ÓõæÑóÉõ ÇáÑøóÚúÏö ãóßøöíøóÉñ Çóæú ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËñ æóÃóÑúÈóÚõæäó ÂíóÉð سورة الرعد فصل في نزولها. اختلفوا في نزولها على قولين. احدهما: أنها مكية، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وعطاء، وقتادة. وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية، إلا آيتين منها، قوله: {وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} إلى آخر الآية [الرعد: ٣١] وقوله {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} [الرعد: ٣٤] والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس، وبه قال جابر ابن زيد. وروي عن ابن عباس أنها مدنية، إلا آيتين نزلتا بمكة، وهما قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ} إلى آخرها[الرعد: ١٣] وقال بعضهم: المدني منها قوله: {هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ} إلى قوله: {لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ} [الرعد: ١٤] بسم اللّه الرحمن الرحيم. _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٢ ٢ قوله تعالى: {المر} قد ذكرنا في سورة {البقرة} جملة من الكلام في معاني هذه الحروف. وقد روي عن ابن عباس في تفسير هذه الكلمة ثلاثة أقوال. احدها: أن معناها: أنا اللّه أعلم وأرى، رواه أبو الضحى عنه. والثاني: أنا اللّه أرى، رواه سعيد بن جبير عنه. والثالث: أنا اللّه الملك الرحمن، رواه عطاء عنه. قوله تعالى: {تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ} في «تلك» قولان وفي «الكتاب» قولان قد تقدمت في أول {يُونُسَ} قوله تعالى: {وَٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ ٱلْحَقُّ} يعني: القرآن وغيره من الوحي {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} قال ابن عباس: يعني: أهل مكة. قال الزجاج: لما ذكر أنهم لا يؤمنون، عرف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق فقال: {ٱللّه ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ} قال أبو عبيدة: العمد: متحرك الحروف بالفتحة، وبعضهم يحركها بالضمة، لأنها جمع عمود، وهو القياس، لأن كل كلمة هجاؤها أربعة أحرف الثالث منها ألف أو ياء أو واو، فجميعه مضموم الحروف، نحو رسول، والجمع: رسل، وحمار، والجمع: حمر، غير أنه قد جاءت أسامي استعملوا جميعها بالحركة والفتحة، نحو عمود، وأديم، وإهاب، قالوا: ادم، وأهب. ومعنى «عمد» سوار، ودعائم، وما يعمد البناء. وقرأ أبو حيوة: «بغير عمد» بضم العين والميم. وفي قوله: {تَرَوْنَهَا} قولان. احدهما: أن هاء الكناية ترجع إلى السموات، فالمعنى: ترونها بغير عمد، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، والجمهور. وقال ابن الأنباري: «ترونها» خبر مستأنف، والمعنى: رفع السموات بلا دعامة تمسكها، ثم قال: «ترونها» أي: ما تشاهدون من هذا الأمر العظيم، يغنيكم عن إقامة الدلائل عليه. والثاني: أنها ترجع إلى العمد، فالمعنى: إنها بعمد لا ترونها، رواه عطاء، والضحاك عن ابن عباس، وقال: لها عمد على قاف، ولكنكم لا ترون العمد، وإلى هذا القول ذهب مجاهد، وعكرمة، والأول أصح. قوله تعالى: {وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ} اي: ذللّهما لما يراد منهما {كُـلٌّ يَجْرِى لاِجَـلٍ مُّسَـمًّى} أي: إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا. {يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ} أي: يصرفه بحكمته. {يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ} أي: يبين الآيات التي تدل أنه قادر على البعث لكي توقنوا بذلك. وقرأ أبو رزيني، وقتادة، والنخعي. «ندبر الأمر نفصل الآيات» بالنون فيهما. ٣ قوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلاْرْضَ} قال ابن عباس: بسطها على الماء. قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} قال الزجاج: أي جبالا ثوابت، يقال: رسا الشي يرسوا رسوا، فهو راس: إذا ثبت. و {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ} أي: نوعين. والزوج: الواحد الذي له قرين من جنسه. قال المفسرون: ويعني بالزوجين: الحلو والحامض، والعذب والملح، والأبيض والأسود. قوله تعالى: {يَغْشَىٰ وَهُوَ ٱلَّذِى} قد شرحناه في {ٱلاْعْرَافِ}. ٤ قوله تعالى: {وَفِى ٱلاْرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرٰتٌ} فيها قولان. احدهما: أنها الأرض السبخة، والأرض العذبة، تنبت هذه، وهذه إلى جنبها لا تنبت، هذا قول ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، والضحاك. والثاني: أنها القرى المتجاورات، قاله قتادة، وابن قتيبة، وهو يرجع إلى معنى الأول. قوله تعالى: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوٰنٍ} رفعا في الكل. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وأبو بكر عن عاصم: وزرع ونخيل صنوان. «وغير صنوان» خفضا في الكل. قال أبو علي: من رفع، فالمعنى: وفي الأرض قطع متجاورات وجنات، وفي الأرض زرع، ومن خفض حمله على الأعناب، فالمعنى: جنات من أعناب، ومن زرع، ومن نخيل. قوله تعالى: {صِنْوٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوٰنٍ} هذا من صفة النخيل. قال الزجاج: الصنوان: جمع صنو وصنو، ومعناه: أن يكون الأصل واحدا وفيه النخلتان والثلاث والأربع. وكذلك قال المفسرون: الصنوان: النخل المجتمع وأصله واحد، وغير صنوان: المتفرق. وقرأ أبو رزين، وابو عبد الرحمن السلمي، وابن جبير، وقتادة: «صنوان» بضم الصاد. قال الفراء: لغة أهل الحجاز «صنوان» بكسر الصاد، وتميم وقيس يضمون الصاد. قوله تعالى: {تَسْقِى بِمَاء وٰحِدٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «تسقى» بالتاء، «ونفضل» بالنون، وقرأ حمزة، والكسائي «تسقى» بالتاء أيضا، لكنهما أمالا القاف. وقرأ الحسن «ويفضل» بالياء. وقرأ عاصم، وابن عامر «يسقى» بالياء، «ونفضل» بالنون، وكلهم كسر الضاد. وروى الحلبي عن عبد الوارث ضم الياء من «يفضل» وفتح الضاد، بعضها» برفع الضاد. وقال الفراء: من قرأ «تسقى» بالتاء ذهب إلى تأنيث الزرع، والجنات، والنخيل، ومن كسر ذهب إلى النبت، وذلك كله يسقى بماء واحد، وأكله مختلف حامض وحلو، ففي هذا آية. قال المفسرون: الماء الواحد: ماء المطر، والأكل: الثمر، بعضه أكبر من بعض، وبعضه أفضل من بعض، وبعضه حامض وبعضه حلو، إلى غير ذلك، وفي هذا دليل على بطلان قول الطبائعيين، لأنه لو كان حدوث الثمر على طبع الأرض والهواء، والماء، وجب أن يتفق ما يحدث لاتفاق ما أوجب الحدوث، فلما وقع الاختلاف، دل على مدبر قادر، {إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أنه لا تجوز العبادة إلا لمن يقدر على هذا. ٥ قوله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ} أي: من تكذيبهم