ÓõæÑóÉõ ÅöÈúÑóÇåöíãó Úóáóíúåö ÇáÓøóáóÇãõ

ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÇËúäóÊóÇäö æÎóãúÓõæäó ÂíóÉð

سورة إبراهيم عليه السلام

وهي مكية من غير خلاف علمناه بينهم، إلا ما روي عن ابن عباس، وقتاده أنهما قالا: سوى آيتين منها، وهما قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللّه كُفْرًا} والتي بعدها [إبراهيم ٢٨ ٢٩]

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

انظر تفسير الآية:٢

٢

قوله تعالى: {الر} قد سبق بيانه. [يونس: ١]. وقوله:{كِتَابٌ} قال الزجاج: المعنى: هذا كتاب، والكتاب، القرآن.

وفي المراد بالظلمات والنور ثلاثة أقوال.

احدها: أن الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: أن الظلمات: الضلالة، والنور: الهدى، قاله مجاهد وقتادة.

والثالث: أن الظلمات: الشك، والنور: اليقين، ذكره الماوردي.

وفي قوله: {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} ثلاثة أقوال.

احدها: بأمر ربهم، قاله مقاتل.

والثاني: بتوفيق ربهم، قاله أبو سليمان.

والثالث: أنه الإذن نفسه، فالمعنى: بما أذن لك من تعليمهم، قاله الزجاج، قال: ثم بين ما النور، فقال: {إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} قال ابن الأنباري: وهذا مثل قول العرب: جلست إلى زيد، إلى العاقل الفاضل، وإنما تعاد «إلى» بمعنى التعظيم للأمر،

قال الشاعر:

إذا خدرت رجلي تذكرت من لها  فناديت لبني باسمها ودعوت

دعوت التي لو أن نفسي تطيعني  لألقيتها من حبها وقضيت

فأعاد «دعوت» لتفخيم الأمر. قوله تعالى:

{اللّه الذي له ما في السموات} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «الحميد اللّه» على البدل. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبان، والمفضل: «الحميد اللّه» رفعا على الاستئناف، وقد سبق بيان ألفاظ الآية.

٣

انظر تفسير الآية:٦

٤

انظر تفسير الآية:٦

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا} أي: يؤثرونها

{عَلَىٰ ٱلاْخِرَةِ} قال ابن عباس: يأخذون ما تعجل لهم منها تهاونا بأمر الآخرة. قوله تعالى:

{وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ} أي: يمنعون الناس من الدخول في دينه،

{وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} قد شرحناه في [آل عمران ٩٩]. قوله تعالى:

{أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ} أي: في ذهاب عن الحق {بَعِيدٍ} من الصواب. قوله تعالى:

{إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي: بلغتهم. قال ابن الأنباري: ومعنى اللغة عند العرب: الكلام المنطوق به، وهو مأخوذ من قولهم: لما الطائر يلغو: إذا صوت في الغلس. وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، والجحدري: «إلا بلسن قومه» برفع اللام والسين من غير ألف. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران: «بلسن قومه» بكسر اللام وسكون السين من غير ألف.

قوله تعالى: {لِيُبَيّنَ لَهُمُ} أي: الذي أرسل به فيفهمونه عنه. وهذا نزل، لأن قريشا قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية، وهذا عربيٰ قوله تعالى:

{أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} قال الزجاج: «أن» مفسر، والمعنى: قلنا له: أخرج قومك. وقد سبق بيان الظلمات والنور [البقرة ٢٥٧].

وفي قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللّه} ثلاثة أقوال.

احدها: أنها نعم اللّه، رواه أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن قتيبة.

والثاني: أنها وقائع اللّه في الأمم قبلهم، قاله ابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.

والثالث: أنها أيام نعم اللّه عليهم وأيام نقمه ممن كفر من قوم نوح وعاد وثمود، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{إِنَّ فِى ذَلِكَ} يعني: التذكير {لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ} على طاعة اللّه وعن معصيته

{شَكُورٍ} لأنعمه. والصبار: الكثير الصبر، والشكور: الكثير الشكر، وإنما خصه بالآيات، لانتفاعه بها. وما بعد هذا مشروح في سورة [البقرة ٤٩].

٧

انظر تفسير الآية:١٤

٨

انظر تفسير الآية:١٤

٩

انظر تفسير الآية:١٤

١٠

انظر تفسير الآية:١٤

١١

انظر تفسير الآية:١٤

١٢

انظر تفسير الآية:١٤

١٣

انظر تفسير الآية:١٤

١٤

قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} مذكور في [الأعراف ١٦٧].

وفي قوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} ثلاثة اقوال.

احدها: لئن شكرتم نعمي لأزيدنكم من طاعتي، قاله الحسن.

والثاني: لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي، قاله الربيع.

والثالث: لئن وحدتموني لأزيدنكم خيرا في الدنيا، قاله مقاتل.

وفي قوله: {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} قولان.

احدهما:أنه كفر بالتوحيد.

والثاني: كفران النعم. قوله تعالى:

{فَإِنَّ ٱللّه لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ} أي: غني عن خلقه، محمود في أفعاله، لأنه إما متفضل بفعله، أو عادل. قوله تعالى:

{لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللّه} قال ابن الأنباري: أي: لا يحصي عددهم إلا هو، على أن اللّه تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها، فانقطعت أخبارهم، وعفت آثارهم، فليس يعلمهم أحد إلا اللّه . قوله تعالى:

{فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ} فيه سبعة أقوال.

احدها: أنهم عضوا أصابعهم، غيظا قاله ابن مسعود، وابن زيد. وقال ابن تيبة: «في» هاهنا بمعنى: «إلى» ومعنى الكلام: عضوا عليها حنقا وغيظا، كما

قال الشاعر:

يردون في فيه عشر الحسود

يعني: أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر، ونحوه قول الهذلي:

قد افنى أنامله أزمه  فأضحى يعض علي الوظيفا

يقول: قد أكل أصابعه حتى أفناها بالعض، فأضحى يعض علي وظيف بالذارع.

