ÓõæÑóÉõ íõæäõÓó Úóáóíúåö ÇáÓøóáóÇãõ ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÊöÓúÚõ ÂíÇóÊò سورة يونس Úóáóíúåö ÇáÓøóáóÇãõ فصل في نزولها روى عطية، وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن، وعكرمة وروى أبو صالح عن ابن عباس أن فيها من المدني قوله: {وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ} يونس: ٤٠ وفي رواية عن ابن عباس: فيها ثلاث آيات من المدني، أولها قوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} يونس: ٩٤ إلى رأس ثلاث آيات، وبه قال قتادة. وقال مقاتل: هي مكية، غير آيتين، قوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} والتي تليها. يونس: ٩٥،٩٤ وقال بعضهم: هي مكية إلا آيتين، وهي قوله: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللّه وَبِرَحْمَتِهِ} والتي تليها. يونس: ٥٩/٥٨. _________________________________ ١ فأما قوله: {الر} قرأ ابن كثير: {الر} بفتح الراء. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «الر» على الهجاء مكسورة. وقد ذكرنا في أول سورة {البقرة} ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خصت هذه الكلمة بستة أقوال. احدها: أن معناها: أنا اللّه أرى، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنا اللّه الرحمن، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: أنه بعض اسم من أسماء اللّه. روى عكرمة عن ابن عباس قال: «الر» و«حم» و«نون» حروف الرحمن. والرابع: أنه قسم أقسم اللّه به، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والخامس: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله مجاهد، وقتادة. والسادس: أنه اسم للسورة، قاله ابن زيد. وفي قوله: {تِلْكَ} قولان. احدهما: أنه بمعنى «هذه» قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره أبو عبيدة. والثاني: أنه على أصله. ثم فيه ثلاثة أقوال. احدها: أن الإشارة إلى الكتب المتقدمة من التوراة والإنجيل، قاله مجاهد، وقتادة؛ فيكون المعنى: هذه الأقاصيص التي تسمعونها، تلك الآيات التي وصفت في التوراة والإنجيل. والثاني: أن الإشارة إلى الآيات التي جرى ذكرها، من القرآن، قاله الزجاج. والثالث: أن «تلك» إشارة إلى «الر» وأخواتها من حروف المعجم، أي: تلك الحروف المفتتحة بها السور هي {ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ} لأن الكتاب بها يتلى، وألفاظه إليها ترجع، ذكره ابن الأنباري. قال أبو عبيدة: {ٱلْحَكِيمُ} بمعنى المحكم المبين الموضح؛ والعرب قد تضع فعيلا في معنى مفعل؛ قال اللّه تعالى: {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق٢٣،١٨] أي: معد. ٢ انظر تفسير الآية:٣ ٣ قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} سبب نزولها: أن اللّه تعالى لما بعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم أنكرت الكفار ذلك، وقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فنزلت هذه الآية. والمراد بالناس هاهنا: أهل مكة، والمراد بالرجل: محمد صلى اللّه عليه وسلم. ومعنى {مِنْهُمْ}: يعرفون نسبه، قاله ابن عباس، فأما الألف فهي للتوبيخ والإنكار. قال ابن الأنباري: والاحتجاج عليهم في كونهم عجبوا من إرسال محمد، محذوف هاهنا وهو مبين في قوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} [الزخرف ٣٢] أي: فكما وضح لكم هذا التفاضل بالمشاهدة، فلا تنكروا تفضيل اللّه من شاء بالنبوة؛ وإنما حذفه هاهنا اعتمادا على ما بينه في موضع آخر. قال: وقيل: إنما عجبوا من ذكر البعث والنشور، لأن الإنذار والتبشير يتصلان بهما، فكان جوابهم في مواضع كثيرة تدل على كون ذلك، مثل قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم ٢٧] وقوله: {يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس ٧٩]. وفي المراد بقوله: {قَدَمَ صِدْقٍ} سبعة أقوال. احدها: أنه الثواب الحسن بما قدموا من أعمالهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وروى عنه أبو صالح قال: عمل صالح يقدمون عليه. والثاني: أنه ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: سابقة صدق. والثالث: شفيع صدق، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم يشفع لهم يوم القيامة، قاله الحسن. والرابع: سلف صدق تقدموهم بالإيمان، قاله مجاهد، وقتادة. والخامس: مقام صدق لا زوال، عنه قاله عطاء. والسادس: أن قدم الصدق: المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج. والسابع: أن القدم هاهنا: مصيبة المسلمين بنبيهم صلى اللّه عليه وسلم وما يلحقهم من ثواب اللّه عند أسفهم على فقده ومحبتهم لمشاهدته،ذكره ابن الأنباري. فان قيل: لم آثر القدم هاهنا على اليد، والعرب تستعمل اليد في موضع الإحسان؟ فالجواب: أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم، لأن العادة جارية بتقدم الساعي على قدميه، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يتقدم فيه ولا يقع فيه تأخر، قال ذو الرمة: لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر فان قيل: ما وجه إضافة القدم إلى الصدق؟ فالجواب: أن ذلك مدح للقدم، وكل شيء أضفته إلى الصدق، فقد مدحته؛ ومثله: {أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ} وقوله: {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} وفي الكلام محذوف، تقديره: أوحينا إلى رجل منهم، فلما اتاهم الوحي {قَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «لسحار» بألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «لسحر» بغير ألف. قال أبو علي: قد تقدم قوله: {أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ} فمن قال: ساحر، أراد الرجل؛ ومن قال: سحر، أراد الذي أوحي، سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إنه وحي، سحر. قال الزجاج: لما أنذرهم بالبعث والنشور، فقالوا: هذا سحر، أخبرهم أن الذي خلق السموات والأرض قادر على بعثهم بقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللّه} وقد سبق تفسيره في {ٱلاْعْرَافِ}. قوله تعالى: {يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ} قال مجاهد: يقضيه. وقال غيره: يأمر به ويمضيه. قوله تعالى: {مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} فيه قولان. احدهما: لا يشفع أحد إلا أن يأذن له، قاله ابن عباس. قال الزجاج: لم يجر للشفيع ذكر قبل هذا، ولكن الذين خوطبوا كانوا يقولون: الأصنام شفعاؤنا. والثاني: أن المعنى: لا ثاني معه، مأخوذ من الشفع، لأنه لم يكن معه أحد، ثم خلق الأشياء. فقوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} أي: من بعد أمره أن يكون الخلق فكان، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {فَٱعْبُدُوهُ} قال مقاتل: وحدوه. وقال الزجاج: المعنى: فاعبدوه وحده. وقوله: {تَذَكَّرُونَ} معناه: تتعظون. ٤ قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} أي: مصيركم يوم القيامة {وَعْدَ ٱللّه حَقّا} قال الزجاج: «وعد اللّه» منصوب على معنى: وعدكم اللّه وعدا، لأن قوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} معناه: الوعد بالرجوع، و «حقا» منصوب على: أحق ذلك حقا. قوله تعالى: {إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ} قرأه الأكثرون بكسر الألف. وقرأت عائشة، وأبو رزين، وعكرمة، وأبو العالية، والأعمش: بفتحها. قال الزجاج: من كسر، فعلى الاستئناف، ومن فتح، فالمعنى: إليه مرجعكم، لأنه يبدأ الخلق. قال مقاتل: يبدأ الخلق ولم يكن شيئا، ثم يعيده بعد الموت. وأما القسط، فهو العدل. فان قيل: كيف خص جزاء المؤمنين بالعدل، وهو في جزاء الكافرين عادل أيضا؟ فالجواب: أنه لو جمع الفريقين في القسط، لم يتبين في حال اجتماعهما ما يقع بالكافرين من العذاب الأليم والشرب من الحميم، ففصلهم من المؤمنين ليبين ما يجزيهم به مما هو عدل أيضا، ذكره ابن الأنباري. فأما الحميم، فهو الماء الحار. وقال أبو عبيدة: كل حار فهو حميم. ٥ انظر تفسير الآية:١٠ ٦ انظر تفسير الآية:١٠ ٧ انظر تفسير الآية:١٠ ٨ انظر تفسير الآية:١٠ ٩ انظر تفسير الآية:١٠ ١٠ قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء} قرأ الأكثرون: «ضياء» بهمزة واحدة. وقرأ ابن كثير: «ضئاء» بهمزتين في كل القرآن، أي ذات ضياء. {وَٱلْقَمَرَ نُوراً} أي: ذات نور. {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي: قدر له، فحذف الجار، والمعنى: هيأ ويسر له منازل. قال الزجاج: الهاء ترجع إلى «القمر» لأنه المقدر لعلم السنين والحساب. وقد يجوز أن يعود إلى الشمس والقمر، فحذف احدهما اختصارا. وقال الفراء: إن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة، لأن به تعلم الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما، فاكتفي بذكر احدهما من صاحبه، كقوله: {وَٱللّه وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة ٦٢] قال ابن قتيبة: منازل القمر ثمانية وعشرون منزلا من أول الشهر إلى ثماني وعشرين ليلة، ثم يستسر. وهذه المنازل، هي النجوم التي كانت العرب تنسب إليها الأنواء، وأسماؤها عندهم: الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد، الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفزغ الدلو، المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، والرشاء وهو الحوت. قوله تعالى: {مَا خَلَقَ ٱللّه ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ} أي: للحق، من إظهار صنعه وقدرته والدليل على وحدانيته. {يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «يفصل» بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «نفصل الآيات» بالنون، والمعنى: نبينها. {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يستدلون بالأمارات على قدرته. قوله تعالى: {لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} فيه قولان. احدهما: يتقون الشرك. والثاني: عقوبة اللّه. فيكون المعنى: إن الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق. قوله تعالى: {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} قال ابن عباس: لا يخافون البعث. {وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا} اختاروا ما فيها على الآخرة. {وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا} آثروها. وقال غيره: ركنوا إليها، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. {وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ} فيها قولان. احدهما: أنها آيات القرآن ومحمد، قاله ابن عباس. والثاني: ما ذكره في أول السورة من صنعه، قاله مقاتل. فأما قوله: {غَـٰفِلُونَ} فقال ابن عباس: مكذبون. وقال غيره: معرضون. قال ابن زيد: وهؤلاء هم الكفار. قوله تعالى: {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} قال مقاتل: من الكفر والتكذيب. قوله تعالى: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} فيه أربعة أقوال. احدها: يهديهم إلى الجنة ثوابا بإيمانهم. والثاني: يجعل لهم نورا يمشون به بإيمانهم. والثالث: يزيدهم هدى بإيمانهم. والرابع: يثيبهم بإيمانهم. فأما الهداية، فقد سبقت لهم. قوله تعالى: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلاْنْهَـٰرُ} أي: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو. قوله تعالى: {دَعْوٰهُمْ فِيهَا} أي: دعاؤهم. وقد شرحنا ذلك في أول {ٱلاْعْرَافِ}. وفي المراد بهذا الدعاء قولان. احدهما: أنه استدعاؤهم ما يشتهون. قال ابن عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئا قالوا: {سُبْحَـٰنَكَ ٱللّهمَّ} فيأتيهم ما يشتهون، فإذا طعموا، قالوا: {ٱلْحَمْدُ للّه رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} فذلك آخر دعواهم. وقال ابن جريج: إذا مر بهم الطير يشتهونه، قالوا: {سُبْحَـٰنَكَ ٱللّهمَّ} فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فيسلم عليهم، فيردون عليه: فذلك قوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}. فإذا أكلوا، حمدوا ربهم، فذلك قوله: {دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللّهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}. والثاني: