ÓõæÑóÉõ åõæÏò Úóáóíúåö ÇáÓøóáóÇãõ ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ãöÇÆóÉñ æËóáÇóËñ æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð

سورة هود عليه السلام

فصل في نزولها

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية كلها، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وجابر بن زيد، وقتادة. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي مكية، إلا آية، وهي قوله:

{أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ} [هود: ١١٤] وعن قتادة نحوه. وقال مقاتل: هي مكية كلها، إلا قوله:

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ} [هود: ١٢] وقوله:

{أُوْلَـئِكَ تُحَرّكْ بِهِ} [هود: ١٧] وقوله:

{إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ} [هود: ١٤]. وروى أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، عجل إليك الشيب، قال: «شيبتني هود وأخواتها: الحاقة، والواقعة، وعم يتساءلون، وهل أتاك حديث الغاشية». بسم اللّه الرحمن الرحيم.

_________________________________

١

فأما{الر} فقد ذكرنا تفسيرها في سورة {يُونُسَ}

قال الفراء: و{كِتَابٌ} مرفوع بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن، وإن شئت رفعته باضمار {هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا} والكتاب: القرآن.

وفي قوله: {الر كِتَابٌ} أربعة أقوال.

أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ

احدها: أحكمت فما تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة.

والثاني: أحكمت بالأمر والنهي، قاله الحسن، وأبو العالية.

والثالث: أحكمت عن الباطل، أي: منعت، قاله قتادة، ومقاتل.

والرابع أحكمت بمعنى جمعت، قاله ابن زيد.

فان قيل: كيف عم الآيات هاهنا بالإحكام، وخص بعضها في قوله: {مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ} [آل عمران: ٨]

فعنه جوابان.

احدهما: أن الإحكام الذي عم به هاهنا، غير الذي خص به هناك.وفي معنى الإحكام العام خمسة أقوال، قد أسلفنا منها أربعة في قوله: {الر كِتَابٌ} والخامس: أنه إعجاز النظم والبلاغة وتضمين الحكم المعجزة. ومعنى الإحكام الخاص: زوال اللبس، واستواء السامعين في معرفة معنى الآية.

والجواب الثاني: أن الإحكام في الموضعين. بمعنى واحد. والمراد بقوله: {الر كِتَابٌ} أحكم بعضها بالبيان الواضح ومنع الالتباس، فأوقع العموم على معنى الخصوص، كما تقول العرب، قد أكلت طعام زيد، يعنون: بعض طعامه، ويقولون: قتلنا ورب الكعبة، يعنون: قتل بعضنا، ذكر ذلك ابن الأنباري. وفي قوله:

{ثُمَّ فُصّلَتْ} ستة أقوال.

احدها: فصلت بالحلال والحرام، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: فصلت بالثواب والعقاب، رواه جسر بن فرقد عن الحسن.

والثالث: فصلت بالوعد والوعيد، رواه أبو بكر الهذلي عن الحسن أيضا.

والرابع: فصلت بمعنى فسرت، قاله مجاهد.

الخامس: أنزلت شيئا بعد شيء، ولم تنزل جملة، ذكره ابن قتيبة.

والسادس: فصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على التوحيد، وتثبيت نبوة الأنبياء، وإقامة الشرائع، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ} أي: من عنده.

٢

انظر تفسير الآية:٤

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللّه} قال الفراء: المعنى: فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا اللّه

{وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ} و«أن» في موضع النصب بالقائك الخافض. وقال الزجاج: المعنى: آمركم أن تعبدوا [إلا اللّه] وأن استغفروا. قال مقاتل: والمراد بهذه العبادة: التوحيد والخطاب لكفار مكة. قوله تعالى:

{وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} فيه قولان.

احدهما: أن الاستغفار والتوبة هاهنا من الشرك، قاله مقاتل.

والثاني: استغفروه من الذنوب السالفة، ثم توبوا إليه من المستأنفة متى وقعت. وذكر عن الفراء أنه قال: «ثم» هاهنا بمعنى الواو. قوله تعالى:

{يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} قال ابن عباس: يتفضل عليكم بالرزق والسعة. وقال ابن قتيبة: يعمركم وأصل الإمتاع: الإطالة، يقال: أمتع اللّه بك، ومتع اللّه بك، إمتاعا ومتاعا، والشيء الطويل: ماتع، يقال: جبل ماتع، وقد متع النهار: إذا تطاول.

وفي المراد بالأجل المسمى قولان.

احدهما: أنه الموت، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.

والثاني: أنه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير. قوله تعالى:

{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} في هاء الكناية قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى اللّه تعالى. ثم في معنى الكلام قولان.

احدهما: ويؤت كل ذي فضل من حسنة وخير فضله، وهو الجنة.

والثاني: يؤتيه فضله من الهداية إلى العمل الصالح.

والثاني: أنها ترجع إلى العبد، فيكون المعنى: ويؤت كل من زاد في إحسانه وطاعاته ثواب ذلك الفضل الذي زاده، فيفضله في الدنيا بالمنزلة الرفيعة، وفي الآخرة بالثواب الجزيل. قوله تعالى:

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تعرضوا عما أمرتم به. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو مجلز، وأبو رجاء: «وإن تولوا» بضم التاء.

{فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} فيه إضمار «فقل» واليوم الكبيرٰ يوم القيامة.

٥

قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} في سبب نزولها خمسة أقوال.

احدها: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وكان يجالس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويحلف إنه ليحبه، ويضمر خلاف ما يظهر له، فنزلت فيه هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء، فنزلت فيهم هذه الآية رواه محمد بن عباد عن ابن عباس.

والثالث: أنها نزلت في بعض المنافقين، كان إذا مر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثنى صدره وظهره وطأطأ راسه وغطى وجهه لئلا يراه رسول اللّه، قاله عبد اللّه ابن شداد.

والرابع: أن طائفة من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، كيف يعلم بنا؟ فأخبر اللّه عما كتموا، ذكر زجاج.

والخامس: أنها نزلت في قوم كانوا لشدة عداوتهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سمعوا منه القرآن حنوا صدورهم، ونكسوا رؤوسهم، وتغشوا ثيابهم ليبعد عنهم صوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يدخل أسماعهم شيء من القرآن، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يقال: ثنيت الشيء: إذا عطفته وطويته.

وفي معنى الكلام خمسة أقوال.

احدها: يكتمون ما فيها من العداوة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: يثنون صدورهم على الكفر، قاله مجاهد.

والثالث: يحنونها لئلا يسمعوا كتاب اللّه، قاله قتادة.

والرابع: يثنونها إذا ناجى بعضهم بعضا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله ابن زيد.

والخامس: يثنونها حياء من اللّه تعالى، وهو يخرج على ما حكينا عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: وكان ابن عباس يقرؤها ألا إنهم تثنوني صدورهم وفسرها أن ناسا كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء. فتثنوني: تفعوعل، وهو فعل للصدور، معناه: المبالغة في تثني الصدور، كما تقول العرب: احلولى الشيء، يحلولي: إذا بالغوا في وصفه بالحلاوة، قال عنترة:ألا قاتل اللّه الطلول البواليا  وقاتل ذكراك السنين الخوالياوقولك للشيء الذي لا تناله  إذا ما هو احلولي ألا ليت ذا ليا فعلى هذا القول، هو في حق المؤمنين، وعلى بقية الأقوال، هو في حق المنافقين. وقد خرج من هذه الأقوال

في معنى {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} قولان.

احدهما: أنه حقيقة في الصدور.

والثاني: أنه كتمان ما فيها. قوله تعالى:

{لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} في هاء «منه» قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى اللّه تعالى.

والثاني: إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى:

{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} قال أبو عبيدة: العرب تدخل «ألا» توكيدا وإيجابا وتنبيها. قال ابن قتيبة: «يستغشون ثيابهم» أي: يتغشونها ويستترون بها. قال قتادة: أخفى ما يكون ابن آدم، إذا حنى ظهره، واشتغشى ثيابه، وأضمر همه في نفسه. قال ابن الأنباري: أعلم اللّه أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهراتهم. قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} وقد شرحنا في [آل عمران: ١١٩].

٦

انظر تفسير الآية:٧

٧

قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلاْرْضِ} قال أبو عبيدة: «من» من حروف الزوائد، والمعنى: وما دابة، والدابة: اسم لكل حيوان يدب. وقوله: {إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} قال العلماء فضلا منه، لا وجوبا عليه. و«على» هاهنا بمعنى «من» وقد ذكرنا المستقر والمستودع [في سورة: الأنعام: ٦٧] قوله تعالى:

{كُلٌّ فِى كِتَابٍ} أي: ذلك عند اللّه في اللوح المحفوظ. هذا قول المفسرين. وقال الزجاج: المعنى: ذلك ثابت في علم اللّه عز وجل. قوله تعالى:

{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء} قال ابن عباس: عرشه: سريره، وكان الماء إذ كان العرش عليه على الريح. قال قتادة: ذلك قبل أن يخلق السموات والأرض. قوله تعالى:

{لِيَبْلُوَكُمْ} أي: ليختبركم الاختبار الذي يجازي عليه، فيثيت المعتبر بما يرى من آيات السموات والأرض، ويعاقب أهل العناد. قوله تعالى:

{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فيه أربعة أقوال.

احدها: أيكم أحسن عقلا، وأورع من محارم اللّه عز وجل، وأسرع في طاعة اللّه، رواه ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

والثاني: أيكم أعمل بطاعة اللّه، قاله ابن عباس.

والثالث: أيكم أتم عقلا، قاله قتادة.

والرابع: أيكم أزهد في الدنيا، قاله الحسن وسفيان. قوله تعالى:

{إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} قال الزجاج: السحر باطل عندهم، فكأنهم قالوا: إن هذا إلا باطل بين، فأعلمهم اللّه تعالى أن القدرة على خلق السموات والأرض تدل على بعث الموتآ.

٨

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ}

قال المفسرون: هؤلاء كفار مكة. والمراد بالأمة المعدودة: الأجل المعلوم، والمعنى: إلى مجيء أمة وانقراض أخرى قبلها. {لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} وإنما قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء. قوله تعالى:

{أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} وقال: {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}

وقال بعضهم: لا يصرف عنهم العذاب إذا أتاهم.

وقال آخرون: إذا أخذتهم سيوف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم تغمد عنهم حتى يباد أهل الكفر وتعلوا كلمة الإخلاص. قوله تعالى:

{وَحَاقَ بِهِم} قال أبو عبيدة: نزل بهم وأصابهم.

وفي قوله: {مَّا كَانُوا بِهِ} قولان.

احدهما:انه الرسول والكتاب، قاله أبو صالح عن ابن عباس، فيكون المعنى: حاق بهم جزاء استهزائهم.

والثاني: أنه العذاب، كانوا يستهزئون بقولهم: {مَا يَحْسَبُهُ} وهذا قول مقاتل.

٩

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.

احدها: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، قاله ابن عباس.

والثاني: في عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي، ذكره الواحدي.

والثالث: أن الإنسان هاهنا اسم جنس، والمعنى: ولئن أذقنا الناس، قاله الزجاج. والمراد بالرحمة: النعمة، من العافية، والمال، والولد. واليؤوس: القنوط، قال أبو عبيدة: هو فعول من يئست. قال مقاتل: إنه ليؤوس عند الشدة من الخير، كفور للّه في نعمه في الرخاء.

١٠

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء} قال ابن عباس: صحة وسعة في الرزق.

{بَعْدَ ضَرَّاء} مسته بعد مرض وفقر.

{لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيّئَاتُ عَنّي} يريد الضر والفقر.

إنه {لَفَرِحٌ} أي: بطر {فَخُورٌ} قال ابن عباس: يفاخر أوليائي بما أوسعت عليه.

فان قيل: ما وجه عيب الإنسان في قوله:

{ذَهَبَ ٱلسَّيّئَاتُ عَنّي} وما وجه ذمه على الفرح، وقد وصف اللّه الشهداء فقال: {فَرِحِينَ}؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال إنما عابه بقوله:

{ذَهَبَ ٱلسَّيّئَاتُ عَنّي} لأنه لم يعترف بنعمة اللّه، ولم يحمده على ما صرف عنه. وإنما ذمه بهذا الفرح، لأنه يرجع إلى معنى المرح والتكبر عن طاعة اللّه،

قال الشاعر:

ولا ينسيني الحدثان عرضي  ولا ألقي من الفرح الإزارا

يعني من المرح. وفرح الشهداء فرح لا كبر فيه ولا خيلاء، بل هو مقرون بالشكر فهو مستحسن.

١١

قوله تعالى: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ} قال الفراء: هذا الاستثناء من الإنسان، لأنه في معنى الناس، كقوله: {إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} [العصر: ٢٤] وقال الزجاج: هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن الذين صبروا. قال ابن عباس: الوصف الأول للكافر، والذين صبروا أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم.

١٢

قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ} سبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: {ٱئْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدّلْهُ} [يونس: ١٥] فهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أن لا يسمعهم عيب آلهتهم رجاء أن يتبعوه، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. وفي معنى الآية قولان.

احدهما: فلعلك تارع تبليغ بعض ما يوحى إليك من أمر الآلهة، وضائق بما كلفته من ذلك صدرك، خشية أن يقولوا. لولا أنزل عليه كنز.

والثاني: فلعلك لعظيم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك. فأما الضائق، فهو بمعنى الضيق. قال الزجاج: ومعنى {أَن يَقُولُواْ}: كراهية أن يقولوا. وإنما عليك أن تنذرهم بما يوحى إليك، وليس عليك أن تأتيهم باقتراحهم من الآيات. قوله تعالى:

{وَٱللّه عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ} فيه قولان.

احدهما: أنه الحافظ.

والثاني: الشهيد وقد ذكرناه في [آل عمران: ١٧٣]

١٣

انظر تفسير الآية:١٤

١٤

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ} «أم» بمعنى «بل» و«افتراه» أتى به من قبل نفسه.

{قُلْ فَأْتُواْ} أنتم في معارضتي

{بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ} في البلاغة {مُفْتَرَيَاتٍ} بزعمكم ودعواكم

{وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللّه} إلى المعاونة على المعارضة

{إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ} في قولكم: «افتراه».

{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} أي: يجيبوكم إلى المعارضة. فقد مات الحجة عليهم لكم.

فان قيل: كيف وحد القول

في قوله: {قُلْ فَأْتُواْ} ثم جمع

في قوله «فإن لم يستجيبوا لكم» فعنه جوابان.

احدهما: أن الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وحده في الموضعين، فيكون الخطاب له بقوله «لكم» تعظيما، لأن خطاب الواحد بلفظ الجميع تعظيم، هذا قول المفسرين.

والثاني: أنه وحد في الأول لخطاب النبي صلى اللّه عليه وسلم. وجمع في الثاني لمخاطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن الأنباري. قوله تعالى:

{فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ ٱللّه} فيه قولان.

احدهما: أنزله وهو عالم بانزاله، وعالم بأنه حق من عنده.

والثاني: أنزله بما أخبر فيه من الغيب، ودل على ما سيكون وما سلف، ذكرهما الزجاج. قوله تعالى:

{وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ} أي: واعلموا ذلك. {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} استفهام بمعنى الأمر.

وفيمن خوطب به قولان.

احدهما: أهل مكة، ومعنى إسلامهم: إخلاصهم للّه العبادة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله مجاهد.

١٥

انظر تفسير الآية:١٦

١٦

قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}

اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.

احدها: أنها عامة في جميع الخلق، وهو قول الأكثرين.

والثاني: أنها في أهل القبلة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: أنها في اليهود والنصارى، قاله أنس.

والرابع: أنها في أهل الرياء، قاله مجاهد. وروى عطاء عن ابن عباس: من كان يريد عاجل الدنيا ولا يؤمن بالبعث والجزاء.

وقال غيره: إنما هي في الكافر، لأن المؤمن يريد الدنيا والآخرة. قوله تعالى:

{نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} أي: أجور أعمالهم {فِيهَا}. قال سعيد ابن جبير: أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد: من عمل عملا من صلة، أو صدقة، لا يريد به وجه اللّه، أعطاه اللّه ثواب ذلك في الدنيا، ويدرأ به عنه في الدنيا. قوله تعالى:

{وَهُمْ فِيهَا} قال ابن عباس: أي في الدنيا.

{لاَ يُبْخَسُونَ} أي: لا ينقصون من أعمالهم في الدنيا شيئا.

{أُوْلَـٰئكَ ٱلَّذِينَ} عملوا لغير اللّه

{لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ} أي: ما عملوا في الدنيا من حسنة

{وَبَـٰطِلٌ مَّا كَانُواْ} لغير اللّه {يعملون».

فصل

وذكر قوم من المفسرين، منهم مقاتل، أن هذه الآية اقتضت أن من أراد الدنيا بعمله، أعطي فيا ثواب عمله من الرزق والخير، ثم نسخ ذلك بقوله: {عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} [الاسراء ١٨] وهذا لا يصح، لأنه لا يوفي إلا لمن يريد.

١٧

انظر تفسير الآية:١٨

١٨

قوله تعالى:{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ}

في المراد بالبينة أربعة أقوال.

احدها: أنها الدين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله الضحاك.

والثالث: القرآن، قاله ابن زيد.

والرابع: البيان، قاله مقاتل.

وفي المشار إليه ب «من» قولان.

احدهما: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله ابن عباس والجمهور.

والثاني: أنهم المسلمون، وهو يخرج على قول الضحاك.

وفي قوله: {وَيَتْلُوهُ} قولان.

احدهما: يتبعه.

والثاني: يقرؤه.

وفي هاء «يتلوه» قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم.

والثاني: إلى القرآن، وقد سبق ذكره في قوله: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود ١٣].

وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال.

احدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وإبراهيم في آخرين.

والثاني: أنه لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي كان يتلو القرآن، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وقتادة في آخرين.

والثالث: أنه علي بن أبي طالب. و «يتلوه» بمعنى يتبعه، رواه جماعة عن علي بن أبي طالب، وبه قال محمد بن علي، وزيد بن علي.

