٣٦

قوله تعالى: {قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أسكن ابن عامر، وحمزة، والكسائي ياء «عبادي». قوله تعالى:

{يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ} قاله ابن الأنباري: معناه: قل لعبادي: أقيموا الصلاة وأنفقوا، وينفقوا، فحذف الأمران، وترك الجوابان،

قال الشاعر:

فأي امرىء أنت أي امرىء  إذا قيل في الحرب من يقدم

أراد: إذا قيل: من يقدم تقدم. ويجوز أن يكون المعنى: قل لعبادي أقيموا الصلاة، وأنفقوا، فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر. ويجوز أن يكون المعنى: قل لهم ليقيموا الصلاة، ولينفقوا، فحذف لام الأمر، لدلالة «قل» عليها. قال ابن قتيبة: والخلال مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة، والاسم الخلة، وهي الصداقة. قوله تعالى:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلانْهَـٰرَ} أي: ذللّها، تجري حيث تريدون، وتركبون فيها حيث تشاؤون. {وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ} لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما

{دَائِبَينَ} في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، لا يفتران. ومعنى الدؤوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. {وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ} لتسكنوا فيه، راحة لأبدانكم،

{وَٱلنَّهَارَ} لتنتفعوا بمعاشكم،

{وَاتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وفيه خمسة أقوال.

احدها: أن المعنى: من كل الذي سألتموه، قاله الحسن، وعكرمة.

والثاني: من كل ما سألتموه، لو سألتوه، قاله الفراء.

والثالث: وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئا، فأضمر الشيء، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء} [النمل ٢٣] أي: من كل شيء في زمانها شيئا، قاله الأخفش.

والرابع: من كل ما سألتموه، وما لم تسألوه لأنكم لم تسألوا شمسا ولا قمرا ولا كثيرا من النعم التي ابتدأ كم بها، فاكتفي بالأول من الثاني، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ} [النحل ٨١] قاله ابن الأنباري.

الخامس: على قراءة ابن مسعود، وأبي رزين، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وأبان عن عاصم، وأبي حاتم عن يعقوب: «من كل ما» بالتنوين من غير إضافة، فالمعنى: آتاكم من كل ما لم تسألوه، قاله قتادة، والضحاك. قوله تعالى:

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللّه} أي: إنعامه {لاَ تُحْصُوهَا} لا تطيقوا الإتيان على جميعها بالعد لكثرتها. {إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ} قال ابن عباس: يريد أبا جهل. وقال الزجاج: الإنسان اسم للجنس يقصد به الكافر خاصة. قوله تعالى:

{لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} الظلوم هاهنا: الشاكر غير من أنعم عليه، والكفار: الجحود لنعم اللّه تعالى. قوله تعالى:

{ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ امِنًا} قد سبق تفسيره في سورة [البقرة ١٢٦]. قوله تعالى:

{وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ} أي: جنبني وإياهم والمعنى: ثبتني على اجتناب عبادتها.

{رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ} يعني: الأصنام، وهي لا توصف بالإضلال ولا بالفعل، ولكنهم لما ضلوا بسببها، كانت كأنها أضلتهم.

{فَمَن تَبِعَنِى} أي: على ديني التوحيد {فَإِنَّهُ مِنّى} أي: فهو على ملتي،

{وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: ومن عصاني ثم تاب فانك غفور رحيم، قاله السدي.

والثاني: ومن عصاني فيما دون الشرك، قاله مقاتل بن حيان.

والثالث: ومن عصاني فكفر فإنك غفور رحيم أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد، قاله مقاتل بن سليمان. وقال ابن الأنباري: يحتمل أن يكون دعا بهذا قبل أن يعلمه اللّه تعالى أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبيه.

﴿ ٣٦