أنهم إذا أرادوا الرغبة إلى اللّه تعالى في دعاء يدعونه به، قالوا: {سُبْحَـٰنَكَ ٱللّهمَّ}، قاله قتادة. قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} فيه ثلاثة أقوال احدها: أنها تحية بعضهم لبعض، وتحية الملائكة لهم، قاله ابن عباس. والثاني: أن اللّه تعالى يحييهم بالسلام. والثالث: أن التحية: الملك، فالمعنى: ملكهم فيها سالم، ذكرهما الماوردي. قوله تعالى: {وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ} أي: دعاؤهم وقولهم: {أَنِ ٱلْحَمْدُ للّه رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} قرأ أبو مجلز، وعكرمة، ومجاهد، وابن يعمر، وقتادة، ويعقوب: «أن الحمد للّه» بتشديد النون ونصب الدال. قال الزجاج: أعلم اللّه أنهم يبتدؤون بتعظيم اللّه وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه، وقال ابن كيسان: يفتتحون كلامهم بالتوحيد، ويختمونه بالتوحيد. ١١ قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللّه لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ} ذكر بعضهم أنها نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: {ٱللّهمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} [الأنفال ٨] والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته وفي المراد بالآية قولان. احدهما: ولو يعجل اللّه للناس الشر إذا دعوا على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم، واستعجلوا به، كما يعجل لهم الخير، لهلكوا، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. والثاني: ولو يعجل اللّه للكافرين العذاب على كفرهم كما عجل لهم خير الدنيا من المال والولد، لعجل لهم قضاء آجالهم ليتعجلوا عذاب الآخرة، حكاه الماوردي. ويقوي هذا تمام الآية وسبب نزولها. وقد قرأ الجمهور: «لقضي» إليهم بضم القاف «أجلهم» بضم اللام. وقرأ ابن عامر: «لقضى» بفتح القاف «أجلهم» بنصب اللام. وقد ذكرنا في أول {سُورَةٌ ٱلْبَقَرِ} معنى الطغيان والعمة. ١٢ قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ} اختلفوا فيمن نزلت على قولين. احدهما: أنها نزلت في أبي حذيفة، واسمه هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه المخزومي، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أنهانزلت في عتبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة، قاله عطاء. و «الضر» الجهد والشدة. واللام في قوله: {لِجَنبِهِ} بمعنى «على» وفي معنى الآية قولان. احدهما: إذا مسه الضر دعا على جنبه، أو دعا قاعدا، أو دعا قائما، قاله ابن عباس. والثاني: إذا مسه الضر في هذه الأحوال، دعا ذكره الماوردي. قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أعرض عن الدعاء، قاله مقاتل. والثاني: مر في العافية على ما كان عليه قبل أن يبتلى، ولم يتعظ بما يناله، قاله الزجاج. والثالث: مر طاغيا على ترك الشكر. قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا} قال الزجاج: «كأن» هذه مخففة من الثقيلة، المعنى: كأنه لم يدعنا، قالت الخنساء: كأن لم يكونوا حمى يتقى إذ الناس إذ ذاك من عز بزا قوله تعالى: {كَذٰلِكَ زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} المعنى: كما زين لهذا الكافر الدعاء عند البلاء، والإعراض عند الرخاء، كذلك زين للمسرفين، وهم المجاوزون الحد في الكفر والمعصية عملهم. ١٣ قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ} قال مقاتل: هذا تخويف لكفار مكة. والظلم هاهنا بمعنى الشرك. وفي قوله: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} قولان. احدهما: أنه عائد على أهل مكة، قاله مقاتل. والثاني: على القرون المتقدمة، قاله أبو سليمان. قال ابن الأنباري: ألزمهم اللّه ترك الإيمان لمعاندتهم الحق وإيثارهم الباطل. وقال الزجاج: جائز أن يكون جعل جزاءهم الطبع على قلوبهم، وجائز أن يكون أعلم ما قد علم منهم. قوله تعالى: {كَذٰلِكَ نَجْزِى} أي: نعاقب ونهلك {ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ} يعني المشركين من قومك. ١٤ قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ} قال ابن عباس: جعلناكم يا أمة محمد خلائف، أي: استخلفناكم في الأرض. وقال قتادة: ما جعلنا اللّه خلائف إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا اللّه من أعمالكم خيرا بالليل والنهار. ١٥ قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا} اختلفوا فيمن نزلت على قولين. احدهما: أنها نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في مشركي مكة، قاله مجاهد، وقتادة. والمراد بالآيات: القرآن. و «يرجون» بمعنى: يخافون. وفي علة طلبهم سوى هذا القرآن أو تبديله قولان. احدهما: أنهم أرادوا تغيير آية العذاب بالرحمة، وآية الرحمة بالعذاب، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم كرهوا منه ذكر البعث والنشور، لأنهم لا يؤمنون به، وكرهوا عيب آلهتهم، فطلبوا ما يخلوا من ذلك، قاله الزجاج. والفرق بين تبديله والإتيان بغيره، أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه. قوله تعالى: {مَا يَكُونُ لِى} حرك هذه الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. {مِن تِلْقَاء نَفْسِى} حركها نافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون، والمعنى: من عند نفسي، فالمعنى: أن الذي أتيت به، من عند اللّه، لا من عندي فأبدله. {إِنّى أَخَافُ} فتح هذه الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو. {إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} أي: في تبديله أو تغييره {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني في القيامة. فصل وقد تكلم علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ما بينا في نظيرتها في {ٱلاْنْعَـٰمِ}. ومقصود الآيتين تهديد المخالفين؛ وأضيف ذلك إلى الرسول ليصعب الأمر فيه. ١٦ انظر تفسير الآية:١٧ ١٧ قوله تعالى: {قُل لَّوْ شَاء ٱللّه مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} يعني القرآن؛ وذلك أنه كان لا ينزله علي، فيأمرني بتلاوته عليكم. {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي: ولا أعلمكم اللّه به. قرأ ابن كثير: «ولأدراكم» بلام التوكيد من غير ألف بعدها، يجعلها لاما دخلت على «أدراكم» وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «أدراكم» بالإمالة. وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة، وشيبة بن نصاح: «ولا أدرأتكم» بتاء بين الألف والكاف. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً} وقرأ الحسن، والأعمش: «عمرا» بسكون الميم. قال أبو عبيدة: وفي العمر ثلاث لغات: عمر، وعمر، وعمر. قال ابن عباس: أقمت فيكم أربعين سنة لا أحدثكم بشيء من القرآن {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أنه ليس من قبلي. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللّه كَذِبًا} يريد: إني لم أفتر على اللّه ولم أكذب عليه، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أن معه شريكا. والمجرمون هاهنا: المشركون. ١٨ قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه مَالاً يَضُرُّهُمْ} أي: لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه، قاله مقاتل، والزجاج. قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ} يعني المشركين. {هَـؤُلاء} يعنون الأصنام. قال أبو عبيدة: خرجت كنايتها على لفظ كناية الآدميين. وقد ذكرنا هذا المعنى في {ٱلاْعْرَافِ} عند قوله: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وفي قوله: {شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللّه} قولان. احدهما: شفعاؤنا في الآخرة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، ومقاتل. والثاني: شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا، لأنهم لا يقرون بالبعث، قاله الحسن. قوله تعالى: {قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللّه لَمْ يَعْلَمْ} قال الضحاك: أتخبرون اللّه أن له شريكا، ولا يعلم اللّه لنفسه شريكا في السموات ولا في الأرض. ١٩ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ} قد شرحنا هذا في سورة {البقرة ٢١٣} وأحسن الأقوال أنهم كانوا على دين واحد موحدين، فاختلفوا وعبدوا الأصنام، فكان أول من بعث إليهم نوح عليه السلام. قوله تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: ولولا كلمة سبقت بتأخير هذه الأمة أنه لا يهلكهم بالعذاب كما أهلك الذين من قبلهم، لقضي بينهم بنزول العذاب، فكان ذلك فصلا بينهم فيما فيه يختلفون من الدين. والثاني: أن الكلمة: أن لكل أمة أجلا، وللدنيا مدة لا يتقدم ذلك على وقته. والثالث: أن الكلمة: أنه لا يأخذ أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه. وفي قوله: {لقضيبينهم} قولان. احدهما: لقضي بينهم بإقامة الساعة. والثاني: بنزول العذاب على المكذبين. ٢٠ قوله تعالى: {يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ} يعني المشركين {لَوْلاَ} أي: هلا {أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} مثل العصا واليد وآيات الأنبياء. {فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للّه} فيه قولان. احدهما: أن سؤالكم: لم لم تنزل الآية؟ غيب، ولا يعلم علة امتناعها إلا اللّه. والثاني: أن نزول الآية متى يكون؟ غيب، ولا يعلمه إلى اللّه. قوله تعالى: {فَٱنتَظِرُواْ} فيه قولان. احدهما: انتظروا نزول الآية. والثاني: قضاء اللّه بيننا باظهار المحق على المبطل. ٢١ قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً} سبب نزولها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما دعا على أهل مكة بالجذب فقحطوا سبع سنين، أتاه أبو سفيان، فقال: ادع لنا بالخصب، فإن أخصبنا صدقناك، فدعا لهم، فسقوا ولم يؤمنوا، ذكره الماوردي. قال المفسرون: المراد بالناس هاهنا: الكفار. وفي المراد بالرحمة والضراء ثلاثة أقوال. احدها: أن الرحمة: العافية والسرور، والضراء: الفقر والبلاء، قاله ابن عباس. والثاني: الرحمة: الإسلام، والضراء: الكفر، وهذا في حق المنافقين، قاله الحسن. والثالث: الرحمة: الخصب، والضراء: الجدب، قاله الضحاك. وفي المراد بالمكر هاهنا أربعة أقوال. احدها: أنه الاستهزاء والتكذيب، قاله مجاهد، ومقاتل. والثاني: أنه الجحود والرد، قاله أبو عبيدة. والثالث: أنه إضافة النعم إلى غير اللّه، فيقولون: سقينا بنوء كذا، قاله مقاتل بن حيان. والرابع: أن المكر: النفاق، لأنه إظهار الإيمان وإبطان الكفر، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {قُلِ ٱللّه أَسْرَعُ مَكْرًا} أي: جزاء على المكر. {إِنَّ رُسُلَنَا} يعني الحفظة {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} أي: يحفظون ذلك لمجازاتكم عليه. وقرأ يعقوب إلا رويسا وأبا حاتم، وأبان عن عاصم: «يمكرون» بالياء. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٣ ٢٣ قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ} أي: اللّه الذي هو أسرع مكرا، هو الذي يسيركم {فِى ٱلْبَرّ} على الدواب، وفي البحر على السفن، فلو شاء انتقم منكم في البر أو في البحر. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر: «ينشركم» بالنون والشين من النشر، وهو في المعنى مثل قوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً} [النساء ٢] والفلك: السفن. قال الفراء: الفلك تذكر وتؤنث، وتكون واحدة وتكون جمعا، قال تعالى هاهنا: {جَاءتْهَا} فأنث، وقال في {يس} {فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ} فذكر. قوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِم} عاد بعد المخاطبة لهم إلى الإخبار عنهم. قال الزجاج: كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يرده إلى الغائب، قال الشاعر: شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم قوله تعالى: {بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} أي: لينة. {وَفَرِحُواْ بِهَا} للينها. {جَاءتْهَا} يعني الفلك. قال الفراء: وإن شئت جعلتها للريح، كأنك قلت: جاءت الريح الطيبة ريح عاصف، والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد عصفت الريح وأعصفت، والألف لغة لبني أسد. قال ابن عباس: الريح العاصف: الشديدة. قال الزجاج: يقال: عصفت الريح، فهي عاصف وعاصفة، وأعصفت، فهي معصف ومعصفة. {وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ} أي: من كل أمكنة الموج. قوله تعالى: {وَظَنُّواْ} فيه قولان. احدهما: أنه بمعنى اليقين. والثاني: أنه التوهم. وفي قوله: {أُحِيطَ بِهِمْ} قولان. احدهما: دنوا من الهلكة.قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد فقد دنا أهله من الهلكة. وقال الزجاج: يقال لكل من وقع في بلاء: قد أحيط بفلان، أي: أحاط به البلاء. والثاني: أحاطت بهم الملائكة، ذكره الزجاج. قوله تعالى: {دَعَوُاْ ٱللّه مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ} دون أوثانهم. قال ابن عباس: تركوا الشرك، وأخلصوا للّه الربوبية، وقالوا: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ} الريح العاصف {لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} أي: الموحدين. قوله تعالى: {يَبْغُونَ فِى ٱلاْرْضِ} البغي: الترامي في الفساد. قال الأصمعي: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى إلى فساد. قال ابن عباس: يبغون في الأرض بالدعاء إلى عبادة غير اللّه والعمل بالمعاصي والفساد. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} يعني أهل مكة. {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ} أي: جناية مظالمكم بينكم على أنفسكم. وقال الزجاج: عملكم بالظلم عليكم يرجع. قوله تعالى: {مَتَـٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} قرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وحفص، وأبان عن عاصم: «متاع الحياة الدنيا» بنصب المتاع. قال الزجاج: من رفع المتاع، فالمعنى أن ما تنالونه بهذا البغي إنما تنتفعون به في الدنيا، ومن نصب المتاع، فعلى المصدر. فالمعنى: تمتعون متاع الحياة الدنيا. وقرأ أبو المتوكل، واليزيدي في اختياره، وهارون العتكي عن عاصم: «متاع الحياة» بكسر العين. قال ابن عباس: «متاع الحياة الدنيا» أي: منفعة في الدنيا. ٢٤ قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء} هذا مثل ضربه اللّه للدنيا الفانية، فشببها بمطر نزل من السماء {فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلاْرْضِ} يعني التف النبات بالمطر، وكثر {مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ} من الحبوب وغيرها {وَٱلاْنْعَـٰمُ} من المرعى. {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلاْرْضُ زُخْرُفَهَا} قال ابن قتيبة: زينتها بالنبات. وأصل الزخرف: الذهب، ثم يقال للنقش والنور والزهر وكل شيء زين: زخرف. وقال الزجاج: الزخرف: كمال حسن الشيء. قوله تعالى: {وَٱزَّيَّنَتْ} قرأه الجمهور «وازينت» بالتشديد. وقرأ سعد ابن أبي وقاص، وابو عبد الرحمن، والحسن، وابن يعمر: بفتح الهمزة وقطعها ساكنة الزاي، على وزن: وأفعلت. قال الزجاج: من قرأ «وازينت» بالتشديد، فالمعنى: وتزينت، فادغمت التاء في الزاي وأسكنت الزاي، فاجتلبت لها ألف الوصل؛ ومن قرأ «وأزينت» بالتخفيف على أفعلت، فالمعنى: جاءت بالزينة. وقرأ أبي، وابن مسعود: «وتزينت». قوله تعالى: {وَظَنَّ أَهْلُهَا} أي: أيقن أهل الأرض {أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} أي: على ما انبتته، فأخبر عن الأرض، والمراد النبات، لأن المعنى مفهوم. {أَتَاهَا أَمْرُنَا} أي: فضاءنا باهلاكها {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا} أي: محصودا لا شيء فيها. والحصيد: المقطوع المستأصل. {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلاْمْسِ} قال الزجاج: لم تعمر. والمغاني: المنازل التي يعمرها الناس بالنزول فيها. يقال: غنينا بالمكان: إذا نزلوا به. وقرأ الحسن: «كأن لم يغن» بالياء، يعني الحصيد. قال بعض المفسرين: تأويل الآية أن الحياة في الدنيا سبب لاجتماع المال وما يروق من زهرة الدنيا ويعجب، حتى إذا استتم ذلك عند صاحبه، وظن أنه ممتع بذلك، سلب عنه بموته، أو بحادثة تهلكه، كما أن الماء سبب لالتفاف النبات وكثرته، فإذا تزينت به الأرض، وظن الناس أنهم مستمتعون بذلك، أهلكه اللّه، فعاد ما كان فيها كأن لم يكن. ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦ قوله تعالى: {وَٱللّه يَدْعُواْ إِلَى دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ} يعني الجنة. وقد ذكرنا معنى تسميتها بذلك عند قوله: {لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ} [الأنعام: ١٢٧] واعلم. أن اللّه عم بالدعوة، وخص الهداية من شاء، لأن الحكم له في خلقه. وفي المراد بالصراط المستقيم أربعة أقوال. احدها: كتاب اللّه، رواه علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. والثاني: الإسلام، رواه النواس بن سمعان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. والثالث: الحق، قاله مجاهد، وقتادة. والرابع: المخرج من الضلالات والشبه، قاله أبو العالية قوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} قال ابن عباس: قالوا: لا إله إلا اللّه. قال ابن الأنباري: الحسنى: كلمة مستغنى عن وصفها ونعتها، لأن العرب توقعها على الخلة المحبوبة المرغوب فيها المفروح بها، فكان الذي تعلمه العرب من أمرها يغني عن نعتها، فكذلك المزيد عليها محمول على معناها ومتعرف من جهتها، يدل على هذا قول امرىء القيس: فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت صعبة أي إذلال أي: إلى الأمر المحبوب. وهصرت بمعنى مددت. والغصن كناية عن المرأة. والباء مؤكدة للكلام، كما تقول العرب: ألفى بيده إلى الهلاك، يريدون: ألقى يده. والشماريخ كناية عن الذوائب. ورضت، معناه: أذللت. ومن أجل هذا قال: أي إذلال، ولم يقل: أي رياضة. وللمفسرين في المراد بالحسنى خمسة أقوال. احدها: أنها الجنة، روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وبه قال الأكثرون. والثاني: أنها الواحدة من الحسنات بواحدة، قاله ابن عباس. والثالث: النصرة، قاله عبد الرحمن بن سابط. والرابع: الجزاء في الآخرة، قاله ابن زيد. والخامس: الأمنية، ذكره ابن الأنباري. وفي الزيادة ستة أقوال. احدها: أنها النظر إلى اللّه عز وجل. روى مسلم في صحيحة من حديث صهيب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «الزيادة: النظر إلى وجه اللّه عز وجل» وبهذا القول قال أبو بكر الصديق، وابو موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والسدي، ومقاتل. والثاني: أن الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، رواه الحكم عن علي، ولا يصح. والثالث: أن الزيادة: مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها. قاله ابن عباس، والحسن. والرابع: أن الزيادة: مغفرة روضوان، قاله مجاهد. والخامس: أن الزيادة: أن ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به في القيامة، قاله ابن زيد. والسادس: أن الزيادة: ما يشتهونه، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {وَلاَ يَرْهَقُ} أي: لا يغشى {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} وقرأ الحسن، وقتادة، والأعمش: «قتر» باسكان التاء، وفيه أربعة أقوال. احدها: أنه السواد. قال ابن عباس: سواد الوجوه من الكآبة. وقال الزجاج: القتر: الغبرة التي معها سواد. والثاني: أنه دخان جهنم، قاله عطاء. والثالث: الخزي، قاله مجاهد. والرابع: الغبار، قاله أبو عبيدة. وفي الذلة قولان. احدهما: الكآبة، قاله ابن عباس. والثاني: الهوان، قاله أبو سليمان. ٢٧ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ} قال ابن عباس: عملوا الشرك. {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} في الآية محذوف، وفي تقديره قولان: احدهما: أن فيها إضمار «لهم» المعنى: لهم جزاء سيئة بمثلها، وأنشد ثعلب: فإن سأل الواشون عنه فقل لهم وذاك عطاء للوشاة جزيل ملم بليلى لمة ثم إنه لهاجر ليلى بعدها فمطيل أراد: هو ملم، وهذا قول الفراء. والثاني: أن فيها إضمار «منهم» المعنى: جزاء سيئة منهم بمثلها، تقول العرب: رأيت القوم صائم وقائم، أي: منهم صائم وقائم، أنشد الفراء: حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود اي: منه ملوي، وهذا قول ابن الأنباري. وقال بعضهم: الباء زائدة هاهنا، و «من» في قوله: {مِنْ عَاصِمٍ} صلة، والعاصم: المانع. {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} أي: ألبست {قِطَعًا} قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة: «قطعا» مفتوحة الطاء، وهي جمع قطعة. وقرأ ابن كثير، والكسائي، ويعقوب: «قطعا» بتسكين الطاء، قال ابن قتيبة: وهو اسم ما قطع. قال ابن جرير: وإنما قال: «مظلما» ولم يقل: «مظلمة» لأن المعنى: قطعا من الليل المظلم، ثم حذفت الألف واللام من «المظلم» فلما صار نكره، وهو من نعت الليل، نصب على القطع؛ وقوم يسمون ما كان كذلك حالا، وقوم قطعا. ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} قال ابن عباس: يجمع الكفار وآلهتهم. {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} أي: آلهتكم. قال الزجاج: «مكانكم» منصوب على الأمر، كأنهم قيل لهم: انتظروا مكانكم حتى نفصل بينكم، والعرب تتوعد فتقول: مكانك، أي: انتظر مكانك، فهي كلمة جرت على الوعيد. قوله تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} وقرأ ابن أبي عبلة: «فزايلنا» بألف، قال ابن عباس: فرقنا بينهم وبين آلهتهم. وقال ابن قتيبة: هو من زال يزول وأزلته. وقال ابن جرير: إنما قال «فزيلنا» ولم يقل: «فزلنا» لا راده تكرير الفعل وتكثيره. فان قيل: «كيف تقع الفرقة بينهم وهم معهم في النار، لقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨] فالجواب: أن الفرقة وقعت بتبري كل معبود ممن عبده، وهو قوله: {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ}، قال ابن عباس: آلهتهم، ينطق اللّه الأوثان، فتقول: {كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} أي: لا نعلم بعبادتكم لنا، لأنه ما كان فينا روح، فيقول العابدون: بلى قد عبدناكم، فتقول الآلهة: {فَكَفَىٰ بِٱللّه شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَـٰفِلِينَ} لا نعلم بها. قال الزجاج: {أَن كُنَّا} معناه: ما كنا إلا غافلين. فان قيل: ما وجه دخول الباء في قوله: {فَكَفَىٰ بِٱللّه شَهِيدًا}؟ فعنه جوابان. احدهما: أنها دخلت للمبالغة في المدح كما قالوا: أظرف بعبد اللّه، وأنبل بعبد الرحمن، وناهيك بأخينا، وحسبك بصديقنا، هذا قول الفراء وأصحابه. والثاني: أنها دخلت توكيدا للكلام، إذ سقوطها ممكن، كما يقال: خذ بالخطام، وخذ الخطام، قاله ابن الأنباري. ٣٠ قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «تبلو» بالباء. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وزيد عن يعقوب: «تتلو» بالتاء قال الزجاج: «هنالك» ظرف والمعنى في ذلك الوقت تبلو، وهو منصوب بتبلو، إلا أنه غير متمكن، والام زائدة، والأصل: هناك، وكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة. و«تبلو» تختبر، أي: تعلم. ومن قرأ «تتلو» بتاءين، فقد فسرها الأخفش وغيره: تتلو من التلاوة، أي: تقرأ. وفسروه ايضا: تتبع كل نفس ما أسلفت. ومثله قول الشاعر: قد جعلت دلوي تستتليني ولا أريد تبع القرينا اي: تستتبعني، أي: من ثقلها تستدعي اتباعي إياها. قوله تعالى: {وَرُدُّواْ} أي: في الآخرة {إِلَىٰ ٱللّه مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقّ} الذي يملك أمرهم حقا، لا من جعلوا معه من الشركاء. {وَضَلَّ عَنْهُم} أي: زال وبطل {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من الآلهة. ٣١ قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنб614; ٱلسَّمَاء} المطر، ومن الأرض النبات، {أَم مَّنْ يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ} أي: خلق السمع والأبصار. وقد سبق معنى إخراج الحي. من الميت، والميت من الحي [آل عمران: ٢٧] قوله تعالى: {وَمَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ} أي: أمر الدنيا والآخرة {فَسَيَقُولُونَ ٱللّه} لأنهم خوطبوا بما لا يقدر عليه إلا اللّه، فكان في ذلك دليل توحيده. وفي قوله: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} قولان. احدهما: أفلا تتعظون، قاله ابن عباس. والثاني: تتقون الشرك، قاله مقاتل. ٣٢ قوله تعالى: {فَذَلِكُمُ ٱللّه رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ} قال الخطابي: الحق هو المتحقق وجوده، وكل شيء صح وجوده وكونه، فهو حق. قوله تعالى: {فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} قال ابن عباس: كيف تصرف عقولكم إلى عبادة من لا يرزق ولا يحيى ولا يميت. ٣٣ انظر تفسير الآية:٣٥ ٣٤ انظر تفسير الآية:٣٥ ٣٥ قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «كلمة ربك» وفي آخر السورة كذلك. وقرأ نافع، وابن عامر. الحرفين «كلمات» على الجمع. قال الزجاج: الكاف في موضع نصب، أي: مثل أفعالهم جازاهم ربك، والمعنى: حق عليهم أنهم لا يؤمنون، وقوله: {أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بدل من {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ}. وجائز أن تكون الكلمة حقت عليهم لأنهم لا يؤمنون، وتكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب. وذكر ابن الأنباري في {كَذٰلِكَ} قولين. احدهما: أنها إشارة إلى مصدر «تصرفون»، والمعنى: مثل ذلك الصرف حقت كلمة ربك. والثاني: أنه بمعنى هكذا. وفي معنى «حقت» قولان. احدهما: وجبت. والثاني: سبقت.