ÓõæÑóÉõ ÇáäøóÍúáö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóËóãóÇäò æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð سورة النحل فصل في نزولها روى مجاهد، وعطية، وابن أبي طلحة عن ابن عباس: أنها مكية، وكذلك روي عن الحسن، وعكرمة، وعطاء: أنهامكية [كلها] وقال ابن عباس في رواية: إنه نزل منها بعد قتل حمزة: {وَأَنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل ١٢٦]، وقال في رواية: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة، وهي قوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللّه ثَمَناً قَلِيلاً} إلى قوله: {يَعْمَلُونَ} [النحل ٩٥ ٩٧]. وقال الشعبي: كلها مكية إلى قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخر الآيات [النحل ١٢٦ ١٢٨]. وقال قتادة: هي مكية إلاخمس آيات: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللّه ثَمَناً قَلِيلاً} الآيتين [النحل ٩٥ ٩٦]، ومن قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخرها [النحل ١٢٦]. وقال ابن السائب: هي مكية إلا خمس آيات: {وَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ فِى ٱللّه مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} الآية [النحل ٤١] وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} الآية [النحل ١١٠] وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخرها [النحل ١٢٦] . وقال مقاتل: مكية إلا سبع آيات، قوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ} الآية [النحل ١١٠] وقوله: {مَن كَفَرَ بِٱللّه مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ} الآية [النحل ١٠٦] وقوله: {وَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ فِى ٱللّه} الآية [النحل ٤١]، وقوله: {وَضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً} الآية [النحل ١١٢] وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخرها [النحل ١٢٦]. قال جابر بن زيد: أنزل من أول النحل: أربعون آية بمكة وبقيتها بالمدينة. وروى حماد عن علي بن زيد قال: كان يقال لسورة النحل: سورة النعم؛ يريد لكثرة تعداد النعم فيها. بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٣ ٢ انظر تفسير الآية:٣ ٣ قوله تعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللّه} قرأ حمزة، والكسائي بالإمالة.سبب نزولها: أنه لما نزل قوله تعالى: {ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ} [القمر ١]، فقال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة قد اقتربت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء؛ قالوا: ما نرى شيئاٰ فأنزل اللّه تعالى {ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ} [الأنبياء: ١] فأشفقوا، وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به. فأنزل اللّه تعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللّه}، فوثب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ورفع الناس رؤوسهم، فنزل: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} فاطمأنوا، قاله ابن عباس. وفي قوله: {أَتَىٰ} ثلاثة أقوال. احدها: أتى بمعنى: يأتي، كما يقال: أتاك الخير فأبشر، أي: سيأتيك، قاله ابن قتيبة، وشاهده: {وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ} [الأعراف ٤٤]، {وَإِذْ قَالَ ٱللّه يٰعِيسَى عِيسَى} [المائدة ١١٦] ونحو ذلك. والثاني: أتى بمعنى: قرب، قال الزجاج: أعلم اللّه تعالى أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى. والثالث: أن «أتى» للماضي، والمعنى: أتى بعض عذاب اللّه، وهو: الجدب الذي نزل بهم، والجوع. {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} فينزل بكم مستقبلا كما نزل ماضيا، قاله ابن الأنباري. وفي المراد ب «أمر اللّه» خمسة أقوال. احدها: أنها الساعة، وقد يخرج على قول ابن عباس الذي قدمناه، وبه قال ابن قتيبة. والثاني: خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، يعني: أن خروجه من أمارات الساعة. وقال ابن الأنباري: أتى أمر اللّه من أشراط الساعة، فلا تستعجلوا قيام الساعة. والثالث: أنه الأحكام والفرائض، قاله الضحاك. والرابع: عذاب اللّه، ذكره ابن الأنباري. والخامس: وعيد المشركين، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} أي:لا تطلبوه قبل حينه، {سُبْحَـٰنَهُ} أي: تنزيه له وبراءة من السوء عما يشركون به من الأصنام. قوله تعالى: {يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {يُنَزّلٍ} باسكان النون وتخفيف الزاي. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «ينزل» بالتشديد، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: {تُنَزَّلَ} بالتاء مضمومة، وفتح الزاي مشددة. {ٱلْمَلَـٰئِكَةَ} رفع. قال ابن عباس: يريد بالملائكة جبريل عليه السلام وحده. وفي المراد بالروح ستة أقوال. احدها: الوحي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه النبوة، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: أن المعنى: تنزل الملائكة بأمره، رواه العوفي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: أن أمر اللّه كله روح. قال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر اللّه حياة النفوس بالإرشاد. والرابع: أنه الرحمة. قاله الحسن، وقتادة. والخامس: أن أرواح الخلق: لا ينزل ملك إلا ومعه روح، قاله مجاهد. والسادس: أنه القرآن، قاله ابن زيد. فعلى هذا سماه روحا، لأن الدين يحيا به، كما أن الروح تحيي البدن. وقال بعضهم: الباء في قوله: {بِٱلْرُّوحِ} بمعنى: مع، فالتقدير: مع الروح، {مِنْ أَمْرِهِ} أي: بأمره {عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} يعني: الأنبياء، {أَنْ أَنْذِرُواْ} قال الزجاج: والمعنى: أنذروا أهل الكفر والمعاصي {أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ} أي: مروهم بتوحيدي، وقال غيره: أنذروا بأنه لا اله إلا أنا، أي: مروهم بالتوحيد مع تخويفهم إن لم يقروا. ٤ قوله تعالى: {خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ} قال المفسرون: أخذ أبي بن خلف عظما رميما، فجعل يفته ويقول: يامحمد كيف يبعت اللّه هذا بعدما رم؟ فنزلت فيه هذه الآية والخصيم: المخاصم، والمبين: الظاهر الخصومه. والمعنى: أنه مخلوق من نطفة، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأولة على آخرة، وأن من قدر على إيجادة أولا، يقدر على إعادتة ثانية؟ٰ وفية تنبية علي إنعام اللة علية حين نقلة من حال ضعف النطفة إلى القوة التي أمكنة معها الخصام. ٥ انظر تفسير الآية:٧ ٦ انظر تفسير الآية:٧ ٧ قوله تعالى: {وَٱلاْنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ} الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم. قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا دِفْء} فيه قولان. احدهما: أنه ما استدفىء به من أوبارها تتخذ ثيابا، وأخبية، وغير ذلك. روى العوفي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالدفء: اللباس، وإلى هذا المعنى ذهب الأكثرون. والثاني: أنه نسلها. روى عكرمة عن ابن عباس: {فِيهَا دِفْء} قال: الدفء: نسل كل دابة، وذكر ابن السائب قال: يقال: الدفء أولادها، ومن لا يحمل من الصغار، وحكى ابن فارس اللغوي عن الأموي، قال: الدفء عند العرب: نتاج الإبل وألبانها. قوله تعالى: {وَمَنَـٰفِعُ} أي: سوى الدفء من الجلود، والألبان، والنسل، والركوب، والعمل عليها، إلى غير ذلك، {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يعني: من لحوم الأنعام. قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} أي: زينة، {حِينَ تُرِيحُونَ} أي: [حين] تردونها إلى مراحلها، وهو المكان الذي تأوي إليه، فترجع عظام الضروع والأسنمة، فيقال: هذا مال فلان، {وَحِينَ تَسْرَحُونَ}: ترسلونها بالغداة إلى مراعيها. فان قيل: لم قدم الرواح وهو مؤخر؟ فالجواب: أنها في حال الرواح تكون أجمل؛ لأنها قد رعت، وامتلأت ضروعها، وامتدت أسنمتها. قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} الإشارة بهذا إلى ما يطيق الحمل منها، والأثقال: جمع ثقل، وهو متاع المسافر. وفي قوله تعالى: {إِلَىٰ بَلَدٍ} قولان. احدهما: أنه عام في كل بلد يقصده المسافر، وهو قول الأكثرين. والثاني: أن المراد به: مكة، قاله عكرمة، والأول أصح، والمعنى: أنها تحملكم إلى كل بلد لو تكلفتم أنتم بلدغه لم تبلغوه إلا بشق الأنفس. وفي معنى «شق الأنفس» قولان. احدهما: أنه المشقة، قاله الأكثرون. قال ابن قتيبة: يقال: نحن بشق من العيش، أي: بجهد؛ وفي حديث أم زرع: «وجدني في أهل غنيمة بشق». والثاني: أن الشق: النصف، فكان الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه، ذكره الفراء. قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} أي: حين من عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق. ٨ قوله تعالى: {وَٱلْخَيْلِ} أي: وخلق الخيل {وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} قال الزجاج: المعنى: وخلقها زينة. فصل ويجوز أكل لحم الخيل، وإنما لم يذكر في الآية، لأنه ليس هو المقصود، وإنما معظم المقصود بها: الركوب والزينة، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة، ومالك: لا تؤكل لحوم الخيل. قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَالاً تَعْلَمُونَ} ذكر قوم من المفسرين: أن المراد به عجائب المخلوقات في السموات والأرض التي لم يطلع عليها، مثل ما يروى: أن للّه ملكا من صفته كذا، وتحت العرش نهر من صفته كذا. وقال قوم: هو ما أعد اللّه لأهل الجنة فيها، ولأهل النار. وقال أبو سليمان الدمشقي: في الناس من كره تفسير هذا الحرف. وقال الشعبي: هذا الحرف من أسرار القرآن. ٩ انظر تفسير الآية:١١ ١٠ انظر تفسير الآية:١١ ١١ قوله تعالى: {وَعَلَى ٱللّه قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ} القصد: استقامة الطريق، يقال: طريق قصد وقاصد: إذا قصد بك ما تريد. قال الزجاج: المعنى: وعلى اللّه تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبرهان. قوله تعالى: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} قال أبو عبيدة: السبيل لفظه لفظ الواحد، وهو في موضع الجميع، فكأنه قال: ومن السبل سبيل جائر. قال ابن الأنباري: لما ذكر السبيل، دل على السبل. فلذلك قال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} كما دل الحدثان على الحوادث في قول العبدي: ولا يبقى على الحدثان حي فهل يبقى عليهن السلام أراد: فهل يبقى على الحوادث، والسلام: الصخور، قال ويجوز أن يكون إنما قال: {وَمِنْهَا}، لأن السبيل تؤنث وتذكر، فالمعنى: من السبيل جائر. وقال ابن قتيبة: المعنى: ومن الطرق جائر لا يهتدون فيه، والجائر: العادل عن القصد، قال ابن عباس: ومنها جائر الأهواء المختلفة. وقال ابن المبارك: الأهواء والبدع. قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء} يعني: المطر {لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} وهو ما تشربونه، {وَمِنْهُ شَجَرٌ} ذكر ابن الأنباري في معناه قولين. احدهما: ومنه سقي شجر، وشرب شجر، فخلف المضاف إليه المضاف، كقوله: {وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ} [البقرة ٩٣]. والثاني: أن المعنى: ومن جهة الماء شجر، ومن سقيه شجر، ومن ناحيته شجر، فحذف الأول، وخلفه الثاني، قول العبدي: لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن شهر أي: من ممر حجج. قال ابن قتيبة: والمراد بهذه الشجر: المرعى. وقال الزجاج: كل ما نبت على الأرض فهو شجر، قال الشاعر يصف الخيل: يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر يعني:أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض. و {تُسِيمُونَ} بمعنى: ترعون، يقال: سامت الإبل فهي سائمة: إذا رعت، وإنما أخذ ذلك من السومة، وهي: العلامة، وتأويلها: أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات. قوله تعالى: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ} وروى أبو بكر عن عاصم: «ننبت» بالنون. قال ابن عباس: يريد الحبوب، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: {وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ بِأَمْرِهِ} قال الأخفش: المعنى: وجعل النجوم مسخرات، فجاز إضمار فعل غير الأول، لأن هذا المضمر، في المعنى مثل المظهر، وقد تفعل العرب أشد من هذا، قال الراجز: تسمع في أجوافهن صردا وفي اليدين جسأة وبددا المعنى: وترى في اليدين. والجسأة: اليبس. والبدد: السعة. وقال غيره: قوله تعالى: {مُسَخَّرٰتٍ} حال مؤكدة، لأن تسخيرها قد عرف بقوله تعالى: {وَسَخَّرَ} وقرأ ابن عامر: والشمس والقمر والنجوم مسخرات، رفعا كله، وروى حفص عن عاصم: بالنصب، كالجمهور، إلا قوله تعالى: {وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ} فإنه رفعها. ١٢ انظر تفسير الآية:١٦ ١٣ انظر تفسير الآية:١٦ ١٤ انظر تفسير الآية:١٦ ١٥ انظر تفسير الآية:١٦ ١٦ قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ} أي: وسخر ما ذرأ لكم. وذرأ بمعنى: خلق. و «سخر البحر» اي: ذللّه للركوب والغوص فيه {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا} يعني: السمك {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يعني: الدر، واللؤلؤ، والمرجان، وفي هذا دلالة على أن حالفا لو حلف: لا يلبس حليا، فلبس لؤلؤا، أنه يحنث، وقال أبو حنيفة: لا يحنث. قوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْفُلْكَ} يعني: السفن. وفي معنى {مَوَاخِرَ} قولان. احدهما: جواري، قاله ابن عباس. قال اللغويون: يقال: مخرت السفينة مخرا: إذا شقت الماء في جريانها. والثاني: المواقر، يعني: المملوءة، قاله الحسن. وفي قوله تعالى: {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} قولان. احدهما: بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل اللّه. والثاني: بما تستخرجون من حليته، وتصيدون من حيتانه. قال ابن الأنباري: وفي دخول الواو في قوله تعالى: {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} وجهان. احدهما: أنهامعطوفة على لام محذوفة، تقديره: وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا. والثاني: أنها دخلت لفعل مضمر، تقديره: وفعل ذلك لكي تبتغوا. قوله تعالى: {وَأَلْقَىٰ فِى ٱلاْرْضِ رَوَاسِىَ} أي: نصب فيها جبالا ثوابت {أَن تَمِيدَ} أي: لئلا تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل يميد ميدا: إذا أدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والميل، يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفأ. قوله تعالى: {وَأَنْهَـٰراً} قال الزجاج:المعنى: وجعل فيها سبلا، لأن معنى «ألقى»: «جعل»، فأما السبل، فهي الطرق. {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي: لكي تهتدوا إلى مقاصدكم. قوله تعالى: {وَعَلامَـٰتٍ} فيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها معالم الطرف بالنهار، وبالنجم هم يهتدون وبالليل، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنها النجوم أيضا، منها ما يكون علامة لا يهتدى به، ومنها ما يهتدى به، قاله مجاهد، وقتادة، والنخعي. والثالث: الجبال، قاله ابن السائب، ومقاتل. وفي المراد بالنجم أربعة أقوال. احدها: أنه الثريا، والفرقدان، وبنات نعش، والجدي، قاله السدي. والثاني: أنه الجدي، والفرقدان، قاله ابن السائب. والثالث: أنه الجدي وحده، لأنه أثبت النجوم كلها في مركزه، ذكره الماوردي. والرابع: أنه اسم جنس، والمراد جميع النجوم، قاله الزجاج، وقرأ الحسن، والضحاك، وأبو المتوكل، ويحيى بن وثاب: «وبالنُجْم» بضم النون وإسكان الجيم، وقرأ الجحدري: «وبالنُّجُم» بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: «وبالنجوم» بواو على الجمع.