والرابع: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو شاهد من اللّه تعالى، قاله الحسين بن علي عليه السلام.

والخامس: أنه ملك يحفظه ويسدده، قاله مجاهد.

والسادس: أنه الإنجيل يتلو القرآن بالتصديق، وإن كان قد أنزل قبله. لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم بشرت به التوراة، قاله الفراء.

والسابع: أنه القرآن ونظمه وإعجازه، قاله الحسين بن الفضل.

والثامن: أنه صورة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووجهه ومخايله، لأن كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وفي «هاء» منه ثلاثة أقوال.

احدها: أنها ترجع إلى اللّه تعالى.

والثاني: إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم.

والثالث: إلى البينة. قوله تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ}

في هذه الهاء ثلاثة أقوال.

احدها: أنها ترجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قاله مجاهد.

والثاني: إلى القرآن قاله ابن زيد.

والثالث: إلى الإنجيل، أي: ومن قبل الإنجيل

{كِتَابُ مُوسَىٰ} يتبع محمدا بالتصديق له، ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: والمعنى: وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلا على أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم،فيكون «كتاب موسى» عطفا على قوله:

{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ} أي: ويتلوه كتاب موسى، لأن موسى وعيسى بشرا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في التوراة والإنجيل. ونصب «إماما» على الحال.

فان قيل: كيف تتلوه التوراة، وهي قبله.

قيل: لما بشرت به، كانت كأنها تاليه له، لأنها تبعته بالتصديق له. وقال ابن الأنباري: كتاب موسى، مفعول في المعنى، لأن جبريل تلاه على موسى، فارتفع الكتاب، وهو مفعول بمضمر بعده، تأويله: ومن قبله كتاب موسى كذاك، أي: تلاه جبريل أيضا، كما تقول العرب: أكرمت أخاك وأبوك، فيرفعون الأب وهو مكرم على الاستئناف، بمعنى: وأبوك مكرم أيضا، قال: وذهب قوم إلى أن كتاب موسى فاعل، لأنه تلا محمدا بالتصديق كما تلاه الإنجيل.

فصل

فتلخيص الآية: أفمن كان على بينة من ربه كمن لم يكن؟ قال الزجاج: ترك المضاد له، لأن في ما بعده دليلا عليه، وهو قوله: {مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلاْعْمَىٰ وَٱلاْصَمِّ} [هود ٢٤] وقال ابن قتيبة: لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا، جاء بهذه الآية، وتقدير الكلام: أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه. وقال ابن الأنباري: إنما حذف لانكشاف المعنى، والمحذوف المقدر كثير في القرآن والشعر،

قال الشاعر:

فأقسم لو شيء أتانا رسوله  سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

فإن قلنا: إن المراد بمن كان على بينة ربه، رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمعنى الآية: ويتبع هذا النبي شاهد، وهو جبريل عليه السلام. «منه» أي: من اللّه.

وقيل: «شاهد» هو علي بن أبي طالب، {مِنْهُ} أي: من النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقيل: «يتلوه» يعني القرآن، يتلوه جبريل، وهو شاهد لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أن الذي يتلوه جاء من عند اللّه تعالى.

وقيل: ويتلو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القرآن وهو شاهد من اللّه. وقيل ويتلو لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القرآن، فلسانه شاهد منه. وقيل: ويتبع محمدا شاهد له بالتصديق وهو الإنجيل من اللّه تعالى وقيل ويتبع هذا النبي شاهد من نفسه، وهو سمته وهديه الدال على صدقه.

وإن قلنا: إن المراد بمن كان على بينة من ربه المسلمون، فالمعنى: أنهم يتبعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو البينة، ويتبع هذا النبي شاهد له بصدقه. قوله تعالى:

{إَمَامًا وَرَحْمَةً} إنما سماه إماما، لأنه كان يهتدى به، «ورحمة» أي: وذا رحمة، وأراد بذلك التوراة، لأنها كانت إماما وسببا لرحمة من آمن بها. قوله تعالى:

{أُوْلَـئِكَ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه إشارة إلى أصحاب موسى.

والثاني: إلى أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم.

والثالث: إلى أهل الحق من أمة موسى وعيسى ومحمد. وفي هاء {بِهِ} ثلاثة اقوال.

احدها: أنها ترجع إلى التوراة

والثاني إلى القرآن.

والثالث: إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وفي المراد بالأحزاب هاهنا أربعة أقوال.

احدها: جميع الملل، قال سعيد بن جبير.

والثاني: اليهود والنصارى، قاله قتادة.

والثالث: قريش، قاله السدي.

والرابع: بنو أمية، وبنو المغيرة بن عبد اللّه المخزومي، وآل أبي طلحة بن العزي، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ} أي إليها مصيره، قال حسان بن ثابت:

أوردتموها حياض الموت ضاحية  فالنار موعدها والموت لا قيها

قوله تعالى:

{فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ} قرأ الحسن، وقتادة: {مِرْيَةٍ} بضم الميم أين وقع.

وفي المكني عنه قولان.

احدهما: أنه الإخبار بمصير الكافر به، فالمعنى: فلا تك في شك أن موعد المكذب به النار، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أنه القرآن، فالمعنى: فلا تك في شك من أن القرآن من اللّه تعالى، قاله مقاتل. قال ابن عباس: والمراد بالناس هاهنا: أهل مكة. قوله تعالى:

{أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ} قال الزجاج: ذكر عرضهم توكيدا لحالهم في الانتقام منهم، وإن كان غيرهم يعرض أيضا.

فأما {ٱلاْشْهَـٰدُ} ففيهم خمسة أقوال.

احدها: أنهم الرسل، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: الملائكة، قاله مجاهد، وقتادة.

والثالث: الخلائق، روي عن قتادة ايضا. وقال مقاتل: {ٱلاْشْهَـٰدُ} الناس كما يقال: على رؤوس الأشهاد، أي: على رؤوس الناس.

والرابع: الملائكة والنبيون وأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم يشهدون على الناس، والجوارح تشهد على ابن آدم، قاله ابن زيد.

والخامس: الأنبياء والمؤمنون، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: وفائدة إخبار الأشهاد بما يعلمه اللّه: تعظيم بالأمر المشهود عليه، ودفع المجاحدة فيه.

١٩

قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللّه} قد تقدم تفسيرها في [الأعراف٤٥]. قوله تعالى:

{وَهُمْ بِٱلاْخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ} قال الزجاج: ذكرت {هُمْ} ثانية على جهة التوكيد لشأنهم في الكفر.

٢٠

انظر تفسير الآية:٢١

٢١

قوله تعالى: {أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلاْرْضِ} قال ابن عباس: لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم. {أَوْلِيَاء} يقتضي محذوفا، تلخيصه: من أولياء يمنعونهم من عذاب اللّه، فحذف هذا لشهرته. قوله تعالى:

{يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ} يعني الرؤساء الصادين عن سبيل اللّه، وذلك لإضلالهم أتباعهم واقتداء غيرهم بهم. وقال الزجاج:

{لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلاْرْضِ} أي: في دار الدنيا، ولا لهم ولي يمنع من انتقام اللّه، ثم استأنف

{يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ} لعظم كفرهم بنبيه وبالبعث والنشور. قوله تعالى:

{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ} فيمن عني بهذا قولان.

احدهما: أنهم الكفار.

ثم في معناه ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم لم يقدروا على استماع الخير، وإبصار الحق، وفعل الطاعة، لأن اللّه تعالى حال بينهم وبين ذلك، هذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: أن المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصورن حجج اللّه ولا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما تقول العرب: لأجزينك ما عملت، وبما عملت، ذكره الفراء،

وأنشد ابن الأنباري في الاحتاج له:

نغالي اللحم للأضياف نيئا  ونبذله إذا نضج القدور

أراد: نغالي باللحم.

والثالث: أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقول، قاله الزجاج. والقول الثاني: أنهم الأصنام، فالمعنى: ما كان للآلهة سمع ولا بصر، فلم تستطع لذلك السمع، ولم تكن تبصر. فعلى هذا، يرجع قوله: {مَا كَانُواْ} إلى أوليائهم، وهي الأصنام، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضا.

٢٢

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٤

قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ} قال ابن عباس: يريد: حقا إنهم الأخسرون. وقال الفراء: لا {جَرَمَ} كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة {حَقّاً} ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، لا جرم لقد أحسنت، وأصلها من جرمت، أي: كسبت الذنب. قال الزجاج: ومعنى «لا جرم» لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى: لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون، أي: كسب لهم ذلك الفعل الخسران. وذكر ابن الأنباري أن {لا} رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة، والمعنى: لا يندفع عنهم عذابي، ولا يجدون وليا يصرف عنهم نقمتي،

ثم ابتدأ مستأنفا {جَرَمَ} قال: وفيها قولان.

احدهما: أنها بمعنى: كسب كفرهم وما قدروا من الباطل وقوع العذاب بهم. ف {جَرَمَ} فعل ماض، معناه: كسب وفاعله مضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل.

والثاني: أن معنى جرم: أحق وصحح، وهو فعل ماض، وفاعله مضمر فيه، والمعنى: أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم،

قال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة  جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

أراد: حقت الطعنة فزارة بالغضب ومن العرب من يغير لفظ «جرم» مع {لا} خاصة فيقول بعضهم: {لاَ جَرَمَ} ويقول آخرون: {لاَ جَرَمَ} باسقاط الميم، ويقال:

{لاَ جَرَمَ} و {لاذا جر} بغير ميم، و {لاَ ٱنفِصَامَ ذَا جَرَمَ} و {لا عَن ذٰلِكَ جَرَمَ} ومعنى اللغات كلها: حقا. قوله تعالى:

{وَأَخْبَتُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ} فيه سبعة أقوال.

احدها: خافوا ربهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: أنابوا إلى ربهم، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: ثابوا إلى ربهم، قاله قتادة.

والرابع:اطمأنوا، قاله مجاهد.

والخامس: أخلصوا، قاله مقاتل.

والسادس: تخشعوا لربهم، قاله الفراء.

والسابع: تواضعوا لربهم، قاله ابن قتيبة.

فان قيل: لم أوثرت {إِلَىٰ} على اللام في قوله

{وَأَخْبَتُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ} والعادة جارية بأن يقال: أخبتوا لربهم؟

فالجواب: أن المعنى: وجهوا خوفهم وخشوعهم وإخلاصهم إلى ربهم، واطمأنوا إلى ربهم. قال الفراء: وربما جعلت العرب {إِلَىٰ} في موضع اللام، كقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا} [الزلزال ٥] وقوله: {ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا} [الأعراف ٤٣] وقد يجوز في العربية: فلان يخبت إلى اللّه، يريد: يفعل ذلك موجهه إلى اللّه. قال بعض المفسرين: هذه الآية نازلة في أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما قبلها نازل في المشركين. ثم ضرب للفريقين مثلا، فقال:

{مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلاْعْمَىٰ وَٱلاْصَمِّ} قال مجاهد: الفريقان: المؤمن والكافر. فأما الأعمى والأصم فهو الكافر، وأما البصير والسميع فهو المؤمن. قال قتادة: الكافر عمي عن الحق وصم عنه، والمؤمن أبصر الحق وسمعه ثم انتفع به. وقال أبو عبيدة: في الكلام ضمير، تقديره: مثل الفريقين كمثل الأعمى. وقال الزجاج: مثل الفريقين المسلمين كالبصير والسميع، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، لأنهم في عداوتهم وتركهم للفهم بمنزلة من لايسمع ولا يبصر. قوله تعالى:

{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} أي: هل يستويان في المشابهة؟ والمعنى: كما لا يستويان عندكم، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر عند اللّه. وقال أبو عبيدة: {هَلُ} هاهنا بمعنى الإيجاب، لا بمعنى الاستفهام، والمعنى: لا يستويان.

قال الفراء: وإنما لم يقل: {يَسْتَوُونَ} لأن الأعمى والأصم من يظن سعيد وابن عمرو بأنني  إذا سامني ذلا أكون به أرضى فنسق ابن عمرو على سعيد وهو سعيد.

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٩

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٩

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٩

٢٨

انظر تفسير الآية:٢٩

٢٩

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ} أني قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي {إِنّى} بفتح الألف، والتقدير: أرسلناه بأني، وكأن الوجه بأنه لهم نذير، ولكنه على الرجوع من الإخبار عن الغائب إلى خطاب نوح قومه. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة «إني» بكسر الألف، فحملوه على القول المضمر، والتقدير: فقال لهم: إني لكم نذير. قوله تعالى:

{مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا} أي: إنسانا مثلنا، لا فضل لك علينا. فأما الأراذل، فقال ابن عباس: هم السفلة. وقال ابن قتيبة: هم جمع {أَرْذَلِ} يقال: رجل رذل، وقد رذل رذالة ورذولة ومعنى الأراذل: الشرار. قوله تعالى:

{بَادِىَ ٱلرَّأْى} قرأ الأكثرون {بَادِىَ} بغير همز وقرأ أبو عمرو بالهمز بعد الدال. وكلهم همز {ٱلرَّأْى} غير أبي عمرو.

وللعلماءفي معنى {بَادِىَ} إذا لم يهمز ثلاثة أقوال:

احدها: أن المعنى: ما نرى أتباعك إلى سفلتنا وأرذالنا في بادي الرأي لكل ناظر، يعنون أن ما وصفناهم به من النقص لا يخفى على أحد فيخالفنا، هذا مذهب مقاتل في آخرين.

والثاني: أن المعنى أن هؤلاء القوم اتبعوك في ظاهر ما يرى منهم، وطويتهم على خلافك.

والثالث: أن المعنى: اتبعوك في ظاهر رأيهم، ولم يتدبروا ما قلت، ولو رجعوا إلى التفكر لم يتبعوك، ذكر هذين القولين الزجاج.

قال ابن الأنباري: وهذه الثلاثة الأقوال على قراءة من لم يهمز، لأنه من بدا، يبدو: إذا ظهر. فأما من همز بادئ فمعناه ابتداء الرأي أي اتبعوك أول ما ابتدؤوا ينظرون ولو فكروا لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك. قوله تعالى:

{نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: من فضل في الخلق، قاله ابن عباس.

والثاني: في الملك والمال ونحو ذلك، قاله مقاتل.

والثالث: ما فضلتم باتباعكم نوحا، ومخالفتكم لنا بفضيلة نتبعكم طلبا لها، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى:

{بَلْ نَظُنُّكُمْ كَـٰذِبِينَ} فيه قولان.

احدهما: نتيقنكم، قاله الكلبي.

والثاني: نحسبكم، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} أي: على يقين وبصيرة. قال ابن الأنباري: وقوله: إن {كُنتُ} شرط لا يوجب شكا يلحقه، لكن الشك يلحق المخاطبين من أهل الزيغ فتقديره إن كنت على بينة من ربي عندكم {قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن} فيها قولان.

احدهما: أنها النبوة، قاله ابن عباس.

والثاني: الهداية، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {فَعُمّيَتْ} بتخفيف الميم وفتح العين. قال ابن قتيبة: والمعنى: عميتم عنها، يقال: عمي علي هذا الأمر: إذا لم أفهمه، وعميت عنه بمعنى. قال الفراء: وهذا مما حولت العرب الفعل إليه وهو في الأصل لغيره، كقولهم: دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي، وإنما الإصبع تدخل في الخاتم، والرجل في الخف، واستجازوا ذلك إذ كان المعنى معروفا. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {فَعُمّيَتْ} بضم العين وتشديد الميم. قال ابن الأنباري: ومعنى ذلك: فعماها اللّه عليكم إذ كنتم ممن حكم عليه بالشقاء. وكذلك قرأ أبي بن كعب، والأعمش: «فعماها عليكم»

وفي المشار إليها قولان.

احدهما: البينة.

والثاني: الرحمة.

قوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي: أنلزمكم قبولها؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، يقول: لا نقدر أن نلزمكم من ذات أنفسنا. قال قتادة: واللّه لو استطاع نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم لألزمها قومه، ولكن لم يملك ذلك.

وقيل: كان مراد نوح عليه السلام رد قولهم: {وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} فبين فضله وفضل من آمن به بأنه على بينة من ربه، وقد آتاه رحمة من عنده، وسلب المكذبون ذلك. قوله تعالى:

{لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على نصحي ودعائي إياكم {مَالاً} فتتهموني. وقال ابن الأنباري: لما كانت الرحمة بمعنى الهدى والإيمان، جاز تذكيرها. قوله تعالى:

{وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} قال ابن جريج: سألوه طردهم أنفة منهم، فقال: لا يجوز لي طردهم، إذ كانوا يلقون اللّه فيجزيهم بإيمانهم، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغر شؤونهم.

وفي قوله: {وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} قولان.

احدهما: تجهلون أن هذا الأمر من اللّه تعالى، قاله ابن عباس.

والثاني: تجهلون لأمركم إياي بطرد المؤمنين، قاله أبو سليمان.

٣٠

انظر تفسير الآية:٣٤

٣١

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٣

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٤

قوله تعالى: {تَجْهَلُونَ وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى} اي: من يمنعني من عذاب اللّه إن طردتهم. قوله تعالى:

{وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ ٱللّه} قال ابن الأنباري: أراد بالخزائن: علم الغيب المطوي عن الخلق، لأنهم قالوا له: إنما اتبعك هؤلاء في الظاهر وليسوا معك، فقال لهم: ليس عندي خزائن غيوب اللّه فأعلم ما تنطوي عليه الضمائر. وإنما قيل للغيوب: خزائن، لغموضها عن الناس واستتارها عنهم. قال سفيان بن عيينة: إنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها. قوله تعالى:

{وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ} قيل: إنما قال لهم هذا، لأن أرضهم أجدبت، فسألوه: متى يجيء المطر؟ وقيل: بل سالوه: متى يجيء العذاب؟ فقال: ولا أعلم الغيب.