وفي كلمته قولان. احدهما: أنها بمعنى وعده. والثاني: بمعنى قضائه. ومن قرأ «كلمات» جعل كل واحدة من الكلم التي توعدوا بها كلمة. وقد شرحنا معنى الكلمة في {ٱلاْعْرَافِ} قوله تعالى: {ٱلْحَقّ قُلِ ٱللّه يَهْدِى لِلْحَقّ} أي: إلى الحق. قوله تعالى: {أَم مَّنْ لاَّ يَهِدِّى} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وورش عن نافع: «يهدي» بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. قال الزجاج: الأصل يهتدي، فأدغمت التاء في الدال، فطرحت فتحتها على الهاء. وقرأ نافع إلى ورشا، وأبو عمرو: «يهدي» بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن أبا عمرو كان يشم الهاء شيئا من الفتح. وقرأ حمزة، والكسائي: «يهدي» بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال. قال أبو علي: والمعنى: لا يهدي غيره إلا أن يهدى هو، ولو هدي الصم لم يهتد، ولكن لما جعلوها كمن يعقل، أجريت مجراه. وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم:«يهدي» بكسر الياء والهاء وتشديد الدال، وكذلك روى أبان وجبلة عن المفضل وعبد الوارث، قال الزجاج: أتبعوا الكسرة، الكسرة وهي رديئة لثقل الكسرة في الياء وروى حفص عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر عنه: «يهدي» بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال. قال الزجاج: وهذه في الجودة كالمفتوحة الهاء إلا أن الهاء، كسرت لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن السميفع: «يهتدي» بزيادة تاء. والمراد بقوله: {أَم مَّنْ لاَّ يَهِدِّى} الصم {إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ}. وظاهر الكلام يدل على أن الأصنام إن هديت اهتدت، وليست كذلك، لأنها حجارة لا تهتدى، إلا أنهم لما اتخذوها آلهة، عبر عنها كما يعبر عمن يعقل، ووصفت صفة من يعقل وإن لم تكن في الحقيقة كذلك؛ ولهذا المعنى قال في صفتها: {مِن} لأنهم جعلوها كمن يعقل. ولما أعطاها حقها في أصل وضعها، قال: {يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ} [مريم: ٤٢] وقال الفراء: {أَمَّن لاَّ يَهِدِّى} أي: أتعبدون. مالا يقدر أن ينتقل من مكانه إلا أن يحول؟ وقد صرف بعضهم الكلام إلى الرؤساء والمضلين، والأول أصح. قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ} قال الزجاج: هو كلام تام، كأنه قيل لهم: أي شيء لكم في عبادة الأوثان؟ ثم قيل لهم: {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أي: على أي حال تحكمون؟ وقال ابن عباس: كيف تقضون لأنفسكم؟ وقال مقاتل: كيف تقضون بالجور؟ ٣٦ قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} أي: كلهم {إِلاَّ ظَنّا} أي: ما يستيقنون أنها آلهة، بل يظنون شيئا فيتبعونه. {إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئًا} أي: ليس هو كاليقين، ولا يقوم مقام الحق وقال مقاتل: ظنهم بأنها آلهة لا يدفع عنهم من العذاب شيئا، وقال غيره: ظنهم أنها تشفع لهم لا يغني عنهم. ٣٧ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللّه} قال الزجاج: هذا جواب قولهم: {ٱئْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدّلْهُ} [يونس: ١٥] وجواب قولهم: {ٱفْتَرَاهُ} [الفرقان: ٤] قال الفراء: ومعنى الآية: ما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه، فجاءت «أن» على معنى ينبغي. وقال ابن الأنباري: يجوز«أن» تكون مع «يفترى» مصدرا، وتقديره: وما كان هذا القرآن افتراء. ويجوز أن تكون «كان» تامة، فيكون المعنى: ما نزل هذا القرآن، وما ظهر هذا القرآن لأن يفترى، وبأن يفترى، فتنصب «أن» بفقد الخافض في قول الفراء، وتخفض باضمار الخافض في قول الكسائي. وقال ابن قتيبة: معنى {أَن يُفْتَرَىٰ} أي: يضاف إلى غير اللّه، أو يختلق قوله تعالى: {وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه تصديق الكتب المتقدمة، قاله ابن عباس. فعلى هذا، إنما قال: {ٱلَّذِى} لأنه يريد الوحي. والثاني: ما بين يديه من البعث والنشور، ذكره الزجاج. والثالث: تصديق النبي صلى اللّه عليه وسلم الذي بين يدي القرآن، لأنهم شاهدوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وعرفوه قبل سماعهم القرآن، ذكره ابن الأنباري: قوله تعالى: {وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ} أي: وبيان الكتاب الذي كتبه اللّه على أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الفرائض التي فرضها عليهم. ٣٨ قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ} في «أم» قولان. احدهما: أنها بمعنى الواو، قاله أبو عبيدة. والثاني: بمعنى بل، قاله الزجاج. قوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ} قال الزجاج: المعنى: فأتوا بسورة مثل سورة منه، فذكر المثل لأنه إنما التمس شبه الجنس، {وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ} ممن هو في التكذيب مثلكم إن كنتم صادقين أنه اختلقه. ٣٩ قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} فيه قولان. احدهما: أن المعنى: بما لم يحيطوا بعلم ما فيه ذكر الجنة والنار والبعث والجزاء. والثاني: بما لم يحيطوا بعلم التكذيب به، لأنهم شاكون فيه. وفي قوله: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} قولان. احدهما: تصديق ما وعدوا به من الوعيد. والتأويل: ما يؤول إليه الأمر. والثاني: ولم يكن معهم علم تأويله، قاله الزجاج. قيل لسفيان بن عيينة: يقول الناس: كل إنسان عدو ما جهل، فقال: هذا في كتاب اللّه. قيل: أين؟ فقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن: من جهل شيئا عاداه؟ فقال: نعم، في موضعين قوله: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} وقوله: {إِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: ١١] ٤٠ قوله تعالى: {وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} في المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم اليهود، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: قريش، قاله مقاتل بن سليمان. وفي هاء «به» قولان. احدهما: أنها ترجع إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ودينه، قاله مقاتل. والثاني: إلى القرآن، قاله أبو سليمان الدمشقي. وهذه الآية تضمنت الإخبار عما سبق في علم اللّه، فالمعنى: ومنهم من سيؤمن به. وقال الزجاج: منهم من يعلم أنه حق فيصدق به ويعاند فيظهر الكفر. {وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ} أي: يشك ولا يصدق. قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ} قال عطاء: يريد المكذبين، وهذا تهديد لهم. ٤١ قوله تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لّى عَمَلِى} الآية. قال أبو صالح عن ابن عباس: نسختها آية السيف؛ وليس هذا بصحيح، لأنه لا تنافي بين الآيتين. ٤٢ قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. احدها: في يهود المدينة، كانوا يأتون رسول اللّه ويستمعون القرآن فيعجبون ويشتهونه ويغلب عليهم الشقاء، فنزلت هذه الآية. والثاني: أنهانزلت في المستهزئين، كانوا يستمعون إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم للاستهزاء والتكذيب، فلم ينتفعوا، فنزلت فيهم هذه الآية، والقولان مرويان عن ابن عباس. والثالث: أنها نزلت في مشركي قريش، قاله مقاتل. قال الزجاج: ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم بمنزلة الصم. {وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} أي: ولو كانوا مع ذلك جهالا. وقال ابن عباس: يريد أنهم شر من الصم لأن الصم، لهم عقول وقلوب، وهؤلاء قد اصم اللّه قلوبهم. ٤٣ قوله تعالى: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} قال ابن عباس؛ يريد: متعجبين منك. {أَفَأَنْتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ} يريد أن اللّه أعمى قلوبهم فلا يبصرون. وقال الزجاج: منهم من يقبل عليك بالنظر، وهو من بغضه لك وكراهته لما يرى من آياتك كالأعمى. وقال ابن جرير: ومنهم من يستمع قولك وينظر إلى حججك على نبوتك، ولكن اللّه قد سلبه التوفيق. وقال مقاتل: «و لو» في الآيتين بمعنى «إذا». ٤٤ قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا} لما ذكر الذين سبق القضاء عليهم بالشقاوة، أخبر أن تقدير ذلك عليهم ليس بظلم، لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء، وهم إذا كسبوا المعاصي فقد ظلموا أنفسهم بذلك، لأن الفعل منسوب إليهم، وإن كان بقضاء اللّه. قوله تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: «ولكن الناس» بتخفيف النون وكسرها، ورفع الإسم بعدها. ٤٥ قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} وقرأ حمزة: «يحشرهم» بالياء. قال أبو سليمان الدمشقي: هم المشركون. قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ ٱلنَّهَارِ} فيه قولان. احدهما: كأن لم يلبثوا في قبورهم، قاله ابن عباس. والثاني: في الدنيا، قاله مقاتل. قال الضحاك: قصر عندهم مقدار الوقت الذي بين موتهم وبعثهم، فصار كالساعة من النهار، لهول ما استقبلوا من القيامة. قوله تعالى: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} قال ابن عباس: إذا بعثوامن القبور تعارفوا، ثم تنقطع المعرفة. قال الزجاج: وفي معرفة بعضهم بعضا، وعلم بعضهم باضلال بعض، التوبيخ لهم، وإثبات الحجة عليهم. وقيل: إذا تعارفوا وبخ بعضهم بعضا، فيقول هذا لهذا: أنت أضللتني، وكسبتني دخول النار. قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ} هو من قول اللّه تعالى، لا من قولهم، والمعنى: خسروا ثواب الجنة إذ كذبوا بالبعث {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} من الضلالة. ٤٦ انظر تفسير الآية:٤٧ ٤٧ قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ} قال المفسرون: كانت وقعة بدر مما أراه اللّه في حياته من عذابهم. {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نريك {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الموت، والمعنى: إن لم ننتقم منهم عاجلا، انتقمنا آجلا. قوله تعالى: {ثُمَّ ٱللّه شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ} من الكفر والتكذيب. قال الفراء: «ثم» هاهنا عطف، ولو قيل: معناها هناك اللّه شهيد، كان جائزا. وقال غيره: «ثم» هاهنا بمعنى الواو. وقرأ ابن أبي عبلة: «ثم اللّه شهيد» بفتح الثاء، يراد به: هنالك اللّه شهيد. قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُمْ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: إذا جاء في الدنيا بعد الإذن له في دعائهم، قضي بينهم بتعجيل الانتقام، منهم قاله الحسن. وقال غيره: إذا جاءهم في الدنيا، حكم عليهم عند اتباعه وخلافه بالطاعة والمعصية. والثاني: إذا جاء يوم القيامة، قاله مجاهد. وقال غيره: إذا جاء شاهدا عليهم. والثالث: إذا جاء في القيامة وقد كذبوه في الدنيا، قاله ابن السائب. قوله تعالى: {قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ} فيه قولان. احدهما: بين الأمة، فأثيب المحسن وعوقب المسيء. والثاني: بينهم وبين نبيهم. ٤٨ قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ} في القائلين هذا قولان. احدهما: الأمم المتقدمة، أخبر عنهم باستعجال العذاب لأنبيائهم، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم المشركون الذين أنذرهم نبينا صلى اللّه عليه وسلم، قاله أبو سليمان. وفي المراد بالوعد قولان. احدهما: العذاب قاله ابن عباس. والثاني: قيام الساعة. {إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ} أنت وأتباعك. ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٠ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥١ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٢ قوله تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا} الآية قد ذكرت تفسيرها في آيتين من {ٱلاْعْرَافِ}. قوله تعالى: {أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا} قال الزجاج: البيات: كل ما كان بليل. وقوله: {مَاذَا} في موضع رفع من جهتين. إحداهما: أن يكون «ذا» بمعنى الذي، المعنى: مال الذي يستعجل منه المجرمون؟ ويجوز أن يكون «ماذا» اسما واحدا، فيكون المعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون؟ والهاء في «منه» تعود على العذاب. وجائز أن تعود على ذكر اللّه تعالى، فيكون المعنى: أي شيء يستعجل المجرمون من اللّه تعالى؟ وعودها على العذاب أجود، لقوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ} وذكر بعض المفسرين أن المراد بالمجرمين: المشركون، وكانوا يقولون: نكذب بالعذاب ونستعجله، ثم إذا وقع العذاب آمنا به؛ فقال اللّه تعالى موبخا لهم: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ} أي: هنالك تؤمنون فلا يقبل منكم الإيمان، ويقال لكم: الآن تؤمنون؟ فأضمر: تؤمنون به مع {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ} مستهزئين، وهو قوله: {ثُمَّ قيل لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: كفروا، عند نزول العذاب {ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ}، لأنه إذا نزل بهم العذاب، أفضوا منه إلى عذاب الآخرة الدائم. {ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ}، لأنه إذا نزل بهم العذاب، أفضوا منه إلى عذاب الآخرة الدائم. ٥٤ انظر تفسير الآية: ٥٦ ٥٥ انظر تفسير الآية:٥٦ ٥٦ قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} قال ابن عباس: أشركت. {مَا فِى ٱلاْرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ} عند نزول العذاب. {وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ} يعني: الرؤساء أخفوها من الأتباع. {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} أي: بين الفريقين. وقال آخرون منهم أبو عبيدة والمفضل: «أسروا الندامة» بمعنى أظهروا، لأنه ليس بيوم تصنع ولا تصبر، والإسرار من الأضداد؛ يقال: أسررت الشيء، بمعنى: أخفيته. وأسررته: أظهرته، قال الفرزدق: ولما رأى الحجاج جرد سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا عني: أظهر. فعلى هذا القول: أظهروا الندامة عند إحراق النار لهم، لأن النار ألهتهم عن التصنع والكتمان. وعلى الأول: كتموها قبل إحراق النار إياهم. وقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللّه حَقٌّ} قال ابن عباس: ما وعد أولياءه من الثواب، وأعداءه من العقاب. {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني المشركين {لاَّ يَعْلَمُونَ} ٥٧ قوله تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} قال ابن عباس: يعني قريشا {ق جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ} يعني القرآن. {وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ} أي: دواء لداء الجهل. {وَهَدَىٰ} أي: بيان من الضلالة. ٥٨ قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللّه وَبِرَحْمَتِهِ} فيه ثمانية أقوال. احدها: أن فضل اللّه: الإسلام، ورحمته: القرآن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، وهلال بن يساف. وروي عن الحسن، ومجاهد في بعض الرواية عنهما، وهو اختيار ابن قتيبة. والثاني: أن فضل اللّه: القرآن، ورحمته: أن جعلهم من أهل القرآن، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال أبو سعيد الخدري، والحسن في رواية. والثالث: أن فضل اللّه: العلم، ورحمته: محمد صلى اللّه عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس. والرابع: أن فضل اللّه: الإسلام، ورحمته: تزيينه في القلوب، قاله ابن عمر. والخامس: أن فضل اللّه: القرآن، ورحمته: الإسلام، قاله الضحاك، وزيد بن أسلم، وابنه، ومقاتل. والسادس: أن فضل اللّه ورحمته: القرآن، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، واختاره الزجاج. والسابع: أن فضل اللّه: القرآن، ورحمته: السنة، قاله خالد بن معدان. والثامن: فضل اللّه، التوفيق، ورحمته: العصمة، قاله ابن عيينة. قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} وقرأ أبي بن كعب، وأبو مجلز، وقتادة، وأبو العالية، ورويس عن يعقوب: «فلتفرحوا» بالتاء. وقرأ الحسن، ومعاذ القارىء، وأبو المتوكل مثل ذلك، إلا أنهم كسروا اللام. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران: «فبذلك فافرحوا» قال ابن عباس: بذلك الفضل والرحمة. {هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} أي: مما يجمع الكفار من الأموال. وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، ورويس: «تجمعون» بالتاء وحكى ابن الأنباري أن الباء في قوله: {بِفَضْلِ ٱللّه} خبر لاسم مضمر، تأويله: هذا الشفاء وهذه الموعظة بفضل اللّه ورحمته، فبذلك التطول من اللّه فليفرحوا. ٥٩ قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللّه لَكُمْ مّن رّزْقٍ} قال المفسرون: هذا خطاب لكفار قريش، كانوا يحرمون ما شاؤوا، ويحلون ما شاؤوا و {أنزَلَ} بمعنى خلق. وقد شرحنا بعض مذاهبهم فيما كانوا يفعلون من البحيرة والسائبة وغير ذلك في {المائدة ١٠٣} و {ٱلاْنْعَـٰمِ}. قوله تعالى: {قُلِ ٱللّه أَذِنَ لَكُمْ} أي: في هذا التحليل والتحريم. ٦٠ قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللّه ٱلْكَذِبَ} في الكلام محذوف، تقديره: ما ظنهم أن اللّه فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم، {إِنَّ ٱللّه لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ} حين لم يعجل عليهم بالعقوبة {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} تأخير العذاب عنهم. ٦١ قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ} أي: في عمل من الأعمال، وجمعه: شؤون. {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ} في هاء الكناية قولان. احدهما: أنها تعود إلى الشأن. قال الزجاج: معنى الآية: أي وقت تكون في شأن من عبادة اللّه، وما تلوت من الشأن من قرآن. والثاني: أنها تعود إلى اللّه تعالى، فالمعنى: وما تلوت من اللّه، أي: من نازل منه من قرآن، ذكره جماعة من العلماء. والخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وامته داخلون فيه، بدليل قوله: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} قال ابن الأنباري: جمع في هذا، ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأولين. قوله تعالى: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الهاء عائدة على العمل. قال ابن قتيبة: تفيضون بمعنى تأخذون. فيه وقال الزجاج: تنتشرون فيه، يقال: أفاض القوم في الحديث: إذا انتشروا فيه وخاضوا. {وَمَا يَعْزُبُ} معناه: وما يبعد. وقال ابن قتيبة: ما يبعد ولا يغيب. وقرأ الكسائي «يعزب» بكسر الزاي هاهنا وفي {سَبَإٍ} وقد بينا «مثقال ذرة» في سورة {ٱلنّسَاء}. قوله تعالى: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ} قرأ الجمهور بفتح الراء فيهما. وقرأ حمزة، وخلف، ويعقوب، برفع الراء فيهما. قال الزجاج: من قرأ بالفتح، فالمعنى: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة، ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر، والموضع موضع خفض، إلا أنه فتح لأنه لا ينصرف. ومن رفع، فالمعنى: وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر. ويجوز رفعه على الابتداء، فيكون المعنى: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، {إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ} قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ. ٦٢ انظر تفسير الآية:٦٤ ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٤ ٦٤ قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللّه} روى ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول اللّه، من أولياء اللّه؟ قال «الذين إذا رؤوا ذكر اللّه» وروى عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم اللّه عليه وسلم أنه قال: إن من عباد اللّه لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من اللّه عز وجل. قالوا: يا رسول اللّه، من هم، وما أعمالهم لعلنا نحبهم؟ قال «هم قوم تحابوا بروح اللّه على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فواللّه إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس» ثم قرأ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللّه لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. قوله تعالى: {لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا} فيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له، رواه عبادة ابن الصامت، وأبو الدرداء، وجابر بن عبد اللّه، وأبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. والثاني: أنها بشارة الملائكة لهم عند الموت، قاله الضحاك، وقتادة، والزهري. والثالث: أنها ما بشر اللّه به في كتابه من جنته وثوابه، كقوله: {وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} [البقرة ٢٥] {وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ} [فصلت ٣٠] {يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم} [التوبة ٢١] وهذا قول الحسن، واختاره الفراء، والزجاج، واستدلا بقوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللّه} قال ابن عباس: لا خلف لمواعيده، وذلك أن مواعيده بكلماته، فإذا لم تبدل الكلمات، لم تبدل المواعيد. فأما بشراهم في الآخرة، ففيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها الجنة، رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، واختارة ابن قتيبة. والثاني: أنه عند خروج الروح تبشر برضوان اللّه، قاله ابن عباس. والثالث: أنها عند الخروج من قبورهم، قاله مقاتل. ٦٥ قوله تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} قال ابن عباس: تكذيبهم: وقال غيره: تظاهرهم عليك بالعداوة وإنكارهم وأذاهم. وتم الكلام هاهنا. ثم ابتدأ فقال: {إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للّه جَمِيعاً} أي: الغلبة له، فهو ناصرك وناصر دينك، {هُوَ ٱلسَّمِيعُ} لقولهم {ٱلْعَلِيمُ} باضمارهم، فيجازيهم على ذلك. ٦٦ قوله تعالى: {ألا إن للّه من في السموات ومن في الأرض} قال الزجاج: «ألا» افتتاح كلام وتنبيه، أي فالذي هم له، يفعل فيهم وبهم ما يشاء. قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه شُرَكَاء} أي: ما يتبعون شركاء على الحقيقة، لأنهم يعدونها شركاء للّه شفعاء لهم، وليست على ما يظنون. {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ} في ذلك {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} قال ابن عباس: يكذبون. وقال ابن قتيبة: يحدسون ويحزرون. ٦٧ قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} المعنى: إن ربكم الذي يجب أن تعتقدوا ربوبيته، هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، فيزول تعب النهار وكلاله بالسكون في الليل، وجعل النهار مبصرا، أي: مضيئا تبصرون فيه. وإنما أضاف الابصار إليه، لأنه قد فهم السامع المقصود، إذ النهار لا يبصر، وإنما هو ظرف يفعل فيه غيره، كقوله: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة ٢١] إنما هي مرضية، وهذا كما يقال: