٣

قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} سبب نزولها: أن اللّه تعالى لما بعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم أنكرت الكفار ذلك، وقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فنزلت هذه الآية. والمراد بالناس هاهنا: أهل مكة، والمراد بالرجل: محمد صلى اللّه عليه وسلم. ومعنى {مِنْهُمْ}: يعرفون نسبه، قاله ابن عباس، فأما الألف فهي للتوبيخ والإنكار. قال ابن الأنباري: والاحتجاج عليهم في كونهم عجبوا من إرسال محمد، محذوف هاهنا وهو مبين في قوله:

{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} [الزخرف ٣٢] أي: فكما وضح لكم هذا التفاضل بالمشاهدة، فلا تنكروا تفضيل اللّه من شاء بالنبوة؛ وإنما حذفه هاهنا اعتمادا على ما بينه في موضع آخر. قال: وقيل: إنما عجبوا من ذكر البعث والنشور، لأن الإنذار والتبشير يتصلان بهما، فكان جوابهم في مواضع كثيرة تدل على كون ذلك، مثل قوله:

{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم ٢٧] وقوله: {يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس ٧٩].

وفي المراد بقوله: {قَدَمَ صِدْقٍ} سبعة أقوال.

احدها: أنه الثواب الحسن بما قدموا من أعمالهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وروى عنه أبو صالح قال: عمل صالح يقدمون عليه.

والثاني: أنه ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: سابقة صدق.

والثالث: شفيع صدق، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم يشفع لهم يوم القيامة، قاله الحسن.

والرابع: سلف صدق تقدموهم بالإيمان، قاله مجاهد، وقتادة.

والخامس: مقام صدق لا زوال، عنه قاله عطاء.

والسادس: أن قدم الصدق: المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.

والسابع: أن القدم هاهنا: مصيبة المسلمين بنبيهم صلى اللّه عليه وسلم وما يلحقهم من ثواب اللّه عند أسفهم على فقده ومحبتهم لمشاهدته،ذكره ابن الأنباري.

فان قيل: لم آثر القدم هاهنا على اليد، والعرب تستعمل اليد في موضع الإحسان؟

فالجواب: أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم، لأن العادة جارية بتقدم الساعي على قدميه، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يتقدم فيه ولا يقع فيه تأخر، قال ذو الرمة:

لكم قدم لا ينكر الناس أنها  مع الحسب العادي طمت على البحر

فان قيل: ما وجه إضافة القدم إلى الصدق؟

فالجواب: أن ذلك مدح للقدم، وكل شيء أضفته إلى الصدق، فقد مدحته؛ ومثله:

{أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ} وقوله:

{فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} وفي الكلام محذوف، تقديره: أوحينا إلى رجل منهم، فلما اتاهم الوحي

{قَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «لسحار» بألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «لسحر» بغير ألف. قال أبو علي: قد تقدم قوله:

{أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ} فمن قال: ساحر، أراد الرجل؛ ومن قال: سحر، أراد الذي أوحي، سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إنه وحي، سحر. قال الزجاج: لما أنذرهم بالبعث والنشور، فقالوا: هذا سحر، أخبرهم أن الذي خلق السموات والأرض قادر على بعثهم بقوله:

{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللّه} وقد سبق تفسيره في {ٱلاْعْرَافِ}.

قوله تعالى: {يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ} قال مجاهد: يقضيه. وقال غيره: يأمر به ويمضيه. قوله تعالى:

{مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} فيه قولان.

احدهما: لا يشفع أحد إلا أن يأذن له، قاله ابن عباس. قال الزجاج: لم يجر للشفيع ذكر قبل هذا، ولكن الذين خوطبوا كانوا يقولون: الأصنام شفعاؤنا.

والثاني: أن المعنى: لا ثاني معه، مأخوذ من الشفع، لأنه لم يكن معه أحد، ثم خلق الأشياء. فقوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} أي: من بعد أمره أن يكون الخلق فكان، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{فَٱعْبُدُوهُ} قال مقاتل: وحدوه. وقال الزجاج: المعنى: فاعبدوه وحده.

وقوله: {تَذَكَّرُونَ} معناه: تتعظون.

﴿ ٣