وقوله: {وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ} جواب لقولهم: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا} [هود: ٢٧]

و{وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ} أي: تحتقر وتستصغر المؤمنين:

قال الزجاج: {تَزْدَرِى} تستقل وتستخس، يقال: زريت على الرجل: إذا عبت عليه وخسست فعله، وأزريت به: إذا قصرت به. وأصل تزدري: تزتري، إلا أن هذه التاء تبدل بعد الزاي دالا، لأن التاء من حروف الهمس وحروف الهمس خفية، فالتاء بعد الزاي تخفى، فأبدلت منها الدال لجهرها. قوله تعالى:

{لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللّه خَيْرًا} قال ابن عباس: إيمانا. ومعنى الكلام: ليس لي أن أطلع على ما في نفوسهم فأقطع عليهم بشيء،وليس لاحتقاركم إياهم يبطل أجرهم.

{إِنّى إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} إن قلت هذا الذي تقدم ذكره، وقيل إن طردتهم. قوله تعالى:

{قَدْ جَادَلْتَنَا} قال الزجاج: الجدال: هو المبالغة في الخصومة والمناظرة، وهو مأخوذ من الجدل، وهو شدة الفتل، ويقال للصقر: أجدل، لأنه من أشد الطير. ويقرأ {فَأَكْثَرْتَ}. قوله تعالى:

ف{يَاصَـٰحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} قال ابن عباس: يعنون العذاب.

{إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} أنه يأتينا. قوله تعالى:

{إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أي: أنصحكم. وفي هذه الآية شرطان، فجواب الأول النصح، وجواب الثاني النفع. قوله تعالى:

{إِن كَانَ ٱللّه يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: يضلكم، قاله ابن عباس.

والثاني: يهلككم، حكاه ابن الأنباري: وقال: هو قول مرغوب عنه.

الثالث: يضلكم ويهلككم، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{هُوَ رَبُّكُمْ} أي: هو أولى بكم، يتصرف في ملكه كما يشاء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الموت.

٣٥

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ} قال الزجاج: المعنى: أيقولون: {ٱفْتَرَاهُ}؟ قال ابن قتيبة: الافتراء: الاختلاق. {فَعَلَىَّ إِجْرَامِى} أي: جرم ذلك الاختلاق إن كنت فعلت.

{وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تُجْرَمُونَ} في التكذيب.

وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: {فَعَلَىَّ إِجْرَامِى} بفتح الهمزة.

٣٦

قوله تعالى: {وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ}

قال المفسرون: لما أوحي إليه هذا، استجاز الدعاء عليهم، فقال: {لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاْرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً} [نوح ٢٦]. قوله تعالى:

{فَلاَ تَبْتَئِسْ} قال ابن عباس، ومجاهد، لا تحزن. وقال الفراء، والزجاج: لا تستكن ولا تحزن. قال أبو صالح عن ابن عباس: فلا تحزن إذا نزل بهم الغرق {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.

٣٧

انظر تفسير الآية:٣٨

٣٨

قوله تعالى: {وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ} أي: واعمل السفينة.

وفي قوله: {بِأَعْيُنِنَا} ثلاثة أقوال.

احدها: بمرأى منا، قاله ابن عباس.

والثاني: بحفظنا، قاله الربيع.

والثالث: بعلمنا، قاله مقاتل. قال ابن الأ نباري: إ نما جمع على مذهب العرب في إيقاعها الجمع على الواحد، تقول: خرجنا إلى البصرة في السفن، وإنما جمع، لأن من عادة الملك أن يقول: أمرنا ونهينا.

وفي قوله: {وَوَحْيِنَا} قولان.

احدهما: وأمرنا لك أن تصنعها.

والثاني: وبتعليمنا إياك كيف تصنعها. قوله تعالى:

{تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} فيه قولان.

احدهما: لاتسألني الصفح عنهم.

والثاني: لاتخاطبني في إمهالهم.

وإنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه. الإشارة إلى كيفية عمل السفينة روى الضحاك عن ابن عباس: قال كان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته، يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم. حتى إذا يئس من إيمان قومه، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا، فقال: يا بني انظر هذا الشيخ لايغررك، قال: ياأبت أمكني من العصا، فأخذها فضربه ضربة شجة موضحة وسالت الدماء على وجهه، فقال رب قد ترى مايفعل بي عبادك، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم، وإلا فصبرني إلى أن تحكم، فأوحى اللّه إليه

{أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ} إلى قوله: {وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ} قال: يارب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي، وأغرق أهل معصيتي، قال: يارب، وأين الماء؟ قال: إني على ما أشاء قدير، قال: يارب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن دعائهم، وكفوا عنه، إلا أنهم يستهزؤن به، فلما أدرك الشجر، أمره ربه، فقطعه وجففه ولفقه، فقال: يارب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور، رأسه كرأس الطاووس، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة، وبعث اللّه إليه جبريل يعلمه، وأوحى إليه أن عجل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني، فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام، وحام، ويافث، معه ينحتون السفينة، فجعل طولها ستمائة ذراع، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا، وعلوها ثلاثا وثلاثين، وفجر اللّه له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها. وعن ابن عباس. قال: جعل لها ثلاث بطون، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام، وفي الأوسط الدواب والأنعام، وركب وهو ومن معه البطن الأعلى.

وروي عن الحسن أنه قال: كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع، ومائتا ذراع، وعرضها ستمائة ذراع. وقال قتادة: كانت فيما ذكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسمائة ذراع وطولها في السماء ثلاثون ذراعا. وقال ابن جريج: كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ومائة ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراع، وكان في أعلاها الطير، وفي وسطها الناس، وفي أسفلها السباع. وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة. قوله تعالى:

{وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} فيه قولان.

احدهما: أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط، فكانوا يسخرون ويقولون: صرت بعد النبوة نجارا؟ وهذا قول ابن إسحاق.

والثاني: أنهم قالوا له: ما تصنع؟ فقال: أبني بيتا يمشي على الماء، فسخروا من قوله، وهذا قول مقاتل.

وفي قوله: {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} خمسة أقوال.

احدها: إن تسخروا من قولنا فانا نسخر من غفلتكم.

والثاني: إن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة، فانا نسخر منكم عند الغرق، ذكره المفسرون.

والثالث: إن تسخروا منا في الدنيا، فانا نسخر منكم في الآخرة، قاله ابن جرير.

والرابع: إن تستجهلونا، فانا نستجهلكم، قاله الزجاج.

والخامس: إن تسخروا منا، فانا نستنصر اللّه عليكم، فسمى هذا سخرية، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله: {ٱللّه يَسْتَهْزِىء بِهِمْ} هذا قول ابن الأنباري. قال ابن عباس: لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر و لابحر، فلذلك سخروا منه، وإنما مياه البحار بقية الطوفان.

٣٩

قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} هذا وعيد، ومعناه: فسوف تعلمون من هو أحق بالسخرية، ومن هو احمد عاقبه. قوله تعالى:

{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي: يذله، وهو الغرق.

{وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} أي: ويجب عليه {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} في الآخرة.

٤٠

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَمْرُنَا} فيه قولان.

احدهما: جاء أمرنا بعذابهم وإهلاكهم.

والثاني: جاء عذابنا و هو الماء، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإكليل، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السفينة، فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين. قوله تعالى:

{وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ} الفور: الغليان؛ والفوارة: ما يفور من القدر، قاله ابن فارس. قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال: التنور اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غير هذا، فلذلك جاء في التنزيل، لأنهم خوطبوا بما عرفوا.

وروي عن ابن عباس أنه قال: التنور، بكل لسان عربي وعجمي. وفي المراد بهذا التنور ستة أقوال.

احدها: أنه اسم لوجه الأرض، رواه عكرمة عن علي عليه السلام.

وروى الضحاك عن ابن عباس: التنور: وجه الأرض، قال: قيل له: إذا رأيت الماء قد علا وجهه الأرض، فاركب أنت وأصحابك، وهذا قول عكرمة، والزهري.

والثاني: أنه تنوير الصبح، رواه أبو جحيفة عن علي رضي اللّه عنه. وقال ابن قتيبه: التنوير عند الصلاة.

والثالث: أنه طلوع الفجر، روي عن علي أيضا، قال: {وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ} طلع الفجر.

والرابع: أنه طلوع الشمس، وهو منقول عن علي أيضا.

والخامس: أنه تنور أهله، روى العوفي عن ابن عباس قال: إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء، فانه هلاك قومك.

وروى أبو صالح عن ابن عباس: أنه تنور آدم عليه السلام، وهبه اللّه لنوح، وقيل له إذا فار الماء منه، فاحمل ماأمرت به. وقال الحسن: كان تنورا من حجارة، وهذا قول مجاهد، والفراء، ومقاتل.

والسادس: أنه أعلى الأرض وأشرفها. قال ابن الأنباري: شبهت أعالي الأرض وأماكنها المرتفعة لعلوها، بالتنانير.

واختلفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال.

احدها: أنه فار من مسجد الكوفة، رواه حبة العربي عن علي عليه السلام. وقال زر بن حبيش: فار التنور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى.وقال مجاهد: نبع الماء من التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته، وكان ذلك بناحية الكوفة. وكان الشعبي يحلف باللّه ما كان التنور إلا بناحية الكوفة.

والثاني: أنه فار بالهند، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان في أقصى دار نوح، وكانت بالشام في يقال له: عين وردة، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا} أي: في السفينة {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ}.

وروى حفص عن عاصم: {مِن كُلّ} بالتنوين. قال أبو علي: والمعنى: من كل شيء، ومن كل زوج زوجين، فحذف المضاف. وانتصاب {ٱثْنَيْنِ} على أنهما صفة لزوجين، وقد علم أن الزوجين اثنان، ولكنه توكيد. قال مجاهد: من كل صنف، ذكرا وأنثى. وقال ابن قتيبة: الزوج يكون واحدا، ويكون اثنين، وهو هاهنا واحد، ومعنى الآية: احمل من كل ذكر وأنثى اثنين. وقال الزجاج: المعنى: احمل زوجين اثنين من كل شىء، والزوج في كلام العرب يجوز أن يكون معه واحد، والاثنان يقال لهما: زوجان، يقال: عندي زوجان من الطير، إنما يريد ذكرا وأنثى فقط. وقال ابن الأنباري: إنما قال {ٱثْنَيْنِ} فثنى الزوج، لأنه قصد قصد الذكر والأنثى من الحيوان، وتقديره: من كل ذكر وأنثى. قوله تعالى:

{وَأَهْلَكَ} أي: وأحمل أهلك.

قال المفسرون: أراد بأهله: عياله وولده.

{إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ} أي: سبق عليه القول من اللّه بالإهلاك. قال الضحاك: وهم امرأته وابنه كنعان. قوله تعالى:

{وَمَنْ ءامَنَ} معناه: واحمل من آمن. {وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}

وفي عددهم ثمانية أقوال.

احدها: أنهم كانوا ثمانين رجلا معهم أهلوهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: أن نوحا حمل معه ثمانين إنسانا، وبنيه الثلاثة، وثلاث نسوة لبنيه، وامرأة نوح، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.

والثالث: كانوا ثمانين إنسانا، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل كانوا وأربعين رجلا وأربعين امرأة.

والرابع: كانوا أربعين، ذكره ابن جريج عن ابن عباس.

والخامس: كانوا ثلاثين رجلا، رواه أبو نهيك عن ابن عباس.

والسادس: كانوا ثمانية، قال الحكم بن عتيبة: كان نوح وثلاثة بنيه وأربع كنائنه. قال قتادة: ذكر لنا أنه لم ينج في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنين له ونساؤهم، فجماعتهم ثمانية، وهذا قول القرظي، وابن جريج.

والسابع: كانوا سبعة، نوح، وثلاث كنائن له وثلاثة بنين، قاله الأعمش.

والثامن: كانوا عشرة سوى نسائهم، قاله ابن إسحاق. وروي عنه أنه قال: الذين نجوا مع نوح بنوه الثلاثة، ونساؤهم ثلاث، وستة ممن آمن به.

٤١

قوله تعالى: {وَقَالَ} يعني نوحا للذين أمر بحملهم {ٱرْكَبُواْ} السفينة. قال ابن عباس: ركبوا فيها لعشر مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء. وقال ابن جريج: رفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب. فأتت موضع البيت فطافت به أسبوعا، وكان البيت قد رفع في ذلك الوقت، ورست بباقردى على الجودي يوم عاشوراء. وقال ابن عباس: قرض الفأر حبال السفينة، فشكا نوح ذلك، فأوحى اللّه تعالى إليه، فمسح ذنب الأسد، فخرج سنوران، وكان في السفينة عذرة، فشكا ذلك إلى ربه، فأوحى اللّه تعالى إليه، فمسح ذنب الفيل، فيخرج خنزيران فـأكلا ذلك الفيل فخرج خنزيران فـأكلا ذلك. قوله تعالى:

{بِسْمِ ٱللّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبوبكر عن عاصم: {مَجْرَاهَا} بضم الميم.

وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {مَجْرَاهَا} بفتح الميم، وكسر الراء. وكلهم قرؤوا بضم الميم من {مُرْسَـٰهَا} إلا أن ابن كثير، وأبا عمرو، وابن عامر، وحفصا عن عاصم، كانوا يفتحون السين. ونافع، وأبو بكر عن عاصم، كانا يقرآنها بين الكسر والتفخيم. وكان حمزة، والكسائي، وخلف، يميلونها. وليس في هؤلاء أحد جعلها نعتا للّه، وإنما جعل الوصفين نعتا للّه تعالى، الحسن، وقتادة، وحميد الأعرج، وإسماعيل بن مجالد عن عاصم، فقرؤوا {مجريها و مرسيها} بضم الميم، وببهاءين صحيحتين، مثل مبديها ومنشيها.

وقرأ ابن مسعود: {فِيهَا بِسْمِ ٱللّه مَجْرَاهَا} بفتح الميم، وإمالة الراء بعدها ألف،

{وَمُرْسَاهَا} برفع الميم، وإمالة السين بعدها ألف

وقرأ أبو رزين، وأبوالمتوكل: {مَجْرَاهَا}بفتح الميم والراء،وبألف بعدها،ومرساها، برفع الميم وفتح السين، وبألف بعدها.

وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} بفتح الميم فيهما جميعا، وفتح الراء والسين، وبألف بعدهما. وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الميمين، إلا أنه أمال الراء والسين فيهما، وقرأ أبو عمران الجوني، وابن جبير، برفع الميم فيهما، وفتح الراء والسين، وبألف بعدهما جميعا. فمن قرأ بضم الميمين، جعله من أجرى وأرسى ومن فتحهما، جعله مصدرا من جرى الشيء يجري مجرى، ورسى يرسي مرسى قال الزجاج: قوله: {بِسْمِ اللّه} أي: باللّه، والمعنى: أنه أمرهم أن يسموا في وقت جريها ووقت استقرارها.ومن قرأ بضم الميمين، فالمعنى: باللّه إجراؤها، وباللّه إرساها. ومن فتحهما، فالمعنى: باللّه يكون جريها، وباللّه يقع إرساؤها، أي: إقرارها وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول: من ضم الميم في {مَجْرَاهَا} أراد أجراها اللّه مجرى، ومن فتحها، أراد:جرت مجرى. وقال الضحاك: كان إذا أراد أن تجري، قال: بسم اللّه، فجرت. وإذا أراد أن ترسى، قال: بسم اللّه، فرست.

٤٢

انظر تفسير الآية:٤٣

٤٣

قوله تعالى: {وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ} شبهه في بالجبال في عظمه وارتفاعه، ويقال: إن الماء أرتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعا، ويروي خمس عشرة ذراعا. وذكر بعض المفسرين أنه ارتفع نحو السماء سبعين فرسخا من الأرض. قوله تعالى:

{وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ} لا يختلفون أنه كان كافرا. وفي اسمه قولان.

احدهما: كنعان، وهو قول الأكثرين.

والثاني: اسمه يام، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عبيد بن عمير، وابن إسحاق. قوله تعالى:

{وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ} المعزل: المكان المنقطع. ومعنى العزل: التنحية. وفي معنى الكلام وجهان ذكرهما الزجاج.

احدهما: في معزل من السفينة.

والثاني: في معزل من دين أبيه. قوله تعالى:

{يٰبُنَىَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبوعمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، يابني اركب، مضافة، بكسر الياء

وروى أبوبكر عن عاصم {يَـٰبَنِى} مفتوحة الياء ها هنا، وباقي القرآن مكسورة. وروى حفص عنه بالفتح في كل القرآن {يَـٰبَنِى} إذا كان واحدا. قال النحويون: الأصل في {بَنِى} ثلاث ياءات، ياء التصغير، وياء بعدها هي لام الفعل، وياء بعد لام الفعل هي ياء الإضافة، فمن قرأ يابني أراد يابنيي فحذف ياء الإضافة وترك الكسرة تدل، عليها كما يقال: يا غلام أقبل، ومن فتح الياء، أبدل من كسرة لام الفعل فتحة، استثقالا لاجتماع الياءات مع الكسرة، فانقلبت ياء الإضافة ألفا، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء، فبقيت الفتحة على حالها. وقيل: إن المعنى: يا بني آمن واركب معنا. قوله تعالى:

{سَاوِى} أي: سأصير وأرجع {إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى} أي: يمنعني {مِنَ ٱلْمَاء} أي: من تغريق الماء.

{قَالَ ٱلْحِسَابِ ٱلْيَوْمَ} فيه قولان.

احدهما: لا مانع اليوم من أمر اللّه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: لا معصوم، ومثله: ماء دافق، أي مدفوق، وسر كاتم، وليل نائم، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى:

{إِلاَّ مَن رَّحِمَ} قال الزجاج: هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن من رحم اللّه فانه معصوم. قال مقاتل: إلا من رحم فركب السفينة. قوله تعالى:

{وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ} في المكني عنها قولان.

احدهما: أنهما ابن نوح والجبل الذي زعم أنه يعصمه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.

والثاني: نوح وابنه، قاله مقاتل.

