١ قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ} في سبب نزولها ثلاثة أقوال. احدها: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم بدر: من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن اسر أسيرا فله كذا وكذا، فأما المشيخة، فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم، فانا كنا لكم ردءا، فأبوا، فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت سورة {ٱلانفَالِ} رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أن سعد بن أبي وقاص أصاب سيفا يوم بدر، فقال: يا رسول اللّه، هبه لي، فنزلت هذه الآية، رواه مصعب بن سعد عن أبيه. وفي رواية أخرى عن سعد قال: قتلت سعد بن العاص، وأخذت سيفه، فأتيت به رسول اللّه، فقال: اذهب فاطرحه في القبض، فرجعت، وبي مالا يعلمه إلا اللّه، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة {ٱلانفَالِ}، فقال: {ٱذْهَبْ فَخُذْ}. وقال السدي: اختصم سعد وناس آخرون في ذلك السيف، فسألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأخذه النبي صلى اللّه عليه وسلم منهم، فنزلت هذه الآية. والثالث: أن الأنفال كانت خالصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ليس لأحد منها شيء، فسالوه أن يعطيهم منها شيئا، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي المراد بالأنفال ستة أقوال. احدها: أنها الغنائم، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والضحاك، وأبو عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين. وواحد الانفال: نفل، قال لبيد: إن تقوى ربنا خير نفل وباذن اللّه ريثي وعجل والثاني: أنها ما نفله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القاتل من سلب قتيله. والثالث: أنها ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو دابة بغير قتال، قاله عطاء. وهذا والذي قبله مرويان عن ابن عباس ايضا. والرابع: أنه الخمس الذي أخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الغنائم، قاله مجاهد. والخامس: أنه أنفال السرايا، قاله علي بن صالح بن حي. وحكي عن الحسن قال: هي السرايا التي تتقدم أمام الجيوش. والسادس: أنها زيادات يؤثر بها الإمام بعض الجيش لما يراه من المصلحة، ذكره الماوردي. وفي عن قولان. احدهما: أنها زائدة، والمعنى: يسألونك الأنفال، وكذلك قرأ سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابو العالية: {يَسْأَلُونَكَ ٱلانفَالِ} بحذف {عَنْ}. والثاني: أنها أصل، والمعنى: يسألونك عن الأنفال لمن هي؟ أو عن حكم الأنفال؛ وقد ذكرنا في سبب نزولها ما يتعلق بالقولين. وذكر أنهم إنما سألوا عن حكمها لأنها كانت حراما على الأمم قبلهم. فصل واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية، فقال بعضهم: إنها ناسخة من وجه، منسوخة من وجه، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين، فنسخ اللّه ذلك بهذه الآية، وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ثم نسخ ذلك بقوله: {وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ}. وقال آخرون: المراد بالأنفال: شيئان. احدهما: ما يجعله الرسول صلى اللّه عليه وسلم لطائفة من شجعان العسكر ومتقدميه، يستخرج به نصحهم ويحرضهم على القتال. والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها كما روي عن ابن عمر قال: بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية، فغنمنا إبلا، فأصاب كل واحد منا اثنا عشر بعيرا، ونفلنا بعيرا بعيرا؛ فعلى هذا هي محكمة، لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا. فصل ويجوز النفل قبل إحراز الغنيمة، وهو أن يقول الإمام: من أصاب شيئا فهو له، وبه قال الجمهور. فأما بعد إحرازها ففيه عن احمد روايتان. وهل يستحق القاتل سلب المقتول إذا لم يشرطه له الإمام؟ فيه قولان. احدهما: يستحقه، وبه قال الأوزاعي، والليث، والشافعي. والثاني: لا يستحقه، ويكون غنيمة للجيش، وبه قال أبو حنيفة، ومالك؛ وعن احمد روايتان كالقولين. قوله تعالى: {قُلِ ٱلانفَالُ للّه وَٱلرَّسُولِ} يحكمان فيها ما أرادا، {فَٱتَّقُواْ ٱللّه} بترك مخالفته {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} قال الزجاج: معنى ذات بينكم: حقيقة وصلكم. والبين: الوصل؛ كقوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}. ثم في المراد بالكلام قولان. احدهما: أن يرد القوي على الضعيف، قاله عطاء. والثاني: ترك المنازعة تسليما للّه ورسوله. قوله تعالى:{وَأَطِيعُواْ ٱللّه وَرَسُولَهُ} أي: اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها. |
﴿ ١ ﴾