وعبادتهم مالا ينفع ولا يضر بعدما رأوا من تأثير قدرة اللّه عز وجل في خلق الأشياء، فانكارهم البعث موضع عجب. وقيل: المعنى: وإن تعجب بما وقفت عليه من القطع المتجاورات وقدرة ربك في ذلك، فعجب جحدهم البعث، لأنه قد بان لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل من القدرة. قوله تعالى: {كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو «آيذا كنا ترابا آينا» جميعا بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد. وقرأ نافع «آيذا» مثل أبي عمرو، واختلف عنه في المد، وقرأ «إنا لفي خلق» مكسورة على الخبر. وقرأ عاصم، وحمزة «أإذا كنا» «أإنا» بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر «إذا كنا ترابا» مكسورة الألف من غير استفهام، «أإنا» يهمز ثم يمد ثم يهمز على وزن: عاعنا. وروي عن ابن عامر أيضا «أإذا» بهمزتين لا ألف بينهما. والأغلال جمع غل، وفيها قولان. احدهما: أنها أغلال يوم القيامة، قاله الأكثرون. والثاني: أنها الأعمال التي هي أغلال، قاله الزجاج. ٦ انظر تفسير الآية:٩ ٧ انظر تفسير الآية:٩ ٨ انظر تفسير الآية:٩ ٩ قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. احدها: أنهانزلت في كفار مكة، سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب، استهزاء منهم بذلك، قاله ابن عباس. والثاني: في مشركي العرب، قاله قتادة. والثالث: في النضر بن الحارث حين قال: اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك، قاله مقاتل. وفي السيئة والحسنة قولان. احدهما: بالعذاب قبل العافية، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: بالشر قبل الخير، قاله قتادة. فأما {ٱلْمَثُلَـٰتُ} فقرأ الجمهور بفتح الميم. وقرأ عثمان، وأبو رزين، وأبو مجلز، وسعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، وابن أبي عبلة برفع الميم. ثم في معناها قولان. احدهما: أنها العقوبات، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: المعنى: قد تقدم. احدها: أن المراد بالهادي: اللّه عز وجل، رواه العوفي عنب ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، والنخعي، فيكون المعنى: إنما إليك الإنذار، واللّه الهادي. والثاني: أن الهادي: الداعي، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: أن الهادي: النبي صلى اللّه عليه وسلم، قاله الحسن، وعطاء، وقتادة، وابن زيد، فالمعنى: ولكل قوم نبي ينذرهم. والرابع: أن الهادي: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيضا، قاله عكرمة، وأبو الضحى، والمعنى: أنت منذر، وأنت هاد. والخامس: أن الهادي: العمل، قاله أبو العالية. والسادس: أن الهادي: القائد إلى الخير أو إلى الشر قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقد روى المفسرون من طرق ليس فيها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:لمانزلت هذه الآية، وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده على صدره، فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: «أنت الهادي يا علي بك يهتدى من بعدي» قال المصنف: وهذا من موضوعات الرافضة. ثم إن اللّه تعالى أخبرهم عن قدرته، ردا على منكري البعث، فقال: {ٱللّه يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ} أي: من علقة أو مضغة، أو زائد أو ناقص، أو ذكر أو أنثى، أو واحد أو اثنين أو أكثر، {وَمَا تَغِيضُ ٱلاْرْحَامُ} أي: وما تنقص، {وَمَا تَزْدَادُ} وفيه أربعة أقوال. احدها: ما تغيض: بالوضع لأقل من تسعة أشهر، وما تزداد: بالوضع لأكثر من تسعة أشهر، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك، ومقاتل، وابن قتيبة، والزجاج. والثاني: وما تغيض: بالسقط الناقص، وما تزداد: بالولد التام، رواه العوفي عن ابن عباس، وعن الحسن كالقولين. والثالث: وما تغيض: بإراقة الدم في الحمل حتى يتضاءل الولد، وما تزداد: إذا أمسكت الدم فيعظم الولد، قاله مجاهد. والرابع: ما تغيض الأرحام: من ولدته من قبل، وما تزداد: من تلده من بعد، روي عن قتادة، والسدي. قوله تعالى: {وَكُلُّ شَىْء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} أي: بقدر. قال أبو عبيدة: هو مفعال من القدر. قال ابن عباس: علم كل شيء فقدره تقديرا. قوله تعالى: {عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ} قد شرحنا ذلك في {ٱلاْنْعَـٰمِ}. و {ٱلْكَبِيرُ} بمعنى: العظيم. ومعناه: يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو، فهو أكبر من كل كبير، لأن كل كبير يصغر بالإضافة إلى عظمته. ويقال: «الكبير» الذي كبر عن مشابهة المخلوقين.فأما {ٱلْمُتَعَالِ} فقرأ ابن كثير «المتعالي» بياء في الوصل والوقف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، واثبتها في الوقف دون الوصل ابن شنبوذ عن قنبل، والباقون بغير ياء في الحالين. والمتعالي هو المتنزه عن صفات المخلوقين، قال الخطابي: وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه. وروي عن الحسن أنه قال: المتعالي عما يقول المشركون. ١٠ قوله تعالى: {سَوَاء مّنْكُمْ} قال ابن الأنباري: ناب «سواء» عن مستو، والمعنى: مستو منكم {مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ} أي: أخفاه وكتمه {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} أعلنه وأظهره، والمعنى: أن السر والجهر سواء عنده. قوله تعالى: {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ} فيه قولان. احدهما: أن المستخفي: هو المستتر المتواري في ظلمة الليل، والسارب بالنهار: الظاهر المتصرف في حوائجة. يقال: سربت الإبل تسرب: إذا مضت في الأرض ظاهرة، وأنشدوا: أرى كل قوم قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب أي: ذاهب. ومعنى الكلام: أن الظاهر والخفي عنده سواء، هذا قول الأكثرين. وروى العوفي عن ابن عباس: «ومن هو مستخف» قال: صاحب ريبة بالليل، فإذا خرج بالنهار، أرى الناس أنه بريء من الإثم. والثاني: أن المستخفي بالليل: الظاهر، والسارب بالنهار: المستتر، يقال: انسرب الوحش: إذا دخل في كناسه، وهذا قول الأخفش، وذكره قطرب أيضا، واحتج له ابن جرير بقولهم: خفيت الشيء: إذا أظهرته، ومنه {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: ١٥] بفتح الألف، أي: أظهرها، قال: وإنما قيل للمتوارى: سارب، لأنه صار في السرب مستخفيا. ١١ قوله تعالى: {لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ} في هاء «له» أربعة أقوال. احدها: أنها ترجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس. والثاني: إلى الملك من ملوك الدنيا، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثالث: إلى الإنسان، قاله الزجاج. والرابع: إلى اللّه تعالى، ذكره ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي. وفي المعقبات قولان. احدهما: أنها الملائكة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والحسن، وقتادة في آخرين. قال الزجاج: والمعنى: للإنسان ملائكة يعتقبون، يأتي بعضهم بعقب بعض. وقال أكثر المفسرين: هم الحفظة، اثنان بالنهار واثنان بالليل، إذا مضى فريق، خلف بعده فريق، ويجتمعون عند صلاة المغرب والفجر. وقال قوم، منهم ابن زيد: هذه الآية خاصة في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عزم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على قتله، فمنعه اللّه منهما، وأنزل هذه الآية.