٤٤

انظر تفسير الآية:٤٧

٤٥

انظر تفسير الآية:٤٧

٤٦

انظر تفسير الآية:٤٧

٤٧

قوله تعالى: {وقيل يٰأَرْضُ ٱبْلَعِى} وقف قوم على ظاهر الآية، وقالوا: إنما ابتلعت ما نبع منها، ولم تبتلع ماء السماء، فصار ذلك بحارا وأنهارا، وهو معنى قول ابن عباس. وذهب آخرون إلى أن المراد: ابلعي ماءك الذي عليك، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض. قوله تعالى:

{مَاءكِ وَيٰسَمَاء أَقْلِعِى} أي: أمسكي عن إنزال الماء. قال ابن الأنباري: لما تقدم ذكر الماء، علم أن المعنى: أقلعي عن إنزال الماء. قوله تعالى:

{وَغِيضَ ٱلْمَاء} أي: نقص. قال الزجاج: يقال: غاض الماء يغيض: إذا غاب في الأرض. ويجوز إشمام الضم في الغين. قوله تعالى:

{وَقُضِىَ ٱلاْمْرُ} قال ابن عباس: غرق من غرق، ونجا من نجا. وقال مجاهد: قضي الأمر: هلاك قوم نوح. وقال ابن قتيبة: «وقضي الأمر» أي: فرغ منه. قال ابن الأنباري: والمعنى: أحكمت هلكة قوم نوح، فلما دلت القصة على ما يبين هلكتهم، أغنى عن نعت الأمر. قوله تعالى:

{وَٱسْتَوَتْ} يعني السفينة {عَلَى ٱلْجُودِىّ} وهو اسم جبل. وقرأ الأعمش، وابن أبي عبلة: {عَلَى ٱلْجُودِىّ} بسكون الياء. قال ابن الأنباري: وتشديد الياء في {ٱلْجُودِىّ} لأنها ياء النسبه، فهي كالياء في علوي، وهاشمي. وقد خففها بعض القراء. ومن العرب من يخفف ياء النسبه، فيسكنها في الرفع، والخفض، ويفتحها في النصب، فيقول: قام زيد العلوي، ورأيت زيدا العلوي. قال ابن عباس: درات السفينة بالبيت أربعين يوما، ثم وجهها اللّه إلى الجودي فاستقرت عليه.

واختلفوا أين هذا الجبل على ثلاثة أقوال.

احدها: أنه بالموصل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والثاني: بالجزيرة، قاله مجاهد، وقتادة. وقال مقاتل: هو بالجزيرة قريب من الموصل.

والثالث: أنه بناحية آمد، قاله الزجاج.

وفي علة استوائها عليه قولان.

احدهما: أنه لم يغرق، لأن الجبال تشامخت يومئذ وتطاولت، وتواضع هو فلم يغرق، فأرست عليه، قاله مجاهد.

والثاني: لما قل الماء أرست عليه، فكان استواؤها عليه دلالة على قلة الماء. قوله تعالى:

{وقيل بُعْدًا لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} قال ابن عباس: بعدا من رحمة اللّه للقوم الكافرين.

فان قيل: ما ذنب من أغرق من البهائم والأطفال؟

فالجواب: أن آجالهم حضرت، فأميتوا بالغرق، قاله الضحاك، وابن جريج. قوله تعالى:

{رَبّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى} إنما قال نوح، هذا لأن اللّه تعالى وعده نجاة أهله، فقال:

{وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ} قال ابن عباس: أعدل العادلين. وقال ابن زيد: فأنت أحكم الحاكمين بالحق.

واختلفوا في هذا الذي سأل فيه نوح على قولين.

احدهما: أنه ابن نوح لصلبه، قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، والجمهور.

والثاني: أنه ولد على فراشه من لغير رشدة ولم يكن ابنه. روى ابن الأنباري باسناده عن الحسن أنه قال: لم يكن ابنه، إن امرأته فجرت. وعن الشعبي قال: لم يكن ابنه، إن امرأته خانته، وعن مجاهد نحو ذلك وقال ابن جريج: ناداه نوح وهو يحسب أنه ابنه، وكان ولد على فراشه فعلى القول الأول، يكون في معنى قوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} قولان.

احدهما: ليس من أهل دينك.

والثاني: ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط وإنما المعنى، ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم. وعلى القول الآخر: الكلام على ظاهره، والأول أصح، لموافقته ظاهر القرآن، ولاجتماع الأكثرين عليه، وهو أولى من رمي زوجة نبي بفاحشة. قوله تعالى:

{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة: {إِنَّهُ عَمَلٌ} رفع منون {غَيْرُ صَـٰلِحٍ} برفع الراء وفيه قولان.

احدهما: أنه يرجع إلى السؤال فيه، فالمعنى: سؤلك إياي فيه عمل غير صالح، قاله ابن عباس، وقتادة، وهذا ظاهر، لأنه قد تقدم السؤال فيه

في قوله: {رَبّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى} فرجعت الكناية إليه.

والثاني: أنه يرجع إلى المسؤول فيه. وفي هذا المعنى قولان.

احدهما: أنه لغير رشدة قاله الحسن.

والثاني: أن المعنى: إنه ذو عمل غير صالح، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: من قال: هو لغير رشدة، قال: المعنى: إن أصل أبنك الذي تظن أنه أبنك عمل غير صالح. ومن قال: إنه ذو عمل غير صالح، قال: حذف المضاف، وأقام العمل مقامه، كما تقول العرب: عبد اللّه إقبال وأدبار، أي: صاحب إقبال وأدبار. وقرأ الكسائي: {عَمَلٍ} بكسر الميم وفتح اللام {غَيْرُ صَـٰلِحٍ} بفتح الراء، يشير إلى أنه مشرك. قوله تعالى:

{فَلاَ تَسْأَلْنى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}

قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: {فَلاَ تَسْأَلْنى} بفتح اللام، وتشديد النون، غير أن نافعا، وابن عامر، كسرا النون، وفتحها ابن كثير، وحذفوا الياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، بسكون اللام وتخفيف النون، غير أن أبا عمرو، وأبا جعفر، أثبتا الياء في الوصل، وحذفاها في الوقف، ووقف عليها يعقوب بالياء، والباقون يحذفونها في الحالين. قال أبو علي: من كسر النون،

فقد عدى السؤال إلى مفعولين.

احدهما: اسم المتكلم، والآخر: الآسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات. وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخف، والكسرة تدل عليها، وتعلم أن المفعول مراد في المعنى.

ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.

احدها: أنه نسبته إليه، وليس منه.

والثاني: في إدخاله إياه في جملة أهله الذين وعده نجاتهم.

والثالث: سؤاله في إنجاء كافر من العذاب.

قوله تعالى: {إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن تكون من الجاهلين في سؤالك من ليس من حزبك.

والثاني: من الجاهلين بوعدي، لأني وعدت بانجاء المؤمنين.

والثالث: من الجاهلين بنسبك، لأنه ليس من أهلك.

٤٨

قوله تعالى: {يٰنُوحُ ٱهْبِطْ} قال ابن عباس: يريد: من السفينة إلى الأرض.

{بِسَلَـٰمٍ مّنَّا} أي: بسلامه. قوله تعالى:

{وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ} قال المفسرون: البركات عليه: أنه صار أبا للبشر جميعا، لأن جميع الخلق من نسله. {وَعَلَىٰ مِن مَعَكَ} قال ابن عباس: يريد: من ولدك. قال ابن الأنباري: المعنى: من ذراري من معك، والمراد: المؤمنون من ذريته. ثم ذكر الكفار، فقال: {وَأُمَمٌ} أي: من الذرية أيضا، والمعنى: وفيمن نصف لك أمم، وفيمن نقص عليك أمره أمم.

{سَنُمَتّعُهُمْ} أي: في الدنيا {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. قال محمد بن كعب القرظي: لم يبق مؤمن ولا مؤمنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا وقد دخل في ذلك السلام والبركات، ولم يبق كافر إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب.

٤٩

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٠

انظر تفسير الآية٥٣

٥١

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٢

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٣

قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلْغَيْبِ}

في المشار إليه ب {تِلْكَ} قولان.

احدهما: قصة نوح.

والثاني: آيات القرآن، والمعنى: تلك من أخبار ما غاب عنك وعن قومك.

فان قيل: كيف قال ها هنا: {تِلْكَ} وفي مكان آخر {ذٰلِكَ} فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: {تِلْكَ} إشارة إلى آيات القرآن، و{ذٰلِكَ} إشارة إلى الخبر والحديث، وكلاهما معروف في اللغة الفصيحة، يقول الرجل: قد قدم فلان، فيقول سامع قوله: قد فرحت به، وقد سررت بها، فاذا ذكر، عنى القدوم، وإذا أنث، ذهب إلى القدمة. قوله تعالى:

{مّن قَبْلِ هَـٰذَا} يعني: القرآن. {فَٱصْبِرْ} كما صبر نوح على أذى قومه

{إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ} أي: آخر الأمر بالظفر والتمكين

{لّلْمُتَّقِينَ} أي: لك ولقومك كما كان لمؤمني قوم نوح. قوله تعالى:

{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} أي: ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم مع اللّه الأوثان. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس ٧٢] إلى قوله:

{يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} وهذا أيضا قد سبق تفسيره في [سورة الأنعام ٦١] والسبب في قوله لهم ذلك، أن اللّه تعالى حبس المطر عنهم ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم، فوعدهم أحياء بلادهم وبسط الرزق لهم إن آمنوا. قوله تعالى:

{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الولد وولد الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: يزدكم شدة إلى شدتكم، قاله مجاهد، وابن زيد.

والثالث: خصبا إلى خصبكم، قاله الضحاك.

قوله تعالى: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} قال مقاتل: لا تعرضوا عن التوحيد مشركين. قوله تعالى:

{مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} أي: بحجة واضحة.

{وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا} يعنون الأصنام.

{عَن قَوْلِكَ} أي: بقولك، و{الباء} و{عَنْ} يتعاقبان.

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٥

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٦

قوله تعالى: {إِن نَّقُولُ} أي: ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك أياها، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير. قال ابن قتيبة: يقال: عراني كذا، واعتراني: إذا ألم بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عار، ومنه قول النابغة: أتيتك عاريا خلقا ثيابي  على خوف تظن بي الظنون قوله تعالى:

{إِنِى أُشْهِدُ ٱللّه} إلى آخر الآية. حرك ياء {إِنّى} نافع. ومعنى الآية: إن كنتم تقولون: إن الآلهة عاقبتني لطعي عليها، فاني على يقين من عيبها والبراءة منها، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها،

{فَكِيدُونِى جَمِيعًا} أي: احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري، ثم لاتمهلون. قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الرسل، أن يكون الرسول وحده وأمته متعاونه عليه، فيقول لهم: كيدوني، فلا يستطيع أحد منهم ضره، وكذلك قال نوح لقومه:

{فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ} وقال محمد صلى اللّه عليه وسلم. {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات: ٣٩] قوله تعالى:

{إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} قال أبو عبيدة: المعنى: أنها في قبضته وملكه وسلطانه.

فان قيل: لم خص الناصية؟

فالجواب: أن الناصية شعر مقدم الرأس، فاذا أخذت بها من شخص، فقد ملكت سائر بدنه، وذل لك. قوله تعالى:

{إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال مجاهد: على الحق.

وقال غيره: في الكلام إضمار، تقديره: إن ربي يدل على صراط مستقيم.

فان قيل: ما وجه المناسبة بين قوله: {إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}

وبين كونه على صراط مستقيم؟ فعنه جوابان.

احدهما: أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق، كان معناه: أنهم لا يخرجون عن قبضته، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب، ولا يخفي عليه مستتر.

والثاني: أن المعنى: أنه وإن كان قادرا عليهم، فهو لايظلمهم، ولايريد إلا العدل ذكرهما ابن الأنباري.

٥٧

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} فيه قولان:

احدهما: أنه فعل ماضي، معناه: فان أعرضوا. فعلى هذا، في الآية إضمار، تلخيصه: فان أعرضوا فقل لهم: قد أبلغتكم، هذا مذهب مقاتل في آخرين.

والثاني: أنه خطاب للحاضرين، وتقديره: فان تتولوا، فاستثقلوا الجمع بين تاءين متحركتين، فاقتصر على احدهما، وأسقطت الأخرى، كما

قال النابغة:

المرء يهوى أن يعيش  وطول عيش قد يضره تفنى بشاشته ويبقى  بعد حلو العيش مره وتصرف الأيام حتى  ما يرى شيئا يسره أراد: وتتصرف الأيام، فأسقط إحدى التاءين، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} فيه وعيد لهم بالهلاك.

{إِنَّ رَبّى عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَفِيظٌ} فيه قولان.

احدهما: حفيظ على أعمال العباد حتى يجازيهم بها.

والثاني: أن {عَلَىٰ} بمعنى اللام، فالمعنى: لكل شيء حافظ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.

٥٨

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} فيه قولان:

احدهما: جاء عذابنا، قاله ابن عباس.

والثاني: جاء أمرنا بهلاكهم. قوله تعالى:

{نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا} فيه قولان.

احدهما: نجيناهم من العذاب بنعمتنا.

والثاني: نجيناهم بأن هديناهم إلى الإيمان، وعصمناهم من الكفر، روي القولان عن ابن عباس. قوله تعالى:

{وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي: شديد، وهو ما استحقه قوم هود من عذاب الدنيا والآخرة.

٥٩

قوله تعالى: {عَادٌ جَحَدُواْ} يعني القبيلة.

{وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} لقائل أن يقول: إنما أرسل إليهم هود وحده، فكيف ذكر بلفظ الجمع

فالجواب من ثلاثة أوجه:

احدها: أنه قد يذكر لفظ الجمع ويراد به الواحد، كقوله:

{أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ} والمراد به النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده.

والثاني: أن من كذب رسولا واحدا فقد كذب الكل.

والثالث: أن كل مرة ينذرهم فيها هي رسالة مجددة وهو بها رسول. قوله تعالى:

{وَٱتَّبِعُـواْ} أي: واتبع الأتباع أمر الرؤساء. والجبار: الذي طال وفات اليد.

وللعلماء في الجبار أربعة أقوال.

احدها: أنه الذي يقتل على الغضب ويعاقب على الغضب، قاله الكلبي.

والثاني: أنه الذي يجبر الناس على ما يريد، قاله الزجاج.

والثالث: أنه المسلط.

والرابع: أنه العظيم في نفسه، المتكبر على العباد، ذكرهما ابن الأنباري. والذي ذكرناه يجمع هذه الأقوال، وقد زدنا هذا شرحا في [المائدة: ٢٢]. وأما العنيد: فهو الذي لا يقبل الحق. قال ابن قتيبة: العنود، والعنيد، والعاند: المعارض. لك بالخلاف عليك.

٦٠

انظر تفسير الآية:٦٩

٦١

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٦

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٧

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٨

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٩

قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً} أي: ألحقوا لعنة تنصرف معهم.

{وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ} أي: وفي يوم القيامة لعنوا أيضا.

{أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} أي: بربهم، فحذف الباء،

وأنشدوا:

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به  فقد تركتك ذا مال وذا نشب

قال الزجاج: قوله: «ألا» ابتداء وتنبيه، و{بُعْدًا} منصوب على معنى:أبعدهم اللّه فبعدوا بعدا، والمعنى: أبعدهم من رحمته. قوله تعالى:

{هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ ٱلاْرْضِ} فيه قولان.

احدهما: خلقكم من آدم، وآدم خلق من الأرض.

والثاني: أنشأكم في الأرض.

وفي قوله: {وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} ثلاثة أقوال.

احدها: أعمركم فيها، أي: جعلكم ساكنيها مدة أعماركم، ومنه العمرى وهذا قول مجاهد.

والثاني: أطال أعماركم، وكانت أعماركم من ألف سنة إلى ثلاثمائة، قاله الضحاك.

والثالث: جعلكم عمارها، قاله أبو عبيدة. قوله تعالى:

{قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هَـٰذَا} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم، لأنه كان ذا حسب وثروة، قاله كعب.

والثاني: أنه كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما أظهر إنذارهم، انقطع رجاؤهم، منه وإلى نحو هذا ذهب مقاتل.

والثالث: أنهم كانوا يرجون خيره، فلما أنذرهم، زعموا أن رجاءهم لخيره قد انقطع، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ}

إن قال قائل: لم قال ها هنا: {وَإِنَّنَا} وقال في {إِبْرَاهِيمَ}: {وَأَنَا}؟

فالجواب: أنهما لغتان من لغات قريش السبع التي نزل القرآن عليها. قال الفراء: من قال: {إِنَّنَا} أخرج الحرف على أصله، لأن كناية المتكلمين {نا} فاجتمعت ثلاث نونات، نونا {حَمِيمٍ ءانٍ} والنون المضمومة إلى الألف، ومن قال: {أَنَاْ} استثقل الجمع بين ثلاث نونات، وأسقط الثالثة؛ وأبقى الأولتين، وكذلك يقال: إني وأنني، ولعلي ولعلني، وليتي وليتني، قال اللّه في اللغة العليا: {لَّعَـلّى أَبْلُغُ ٱلاْسْبَـٰبَ} [غافر: ٣٦]

وقال الشاعر في اللغة الأخرى:

أريني جوادا مات هزلا لعلني  أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا

وقال تعالى: {مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ} [النساء: ٧٣]

وقال الشاعر:

كمنية جابر إذ قال ليتي  أصادفه وأتلف بعض مالي

فأما المريب، فهو الموقع للريبة والتهمة، والرحمة يراد بها هاهنا: النبوة.

قوله تعالى: {فَمَا تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِيرٍ} التخسير: النقصان. وفي معني الكلام قولان.

احدهما: فما تزيدونني غير بصارة في خسارتكم،قاله ابن عباس. وقال الفراء: المعنى: فما تزيدونني غر تخسير لكم، أي: كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيرا. وقال ابن الأعرابي: غير تخسير لكم، لا لي.

وقال بعضهم: المعنى: فما تزيدونني بما قلتم إلا نسبتي لكم إلى الخسارة.