والثاني: أنهم كانوا إذا جاءهم الرسول فقال: إني رسول، قالوا له: اسكت، واشاروا بأصابعهم إلى أفواه أنفسهم، ردا عليه وتكذيبا، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: أنهم لماسمعوا كتاب اللّه، عجوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم، رواه العوفي عن ابن عباس.

والرابع: أنهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل. ردا لقولهم قاله الحسن.

والخامس: أنهم كذبوهم بأفواههم، وردوا عليهم قولهم، قاله مجاهد، وقتادة.

والسادس: أنه مثل، ومعناه: أنهم كفوا عما أمروا بقبوله من الحق، ولم يؤمنوا به. يقال: رد فلان يده إلى فمه، أي: أمسك فلم يجب، قاله أبو عبيدة.

والسابع: ردوا مالوا قبلوه لكان نعما وايادي من اللّه، فتكون الأيدي بمعنى: الأيادي، و«في» بمعنى: الباء، والمعنى: ردوا الأيادي بأفواههم ذكره الفراء، وقال: قد وجدنا من العرب من يجعل «في» موضع الباء، فيقول: أدخلك اللّه بالجنة، يريد: في الجنة،

وأنشدني بعضهم:

وأرغب فيها عن لقيط ورهطه  ولكنني عن سنبس لست أرغب

فقال: ارغب فيها، يعني: بنتا له، يريد: أرغب بها، وسنبس: قبيلة. قوله تعالى:

{وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} اي:على زعمكم أنكم أرسلتم، لا أنهم أقروا بإرسالهم. وباقي الآية قد سبق تفسيره [هود: ٦٢].

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱللّه شَكٌّ} هذا استفهام إنكار، والمعنى، لا شك في اللّه، أي: في توحيده

{يَدْعُوكُمْ} بالرسل والكتب

{لِيَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} قال أبو عبيدة: «من» زائدة، كقوله: {فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ} [الحاقة: ٧٤]، قال أبو ذؤيب:

جزيتك ضعف الحب لما شكوته  وما إن جزاك الضعف من أحد

قبلي أي: أحد. وقوله: {وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو الموت، والمعنى: لا يعاجلكم بالعذاب.

{قَالُواْ} للرسل {إِنْ أَنتُمْ} أي: ما أنتم

{إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} أي: ليس لكم علينا فضل، والسلطان: الحجة. قالت الرسل:

{إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} فاعترفوا لهم بذلك،

{وَلَـٰكِنَّ ٱللّه يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاء} يعنون: بالنبوة والرسالة،

{وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَـٰنٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللّه} أي: ليس ذلك من قبل أنفسنا. قوله تعالى:

{وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} فيه قولان.

احدهما: بين لنا رشدنا.

والثاني: عرفنا طريق التوكل. وإنما قص هذه وأمثاله على نبينا ليقندي بمن قبله في الصبر وليعلم ما جرى لهم. قوله تعالى:

{لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعني: الكافرين بالرسل. وقوله تعالى:

{مّن بَعْدِهِمْ} أي: بعد هلاكهم. {ذٰلِكَ} الإسكان

{لِمَنْ خَافَ مَقَامِى} قال ابن عباس: خاف مقامه بين يدي. قال الفراء: العرب قد تضيف أفعالها إلى أنفسها، وإلى ما أوقعت عليه، فتقول: قد ندمت على ضربي إياك، وندمت على ضربك، فهذا من ذاك، ومثله {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: ٨٢] أي: رزقي إياكم. قوله تعالى:

{وَخَافَ وَعِيدِ} أثبت ياء «وعيدي» في الحالين يعقوب، وتابعه ورش في الوصل.

١٥

انظر تفسير الآية:١٧

١٦

انظر تفسير الآية:١٧

١٧

قوله تعالى: {وَٱسْتَفْتَحُواْ} يعني: استنصروا. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وحميد، وابن محيص: «واستفتحوا» بكسر التاء على الأمر.

وفي المشار إليهم قولان.

احدهما: أنهم الرسل، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.

والثاني: أنهم الكفار، واستفتاحهم: سؤالهم العذاب، كقولهم: {رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا} [ص: ١٦] وقولهم: {إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} الآية [الانفال: ٢٣]، هذا قول ابن زيد. قوله تعالى:

{وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} قال ابن السائب: خسر عند الدعاء، وقال مقاتل: خسر عند نزول العذاب، وقال أبو سليمان الدمشقي: يئس من الإجابة. وقد شرحنا معنى الجبار والعنيد في [هود: ٥٩] قوله تعالى:

{مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} فيه قولان.

احدهما: أنه بمعنى القدام، قال ابن عباس، يريد: أمامه جهنم. وقال أبو عبيدة: «من ورائه» أي: قدامه وأمامه، يقال: الموت من ورائك،

وأنشد:

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي  وقومي تميم والفلاة ورائيا

والثاني: أنها بمعنى: «بعد»، قال ابن الأنباري: «من ورائه» أي: من بعد يأسه، فدل «خاب» على اليأس، فكنى عنه، وحملت «وراء» على معنى: «بعد» كما

قال النابغة:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة  وليس وراء اللّه للمرء مذهب

أراد: ليس بعد اللّه مذهب. قال الزجاج: والوراء يكون بمعنى الخلف والقدام، لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك،

قال الشاعر:

أليس ورائي إن تراخت منيتي  لزوم العصا تحنى عليها الأصابع

قال: وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة. وسئل ثعلب: لم قيل: الوراء للأمام؟ فقال: الوراء: اسم لما توارى عن عينك، سواء أكان أمامك أو خلفك. وقال الفراء:إنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر، تقول: وراءك برد شديد، وبين يديك برد شديد. ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك: هو وراءك، ولا للرجل: وراءك: هو بين يديك. قوله تعالى:

{وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ} قال عكرمة، ومجاهد، واللغويون: الصديد: القيح، والدم، قاله قتادة، وهو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه. وقال القرظي: هو غسالة أهل النار، وذلك مايسيل من فروج الزناة. وقال ابن قتيبة: المعنى: يسقى الصديد مكان الماء، قال: ويجوز أن يكون على التشبيه، أي: مايسقي ماء كأنه صديد. قوله تعالى:

{يَتَجَرَّعُهُ} والتجرع: تناول المشروب جرعة جرعة، لا في مرة واحدة، وذلك لشدة كراهته له، وأنما يكرهه على شربه. قوله تعالى:

{وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} قال الزجاج: لا يقدر على ابتلاعه، تقول: ساغ لي الشيء، وأسغته. وروى أبو أمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «يقرب إليه فيكرهه، فاذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فاذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره». قوله تعالى:

{وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ} أي: هم الموت وكربه وألمه

{مّن كُلّ مَكَانٍ} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: من كل شعرة في جسده، رواه عطاء عن ابن عباس. وقال سفيان الثوري: من كل عرق وقال ابن جريج: تتعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فتموت، ولا ترجع إلى مكانها فتجد راحة.

والثاني: من كل جهة، من فوقه وتحته، وعن يمينه وشماله، وخلفه وقدامه، قاله ابن عباس أيضا.

والثالث: أنها البلايا التي تصيب الكافر في النار، سماها موتا، قاله الأخفش. قوله تعالى:

{وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ} أي: موتا تنقطع معه الحياة.

{وَمِن وَرَائِهِ} أي: من بعد هذا العذاب. قال ابن السائب: من بعد الصديد

{عَذَابٍ غَلِيظٍ}. وقال إبراهيم التيمي: بعد الخلود في النار. والغليظ: الشديد.

١٨

قوله تعالى: {مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} قال الفراء: أضاف المثل إليهم، وإنما المثل للأعمال، فالمعنى: مثل أعمال الذين كفروا. ومثله: {مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر ٦٠] أي: ترى وجوههم. وجعل العصوف تابعا لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح، وذلك جائز على جهتين.

احدهما: أن العصوف، وإن كان للريح، فان اليوم يوصف به، لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول: يوم عاصف كما تقول: يوم بارد، ويوم حار. والوجه الآخر: أن تريد: في يوم عاصف الريح، فتحذف الريح، لأنها قد ذكرت في أول الكلام، كما

قال الشاعر:

ويضحك عرفان الدروع جلودنا  إذا كان يوم مظلم الشمس

كاسف ريد: كاسف الشمس. وروي عن سيبويه أنه قال: في هذه الآية إضمار، والمعنى: ومما نقص عليك مثل الذين كفروا، ثم ابتدأ فقال: «أعمالهم كرماد» وقرأ النخعي، وابن يعمر، والجحدري: «في يوم عاصف» بغير تنوين اليوم.

قال المفسرون: ومعنى الآية: أن كل ما يتقرب به. المشركون يحبط ولا ينتفعون به، كالرماد الذي سفته الريح فلا يقدر على شيء منه، فهم لا يقدرون مما كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة، أي: لايجدون ثوابه، {ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ} من النجاة.

١٩

انظر تفسير الآية:٢٠

٢٠

قوله تعالى: {الم تَرَى} فيه قولان.

احدهما: أن معناه: ألم تخبر، قاله ابن السائب.

والثاني: ألم تعلم، قاله مقاتل، وأبو عبيدة. قوله تعالى:

{خُلِقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ بِٱلْحَقّ}

قال المفسرون: أي: لم يخلقهن عبثا، وإنما خلقهن لأمر عظيم.

{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} قال ابن عباس: يريد: يميتكم يا معشر الكفار ويخلق قوما غيركم خيرا منكم وأطوع، وهذا خطاب لأهل مكة. قوله تعالى:

{وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللّه بِعَزِيزٍ} أي: بممتنع متعذر.

٢١

قوله تعالى: {وَبَرَزُواْ للّه جَمِيعًا} لفظه لفظ الماضي، ومعناه المستقبل، والمعنى: خرجوا من قبورهم يوم البعث، واجتمع التابع والمتبوع،

{فَقَالَ ٱلضُّعَفَاء} وهم الأتباع {لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ} وهم المتبوعون.

{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} قال الزجاج: هو جمع تابع، يقال: تابع وتبع، مثل: غائب وغيب، والمعنى: تبعناكم فيما دعوتمونا إليه. قوله تعالى:

{فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} أي: دافعون عنا

{مِنْ عَذَابِ ٱللّه مِن شَىْء} قال القادة:

{لَوْ هَدَانَا ٱللّه} أي: لو أرشدنا في الدنيا لأرشدناكم، يريدون: أن اللّه أضلنا فدعوناكم إلى الضلال،

{سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} قال ابن زيد: إن أهل النار

قال بعضهم لبعض: تعالوا نبكي ونضرع، فانما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم، فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالوا نصبر، فانما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، فصبروا صبرا لم ير مثله قط، فلم ينفعهم ذلك، فعندها قالوا: «سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص» وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال: جزعوا مائة سنة، وصبروا مائة سنة، وقال مقاتل: جزعوا خمس مائة عام، وصبروا خمس مائة عام. وقد شرحنا معنى المحيص في سورة [النساء ١٢١].

{ ٢٢

انظر تفسير الآية:٢٣

٢٣

قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ}

قال المفسرون: يعني به إبليس، {لَمَّا قُضِىَ ٱلاْمْرُ} أي: فرغ منه، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فحينئذ يجتمع أهل النار باللوم على إبليس، فيقوم فيما بينهم خطيبا ويقول:

{إِنَّ ٱللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ} أي: وعدكم كون هذا اليوم فصدقكم

{وَوَعَدتُّكُمْ} أنه لا يكون {فَأَخْلَفْتُكُمْ} الوعد

{وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ} أي: ما أظهرت لكم حجة على ما ادعيت.

