج: تعلم ما أضمره، ولا أعلم ما عندك علمه، والتأويل: تعلم ما أعلم وأنا لا أعلم ما تعلم.

قوله تعالى: {أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللّه} قال مقاتل: وحدوه.

﴿ ١١٧