والقول الثاني: فما تزيدونني غير الخسران إن رجعت إلى دينكم، وهذا معنى قول مقاتل.

فان قيل: فظاهر هذا أنه كان خاسرا، فزادوه خسارا، فقد أسلفنا

الجواب في قوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة: ٤٧]. قوله تعالى:

{هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللّه لَكُمْ ءايَةً} قد شرحناها في سورة [الأعراف: ٧٣]

قوله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ} أي: استمتعوا بحياتكم، وعبر عن الحياة بالتمتع، لأن الحي يكون متمتعا بالحواس. قوله تعالى:

{ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ} قال المفسرون: لما عقرت الناقة صعد فصيلها إلى الجبل، ورغا ثلاث مرات، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم،

ألا إن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة،

واليوم الثاني محمرة،

واليوم الثالث مسودة،

فلما أصبحوا في اليوم الأول، إذا وجوههم مصفرة، فصاحوا وضجوا، وبكوا، وعرفوا أنه العذاب،

فلما أصبحوا في اليوم الثاني: إذا وجوههم محمرة، فضجوا، وبكوا،

فلما أصبحوا في اليوم الثالث: إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فصاحوا جميعا: ألا قد حضركم العذاب؛ فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب،

فلما أصبحوا في اليوم الرابع، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، فتقطعت قلوبهم في صدورهم. وقال مقاتل: حفروا لأنفسهم قبورا،

فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع، ولم يأتهم العذاب، ظنوا أن اللّه قد رحمهم، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا، إذ نزل جبريل، فقام فوق المدينة فسد ضوء الشمس،

فلما عاينوه، دخلوا قبورهم فصاح بهم صيحة: موتوا، عليكم لعنة اللّه، فخرجت أرواحهم، وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم. قوله تعالى:

{ذٰلِكَ وَعْدٌ} أي: العذاب {غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي: غير كذب.

قوله تعالى: {وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ابن عامر {يَوْمَئِذٍ} بكسر الميم. وقرأ الكسائي بفتحها مع الإضافة. قال مكي: من كسر الميم، أعرب وخفض، لإضافة الخزي إلى اليوم، ولم يبنه؛ ومن فتح، بنى اليوم على الفتح، لإضافته إلى غير متمكن، وهو {إِذْ}

وقرأ ابن مسعود {وَمِنْ خِزْىِ} بالتنوين {يَوْمَئِذٍ} بفتح الميم.قال ابن الأنباري: هذه الواو في قوله: {وَمِنْ خِزْىِ} معطوفة على محذوف، تقديره: نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ. قال: ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر، تأويله: نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من خزي يومئذ. قال: وإنما قال:

{وَأَخَذَ} لأن الصيحة محمولة على الصياح.

قوله تعالى: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} اختلفوا في صرف {ثَمُودُ} وترك إجرائه في خمسة مواضع:

في {هُودٍ} {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ}

وفي {ٱلْفُرْقَانَ} {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسّ}،

وفي {ٱلْعَنكَبُوتِ} {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم}

وفي {ٱلنَّجْمُ} {وَثَمُودَ فَمَا}.

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها، وتركوا {أَلاَ بُعْدًا} فلم يصرفوه.

وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف، وصرفهن الكسائي.

واختلف عن عاصم، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو؛

وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة،

في {قَوْمِ هُودٍ} {إِلا أَنْ} وفي {وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ} و{ٱلْعَنكَبُوتِ}

وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئا منها مثل حمزة. واعلم أن ثمودا يراد به القبيلة تارة، ويراد به الحي تارة. فإذا أريد به القببيلة، لم يصرف، وإذا أريد به الحي، صرف. وما أخللنا به، فقد سبق تفسيره [الأعراف: ٧٣] [والتوبة: ٧٠] إلى قوله: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ} والرسل هاهنا: الملائكة.

وفي عددهم ستة أقوال.

احدها: أنهم كانوا ثلاثة، جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال مقاتل: جبريل، وميكائيل، وملك الموت.

والثاني: أنهم كانوا اثني عشر، روي عن ابن عباس أيضا.

والثالث: ثمانية، قاله محمد بن كعب.

والرابع: تسعة، قاله الضحاك.

والخامس: أحد عشر، قاله السدي.

والسادس: أربعة، حكاه الماوردي.

وفي هذه البشرى أربعة أقوال.

احدها: أنها البشرى بالولد، قاله الحسن، ومقاتل.

والثاني: بهلاك قوم لوط، قاله قتادة.

والثالث: بنبوته، قاله عكرمة.

والرابع: بأن محمدا يخرج من صلبه، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: {قَالُواْ سَلاَماً} قال ابن الأنباري: انتصب بالقول، لأنه حرف مقول، والسلام الثاني مرفوع باضمار «عليكم» وقال الفراء: فيه وجهان.

احدهما:أنه أضمر {عَلَيْكُمْ} كما

قال الشاعر:

فقلنا السلام فاتقت من أميرها  فما كان إلا ومؤها بالحواجب

والعرب تقول: التقينا فقلنا: سلام سلام.

والثاني: أن القوم سلموا، فقال حين أنكرهم هو: سلام، فمن أنتم؟ لإنكاره إياهم. وقرأ حمزة، والكسائي: قال {سَلَـٰمٌ} وهو بمعنى سلام، كما قالوا: حل وحلال، وحرم وحرام؛ فعلى هذا يكون، معنى {سَلَـٰمٌ}: سلام عليكم. قال أبو علي: فيكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلف اللفظان. وقال الزجاج: من قرأ {سَلَـٰمٌ} فالمعنى: أمرنا سلم، أي: لا بأس علينا. قوله تعالى:

{فَمَا لَبِثَ} أي: ما أقام حتى جاء بعجل حنيذ، لأنه ظنهم أضيافا، وكانت الملائكة قد جاءته في صورة الغلمان الوضاء.

وفي الحنيذ ستة أقوال.

احدها: أنه النضيج، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.

والثاني: أنه الذي يقطر ماؤه ودسمه وقد شوي، قاله شمر بن عطية.

والثالث: أنه ما حفرت الأرض ثم غممته، وهو من فعل أهل البادية، معروف، وأصله: محنوذ، فقيل: حنيذ كما قيل: طبيخ للمطبوخ، وقتيل للمقتول. هذا قول الفراء.

والرابع: أنه المشوي، قاله أبو عبيدة.

والخامس: المشوي بالحجارة المحماة، قاله مقاتل، وابن قتيبة.

والسادس: السميط، ذكره الزجاج، وقال: يقال: إنه المشوي فقط، ويقال: المشوي الذي يقطر، ويقال: المشوي بالحجارة.

٧٠

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ} يعنى الملائكة {ءاوَىٰ إِلَيْهِ} يعني العجل

{نَكِرَهُمْ} أي: أنكرهم. قال أبو عبيدة: نكرهم وأنكرهم واستنكرهم، سواء،

قال الأعشى:

فأنكر تني وما كان الذي نكرت  من الحوادث إلا الشيب والصلعا

قوله تعالى:

{وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي: أضمر في نفسه خوفا. قال الفراء: وكانت سنة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوهم بالطعام فلم يمسوه، ظنوا أنهم عدو أو لصوص، فهنالك أوجس في نفسه خيفة، فرأوا ذلك في وجهه، فقالوا: {لاَ تَخَفْ}. قوله تعالى:

{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ} قال الزجاج: أي: أرسلنا بالعذاب إليهم. قال ابن الأنباري: وإنما أضمر ذلك هاهنا، لقيام الدليل عليه بذكر اللّه تعالى له في سورة أخرى.

٧١

انظر تفسير الآية:٧٢

٧٢

قوله تعالى: {وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} واسمها سارة.

واختلفوا أين كانت قائمة على ثلاثة أقوال.

احدها: وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.

والثاني: كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد، والسدي.

والثالث: كانت قائمة تصلي، قاله محمد بن إسحاق.

وفي قوله: {فَضَحِكَتْ} ثلاثة أقوال.

احدها: أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن معنى {ضحكت}: حاضت قاله مجاهد، وعكرمة. قال ابن قتيبة: وهذا من قولهم: ضحكت الأرنب: إذا حاضت. فعلى هذا، يكون حيضها حينئذ تأكيد للبشارة بالولد، لأن من لا تحيض لاتحمل. وقال الفراء: لم نسمع من ثقة أن معنى {ضحكت} حاضت. قال ابن الأنباري: أنكر الفراء، وأبو عبيدة، أن يكون {ضحكت} بمعنى حاضت، وعرفه غيرهم.

قال الشاعر:

تضحك الضبع لقتلى هذيل  وترى الذئب لها يستهل

قال بعض أهل اللغة: معناه: تحيض.

والثالث: أنه الضحك المعروف، وهو قول الأكثرين. وفي سبب ضحكها ستة أقوال.

احدها: أنها ضحكت من شدة خوف ابراهيم من أضيافه، وقالت: من ماذا يخاف ابراهيم، وإنما هم ثلاثة، وهو في أهله وغلمانه؟ٰ رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.

والثاني: أنها ضحكت من بشارة الملائكة لإبراهيم بالولد، وهذا مروي عن ابن عباس، ووهب بن منبه؛ فعلى هذا إنما ضحكت سرورا بالبشارة، ويكون في الآية تقديم وتأخير، المعنى: وامرأته قائمة فبشرناها فضحكت، وهو اختيار ابن قتيبة.

والثالث: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، قاله قتادة.

والرابع: ضكحت من إمساك الأضياف عن الأكل، وقالت: عجبا لأضيافنا، نخدمهم بأنفسنا، وهم لايأكلون طعامنا: قاله السدي.

والخامس: ضحكت سرورا بالأمن، لأنها خافت كخوف إبراهيم، قاله الفراء.

والسادس: أنها كانت قالت لإبراهيم: اضمم إليك ابن أخيك لوطا، فانه سينزل العذاب بقومه، فلما جاءت الملائكة بعذابهم، ضحكت سرورا بموافقتها للصواب، ذكره ابن الأنباري.

قال المفسرون: قال جبريل لسارة: أبشري أيتها الضاحكة بولد اسمه إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فبشروها أنها تلد إسحاق، وأنها تعيش إلى أن ترى ولد الولد. وفي معنى الوراء قولان.

احدهما: أنه بمعنى {بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ} قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره مقاتل، وابن قتيبة.

والثاني: أن الوراء: ولد الولد، روي عن ابن عباس، وبه قال الشعبي، واختاره أبو عبيدة.

فان قيل: كيف يكون يعقوب وراء إسحاق وهو ولده لصلبه، وإنما الوراء، ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: المعنى: ومن وراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق، فلو قال: ومن الوراء يعقوب، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق، أم إلى إسماعيل؟ فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس. قال: ويجوز أن ينسب ولد إبراهيم من غير إسحاق إلى سارة على المجاز. فكان تأويل الآية: من الوراء المنسوب إلى سارة، وإلى إبراهيم من جهة إسحاق، يعقوب. ومن حمل الوراء على {بَعْدَ} لزم ظاهر العربية. واختلف القراء في {يَعْقُوبَ} فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وابو بكر عن عاصم: {يَعْقُوبَ} بالرفع. وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص عن عاصم: {يَعْقُوبَ} بالنصب. قال الزجاج:

وفي رفع {يَعْقُوبَ} وجهان.

احدهما: على الابتداء المؤخر، معناه التقديم؛ والمعنى: ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق.

والثاني: وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب. ومن نصبه حمله على المعنى، والمعنى: وهبنا لها إسحاق، ووهبنا لها يعقوب. قوله تعالى:

{يٰوَيْلَتَا ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا} هذه الكلمة تقال عند الإيذان بورود الأمر العظيم. ولم ترد بها الدعاء على نفسها، وإنما هي كلمة تخف على ألسنة النساء عند الأمر العجيب. وقولها: {ءأَلِدُ} استفهام تعجب. قال الزجاج: و {شَيْخًا} منصوب على الحال. قال ابن الأنباري: إنما أشارت بقولها هذا لتنبه على شيخوخته

واختلفوا في سن إبراهيم وسارة يومئذ على أربعة أقوال.

احدها: أنه كان إبراهيم ابن تسعا وتسعين سنة. وسارة بنت ثمان وتسعين سنة. قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنه كان إبراهيم ابن مائة سنة، وسارة بنت تسع وتسعين، قاله مجاهد.

والثالث: كان إبراهيم ابن تسعين، وسارة مثله، قاله قتادة.

والرابع: كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة، وسارة بنت تسعين، قاله عبيد ابن عمير، وابن إسحاق.

٧٣

قوله تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللّه} أي: من قضائه وقدرته، وهو إيجاد ولد من بين كبيرين. قال السدي: قالت سارة لجبرئيل: ما آية ذلك؟ فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر، فقالت: هو إذن للّه ذبيح. قوله تعالى:

{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللّه رَحْمَتُ} فيه وجهان.

احدهما: أنه من دعاء الملائكة لهم.

والثاني: أنه إخبار عن ثبوت ذلك لهم. ومن تلك البركات وجود أكثر الأنبياء والأسباط من إبراهيم وسارة. والحميد بمعنى المحمود. فأما المجيد، فقال ابن قتيبة: بمعنى الماجد، وهو الشريف. وقال أبو سليمان الخطابي: هو الواسع الكرم. وأصل المجد في كلامهم: السعة، يقال: رجل ماجد: إذا كان سخيا واسع العطاء. وفي بعض الأمثال: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي: استكثرا منها.

٧٤

انظر تفسير الآية:٧٦

٧٥

انظر تفسير الآية:٧٦

٧٦

قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ} يعني الفزع الذي أصابه حين امتنعوا من الأكل. {يُجَـٰدِلُنَا} فيه إضمار أخذ وأقبل يجادلنا، والمراد: يجادل رسلنا.

قال المفسرون: لما قال له قالوا له: {أَنَاْ مُهْلِكُو أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ} [العنكبوت ٣١] قال: أتهلكون قرية فيها مائة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أتهلكون قرية فيها خمسون مؤمنا؟ قالوا: لا. قال: أربعون؟ قالوا: لافما زال ينقص حتى قال: فواحد؟ قالوا: لا. فقال حينئذ: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا} [العنكبوت ٣١] هذا قول ابن إسحاق.

وقال غيره: قيل له: إن كان فيهم خمسة لم نعذبهم، فما كان فيهم سوى لوط وابنتيه. وقال سعيد بن جبير: قال لهم: أتهاكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟ قالوا: لا؛ وكان إبراهيم يعدهم أربعة عشر مع امرأة لوط، فسكت واطمأنت نفسه؛ وإنما كانوا ثلاثة عشر فأهلكوا. قوله تعالى:

{إِنَّ إِبْرٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ} قد فسرناه في [براءة ١١٤] فعند ذلك قالت الرسل لإبراهيم: {مُّنِيبٌ يإِبْرٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا} يعنون الجدال.

{إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ} بعذابهم. وقيل: قد جاء عذاب ربك، فليس بمردود، لأن اللّه قد قضى به.

٧٧

انظر تفسير الآية:٨١

٧٨

انظر تفسير الآية:٨١

٧٩

انظر تفسير الآية:٨١

٨٠

انظر تفسير الآية:٨١

٨١

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً}

قال المفسرون: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها عشاء. وقال السدي عن أشياخه: أتوها نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم، لقوا بنت لوط تستقي الماء لأهلها، فقالوا: لها ياجارية، هل من منزل؟ قالت: نعم، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرقا عليهم من قومها، فأتت أباها، فقالت: يا أبتاه، أدرك فتيانا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم؛ وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا؛ فجاء بهم، ولم يعلم بهم أحدا إلا أهل بيت لوط؛ فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فجاؤوا يهرعون إليه. قوله تعالى:

{سِىء بِهِمْ} فيه قولان.

احدهما: ساء ظنه بقومه، قاله ابن عباس.

والثاني: ساءه مجيء الرسل، لأنه لم يعرفهم، وأشفق عليهم، من قومه قاله ابن جرير. قال الزجاج: وأصل {سِىء بِهِمْ} سوىء بهم، من السوء، ألا أن الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين. قوله تعالى:

{وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} قال ابن عباس: ضاق ذرعا بأضيافه. قال الفراء: الأصل فيه: وضاق ذرعه بهم، فنقل الفعل عن الذرع إلى ضمير لوط، ونصب الذرع بتحول الفعل عنه، كما قال: {وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً} [مريم ٤] ومعناه: اشتعل شيب الرأس. قال الزجاج: يقال: ضاق فلان بأمره ذرعا: إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصا.

وذكر ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن معناه: وقع به مكروه عظيم لايصل إلى دفعة، عن نفسه، فالذرع كناية عن هذا المعنى.

والثاني: أن معناه: ضاق صبره وعظم المكروه عليه؛ وأصله من ذرع فلانا القيء: إذا غلبه وسبقه.