والقول الثاني: أن المعقبات حراس الملوك الذين يتعاقبون الحرس، وهذا مروي عن ابن عباس، وعكرمة. وقال الضحاك: هم السلاطين المشركون المحترسون من اللّه تعالى. وفي قوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللّه} سبعة أقوال. احدها: يحرسونه من أمر اللّه ولا يقدرون، هذا على قول من قال: هي في المشركين المحترسين من أمر اللّه. والثاني: أن المعنى: حفظهم له من أمر اللّه، قاله ابن عباس، وابن جبير، فيكون تقدير الكلام: هذا الحفظ مما أمرهم اللّه به. والثالث: يحفطونه بأمر اللّه، قاله الحسن، ومجاهد، وعكرمة. قال اللغويون: والباء تقوم مقام «من» وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. والرابع: يحفظونه من الجن، قاله مجاهد، والنخعي. وقال كعب: لولا أن اللّه تعالى وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم، إذا لتخطفتكم الجن. وقال مجاهد: ما من عبد إلا وملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن. والإنس والهوام، فإذا أراده شيء، قال: وراءك وراءك، إلا شيء قد قضي له أن يصيبه.وقال أبو مجلز: جاء رجل من مراد إلى علي عليه السلام فقال: احترس، فإن ناسا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. والخامس: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، والمعنى: له معقبات من أمر اللّه يحفظونه، قاله أبو صالح، والفراء. والسادس: يحفظونه لأمر اللّه فيه حتى يسلموه إلى ما قدر له، ذكره أبو سليمان الدمشقي، واستدل بما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: يحفظونه من أمر اللّه، حتى إذا جاء القدر خلوا عنه. وقال عكرمة: يحفظونه لأمر اللّه . والسابع: يحفظون عليه الحسنات والسيئات، قاله ابن جريج. قال الأخفش: وإنما أنث المعقبات لكثرة ذلك منها، نحو النسابة، والعلامة، ثم ذكر في قوله: «يحفظونه» لأن المعنى مذكر. قوله تعالى: {إِنَّ اللّه لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} أي: لايسلبهم نعمه {حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} فيعملوا بمعاصيه. قال مقاتل: ويعني بذلك كفار مكة. قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوءا} فيه قولان. احدهما: أنه العذاب. والثاني: البلاء. قوله تعالى: {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} أي: لا يرده شيء ولا تنفعه المعقبات. {وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ} يعني: من دون اللّه {مِن وَالٍ} أي: من ولي يدفع عنهم العذاب والبلاء. ١٢ قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} فيه أربعة أقوال. احدها: خوفا للمسافر وطمعا للمقيم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال قتادة: فالمسافر خاف أذاه ومشقته والمقيم يرجو منفعته. والثاني: خوفا من الصواعق وطمعا في الغيث، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن. والثالث: خوفا للبلد الذي يخاف ضرر المطر وطمعا لمن يرجو الانتفاع به، ذكره الزجاج. والرابع: خوفا من العقاب وطمعا في الثواب، ذكره الماوردي. وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد يقول: إن هذا وعيد شديد لأهل الأرض. قوله تعالى: {وَيُنْشِىء ٱلسَّحَابَ ٱلثّقَالَ} أي: ويخلق السحاب الثقال بالماء. قال الفراء: السحاب، وإن كان لفظه واحدا، فإنه جمع واحدته سحابة، جعل نعته على الجمع، كما قال: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} [الرحمن ٧٦] ولم يقل: أخضر، ولا حسن. ١٣ قوله تعالى: {وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} فيه قولان. احدهما: أنه إسم الملك الذي يزجر السحاب، وصوته: تسبيحه، قاله مقاتل. والثاني: أنه الصوت المسموع. وإنما خص الرعد بالتسبيح، لأنه من أعظم الأصوات. قال ابن الأنباري: وإخباره عن الصوت بالتسبيح مجاز، كما يقول القائل: قد غمني كلامك. قوله تعالى: {وَٱلْمَلْـٰئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} في هاء الكناية قولان. احدهما: أنها ترجع إلى اللّه عز وجل، وهو الأظهر. قال ابن عباس: يخافون اللّه، وليس كخوف ابن آدم، لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره، ولا يشغله عن عبادة اللّه شيء. والثاني: أنها ترجع إلى الرعد، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. احدها: أنها نزلت في أربد بن قيس، وعامر ابن الطفيل، أتيا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريدان الفتك به، فقال: «اللّهم اكفنيهما بما شئت» فأما أربد فأرسل اللّه عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وأما عامر فأصابته غدة فهلك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، هذا قول الأكثرين، منهم ابن جريج، وأربد هو أخو لبيد بن ربيعة لأمه. والثاني: أنها نزلت في رجل جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: حدثني يا محمد عن إلهك، أياقوت هو؟ أذهب هو؟ فنزلت على السائل صاعقة فأحرقته، ونزلت هذه الآية، قاله علي عليه السلام. قال مجاهد: وكان يهوديا. وقال أنس بن مالك: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بعض فراعنة العرب يدعوه إلى اللّه تعالى فقال للرسول: وما اللّه، أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من نحاس؟ فرجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال: «ارجع إليه فادعه»، فرجع، فأعاد عليه الكلام، إلى أن رجع إليه ثالثة، فبينما هما يتراجعان الكلام، إذ بعث اللّه سحابة حيال رأسه، فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف راسه، ونزلت هذه الآية. والثالث: أنها في رجل أنكر القرآن وكذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأرسل اللّه عليه صاعقة فأهلكته، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة. قوله تعالى: {وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللّه} فيه قولان. احدهما: يكذبون بعظمة اللّه، قاله ابن عباس. والثاني: يخاصمون في اللّه، حيث قال قائلهم: أهو من ذهب، أم من فضة؟ على ما تقدم بيانه. قوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ} فيه خمسة أقوال. احدها: شديد الأخذ، قاله علي عليه السلام. والثاني: شديد المكر، شديد العداوة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: شديد العقوبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وقال مجاهد في رواية عنه: شديد الانتقام. وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة والمكر والنكال، وأنشد للأعشى: فرع نبع يهتز في غصن المجد غزير الندى شديد المحال إن يعاقب يكن غراما وإن يغط جزيلا فإنه لا يبالي وقال ابن قتيبة:شديد المكر واليد، وأصل المحال: الحيلة. والرابع: شديد القوة، قاله مجاهد. قال الزجاج: يقال ما حلته محالا: إذا قاويته حتى تبين له أيكما الأشد، والمحل في اللغة: الشدة. والخامس: شديدالحقد، قاله الحسن البصري فيما سمعناه عنه مسندا من طرق، وقد رواه عنه جماعة من المفسرين منهم ابن الأنباري، والنقاش، ولا يجوز هذا في صفات اللّه تعالى. قال النقاش: هذا قول منكر عند أهل الخبر والنظر في اللغة لا يجوز أن تكون هذه صفة من صفات اللّه عز وجل. والذي أختاره في هذا ما قاله علي عليه السلام: شديد الأخذ، يعني: أنه إذا أخذ الكافر والظالم لم يفلته من عقوباته. ١٤ قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ} فيه قولان. احدهما: أنها كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا اللّه، قاله علي، وابن عباس، والجمهور، فالمعنى: له من خلقه الدعوة الحق، فأضيفت الدعوة إلى الحق، لاختلاف اللفظين. والثاني: أن اللّه عز وجل هو الحق، فمن دعاه دعا الحق، قاله الحسن. قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني: الأصنام يدعونها آلهة. قال أبو عبيدة: المعنى: والذين يدعون غيره من دونه. قوله تعالى: {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم} أي: لا يجيبونهم. قوله تعالى: {إِلاَّ كَبَـٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاء} فيه خمسة أقوال. احدها: أنه العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه، قاله علي عليه السلام، وعطاء. والثاني: أنه الرجل العطشان قد وضع كفيه في الماء وهو لا يرفعهما، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: أنه العطشان يرى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع: أنه الرجل يدعو الماءبلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا، قاله مجاهد. والخامس: أنه الباسط كفيه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه، لا يتم له ذلك، والعرب: تقول من طلب مالا يجد فهو القابض على الماء، وأنشدوا: وإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله أي: لم تحمله، والوسق: الحمل، وقال آخر: فأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد هذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة. قوله تعالى: {وَمَا دُعَاء ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ} فيه قولان. احدهما: وما دعاء الكافرين ربهم إلى في ضلال، لأن أصواتهم محجوبة عن اللّه، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: وما عبادة الكافرين الأصنام إلا في خسران وباطل، قاله مقاتل. ١٥ قوله تعالى: {وَللّه يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ} أي: من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين {طَوْعًا وَكَرْهًا}. وفي معنى سجود الساجدين كرها ثلاثة اقوال. احدها: أنه سجود من دخل في الإسلام بالسيف، قاله ابن زيد. والثاني أنه سجود ظل الكافر، قاله مقاتل. والثالث: أن سجود الكاره تذللّه وانقياده لما يريده اللّه منه من عافية ومرض وغنى وفقر. قوله تعالى: {وَظِلَـٰلُهُم} أي: وتسجد ظلال الساجدين طوعا وكرها، وسجودها: تمايلها من جانب إلى جانب، وانقيادها للتسخير بالطول والقصر. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: الظل ما كان بالغدوات قبل انبساط الشمس، والفيء ما كان بعد انصراف الشمس، وإنما سمى فيئا، لأنه فاء، أي: رجع إلى الحال التي كان عليها قبل ان تنبسط الشمس، وما كان سوى ذلك فهو ظل، نحو ظل الإنسان، وظل الجدار، وظل الثوب، وظل الشجرة، قال حميد ابن ثور: فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق وقال لبيد: بينما الظل ظليل مونق طلعت شمس عليه فأضمحل وقال آخر: أيا أثلات القاع من بطن توضح حنيني إلى أظلالكن طويل وقيل: إن الكافر يسجد لغير اللّه، وظله يسجد اللّه. وقد شرحنا معنى الغدو والآصال في {ٱلاْعْرَافِ} ١٦ قوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قُلِ ٱللّه} إنما جاء السؤال والجواب من جهة، لأن المشركين لا ينكرون أن اللّه خالق كل شيء، فلما لم ينكروا، كان كأنهم أجابوا. ثم ألزمهم الحجة بقوله: {قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} يعني: الأصنام توليتموهم فعبدتموهم وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فكيف لغيرهم؟ٰ ثم ضرب مثلا للذي يعبد الأصنام والذي يعبد اللّه بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلاْعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ} يعني المشرك والمؤمن {أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ} وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، عن عاصم: «تستوي» بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وابو بكر عن عاصم: «يستوي» بالياء. قال أبو علي: التأنيث حسن، لأنه فعل مؤنث، والتذكير سائغ، لأنه تأنيث غير حقيقي. ويعني الظلمات والنور: الشرك والإيمان. {أَمْ جَعَلُواْ ٱللّه شُرَكَاء} قال ابن الأنباري: معناه: أجعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه خلق اللّه بخلق هؤلاء؟ وهذا استفهام إنكار، والمعنى: ليس الأمر على هذا، بل إذا فكروا علموا أن اللّه هو المنفرد بالخلق، وغيره لا يخلق شيئا. قوله تعالى: {قُلِ ٱللّه خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء} قال الزجاج: قل ذلك وبينه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء، وقد ذكرنا في {يُوسُفَ} معنى الواحد القهار. ١٧ انظر تفسير الآية:١٨ ١٨ قوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء} يعني: المطر {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} وهي جمع واد، وهو كل منفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر فيسيل {بِقَدَرِهَا} أي: بمبلغ ما تحمل، فإن صغر الوادي، قل الماء، وإن هو اتسع، كثر. وقرأ الحسن، وابن جبير، وابو العالية، وايوب، وابن يعمر، وأبو حاتم عن يعقوب: «بقدرها» باسكان الدال. وقوله: «فسالت» أودية توسع في الكلام، والمعنى: سالت مياهها، فحذف المضاف، وكذلك قوله: «بقدرها» أي: بقدر مياهها. فاحتمل السيل زبدا رابيا أي عاليا فوق الماء فهذا مثل ضربه اللّه عز وجل ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «توقدون عليه» بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بالياء. قال أبو علي: من قرأ بالتاء، فلما قبله من الخطاب، وهو قوله: «أفاتخذتم»، ويجوز أن يكون خطابا عاما للكافة، ومن قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة قد تقدم في قوله:«أم جعلوا للّه شركاء ويعني بقوله» {وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ} ما يدخل إلى النار فيذاب من الجواهر {ٱبْتِغَاء حِلْيَةٍ} يعني: الذهب والفضة {أَوْ مَتَـٰعٍ} يعني: الحديد والصفر والنحاس والرصاص تتخذ منه الأواني والأشياء التي ينتفع بها، {زَبَدٌ مّثْلُهُ} أي: له زبد إذا أذيب مثل زبد السيل، فهذا مثل آخر. وفيما ضرب له هذان المثلان ثلاثة أقوال. احدها: أنه القرآن، شبه نزوله من السماء بالماء، وشبه قلوب العباد بالأودية تحمل منه على قدر اليقين والشك، والعقل والجهل، فيستكن فيها، فينتفع المؤمن بما في قلبه كانتفاع الأرض التي يستقر فيها المطر، ولا ينتفع الكافر بالقرآن لمكان شكه وكفره، فيكون ما حصل عنده من القرآن كالزبد وكخبث الحديد لا ينتفع به. والثاني: أنه الحق والباطل، فالحق شبه بالماء الباقي الصافي، والباطل مشبه بالزبد الذاهب، فهو وإن علا على الماء فإنه سيمحق، كذلك الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال، فإن اللّه سيبطله. والثالث: أنه مثل ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فمثل المؤمن واعتقاده وعمله كالماء المنتفع به، ومثل الكافر واعتقاده وعمله كالزبد. قوله تعالى: {كَذٰلِكَ} أي: كما ذكر هذا، يضرب اللّه مثل الحق والباطل. وقال أبو عبيدة: كذلك يمثل اللّه الحق ويمثل الباطل. فأما الجفاء، فقال ابن قتيبة: هو ما رمى به الوادي إلى جنباته، يقال: أجفأت القدر بزبدها: إذا ألقته عنها. قال ابن فارس: الجفاء: ما نفاه السيل، ومنه اشتقاق الجفاء. وقال ابن الأنباري: «جفاء» أي: باليا متفرقا. قال ابن عباس: إذا مس الزبد لم يكن شيئا. قوله تعالى: {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ} من الماء والجواهر التي زال زبدها {فَيَمْكُثُ فِى ٱلاْرْضِ} فينتفع به {كَذٰلِكَ} يبقى الحق لأهله. قوله تعالى: {لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ} يعني: المؤمنين، {وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ} يعني: الكفار. قال أبو عبيدة: استجبت لك واستجبتك سواء، وهو بمعنى: أجبت. وفي الحسنى ثلاثة اقوال. احدها: أنها الجنة، قاله ابن عباس، والجمهور. والثاني: أنها الحياة والرزق، قاله مجاهد. والثالث: كل خير من الجنة فما دونها، قاله أبو عبيدة. قوله تعالى: {لا تُحَرّكْ بِهِ} اي: لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب، ولا يقبل منهم. وفي سوء الحساب ثلاثة أقوال. احدها: أنها المناقشة بالأعمال، رواه ابو الجوزاء عن ابن عباس. وقال النخعي: هو أن يحاسب بذنبه كله، فلا يغفر له منه شيء. والثاني: أن لا تقبل منهم حسنة، ولا يتجاوز لهم عن سيئة. والثالث: أنه التوبيخ والتقريع عند الحساب. ١٩ قوله تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا} قال ابن عباس: نزلت في حمزة، وأبي جهل. {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} أي: إنما يتعظ ذوو العقول. والتذكر: الاتعاظ. ٢٠ انظر تفسير الآية:٢١ ٢١ قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللّه} في هذا العهد قولان. احدهما: أنه ما عاهدهم عليه حين استخرجهم من ظهر آدم. والثاني: ما أمرهم به وفرضه عليهم. وفي الذي أمر اللّه به، عز وجل، أن يوصل، ثلاثة أقوال قد نسبناها إلى قائلها في أول سورة {البقرة: ٧٢}، وقد ذكرنا سوء الحساب آنفا. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٤ ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٤ ٢٤ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} أي: على ما أمروا به {ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِمْ} أي: طلبا لرضاه {وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ} أتموها {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الأموال في طاعة اللّه. قال ابن عباس: يريد بالصلاة: الصلوات الخمس، وبالإنفاق: الزكاة. قوله تعالى: {ويدرؤون} أي: يدفعون {وَيَدْرَءونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ}. وفي المراد بهما خمسة أقوال. احدها: يدفعون بالعمل الصالح الشر من العمل، قاله ابن عباس. وفي الثاني: يدفعون بالمعروف المنكر، قاله سعيد بن جبير. والثالث: بالعفو الظلم، قاله جويبر. والرابع: بالحلم السفه، كأنهم إذا سفه عليهم حلموا، قاله ابن قتيبة. والخامس: بالتوبة الذنب، قاله ابن كيسان. قوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ} قال ابن عباس: يريد: عقباهم الجنة، أي: تصير الجنة آخر أمرهم. قوله تعالى: {وَمَنْ صَلَحَ} وقرأ ابن أبي عبلة: «صلح» بضم اللام. ومعنى «صلح» آمن، وذلك أن اللّه تعالى ألحق المؤمن أهله المؤمنين إكراما له، لتقر عينه بهم. {وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} قال ابن عباس: بالتحية من اللّه والتحفة والهدايا. قوله تعالى: {سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ} قال الزجاج: أضمر القول هاهنا، لأن في الكلام دليلا عليه. وفي هذا السلام قولان. احدهما: أنه التحية المعروفة، يدخل الملك فيسلم وينصرف. قال ابن الأنباري: وفي قول المسلم: سلام عليكم، قولان. احدهما: أن السلام: اللّه عز وجل، والمعنى: اللّه عليكم، أي: على حفظكم. والثاني: أن المعنى: السلامة عليكم، فالسلام جمع سلامة. والثاني: أن معناه: إنما سلمكم اللّه تعالى من أهوال القيامة وشرها بصبركم في الدنيا. ٢٥ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللّه} قد سبق تفسيره في سورة {البقرة: ٧٢}. وقال مقاتل: نزلت في كفار أهل الكتاب. قوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ} أي: عليهم. ٢٦ قوله تعالى: {ٱللّه يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} أي: يوسع على من يشاء {وَيَقْدِرُ} أي: يضيق. {وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} قال ابن عباس: يريد مشركي مكة، فرحوا بما نالوا من الدنيا فطغوا وكذبوا الرسل. قوله تعالى: {وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلاْخِرَةِ} أي: بالقياس إليها {إِلاَّ مَتَـٰعٌ} أي: كالشيء الذي يتمتع به، ثم يفنى. ٢٧ قوله تعالى: {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} نزلت في مشركي مكة حين طلبوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مثل آيات الأنبياء. {قُلْ إِنَّ ٱللّه يُضِلُّ مَن يَشَاء} أي: يرده عن الهدى كما ردكم بعدما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها، {وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي: رجع إلى الحق، وإنما يرجع إلى الحق من شاء اللّه رجوعه، فكأنه قال: ويهدي من يشاء. ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} هذا بلد من قوله: {أَنَابَ}، والمعنى: يهدي الذين آمنوا، {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللّه} في هذا الذكر قولان. احدهما: أنه القرآن. والثاني: ذكر اللّه على الإطلاق. وفي معنى هذه الطمأنينة قولان. احدهما: أنها الحب له والأنس به. والثاني: السكون إليه من غير شك، بخلاف الذين إذا ذكر اللّه اشمأزت قلوبهم. قوله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ ٱللّه} قال الزجاج: «ألا» حرف تنبيه وابتداء، والمعنى: تطمئن القلوب التي هي قلوب المؤمنين، لأن الكافر غير مطمئن القلب. قوله تعالى: {طُوبَىٰ لَهُمْ} فيه ثمانية أقوال. احدها: أنه اسم شجرة في الجنة. روى أبو سعيد الخدري «عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن رجلا قال: يا رسول اللّه، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» وقال أبو هريرة طوبى شجرة في الجنة، يقول اللّه عز وجل لها تفتقي لعبدي عما شاء، فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها، وعن الإبل بأزمتها: وعما شاء من الكسوة. وقال شهر بن حوشب: طوبى: شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها أغصانها، من وراء سور الجنة، وهذا مذهب عطية، وشمر بن عطية، ومغيث بن سمي، وأبي صالح. والثاني: أنه اسم الجنة بالحبشية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور عن سعيد بن مسجوح قال: طوبى: اسم الجنة بالهندية، وممن ذهب إلى أنه اسم الجنة عكرمة، وعن مجاهد كالقولين. والثالث: أن معنى طوبى لهم: فرح وقرة عين لهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع: أن معناه: نعمى لهم، قاله عكرمة في رواية، وفي رواية أخرى عنه: نعم مالهم. والخامس: غبطة لهم، قاله سعيد بن جبير، والضحاك. والسادس: أن معناه: خير لهم، قاله النخعي في رواية، وفي أخرى عنه قال: الخير والكرامة اللذان أعطاهم اللّه. وروى معمر عن قتادة قال: يقول الرجل للرجل: طوبى لك، أي: أصبت خيرا، وهي كلمة عربية. والسابع: حسنى لهم، رواه سعيد عن قتادة عن الحسن. والثامن: أن المعنى: العيش الطيب لهم. «و طوبى» عند النحويين: فعلى من الطيب، هذا قول الزجاج. وقال ابن الأنباري: تأويلها: الحال المستطابة، والخلة المستلذة، وأصلها: «طيبى» فصارت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها كما صارت في «موقن» والأصل فيه «ميقن» لأنه مأخوذ من اليقين، فغلبت الضمة فيه الياء فجعلتها واوا. قوله تعالى: {وَحُسْنُ مَـئَابٍ} المآب: المرجع والمنقلب. ٣٠ قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ} أي: كما أرسنا الأنبياء قبلك. قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ} في سبب نزولها ثلاثة أقوال. احدها: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما قال لكفار قريش: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ فنزلت هذه الآية، وقيل لهم: إن الرحمن الذي أنكرتم هو ربي، هذا قول الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنهم لما أرادوا كتاب الصلح يوم الحديبية، كتب علي عليه السلام: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل. والثالث: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يوما في الحجر يدعو، وأبو جهل يستمع إليه وهو يقول: يا رحمن، فولى مدبرا إلى المشركين فقال: إن محمدا كان ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهينٰ فنزلت هذه الآية، ذكره علي بن احمد النيسابوري. قوله تعالى: {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} قال أبو عبيدة: هو مصدر تبت إليه. ٣١ قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ} سبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكة بالقرآن، وسرت جبالها فاحترثناها، وأحييت من مات منا، فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال الزبير بن العوام: قالت قريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ادع اللّه أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا فنزرع، أو يحيى لنا موتانا فنكلمهم، أو يصير هذه الصخرة ذهبا فتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فقد كان للأنبياء آيات، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِٱلاْيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلاْوَّلُونَ} [الاسراء:٩٥] ومعنى قوله: {أَوْ قُطّعَتْ بِهِ ٱلاْرْضُ} أي: شققت فجعلت أنهارا، {أَوْ كُلّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ} أي: أحيوا حتى كلموا. واختلفوا في جواب «لو» على قولين. احدهما: أنه محذوف. وفي تقدير الكلام قولان. احدهما: أن تقديره: لكان هذا القرآن، ذكره الفراء، وابن قتيبة. قال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم. لفعل بقرآنكم. والثاني: أن تقديره: لو كان هذا كله لما آمنوا. ودليله قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ} إلى آخر الآية [الأنعام: ١١١] قاله الزجاج. والثاني: أن جواب «لو» مقدم، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم ما سالوا، ذكره الفراء أيضا. قوله تعالى: {بَل للّه ٱلاْمْرُ جَمِيعًا} أي: لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذا لم يشأ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات. ثم أكد ذلك بقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ} وفيه أربعة أقوال. احدها: أفلم يتبين، رواه العوفي عن ابن عباس، وروى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك، ويقول: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس،وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وأبي مالك، ومقاتل. والثاني: أفلم يعلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد. وقال ابن قتيبة: ويقال: هي لغة للنخع «ييأس» بمعنى «يعلم» قال الشاعر: أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم وإنما وقع اليأس في مكان العلم، لأن في علمك الشيء وتيقنك به يأسك من غيره. والثالث: أن المعنى: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا واحدا، ولو شاء اللّه لهدى الناس جميعا، قاله أبو العالية. والرابع: أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي. وقال الزجاج: المعنى عندي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم اللّه بأنهم لا يؤمنون، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعا. قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} فيهم