وفي المراد بهذا الاهتداء قولان. احدهما: الاهتداء إلى القبلة. والثاني: إلى الطريق في السفر. ١٧ انظر تفسير الآية:١٩ ١٨ انظر تفسير الآية:١٩ ١٩ قوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} يعني: الأوثان، وإنما عبر عنها ب «من»، لأنهم نحلوها العقل والتمييز، {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} يعني: المشركين، يقول: أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون؟ قال الفراء: وإنما جاز أن يقول: {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ}، لأنه ذكر مع الخالق كقوله: {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ} [النور ٤٥] والعرب تقول: اشتبه علي الراكب وجمله، فما أدري من ذا، من ذا لأنهم لما جمعوا بين الإنسان وغيره، صلحت «مَن» فيهما جميعا. قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللّه لاَ تُحْصُوهَا} قد فسرناه في [إبراهيم: ٣٤]. قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه لَغَفُورٌ} أي: لما كان منكم من تقصيركم في شكر نعمه {رَّحِيمٌ} بكم إذ لم يقطعها عنكم بتقصيركم. قوله تعالى: {وَٱللّه يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} روى عبد الوارث، إلا القزاز «يسرون» و «يعلنون» بالياء. ٢٠ انظر تفسير الآية:٢١ ٢١ قوله تعالى: و{ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه} قرأ عاصم: يدعون، بالياء. قوله تعالى: {أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء} يعني: الأصنام. قال الفراء: ومعنى الأموات هاهنا: أنها لا روح فيها. قال الأخفش: وقوله: {غَيْرُ أَحْيَاء} توكيد. قوله تعالى: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} «أيان» بمعنى: متى. وفي المشار إليهم قولان. احدهما: أنها الأصنام، عبر عنها كما يعبر عن الآدميين. قال ابن عباس: وذلك أن اللّه تعالى يبعث الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها، فيتبرؤون من عبادتهم، ثم يؤمر بالشياطين والذين كانوا يعبدونها إلى النار. والثاني: أنهم الكفار، لا يعلمون متى بعثهم، قاله مقاتل. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٦ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٧ قوله تعالى: {إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} قد ذكرناه في سورة [البقرة ١٦٣]. قوله تعالى: {فَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاْخِرَةِ} أي: بالبعث والجزاء {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} أي: جاحدة لا تعرف التوحيد {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} أي: ممتنعون من قبول الحق. قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ} قد فسرناه في [هود ٢٢] ومعنى الآية: أنه يجازيهم بسرهم وعلنهم، لأنه يعلمه. والمستكبرون: المتكبرون عن التوحيد والإيمان. وقال مقاتل: «ما يسرون» حين بعثوا في كل طريق من يصد الناس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، «وما يعلنون» حين أظهروا العداوة لرسول اللّه. قوله تعالى: {وَإِذَا قيل لَهُمْ} يعني: المستكبرين {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} على محمد صلى اللّه عليه وسلم؟ قال الزجاج: «ماذا» بمعنى «مالذي» و {أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ} مرفوعة على الجواب، كأنهم قالوا: الذي أنزل: أساطير الأولين، أي: الذي تذكرون أنتم أنه منزل: أساطير الأولين. وقد شرحنا معنى الأساطير في {ٱلاْنْعَـٰمِ}. قال مقاتل: الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان، ويقول بعضهم: إن محمدا ساحر، ويقول بعضهم: شاعر، وقد شرحنا هذا المعنى في {ٱلْحَجَرَ} في ذكر المقتسمين. قوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} هذة لام العاقبة، وقد شرحناهافي غير موضع، والأوزار: الاثام، وإنما قال: كاملة، لأنه لم يكفر منها شيء بما يصيبهم من نكبة، أو بلية، كما يكفر عن المؤمن، {وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: أنهم أضلوهم بغير دليل، وإنما حملوا من اوزار الأتباع، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة، وقد ذكر ابن الأنباري في «مِن» وجهين. احدهما: أنها للتبعيض، فهم يحملون ما شركوهم فيه، فأما ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء، فلا يحملونه، فيصح معنى التبعيض. والثاني: أن «مِن» مؤكدة، والمعنى: وأوزار الذين يضلونهم. {أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} أي: بئس ماحملوا على ظهورهم. قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قال المفسرون: يعني به: النمرود ابن كنعان، وذلك أنه بنى صرحا طويلا. واختلفوا في طوله، فقال ابن عباس: خمسة آلاف ذراع، وقال مقاتل: كان طوله فرسخين، قالوا: ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه. ومعنى «المكر» هاهنا: التدبير الفاسد. وفي الهاء والميم من «قبلهم» قولان. احدهما: أنها للمقتسمين على عقاب مكة، قاله ابن السائب. والثاني: لكفار مكة، قاله مقاتل. قوله تعالى: {فَأَتَى ٱللّه بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ} أي: من الأساس. قال المفسرون: أرسل اللّه ريحا فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي.قال السدي: لما سقط الصرح، تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت «بابل»، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية، وهذا قول مردود، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم، فأما أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي، فباطل، وإنما اللغات تعليم من اللّه تعالى. فان قيل: إذا كان الماكر واحدا، فكيف قال: «الذين» ولم يقل: «الذي»؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه كان الماكر ملكا له أتباع، فأدخلوا معه في الوصف. والثاني: أن العرب توقع الجمع على الواحد، فيقول قائلهم: خرجت إلى البصرة على البغال، وإنما خرج على بغل واحد. والثالث: أن «الذين» غير موقع على واحد معين، لكنه يراد به: قد مكر الجبارون الذين من قبلهم، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري: قال: وذكر بعض العلماء: أنه إنما قال: «من فوقهم»، لينبه على أنهم كانوا تحته،إذ لو لم يقل ذلك، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته، لأن العرب تقول: سقط علينا البيت، وخر علينا الحانوت، وتداعت علينا الدار، وليسوا تحت ذلك. قوله تعالى: {وَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} أي: من حيث ظنوا أنهم آمنون فيه. قال السدي: أخذوا من مأمنهم. وروى عطية عن ابن عباس قال: خر عليهم عذاب من السماء. وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط. وقال ابن قتيبة: هذا مثل، والمعنى: أهلكهم اللّه، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله، فخر عليه. قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُخْزِيهِمْ} أي: يذلهم بالعذاب. {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، «شركائي» الذين بهمزة وفتح الياء، وقال البزي عن ابن كثير: «شركاي» مثل: هداي، والمعنى: أين شركائي على زعمكم؟ هلا دفعوا عنكمٰ. {ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تُشَـٰقُّونَ فِيهِمْ} أي: تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون اللّه، وقرأ نافع: «تشاقون» بكسر النون، أراد: تشاقونني، فحذف النون الثانية، وأبقى الكسرة تدل عليها، والمعنى: كنتم تنازعونني فيهم، وتخالفون أمري لأجلهم. قوله تعالى: {قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} فيهم ثلاثة أقوال. احدها: أنهم الملائكة، قاله ابن عباس. والثاني: الحفظة من الملائكة، قاله مقاتل. والثالث: أنهم المؤمنون.فأما «الخزي» فقد شرحناه في مواضع [آل عمران ١٩٢] و «السوء» هاهنا: العذاب. ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ} قال عكرمة: هؤلاء قوم كانوا بمكة أقروا بالإسلام ولم يهاجروا، فأخرجهم المشركون كرها إلى بدر، فقتل بعضهم. وقد شرحنا هذا في سورة [النساء ٩٧]. قوله تعالى: {فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ} قال ابن قتيبة: انقادوا واستسلموا، والسلم: الاستسلام. قال المفسرون: وهذا عندالموت يتبرؤون من الشرك، وهم قولهم: {كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء} وهو الشرك، فترد عليهم الملائكة فتقول: «بلى». وقيل: هذا رد خزنة جهنم عليهم {بَلَىٰ إِنَّ ٱللّه عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والتكذيب. ثم يقال لهم: ادخلوا أبواب جهنم، وقد سبق تفسير ألفاظ الآية [النساء ٩٧] و [الحجر ٤٤]. ٣٠ انظر تفسير الآية:٣٢ ٣١ انظر تفسير الآية:٣٢ ٣٢ قوله تعالى: {وقيل لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} روى أبو صالح عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقاب مكة أيام الحج على طريق الناس، ففرقوهم على كل عقبة أربعة رجال، ليصدوا الناس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقالوا لهم: من أتاكم من الناس يسألكم عن محمد فليقل بعضكم: شاعر، وبعضكم: كاهن، وبعضكم: مجنون، وألا تروه ولا يراكم خير لكم، فإذا انتهوا إلينا، صدقانكم، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فبعث إلى كل أربعة منهم أربعة من المسلمين، فيهم عبد اللّه بن مسعود، فأمروا أن يكذبوهم، فكان الناس إذا مروا على المشركين، فقالوا ما قالوا، رد عليهم المسلمون، وقالوا: كذبوا، بل يدعو إلى الحق، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الخير، فيقولون: وما هذا الخير الذي يدعوا إليه؟ فيقولون: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ}. قوله تعالى: {قَالُواْ خَيْرًا} أي: أنزل خيرا، ثم فسر ذلك الخير فقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا} قالوا: لا إله إلا اللّه، وأحسنوا العمل {حَسَنَةٌ} أي: كرامة من اللّه تعالى في الآخرة، وهي الجنة، وقيل: «للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة» في الدنيا وهي ما رزقهم من خيرها وطاعته فيها، {وَلَدَارُ ٱلاْخِرَةِ} يعني: الجنة {خَيْرٌ} من الدنيا. وفي قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ} قولان. احدهما: أنها الجنة، قاله الجمهور. قال ابن الأنباري: في الكلام محذوف، تقديره: ولنعم دار المتقين الآخرة، غير أنه لما ذكرت أولا، عرف معناها آخرا، ويجوز أن يكون المعنى: ولنعم دار المتقين جنات عدن. والثاني: أنها الدنيا. قال الحسن:ولنعم دار المتقين الدنيا، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة. قوله تعالى: {جَنَّـٰتِ عَدْنٍ} قد شرحناه في [براءة: ٧٢]. قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ} وقرأ حمزة «يتوفاهم» بياء مع الإمالة. وفي معنى «طيبين» خمسة أقوال. احدها: مؤمنين. والثاني: طاهرين من الشرك. والثالث: زاكية أفعالهم وأقوالهم. والرابع: طيبة وفاتهم، سهل خروج أرواحهم. والخامسة: طيبة أنفسهم بالموت، ثقة بالثواب. قوله تعالى: {يَقُولُونَ} يعني الملائكة {سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ}. وفي أي وقت يكون هذا [السلام]؟ فيه قولان. احدهما: عند الموت. قال البراء بن عازب: يسلم عليه ملك الموت إذا دخل عليه. وقال القرظي: ويقول له: اللّه عز وجل يقرأ عليك السلام، ويبشره بالجنة. والثاني: عند دخول الجنة. قال مقاتل: هذا قول خزنة الجنة لهم في الآخرة يقولون: سلام عليكم. ٣٣ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٤ قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ} وقرأ حمزة، والكسائي «يأتيهم» بالياء، وهذا تهديد للمشركين، وقد شرحناه في {البقرة ٢١٠} وآخر {ٱلاْنْعَـٰمِ}. وفي قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ} قولان. احدهما: أمر اللّه فيهم، قاله ابن عباس. والثاني: العذاب في الدنيا، قاله مقاتل. قوله تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يريد: كفار الأمم الماضية، كذبوا كما كذب هؤلاء. {وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللّه} باهلاكهم {وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، بالشرك {فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي: جزاؤها، قال ابن عباس: جزاء ما عملوا من الشرك، {وَحَاقَ بِهِم} قد بيناه في {ٱلاْنْعَـٰمِ} والمعنى: أحاط بهم {مَّا كَانُوا بِهِ} من العذاب. ٣٥ انظر تفسير الآية:٣٧ ٣٦ انظر تفسير الآية:٣٧ ٣٧ قوله تعالى: {يَسْتَهْزِءونَ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} يعني: كفار مكة {لَوْ شَآء ٱللّه مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء} يعني: الأصنام أي لو شاء ما أشركنا ولا حرمنا من دونه من شيء من البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، والحرث، وذلك أنه لما نزل {تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللّه} [الدهر ٣٠] قالوا هذا، على سبيل الاستهزاء، لا على سبيل الاعتقاد، وقيل: معنى كلامهم: لو لم يأمرنا بهذا ويرده منا، لم نأته. قوله تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي: من تكذيب الرسل وتحريم ما أحل اللّه، {فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ} يعني: ليس عليهم إلا التبليغ، فأما الهداية، فهي إلى اللّه تعالى، وبين ذلك بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً} أي: كما بعثناك في هؤلاء {أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللّه} أي: وحدوه {وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ} وهو الشيطان {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللّه} أي: أرشده {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ} أي: وجبت في سابق علم اللّه، فأعلم اللّه عز وجل أنه إنما بعث الرسل بالأمر بالعبادة، وهو من وراء الإضلال والهداية، {فَسِيرُواْ فِى ٱلاْرْضِ} أي: معتبرين بآثار الأمم المكذبة. ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي، فقال: {إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ} أي: [إن] تطلب هداهم بجهدك {فَإِنَّ ٱللّه لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، «لا يُهدَى» برفع الياء وفتح الدال، والمعنى: من أضله، فلا هادي له، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «يَهدِي» بفتح الياء وكسر الدال، ولم يختلفوا في {يُضِلَّ} أنها بضم الياء وكسر الضاد، وهذه القراءة تحتمل معنيين، ذكرهما ابن الأنباري. احدهما: لا يهدي من طبعه ضالا، وخلقه شقيا. والثاني: لا يهدي أي: لا يهتدي من أضله، أي من أضله اللّه لا يهتدي، فيكون معنى يهدي: يهتدي، تقول العرب: قد هدي فلان الطريق، يريدون: اهتدى. ٣٨ انظر تفسير الآية:٤٢ ٣٩ انظر تفسير الآية:٤٢ ٤٠ انظر تفسير الآية:٤٢ ٤٢ قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِٱللّه جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ} سبب نزولها أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت؟ فأقسم باللّه {لاَ يَبْعَثُ ٱللّه مَن يَمُوتُ}، فنزلت هذه الآية، قاله أبو العالية. و {جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ} مفسر في [المائدة ٥٣] وقوله: {بَلَىٰ} رد عليهم، قال الفراء: والمعنى: {بَلَىٰ} ليبعثنهم {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا}. قوله تعالى: {لِيُبَيّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} قال الزجاج: يجوز أن يكون متعلقا بالبعث، فيكون المعنى: بلى يبعثهم فيبين لهم، ويجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً} ليبين لهم. وللمفسرين في قوله {لِيُبَيّنَ لَهُمُ} قولان. احدهما: أنهم جميع الناس، قاله قتادة. والثاني: أنهم المشركون، يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين فيه. قوله تعالى: {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰذِبِينَ} أي: فيما أقسموا عليه من نفي البعث. ثم أخبر بقدرته على البعث بقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة «فيكونُ» رفعا، وكذلك في كل القرآن. وقرأ ابن عامر، والكسائي «فيكونَ» نصبا قال مكي بن إبراهيم: من رفع، قطعه عما قبله، والمعنى: فهو يكون، ومن نصب، عطفه على «يقول» وهذا مثل قوله: {وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وقد فسرناه في {البقرة ١١٧}. فان قيل: كيف سمي الشيء قبل وجوده شيئا؟. فالجواب: أن الشيء وقع على المعلوم عند اللّه قبل الخلق، لأنه بمنزلة ما قد عوين وشوهد. قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ فِى ٱللّه} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. احدها: أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بلال، وعمار، وصهيب، وخباب بن الأرت، وعايش وجبر موليان لقريش، أخذهم أهل مكة فجعلوا يعذبونهم، ليردوهم عن الإسلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو، قاله داود بن أبي هند. والثالث: أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله قتادة: ومعنى «هاجروا في اللّه» أي: في طلب رضاه وثوابه {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} بما نال المشركون منهم، {لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَة} وفيها خمسة أقوال. احدها: لننزلنهم المدينة، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والشعبي، وقتادة، فيكون المعنى: لَنُبوِئنَهم دارا حسنة وبلدة حسنة. والثاني: لنرزقنهم في الدنيا الرزق الحسن، قاله مجاهد. والثالث: النصر على العدو، قاله الضحاك. والرابع: أنه ما بقي بعدهم من الثناء الحسن، وصار لأولادهم من الشرف، ذكره الماوردي، وقد روي معناه عن مجاهد، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: {لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَة} قال: لسان صادق. والخامس: أن المعنى: لنحسنن إليهم في الدنيا، قال بعض أهل المعاني: فتكون على هذه الأقوال «لنبوئنهم»، على سبيل الاستعارة، إلا على القول الأول. قوله تعالى: {وَلاَجْرُ ٱلاْخِرَةِ أَكْبَرُ} قال ابن عباس: يعني: الجنة، {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يعني: أهل مكة.ونقل عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه، قال: خذ بارك اللّه لك فيه، هذا ما وعدك اللّه في الدنيا، وما ذخر لك في الآخرة أفضل، ثم يتلو هذه الآية. ثم إن اللّه أثنى عليهم ومدحهم بالصبر فقال: {ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ} أي: على دينهم، لم يتركوه لأذى نالهم، وهم في ذلك واثقون بربهم. ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} قال المفسرون: لما أنكر مشركو قريش نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فهلا بعث إلينا ملكا: فنزلت هذه الآية، والمعنى: أن الرسل كانوا مثلك آدميين، إلا أنهم يوحى إليهم، وقرأ حفص عن عاصم: «نوحي» بالنون وكسر الحاء. {فَٱسْأَلُواْ} يامعشر المشركين {أَهْلَ ٱلذّكْرِ} وفيهم أربعة أقوال. احدها: أنهم أهل التوراة والإنجيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أهل التوراة، قاله مجاهد. والثالث: أهل القرآن، قاله ابن زيد. والرابع: العلماء بأخبار من سلف، ذكره الماوردي. وفي قوله تعالى: {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} قولان. احدهما: لا تعلمون أن اللّه تعالى بعث رسولا من البشر. والثاني: لا تعلمون أن محمدا رسول اللّه، فعلى القول الأول، جائز أن يسأل من آمن برسول اللّه ومن كفر، لأن أهل الكتاب والعلم بالسير متفقون على أن الأنبياء كلهم، من البشر، وعلى الثاني إنما يسأل من آمن من أهل الكتاب، وقد روي عن مجاهد {فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ} قال: عبد اللّه بن سلام، وعن قتادة، قال: سليمان الفارسي. قوله تعالى: {بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ} في هذه «الباء» قولان. احدهما: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلناهم بالبينات. والزبر: الكتب. وقد شرحنا في [آل عمران ١٨٤]. قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ} وهو القرآن باجماع المفسرين {لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} [فيه] من حلال وحرام، ووعد ووعيد {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} في ذلك فيعتبرون. ٤٥ انظر تفسير الآية:٤٧ ٤٦ انظر تفسير الآية:٤٧ ٤٧ قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ} قال المفسرون: أراد مشركي مكة. ومكرهم السيئات: شركهم وتكذيبهم، وسمي ذلك مكرا، لأن المكر في اللغة: السعي بالفساد، وهذا استفهام إنكار، ومعناه: ينبغي أن لا يأمنوا العقوبة، وكان مجاهد يقول: عنى بهذا الكلام نمرود بن كنعان. قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ} فيه اربعة أقوال. احدها: في أسفارهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة. والثاني: في منامهم، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: في ليلهم ونهارهم، قاله الضحاك، وابن جريج، ومقاتل. والرابع: أنه جميع ما يتقلبون فيه، قاله الزجاج. قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ} فيه قولان. احدهما: على تنقص، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. قال ابن قتيبة: التخوف: التنقص، ومثله التخون. يقال: تخوفته الدهور وتخونته: إذا نقصته وأخذت من ماله وجسمه. وقال الهيثم بن عدي: التخوف: التنقص، بلغة أزد شنوءة. ثم في هذا التنقص ثلاثة اقوال. احدها: أنه تنقص من أعمالهم، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أخذ واحد بعد واحد، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث: تنقص أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم، قاله الزجاج. والثاني: أنه التخوف نفسه، ثم فيه قولان. احدهما: يأخذهم على خوف أن يعاقب أو يتجاوز، قاله قتادة. والثاني: أنه يأخذ قرية لتخاف القرية الأخرى، قاله الضحاك. وقال الزجاج: يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها، فعلى هذا، خوفهم قبل هلاكهم، فلم يتوبوا، فاستحقوا العذاب. قوله تعالى: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} إذ لم يعجل بالعقوبة، وأمهل للتوبة. ٤٨ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٠ ٥٠ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «أولم يروا» بالياء، وقرأ حمزة، والكسائي: «تروا» بالتاء، واختلف عن عاصم. قوله تعالى: {إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللّه مِن شَىْء} أراد من شيء له ظل، من جبل، أو شجر، أو جسم قائم {يَتَفَيَّأُ} قرأ الجماعة بالياء، وقرأ أبو عمرو، ويعقوب بالتاء {ضلاله} وهو جمع ظل، وإنما جمع وهو مضاف إلى واحد، لأنه واحد يراد به الكثرة، كقوله تعالى: {تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ} [الزخرف ١٣] قال ابن قتيبة: ومعنى يتفيأ ظلاله: يدور ويرجع من جانب، إلى جانب والفيء: الرجوع، ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق. قال المفسرون: إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة، كان الظل قدامك، فإذا ارتفعت كان عن يمينك، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإذا دنت للغروب كان على يسارك، وإنما وحد اليمين، والمراد به: الجمع، ايجازا في اللغظ، كقوله تعالى: {وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ} [القمر ٤٥]، ودلت «الشمائل» على أن المراد به الجميع، وقال الفراء: إنما وحد اليمين، وجمع الشمائل، ولم يقل: الشمال، لأن كل ذلك جائز في اللغة، وأنشد: الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس ولم يقل: جلود، ومثله: كلوا في نصف بطنكم تعيشوا فإن زمانكم زمن خميص وإنما جاز التوحيد، لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد. وقال غيره: اليمين راجعة إلى لفظ ما، وهو واحد، والشمائل راجعة إلى المعنى. قوله تعالى: {سُجَّدًا للّه} قال ابن قتيبة: مستسلمة، منقادة، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: {وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ} [الرعد ١٥]. وفي قوله تعالى: {وَهُمْ دٰخِرُونَ} قولان. احدهما: والكفار صاغرون. والثاني: وهذه الاشياء داخرة مجبولة على الطاعة. قال الأخفش: إنما ذكر من ليس من الإنس، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإنس في الفعل. قوله تعالى: {وَللّه يَسْجُدُ ٱللّه ٱلسَّمَـٰوَاتِ} الآية. الساجدون على ضربين. احدهما: من يعقل، فسجوده عبادة. والثاني: من لا يعقل، فسجوده بيان أثر الصنعة فيه، والخضوع الذي يدل على أنه فمخلوق، هذا قول جماعة من العلماء، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر: بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر قال ابن قتيبة: حجراته، أي: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. فأما الشمس والقمر والنجوم، فألحقها جماعة بمن يعقل، فقال أبو العالية: سجودها حقيقة، ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي اللّه عز وجل، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، ويشهد لقول أبي العالية، حديث أبي ذر قال: كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: «يا أبا ذرٰ تدري أين ذهبت الشمس» قلت اللّه ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها فكأنها قد قيل لها، ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها»، ثم قرأ: {وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا} [يس ٣٨] أخرجه البخاري ومسلم. وأما النبات والشجر، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء. احدها: أن يكون سجودا لا نعلمه، وهذا إذا قلنا: إن اللّه يودعه فهما. والثاني: أنه تفيؤ ظلاله. والثالث: بيان الصنعة فيه. والرابع: الانقياد لما سخر له. قوله تعالى: {وَٱلْمَلَـئِكَةُ} إنما أخرج الملائكة من الدواب، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب. وفي قوله: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} قولان. احدهما: أنه من صفة الملائكة خاصة، قاله ابن السائب، ومقاتل. والثاني: أنه عام في جميع المذكورات، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي قوله: {مّن فَوْقِهِمْ} قولان. ذكرهما ابن الأنباري. احدهما: أنه ثناء على اللّه تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عاليا رفيعا عظيما. والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظمين له عالمين بعظيم سلطانه. ٥١ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٢ قوله تعالى: {وَقَالَ ٱللّه لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ} سبب نزولها: أن رجلا من المسلمين دعا اللّه في صلاته، ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. قال الزجاج: ذكر الاثنين توكيد، كما قال تعالى: {إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ}. قوله تعالى: {وَلَهُ ٱلدّينُ وَاصِبًا} في المراد بالدين أربعة أقوال. احدها: أنه الإخلاص، قاله مجاهد. والثاني: العبادة قاله سعيد بن جبير. والثالث: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وإقامة الحدود، والفرائض، قاله عكرمة. والرابع: الطاعة، قاله ابن قتيبة. وفي معنى «واصبا» أربعة أقوال. احدها: دائما، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، والثوري، واللغويون. قال أبو الأسود الدؤلي: لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصباقال ابن قتيبة: معنى الكلام: أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكه، غير اللّه عز وجل، فإن الطاعة تدوم له. والثاني: واجبا، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: خالصا، قاله الربيع بن أنس. والرابع: وله الدين موصبا، أي: متعبا لأن الحق نقيل، وهو كما تقول العرب: هم ناصب، أي: منصب، قال النابغة: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيىء الكواكب ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: له الدين، والطاعة، رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه، أو لم يسهل، فله الدين وإن كان فيه الوصب، والوصب، شدة التعب. ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٤ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٥ قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ} قال الزجاج: المعنى: ما حل بكم من نعمة، من صحة في جسم، أو سعة في رزق، أو متاع من مال وولد {فَمِنَ ٱللّه} وقرأ ابن أبي عبلة: «فمن اللّه» بتشديد النون. قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ} قال ابن عباس: يريد الأسقام، والأمراض، والحاجة. قوله تعالى: {وَمَا بِكُم} قال الزجاج: تجأرون ترفعون أصواتكم إليه بالاستغاثة، يقال: جأر يجأر جؤارا، والأصوات مبنية على «فعال» و «فعيل» فأما «فعال» فنحو «الصراخ» و «الخوار» وأما «الفعيل» فنحو «العويل» و «الزئير» والفعال أكثر. قوله تعالى: {إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم} قال ابن عباس: يريد أهل النفاق. قال ابن السائب: يعني الكفار. قوله تعالى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتَيْنَـٰهُمْ} قال الزجاج: المعنى ليكفروا بأنا أنعمنا عليهم، فجعلوا نعمنا سببا إلى الكفر، وهو كقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ} إلى قوله: {لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} [يونس ٨٨] ويجوز أن يكون «ليكفروا» أي: ليجحدوا نعمة اللّه في ذلك. قوله تعالى: {فَتَمَتَّعُواْ} تهدد، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة أمركم. ٥٦ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٧ انظر تفسير الآية٥٩: ٥٨ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٩ قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: الأوثان. وفي الذين لا يعلمون قولان. احدهما: أنهم الجاعلون، وهم المشركون، والمعنى: لما لا يعلمون لها ضرا ولا نفعا، فمفعول العلم محذوف، وتقديره: ما قلنا، هذا قول مجاهد، وقتادة. والثاني: أنها الأصنام التي لا تعلم شيئا، وليس لها حس ولا معرفة، وإنما قال: يعلمون، لأنهم لما نحولها الفهم، أجراها مجرى، من يعقل على زعمهم، قاله جماعة من أهل المعاني. قال المفسرون: وهؤلاء مشركو العرب جعلوا لأوثانهم جزءا من أموالهم، كالبحيرة والسائبة وغير ذلك مما شرحناه في [الأنعام ١٣٩]. قوله تعالى: {تَٱللّه لَتُسْـئَلُنَّ} رجع عن الإخبار عنهم إلى الخطاب لهم، وهذا سؤال توبيخ. قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ للّه ٱلْبَنَـٰتِ} قال المفسرون: يعني: خزاعة وكنانة، زعموا أن الملائكة بنات اللّه {سُبْحَـٰنَهُ} أي: تنزه عما زعموا. {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} يعني: البنين. قال أبوسليمان: المعنى: ويتمنون لأنفسهم الذكور. قوله تعالى: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلاْنْثَىٰ} أي: أخبر أنه قد ولد له بنت {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا} قال الزجاج: أي: متغير تغير مغتم، يقال لكل من لقي مكروها: قد اسود وجهه غما وحزنا. قوله تعالى: {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي: يكظم شدة وجده، فلا يظهره، وقد شرحناه في سورة {يُوسُفَ}. قوله تعالى: {يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ} قال المفسرون: وهذا صنيع مشركي العرب، كان أحدهم إذا ضرب امرأته المخاض، توارى إلى أن يعلم ما يولد له، فان كان ذكرا، سر به، وإن كانت أنثى، لم يظهر أياما يدبر كيف يصنع في أمرها، وهو قوله تعالى: {أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ} فالهاء ترجع إلى ما في قوله: {مَا بُشّرَ بِهِ} والهون في كلام العرب:الهوان. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة، والجحدري: «على هوان» والدس: إخفاء الشيء، في الشيء، وكانوا يدفنون البنت وهي حية {أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ} إذ جعلوا للّه البنات اللاتي محلهن منهم هذا، ونسبوه إلى الولد، وجعلوا لأنفسهم البنين. ٦٠ قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاْخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْء} أي: صفة السوء من احتياجهم إلى الولد، وكراهتهم للاناث، خوف الفقر والعار، {وَللّه ٱلْمَثَلُ ٱلاْعْلَىٰ} أي: الصفة العليا من تنزهه وبراءته عن الولد. ٦١ قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللّه ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} أي: بشركهم ومعاصيهم، كلما وجد شيء منهم أوخذوا به {مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا} يعني: الأرض، وهذه كناية عن غير مذكور، غير أنه مفهوم، لأن الدواب إنما هي على الأرض. وفي قوله: {مِن دَابَّةٍ} ثلاثة أقوال. احدها: أنه عنى جميع ما يدب على وجه الأرض، قاله ابن مسعود. قال قتادة: وقد فعل ذلك في زمن نوح عليه السلام، وقال السدي: المعنى: لأقحط المطر فلم تبق دابة إلا هلكت، وإلى نحوه ذهب مقاتل. والثاني: أنه أراد من الناس خاصة، قاله ابن جريج. والثالث: من الإنس والجن، قاله ابن السائب، وهو اختيار الزجاج. قوله تعالى: {وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ} وهو منتهى آجالهم، وباقي الآية قد تقدم[الأعراف: ٣٤] ٦٢ قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ للّه مَا يَكْرَهُونَ} المعنى: ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم، وهو البنات، {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ} أي: تقول الكذب، وقرأ أبو العالية، والنخعي، وابن أبي عبلة: «الكذب» بضم الكاف والذال، ثم فسر ذلك الكذب بقوله: {أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ} وفيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها البنون، قاله مجاهد، وقتادة، ومقاتل. والثاني: أنها الجزاء الحسن من اللّه تعالى، قاله الزجاج. والثالث: [أنها] الجنة، وذلك أنه لما وعد اللّه المؤمنين الجنة، قال المشركون: إن كان ما تقولونه حقا، لندخلنها قبلكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ} قد شرحناها فيما مضى [هود: ٢٢] وقال الزجاج: «لا» رد لقولهم، والمعنى: ليس ذلك كما وصفوا «جرم» أن لهم النار، المعنى: جرم فعلهم، أي: كسب فعلهم هذا {أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} وفيه أربعة أوجه، قرأ الأكثرون: «مفرطون» بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها، وفي معناها قولان. احدهما: متركون، قاله ابن عباس. وقال الفراء: منسيون في النار. والثاني: معجلون، قاله ابن عباس. أيضا. وقال ابن قتيبة: معجلون إلى النار. قال الزجاج: معنى «الفرط» في اللغة: المتقدم، فمعنى «مفرطون»: مقدمون إلى النار، ومن فسرها «متركون» فهو كذلك [أيضا]، أي: قد جعلوا مقدمين إلى العذاب أبدا، متروكين فيه. وقرأ نافع، ومحبوب. عن أبي عمرو، وقتيبة عن الكسائي «مفرطون» بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها، قال الزجاج: ومعناها: أنهم أفرطوا في معصية اللّه. وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة «مفرطون» بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها، قال الزجاج. ومعناها: أنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة، وتصديق هذه القراءة {نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ ٱللّه} [الزمر: ٥٦] وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر «مفرطون» بفتح الفاء والراء وتشديدها، قال الزجاج: وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى، فالمفرط والمفرط بمعنى واحد. ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٤ ٦٤ قوله تعالى: {تَٱللّه لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ} قال المفسرون: هذه تعزية للنبي {فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـِّنُ أَعْمَالَهُمْ} الخبيثة حتى عصوا وكذبوا، {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ} فيه قولان. احدهما: أنه يوم القيامة، قاله ابن السائب، ومقاتل، كأنهما أرادا: فهو وليهم يوم تكون لهم النار. والثاني: أنه الدنيا، فالمعنى: فهو مواليهم في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {إِلاَّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ} يعني: الكفار {ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ} أي: ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء، فالمعنى: أنزلناه بيانا لما وقع فيه الاختلاف. ٦٥ انظر تفسير الآية:٦٧ ٦٦ انظر تفسير الآية:٦٧ ٦٧ قوله تعالى: {وَٱللّه أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء} يعني: المطر {فَأَحْيَا بِهِ ٱلاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي: بعد يبسها {إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي: يعتبرون. قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلاْنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ} قرأ أبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، والكسائي: «نُسقيكم» بضم النون، ومثله في {ٱلْمُؤْمِنِينَ} وقرأ نافع، وابن عامر، وأبوبكر عن عاصم: «نَسقيكم» بفتح النون فيهما، وقرأ أبو جعفر: «تَسْقِيكم» بتاء مفتوحة، وكذلك في {ٱلْمُؤْمِنِينَ} وقد سبق بيان الأنعام. وذكرنا معنى «العبرة» في {ءالَ عِمْرَانَ} والفرق بين «سقى» وأسقى في {ٱلْحَجَرَ} فأما قوله: {مّمَّا فِى بُطُونِهِ} فقال الفراء: النعم والأنعام شيء واحد، وهما جمعان، فرجع التذكير إلى معنى «النعم» إذ كان يؤدي عن الأنعام، أنشدني بعضهم. وطاب ألبان اللقاح وبرد فرجع إلى اللبن، لأن اللبن والألبان في معنى، قال: وقال الكسائي: أراد: نسقيكم مما في البطون ما ذكرنا وهو صواب أنشدني بعضهم مثل الفراخ نتفت حواصله وقال المبرد: هذا فاش في القرآن، كقوله للشمس: {هَـٰذَا رَبّى} [الأنعام: ٧٨] يعني: هذا الشيء الطالع، وكذلك {وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} ثم قال: {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ} [النمل:٣٥،٣٦] ولم يقل: «جاءت» لأن المعنى: جاء الشيء الذي ذكرنا، وقال أبو عبيدة: الهاء في «بطونه» للبعض، والمعنى: نسقيكم مما في بطون البعض الذي له لبن، لأنه ليس لكل الأنعام لبن، وقال ابن قتيبة: ذهب بقوله: {مّمَّا فِى بُطُونِهِ} إلى النعم، والنعم تذكر وتؤنث، والفرث: ما في الكرش، والمعنى: أن اللبن كان طعاما، فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فرث في الكرش، وخلص من ذلك الدم {لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} أي: سهلا في الشرب لا يشجى به شاربه، ولا يغص. وقال بعضهم: سائغا، أي: لا تعافه النفس وإن كان قد خرج من بين فرث ودم. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: إذا استقر العلف في الكرش، طحنه، فصار أسفله فرثا، وأعلاه دما، وأوسطه لبنا، والكبد مسلطه على هذه الأصناف الثلاثة، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويبقى الفرث في الكرش. قوله تعالى: {وَمِن ثَمَرٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلاْعْنَـٰبِ} تقدير الكلام: ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا. والعرب تضمر {مَا} كقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الإنسان: ٢٠] أي: ما ثم. والكناية في «منه» عائدة على «ما» المضمرة. وقال الأخفش: إنما لم يقل: منهما، لأنه أضمر الشيء، كأنه قال: ومنها شيء تتخذون منه سكرا. وفي المراد بالسكر ثلاثة أقوال. احدها: أنه الخمر، قاله ابن مسعود، وابن عمر، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وابراهيم، ابن أبي ليلى، والزجاج، وابن قتيبة، وروى عمرو بن سفيان عن ابن عباس قال: السكر: ما حرم من ثمرتها، وقال هؤلاء المفسرون: وهذه الآية نزلت إذ كانت الخمرة مباحة، ثم نسخ ذلك بقوله: {فَٱجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] وممن ذكر أنها منسوخة، سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، والنخعي. والثاني: أن السكر: الخل، بلغة الحبشة، رواه العوفي عن ابن عباس، وقال الضحاك: هو الخل، بلغة اليمن. والثالث: أن «السكر» الطعم، يقال: هذا له سكر، أي: طعم، وأنشدوا: جعلت عيب الأكرمين سكرا قاله أبو عبيدة: فعلى هذين القولين، الآية محكمة. فأما الرزق الحسن، فهو ما أحل منهما، كالتمر، والعنب، والزبيب، والخل، ونحو ذلك. ٦٨ انظر تفسير الآية:٦٩ ٦٩ قوله تعالى: {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ} في هذا الوحي قولان: احدهما: أنه إلهام، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والضحاك، ومقاتل. والثاني: أنه أمر، رواه العوفي عن ابن عباس. وروى ابن مجاهد عن أبيه قال: أرسل إليها. والنحل: زنابير العسل، واحدتها نحلة. «ويعرشون» يجعلونه عريشا. وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم «يعرشون» بضم الراء، وهما لغتان، يقال: «يعرِش» و{يعرُش} مثل {يعكِف} {ويعكُف} ثم فيه قولان. احدهما: ما يعرشون من الكروم، قاله ابن زيد. والثاني: أنها سقوف البيوت، قاله الفراء. وقال ابن قتيبة: كل شيء عرش، من كرم، أو نبات، أو سقف، فهو عرش، ومعروش. وقيل: المراد ب {مّمَّا يَعْرِشُونَ}: مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها تلقي فيها العسل، ولولا التسخير، ما كانت تأوي إليها. قوله تعالى: {ثُمَّ عَلَىَّ مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ} قال ابن قتيبة: أي من الثمرات، و«كل» هاهنا ليست على العموم، ومثله قوله: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء} [الأحقاف: ٢٥] قال الزجاج: فهي تأكل الحامض، والمر، ومالا يوصف طعمه، فيحيل اللّه عز وجل من ذلك عسلا. قوله تعالى: {فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ} السبل: الطرق، وهي التي يطلب فيها الرعي. «والذلل» جمع ذلول. وفي الموصوف بها قولان. احدهما: أنها السبل، فالمعنى: اسلكي اسبل مذللة لك، فلا يتوعر عليها مكان سلكته، وهذا قول مجاهد، واختيار الزجاج. والثاني: انها النحل، فالمعنى: إنك مذللة بالتسخير لبين آدم، وهذا وقول قتادة، واختيار ابن قتيبة. قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} يعني: العسل {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} قال ابن عباس: منه أحمر، وأبيض، وأصفر. قال الزجاج: {يَخْرُجُ} من بطونها، إلا أنها تلقيه من أفواهها، وإنما قال. من بطونها، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم. قوله تعالى: {فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ} في هاء الكنابة ثلاثة أقوال. احدها: أنها ترجع إلى العسل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود. واختلفوا، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره، أم لا؟ على قولين: احدهما: أنه عام في كل مرض. قال ابن مسعود: العسل شفاء من كل داء وقال قتادة: فيه شفاء للناس من الأدواء. وقد روى أبو سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى رسول اللّه. فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: «اسقه عسلا» فسقاه، ثم أتى فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، قال «اسقه، عسلا» فذكر الحديث إلى أن قال: فشفي، إما في الثالثة، وإما في الرابعة. فقال رسول اللّه {صَدَقَ ٱللّه وَكَذَّبَ بَطَنَ} أخرجه البخاري، ومسلم. ويعني: بقوله «صدق اللّه»: هذه الآية. والثاني: فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه، قاله السدي. والصحيح أن ذلك خرج مخرج الغالب. قال ابن الأنباري: الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء، ويدخل في الأدوية، فإذا لم يوافق آحاد المرضى: فقد وافق الأكثرين، وهذا كقول العرب: الماء حياة كل شيء، وقد نرى من يقتله الماء، وإنما الكلام على الأغلب. والثاني: أن الهاء ترجع إلى الاعتبار. والشفاء: بمعنى الهدى، قاله الضحاك. والثالث: أنها ترجع إلى القرآن، قاله مجاهد. ٧٠ قوله تعالى: {يَتَفَكَّرُونَ وَٱللّه خَلَقَكُمْ} أي: أو جدكم ولم تكونوا شيئا {ثُمَّ يَتَوَفَّـٰكُمْ} عند انقضاء آجالكم، {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ} وهو أردؤه، وأدونه، وهي حالة الهرم. وفي مقداره من السنين ثلاثة أقوال. احدها: خمس وسبعون سنة، قاله علي عليه السلام. والثاني: تسعون سنة، قاله قتادة. والثالث: ثمانون سنة، قاله قطرب. قوله تعالى: {لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} قال الفراء: لكي لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقال ابن قتيبة: أي: حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا، لشدة هرمه. وقال الزجاج: المعنى: أن منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفا، فيصير بعد أن كان عالما جاهلا، ليريكم من قدرته، كما قدر على إماتته وإحيائه، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: ليس هذا في المسلمين، المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند اللّه، وعقلا، ومعرفة. وقال عكرمة: من قرأ القرآن، لم يرد إلى أرذل العمر. ٧١ قوله تعالى: {وَٱللّه فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ} يعني: فضل السادة على المماليك {فَمَا ٱلَّذِينَ فُضّلُواْ} يعني: السادة {بِرَآدّى رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ} فعبرت «ما» عن «من» لأنه موضع إبهام، تقول: ما في الدار؟ فيقول المخاطب: رجلان أو ثلاثة، ومعنى الآية: أن المولى لا يرد على ما ملكت يمينه من ماله حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء، وهو مثل ضربه اللّه تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له، والأصنام ملكا له، يقول: إذا لم يكن عبيدكم معكم في الملك سواء، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء، وترضون لي ما تأنفون لأنفسكم منه؟ٰ وروى العوفي عن ابن عباس، قال: لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟ وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: نزلت في نصارى نجران حين قالوا: عيسى ابن اللّه تعالى. قوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ ٱللّه يَجْحَدُونَ} قرأ أبو بكر عن عاصم: «تجحدون» بالتاء وفي هذه النعمة قولان. احدهما: حجته وهدايته. والثاني: فضله ورزقه. ٧٢ انظر تفسير الآية:٧٤ ٧٣ انظر تفسير الآية:٧٤ ٧٤ قوله تعالى: {وَٱللّه جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يعني النساء. وفي معنى {مّنْ أَنفُسِكُمْ} قولان: احدهما: أنه خلق آدم، ثم خلق زوجته، منه قاله قتادة. والثاني: «من أنفسكم»، أي: من جنسكم من بني آدم، قاله ابن زيد. وفي الحفدة خمسة أقوال. احدها: أنهم الأصهار، أختان الرجل على بناته، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، ومجاهد في رواية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأنشدوا من ذلك: ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير ولكنها نفس علي أبيه عيوف لأصهار اللئام قذور والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاووس وعكرمة. في رواية الضحاك، وهذا القول يحتمل وجهين: احدهما: أنه يراد بالخدم: الأولاد. فيكون المعنى: أن الأولاد يخدمون. قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان، فالمعنى: هم بنون، وهم خدم. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي، وإنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حفدة ومنه يقال في دعاء الوتر: «وإليك نسعى ونحفد» والثاني: أن يراد بالخدم، المماليك فيكون معنى الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج، ذكره ابن الأنباري. والثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والرابع: أنهم ولد الولد، رواه مجاهد عن ابن عباس. والخامس: أنهم كبار الأولاد، والبنون: صغارهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. قال مقاتل: وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن اللّه تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة. قوله تعالى: {وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ} قاله ابن عباس: يريد: من أنواع الثمار والحبوب والحيوان. قوله تعالى: {أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه الأصنام، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الشريك والصاحبة والولد، فالمعنى: يصدقون أن للّه ذلك؟ٰ قاله عطاء. والثالث: أنه الشيطان، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة، فصدقوا. وفي المراد ب «نعمة اللّه» ثلاثة أقوال. احدها: أنها التوحيد، قاله ابن عباس. والثاني: القرآن والرسول. والثالث: الحلال الذي أحله اللّه لهم. قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا} وفي المشار إليه قولان. احدهما: أنها الأصنام، قاله قتادة. والثاني: الملائكة، قاله مقاتل. قوله تعالى: {مِنْ ٱلسَّمَـٰوَاتِ} يعني: المطر، {و} من {وَفِى ٱلاْرْضِ} النبات، والثمر. قوله تعالى: {شَيْئاً} قال الأخفش: جعل «شيئا» بدلا من الرزق، والمعنى: لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا، {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي: لا يقدرون على شيء. قال الفراء: وإنما قال في أول الكلام: «يملك» وفي آخره: «يستطيعون»، لأن «ما» في مذهب: جمع لآلهتهم، فوحد «يملك» على لفظ «ما» وتوحيدها، وجمع في «يستطيعون» على المعنى، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٢] قوله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ للّه ٱلاْمْثَالَ} أي: لا تشبهوه بخلقه، لأنه لا يشبه شيئا، ولا يشبهه شيء، فالمعنى: لا تجعلوا له شريكا. وفي قوله: {إِنَّ ٱللّه يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أربعة أقوال. احدها: يعلم ضرب المثل، وأنتم لا تعلمون ذلك، قاله ابن السائب. والثاني: يعلم أنه ليس له شريك، وأنتم لا تعلمون أنه ليس له شريك، قاله مقاتل. والثالث: يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه. والرابع: يعلم ما كان ويكون، وأنتم لا تعلمون قدر عظمته حين أشركتم به، ونسبتموه إلى العجز عن بعث خلقه. ٧٥ انظر تفسير الآية:٧٦ ٧٦ قوله تعالى: {ضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً} أي: بين شبها فيه بيان المقصود، وفيه قولان. احدهما: انه مثل للمؤمن والكافر. فالذي {لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْء} هو الكافر، لأنه لا خير عنده، وصاحب الرزق هو المؤمن، ابن لما عنده من الخير، هذا قول عباس، وقتادة. والثاني: أنه مثل ضربه اللّه تعالى لنفسه وللأوثان، لأنه مالك كل شيء، وهي لا تملك شيئا، هذا قول مجاهد، والسدي. وذكر في التفسير أن هذا المثل ضرب بقوم كانوا في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وفيهم قولان. احدهما: أن المملوك: أبو الجوار، وصاحب الرزق الحسن: سيده هشام ابن عمرو، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال مقاتل: المملوك: أبو الحواجر. والثاني: أن المملوك: أبو جهل بن هشام، وصاحب الرزق الحسن: أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، قاله ابن جريج. فأما قوله: {هَلْ يَسْتَوُونَ} ولم يقل: يستويان، لأن المراد: الجنس. وقال ابن الأنباري: لفظ «من» لفظ توحيد، ومعناها معنى الجمع، ولم يقع المثل بعيد معين، ومالك معين، لكن عني بهما جماعة عبيد، وقوم مالكون، فلما فارق من تأويل الجمع، جمع عائدها لذلك. وقوله تعالى: {الحمداللّه} أي: هو المستحق للحمد، لأنه المنعم، ولا نعمة للأصنام، {مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ} يعني المشركين {لاَّ يَعْلَمُونَ} أن الحمد اللّه. قال العلماء: وصف أكثرهم بذلك، والمراد: جميعهم. قوله تعالى: {وَضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً رَّجُلَيْنِ احدهما أَبْكَمُ} قد فسرنا «البكم» في [البقرة: ١٨]. ومعنى «لايقدر على شيء» أي: من الكلام، لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه. {وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ} قال ابن قتيبة: أي: ثقل على وليه وقرابته. وفيمن أريد بهذا المثل أربعة أقوال. احدها: أنه مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمن والكافر، فالكافر. هو الأبكم، والذي يأمر بالعدل [هو] المؤمن، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان، هو الذي يأمر بالعدل، وفي مولى له كان يكره الإسلام وينهى عثمان عن النفقة في سبيل اللّه، وهو الأبكم، رواه إبراهيم بن يعلى بن منية عن ابن عباس. والثالث: أنه مثل ضربه اللّه تعالى لنفسه، وللوثن. فالوثن: هو الأبكم، واللّه تعالى: هو الآمر بالعدل، وهذا قول مجاهد، وقتادة، وابن السائب، ومقاتل. والرابع: أن المراد بالأبكم: أبي بن خلف، وبالذي يأمر بالعدل: حمزة، وعثمان بن عفان، وعثمان بن مظعون، قاله عطاء. فيخرج على هذه الأقوال في معنى «مولاه» قولان. احدهما: أنه مولى حقيقة، إذا قلنا: إنه رجل من الناس. والثاني: أنه بمعنى الولي، إذا قلنا: إنه الصنم، فالمعنى: وهو ثقل على وليه الذي يخدمه ويزينه. ويخرج في معنى «أينما توجه» قولان. إن قلنا: إنه رجل، في فالمعنى: أينما يرسله. والتوجيه: الإرسال في وجه من الطريق. وإن قلنا: إنه الصنم، ففي معنى الكلام قولان. احدهما: أينما يدعوه، لا يجيبه، قاله مقاتل. والثاني: أينما توجه تأميله إياه ورجاه له، لا يأته ذلك بخير، فحذف التأميل، وخلفه الصنم، كقوله: {مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ} [آل عمران: ١٩٤] أي: على ألسنة رسلك. وقرأ البزي عن ابن محيصن «أينما توجهه» بالتاء على الخطاب. فأما قوله: {لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} فان قلنا: هو رجل، فانما كان كذلك لأنه لا يفهم ما يقال له، ولا يفهم عنه، إما لكفره وجحوده، أو لبكم به. وإن قلنا: إنه الصنم، فلكونه جمادا. {هَلْ يَسْتَوِى هُوَ} أي: هذا الأبكم {وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ} أي: ومن هو قادر على التكلم، ناطق الحق. ٧٧ قوله تعالى: {وَللّه غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} قد ذكرناه في آخر [هود: ١٢٣] وسبب نزول هذه الآية أن كفار مكة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ متى الساعة؟ فنزلت هذه، قاله مقاتل. وقال ابن السائب: المراد بالغيب ها هنا: قيام الساعة. قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ} يعني: القيامة {إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ} واللمح: النظر بسرعة، والمعنى: إن القيامة في سرعة قيامها وبعث الخلائق، كلمح العين، لأن اللّه تعالى يقول: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧]. {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} قال مقاتل: بل هو أسرع. وقال الزجاج: ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الأتيان بها متى شاء. ٧٨ قوله تعالى: {وَٱللّه أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ} قرأ حمزة: «إمهاتكم» بكسر الألف والميم، وقرأ الكسائي بكسر الإلف وفتح الميم، والباقون بضم الألف وفتح الميم، وكذلك في {ٱلنُّورُ} و {الزمر: ٦} و {ٱلطَّارِقُ ٱلنَّجْمُ}، ولا خلاف ينهم في الابتداء بضم الهمزة. قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ} لفظه لفظ الواحد، والمراد به الجميع، وقد بينا علة ذلك في أول [البقرة: ٧]. والأفئدة: جمع فؤاد. قال الزجاج: مثل: غراب وأغربة، ولم يجمع «فؤاد» على أكثر العدد، لم يقل فيه: «فئدان» مثل غراب وغربان. وقال أبو عبيدة: وإنما جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم، غير أن العرب تقدم وتؤخر، وأنشد: ضخم تعلق أشناق الديات به إذا المؤون أمرت فوقه حملا [الشنق: ما بين الفريضتين] والمؤون أعظم من الشنق، فبدأ بالأقل قبل الأعظم. قال المفسرون: ومقصود الآية: أن اللّه تعالى أبان نعمه عليهم حيث أخرجهم جهالا بالأشياء، وخلق لهم الآلات التي يتوصلون بها إلى العلم. ٧٩ قوله تعالى: {مُسَخَّرٰتٍ فِى جَوّ ٱلسَّمَآء} قال الزجاج: هو الهواء البعيد من الأرض. قوله تعالى: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللّه} فيه قولان. احدهما: ما يمسكهن عند قبض أجنحتهن وبسطها أن يقعن على الأرض إلا اللّه، قاله الأكثرون. والثاني: ما يمسكهن أن يرسلن الحجارة على شرار هذه الأمة، كما فعل بغيرهم، إلا اللّه، قاله ابن السائب. ٨٠ انظر تفسير الآية:٨٣ ٨١ انظر تفسير الآية:٨٣ ٨٢ انظر تفسير الآية:٨٣ ٨٣ قوله تعالى: {وَٱللّه جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} أي: موضعا تسكنون فيه، وهي المساكن المتخذة من الحجر والمدر تستر العورات والحرم، وذلك أن اللّه تعالى خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن بناء البيت وتسقيفه، {وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ ٱلاْنْعَـٰمِ بُيُوتًا} وهي القباب والخيم المتخذة من الأدم {تَسْتَخِفُّونَهَا} أي: يخف عليكم حملها {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «ظعنكم» بفتح العين. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بتسكين العين، وهما لغتان، كالشعر، والنهر والنهر، والمعنى: إذا سافرتم، {وَيَوْمَ إِقَـٰمَتِكُمْ} أي: لا تثقل عليكم في الحالين. {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} يعني: الضأن {وَأَوْبَارِهَا} يعني: الإبل {وَأَشْعَارِهَا} يعني: المعز {أَثَاثاً} قال الفراء: الأثاث: المتاع، لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له. والعرب تقول: جمع المتاع أمتعه، ولو جمعت الأثاث، لقلت: ثلاثة أإثة، وأثث: مثل أغثه وغثث لاغير. وقال ابن قتيبة: الأثاث: متاع البيت من الفرش والأكسية. قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثاثة. وقال الزجاج: يقال: قد أث يأث أثا: إذا صار ذا أثاث. وروي عن الخليل أنه قال: أصله الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض، ومنه: شعر أثيث. فأما قوله: {وَمَتَـٰعاً} فقيل: إنما جمع بينة وبين الأثاث، لاختلاف اللفظين. وفي قوله: {إِلَىٰ حِينٍ} قولان. احدهما: أنه الموت، والمعنى: ينتفعون به إلى حين الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد. والثاني: انه إلى حين البلى، فالمعنى: إلى أن يبلى ذلك الشيء، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَٱللّه جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً} أي: مال يقيكم حر الشمس، وفيه خمسة أقوال. احدها: أنه ظلال الغمام، قاله ابن عباس. والثاني: ظلال البيوت، [قاله ابن السائب. والثالث: ظلال الشجر، قاله قتادة، والزجاج. والرابع: ظلال الشجر والجبال] وقاله ابن قتيبة. والخامس: انه كل شيء له ظل من حائط، وسقف، وشجر، وجبل، وغير ذلك، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً} أي: ما يكنكم من الحر والبرد، وهي الغيران والأسراب. وواحد الأكنان «كن» وكل شيء وقى شيئا وسترة فهو «كن» {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} وهي القمص {تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ} ولم يقل: البرد، لأن ما وقى من الحر، وقى من البرد، وأنشد: وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني وقال الزجاج: إنما خص الحر، لأنهم كانوا في مكاناتهم أكثر معاناة له من البرد، وهذا مذهب عطاء الخراساني. قوله تعالى: {وَسَرٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} يريد الدروع التي يتقون بها شدة الطعن والضرب في الحرب. قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} أي: مثلما أنعم اللّه عليكم بهذه الأشياء، يتم نعمته عليكم في الدنيا {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} والخطاب لأهل مكة، وكان أكثرهم حينئذ كفارا، ولو قيل: إنه خطاب للمسلمين، فالمعنى: لعلكم تدومون على الإسلام، وتقومون بحقه. وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وأبو رجاء: «لعلكم تسلمون» بفتح التاء واللام، على معنى: لعلكم إذا لبستم الدروع تسلمون من الجراح في الحرب. قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أعرضوا عن الإيمان {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ} وهذه عند المفسرين منسوخة بآية السيف. قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللّه ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} وفي هذه النعمة قولان. احدهما: أنها [المساكن] نعم اللّه عز وجل عليهم في الدنيا. وفي إنكارها ثلاثة أقوال. احدها: أنهم يقولون: هذه ورثناها [عن آبائنا]. روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نعم اللّه: المساكن، والأنعام، وسرابيل الثياب، والحديد، يعرفه كفار قريش، ثم ينكرونه بأن يقولوا: هذا كان لآبائنا ورثناه عنهم، وهذا عن مجاهد. والثاني: أنهم يقولون: لولا فلان لكان كذا، فهذا إنكارهم، قال عون بن عبد اللّه. والثالث: يعرفون أن النعم من اللّه، ولكن يقولون: هذه بشفاعة آلهتنا، قاله ابن السائب، والفراء وابن قتيبة. والثاني: أن المراد بالنعمة هاهنا: محمدصلى اللّه عليه وسلم يعرفون أنه نبي ثم يكذبونه، وهذا مروي عن مجاهد، والسدي، والزجاج. قوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ} قال الحسن: وجميعهم كفار، فذكر الأكثر، والمراد به الجميع. ٨٤ انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٥ انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٦ انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٧ قوله تعالى: {يَوْمٍ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني: يوم القيامة، وشاهد كل أمة نبيها يشهد عليها بتصديقها وتكذبيها، {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} في الاعتذار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى ما أمر اللّه به، لأن الآخرة ليست بدار تكليف. قوله تعالى: {وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: أشركوا {ٱلْعَذَابَ} يعني: النار {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} العذاب {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} لا يؤخرون، ولا يمهلون. {وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ} يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء للّه في العبادة، وذلك أن اللّه يبعث كل معبود من دونه، فيقول المشركون: {رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا} أي: نعبد من دونك. فان قيل: فهذا معلوم عند اللّه تعالى، فما فائدة قولهم: «هؤلاء شركاؤنا»؟ فعنه جوابان. احدهما: أنهم لما كتموا الشرك في قولهم: واللّه ما كنا مشركين، عاقبهم اللّه تعالى باصمات ألسنتهم، وإنطاق جوارحهم، فقالوا عند معاينه آلهتهم: {رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا} أي: قد أقررنا بعد الجحد، وصدقنا بعد الكذب، التماسا للرحمة، وفرارا من الغضب، وكأن هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنب، لا على وجه إعلام من لا يعلم. والثاني: أنهم لما عاينوا عظم غضب اللّه تعالى قالوا: هؤلاء شركاؤنا، تقدير أن يعود عليهم من هذا القول روح، وأن تلزم الأصنام إجرامهم، أو بعض ذنوبهم إذ كانوا يدعون لها العقل والتمييز، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم. قوله تعالى: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ} أي: أجابوهم وقالوا لهم {إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ} قال الفراء:ردت عليهم آلهتهم قولهم. وقال أبو عبيدة: «فألقوا» أي: قالوا لهم. يقال: ألقيت إلى فلان كذا. أي: قلت له. قال العلماء: كذبوهم في عبادتهم إياهم، وذلك أن الأصنام كانت جمادا لا تعرف عابديها، فظهرت فضيحتهم يومئذ إذ عبدوا من لم يعلم بعبادتهم، وذلك كقوله: {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ} [مريم: ٨٣]. قوله تعالى: {وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللّه يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ} المعنى: أنهم استسلموا له وفي المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم المشركون، قاله الأكثرون. ثم في معنى استسلامهم قولان احدهما: أنهم استسلموا له بالإقرار بتوحيده وربوبيته. والثاني: أنهم استسلموا لعذابه. والثاني: أنهم المشركون والأصنام كلهم. قال الكلبي: والمعنى: أنهم استسلموا للّه منقادين لحكمه. قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} فيه قولان. احدهما: بطل قولهم أنها تشفع لهم. والثاني: ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان أن للّه شريكا وولدا. ٨٨ قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللّه} قال ابن عباس: منعوا الناس من طاعة اللّه والإيمان بمحمد. قوله تعالى: {زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ} إنما نكر العذاب [الأول] لأنه نوع خاص لقوم بأعيانهم، وعرف العذاب الثاني، لأنه العذاب الذي يعذب به أكثر أهل النار، فكان في شهرته بمنزلة النار في قول القائل: نعوذ باللّه من النار، وقد قيل: إنما زيدوا هذا العذاب على ما يستحقونه من عذابهم، بصدهم عن سبيل اللّه. وفي صفة هذا العذاب الذي زيدوا أربعة أقوال. احدها: أنها عقارب كأمثال النحل الطوال، رواه مسروق عن ابن مسعود. والثاني: أنها حيات كأمثال الفيلة، وعقارب كأمثال البغال، رواه زر عن ابن مسعود. والثالث: أنها خمسة أنهار من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها. ثلاثة على مقدار الليل، واثنان على مقدار النهار، قاله ابن عباس. والرابع: أنه الزمهرير، ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: يخرجون من حر النار إلى الزمهرير فيتبادرون من شدة برده إلى النار. قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـؤُلآء} وفي المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم قومه، قال ابن عباس. والثاني: أمته، قاله مقاتل. وتم الكلام هاهنا. ثم قال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا} قال الزجاج: التبيان: اسم في معنى البيان. فأما قوله تعالى: {لّكُلّ شَىْء} فقال العلماء بالمعاني: لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو إجماع المسلمين. ٨٩ {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ٩٠ انظر تفسير الآية:٩٣ ٩١ انظر تفسير الآية:٩٣ ٩٢ انظر تفسير الآية:٩٣ ٩٣ قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ} فيه أربعة أقوال. احدها: أنه شهادة أن لا إله إلا اللّه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه الحق رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: أن استواء السريرة والعلانية في العمل للّه تعالى، قاله سفيان بن عيينة. والرابع: أنه القضاء بالحق، ذكره الماوردي. قال أبو سليمان: العدل في كلام العرب: الإنصاف، وأعظم الإنصاف: الاعتراف للمنعم بنعمته. وفي المراد بالإحسان خمسة أقوال. احدها: أنه أداء الفرائض، رواه أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: العفو، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: الإخلاص، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: أن تعبد اللّه كأنك تراه، رواه عطاء عن ابن عباس. والخامس: أن تكون السريرة أحسن من العلانية، قاله سفيان بن عيينة.فأما قوله تعالى: {وَإِيتَآء ذِى} فالمراد به: صلة الأرحام. وفي الفحشاء قولان. احدهما: أنها الزنا، قاله ابن عباس. والثاني: المعاصي، قاله مقاتل. وفي المنكر أربعة أقوال. احدها: أنه الشرك، قال مقاتل. والثاني: أنه ما لا يعرف في شريعة ولا سنة. والثالث: أنه ما وعد اللّه عليه النار، ذكرهما ابن السائب. والرابع: أن تكون علانية، الإنسان أحسن من سريرته قاله سفيان بن عيينة. فأما {أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ} فقال ابن عباس:هو الظلم، وقد سبق شرحه في مواضع [البقرة: ١٧٣ والأعراف: ٣٣ ويونس: ٢٣/ ٩٠] قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ} قال ابن عباس: يؤدبكم، وقد ذكرنا معنى الوعظ في {سُورَةٌ ٱلنّسَاء} و {تَذَكَّرُونَ} بمعنى: تتعظون. قال ابن مسعود: هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو لشر. وقال الحسن: واللّه ما ترك العدل والإحسان شيئا من طاعة [اللّه] إلا جمعاه، ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئا من معصية اللّه إلا جمعوه. قوله تعال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللّه} اختلفوا فيمن نزلت على قولين. احدهما: أنها نزلت في حلف أهل الجاهلية، قاله مجاهد، وقتادة. والثاني: أنها نزلت في الذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به، هو الذي يحسن فعله، فإذا عاهد العبد عليه، وجب الوفاء به، والوعد من العهد. {وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلاْيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} أي: بعد تغليظها وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، ووكدت الشيء توكيدا، لغة أهل الحجاز. فأما أهل نجد، فيقولون: أكدته تأكيدا. وقال الزجاج: يقال: وكدت الأمر، وأكدت، لغتنان جيدتان، والأصل الواو، والهمزة بدل منها. قوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللّه عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} أي: بالوفاء، وذلك أن من حلف باللّه، فكأنه أكفل اللّه بالوفاء بما حلف عليه. وللمفسرين في معنى «كفيلا» ثلاثة أقوال. احدها: شهيدا، قاله سعيد بن جبير. والثاني: وكيلا، قاله مجاهد. والثالث: حفيظا. مراعيا لعقدكم، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا} قال مجاهد: هذا فعل نساء أهل نجد، تنقض إحداهن حبلها، ثم تنفشه، ثم تخلطه بالصوف فتعزله، وقال مقاتل: هي امرأة من قريش تسمى «ريطة» بنت عمرو بن كعب، كانت إذا غزلت، نقضته. وقال ابن السائب: اسمها «رائطة» وقال ابن الأنباري: اسمها «ريطة» بنت عمرو المرية، ولقبها الجعراء، وهي من أهل مكة، وكانت معروفة عند المخاطبين، فعرفوها بوصفها، ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك، كانت متناهية الحمق، تغزل الغزل من القطن أو الصوف فتحكمه، ثم تأمر جاريتها بتقطيعه. وقال بعضهم: كانت تغزل هي وجواريها، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، فضربها اللّه مثلا لناقضي العهد «ونقضت» بمعنى: تنقض، كقوله: {وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ} [الأعراف: ٤٣] بمعنى: وينادي. وفي المراد بالغزل قولان. احدهما: أنه الغزل المعروف، سواء كان من قطن أو صوف أو شعر، وهو قول الأكثرين. والثاني: أنه الحبل، قاله مجاهد. وقوله: {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} قال قتادة: من بعد إبرام، وقوله: {أَنكَـٰثًا} أي: أنقاضا. قال ابن قتيبة: الأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره. وواحدها: نكث. يقول: لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فيه، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسج، فجعلته أنكاثا. قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} أي: دغلا، ومكرا، وخديعة، وكل شيء دخله عيب، فهو مدخول، وفيه دخل. قوله تعالى: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} قال ابن قتيبة: لأن تكون أمة، {هِىَ أَرْبَى} أي: هي أغنى {مِنْ أُمَّةٍ} وقال [الزجاج]: المعنى: بأن تكون أمة هي أكثر، يقال: ربا الشيء يربو: إذا كثر. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: «أربى» أزيد عددا. قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون اولئك، فنهوا عن ذلك. وقال الفراء: المعنى: لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم، أو قلتكم وكثرتهم وقد غررتموهم بالأيمان. قوله تعالى: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللّه بِهِ} في هذه الآية ثلاثة أقوال. احدها: أنها ترجع إلى الكثرة، قاله سعيد بن جبير، وابن السائب، ومقاتل، فيكون المعنى: إنما يختبركم اللّه بالكثرة، فإذا كان بين قومين عهد، فكثر احدهما، فلا ينبغي أن يفسخ الذي بينه وبين الأقل. فان قيل: إذا كنى عن الكثرة، فهلا قيل بها؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، بأن الكثرة ليس تأنيثها حقيقيا، فحملت على معنى التذكير، كما حملت الصيحة على معنى الصباح. والثاني: أنها ترجع إلى العهد، فإنه لدلالة الأيمان عليه، يجرى مجرى المظهر، ذكره ابن الأنباري. والثالث: أنها ترجع إلى الأمر بالوفاء، ذكه بعض المفسرين. قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء ٱللّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً} قد فسرناه في آخر [هود ١١٨]. قوله تعالى: {وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآء} صريح في تكذيب القدرية، حيث أضاف الإضلال والهداية إليه، وعلقهما بمشيئته. ٩٤ انظر تفسير الآية:٩٦ ٩٥ انظر تفسير الآية:٩٦ ٩٦ قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً} هذا استئناف للنهي عن أيمان الخديعة. {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} قال أبو عبيدة: هذا مثل يقال لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلت به قدمه. قال مقاتل: ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة. قال المفسرون: وهذا نهى للذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الإسلام ونصرة الدين عن نقض العهد، ويدل عليه قوله يتعالى: {وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوء} يعني: العقوبة {بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللّه} يريد أنهم إذا نقضوا عهدهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، صدوا الناس عن الإسلام، فاستحقوا العذاب. وقوله تعالى: {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يعني: في الآخرة. ثم أكد ذلك بقوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللّه ثَمَناً قَلِيلاً} قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في رجلين اختصما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أرض، يقال لاحدهما «عيدان بن أشوع» وهو صاحب الأرض، وللآخر: «امرؤ القيس» وهو المدعى عليه، فهم امرؤ القيس أن يحلف، فأخره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية. وذكر أبو بكر الخطيب أن اسم صاحب الأرض «ربيعة بن عبدان» وقيل: «عيدان» بفتح العين وياء معجمه باثنتين. ومعنى الآية: لاتنقضوا عهودكم، تطلبون بنقضها عرضا يسيرا من الدنيا، إن ما عنداللّه من الثواب على الوفاء هو خير لكم من العاجل. {مَا عِندَكُمْ} أي: يفنى {وَمَا} في الآخرة {ٱللّه بَاقٍ} وقف بالياء ابن كثير في رواية عنه. ولا خلاف في حذفها في الوصل. {وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «وليجزين» بالياء. وقرأ ابن كثير، وعاصم: «ولنجزين» بالنون. ولم يختلفوا في {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} أنها بالنون، ومعنى هذه الآية: وليجزين الذين صبروا على أمره بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا، ويتجاوز عن سيئاتهم. ٩٧ قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} في سبب نزولها قولان. احدهما: أن امرأ القيس المتقدم ذكره أقر بالحق الذي هم أن يحلف عليه، فنزلت فيه: {مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً}، وهو إقراره بالحق، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن ناسا من أهل التوارة، وأهل الأنجيل، وأهل الأوثان، جلسوا، فتفاضلوا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح. قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً} اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال. احدها: أنها في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس. ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال. احدها: أنها القناعة، قال علي عليه السلام، وابن عباس في رواية والحسن في رواية، ووهب بن منبه. والثاني: أنها الرزق الحلال، رواه أبو مالك عن ابن عباس. وقال الضحاك: يأكل حلالا ويلبس حلالا. والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع: أنها الطاعة، قاله عكرمة. والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة. والسادس: أنها الرزق الطيب، والعمل الصالح، قاله إسماعيل بن أبي خالد. والسابع: أنها حلاوة الطاعة، قاله أبو بكر الوراق. والثامن: العافية والكفاية. والتاسع: الرضى بالقضاء ذكرهما الماوردي. والثاني: أنها في الآخرة، قاله الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد، وذلك إنما يكون الجنة. والثالث: أنها في القبر، رواه أبو غسان عن شريك. ٩٨ انظر تفسير الآية:١٠٢ ٩٩ انظر تفسير الآية:١٠٢ ١٠٠ انظر تفسير الآية:١٠٢ ١٠١ انظر تفسير الآية:١٠٢ ١٠٢ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللّه} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أن المعنى: فاذا أردت القراءة فاستعذ، ومثله {يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى} [المائدة: ٦] وقوله: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ} [الأحزاب ٥٣] وقوله: {إِذَا نَـٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: ١٢]. ومثله في الكلام: إذا أكلت فقل: باسم اللّه، هذا قول عامة العلماء واللغويين. والثاني: أنه على ظاهره، وأن الاستعاذة بعد القراءة. روي عن أبي هريرة، وداود. والثالث: أنه من المقدم والمؤخر، فالمعنى: فاذا استعذت باللّه فاقرأ، قاله أبو حاتم السجستاني، والأول أصح. فصل والاستعاذة عند القراءة سنة في الصلاة وغيرها. وفي صفتها عن احمد روايتان. احدها: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، إن اللّه هو السميع العليم، رواها أبو بكر المروزي. والثانية: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، إن اللّه هو السميع العليم، رواها حنبل. وقد بينا معنى «أعوذ» في أول الكتاب [ص٧]/ وشرحنا اشتقاق الشيطان في [البقرة: ١٤] والرجيم في [آل عمران: ٣٦] قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} في المراد بالسلطان قولان. احدهما: أنه التسلط. ثم فيه ثلاثة أقوال. احدها: ليس له عليهم سلطان بحال لأن اللّه صرف سلطانه عنهم بقوله: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ}[الحجر ٤٢] والثاني:ليس له عليهم سلطان، لاستعاذتهم منه. والثالث: ليس له قدره على أن يحملهم على ذنب لا يغفر. والثاني: أنه الحجة. فالمعنى: ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي، قاله مجاهد. فأما قوله: {يَتَوَلَّوْنَهُ} معناه: يطيعونه. وفي هاء الكناية في قوله: {وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} قولان. احدهما: أنها ترجع إلى اللّه تعالى، قاله مجاهد، والضحاك. والثاني: أنها ترجع إلى الشيطان، فالمعنى: الذين هم من أجله مشركون باللّه، وهذا كما يقال: صار فلان بك عالما، أي: من أجلك، هذا قول ابن قتيبة. وقال ابن الأنباري: المعنى: والذين هم باشراكهم إبليس في العبادة، مشركون باللّه تعالى. قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} سبب نزولها أن اللّه تعالى كان ينزل الآية، فيعمل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: واللّه ما محمد إلا يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غدا بما هو أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والمعنى: إذا نسخنا آية بآية، إما نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة {وَٱللّه أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ} من ناسخ ومنسوخ، وتشديد وتخفيف، فهو عليم بالمصلحة في ذلك {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} أي: كاذب {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} فيه قولان. احدهما: لايعلمون أن اللّه أنزله. والثاني: لايعلمون فائدة النسخ. قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ} يعني: القرآن {رُوحُ ٱلْقُدُسِ} يعني: جبريل. وقد شرحنا هذا الاسم في {البقرة: ٨٧} قوله تعالى: {مِن رَبّكَ} أي: من كلامه {بِٱلْحَقّ} أي: بالأمر الصحيح {لِيُثَبّتَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} بما فيه من البينات فيزدادوا يقينا. ١٠٣ انظر تفسير الآية:١٠٥ ١٠٤ انظر تفسير الآية:١٠٥ ١٠٥ قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ} يعني: قريشا {إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} أي: آدمي، وما هو من عند اللّه . وفيمن أرادوا بهذا البشر تسعة أقوال. احدها: أنه كان لبني المغيرة غلام يقال له «يعيش» يقرأ التوراة، فقالوا: منه يتعلم محمد، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال عكرمة في رواية: كان هذا الغلام لبني عامر بن لؤي، وكان روميا. والثاني: أنه فتى كان بمكة يسمى «بلعام» وكان نصرانيا أعجميا، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يعلمه، فلما رأى المشركون دخوله إليه وخروجه، قالوا ذلك، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث: أنه نزلت في كاتب كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيملى عليه «سميع عليم» فيكتب هو «عزيز حكيم» أو هذا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «أي ذلك كتبت فهو كذلك»، فافتتن، وقال: إن محمدا يكل ذلك إلي فأكتب ما شئت، روي عن سعيد بن المسيب. والرابع: أنه غلام أعجمي لامرأة من قريش يقال له: «جابر»، وكان جابر يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيتعلم منه، فقال المشركون: إنما يتعلم محمد من هذا، قاله سعيد بن جبير. والخامس: أنهم عنوا سلمان الفارسي، قاله الضحاك؛ وفيه بعد من جهة أن سلمان أسلم بالمدينة، وهذه الآية مكية. والسادس: أنهم عنوا به رجلا حدادا كان يقال «بحنس» النصراني، قاله ابن زيد. والسابع: أنهم عنوا به غلاما لعامر بن الحضرمي، وكان يهوديا أعجميا، واسمه «يسار»، ويكنى «أبا فكيهة» قاله مقاتل. وقد روي عن سعيد بن جبير نحو هذا، إلا أنه لم يقل: إنه كان يهوديا. والثامن: أنهم عنوا غلاما أعجميا اسمه «عايش» وكان مملوكا لحويطب، وكان قد أسلم، قاله الفراء، والزجاج. والتاسع: أنهما رجلان، قال عبد اللّه بن مسلم الحضرمي: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لاحدهما: «يسار» و للآخر «جبر» وكانا يصنعان السيوف بمكة، ويقرآن الإنجيل، فربما مر بهما النبيصلى اللّه عليه وسلم وهما يقرآن فيقف يستمع، فقال المشركون: إنما يتعلم منهما. قال ابن الأنباري: فعلى هذا القول، يكون البشر واقعا على اثنين، والبشر من أسماء الأجناس،يعبر عن اثنين، كما يعبر «أحد» عن الاثنين والجميع، والمذكر والمؤنث. قوله تعالى: {لّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبوعمرو، وابن عامر، وعاصم: «يلحدون» بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ حمزة، والكسائي: «يلحدون» بفتح الياء والحاء. فأما القراءة الأولى، فقال ابن قتيبة: «يلحدون» أي: يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمه، وأصل الإلحاد الميل. وقال الفراء: «يلحدون» بضم الميم: يعترضون، ومنه قول: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: ٢٥] أي: باعتراض، «ويلحدون» بفتح الياء: يميلون. وقال الزجاج: يلحدون إليه، أي: يميلون القول فيه أنه أعجمي. قال ابن قتيبة: لا يكاد عوام الناس يفرقون بين العجمي والأعجمي، والعربي والأعرابي، فالأعجمي: الذي لا يفصح وإن كان نازلا بالبادية، والعجمي: منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا؛ والأعرابي: هو البدوي، والعربي: منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا. قوله تعالى: {وَهَـٰذَا لِسَانٌ} يعني: القرآن {عَرَبِىٌّ} قال الزجاج: أي: أن صاحبه يتكلم بالعربية. قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَـٰتِ ٱللّه} أي: الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا اللّه، كذبوا بها، {وَأُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ} أي: أن الكذب نعت لازم لهم، وعادة من عاداتهم، وهذا رد عليهم إذ قالوا: {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} [النحل: ١٠١] وهذه الآية من أبلغ الزجر عن الكذب، لأنه خص به من لا يؤمن. ١٠٦ انظر تفسير الآية:١١١ ١٠٧ انظر تفسير الآية:١١١ ١٠٨ انظر تفسير الآية:١١١ ١٠٩ انظر تفسير الآية:١١١ ١١٠ انظر تفسير الآية:١١١ ١١١ قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِٱللّه مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ} قال مقاتل: نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح القرشي، ومقيس بن صبابه، وعبد اللّه بن أنس ابن خطل، وطعمه بن أبيرق، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الفاكه المخزومي. فأما قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} فاختلفوا فيمن نزل على أربعة أقوال. احدها: أنه نزل في عمار بن ياسر، أخذه المشركون فعذبوه، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال قتادة. والثاني: أنه لما نزل قوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ} إلى آخر الآيتين اللتين في سورة النساء [٩٦ ٩٧] كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى من كان بمكة، فخرج ناس ممن أقر بالإسلام، فاتبعهم المشركون، فأدركوهم، حتى أعطوا الفتنة، فنزل {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ}، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثالث: أنه نزل في عياش بن أبي ربيعة، كان قد هاجر فحلفت أمه ألا تستظل ولا تشبع من طعام حتى يرجع، فرجع إليها، فأكرهه