والثالث: أن المعنى: ضاق بهم وسعه، فناب الذرع والذراع عن الوسع، لأن الذراع من اليد، والعرب تقول: ليس هذا في يدي، يعنون: ليس هذا في وسعي؛ ويدل على صحة هذا أنهم يجعلون الذراع، في موضع الذرع، فيقولون: ضقت بهذا الأمر ذراعا،

قال الشاعر:

إليك إليك ضاق بهم ذرعا

فأما العصيب، فقال أبو عبيدة: العصيب: الشديد الذي يعصب الناس بالشر،

وأنشد:

يوم عصيب يعصب الا بطالا  عصب القوي السلم الطوالا

وقال أبو عبيد: يقال: يوم عصيب، ويوم عصبصب: إذا كان شديدا. قوله تعالى:

{يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} قال ابن عباس، ومجاهد: {يُهْرَعُونَ} يسرعون. وقال الفراء، والكسائي: لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة قال ابن قتيبة: الإهراع شيبه بالرعدة، يقال: أهرع الرجل: إذا أسرع، على لفظ ما لم يسم فاعله، كما يقال: أرعد. قال ابن الأنباري: الإهراع فعل واقع بالقوم وهو لهم في المعنى، كما قالت العرب: قد أولع الرجل بالأمر، فجعلوه مفعولا، وهو صاحب الفعل، ومثله: أرعد زيد، وسهي عمرو من السهو، كل واحد من هذه الأفاعيل خرج الاسم معه مقدرا تقدير المفعول، وهو صاحب الفعل لا يعرف له فاعل غيره. قال: وقال بعض النحويين: لا يجوز للفعل أن يجعل فاعله مفعولا، وهذه الأفعال المذكورة فاعلوها محذوفون، وتأويل

{قَضَىٰ زَيْدٌ} أولعه طبعه وجبلته، {وأرعد الرجل} أرعده غضبه، «وسهي عمرو» جعله ساهيا ماله أو جهله، و {أهرع} معناه: أهرعه خوفه ورعبه؛ فلهذه العلة خرج هؤلاء الأسماء مخرج المفعول به. قال: وقال بعض اللغويين: لا يكون الإهراع إلا إسراع المذعور الخائف؛ لا يقال لكل مسرع: مهرع حتى ينضم إلى إسراعه جزع وذعر.

قال المفسرون: سبب إهراعهم، أن امرأة لوط أخبرتهم بالأضياف.

{إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ} أي: ومن قبل مجيئهم إلى لوط

{كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ} يعني فعلهم المنكر. وفي قوله: {هَـٰؤُلآء بَنَاتِى} قولان.

احدهما: أنهن بناته لصلبه، قاله ابن عباس.

فان قيل: كيف جمع، وقد كن اثنتين؟

فالجواب:أنه قد يقع الجمع على اثنين، كقوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَـٰهِدِينَ} [الأنبياء ٧٨].

والثاني: أنه عنى نساء أمته، لأن كل نبي أبو أمته، والمعنى: أنه عرض عليهم التزويج، أو أمرهم أن يكتفوا بنسائهم، وهذا مذهب مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن جريج.

فان قيل: كيف عرض تزويج المؤمنات على الكافرين؟

فعنه جوابان.

احدهما: أنه قد كان يجوز ذلك في شريعته، وكان جائزا في صدر الإسلام حتى نسخ قاله الحسن.

والثاني: أنه عرض ذلك عليهم بشرط إسلامهم، قاله الزجاج، ويؤكده أن عرضهن عليهم موقوف على عقد النكاح، فجاز أن يقف على شرط آخر. قوله تعالى:

{هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} قال مقاتل: هن أحل من إتيان الرجال. قوله تعالى:

{فَٱتَّقُواْ ٱللّه} فيه قولان.

احدهما: اتقوا عقوبته.

والثاني: اتقوا معصيته. قوله تعالى:

{وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى} حرك ياء {ضَيْفِى} أبو عمرو، ونافع.

وفي معنى هذا الخزي ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الفضيحة، قاله ابن عباس.

والثاني: الاستحياء، والمعنى: لا تفعلوا بأضيافي فعلا يلزمني الاستحياء منه، لأن المضيف يلزمه الاستحياء من كل فعل يصل إلى ضيفه. والعرب تقول: قد خزي الرجل يخزي خزاية: إذا استحيى،

قال الشاعر:

من البيض لا تخزي إذا الريح ألصقت  بها مرطها أو زايل الحلي جيدها

والثالث: أنه بمعنى الهلاك، لأن المعرة الني تقع بالمضيف في هذه الحال تلزمه هلكة، ذكرهما ابن الأنباري. ١٣٩. قال ابن قتيبة: والضيف هاهنا: بمعنى الأضياف، والواحد يدل على الجميع، كما تقول: هؤلاء رسولي ووكيلي. قوله تعالى:

{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}

في المراد بالرشيد قولان.

احدهما: المؤمن.

والثاني: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، رويا عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: يجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشد، فيكون المعنى: أليس منكم مرشد يعظكم ويعرفكم قبيح ماتأتون؟ فيكون الرشيد من صفة الفاعل، كالعليم، والشهيد. ويجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشد، فيكون المعنى: أليس منكم رجل قد أسعده اللّه بما منحه من الرشاد يصرفكم عن إتيان هذه المعرة؟ فيجري رشيد مجرى مفعول، كالكتاب الحكيم بمعنى المحكم. قوله تعالى:

{لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ} فيه قولان.

احدهما: مالنا فيهن حاجة،قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: لسن لنا بأزواج فنستحقهن، قاله ابن إسحاق، وابن قتيبة. قوله تعالى:

{وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} قال عطاء: وإنك لتعلم أنا نريد الرجال، لا النساء. قوله تعالى:

{لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً} أي: جماعة أقوى بهم عليكم. وقيل: أراد بالقوة البطش.

{أَوْ اوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: أنضم إلى عشيرة وشيعة تمنعني. وجواب {لَوْ} محذوف على تقدير: لحلت بينكم وبين المعصية. قال أبو عبيدة: قوله: {اوِى} من قولهم. أويت إليك، فأنا آوي أويا، والمعنى: صرت إليك وانضممت ومجاز الركن هاهنا: العشيرة العزيزة الكثيرة المنيعة،

وأنشد:

يأوى إلى ركن من الأركان  في عدد طيس ومجد باني

والطيس: الكثير، يقال: أتانا لبن طيس، وشراب طيس، أي: كثير.

واختلفوا أي وقت قال هذا لوط؛ فروي عن ابن عباس أن لوطا كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وهو يناظرهم ويناشدهم وراء الباب، وهم يعالجون الباب ويرومون تسور الجدار؛ فلما رأت الملائكة، ما يلقى من الكرب، قالوا: يالوط إنا رسل ربك، فافتح الباب ودعنا وإياهم؛ ففتح الباب، فدخلوا، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم، فأذن له، فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم، فانصرفوا يقولون: النجاء النجاء، فان في بيت لوط أسحر قوم في الأرض، وجعلوا يقولون: يالوط، كما أنت حتى تصبح، يوعدونه؛ فقال لهم لوط: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، قال لو أهلكتموهم. الآن، فقالوا: أليس الصبح بقريب؟ وقال أبو صالح عن ابن عباس: إنهم لما تواعدوه، قال في نفسه: ينطلق هؤلاء القوم غدا من عندي، وأبقى مه هؤلاء فيهلكوني، فقال: لو أن لي بكم قوة.قلت: وإنما يتوجه هذا إذا قلنا: إنه كان قبل علمه أنهم ملائكة. وقال قوم: إنه إنما قال هذا لما كسروا بابه وهجموا عليه.

وقال آخرون:

لما نهاهم عن أضيافه فأبوا قال هذا. وفي الجملة، ما أراد بالركن نصر اللّه وعونه، لأنه لم يخل من ذلك، وإنما ذهب إلى العشيرة والأسرة.

وروى أبو هريرة عن رسول اللّه أنه قال: رحم اللّه لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، وما بعث اللّه نبيا بعده إلا في ثروة من قومه. قوله تعالى:

{لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} قال مقاتل: فيه إضمار، تقديره: لن يصلوا إليك بسوء، وذلك أنهم قالوا للوط: إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا، فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك؛ فقال له جبريل: {إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ}. قوله تعالى:

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي {فَأَسْرِ} باثبات الهمز في اللفظ من أسريت. وقر أ ابن كثير، ونافع {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} بغير همز من سريت، وهما لغتان. قال الزجاج: يقال: سريت، وأسريت: إذا سرت ليلا،

قال الشاعر:

سريت بهم حتى تكل مطيهم  وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

وقال النابغة: أسرت عليه من الجوزاء سارية  تزجي الشمال عليه جامد البرد وقد رووه: سرت. فأما أهله، فقال مقاتل: هم امرأته وابنتاه. واسم ابنتييه: ربثا وزعرثا. وقال السدي: اسم الكبرى: رية، واسم الصغرى: عروبة. والمراد بأهله: ابنتاه. فأما القطع، فهو بمعنى القطعة؛ يقال: مضى قطع من الليل، أي: قطعة. قال ابن عباس: يريد به: آخر الليل قال ابن قتيبة: «بقطع» أي: ببقية تبقي من آخره. وقال ابن الأنباري: ذكر القطع بمعنى القطعة مختص بالليل، ولا يقال: عندي قطع من الثوب، بمعنى: عندي قطعة. قوله تعالى:

{وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} فيه قولان.

احدهما: أنه بمعنى: لا يتخلف منكم أحد، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنه الالتفات المعروف، قاله مجاهد، ومقاتل. قوله تعالى:

{إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ} قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بنصب التاء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن جماز عن أبي جعفر برفع التاء. قال الزجاج: من قرأ بالنصب، فالمعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك.

ومن قرأ بالرفع، حمله على {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ} وإنما أمروا بترك الالتفات لئلا يروا عظيم ما ينزل بهم من العذاب. قاله ابن الأنباري: وعلى قراءة الرفع، يكون الاستثناء منقطعا، معناه: لكن امرأتك، فإنها تلتفت فيصيبها ما أصابهم؛ فإذا كان استثناء منقطعا، كان التفاتها معصية لربها، لأنه ندب إلى ترك الالتفاف. قال قتادة: ذكر لنا أنها كانت مع لوط حين خرج من القرية، فلما سمعت هدة العذاب، التفتت فقالت: واقوماه، فأصابها حجر فأهلكها، وهو قوله: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ} للعذاب {ٱلصُّبْحُ} قوله تعالى:

{أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} قال المفسرون: قالت الملائكة:

{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ} فقال: أريد أعجل من ذلك، فقالوا له: {أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}؟

٨٢

انظر تفسير الآية:٨٣

٨٣

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أمر اللّه الملائكة بعذابهم.

والثاني: أن الأمر بمعنى العذاب.

والثالث: أنه بمعنى القضاء بعذابهم. قوله تعالى:

{جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا} الكناية تعود إلى المؤتفكات، وهي قرى قوم لوط، وقد ذكرناها في {بَرَاءةٌ} ونحن نشير إلى قصة هلاكهم ها هنا. قال ابن عباس: أمر جبريل لوطا بالخروج، وقال: اخرج وأخرج غنمك وبقرك، فقال: كيف لي بذلك وقد أغلقت أبواب المدينة؟ فبسط جناحه، وحمله وبنتيه ومالهم شيء، فأخرجهم من المدينة، وسأل جبريل ربه، فقال: يا رب ولني هلاك هؤلاء القوم، فأوحى اللّه إليه أن تول هلاكهم؛ فلما أن بدا الصبح، غدا عليهم جبريل فاحتملها على جناحه، ثم صعد بها حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب، ثم كفأها عليهم، وسمعوا وجبة شديدة، فالتفت امرأة لوط، فرماها جبريل بحجر فقتلها، ثم صعد حتى أشرف على الأرض، فجعل يتبعهم مسافرهم ورعاتهم ومن تحول عن القرية، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم.وقال السدي: اقتلع جبريل الأرض من سبع أرضين، فاحتملها حتى بلغ بها إلى أهل السماء الدنيا، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها.

وقال غيره: كانت خمس قرى، أعظمها سدوم، وكان القوم أربعة آلاف ألف.

وقيل: كان في كل قرية مائة ألف مقاتل، فلما رفعها إلى السماء، لم ينكسر لهم إناء ولم يسقط حتى قلبها عليهم.

وقيل: نجا من الخمس واحدة لم تكن تعمل مثل عملهم. وانفرد سعيد بن جبير، فقال: إن جبريل وميكائيل توليا قلبها. قوله تعالى:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} في هاء الكناية قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى القرى.

والثاني: إلى الأمة.

وفي السجل سبعة أقوال.

احدها: أنها بالفارسية سنك وكل، السنك: الحجر، والكل: الطين، هذا قول ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وقال مجاهد: أولها حجر، وآخرها طين. وقال الضحاك: يعني الآجر. قال ابن قتيبة: من ذهب إلى هذا القول، اعتبره بقوله: {حِجَارَةً مّن طِينٍ} [الذاريات ٣٣] يعنى الآجر. وحكى الفراء أنه طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء.

واالثاني: أنه بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض، ومنه نزلت الحجارة، قاله عكرمة.

والثالث: أن السجيل: اسم السماء الدنيا، فالمعنى، حجارة من السماء الدنيا، قاله قاله ابن زيد.

والرابع: أنه الشديد من الحجارة الصلب، قاله أبو عبيدة،

وأنشد لابن مقبل:

ورجلة يضربون البيض عن عرض  ضربا تواصت به الأبطال سجينا

ورد هذا القول ابن قتيبة، فقال: هذا بالنون، وذاك باللام، وإنما هو في هذا البيت فعيل من سجنت، أي: حبست، كأنه يثبت صاحبه.

والخامس: أن قوله: {مّن سِجّيلٍ} كقولك من سجل، أي: مما كتب لهم أن يعذبوا به، وهذا اختيار الزجاج.

والسادس: أنه من أسجلته، أي: أرسلته، فكأنها مرسلة عليهم.

والسابع: أنه من أسجلت: إذا أعطيت، حكى القولين الزجاج.

وفي قوله: {مَّنْضُودٍ} ثلاثة أقوال.

احدها: يتبع بعضه بعضا، قاله ابن عباس.

والثاني: مصفوف، قاله عكرمة، وقتادة.

والثالث: نضد بعضه على بعض، لأنه طين جمع فجعل حجارة، قاله الربيع بن أنس. قوله تعالى:

{مُّسَوَّمَةً} قال الزجاج: أي معلمة، أخذ من السومة، وهي العلامة. وفي علامتها ستة أقوال.

احدها: بياض في حمرة، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال الحسن.

والثاني: أنها كانت مختومة، فالحجر أبيض وفيه نقطة سوداء، أو أسود وفيه نقطة بيضاء، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أنها المخططة بالسواد والحمرة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والرابع: عليها نضح من حمرة فيها خطوط حمر على هيأة الجزع، قاله عكرمة، وقتادة.

والخامس: أنها كانت معلمة بعلامة يعرف بها أنها ليست من حجارة الدنيا، قاله ابن جريج.

والسادس: أنه كان على كل حجر منها اسم صاحبه، قاله الربيع. وحكي عن بعض من رأى تلك الحجارة أنه قال: كانت مثل رأس الأبل، ومثل مبارك الأبل، ومثل قبضة الرجل. وفي قوله تعالى:

{عِندَ رَبّكَ} أربعة أقوال.

احدها: أن المعنى: جاءت من عند ربك، قاله ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: عند ربك معدة، قاله أبو بكر الهزلي.

والثالث: أن المعنى: هذا التسويم لزم هذه الحجارة عند اللّه إيذانا بنفاذ قدرته وشدة عذابه، قاله ابن الأنباري.

والرابع: أن معنى قوله: {عِندَ رَبّكَ} في خزائنه التي لايتصرف في شيء منها إلا بإذنه.

قوله تعالى:{وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ}

في المراد بالظالمين ها هنا ثلاثة أقوال.

احدها: أن المراد بالظالمين ها هنا: كفار قريش، خوفهم اللّه بها قاله الأكثرون.

والثاني: أنه عام في كل ظالم؛ قال قتادة: واللّه ما أجار اللّه منها ظالما بعد قوم لوط، فاتقوا اللّه وكونوا منه على حذر.

والثالث: أنهم قوم لوط، فالمعنى: وما هي من الظالمين، أي: من قوم لوط ببعيد، والمعنى: لم تكن لتخطئهم، قاله الفراء.

٨٤

انظر تفسير الآية:٨٥

٨٥

قوله تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ} قد ذكرناه في [الأعراف ٨٥]. قوله تعالى:

{وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ} أي: لاتطففوا؛ وكانوا يطففون مع كفرهم. قوله تعالى:

{إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} فيه قولان.

احدهما: أنه رخص الأسعار، قاله ابن العباس، والحسن، ومجاهد.

والثاني: سعة المال، وهو مروي عن ابن عباس أيضا، وبه قال قتادة، وابن زيد. وقال الفراء: أموالكم كثيرة، وأسعاركم رخيصة، فأي حاجة بكم إلى سوء الوزن والكيل؟ٰ قوله تعالى:

{وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه غلاء السعر، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: القحط والجدب والغلاء.

والثاني: العذاب في الدنيا، وهوالذي أصابهم، قاله مقاتل.

والثالث: عذاب النار في الآخرة، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ} أي: أتموا ذلك بالعدل. والإيفاء: الإتمام.

{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ} بنقص المكيال والميزان.

٨٦

انظر تفسير الآية:٩٥

٨٧

انظر تفسير الآية:٩٥

٨٨

انظر تفسير الآية:٩٥

٨٩

انظر تفسير الآية:٩٥

٩٠

انظر تفسير الآية:٩٥

٩١

انظر تفسير الآية:٩٥

٩٢

انظر تفسير الآية:٩٥

٩٣

انظر تفسير الآية:٩٥

٩٤

انظر تفسير الآية:٩٥

٩٥

قوله تعالى: {بَقِيَّتُ ٱللّه خَيْرٌ لَّكُمْ} فيه ثمانية أقوال.

احدها: ما أبقي اللّه لكم الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن، خير من البخس، قاله ابن عباس.

والثاني: رزق اللّه خير لكم، روى عن ابن عباس أيضا، وبه قال سفيان.

والثالث: طاعة اللّه خير لكم، قاله مجاهد، والزجاج.

والرابع: حظكم من اللّه خير لكم، قاله قتادة.

والخامس: رحمة اللّه خير لكم، قال ابن زيد.

والسادس: وصية اللّه خير لكم، قاله الربيع.

والسابع: ثواب اللّه في الآخرة خير لكم، قال مقاتل.

والثامن: مراقبة اللّه خير لكم، ذكره الفراء.

وقرأ الحسن البصري: {بَقِيَّتُ ٱللّه خَيْرٌ لَّكُمْ} بالتاء. قوله تعالى:

{إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} شرط الإيمان في كونه خيرا لهم، لأنهم إن كانوا مؤمنين باللّه عز وجل، عرفوا صحة ما يقول.

وفي قوله: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} ثلاثة أقوال.

