|
٣٧ قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى} في «من» قولان. احدهما: أنها للتبعيض، قاله الأخفش، والفراء. والثاني: أنها للتوكيد، والمعنى: أسكنت ذريتي، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ} يعني: مكة، ولم يكن فيها حرث ولا ماء. عند {بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ} إنما سمي محرما، لأنه يحرم استحلال محرماته والاستخفاف بحقه. فان قيل: ما وجه قوله: {عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ} ولم يكن هناك بيت حينئذ، إنما بناه إبراهيم بعد ذلك بمدة؟ فالجواب من ثلاثة وجوه. احدها: أن اللّه تعالى حرم موضع البيت منذ خلق السموات والأرض، قاله ابن السائب. والثاني: عند بيتك الذي كان قبل أن يرفع أيام الطوفان. والثالث: عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث ها هنا، ذكرهما ابن جرير. وكان أبو سليمان الدمشقي يقول: ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إنما بعد أن بني البيت وصارت مكة بلدا. والمفسرون على خلاف ما قال. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل وأمه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم: العماليق، خارجا من مكة، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال إبراهيم لجبريل: أها هنا أمرت أضعهما؟ قال: نعم فأنزلهما في مكان من الحجر، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا، ثم قال: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى} الآية. وفتح أهل الحجاز، وأبو عمرو ياء «إني أسكنت». قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ} في متعلق هذه اللام قولان. احدهما: أنها تتعلق بقوله: {وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلاْصْنَامَ} فالمعنى: جنبهم الأصنام ليقيموا الصلاة، هذا قول مقاتل. والثاني: أنها تتعلق بقوله: {أَسْكَنتُ}، فالمعنى: أسكنتهم عند بيتك ليقيموا الصلاة، لأن بيتك قبلة الصلوات، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ} أي: قلوب جماعة من الناس. قال ابن الأنباري: وإنما عبر عن القلوب بالأفئدة، لقرب القلب من الفؤاد ومجاورته، قال امرؤ القيس: رمتني بسهم أصاب الفؤاد غداة الرحيل فلم أنتصر وقال آخر: كأن فؤادي كلما مر راكب جناح غراب رام نهضا إلى وكر وقال آخر: وإن فؤادا قادني لصبابة إليك على طول الهوى لصبور يعنون بالفؤاد: القلب. قوله تعالى: {تَهْوِى إِلَيْهِمْ} قال ابن عباس: تحن إليهم. وقال قتادة: تنزع إليهم وقال الفراء: تريدهم، كما تقول: رأيت فلانا يهوي نحوك، أي: يريدك. وقرأ يعضهم: «تهوى إليهم» بمعنى:تهواهم، كقوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل ٧٢] أي: ردفكم «وإلى» توكيد للكلام. وقال ابن الأنباري: «تهوي إليهم» تنحط إليهم وتنحدر. وفي معنى هذا الميل قولان. احدهما: أنه الميل إلى الحج، قاله الأكثرون. والثاني: أنه حب سكنى مكة، رواه عطية عن ابن عباس. وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو كان إبراهيم قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لحجة اليهود والنصارى، ولكنه قال: من الناس. |
﴿ ٣٧ ﴾