وقال بعضهم: ما كنت أملككم فأكرهكم

{إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ وَهَـٰذَا مِنْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} حيث أجبتموني من غير برهان،

{مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} أي: بمغيثكم

{وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} أي: بمغيثي. قرأ حمزة «بمصر خي» فحرك الياء إلى الكسر، وحركها الباقون إلى الفتح. قال قطرب: هي لغة في بني يربوع، يعني: قراءة حمزة. قال اللغويون: يقال: أستصرخني فلان فأصرخته، أي: أستغاثني فأغثته.

{إِنّى كَفَرْتُ} اليوم باشراككم إياي في الدنيا مع اللّه في الطاعة،

{إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعني: المشركين. قوله تعالى:

{بِإِذْنِ رَبّهِمْ} أي: بأمر ربهم. وقوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ} قد ذكرناه في [يونس: ١٠].

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٥

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً}

قال المفسرون: ألم تر بعين قلبك فتعلم باعلامي إياك كيف ضرب اللّه مثلا، أي: بين شبها،

{كَلِمَةً طَيّبَةً} قال ابن عباس: هي شهادة أن لا إله إلا اللّه.

{كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} أي: طيبة الثمرة، فترك ذكر الثمرة اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال.

احدها: أنها النخلة، وهو في «الصحيحين» من حديث ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وأنس بن مالك، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك في آخرين.

والثاني: أنها شجرة في الجنة، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.

والثالث: أنها المؤمن، وأصله الثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عمله السماء. وقوله: {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} فالمؤمن يذكر اللّه كل ساعة من النهار، رواه عطية عن ابن عباس. قوله تعالى:

{أَصْلُهَا ثَابِتٌ} أي: في الأرض، {وَفَرْعُهَا} أعلاها عال

{فِى ٱلسَّمَاء} أي: نحو السماء، وأكلها: ثمرها. وفي الحين ها هنا ستة أقوال.

احدها: أنه ثمانية أشهر، قال علي عليه السلام.

والثاني: ستة أشهر، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة.

والثالث: أنه بكرة وعشية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.

والرابع: أنه السنة، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال مجاهد، وابن زيد.

والخامس: أنه شهران، قاله سعيد بن المسيب.

والسادس: أنه غدوة وعشية وكل ساعة، قاله ابن جرير.فمن قال: ثمانية أشهر، أشار إلى مدة حملها باطنا وظاهرا، ومن قال: ستة أشهر، فهي مدة حملها إلى حين صرامها، ومن قال: بكرة وعشية، أشار إلى الأجتناء منها، ومن قال: سنة، أشار إلى أنها لاتحمل في السنة إلا مرة، ومن قال: شهران، فهو مدة صلاحها. قال ابن المسيب: لا يكون في النخلة أكلها إلا شهرين. ومن قال: كل ساعة، أشار إلى أن ثمرتها تؤكل دائما. قال قتادة: تؤكل ثمرتها في الشتاء والصيف. قال ابن جرير: الطلع في الشتاء من أكلها،والبلح والبسر والرطب والتمر في الصيف.

فأما الحكمة في تمثيل الإيمان بالنخلة، فمن أوجه.

احدها: أنها شديدة الثبوت، فشبه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثباتها.

والثاني: أنها شديدة الأرتفاع، فشبه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها.

والثالث: أن ثمرتها تأتي كل حين فشبه ما يكسب المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين، على اختلاف صنوفها، فالمؤمن كلما قال: لا إله إلا اللّه، صعدت إلى السماء، ثم جاءه خيرها ومنفعتها.

والرابع: أنها أشبه الشجر بالإنسان، فان كل شجرة يقطع رأسها تتشعب غصونها من جوانبها، إلا هي، إذا قطع رأسها يبست، ولأنها لاتحمل حتى تلقح، ولأنها فضلة تربة آدم عليه السلام فيما يروى.

٢٦

قوله تعالى: {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} قال ابن عباس هي الشرك.

وقوله: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} فيها خمسة أقوال.

احدها: أنها الحنظلة، رواه أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وبه قال أنس، ومجاهد.

والثاني: أنها الكافر، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وروى العوفي عنه أنه قال: الكافر لا يقبل عمله، ولا يصعد إلى اللّه تعالى، فليس له أصل في الأرض ثابت، ولا فرع في السماء.

والثالث: أنها الكشوثى رواه الضحاك عن ابن عباس.

والرابع: أنه مثل، وليست بشجرة مخلوقة، رواه أبوظبيان عن ابن عباس.

والخامس: أنها الثوم، روي عن ابن عباس أيضا. قوله تعالى:

{ٱجْتُثَّتْ} قال ابن قتيبة: استؤصلت وقطعت. قال الزجاج: ومعنى اجتثت الشي في اللغة: أخذت جثته بكمالها.

وفي قوله: {لَهَا مِن قَرَارٍ} قولان.

احدهما: مل لها من أصل، لم تضرب في الأرض عرقا.

والثاني: ما لها من ثبات. ومعنى تشبيه الكافر بهذه الشجرة أنه لا يصعد للكافر عمل صالح، ولا قول طيب، ولا لقوله أصل ثابت.

٢٧

قوله تعالى: {يُثَبّتُ ٱللّه ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: يثبتهم على الحق بالقول الثابت، وهو شهادة أن لا إله إلا اللّه. قوله تعالى:

{فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلاْخِرَةِ} فيه قولان.

احدهما: أن الحياة الدنيا: زمان الحياة على وجه الأرض، والآخرة: زمان المساءلة في القبر، وإلى هذا المعنى ذهب البراء بن عازب، وفيه أحاديث تعضده.

والثاني: أن الحياة الدنيا: زمن السؤال في القبر، والآخرة: السؤال في القيامة، وإلى هذا المعنى ذهب طاووس، وقتادة.