احدها: ما أمرت بقتالكم وإكراهكم على الإيمان.

والثاني: ما أمرت بمراقبتكم عند كيلكم لئلا تبخسوا.

والثالث: ما أحفظكم من عذاب اللّه إن نالكم.

قوله تعالى: {أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ} وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص:

{أصلاتك} على التوحيد.

وفي المراد بصلواته ثلاثة أقوال.

احدها: دينة، قاله عطاء.

والثاني: قراءته، قاله الأعمش.

والثالث: أنها الصلوات المعروفة. وكان شعيب كثير الصلاة. قوله تعالى:

{بِحَفِيظٍ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا} قال الفراء: معنى الآية: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟

وفي معنى الكلام على قراءة من قرأ بالنون قولان.

احدهما: أن فعلهم في أموالهم هو البخس والتطفيف، قاله ابن عباس؛ فالمعنى: قد تراضينا فيما بيننا بذلك.

والثاني: أنهم كانوا يقطعون الدراهم والدنانير، فنهاهم عن ذلك، قاله ابن زيد. وقال القرظي: عذبوا في قطعهم الدارهم. قال ابن الأنباري: وقرأ الضحاك بن قيس الفهري

{مَا تَشَاء} بالتاء، ونسق {أَن تَفْعَلُواْ} على {أَن تُتْرَكُواْ} واستغنى عن الإضمار. قال سفيان الثوري: في معنى هذه القراءة أنه أمرهم بالزكاة فامتنعوا. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والضحاك، وابن أبي عبلة:

{أَوْ أَن تَفْعَلْ فِى أَمْوَالِنَا مَا تَشَاء} بالتاء فيهما؛ ومعنى هذه القراءة كمعنى قراءة الفهري.

وفي قوله: {إِنَّكَ لاَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} أربعة أقوال.

احدها: أنهم قالوه استهزاء به، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء.

والثاني: أنهم قالوا له: إنك لأنت السفيه الجاهل، فكنى بهذا عن ذلك، ذكره الزجاج.

والثالث: أنهم سبوه بأنه ليس بحليم ولا رشيد، فأثنى اللّه عز وجل عليه فقال: بل إنك لأنت الحليم الرشيد،لا كما قال لك الكافرون، حكاه أبو سليمان الدمشقي عن أبي الحسن المصيصي.

والرابع: أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد حقيقة، وقالوا: أنت حليم رشيد، فلم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ حكاه الماوردي، وذهب إلى نحوه ابن كيسان. قوله تعالى:

{إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} قد تقدم تفسيره [هود ٢٨ و ٦٣]

وفي قوله: {وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الحلال؛ قال ابن عباس: وكان شعيب كثير المال.

والثاني: النبوة.

والثالث: العلم والمعرفة. قال الزجاج: وجواب الشرط هاهنا متروك، والمعنى: إن كنت على بينة من ربي، أتبع الضلال؟ فترك الجواب، لعلم المخاطبين بالمعنى، وقد مر مثل هذا. قوله تعالى:

{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ} قال قتادة: لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه. وقال الزجاج: ما أقصد بخلافكم القصد إلى ارتكابه. قوله تعالى:

{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ} أي: ما أريد بما آمركم به إلا إصلاح أموركم بقدر طاقتي. وقدر طاقتي: إبلاغكم لا إجباركم. قوله تعالى:

{وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللّه} فتح تاء {تَوْفِيقِى} أهل المدينة، وابن عامر. ومعنى الكلام: ما أصابتي الحق في محاولة صلاحكم إلى باللّه.

{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: فوضت أمري، وذلك أنهم تواعدوه بقولهم: {لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ شُعَيْبٌ} [الأعراف ٨٨] {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي: أرجع. قوله تعالى:

{لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى} حرك هذه الياء ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع. قال الزجاج: لا تكسبنكم عداوتكم إياي أن تعذبوا. قوله تعالى:

{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} فيه قولان.

احدهما: أنهم كانوا قريبا من مساكنهم.

والثاني: أنهم كانوا حديثي عهد بعذاب قوم لوط. قال الزجاج: كان إهلاك قوم لوط أقرب الإهلاكات التي عرفوها. قال ابن الأنباري: إنما وحد بعيدا، لأنه أزاله عن صفة القوم، وجعله نعتا مكان محذوف، تقديره: وما قوم لوط منكم بمكان بعيد. قوله تعالى:

{إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ} قد سبق معنى الرحيم. فأما الودود: فقال ابن الأنباري: معناه: المحب لعباده، من قولهم: وددت الرجل أوده ودا وودا وودا، ويقال: وددت الرجل ودادا وو دادة وودادة. وقال الخطابي: هو اسم مأخوذ من الود؛ وفيه وجهان:

احدهما: أن يكون فعولا في محل مفعول، كما قيل: رجل هيوب، بمعنى مهيب، وفرس ركوب، بمعنى مركوب، فاللّه سبحانه مودود في قلوب أوليائه لما يتعرفونه من إحسانه إليهم. والوجه الآخر: أن يكون بمعنى الواد، أي: أنه يود عباده الصالحين، بمعنى أنه يرضى عنهم بتقبل أعمالهم؛ ويكون معناه: أن يوددهم إلى خلقه كقوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً} [مريم ٩٦]. قوله تعالى:

{مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ} قال ابن الأنباري: معناه: ما نفقه صحة كثير مما تقول، لأنهم كانوا يتدينون بغيره، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنهم لا يفقهونه. قوله تعالى:

{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} وفيه أربعة أقوال.

احدها: ضريرا؛ قال ابن عباس، وابن جبير، وقتادة: كان أعمى، قال الزجاج: ويقال: إن حمير تسمي المكفوف ضعيفا.

والثاني: ذليلا، قاله الحسن، وأبو روق، ومقاتل. وزعم أبو روق أن اللّه لم يبعث نبيا أعمى، ولا نبييا به زمانة.

والثالث: ضعيف البصر، قاله سفيان.

والرابع: عاجزا عن التصرف في المكاسب، ذكره ابن الأنباري.

قوله تعالى: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ} قال الزجاج: لولا عشيرتك لقتلناك بالرجم، والرجم من سيء القتلات، وكان رهطه من أهل ملتهم، فلذلك أظهروا الميل إليهم والإكرام لهم. وذكر بعضهم أن الرجم هاهنا بمعنى الشتم والأذى. قوله تعالى:

{وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} فيه قولان.

احدهما: بكريم.

والثاني: بممتنع أن نقتلك. قوله تعالى:

{أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللّه} وأسكن ياء {رهطي} أهل الكوفة، ويعقوب، والمعنى: أتراعون رهطي في، ولا تراعون اللّه في؟ قوله تعالى:

{ٱللّه وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ} في هاء الكناية قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى اللّه تعالى، قاله الجمهور. قال الفراء: المعنى: رميتم بأمر اللّه وراء ظهوركم. قال الزجاج: والعرب تقول لكل من لا يعبأ بأمر: قد جعل فلان هذا الأمر بظهر،

قال الشاعر:

تميم بن قيس لا تكونن حاجتي  بظهر فلا يعيا علي جوابها

والثاني: أنها كناية عما جاء به شعيب، قاله مجاهد. قوله تعالى:

{إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي: عالم بأعماكم، فهو بجازيكم بها. وما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله:{سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام١٣٥]. فإن قال قائل: كيف قال هاهنا {سَوْفَ} وفي سورة أخرى {فَسَوْفَ}؟ [الأنعام ١٣٥]. فالجواب: أن كلا الأمرين حسن عند العرب، إن أدخلوا الفاء، دلوا على اتصال ما بعد الكلام بما قبله، وإن أسقطوها، بنوا الكلام الأول على أنه قد تم، وما بعده مستأنف، كقوله: {إِنَّ ٱللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة ٦٧]، والمعنى: فقالوا: أتتخذنا، بالفاء، فحذفت الفاء لتمام ما قبلها. قال امرؤ القيس: فقالت يمين اللّه مالك حيلة  وما إن أرى عنك الغواية تنجلي خرجت بها أمشي تجر وراءنا  على إثرنا أذيال مرط مرحل قال ابن الأنباري: أراد فخرجت، فأسقط الفاء لتمام ما قبلها. ويروى: فقمت بها أمشي. قوله تعالى:

{وَٱرْتَقِبُواْ إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ} قال ابن عباس: ارتقبوا العذاب، فإني أرتقب الثواب. قوله تعالى:

{وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ}

قال المفسرون: صاح بهم جبريل فماتوا في أمكنتهم. قال محمد بن كعب: عذب أهل مدين بثلاثة أصناف من العذاب، أخذتهم رجفة في ديارهم، حتى خافوا أن تسقط عليهم، فخرجوا منها فأصابهم حر شديد، فبعث اللّه الظلة، فتنادوا: هلم إلى الظل؛ فدخلوا جميعا في الظلة، فصيح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم. قال ابن عباس: لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد، إلا قوم شعيب وصالح، فأما قوم صالح، فأخذتهم الصيحة من تحتهم، وأما قوم شعيب، فأخذتهم من فوقهم، نشأت لهم سحابة كهيئة الظلة فيها ريح بعد أن امتنعت الريح عنهم، فأتوها يستطلون تحتها فأحرقتهم. قوله تعالى:

{كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} أي: كما هلكت ثمود. قال ابن قتيبة: يقال: بعد يبعد: إذا كان بعده هلكة؛ وبعد يبعد: إذا نأى.

٩٦

انظر تفسير الآية:٩٧

٩٧

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا} قال الزجاج: بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته. {وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ} اي: حجة بينة. قوله تعالى:

{فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ} وهو ما أمرهم به من عبادته واتخاذه آلها.

{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي: مرشد إلى خير.

٩٨

قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ} قال الزجاج: يقال: قدمت القوم أقدمهم، قدما وقدوما: إذا تقدمتهم؛ والمعنى: يقدمهم إلى النار؛ ويدل عليه قوله:

{فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ} قال ابن عباس: أرودهم بمعنى أدخلهم. وقال قتادة: يمضي بين ايديهم حتى يهجم بهم على النار.

قوله تعالى: {وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ}

قال المفسرون: الورد: الموضع الذي ترده. وقال ابن الأنباري: الورد: مصدر معناه: الورود، تجعله العرب بمعنى الموضع المورود؛ فتلخيص الحرف: وبئس المدخل المدخول النار.

٩٩

قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ}.

في هذه اللعنة قولان.

احدهما: أنها في الدنيا الغرق، وفي الآخرة عذاب النار، هذا قول الكلبي، ومقاتل.

والثاني: أنها اللعنة في الدنيا من المؤمنين، وفي الآخرة من الملائكة، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{بِئْسَ ٱلرّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ} قال ابن قتيبة: الرفد: العطية؛ يقول: اللعنة بئس العطية؛ يقال: رفدته أرفده: إذا أعطيته واعنته. والمرفود: المعطى.

١٠٠

قوله تعالى: {ذٰلِكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلْقُرَىٰ} يعني ما تقدم من الخبر عن القرى المهلكة.

{نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} أي: نخبرك به.

{مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} قال قتادة: القائم: ما يرى مكانه، والحصيد: لا يرى أثره. وقال ابن قتيبة: القائم: الظاهر العين، والحصيد: الذي قد أبيد وحصد. وقال الزجاج: القائم: ما بقيت حيطانه، والحصيد: الذي خسف به وما قد امحى أثره.

١٠١

قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ} أي: بالعذاب والإهلاك.

{وَلَـٰكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر والمعاصي.

{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءالِهَتَهُمُ} أي: فما نفعتهم ولا دفعت عنهم شيئا

{لَّمَّا جَاء أَمْرُ رَبّكَ} بالهلاك. {وَمَا زَادُوهُمْ} يعني الآلهة {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه التخسير، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، واختاره ابن قتيبة، والزجاج.

والثاني: أنه الشر، قاله ابن زيد.

والثالث: التدمير والإهلاك، قاله أبو عبيدة.

فان قيل: الآلهة جماد، فكيف قال: «زادوهم»؟ فعنه جوابان.

احدهما: وما زادتهم عبادتها.

والثاني: أنها في القيامة تكون عونا عليهم فتزيدهم شرا.

١٠٢

قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ} أي: وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربك.

{إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ} وصف القرى بالظلم، والمراد أهلها. وقال ابن عباس: الظلم هاهنا: بمعنى الكفر.

١٠٣

انظر تفسير الآية:١٠٤

١٠٤

قوله تعالى: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً} يعني: ما ذكر من عذاب الأمم وأخذهم. والآية: العبرة والعظة.

{ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ} لأن الخلق يحشرون فيه، ويشهده البر والفاجر، وأهل السماء والأرض.. {وَمَا نُؤَخّرُهُ}

وروى زيد عن يعقوب، وابو زيد عن المفضل «وما يؤخره بالياء» والمعنى: وما نؤخر ذلك اليوم إلا لوقت معلوم لا يعلمه إلا اللّه.

١٠٥

انظر تفسير الآية:١٠٨

١٠٦

انظر تفسير الآية:١٠٨

١٠٧

انظر تفسير الآية:١٠٨

١٠٨

قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: «يوم يأتي» بياء في الوصل، وحذفوها في الوقف؛ غير أن ابن كثير كان يقف بالياء، ويصل بالياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف. قال الزجاج: الذي يختاره النحويون «يوم يأتي» باثبات الياء، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرا. وقد حكى الخليل، وسيبويه، أن العرب تقول: لا أدر، فتحذف الياء، وتجتزئ بالكسرة، ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال. وقال الفراء: كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم، فإن العرب تحذفهما وتجتزىء بالكسرة من الياء، وبالضمة من الواو، وأنشدني بعضهم: كفاك كف ما تليق درهما  جودا وأخرى تعط بالسيف الدما

قال المفسرون: وقوله: {يَوْمَ يَأْتِى} يعني: يأتي ذلك اليوم، لا تكلم نفس إلا بإذن اللّه، فكل الخلائق ساكتون، إلا من أذن اللّه له في الكلام.

وقيل: المراد بهذا الكلام الشفاعة. قوله تعالى:

{فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ} قال ابن عباس: منهم من كتبت عليه الشقاوة، ومنهم من كتبت له السعادة. قوله تعالى:

{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن الزفير كزفير الحمار في الصدر، وهو أول ما ينهق، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، ومقاتل، والفراء. وقال الزجاج: الزفير: شديد الأنين وقيبحه، والشهيق: الأنين الشديد المرتفع جدا، وهما من أصوات المكروبين. وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق،والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق.

والثاني: أن الزفير في الحلق، والشهيق في الصدور، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، والربيع بن أنس. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: الزفير: الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف. وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير، لأن الشهيق رد النفس، والزفير إخراج النفس.

وقال غيره: الزفير: الشديد، مأخوذ من الزفر، وهو الحمل على الظهر لشدته؛ والشهيق: النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم: جبل شاهق، أي: طويل.

والثالث: أن الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال، قاله ابن السائب. قوله تعالى:

{خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} المعروف فيه قولان.

احدهما: أنها السموات المعروفة عندنا، والأرض المعروفة؛ قال ابن قتيبة، وابن الأنباري: للعرب في معنى الأبد الفاظ؛ تقول: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السموات ولأرض، وما اختلفت الجرة والدرة، وما أطت الإبل، في أشباه لهذا كثيرة، ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير، فخاطبهم اللّه بما يستعملون في كلامهم.

والثاني: أنها سموات الجنة والنار وأرضهما. قوله تعالى:

{إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} في الاستثناء المذكور

في حق أهل النار سبعة أقوال.

احدها: أن الاستثناء في حق الموحدين الذين يخرجون بالشفاعة، قاله ابن عباس، والضحاك.

والثاني: أنه استثناء لا يفعله، تقول: واللّه لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزيمتك على ضربه، ذكره الفراء، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس: «إلا ما شاء ربك» قال: فقد شاء أن يخلدوا فيها. قال الزجاج: وفائدة هذا، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدا.

والثالث: أن المعنى: خالدين فيها أبدا، غير أن اللّه تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم، ثم يجدد خلقهم، فيرجع الاستثناء إلى تلك الحال، قاله ابن مسعود.

والرابع: أن «إلا» بمعنى «سوى» تقول: لو كان معنا رجل إلا زيد، أي: سوى زيد؛ فالمعنى: خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة، وهذا اختيار الفراء. قال ابن قتيبة: ومثله في الكلام أن تقول: لأسكننك في هذه الدار حولا إلا ما شئت؛ تريدك: سوى ما شئت أن أزيدك.

والخامس: أنهم إذا حشروا وبعثوا، فهم في شروط القيامة؛ فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب، فالمعنى: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة،ذكره الزجاج. وقال ابن كيسان: الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب؛ قال ابن قتبية: فالمعنى: خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل، وإن كانتا قد تتغيران. واستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا، لا في الجنة، ولا في النار.

والسادس: أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا، إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر؛ وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذكر، ولهم مما يذكر ما شاء ربك، ذكره الزجاج أيضا.

والسابع: أن «إلا» بمعنى «كما» ومنه قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء ٢٢] ذكره الثعلبي.

فأما الاستثناء في حق أهل الجنة، ففيه ستة أقوال.

احدها: أنه استثناء لا يفعله.

والثاني: أن «إلا» بمعنى «سوى».

والثالث: أنه يرجع إلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور.

والرابع: أنه بمعنى: إلا ما شاء أن يزيدهم من النعيم الذي لم يذكر.

والخامس: أن «إلا» ك «ما» وهذه الأقوال قد سبق شرحها.

والسادس: أن الاستثناء يرجع إلى لبث من لبث في النار من الموحدين، ثم أدخل الجنة، قاله ابن عباس، والضحاك، ومقاتل. قال ابن قتيبة: فيكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار، فكأنه قال: إلا ما شاء ربك من أخراج المذنبين إلى الجنة، وخالدين في الجنة إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة. واختلف القراء في «سعدوا» فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {سُعِدُواْ} بفتح السين. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بضمها، وهما لغتان. قوله تعالى:

{عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} نصب عطاء بما دل عليه الكلام، كأنه قال: أعطاهم النعيم عطاء. والمجذوذ: المقطوع؛ قال ابن قتيبة: يقال: جذذت، وجددت، وجذفت، وجدفت: إذا قطعت.