قولان. احدهما: أنهم جميع الكفار، قاله ابن السائب. والثاني: كفار مكة، قاله مقاتل. فأما القارعة، فقال الزجاج: هي في اللغة: النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم. وفي المراد بها هاهنا قولان. احدهما: أنها عذاب من السماء، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: السرايا والطلائع التي كان ينفذها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله عكرمة. وفي قوله: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ} قولان. احدهما: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فالمعنى: أو تحل أنت يا محمد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة. والثاني: أنها القارعة، قاله الحسن. وفي قوله: {حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللّه} قولان. احدهما: فتح مكة، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: القيامة، قاله الحسن. ٣٢ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ٣٣ قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} يعني: نفسه عز وجل. ومعنى القيام هاهنا: التولي لأمور خلقه، والتدبير لأرزاقهم وآجالهم، وإحصاء أعمالهم للجزاء، والمعنى: أفمن هو مجازي كل نفس بما كسبت، يثيبها إذا أحسنت، ويأخذها بما جنت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام؟ قال الفراء: فترك جوابه، لأن المعنى معلوم، وقد بينه بعد هذا بقوله: {وَجَعَلُواْ للّه شُرَكَاء} كأنه قيل: كشركائهم. قوله تعالى: {قُلْ سَمُّوهُمْ} أي: بما يستحقونه من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء للّه كما يسمى اللّه بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، ولو سموهم بشيء من هذا لكذبوا. قوله تعالى: {أَمْ تُنَبّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلاْرْضِ} هذا استفهام منقطع مما قبله، والمعنى: فإن سموهم بصفات اللّه، فقل لهم: أتنبئونه، أي: أتخبرونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلم لنفسه شريكا، ولو كان لعلمه. قوله تعالى: {أَم بِظَـٰهِرٍ مّنَ ٱلْقَوْلِ} فيه ثلاثة أقوال. احدهما: أم بظن من القول، قاله مجاهد. والثاني: بباطل، قاله قتادة. والثالث: بكلام لا أصل له ولا حقيقة. قوله تعالى: {بَلْ زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} قال ابن عباس: زين لهم الشيطان الكفر. قوله تعالى: {وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «وصدوا» بفتح الصاد، ومثله في {حـم ٱلْمُؤْمِنُ} [غافر ٣٧] وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «وصدوا» بالضم فيهما. فمن فتح، أراد: صدوا المسلمين، إما عن الإيمان، أو عن البيت الحرام. ومن ضم، أراد صدهم اللّه عن سبيل الهدى. ٣٤ قوله تعالى: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} وهو القتل، والأسر، والسقم، فهو لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمنين كفارة، {وَلَعَذَابُ ٱلاْخِرَةِ أَشَقُّ} أي: أشد {وَمَا لَهُم مّنَ ٱللّه مِن وَاقٍ} أي: مانع يقيهم عذابه. ٣٥ قوله تعالى: {مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ} أي: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها، هذا قول الجمهور، وقال ثعلب: خبر المثل مضمر قبله، والمعنى: فيما نصف لكم مثل الجنة، وفيما نقصه عليكم خبر الجنة {أُكُلُهَا دَائِمٌ} قال الحسن: يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا {وِظِلُّهَا} لأنه لا يزول ولا تنسخه الشمس. قوله تعالى: {تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ} أي: عاقبة أمرهم المصير إليها. ٣٦ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنهم مسلمو اليهود، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: هم عبد اللّه بن سلام وأصحابه. والثاني: أنهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاله قتادة. والثالث: مؤمنو أهل الكتابين من اليهود والنصارى، ذكره الماوردي. والذي أنزل إليه: القرآن، فرح به المسلمون وصدقوه، وفرح به مؤمنو أهل الكتاب، لأنه صدق ما عندهم. وقيل: إن عبد اللّه بن سلام ومن آمن معه من أهل الكتاب، ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة، فلما نزل ذكره فرحوا، وكفر المشركون به، فنزلت هذه الآية. فأما الأحزاب، فهم الكفار الذين تحزبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمعاداة، وفيهم أربعة أقوال. احدها: أنهم اليهود والنصارى، قاله قتادة. والثاني: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله ابن زيد. والثالث: بنو أمية وبنو المغيرة وآل أبي طلحة بن عبد العزى، قاله مقاتل. والرابع: كفار قريش، ذكره الماوردي. وفي بعضه الذي أنكروه ثلاثة أقوال. احدها: أنه ذكر الرحمن والبعث ومحمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله مقاتل. والثاني: أنهم عرفوا بعثة الرسول في كتبهم وأنكروا نبوته. والثالث: أنهم عرفوا صدقه وأنكروا تصديقه، ذكرهما الماوردي. ٣٧ قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ} أي: وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلغاتهم أنزلنا عليك القرآن {حُكْمًا عَرَبِيّا} قال ابن عباس: يريد ما فيه من الفرائض. وقال أبو عبيدة: دينا عربيا. قوله تعالى: {وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم} فيه قولان. احدهما: في صلاتك إلى بيت المقدس {بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ} أن قبلتك الكعبة، قاله ابن السائب. والثاني: في قبول ما دعوك إليه من ملة آبائك، قاله مقاتل. قوله تعالى: {مَـٰلِكَ مِنَ ٱللّه مِن وَلِيّ} أي: مالك من عذاب اللّه من قريب ينفعك {وَلاَ وَاقٍ} يقيك. ٣٨ قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ} الآية، سبب نزولها أن اليهود عيروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بكثرة التزويج، وقالوا: لو كان نبيا كما يزعم، شغلته النبوة عن تزويج النساء، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. ومعنى الآية: أن الرسل قبلك كانوا بشرا لهم أزواج، يعني النساء، وذرية، يعني: الأولاد. {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللّه} أي: بأمره، وهذا جواب للذين اقترحوا عليه الآيات. قوله تعالى: {لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: لكل أجل من آجال الخلق كتاب عند اللّه، قاله الحسن. والثاني: أنه من المقدم والمؤخر، والمعنى: لكل كتاب ينزل من السماء أجل. قاله الضحاك والفراء. والثالث: لكل أجل قدره اللّه عز وجل، ولكل أمر قضاه، كتاب أثبت فيه، ولا تكون آية ولا غيرها إلا بأجل قد قضاه اللّه في كتاب، هذا معنى