قال المفسرون: هذه الآية وردت في فتنة القبر، وسؤال الملكين، وتلقين اللّه تعالى للمؤمنين كلمة الحق عند السؤال، وتثبيته إياه على الحق.

{وَيُضِلُّ ٱللّه ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعنى: المشركين، يضلهم عن هذه الكلمة،

{وَيَفْعَلُ ٱللّه مَا يَشَاء} من هداية المؤمن وإضلال الكافر.

٢٨

انظر تفسير الآية:٢٩

٢٩

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللّه كُفْرًا}

في المشار إليهم سبعة أقوال.

احدها: أنهم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة، روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب.

والثاني: أنهم منافقو قريش، رواه أبو الطفيل عن علي.

والثالث: بنو أمية، وبنو المغيرة، ورؤساء أهل بدر الذين ساقوا أهل بدر إلى بدر، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والرابع: أهل مكة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والخامس: المشركون من أهل بدر، قاله جاهد، وابن زيد.

والسادس: أنهم الذين قتلوا ببدر من كفار قريش، قاله سعيد بن جبير، وأبو مالك.

والسابع: أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.

قال المفسرون: وتبديلهم نعمة اللّه كفرا، أن اللّه أنعم عليهم برسوله، وأسكنهم حرمه، فكفروا باللّه وبرسوله، ودعوا قومهم إلى الكفر به، فذلك قوله:

{وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ} أي: الهلاك. ثم فسر الدار بقوله:

{جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} أي: يقاسون حرها {وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ} أي: بئس المقر هي.

٣٠

قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ للّه أَندَادًا} قد بيناه في سورة {البقرة ٢٢}، واللام في «ليضلوا» لام العاقبة، وقد سبق شرحها [ يونس ٨٨]، ومن قرأ «ليضلوا» بضم الياء، أراد: ليضلوا الناس عن دين اللّه. قوله تعالى:

{قُلْ تَمَتَّعُواْ} أي: في حياتكم الدنيا، وهذا وعيد لهم. قال ابن عباس: لو كان الكافر مريضا لا ينام، جائعا لا يأكل ولا يشرب، لكان هذا نعيما يتمتع به بالقياس إلى ما يصير إليه من العذاب، ولو كان المؤمن في أنعم عيش، لكان بؤسا عندما يصير إليه من نعيم الآخرة.

٣١

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٣

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٥

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٦

قوله تعالى: {قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أسكن ابن عامر، وحمزة، والكسائي ياء «عبادي». قوله تعالى:

{يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ} قاله ابن الأنباري: معناه: قل لعبادي: أقيموا الصلاة وأنفقوا، وينفقوا، فحذف الأمران، وترك الجوابان،

قال الشاعر:

فأي امرىء أنت أي امرىء  إذا قيل في الحرب من يقدم

أراد: إذا قيل: من يقدم تقدم. ويجوز أن يكون المعنى: قل لعبادي أقيموا الصلاة، وأنفقوا، فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر. ويجوز أن يكون المعنى: قل لهم ليقيموا الصلاة، ولينفقوا، فحذف لام الأمر، لدلالة «قل» عليها. قال ابن قتيبة: والخلال مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة، والاسم الخلة، وهي الصداقة. قوله تعالى:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلانْهَـٰرَ} أي: ذللّها، تجري حيث تريدون، وتركبون فيها حيث تشاؤون. {وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ} لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما

{دَائِبَينَ} في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، لا يفتران. ومعنى الدؤوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. {وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ} لتسكنوا فيه، راحة لأبدانكم،

{وَٱلنَّهَارَ} لتنتفعوا بمعاشكم،

{وَاتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وفيه خمسة أقوال.

احدها: أن المعنى: من كل الذي سألتموه، قاله الحسن، وعكرمة.

والثاني: من كل ما سألتموه، لو سألتوه، قاله الفراء.

والثالث: وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئا، فأضمر الشيء، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء} [النمل ٢٣] أي: من كل شيء في زمانها شيئا، قاله الأخفش.

والرابع: من كل ما سألتموه، وما لم تسألوه لأنكم لم تسألوا شمسا ولا قمرا ولا كثيرا من النعم التي ابتدأ كم بها، فاكتفي بالأول من الثاني، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ} [النحل ٨١] قاله ابن الأنباري.

الخامس: على قراءة ابن مسعود، وأبي رزين، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وأبان عن عاصم، وأبي حاتم عن يعقوب: «من كل ما» بالتنوين من غير إضافة، فالمعنى: آتاكم من كل ما لم تسألوه، قاله قتادة، والضحاك. قوله تعالى:

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللّه} أي: إنعامه {لاَ تُحْصُوهَا} لا تطيقوا الإتيان على جميعها بالعد لكثرتها. {إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ} قال ابن عباس: يريد أبا جهل. وقال الزجاج: الإنسان اسم للجنس يقصد به الكافر خاصة. قوله تعالى:

{لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} الظلوم هاهنا: الشاكر غير من أنعم عليه، والكفار: الجحود لنعم اللّه تعالى. قوله تعالى:

{ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ امِنًا} قد سبق تفسيره في سورة [البقرة ١٢٦]. قوله تعالى:

{وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ} أي: جنبني وإياهم والمعنى: ثبتني على اجتناب عبادتها.

{رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ} يعني: الأصنام، وهي لا توصف بالإضلال ولا بالفعل، ولكنهم لما ضلوا بسببها، كانت كأنها أضلتهم.

{فَمَن تَبِعَنِى} أي: على ديني التوحيد {فَإِنَّهُ مِنّى} أي: فهو على ملتي،

{وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: ومن عصاني ثم تاب فانك غفور رحيم، قاله السدي.

والثاني: ومن عصاني فيما دون الشرك، قاله مقاتل بن حيان.

والثالث: ومن عصاني فكفر فإنك غفور رحيم أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد، قاله مقاتل بن سليمان. وقال ابن الأنباري: يحتمل أن يكون دعا بهذا قبل أن يعلمه اللّه تعالى أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبيه.