١٠٩

قوله تعالى: {فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ} أي: فلا تك يا محمد في شك

{مّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء} المشركون من الأصنام، أنه باطل وضلال، إنما يقلدون آباءهم،

{وَأَنَا فَـئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: ما قدر لهم من خير وشر، قاله ابن عباس.

والثاني: نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية.

والثالث: نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد.

وقال بعضهم: لا ينقصهم من عذاب آبائهم.

١١٠

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ} يعني التوراة

{فَٱخْتُلِفَ فِيهِ} فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن.

قال المفسرون: وهذه تعزية للنبي صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى:

{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} قال ابن عباس: يريد: إني أخرت أمتك إلى يوم القيامة، ولولا ذلك لعجلت عقاب من كذبك. وقال ابن قتيبة: لولا نظرة لهم إلى يوم الدين لقضي بينهم في الدنيا. وقال ابن جرير: سبقت من ربك أنه لا يعجل على خلقه بالعذاب، لقضي بين المصدق منهم والمكذب باهلاك المكذب وإنجاء المصدق. قوله تعالى:

{وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكّ مّنْهُ} أي: من القرآن {مُرِيبٍ} أي: موقع للريب.

١١١

قوله تعالى: {وَإِنَّ كُـلاًّ} يشير إلى جميع من قص قصته في هذه السورة. وقال مقاتل: يعني به كفار هذه الأمة.

وقيل: المعنى: وإن كلا لخلق أو بشر {لَيُوَفّيَنَّهُمْ}. قرأ أبو عمرو، والكسائي «وإن» مشددة النون، «لما» خفيفة. واللام في «لما» لام التوكيد، دخلت على «ما» وهي خبر «إن» واللام في «ليوفينهم» اللام التي يتلقى بها القسم، والتقدير: واللّه ليوفينهم، ودخلت «ما» للفصل بين اللامين. قال مكي بن أبي طالب:

وقيل: إن «ما» زائدة، لكن دخلت لتفصل بين اللامين اللذين يتلقيان القسم، وكلاهما مفتوح، ففصل ب «ما» بينهما. وقرأ ابن كثير «وإن» بالتخفيف، وكذلك «لما» قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، فيخففون «إن» ويعملونها، وأنشد:

ووجه حسن النحر  كأن ثدييه حقان

وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: «وإن» خفيفة، «لما» مشددة، والمعنى: وما كلا إلا؛ وهذا كما تقول: سألتك لما فعلت، وإلا فعلت، ومثله قوله: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق ٤] وقرأ حمزة، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «وإن» بالتشديد، «لما» بالتشديد أيضا. قال أبو علي: هذه قراءة مشكلة، لأنه كما لا يحسن: إن زيدا إلا منطلق، كذلك لا يحسن تثقيل «إن» وتثقيل «لما» وحكى عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في «لما» ولم يبعد فيما قال. وقال مكي بن أبي طالب: الأصل فيها {لّمَن مَّا} ثم أدغمت النون في الميم، فاجتمعت ثلاث ميمات في اللفظ، فحذفت الميم المكسورة؛ والتقدير: وإن كلا لمن خلق ليوفينهم، قال:

وقيل: التقدير: «لمن ما» بفتح الميم في {مِنْ} فتكون {مَا} زائدة وتحذف إحدى الميمات لتكرير الميم في اللفظ؛ والتقدير: لخلق ليوفينهم، ومعنى الكلام: ليوفينهم جزاء أعمالهم.

١١٢

قوله تعالى: {وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} قال ابن عيينة: استقم على القرآن. وقال ابن قتيبة: امض على ما أمرت به. قوله تعالى:

{وَمَن تَابَ مَعَكَ} قال ابن عباس: من تاب معك من الشرك. قوله تعالى:

{وَلاَ تَطْغَوْاْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: لا يطغوا في القرآن، فتحلوا وتحرموا مالم آمركم به، قاله ابن عباس.

والثاني: لا تعصوا ربكم ولا تخالفوه، قاله ابن زيد.

والثالث: لا تخلطوا التوحيد بشك، قاله مقاتل.

١١٣

قوله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} روى عبد الوارث عن أبي عمرو: «تركنوا» بفتح التاء وضم الكاف، وهي قراءة قتادة. وروى هارون عن أبي عمرو «تركنوا» بفتح التاء وكسر الكاف.

وروى محبوب عن أبي عمرو: «تركنوا» بكسر التاء وفتح الكاف. وقرأ ابن أبي عبلة «تركنوا» بضم التاء وفتح الكاف على مالم يسم فاعله.

وفي المراد بهذا الركون أربعة أقوال.

احدها: لا تميلوا إلى المشركين، قاله ابن عباس.

والثاني: لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.

والثالث: لا تلحقوا بالمشركين، قاله قتادة.

والرابع: لا تداهنوا الظلمة، قاله السدي، وابن زيد.

وفي قوله: {فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ} وجهان.

احدهما: فتصيبكم النار، قاله ابن عباس.

والثاني: فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱللّه مِنْ أَوْلِيَاء} أي: ليس لكم أعوان يمنعونكم من العذاب.

١١٤

قوله تعالى: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ} أما سبب نزولها،

فروى علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رجلا قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم، إني أخذت امرأة في البستان فقبلتها، وضممتها، إلي وباشرتها، وفعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالى {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ} الآية، فدعا الرجل فقرأها عليه، فقال عمر: أهي له خاصة، أم للناس كافة؟ قال: «لا بل للناس كافة»

وفي رواية أخرى عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول اللّه، فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية، فقال الرجل: إلي هذه الآية؟ فقال: «لمن عمل بها من أمتي»

وقال معاذ بن جبل: كنت قاعدا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجاء رجل، فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أصاب من امرأة مالا يحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أصابه منها، غير أنه لم يجامعها؟ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم:

«توضأ وضوءا حسنا، ثم قم فصل».

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فقال معاذ: أهي له خاصة، أم للمسلمين عامة؟ فقال: «بل هي للمسلمين عامة».

واختلفوا في إسم هذا الرجل، فقال أبو صالح عن ابن عباس: هو عمرو بن غزية الأنصاري، وفيه نزلت هذه الآية، كان يبيع التمر، فأتته امرأة تبتاع منه تمرا، فأعجبته، فقال: إن في البيت تمرا أجود من هذا، فانطلقي معي حتى أعطيك منه؛ فذكر نحو حديث معاذ وقال مقاتل: هو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري. وذكر احمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ أنه أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري.

وذكر في الذي قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم، أله خاصة؟ ثلاثة أقوال.

احدها: أنه أبو اليسر صاحب القصة.

والثاني: معاذ بن جبل.

والثالث: عمر بن الخطاب. فأما التفسير، فقوله: {ٱتْلُ مَا} أي: أتم ركوعها وسجودها. فأما طرفا النهار، ففي الطرف الأول قولان.

احدهما: أنه صلاة الفجر، قاله الجمهور.

والثاني: أنه الظهر، حكاه ابن جرير.

وفي الطرف الثاني ثلاثة أقوال.

احدها: أنه صلاة المغرب، قاله ابن عباس، وابن زيد.

الثاني: العصر، قاله قتادة.وعن الحسن كالقولين.

والثالث: الظهر، والعصر، قاله مجاهد، والقرظي. وعن الضحاك كالأقوال الثلاثة. قوله تعالى:

{وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ} وقرأ أبو جعفر، وشيبة «و زلفا» بضم اللام. قال أبو عبيدة: الزلف: الساعات،

واحدها: زلفة، أي: ساعة ومنزلة وقربة، ومنه سميت المزدلفة،

قال العجاج:

ناج واه الأين مما أوجفا  طي الليالي زلفا فزلفا

سماوة الهلال حتى احقوا قفا

قال ابن قتيبة: ومنه يقال: أزلفني كذا عندك، أي: أدناني؛ والمزالف: المنازل والدرج، وكذلك الزلف.

وفيما للمفسرين قولان.

احدهما: أنها صلاة العتمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وعوف عن الحسن، وابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال ابن زيد.

والثاني: أنها صلاة المغرب والعشاء، روي عن ابن عباس أيضا، ورواه يونس عن الحسن، ومنصور عن مجاهد، وبه قال قتادة، ومقاتل، والزجاج.

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ}

في المراد بالحسنات قولان.

احدهما: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وابن المسيب، ومسروق، ومجاهد، والقرظي، والضحاك، والمقاتلان: ابن سليمان، وابن حيان.

والثاني: أنها سبحان اللّه، والحمد للّه ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، رواه منصور عن مجاهد. والأول أصح، لأن الجمهور عليه، وفيه حديث مسند عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه عثمان بن عفان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه توضأ، وقال:

"من توضأ وضوئي هذا، ثم صلى الظهر، غُفر له ما كان بينها وبين صلاة الصبح، ومن صلى العصر، غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ومن صلى المغرب، غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء، غُفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله أن يبيت ليلته يتمرَّغ، ثم إِن قام فتوضأ وصلى الصبح، غُفر له ما بينه وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات".

فأما السيئات المذكورة هاهنا، فقال المفسرون: هي الصغائر من الذنوب.وقد روى معاذ بن جبل، قال: قلت: يا رسول اللّه، أوصني؛ قال: "اتق اللّه حيثما كنت»، قال: قلت: زدني؛ قال: «أتبع السيئة الحسنة تمحها»، قلت: زدني؛ قال: «خالِقِ الناس بخُلُق حسن". قوله تعالى:

{ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ}

في المشار إليه ب «ذلك» ثلاثة أقوال.

احدها: أنه القرآن.

والثاني: إقام الصلاة.

والثالث: جميع ما تقدم من الوصية بالاستقامة، والنهي عن الطغيان، وترك الميل إلى الظالمين، والقيام بالصلاة.

وفي المراد بالذكرى قولان.

احدهما: أنه بمعنى التوبة.

والثاني: بمعنى العظة.

١١٥

قوله تعالى: {وَٱصْبِرْ} فيما أمر بالصبر عليه قولان.

احدهما: لما يلقاه من أذى قومه.

والثاني: الصلاة.

وفي المراد بالمحسنين ثلاثة أقوال.

احدها: المصلون، قاله ابن عباس.

والثاني: المخلصون، قاله مقاتل.

والثالث: أنهم المحسنون في أعمالهم، قاله أبو سليمان.

١١٦

قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ} قال ابن عباس، والفراء: المعنى: فلم يكن. وقال ابن قتيبة: المعنى: فهلا كان من القرون من قبلكم أولو بقية.

وروى ابن جماز عن أبي جعفر «أولو بقية» بكسر الباء وسكون القاف وتخفيف الياء.

وفي معنى «أولو بقية» ثلاثة أقوال.

احدها: أولو دين، قاله ابن عباس. قال ابن قتيبة: يقال: قوم لهم بقية، وفيهم بقية: إذا كانت بهم مسكة وفيهم خير.

والثاني: أولو تمييز.

والثالث: أولو طاعة، ذكرهما الزجاج، وقال: إذا قلت: فلان فيه بقية، فمعناه: فيه فضل. قوله تعالى:

{إِلاَّ قَلِيلاً} استثناء منقطع، أي: لكن قليلا ممن أنجينا منهم ممن نهى عن الفساد. قال مقاتل: لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي والشرك إلى قليلا ممن أنجينا من العذاب مع الرسل. قوله تعالى:

{وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ} أي: اتبعوا مع ظلمهم ما أترفوا فيه مع استدامة نعيمهم، فلم يقبلوا ما ينقص من ترفهم. قال الفراء: آثروا اللذات على أمر الآخرة. قال: ويقال: اتبعوا ذنوبهم السيئة إلى النار.

١١٧

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ} فيه قولان.

احدهما: بغير جرم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: بشرك، ذكره ابن جرير، وابو سليمان.

وفي قوله: {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ثلاثة أقوال.

احدها: ينتصف بعضهم من بعض، رواه قيس بن أبي حازم عن جرير. قال أبو جعفر الطبري: فيكون المعنى: لايهلكهم إذا تناصفوا وإن كانوا مشركين، وإنما يهلكهم إذا تظالموا.

والثاني: مصلحون لأعمالهم، متمسكون بالطاعة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: مؤمنون، قاله مقاتل.

١١٨

انظر تفسير الآية:١١٩

١١٩

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} قال ابن عباس: لو شاء أن يجعلهم كلهم مسلمين لفعل. قوله تعالى:

{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في المشار إليهم قولان.

احدهما: أنهم أهل الحق وأهل الباطل، رواه الضحاك عن ابن عباس، فيكون المعنى: إن هؤلاء يخالفون هؤلاء.

والثاني: أنهم أهل الأهواء لا يزالون مختلفين، رواه عكرمة عن ابن عباس. قوله تعالى:

{إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} قال ابن عباس: هم أهل الحق. وقال الحسن: أهل رحمة اللة لايختلفون. قوله تعالى:

{وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ} في المشار إلية بذلك أربعة أقوال.

احدها: أنه يرجع إلى ماهم عليه. قال ابن عباس: خلقهم فريقين، فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يرحم يختلف.

والثاني: أنه يرجع إلى الشقاء والسعادة، قاله ابن عباس أيضا، واختاره الزجاج، قال: لأن اختلافهم مؤديهم إلى سعادة وشقاوة. قال ابن جرير: واللام في قوله: «ولذلك» بمعنى «على».

والثالث: أنه يرجع إلى الاختلاف، رواه مبارك عن الحسن.

والرابع: أنه يرجع إلى الرحمة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة؛ فعلى هذا يكون المعنى: ولرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم. قوله تعالى:

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} قال ابن عباس: وجب قول ربك:

{لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} من كفار الجنة، وكفار الناس.

١٢٠

قوله تعالى: {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ} قال الزجاج: «كلا» منصوب ب «نقص» المعنى: كل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل نقص عليك. و «ما» منصوبة بدلا من كل، المعنى: نقص عليك ما نثبت به فؤادك؛ ومعنى تثبيت الفؤاد تسكين القلب هاهنا، ليس للشك، ولكن كلما كان البرهان والدلالة أكثر كان القلب أثبت. قوله تعالى:

{وَجَاءكَ فِى هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ} في المشار إليه ب «هذه» أربعة أقوال.

احدها: أنها السورة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير وأبو العالية، ورواه شيبان عن قتادة.

والثاني: أنها الدنيا، فالمعنى:

وجاءك في هذه الدنيا، رواه سعيد عن قتادة؛ وعن الحسن كالقولين.

والثالث: أنها الأقاصيص المذكورة.

والرابع: أنها هذه الآية بعينها، ذكر القولين ابن الأنباري.

وفي المراد بالحق هاهنا ثلاثة أقوال.

احدها: أنها البيان.

والثاني: صدق القصص والأنباء.

والثالث: النبوة.

فان قيل: أليس قد جاءه الحق في كل القرآن، فلم خص هذه السورة؟

فالجواب أنا إن قلنا: إن الحق النبوة، فالإشارة ب {هَـٰذِهِ} إلى الدنيا، فيكون المعنى: وجاءك في هذه الدنيا النبوة، فيرتفع الإشكال.

وإن قلنا: إنها السورة، فعنه أربعة أجوبة.

احدها: أن المراد بالحق البيان، وهذه السورة جمعت من تبيين إهلاك الأمم، وشرح آمالهم، قالهم يجمع غيرها، فبان أثر التخصيص، وهذا مذهب بعض المفسرين.

والثاني: أن بعض الحق أوكد من بعض في ظهوره عندنا وخفائه علينا، ولهذا يقول الناس: فلان في الحق: إذا كان في الموت، وإن لم يكن قبله في باطل، ولكن لتعظيم ما هو فيه، فكأن الحق المبين في هذه السورة أجلى من غيره، وهذا مذهب الزجاج.

والثالث: أنه خص هذه السورة بذلك لبيان فضلها، وإن كان في غيرها حق أيضا، فهو كقوله: {حَـٰفِظُواْ عَلَى} [البقرة ٢٣٨] وقوله: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ} [البقرة ٩٨] وهذا مذهب ابن الأنباري.

والرابع: أن المعنى: وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك من سائر السور، قاله ابن جرير الطبري. قوله تعالى:

{وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي:يتعظون إذا سمعوا هذه السورة وما نزل بالأمم فتلين قلوبهم.

١٢١

انظر تفسير الآية:١٢٢

١٢٢

قوله تعالى: {وَقُل لّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ} هذا تهديد ووعيد، والمعنى: اعملوا ما أنتم عاملون، فستعلمون عاقبة أمركم،

{وَٱنْتَظِرُواْ} ما يعدكم الشيطان {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ما يعدنا ربنا.

فصل

قال المفسرون: وهذه الآية اقتضت تركهم على أعمالهم، والاقتناع بانذارهم، وهي منسوخة بآية السيف. واعلم أنه إذا قلنا: إن المراد بالآية التهديد، لم يتوجه نسخ.

١٢٣

قوله تعالى: {وَللّه غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} أي: علم ما غاب عن العباد فيهما. {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلاْمْرُ كُلُّهُ} قرأ نافع، وحفص عن عاصم {يُرْجَعُ ٱلاْمْرُ كُلُّهُ} بضم الياء. وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم {يُرْجَعُ} بفتح الياء، والمعنى: إن كل الأمور ترجع إليه في المعاد. {فَٱعْبُدْهُ} أي: وحده. {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} أي: ثق به. {وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} قرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم {تَعْمَلُونَ} بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو علي: فمن قرأ بالياء، فالمعنى: قل لهم: وما ربك بغافل عما يعملون. ومن قرأ بالتاء، فالخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، فهو أعم من الياء، وهذا وعيد، والمعنى: إنه يجزي المحسن باحسانه، والمسيء باساءته. قال كعب: خاتمة التوراة خاتمة {هُودٍ}.

﴿ ٠