قول ابن جرير. ٣٩ قوله تعالى: {يَمْحُو ٱللّه مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: «ويثبت» ساكنة الثاء خفيفة الباء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: «ويثبت» مشددة الباء مفتوحة الثاء. قال أبو علي: المعنى: ويثبته، فاستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني. واختلف المفسرون في المراد بالذي يمحو و يثبت على ثمانية أقوال. أحدهها: أنه عام، في الرزق، والأجل، والسعادة. والشقاوة، وهذا مذهب عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، والضحاك، وابن جريج. والثاني: أنه الناسخ والمنسوخ، فيمحو المنسوخ، ويثبت الناسخ، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والقرظي، وابن زيد. وقال ابن قتيبة: «يمحو اللّه ما يشاء» أي: ينسخ من القرآن ما يشاء «ويثبت» أي: يدعه ثابتا لا ينسخه، وهو المحكم. والثالث: أنه يمحو ما يشاء، ويثبت، إلا الشقاوة والسعادة، والحياة والموت، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، ودليل هذا القول، ما روى مسلم في «صحيحه» من حديث حذيفة بن أسيد قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «إذامضت على النطفة خمس وأربعون ليلة، يقول الملك الموكل: أذكر أم أنثى؟ فيقضي اللّه تعالى، ويكتب الملك، فيقول: أشقى، أم سعيد؟ فيقضي اللّه، ويكتب الملك، فيقول: عمله وأجله؟ فيقضي اللّه، ويكتب الملك، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها» والرابع: يمحو ما يشاء ويثبت، إلا الشقاوة والسعادة لا يغيران، قاله مجاهد. والخامس: يمحو من جاء أجله، ويثبت من لم يجىء أجله، قاله الحسن. والسادس: يمحو من ذنوب عباده ما يشاء فيغفرها، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها، روي عن سعيد بن جبير. والسابع: يمحو ما يشاء بالتوبة، ويثبت مكانها حسنات، قاله عكرمة. والثامن: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب، قاله الضحاك، وأبو صالح. وقال ابن السائب: القول كله يكتب، حتى إذا كان في يوم الخميس، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب، مثل قولك: أكلت، شربت، دخلت، خرجت، ونحوه، وهو صادق، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب. قوله تعالى: {وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ} قال الزجاج: أصل الكتاب. قال المفسرون: وهو اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه ما يكون ويحدث وروى أبو الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إن اللّه تعالى في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت». وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هما كتابان، كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب لا يغير منه شيء. ٤٠ قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ} أي: من العذاب وأنت حي أو {نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نريك ذلك، فليس عليك إلا أن تبلغ، {وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ} قال مقاتل: يعني الجزاء. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن قوله: «فإنما عليك» البلاغ نسخ بآية السيف وفرض الجهاد، وبه قال قتادة. ٤١ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلاْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} فيه خمسة أقوال. احدها: أنه ما يفتح اللّه على نبيه من الأرض، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والضحاك. قال مقاتل: «أولم يروا» يعني: كفار مكة «أنا نأتي الأرض» يعني: أرض مكة «ننقصها من أطرافها» يعني: ما حولها. والثاني: أنها القرية تخرب حتى تبقى الأبيات في ناحيتها، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة. والثالث: أنه نقص أهلها وبركتها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال الشعبي: نقص الأنفس والثمرات. والرابع: أنه ذهاب فقهائها وخيار أهلها، رواه عطاء عن ابن عباس. والخامس: أنه موت أهلها، قاله مجاهد، وعطاء، وقتادة. قوله تعالى: {وَٱللّه يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ} قال ابن قتيبة: لا يتقعبه أحد بتغيير ولا نقص. وقد شرحنا معنى سرعة الحساب في سورة [البقرة ٢٠٢]. ٤٢ انظر تفسير الآية:٤٣ ٤٣ قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يعني: كفار الأمم الخالية، مكروا بأنبيائهم يقصدون قتلهم، كمامكرت قريش برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليقتلوه. {فَللّه ٱلْمَكْرُ جَمِيعًا} يعني: أن مكر الماكرين مخلوق له، ولا يضر إلا بإرادته؛ وفي هذا تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتسكين له. {يَعْلَمْ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} من خير وشر، ولا يقع ضرر إلا بإذنه. {وَسَيَعْلَمْ ٱلْكَـٰفِرُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «وسيعلم الكافر» قال ابن عباس: يعني: أبا جهل. وقال الزجاج: الكافر هاهنا: اسم جنس. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «الكفار» على الجمع. قوله تعالى: {لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ} أي: لمن الجنة آخر الأمر. قوله تعالى: {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} فيهم قولان. احدهما: أنهم اليهود والنصارى. والثاني: كفار قريش. {قُلْ كَفَىٰ بِٱللّه شَهِيدًا} اي: شاهدا {بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} بما أظهر من الآيات، وابان من الدلالات على نبوتي. قوله تعالى: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ} فيه سبعة أقوال. احدها: أنهم علماء اليهود والنصارى، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنه عبد اللّه بن سلام، قاله الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وابن زيد، وابن السائب، ومقاتل. والثالث: أنهم قوم من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق، منهم عبد اللّه بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري، قاله قتادة. والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جبير. والخامس: أنه علي بن أبي طالب، قاله ابن الحنفية. والسادس: أنه بنيامين، قاله شمر. والسابع: أنه اللّه تعالى، روي عن الحسن، ومجاهد، واختاره الزجاج واحتج له بقراءة من قرأ: «ومن عنده علم الكتاب» وهي قراءة ابن السميفع، وابن أبي عبلة، ومجاهد، وأبي حيوة. ورواية ابن أبي سريج عن الكسائي: «ومن» بكسر الميم «عنده» بكسر الدال «علم» بضم الميم وكسر اللام وفتح الميم «الكتاب» بالرفع. وقرأ الحسن «ومن» بكسر الميم «عنده» بكسر الدال «علم» بكسر العين وضم الميم «الكتاب» مضاف، كأنه قال: أنزل من علم اللّه عز وجل. |
﴿ ٠ ﴾