٣٧

قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى} في «من» قولان.

احدهما: أنها للتبعيض، قاله الأخفش، والفراء.

والثاني: أنها للتوكيد، والمعنى: أسكنت ذريتي، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ} يعني: مكة، ولم يكن فيها حرث ولا ماء. عند

{بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ} إنما سمي محرما، لأنه يحرم استحلال محرماته والاستخفاف بحقه.

فان قيل: ما وجه قوله:

{عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ} ولم يكن هناك بيت حينئذ، إنما بناه إبراهيم بعد ذلك بمدة؟

فالجواب من ثلاثة وجوه.

احدها: أن اللّه تعالى حرم موضع البيت منذ خلق السموات والأرض، قاله ابن السائب.

والثاني: عند بيتك الذي كان قبل أن يرفع أيام الطوفان.

والثالث: عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث ها هنا، ذكرهما ابن جرير. وكان أبو سليمان الدمشقي يقول: ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إنما بعد أن بني البيت وصارت مكة بلدا. والمفسرون على خلاف ما قال.

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل وأمه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم: العماليق، خارجا من مكة، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال إبراهيم لجبريل: أها هنا أمرت أضعهما؟ قال: نعم فأنزلهما في مكان من الحجر، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا، ثم قال:

{رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى} الآية. وفتح أهل الحجاز، وأبو عمرو ياء «إني أسكنت». قوله تعالى:

{رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ} في متعلق هذه اللام قولان.

احدهما: أنها تتعلق بقوله:

{وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلاْصْنَامَ} فالمعنى: جنبهم الأصنام ليقيموا الصلاة، هذا قول مقاتل.

والثاني: أنها تتعلق بقوله: {أَسْكَنتُ}، فالمعنى: أسكنتهم عند بيتك ليقيموا الصلاة، لأن بيتك قبلة الصلوات، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ} أي: قلوب جماعة من الناس. قال ابن الأنباري: وإنما عبر عن القلوب بالأفئدة، لقرب القلب من الفؤاد ومجاورته،

قال امرؤ القيس:

رمتني بسهم أصاب الفؤاد  غداة الرحيل فلم أنتصر

وقال آخر:

كأن فؤادي كلما مر راكب  جناح غراب رام نهضا إلى وكر

وقال آخر:

وإن فؤادا قادني لصبابة  إليك على طول الهوى لصبور

يعنون بالفؤاد: القلب.

قوله تعالى:

{تَهْوِى إِلَيْهِمْ} قال ابن عباس: تحن إليهم. وقال قتادة: تنزع إليهم وقال الفراء: تريدهم، كما تقول: رأيت فلانا يهوي نحوك، أي: يريدك. وقرأ يعضهم: «تهوى إليهم» بمعنى:تهواهم، كقوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل ٧٢] أي: ردفكم «وإلى» توكيد للكلام. وقال ابن الأنباري: «تهوي إليهم» تنحط إليهم وتنحدر.

وفي معنى هذا الميل قولان.

احدهما: أنه الميل إلى الحج، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه حب سكنى مكة، رواه عطية عن ابن عباس. وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو كان إبراهيم قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لحجة اليهود والنصارى، ولكنه قال: من الناس.

٣٨

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى} قال أبو صالح عن ابن عباس: ما نخفي من الوجد بمفارقة إسماعيل، وما نعلن من الحب له.

قال المفسرون: إنما قال هذا لما نزل إسماعيل الحرم، وأراد فراقه.

٣٩

انظر تفسير الآية:٤٠

٤٠

قوله تعالى: {ٱلْحَمْدُ للّه ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ} أي: بعد الكبر

{إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ} قال ابن عباس: ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة. قوله تعالى:

{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَائِى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرة، وحمزة، وهبيرة عن حفص عن عاصم: «وتقبل دعائي» بياء في الوصل. وقال البزي عن ابن كثير: يصل ويقف بياء. وقال قنبل عن ابن كثير: يشم الياء في الوصل، ولا يثبتها، ويقف عليها بالألف. الباقون «دعاء» بغير ياء في الحالين. قال أبو علي: الوقف والوصل بياء هو القياس، والإشمام جائز، لدلالة الكسرة على الياء.

٤١

قوله تعالى: {رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ} قال ابن الأنباري: استغفر لأبويه وهما حيان، طمعا في أن يهديا إلى الإسلام. وقيل: أراد بوالديه: آدم، وحواء. وقرأ ابن مسعود، وأبي، النخعي، والزهري: «ولولدي» يعني: إسماعيل وإسحاق، يدل عليه ذكرهما قبل ذلك. وقرأ مجاهد: «ولوالدي» علي التوحيد. وقرأ عاصم الجحدري: «ولولدي» بضم الواو. وقرأ يحي بن يعمر، والجوني: «ولولدي» بفتح الواو وكسر الدال على التوحيد.

{يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ} أي: يظهر الجزاء على الأعمال. وقيل: معناه: يوم يقوم الناس للحساب، فاكتفي بذكر الحساب من ذكر الناس إذ كان المعنى مفهوما.

٤٢

انظر تفسير الآية:٤٣

٤٣

قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللّه غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} قال ابن عباس: هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم. قوله تعالى:

{إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين، وقتادة: «نؤخرهم» بالنون، أي: يؤخر جزاءهم {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلابْصَـٰرُ} أي: تشخص أبصار الخلائق لظهور الأحوال فلا تغتمض. قوله تعالى:

{مُهْطِعِينَ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن الإهطاع: النظر من غير أن يطرف الناظر، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والضحاك، وأبو الضحى.

والثاني: أنه الإسراع، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة. وقال ابن قتيبة: يقال: أهطع البعير في سيرة، واستهطع: إذا أسرع.

وفي ما أسرعوا إليه قولان.

احدهما: إلى الداعي، قاله قتادة.

والثاني: إلى النار، قاله مقاتل.

