٢٥

قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللّه فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} أي: في أماكن. قال الفراء: وكل جمع كانت فيه الف قبلها حرفان وبعدها حرفان لم يجر، مثل صوامع، ومساجد. وجرى {حُنَيْنٍ} لأنه اسم لمذكر، وهو واد بين مكة والطائف، وإذا سميت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكر لا علة فيه، أجريته، من ذلك: حنين، وبدر، وحراء، وثبير، ودابق. ومعنى الآية: أن اللّه عز وجل أعلمهم أنهم إنما يغلبون بنصر اللّه لا بكثرتهم.

وفي عددهم يوم حنين أربعة أقوال.

احدها: أنهم كانوا ستة عشر ألفا، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: عشرة آلاف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: كانوا اثني عشر ألفا، قاله قتادة، وابن زيد، وابن إسحاق، والواقدي.

والرابع: أحد عشر ألفا وخمسمائة، قاله مقاتل. قال ابن عباس: فقال ذلك اليوم سلمة بن سلامة بن وقش وقد عجب لكثرة الناس: لن تغلب اليوم من قلة، فساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلامه، ووكلوا إلى كلمة الرجل، فذلك قوله:

{إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَنْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً} وقال سعيد بن المسيب: القائل لذلك: أبو بكر الصديق. وحكى ابن جرير أن القائل لذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل: بل العباس. وقيل: رجل من بني بكر. قوله تعالى:

{وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلارْضُ بِمَا رَحُبَتْ} أي: برحبها. قال الفراء: والباء هاهنا بمنزلة {فِى} كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها. الإشارة إلى القصة قال أهل العلم بالسيرة، لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة، تآمر عليه أشراف هوازن وثقيف، فجاؤوا حتى نزلوا أوطاس، وأجمعوا المسير إليه، فخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما التقوا أعجبتهم كثرتهم فهزموا. وقال البراء بن عازب: لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فأقبلوا بالسهام، فانكشف المسلمون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وبعضهم يقول: ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ جماعة من أصحابه منهم: أبو بكر، وعمر،وعلي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث. وبعضهم يقول: لم يبق معه سوى العباس وأبي سفيان، فجعل النبي يقول للعباس:

{ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة} فنادى، وكان صيتا، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يقولون: يا لبيك، فنظر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى قتالهم، فقال:

{الآن حمي الوطيس، أنا النبي لا كذب، انا ابن عبد المطلب} ثم قال للعباس:

{ناولني الحصيات} فناوله، فقال: {يَشْوِى ٱلْوجُوهَ} ورمى بها،

وقال: {هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ} فقذف اللّه في قلوبهم الرعب فانهزموا.

رلاىىلاوقيل: أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفا من تراب، فرماهم به فانهزموا. وكانوا يقولون: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه بالتراب.

﴿ ٢٥