٥١ قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ} قال المفسرون: لما رجع الساقي إلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه، وقع في نفسه صحة ما قال، فقال: ائتوني بالذي عبر رؤياي، فجاءه الرسول، فقال: أجب الملك، فأبى أن يخرج حتى تبين براءته مما قرف به، فقال: {ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنّسْوَةِ} وقرأ ابن أبي عبلة: «النسوة» بضم النون، والمعنى: فاسأل الملك أن يتعرف ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة براءتي، وإنما أشفق أن يراه اللمك بعين مشكوك في أمره أو متهم بفاحشة، وأحب أن يراه بعد استقرار براءته عنده. وظاهر قوله: {إِنَّ رَبّى شَىْء عَلِيمٌ} أنه يعني اللّه تعالى، وحكى ابن جرير الطبري أنه أراد به سيده العزيز، والمعنى: أنه يعلم براءتي. وقد روي عن نبينا صلى اللّه عليه وسلم أنه استحسن حزم يوسف وصبره عن التسرع إلى الخروج، فقال صلى اللّه عليه وسلم «إن الكريم بن الكريم بن الكريم [ابن الكريم] يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبت» وفي ذكره للنسوة دون امرأة العزيز أربعة أقوال. احدها: أنه خلطها بالنسوة، لحسن عشرة فيه وأدب، قاله الزجاج. والثاني: لأنها زوجة ملك، فصانها. والثالث: لأن النسوة شاهدات عليها له. والرابع: لأن في ذكره لها نوع تهمة، ذكر الأقوال الثلاثة الماوردي. قال المفسرون: فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف، فدعا الملك النسوة وفيهن امرأة العزيز، فقال: {مَا خَطْبُكُنَّ} أي: ما شأنكن وقصتكن {إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ}. فان قيل: إنما راودته واحدة، فلم جمعن؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه جمعهن في السؤال ليعلم عين المراودة. والثاني: أن أزليخا راودته على نفسه، وراوده باقي النسوة على القبول منها. والثالث: أنه جمعهن في الخطاب، والمعنى لواحدة منهن، لأنه قد يوقع على النوع وصف الحبس إذا أمن من اللبس، يدل عليه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم للنساء: «إنكن أكثر أهل النار»، فجمعهن في الخطاب والمعنى لبعضهن، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى: {قُلْنَ حَاشَ للّه} قال الزجاج: قرأ الحسن بتسكين الشين، ولا اختلاف بين النحويين أن الإسكان غير جائز، لأن الجمع بين ساكنين لا يجوز، ولا هو من كلام العرب. فأعلم النسوة الملك براءة يوسف من السوء، فقالت امرأة العزيز: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ} أي: برزوتبين، واشتقاقه في اللغة من الحصة، أي: بانت حصة الحق وجهته من حصة جهة الباطل. وقال ابن القاسم: «حصحص» بمعنى وضح وانكشف، تقول العرب: حصحص البعير في بروكة: إذا تمكن، وأثر في الأرض، وفرق الحصى. وللمفسرين في ابتداء أزليخا بالإقرار قولان. احدهما: أنها لما رأت النسوة قد برأنه، قالت: لم يبق إلا أن يقبلن على بالتقرير، فأقرت، قاله الفراء. والثاني: أنها أظهرت التوبة وحققت صدق يوسف، قاله الماوردي. |
﴿ ٥١ ﴾