والثالث: أن المهطع: الذي لا يرفع رأسه، قاله ابن زيد.

وفي قوله: {مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ} قولان.

احدهما: رافعي رؤوسهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة،

وأنشد أبو عبيدة:

أنغض نحوي رأسه وأقنعا  كأنما أبصر شيئا أطعما

وقال ابن قتيبة: المقنع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه. وقال الزجاج: رافعي رؤوسهم، ملتصقة بأعناقهم. «ومهطعين مقنعي رؤوسهم» نصب على الحال المعنى: ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين.

والثاني: ناكسي رؤوسهم، حكاه الماوردي ن المؤرج. قوله تعالى:

{لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، فهي شاخصة. قال ابن قتيبة: والمعنى: أن نظرهم إلى شيء واحد. قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد. قوله تعالى:

{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} الأفئدة: مساكن القلوب.

وفي معنى الكلام أربعة أقوال.

احدها: أن القلوب خرجت من مواضعها فصارت في الحناجر، رواه عطاء عن ابن عباس. وقال قتادة: خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم، فأفئدتهم هواء ليس فيها شيء.

والثاني: وأفئدتهم ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: وأفئدتهم منخرقة لا تعى شيئا، قاله مرة بن شراحبيل. وقال الزجاج: متخرقة لا تعي شيئا من الخوف.

والرابع: وأفئدتهم جوف لا عقول لها، قاله أبو عبيدة،

وأنشد لحسان:

ألا أبلغ أبا سفيان عني  فأنت مجوف نخب هواء

فعلى هذا يكون المعنى: أن قلوبهم خلت عن العقول، لما رأوا من الهول. والعرب تسمي كل أجوف خاو: هواء. قال ابن قتيبة: ويقال: أفئدتهم منخوبة من الخوف والجبن.

٤٤

قوله تعالى: {وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ} أي: خوفهم

{يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ} يعني به: يوم القيامة؛ وإنما خصه بذكر العذاب، وإن كان فيه ثواب، لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعصاة، قال ابن عباس: يريد بالناس هاهنا: أهل مكة. قوله تعالى:

{فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: أشركوا {رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: أمهلنا. مدة يسيرة. وقال مقاتل: سألوا الرجوع إلى الدنيا، لأن الخروج من الدنيا قريب.

{نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} يعني: التوحيد، فيقال لهم:

{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ} أي: حلفتم في الدنيا أنكم لا تبعثون ولا تنتقلون من الدنيا إلى الآخرة.

٤٥

قوله تعالى: {وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} أي: نزلتم في أماكنهم وقراهم، كالحجر ومدين، والقرى التي عذب أهلها. ومعنى «ظلموا أنفسهم» أي: ضروها بالكفر والمعصية.

{وَتَبَيَّنَ لَكُمْ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل الناجي «وتبين» بضم التاء.

{كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} يعني: كيف عذبناهم، يقول: فكان ينبغي لكم أن تنزجروا عن المخالفة اعتبارا بمساكنهم بعدما علمتم فعلنا بهم،

{وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلامْثَالَ} قال ابن عباس: يريد الأمثال التي في القرآن.

٤٦

انظر تفسير الآية:٤٧

٤٧

قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ}

في المشار إليهم أربعة أقوال.

احدها: أنه نمرود الذي حاج إبراهيم في ربه، قال: لا أنتهي حتى أنظر إلى السماء، فأمر بفرخي نسر فربيا حتى سمنا واستعلجا، ثم أمر بتابوت فنحت، ثم جعل في وسطه خشبه، وجعل على رأس الخشبه لحما شديد الحمرة، ثم جوعهما وربط أرجلهما بأوتار إلى قوائم التابوت. ودخل هو وصاحب له في التابوت وأغلق بابه، ثم أرسلهما، فجعلا يريدان اللحم، فصعدا في السماء ما شاء اللّه، ثم قال لصاحبه: افتح وانظر ماذا ترى؟ ففتح، فقال: أرى الأرض كأنها الدخان، فقال له: أغلق، ثم صعد ما شاء اللّه، ثم قال: افتح فانظر، ففتح، فقال: ما أرى إلا السماء، وما نزداد منه إلا بعدا، قال: فصوب خشبتك، فصوبها، فا نقضت النسور تريد اللحم، فسمعت الجبال هدتها، فكادت تزول عن مراتبها. هذا قول علي ابن أبي طالب. وفي رواية عنه: كانت النسور أربعة.

وروى السدي عن أشياخه: أنه مازال يصعد إلى أن رأى الأرض يحيط بها بحر، فكأنها فلكة في ماء، ثم صعد حتى وقع في ظلمة، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته، ففزع، فصوب اللحم، فانقضت النسور، فلما نزل أخذ في بناء الصرح. ثم صعد منه مع النسور، فلما لم يقدر على السماء، اتخذه حصنا، فأتى اللّه بنيانه من القواعد، وقال عكرمة: كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب، فرم بسهم فعاد إليه ملطخا بالدم، فقال: كفيت إله السماء، وذلك من دم سمكة في بحر معلق في الهواء، فلما هاله الأرتفاع، قال لصاحبه: صوب الخشبة، فصوبها، فانحطت النسور، فظنت الجبال أنه أمر نزل من السماء فزالت عن مواضعها.

وقال غيره: لما رأت الجبال ذلك، ظنت أنه قيام الساعة، فكادت تزول، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وأبو مالك.

والقول الثاني: أنه بختنصر، وأن هذه القصة له جرت، وأن النسور لما ارتفعت تطلب اللحم إلى حيث شاء اللّه، نودي: ياأيها الطاغية، أين تريد؟ ففرق، ثم سمع الصوت فوقه، فنزل، فلما رأت الجبال ذلك، ظنت أنه قيام الساعة فكادت تزول، وهذا قول مجاهد.

والثالث: أن المشار إليهم الأمم المتقدمة.قال ابن عباس، وعكرمة: مكرهم: شركهم.