ليل نائم، قال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم وله تعالى: {إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع اعتبار، فيعلمون أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله القادر. ٦٨ انظر تفسير الآية:٧٠ ٦٩ انظر تفسير الآية:٧٠ قوله تعالى: {قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللّه وَلَدًا} قال ابن عباس: يعني أهل مكة، جعلوا الملائكة بنات اللّه. قوله تعالى: {سُبْحَـٰنَهُ} تنزيه له عما قالوا. {هُوَ ٱلْغَنِىُّ} عن الزوجة والولد. {إِنْ عِندَكُمْ} أي: ما عندكم {مّن سُلْطَـٰنٍ} أي: جحة بما تقولون. قوله تعالى: {لاَ يُفْلِحُونَ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: لا يبقون في الدنيا. والثاني: لا يسعدون في العاقبة. والثالث: لا يفوزون. قال الزجاج: وهذا وقف التمام، وقوله {مَتَـٰعٌ فِى ٱلدُّنْيَا} مرفوع على معنى: ذلك متاع في الدنيا. ٧١ قوله تعالى: {وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} فيه دليل على نبوته، حيث أخبر عن قصص الأنبياء ولم يكن يقرأ الكتب، وتحريض على الصبر، وموعظة لقومه بذكر قوم نوح وما حل بهم من العقوبة بالتكذيب. قوله تعالى: {إِن كَانَ كَبُرَ} أي: عظم وشق {عَلَيْكُمْ مَّقَامِى} أي: طول مكثي. وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء «مقامي» برفع الميم. {وَتَذْكِيرِى} وعظي. {فَعَلَى ٱللّه تَوَكَّلْتُ} في نصرتي ودفع شركم عني. {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} قرأ الجمهور «فأجمعوا» بالهمز وكسر الميم، من «أجمعت» وروى الأصمعي عن نافع: «فاجمعوا» بفتح الميم، من «جمعت» ومعنى «أجمعوا أمركم» أحكموا أمركم واعزموا عليه. قال المؤرج: «أجمعت الأمر» أفصح من «أجمعت عليه» وأنشد: يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع أما رواية الأصمعي، فقال أبو علي: يجوز أن يكون معناها: اجمعوا ذوي الأمر منكم، أي: رؤساءكم. ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي يكيدون به، فيكون كقوله: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً} [طه ٦٤]. قوله تعالى: {وَشُرَكَاءكُمْ} قال الفراء وابن قتيبة: المعنى: وادعوا شركاءكم. وقال الزجاج: الواو هاهنا بمعنى «مع» فالمعنى: مع شركائكم. تقول: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، أي مع فصيلها وقرأ يعقوب «وشركاؤكم» بالرفع. قوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} فيه قولان. احدهما: لا يكن أمركم مكتوما، قاله ابن عباس. والثاني: غما عليكم، كما تقول: كرب وكربة، قاله ابن قتيبة. وذكر الزجاج القولين. وفي قوله: {ثُمَّ ٱقْضُواْ إِلَىَّ} قولان. احدهما: ثم أقضوا إلي ما في أنفسكم، قاله مجاهد. والثاني: افعلوا ما تريدون، قاله الزجاج، وابن قتيبة. وقال ابن الأنباري:معناه: اقضوا إلي بمكروهكم وما توعدونني به، كما تقول العرب: قد قضى فلان، يريدون: مات ومضى. ٧٢ انظر تفسير الآية:٧٣ ٧٣ قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي: أعرضتم عن الإيمان. {فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أي: لم يكن دعائي إياكم طمعا في أموالكم. قوله تعالى: {إِنْ أَجْرِىَ} حرك هذه الياء ابن عامر، وأبو عمرو، ونافع، وحفص عن عاصم، وأسكنها الباقون. قوله تعالى: {جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ} أي: جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفا ممن هلك. ٧٤ قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد نوح {رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ} قال ابن عباس: يريد إبراهيم وهودا و صالحا ولوطا وشعيبا. {مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ} أي: بأن لهم أنهم رسل اللّه. {فَمَا كَانُواْ} أي: أولئك الأقوام {لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ} يعني الذين قبلهم. والمراد: أن المتأخرين مضوا على سنن المتقدمين في التكذيب. وقال مقاتل: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من العذاب من قبل نزوله. قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ} أي: كما طبعنا على قلوب أولئك، {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ} يعني المتجاوزين ما أمروا به. ٧٥ قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} يعني الرسل الذين أرسلوا بعد نوح. ٧٦ انظر تفسير الآية:٨٢ ٧٧ انظر تفسير الآية:٨٢ ٧٨ انظر تفسير الآية:٨٢ ٧٩ انظر تفسير الآية:٨٢ ٨٠ انظر تفسير الآية:٨٢ ٨١ انظر تفسير الآية:٨٢ ٨٢ قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا} وهو ما جاء به موسى من الآيات. قوله تعالى: {أَسِحْرٌ هَـٰذَا} قال الزجاج: المعنى: أتقولون للحق لما جاءكم هذا اللفظ، وهو قولهم: {إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} ثم قررهم فقال: {أَسِحْرٌ هَـٰذَا}؟ قال ابن الأنباري: إنما أدخلوا الألف على جهة تفظيع الأمر، كما يقول الرجل إذا نظر إلى الكسوة الفاخرة. أكسوة هذه؟ يريد بالاستفهام تعظيمها، وتأتي الرجل جائزة، فيقول: أحق ما أرى؟ معظما لما ورد عليه. وقال غيره: تقدير الكلام: أتقولون للحق لما جاءكم: هو سحر؟ أسحر هذا؟ فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه، كقوله: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلاْخِرَةِ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} [الاسراء ٨] المعنى بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم. قوله تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} قال ابن قتيبة: لتصرفنا. يقال: لفت فلانا عن كذا: إذا صرفته. ومنه الالتلفت، وهو الانصراف عما كنت مقبلا عليه. قوله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَاء فِى ٱلاْرْضِ} وروى أبان، وزيد عن يعقوب {وَيَكُونَ لَّكُمَا} بالياء. وفي المراد بالكبرياء ثلاثة أقوال. احدها: الملك والشرف، قاله ابن عباس. والثاني: الطاعة، قاله الضحاك. والثالث: العلو، قاله ابن زيد. قال ابن عباس: والأرض هاهنا، أرض مصر. قوله تعالى: {بِكُلّ سَـٰحِرٍ} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف «بكل سحار» بتشديد الحاء وتأخير الألف. قوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ} قرأ الأكثرون «السحر» بغير مد، على لفظ الخبر، والمعنى: الذي جئتم به من الحبال والعصي، هو السحر، وهذا رد لقولهم للحق: هذا سحر، فتقديره: الذي جئتم به السحر، فدخلت الألف واللام، لأن النكرة إذا عادت، عادت معرفة، كما تقول: رايت رجلا، فقال لي الرجل. وقرأ مجاهد، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وابان عن عاصم، وأبو حاتم عن بعقوب «آلسحر» بمد الألف، استفهاما. قال الزجاج: والمعنى: أي شيء جئتم به؟ أسحر هو؟ على جهة التوبيخ لهم. وقال ابن الأنباري: هذا الاستفهام معناه التعظيم للسحر، لا على سبيل الاستفهام عن الشيء الذي يجهل، وذلك مثل قول الإنسان في الخطأ الذي يستعظمه من إنسان: أخطأ هذا؟ أي: هو عظيم الشأن في الخطأ. والعرب تستفهم عما هو معلوم عندها، قال امرؤ القيس: أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل قال قيس بن ذريح: أراجعة يالبن أيامنا الألى بذي الطلح أم لا ما لهن رجوع استفهم وهو يعلم أنهن لا يرجعن. قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه سَيُبْطِلُهُ} أي: يهلكه، ويظهر فضيحتكم، {إِنَّ ٱللّه لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ} لا يجعل عملهم نافعا لهم. {وَيُحِقُّ ٱللّه ٱلْحَقَّ} أي: يظهره ويمكنه، {بِكَلِمَـٰتِهِ} بما سبق من وعده بذلك. ٨٣ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٤ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٥ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٦ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٧ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٨ انظر تفسير الآية:٩٢ ٨٩ انظر تفسير الآية:٩٢ ٩٩ انظر تفسير الآية:٩٢ ٩١ انظر تفسير الآية:٩٢ ٩٢ قوله تعالى: {فَمَا ءامَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرّيَّةٌ} في المراد بالذرية هاهنا ثلاثة أقوال. احدها: أن المراد بالذرية: القليل، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى، مات آباؤهم لطول الزمان، وآمنوا هم، قاله مجاهد. وقال ابن زيد: هم الذين نشؤوا مع موسى حين كف فرعون عن ذبح الغلمان. قال ابن الأنباري: وإنما قيل لهؤلاء «ذرية» لأنهم أولاد الذين بعث إليهم موسى، وإن كانوا بالغين. والثالث: أنهم قوم، أمهاتهم من بني إسرائيل، وآباؤهم من القبط، قاله مقاتل، واختاره الفراء. قال: وإنما سموا ذرية كما قيل لأولاد فارس: الأبناء، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. وفي هاء «قومه» قولان. احدهما: أنها تعود إلى موسى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: إلى فرعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس فعلى القول الأول يكون قوله: {عَلَىٰ خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} أي: وملأ فرعون. قال الفراء: وإنما قال: «وملئهم» بالجمع، وفرعون، واحد لأن الملك إذا ذكر ذهب الوهم إليه وإلى من معه، تقول قدم الخليفة فكثر الناس، تريد: بمن معه. وقد يجوز أن يريد بفرعون: آل فرعون، كقوله: {وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ} [يوسف ٨٢] وعلى القول الثاني: يرجع ذكر الملأ إلى الذرية. قال ابن جرير: وهذا أصح، لأنه كان في الذرية من أبوه قبطي وأمه إسرائيلية، فهو مع فرعون على موسى. قوله تعالى: {أَن يَفْتِنَهُمْ} يعني فرعون، ولم يقل: يفتنوهم، لأن قومه كانوا على من كان عليه. وفي هذه الفتنة قولان. احدهما: أنها القتل، قاله ابن عباس. والثاني: التعذيب، قاله ابن جرير. قوله تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلاْرْضِ} قال ابن عباس: متطاول في أرض مصر {وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ} حين كان عبدا فادعى الربوبية. قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِٱللّه فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} لما شكا بنوا إسرائيل إلى موسى ما يهددهم به فرعون من ذبح أولادهم، واستحياء نسائهم، قال لهم هذا. وفي قوله: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} ثلاثة أقوال. احدها: لا تهلكنا بعذاب على أيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من قبلك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم. والثاني: لا تسلطهم علينا فيفتنونا، والقولان مرويان عن مجاهد. والثالث: لا تسلطهم علينا فيفتتنون بنا، لظنهم أنهم على حق، قاله أبو الضحى، وأبو مجلز. قوله تعالى: {ءانٍ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} قال المفسرون: لما أرسل موسى، أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها، ومنعوا من الصلاة وكانوا لا يصلون إلى في الكنائس، فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلون فيها خوفا من فرعون. و «تبوآ» معناه: اتخذا، وقد شرحناه في {ٱلاْعْرَافِ} وفي المراد بمصر قولان. احدهما: أنه البلد المعروف بمصر، قاله الضحاك. والثاني: أنه الاسكندرية، قاله مجاهد.