والرابع: أنهم الذين مكروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين هموا بقتله وإخراجه.

وفي قوله: {وَعِندَ ٱللّه مَكْرُهُمْ} قولان.

احدهما: أنه محفوظ عنده حتى يجازيهم به، قاله الحسن، وقتادة.

والثاني: وعند اللّه جزاء مكركم. قوله تعالى:

{وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} وقرأ ابو بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وابن عباس، وعكرمة، وأبو العالية: «وإن كان مكرهم» بالدال.

{لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ}. وقرأ الأكثرون «لتزول» بكسر اللام الأولى من «لتزول» وفتح الثانية. أراد: وما كان مكرهم لتزول من الجبال، أي: هو أضعف وأوهن، كذلك فسرها الحسن البصري. وقرأ الكسائي «لتزول» بفتح اللام الأولى وضم الثانية، أراد: قد كادت الجبال تزول من مكرهم، كذلك فسرها ابن الأنباري.

وفي المراد بالجبال قولان.

احدهما: أنها الجبال المعروفة، قاله الجمهور.

والثاني: أنها ضربت مثلا لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم، وثبوت دينه كثبوت الجبال الراسية والمعنى: لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال، لما زال أمر الأسلام، قاله الزجاج. قال أبو علي: ويدل على صحة هذا قوله:

{فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللّه مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} أي: فقد وعدك الظهور عليهم. قال ابن عباس: يريد بوعده: النصر والفتح والنصر وإظهار الدين.

{أَنَّ ٱللّه عَزِيزٌ} أي: منيع {ذُو ٱنتِقَامٍ} من الكافرين، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على كفرهم.

٤٨

قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلاْرْضُ غَيْرَ ٱلاْرْضِ} وروى أبان «يوم نبدل» بالنون وكسر الدال «الأرض» بالنصب، «والسموات» بخفض التاء، ولا خلاف في نصب «غير».

وفي معنى تبديل الأرض قولان.

احدهما: أنها تلك الأرض، وإنما يزاد فيها وينقص منها، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها، وتمد مد الأديم، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس.

وقد روى أبو هريرة عن النبيصلى اللّه عليه وسلم «يوم تبدل الأرض غير الأرض، قال: ببسطها ويمدها مد الأديم»

والثاني: أنها تبدل بغيرها. ثم فيه أربعة أقوال.

احدها: أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة، رواه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، وعطاء عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.

والثاني: أنها تبدل نارا، قاله أبي بن كعب.

والثالث: أنها تبدل بأرض من فضة، قاله أنس بن مالك.

والرابع: تبدل بخبزة بيضاء، فيأكل المؤمن من تحت قدميه، قاله أبو هريرة، وسعيد بن جبير، والقرظي.

وقال غيرهم: يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغ من حسابهم.

فأما تبديل السموات، فيه ستة أقوال.

احدها: أنها تجعل من ذهب، قاله علي عليه السلام.

والثاني: أنها تصير جنانا، قاله أبي بن كعب.

والثالث: أن تبديلها: تكوير شمسها وتناثر نجومها، قاله ابن عباس.

والرابع: أن تبديلها: اختلاف أحوالها، فمرة كالمهل، ومرة تكون كالدهان، قاله ابن الأنباري.

والخامس: أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتاب.

والسادس: أن تنشق فلا تظل، ذكرهما الماوردي. قوله تعالى:

{وَبَرَزُواْ للّه ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي: خرجوا من القبور.

٤٩

انظر تفسير الآية:٥١

٥٠

انظر تفسير الآية:٥١

٥١

قوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ} يعني: الكفار

{مُقْرِنِينَ} يقال: قرنت الشيء إلى الشيء: إذا وصلته به.

وفي معنى «مقرنين» ثلاثة أقواال.

احدها: أنهم يقرنون مع الشياطين، قاله ابن العباس.

والثاني: أن أيديهم وأرجلهم قرنت إلى رقابهم، قاله ابن زيد.

والثالث: يقرن بعضهم إلى بعض، قاله ابن قتيبة.

وفي الأصفاد ثلاثة أقوال.

احدها: أنها الأغلال، قاله ابن عباس، وابن زيد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وابن الأنباري.

والثاني: القيود والأغلال، قاله قتادة.

والثالث: القيود، قاله أبو سليمان الدمشقي. فأما السرابيل، فقال أبو عبيدة: هي القمص، واحدها سربال. وقال الزجاج: السربال: كل ما لبس. وفي القطران ثلاث لغات: فتح القاف وكسر الطاء، وفتح القاف مع تسكين الطاء، وفي معناه قولان.

احدهما: أنه النحاس المذاب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: أنه قطران الإبل، قاله الحسن، وهو شيء يتحلب من شجر تهنأ به الأبل. قال الزجاج: وإنما جعل لهم القطران، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد اللّه تعالى المبالغة في إحراقهم بغير ذلك لقدر، ولكنه حذرهم ما يعرفون حقيقته.

وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجاز، وعكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة، وأبو حاتم عن يعقوب: «من قطر» بكسر القاف وسكون الطاء والتنوين «آن» بقطع الهمزة وفتحها ومدها. والقطر: النحاس، وآن: قد انتهت حره. قوله تعالى:

{وَتَغْشَىٰ مِنَ ٱلنَّارِ} أي: تعلوها. واللام في {لِيَجْزِىَ} متعلقة بقوله: {وَبَرَزُواْ}

٥٢

قوله تعالى: {هَـٰذَا بَلَـٰغٌ لّلنَّاسِ} في المشار إليه قولان.

احدهما: أنه القرآن.

والثاني: الإنذار. والبلاغ: الكفاية. قال مقاتل: والمراد بالناس: أهل مكة. قوله تعالى:

{وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} أي: أنزل لينذروا به، وليعلموا بما فيه من الحجج

{أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ} أي: وليتعظ {أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ}..

﴿ ٠