وفي البيوت قولان. احدهما: أنها المساجد، قاله الضحاك. والثاني: القصور، قاله مجاهد. وفي قوله: {وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أربعة أقوال. احدها: اجعلوها مساجد، رواه مجاهد، وعكرمة، والضحاك عن ابن عباس، وبه قال النخعي، وابن زيد: وقد ذكرنا أن فرعون أمر بهدم مساجدهم، فقيل لهم: اجعلوا بيوتكم قبلة بدلا من المساجد. والثاني: اجعلوها قبل القبلة، رواه العوفي عن ابن عباس. وروى الضحاك عن ابن عباس، قال: قبل مكة. وقال مجاهد: أمروا أن يجعلوها مستقبلة الكعبة، وبه قال مقاتل، وقتادة، والفراء. والثالث: اجعلوها يقابل بعضها بعضا، وهو مروي عن ابن عباس، أيضا وبه قال سعيد بن جبير. والرابع: واجعلوا بيوتكم التي بالشام قبلة لكم في الصلاة، فهي قبلة اليهود إلى اليوم، قاله ابن بحر. فان قيل: البيوت جمع، فكيف قال «قبلة» على التوحيد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: من قال: المراد بالقبلة الكعبة، قال: وحدت القبلة لتوحيد الكعبة. قال: ويجوز أن يكون أراد: اجعلوا بيوتكم قبلا، فاكتفى بالواحد عن الجمع، كما قال العباس بن مرداس: فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدوريريد: إنا إخوتكم. ويجوز أن يكون وحد «قبلة» لانه أجراها مجرى المصدر، فيكون المعنى: واجعلوا بيوتكم إقبالا على اللّه، وقصدا لما كنتم تستعملونه في المساجد. ويجوز أن يكون وحدها، والمعنى: واجعلوا بيوتكم شيئا قبلة، ومكانا قبلة، ومحلة قبلة. قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا} قال ابن عباس: أتموا الصلاة. {وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} أنت يا محمد. قال سعيد بن جبير: بشرهم بالنصر في الدنيا، وبالجنة في الآخرة. قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً} قال ابن عباس: كان لهم من لدن فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضة وزبرجد وياقوت. قوله تعالى: {لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} وفي لام «ليضلوا» أربعة أقوال. احدها: أنها لام «كي» والمعنى: آتيتهم ذلك كي يضلوا، وهذا قول الفراء. والثاني: أنها لام العاقبة والمعنى إنك آتيتهم ذلك فأصارهم إلى الضلال، ومثله قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [بالقصص ٨] أي: آل أمرهم إلى أن صار لهم عدوا، لا أنهم قصدوا ذلك، وهذا كما تقول للذي كسب مالا فأداه إلى الهلاك:إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يكسب المال طلبا للحتف، وأنشدوا: وللمنايا تربي كل مرضعة وللخراب يجد الناس عمرانا وقال آخر: وللموت تغذو الوالدات سخالها كما لخراب الدور تبنى المساكن قال آخر: فإن يكن الموت أفناهم فللموت ما تلد الوالده راد: عاقبة الأمر ومصيده إلى ذلك، هذا قول الزجاج. والثالث: أنها لام الدعاء، والمعنى: ربنا ابتلهم بالضلال عن سبيلك، ذكره ابن الأنباري. والرابع: أنها لام أجل، فالمعنى: آتيتهم لأجل ضلالتهم عقوبة منك، لهم ومثله قوله: {سَيَحْلِفُونَ بِٱللّه لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} [التوبة ٩٥] أي: لأجل إعراضكم، حكاه بعض المفسرين. وقرأ أهل الكوفة إلا المفضل، وزيد، وابو حاتم عن يعقوب «ليضلوا» بضم الياء، اي ليضلوا غيرهم. قوله تعالى: {رَبَّنَا ٱطْمِسْ} روى الحلبي عن عبد الوارث: «اطمس» بضم الميم، {عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ} وفيه قولان. احدهما: أنها جعلت حجارة، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك، وأبو صالح، والفراء. وقال القرظي: جعل سكرهم حجارة. وقال ابن زيد: صار ذهبهم ودارهمهم وعدسهم وكل شيء لهم حجارة. وقال مجاهد: مسخ اللّه النخل والثمار والأطعمة حجارة، فكانت إحدى الآيات التسع. وقال الزجاج: تطميس الشيء: إذهابه عن صورته والانتفاع به على الحال الأولى التي كان عليها. والثاني: أنها هلكت، فالمعنى: أهلك أموالهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، ومنه يقال: طمست عينه، أي: ذهبت، وطمس الطريق: إذا عفا ودرس. وفي قوله: {وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ} أربعة أقوال. احدها: اطبع عليها، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مقاتل، والفراء، والزجاج. والثاني: أهلكهم كفارا، رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال الضحاك. والثالث: اشدد عليها بالضلالة، قاله مجاهد. والرابع: أن معناه قس قلوبهم، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ} فيه قولان. احدهما: أنه دعاء عليهم أيضا، كأنه قال: اللّهم فلا يؤمنوا، قاله الفراء،وأبو عبيدة، والزجاج. وقال ابن الأنباري: معناه: فلا آمنوا، قال الأعشى: فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم عناه: لا أنبسط، ولا لقيتني. والثاني: أنه عطف على قوله: {لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ}، فالمعنى: أنك آتيتهم ليضلوا فلا يؤمنوا، حكاه الزجاج عن المبرد. قوله تعالى: {حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلاْلِيمَ} قال ابن عباس: هو الغرق، وكان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فقال اللّه تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا}، وكان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. فان قيل: كيف قال: {دَّعْوَتُكُمَا} وهما دعوتان؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أن الدعوة تقع على دعوتين وعلى دعوات وكلام يطول كما بينا في {ٱلاْعْرَافِ} أن الكلمة تقع على كلمات، قال الشاعر: وكان دعا دعوة قومه هلم إلى أمركم قد صرم فأوقع «دعوة» على ألفاظ بينها آخر بيته. والثاني: أن يكون المعنى: قد أجيبت دعواتكما، فاكتفى بالواحد من ذكر الجميع، ذكر الجوابين ابن الأنباري. وقد روى حماد بن سلمة عن عاصم أنه قرأ «دعواتكما» بالألف وفتح العين. والثالث: أن موسى هو الذي دعا، فالدعوة له، غير أنه لما أمن هارون، أشرك بينهما في الدعوة، لأن التأمين على الدعوة منها. وفي قوله: {فَٱسْتَقِيمَا} اربعة أقوال. احدها: فاستقيما على الرسالة وما أمرتكما به، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: فاستقيما على دعاء فرعون وقومه إلى طاعة اللّه قاله ابن جرير. والثالث: فاستقيما في دعائكما على فرعون وقومه. والرابع: فاستقيما على ديني، ذكرهما أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعَانّ} قرأ الأكثرون بتشديد تاء «تتبعان». وقرأ ابن عامر بتخفيفها مع الاتفاق على تشديد نون «تتبعان» إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكدة، وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها، واختير لها الكسر لأنها بعد الألف، فشبهت بنون الاثنين. قال أبو علي: ومن خفض النون أمكن أن يكون خفف النون الثقيلة، فإن شئت كان على لفظ الخبر، والمعنى الأمر، كقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [البقرة ٢٢٨ و ٢٣٤] {لاَ تُضَارَّ وٰلِدَةٌ} [البقرة ٢٣٣] أي لا ينبغي ذلك،وإن شئت جعلته حالا من قوله: {فَٱسْتَقِيمَا} تقديره: استقيما غير متبعين. وفي المراد بسبيل الذين لا يعلمون قولان. احدهما: أنهم فرعون وقومه، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الذين يستعجلون القضاء قبل مجيئه، ذكره أبو سليمان الدمشقي. فان قيل: كيف جاز أن يدعو موسى على قومه؟ فالجواب: أن بعضهم يقول: كان ذلك بوحي، وهو قول صحيح، لأنه لا يظن بنبي أن يقدم على مثل ذلك إلا عن إذن من اللّه عز وجل، لأن دعاءه سبب للانتقام. قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} قال أبو عبيدة: أتبعهم وتبعهم سواء. وقال ابن قتيبة: أتبعهم: لحقهم. {بَغْيًا وَعَدْوًا} أي: ظلما. وقرأ الحسن {فَأَتْبَعَهُمْ} بالتشديد، وكذلك شددوا {وَعَدْوًا} مع ضم العين. قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر «أنه» بفتح الألف، والمعنى: آمنت بأنه، فلما حذف حرف الجر، وصل الفعل إلى «أن» فنصب. وقرأ حمزة والكسائي «إنه» بكسر الألف، فحملوه على القول المضمر، كأنه قال: آمنت، فقلت: إنه. قال ابن عباس: لم يقبل اللّه إيمانه عند رؤية العذاب. قال ابن الأنباري: جنح فرعون إلى التوبة حين أغلق بابها لحضور الموت ومعاينة الملائكة، فقيل له: {آلآن} أي: الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها، وكنت من المفسدين بالدعاء إلى عبادة غير اللّه عز وجل؟ والمخاطب له بهذا كان جبريل. وجاء في الحديث أن جبريل جعل يدس الطين في فم فرعون خشية أن يغفر له. قال الضحاك ابن قيس: اذكروا اللّه في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس عليه السلام كان عبدا صالحا، وكان يذكر اللّه، فلما وقع في بطن الحوت سأل اللّه، فقال اللّه: {يُبْعَثُونَ} [الصافات ١٤٣] وإن فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا لذكر اللّه تعالى، فلما أدركه الغرق قال: آمنت، فقال اللّه: {ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}. قوله تعالى: {فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ} وقرأ يعقوب «ننجيك» مخففة. قال اللغويون، منهم يونس وأبو عبيدة، نلقيك على نجوة من الأرض، أي ارتفاع، ليصير علما أنه قد غرق. وقرأ ابن السميفع «ننحيك» بحاء. وفي سبب إخراجه من البحر بعد غرقه ثلاثة اقوال. احدها: أن موسى واصحابه لما خرجوا، قال من بقي من المدائن من قوم فرعونك: ما أغرق فرعون، ولكنه هو وأصحابه يتصيدون في جزائر البحر،فأوحى اللّه إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا، فكانت نجاة عبرة، وأوحى اللّه تعالى إلى البحر: أن الفظ ما فيك، فلفظهم البحر بالساحل، ولم يكن يلفظ غريقا فصار لا يقبل غريقا إلى يوم القيامة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أن أصحاب موسى قالوا: إنا نخاف أن يكون فرعون ما غرق، ولا نؤمن بهلاكه، فدعا موسى ربه، فأخرجه حتى أيقنوا بهلاكه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وإلى نحوه ذهب قيس بن عباد، وعبد اللّه بن شداد، والسدي، ومقاتل. وقال السدي: لما قال بنو إسرائيل: لم يغرق فرعون، دعا موسى، فخرج فرعون في ستمائة الف وعشرين ألفا عليهم الحديد، فأخذته بنوا إسرائيل يمثلون به. وذكر غيره أنه إنما أخرج من البحر وحده دون أصحابه. وقال ابن جريج: كذب بعض بني إسرائيل بغرقه، فرمى به البحر على ساحل البحر حتى رآه بنوا إسرائيل قصيرا أحمر كأنه ثور. وقال أبو سليمان: عرفه بنوا إسرائيل بدرع كان له من لؤلؤ لم يكن لأحد مثلها. فأما وجهه فقد غيره سخط اللّه تعالى. والثالث: أنه كان يدعي أنه رب، وكان يعبده قوم، فبين اللّه تعالى أمره، فأغرقه وأصحابه، ثم أخرجه من بينهم، قاله الزجاج. وفي قوله: {بِبَدَنِكَ} أربعة أقوال. احدها: بجسدك من غير روح، قاله مجاهد. وذكر البدن دليل على عدم الروح. والثاني: بدرعك، قاله ابو صخر. وقد ذكرنا أنه كانت له درع من لؤلؤ، وقيل: من ذهب، فعرف بدرعه. والثالث: نلقيك عريانا، قاله الزجاج. والرابع: ننجيك وحدك، قاله ابن قتيبة. وفي قوله: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً} ثلاثة أقوال. احدها: لتكون لمن بعدك في النكال آية لئلا يقولوا مثل مقالتك، فإنك لو كنت إلها ما غرقت، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: «خلفك» بمعنى بعدك، والآية: العلامة. والثاني: لتكون لبني إسرائيل آية، قاله السدي. والثالث: لمن تخلف من قومه، لأنهم أنكروا غرقه على ما ذكرنا في أول الآية، فخرج في معنى الآية قولان. احدهما: عبرة للناس. والثاني: علامة تدل على غرقه. وقال الزجاج: الآية أنه كان يدعي أنه رب، فبان أمره، وأخرج من بين اصحابه لما غرقوا. وقرأ ابن السميفع، وابو المتوكل، وأبو الجوزاء {لِمَنْ خَلَقَكَ} بالقاف. ٩٣ انظر تفسير الآية:٩٧ ٩٤ انظر تفسير الآية:٩٧ ٩٥ انظر تفسير الآية:٩٧ ٩٦ انظر تفسير الآية:٩٧ ٩٧ قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ} أي: أنزلناهم منزل صدق، أي منزلا كريما. وفي المراد ببني إسرائيل قولان. احدهما: أصحاب موسى. والثاني: قريظة والنضير. وفي المراد بالمنزل الذي أنزلوه خمسة أقوال. احدها: أنه الأردن، وفلسطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الشام، وبيت المقدس، قاله الضحاك وقتادة. والثالث مصر، روي عن الضحاك أيضا. والرابع: بيت المقدس، قاله مقاتل. والخامس: ما بين المدينة والشام من أرض يثرب، ذكره علي بن احمد النيسابوري، والمراد بالطيبات: ما أحل لهم من الخيرات الطيبة. {فَمَا ٱخْتَلَفُواْ} يعني بني إسرائيل. قال ابن عباس: ما اختلفوا في محمد، لم يزالوا به مصدقين، {حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ} يعني: القرآن، وروي عنه: حتى جاءهم العلم، يعني محمدا. فعلى هذا يكون العلم هاهنا: عبارة عن المعلوم. وبيان هذا أنه لما جاءهم، اختلفوا في تصديقه، وكفر به أكثرهم بغيا وحسدا بعد أن كانوا مجتمعين على تصديقه قبل ظهور. قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} في تأويل هذه الآية ثلاثة اقوال. احدها: أن الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد غيره من الشاكين، بدليل قوله في آخر السورة: {إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى} [يونس ١٠٥] ومثله قوله {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ ٱتَّقِ ٱللّه وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الأحزاب ٢] ثم قال: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [الأحزاب ٣] ولم يقل:بما تعمل، وهذا قول الأكثرين. والثاني: أن الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو المراد به ثم في المعنى قولان. احدهما: أنه خوطب بذلك وإن لم يكن في شك، لأنه من المستفيض في لغة العرب أن يقول الرجل لولده: إن كنت أبني فبرني، ولعبده: إن كنت عبدي فأطعني، وهذا اختيار الفراء. وقال ابن عباس: لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في شك، ولا سأل. والثاني: أن تكون «إن» بمعنى «ما» فالمعنى: ما كنت في شك {فَاسْأَلِ}، المعنى: لسنا نريد أن نأمرك أن تسأل لأنك شاك، ولكن لتزداد بصيرة، ذكره الزجاج. والثالث: أن الخطاب للشاكين، فالمعنى: إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزل إليك على لسان محمد، فسل، روي عن ابن قتيبة. وفي الذي أنزل إليه قولان. احدهما: أنه أنزل إليه أنه رسول اللّه. والثاني: أنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل. قوله تعالى: {فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ} وهم اليهود والنصارى. وفي الذين أمر بسؤالهم منهم قولان. احدهما: من آمن، كعبد اللّه بن سلام، قاله ابن عباس، ومجاهد في آخرين. والثاني: أهل الصدق منهم، قاله الضحاك، وهو يرجع إلى الأول، لأنه لا يصدق إلا من آمن. قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ} هذا كلام مستأنف. قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ} أي: وجبت {عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ} أي: قوله. وبماذا حقت الكلمة عليهم، فيه اربعة أقوال. احدها: باللعنة. والثاني: بنزول العذاب. والثالث: بالسخط. والرابع: بالنقمة. قوله تعالى: {وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ} قال الأخفش: إنما أنث فعل «كل» لأنه أضافه إلى «آية» وهي مؤنثة. ٩٨ قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ} أي: أهل قرية. وفي «لولا» قولان. احدهما: أنه بمعنى: لم تكن قرية آمنت {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} أي: قبل منها {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ}، قاله ابن عباس. وقال قتادة: لم يكن هذا لأمة آمنت عند نزول العذاب، إلا لقوم يونس. والثاني: أنها بمعنى: فهلا، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج. قال الزجاج: والمعنى: فهلا كانت قرية آمنت في وقت نفعها إيمانها، إلا قوم يونس؟ و «إلا» هاهنا استثناء ليس من الأول، كأنه قال: لكن قوم يونس. قال الفراء: نصب القوم على الانقطاع مما قبله، ألا ترى أن «ما» بعد «إلا» في الجحد يتبع ما قبلها؟ تقول: ما قام أحد إلا أخوك، فإذا قلت: ما فيها أحد إلا كلبا أو حمارا، نصبت لانقطاعهم من الجنس، كذلك كان قوم يونس منقطعين من غيرهم من أمم الأنبياء، ولو كان الاستثناء وقع على طائفة منهم لكان رفعا. وذكر ابن الأنباري في قوله: «إلا» قولين آخرين. احدهما: أنها بمعنى الواو، والمعنى: وقوم يونس لما آمنوا فعلنا بهم كذا وكذا وهذا مروي عن أبي عبيدة، والفراء ينكره. والثاني: أن الاستثناء من الآية التي قبل هذه، تقديره: حتى يروا العذاب الأليم إلا قوم يونس، فالاستثناء على هذا متصل غير منقطع. قوله تعالى: {كَشَفْنَا عَنْهُمُ} أي صرفنا عنهم {عَذَابَ ٱلخِزْىِ} أي: عذاب الهوان والذل {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} أي: إلى حين آجالهم. الإشارة إلى شرح قصتهم. ذكر أهل العلم بالسير والتفسير أن قوم يونس كانوا ب نينوى من أرض الموصل، فأرسل اللّه عز وجل إليهم يونس يدعوهم إلى اللّه ويأمرهم بترك الأصنام فأبوا، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم بعد ثلاث، فلما تغشاهم العذاب، قال ابن عباس، وأنس: لم يبق بين العذاب وبينهم إلا قدر ثلثي ميل، وقال مقاتل. قدر ميل، وقال أبو صالح عن ابن عباس: وجدوا حر العذاب على أكتافهم، وقال سعيد بن جبير: غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال بعضهم: غامت السماء غيما أسود يظهر دخانا شديدا، فغشي مدينتهم واسودت سطوحهم، فلما أيقنوا بالهلاك لبسوا المسوح. وحثوا على رؤوسهم الرماد، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، وعجوا إلى اللّه بالتوبة الصادقة، وقالوا آمنا: بما جاء به يونس، فاستجاب اللّه منهم. قال ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم بينهم، حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقلعه، فيرده. وقال أبو الجلد: لما غشيهم العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا: ما ترى؟ قال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى، يا حي لا إله إلا أنت، ققالواها: فكشف العذاب عنهم. قال مقاتل: عجوا إلى اللّه أربعين ليلة، فكشف العذاب عنهم. وكانت التوبة عليهم في يوم عاشوراء يوم الجمعة. قال: وكان يونس قد خرج من بين أظهرهم، فقيل له: ارجع إليهم، فقال: كيف أرجع إليهم فيجدوني كاذبا؟ وكان من يكذب بينهم ولا بينة له يقتل، فانصرف مغاضبا، فالتقمه الحوت. وقال أبو صالح عن ابن عباس: أوحى اللّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: شعيا، فقيل له: ائت فلانا الملك، فقل له يبعث إلى بني إسرائيل نبيا قويا. أمينا، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال الملك ليونس: اذهب إليهم، فقال: ابعث غيري، فعزم عليه أن يذهب، فأتى بحر الروم، فركب سفينة، فالتقمه الحوت، فلما خرج من بطنها أمر ينطلق إلى قومه، فانطلق نذيرا لهم، فأبوا عليه، فوعدهم بالعذاب، وخرج، فلما تابوا رفع عنهم. والقول الأول أثبت عند العلماء، وأنه إنما التقمه الحوت بعد إنذاره لهم وتوبتهم. وسيأتي شرح قصته في التقام الحوت إياه في مكانه إنشاء اللّه تعالى [الصفات: ١٤٣] فان قيل: كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد إتيانه إليهم، ولم يكشف عن فرعون حين آمن؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أن ذلك كان خاصا لهم كما ذكرنا في أول الآية. والثاني: أن فرعون باشره العذاب، وهؤلاء دنا منهم ولم يباشرهم، فكانوا كالمريض يخاف الموتويرجو العافية، فأما الذي يعاين، فلا توبة، له ذكره الزجاج. والثالث: أن اللّه تعالى علم منهم صدق النيات، بخلاف من تقدمهم من الهالكين، ذكره ابن الأنباري. ٩٩ قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلاْرْضِ} قال ابن عباس: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس، فأخبره اللّه تعالى أنه لا يؤمن إلى من سبقت له السعادة. قال الأخفش: جاء بقوله: «جميعا» مع «كل» تأكيدا كقوله: {وَقَالَ ٱللّه لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ} [النحل: ٥١] قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ} قال المفسرون، منهم مقاتل: هذا منسوخ بآية السيف، والصحيح أنه ليس هاهنا نسخ، لأن الإكراه على الإيمان لا يصح، لأنه عمل القلب. ١٠٠ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللّه} فيه ستة أقوال. احدها: بقضاء اللّه وقدره. والثاني: بأمر اللّه، رويا عن ابن عباس. والثالث: بمشيئة اللّه، قاله عطاء. الرابع: إلا أن يأذن اللّه في ذلك، قاله مقاتل. والخامس: بعلم اللّه. والسادس: بتوفيق اللّه، ذكرهما الزجاج، وابن الأنباري. قوله تعالى: {وَيَجْعَلُ ٱلرّجْسَ} أي: ويجعل اللّه الرجس. وروى أبو بكر عن عاصم «ونجعل» الرجس بالنون. وفيه خمسة أقوال. احدها: أنه السخط، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: الإثم والعدوان، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: أنه مالا خير، فيه قاله مجاهد. والرابع: العذاب قاله الحسن، وأبو عبيدة، والزجاج. والخامس: العذاب والغضب، قاله الفراء. قوله تعالى: {عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} أي: لا يعقلون عن اللّه أمره ونهيه. وقيل: لا يعقلون حججه ودلائل توحيده. ١٠١ قوله تعالى: {قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} قال المفسرون: قل للمشركين الذي يسألونك الآيات على توحيد اللّه انظروا بالتفكر والاعتبار ماذا في السموات والأرض من الآيات والعبر التي تدل على وحدانيته ونفاذ قدرته كالشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، وكل هذا يقتضي خالقا مدبرا. {ٱللّه}. ١٠٢ انظر تفسير الآية:١٠٣ ١٠٣ قوله تعالى: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} قال ابن عباس: يعني كفار قريش {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ} قال ابن الأنباري: أي: مثل وقائع اللّه بمن سلف قبلهم، والعرب تكني بالأيام عن الشرور والحروب، وقد تقصد بها أيام السرور والأفراح إذا قام دليل بذلك. قوله تعالى: {قُلْ فَٱنْتَظِرُواْ} هلاكي {إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ} لنزول العذاب بكم. {ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} من العذاب إذا نزل، فلم يهلك قوم قط إلا نجا نبيهم والذين آمنوا معه. قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ} وقرأ يعقوب، وحفص، والكسائي في قراءته وروايته عن أبي بكر: «ننج المؤمنين» بالتخفيف. ثم في هذا الإنجاء قولان. احدهما: ننجيهم من العذاب إذا نزل بالمكذبين، قاله الربيع بن أنس. والثاني: ننجيهم في الآخرة من النار، قاله مقاتل. ١٠٤ انظر تفسير الآية:١٠٦ ١٠٥ انظر تفسير الآية:١٠٦ ١٠٦ قوله تعالى: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} قال ابن عباس: يعني أهل مكة {إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى} الإسلام {فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه} وهي الأصنام {وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللّه ٱلَّذِى} يقدر أن يميتكم. وقال ابن جرير: معنى الآية: لا ينبغي لكم أن تشكوا في ديني، لأني أعبد اللّه الذي يميت وينفع ويضر، ولا تستنكر عبادة من يفعل هذا، وإنما ينبغي لكم أن تشكوا وتنكروا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع. فان قيل: لم قال: {ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم} ولم يقل «الذي خلقكم» فالجواب: أن هذا يتضمن تهديدهم، لأن ميعاد عذابهم الوفاة. قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} المعنى: وأمرت أن أقم وجهك، وفيه قولان. احدها: أخلص عملك. والثاني: استقم باقبالك على ما أمرت به بوجهك. وفي المراد بالحنيف ثلاثة أقوال. احدهما: أنه المتبع، قاله مجاهد. والثاني: المخلص، قاله عطاء. والثالث: المستقيم، قاله القرظي. قوله تعالى: {يَنفَعُكَ} إن دعوته {وَلاَ يَضُرُّكَ} إن تركت عبادته. و«الظالم» الذي يضع الشيء في غير موضعه. ١٠٧ انظر تفسير الآية:١٠٩ ١٠٨ انظر تفسير الآية:١٠٩ ١٠٩ قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللّه بِضُرّ} أي: بشدة وبلاء {فَلاَ كَـٰشِفَ} لذلك {إِلاَّ هُوَ} دون ما يعبده المشركون من الأصنام. وإن يصبك بخير، أي برخاء ونعمة وعافية، فلا يقدر أحد أن يمنعك إياه. {يُصَيبُ بِهِ} أي: بكل واحد من الضر والخير. قوله تعالى: {قَدْ جَاءكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ} فيه قولان. احدهما: أنه القرآن. والثاني: محمد صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى: {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي: فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه. قوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي في منعكم من اعتقاد الباطل، والمعنى: لست بحفيظ عليكم من الهلاك كما يحفظ الوكيل المتاع من الهلاك. قال ابن عباس: وهذه منسوخة بآية القتال، والتي بعدها أيضا، وهي قوله: {وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللّه} لأن اللّه تعالى حكم بقتل المشركين، والجزية على أهل الكتاب، والصحيح: أنه ليس هاهنا نسخ أما الآية الأولى، فقد ذكرنا الكلام عليها في نظيرتها في {ٱلاْنْعَـٰمِ} وأما الثانية، فقد ذكرنا نظيرتها في سورة {البقرة: ١٠٩} قوله {فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللّه بِأَمْرِهِ} |
﴿ ٠ ﴾