المشركون حتى أعطاهم بعض ما يريدون، قاله ابن سيرين. والرابع: أنه نزل في جبر، غلام ابن الحضرمي، كان يهوديا فأسلم، فضربه سيده حتى رجع إلى اليهودية، قاله مقاتل. وأما قوله: {وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} فقال مقاتل: هم النفر المسمون في أول الآية. فأما التفسير، فاختلف النحاة في قوله: {مَن كَفَرَ} وقوله: {وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ} فقال الكوفيون: جوابهما جمعيا في قوله: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ}، فقال البصريون: بل قوله: {مَن كَفَرَ} مرفوع بالرد على {ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}. قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون خبر {مَن كَفَرَ} محذوفا، لوضوح معناه، تقديره: من كفر باللّه، فاللّه عليه غضبان/ قوله تعالى: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ} أي: ساكن إليه راض به. {وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} قال قتادة: من أتاه بإيثار واختيار. وقال ابن قتيبة: من فتح له صدره بالقبول. وقال أبو عبيدة: المعنى: من تابعته نفسه، وانبسط إلى ذلك، يقال: ما ينشرح صدري بذلك، أي: ما يطيب. وجاء قوله: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} على معنى الجميع، لأن «من» تقع على الجميع. فصل الإكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها. وفي الإكراه المبيح لذلك عن احمد روايتان. إحداهما: أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمر به. والثانية: أن التخويف لا يكون إكراها حتى ينال بعذاب. وإذ ثبت جواز «التقية» فالأفضل ألا يفعل، نص عليه احمد، في أسير خير بين القتل وشرب الخمر، فقال: إن صبر على القتل فله الشرف، وإن لم يصبر، فله الرخصة، فظاهر هذا، الجواز. وروى عنه الأثرم أنه سئل عن التقية في شرب الخمر فقال: إنما التقية في القول. فظاهر هذا أنه لا يجوز له ذلك. فأما إذا أكره على الزنا، لم يجز له الفعل، ولم يصح إكراهه، نص عليه احمد. فان أكره على الطلاق، لم يقع طلاقه، نص عليه احمد، وهو قول مالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: يقع. قوله تعالى: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلْدُّنْيَا} في المشار إليه بذلك قولان. احدهما: أنه الغضب والعذب، قاله مقاتل. الثاني: أنه شرح الصدر. للكفر «واستحبوا» بمعنى: أحبوا الدنيا واختاروها على الآخرة. قوله تعالى: {وَأَنَّ ٱللّه} أي: وبأن اللّه لا يريد هدايتهم. وما بعد هذا قد سبق شرحه [البقرة ٧ والنساء ١٥٥ والمائدة ٦٧ ] إلى قوله: {وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ} ففيه قولان. احدهما: الغافلون عما يراد بهم، قاله ابن عباس. والثاني: عن الآخرة، قاله مقاتل. قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ} قد شرحناها في {هُودٍ}. قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة. احدها: أنها نزلت فيمن كان يفتن بمكة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أن قوما من المسلمين خرجوا للّهجرة، فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزل فيهم {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءامَنَّا بِٱللّه فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللّه جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللّه} [العنكبوت ١٠]، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا، وأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى من نجا وقتل من قتل، فنزلت فيهم هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: أنها نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، كان الشيطان قد أزله حتى لحق بالكفار، فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وفيه بعد، لأن المشار إليه وإن كان [قد] عاد إلى الإسلام، فان الهجرة انقطعت بالفتح. والرابع: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل عمرو، وعبد اللّه بن أسيد الثقفي، قاله مقاتل. فأما قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} فقرأ الأكثرون: «فتنوا» بضم الفاء وكسر التاء، على معنى: من بعد ما فتنهم المشركون عن دينهم. قال ابن عباس: فتنوا بمعنى: عذبوا. وقرأ عبد اللّه بن عامر: «فتنوا» بفتح الفاء والتاء على معنى: من بعد ما فتنوا الناس عن دين اللّه، يشير إلى من أسلم من المشركين. وقال أبو علي: من بعد ما فتنوا أنفسهم باظهار ما أظهروا للتقية، لأن الرخصة لم تكن نزلت بعد. قوله تعالى: {ثُمَّ جَـٰهَدُواْ} أي: قاتلوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {وَصَبَرُواْ} على الدين والجهاد. {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} في المكني عنها أربعة أقوال. احدها: الفتنة، وهو مذهب مقاتل. والثاني: الفعلة التي فعلوها، قاله الزجاج. والثالث: المجاهدة، والمهاجرة، والصبر. والرابع: المهاجرة. ذكرهما واللذين قبلهما ابن الأنباري. قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِى} قال الزجاج: هو منصوب على أحد شيئين، إما على معنى: إن ربك لغفور يوم تأتي، وإما على معنى: اذكر يوم تأتي. ومعنى {تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا} أي: عنها. والمراد: أن كل إنسان يجادل عن نفسه. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار: يا كعب خوفنا، فقال إن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه،حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليدلي بالخلة فيقول: «يا رب أنا خليلك إبراهيم لا أسألك إلا نفسي»، وإن تصديق ذلك في كتاب اللّه {يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا} وقد شرحنا معنى «الجدال» في [هود ٣٢]. ١١٢ قوله تعالى: {وَضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً} في هذه القرية قولان. احدهما: أنها مكة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور، وهو الصحيح. والثاني: أنها قرية أوسع اللّه على أهلها حتى كانوا يستنجون بالخبز، فبعث اللّه عليهم الجوع حتى كانوا يأكلون ما يقعدون، قاله الحسن. فأما ما يروى عن حفصة أنها قالت: هي المدينة، فذلك على سبيل التمثيل، لا على وجه التفسير، وبيانه: ما روى سليم بن عنز، قال: صدرنا من الحج مع حفصة، وعثمان محصور بالمدينة، فرأت راكبين فسألنهما عنه، فقالا: قتل، فقالت: والذي نفسي بيده إنها للقرية، تعني المدنية التي قال اللّه تعالى في كتابه: {يُظْلَمُونَ وَضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً}، تعني حفصة: أنها كانت على قانون الاستقامة في أيام النبيصلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللّه} عند قتل عثمان رضي اللّه عنه. ومعنى {كَانَتْ ءامِنَةً} أي: ذات أمن يأمن فيها أهلها أن يغار عليهم، {مُّطْمَئِنَّةً} أي: ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق. وقد شرحنا معنى الرغد في [البقرة ٣٥ ٥٨]. وقوله: {مّن كُلّ مَكَانٍ} أي: يجلب إليها من كل بلد، وذلك كله بدعوة إبراهيم عليه السلام، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللّه} بتكذيبهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وفي واحد الأنعم قولان. احدهما: أن واحدها «نعم» قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة. والثاني: «نعمة» قاله الزجاج. قال ابن قتيبة: ليس قول من قال: هو جمع «نعمة» بشيء لأن «فعلة» لا تجمع على «أفعل» وإنما هو جمع «نعم» يقال: يوم نعم، ويوم بؤس، ويجمع «أنعما» و«أبؤسا». قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا ٱللّه لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ} وروى عبيد بن عقيل، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «والخوف» بنصب الفاء. وأصل الذوق إنما هو بالفم، وهذا استعارة منه، وقد شرحنا هذا المعنى في [آل عمران ١٠٦ ١٨٥]. وإنما ذكر اللباس هاهنا تجوزا، لما يظهر عليهم من أثر الجوع والخوف، فهو كقوله: {وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ} [الأعراف ٢٦] وذلك لما يظهر على المتقي من أثر التقوى. قال المفسرون: عذبهم اللّه بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحترقة. فأما الخوف، فهو خوفهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن سراياه التي كان يبعثها حولهم. والكلام وفي هذه الآية خرج على القرية، والمراد أهلها، ولذلك قال: {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} يعني به: بتكذيبهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإخراجهم إياه وما هموا به من قتله. ١١٣ قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ} يعني: أهل مكة {رَسُولٌ مّنْهُمْ} يعني: محمداصلى اللّه عليه وسلم، {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ} وفيه قولان. احدهما: أنه الجوع، قاله ابن عباس. والثاني: القتل ببدر، قاله مجاهد. قال ابن السائب: {وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ} أي: كافرون. ١١٤ انظر تفسير الآية:١١٥ ١١٥ قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللّه} في المخاطبين بهذا قولان. احدهما: أنهم المسلمون، وهو قول الجمهور. والثاني: أنهم أهل مكة المشركون، لما اشتدت مجاعتهم، كلم رؤساؤهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: إن كنت عاديت الرجال، فما بال النساء والصبيان؟ٰ فأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس أن يحملوا الطعام إليهم، حكاه الثعلبي، وذكر نحوه الفراء، وهذه الآية والتي تليها مفسرتان في {البقرة ١٧٢ ١٧٣}. ١١٦ انظر تفسير الآية:١١٧ ١١٧ قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ} قال ابن الأنباري: اللام في «لما» بمعنى من أجل، وتلخيص الكلام: ولا تقولوا: هذه الميتة حلال، وهذه البحيرة حرام، من أجل كذبكم، وإقدامكم على الوصف، والتخرص لما لا أصل له، فجرت اللام هاهنا مجراها في قوله: {وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨] أي: وإنه من أجل حب الخير، لبخيل «وما» بمعنى المصدر، والكذب منصوب ب «تصف» والتلخيص: لا تقولوا لوصق ألسنتكم الكذب. وقرأ ابن أبي عبلة: «الكذب» قال ابن القاسم: هو نعت الألسنة، وهو جمع كذوب. قال المفسرون: والمعنى: أن تحليلكم وتحريمكم ليس له معنى إلا الكذب. والإشارة بقوله: {هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ} إلى ما كانوا يحلون ويحرمون، {لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللّه ٱلْكَذِبَ} وذلك أنهم كانوا ينسبون ذلك التحليل والتحريم إلى اللّه تعالى، ويقولون: هو أمرنا بهذا. وقوله: {مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ} أي: متاعهم بهذا الذي فعلوه قليل. ١١٨ انظر تفسير الآية:١١٩ ١١٩ قوله تعالى: {وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} يعني به ما ذكر في [الأنعام ١٢٦] وهو قوله: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ} {وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ} بتحريمنا ما حر منا عليهم، {وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالبغي والمعاصي. قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوء بِجَهَـٰلَةٍ} قد شرحناه في سورة [النساء ١٧] وشرحنا في [البقرة ١٦٠] التوبة والاصلاح، وذكرنا معنى قوله: {مِن بَعْدِهَا} آنفا. ١٢٠ انظر تفسير الآية:١٢٢ ١٢١ انظر تفسير الآية:١٢٢ ١٢٢ قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً} قال ابن الأنباري: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة، وفلان علامة، ونسابه، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه، والعرب قد توقع الأسماء المبهمة على الجماعة، وعلى الواحد، كقوله: {فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ} [آل عمران ٣٩]، وإنما ناداه جبريل وحده. وللمفسرين في المراد بالأمة هاهنا ثلاثة أقوال. احدها: أن الأمة: الذي يعلم الخير، قاله ابن مسعود، والفراء، وابن قتيبة. والثاني: أنه المؤمن وحده في زمانه، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثالث: أنه الإمام الذي يقتدى به، قاله قتادة، ومقاتل، أو عبيدة، وهو في معنى القول. الأول فأما القانت فقال ابن مسعود: هو المطيع. وقد شرحنا «القنوت» في [البقرة ١١٦ ٢٣٨] وكذلك الحنيف [البقرة ١٣٥]. قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُ} قال الزجاج: أصلها: لم يكن، وإنما حذفت النون عند سيبويه، لكثرة استعمال هذا الحرف، وذكر الجلة من البصرين أنها إنما احتملت الحذف، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف، وأنها قد أشبهت حروف اللين، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة، وأنها غنة تخرج من الأنف، فلذلك احتملت الحذف. قوله تعالى: {شَاكِراً لاّنْعُمِهِ} انتصب بدلا من قوله: {أُمُّهُ قَـٰنِتًا} وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفا، وشرحنا معنى «الاجتباء» في [الأنعام ٨٧] قال مقاتل: والمراد بالصراط المستقيم هاهنا: الإسلام. قوله تعالى: {وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً} فيها ستة أقوال. احدها: أنه الذكر الحسن، قاله ابن عباس. والثاني: النبوة، قاله الحسن. والثالث: لسان صدق، قاله مجاهد. والرابع: اجتماع المل على ولايته، فكلهم يتولونه ويرضونه، قاله قتادة. والخامس: أنها الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على محمد صلى اللّه عليه وسلم قاله مقاتل بن حيان. والسادس: الأولاد الأبرار على الكبر، حكاه الثعلبي. وباقي الآية مفسر في [البقرة ١٣٠]. ١٢٣ قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ} ملته: دينه. وفيما أمر باتباعه من ذلك قولان. احدهما: أنه أمر باتباعه في جميع ملته، إلا ما أمر بتركه، وهذا هو الظاهر. [والثاني: اتباعه في التبرؤ من الأوثان، والتدين بالإسلام، قاله أبو جعفر الطبري]. وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع المفضول، لأن رسولنا أفضل الرسل، وإنما أمر باتباعه، لسبقه إلى القول بالحق. ١٢٤ قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ} أي: إنما فرض تعظيمه وتحريمه، وقرأ الحسن، وأبو حيوة: «إنما جعل» بفتح الجيم والعين «السبت» بنصب التاء {عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ} والهاء ترجع إلى السبت. وفي معنى اختلافهم فيه قولان. احدهما: أن موسى قال لهم: تفرغوا للّه في كل سبعة أيام يوما، فاعبدوه في يوم الجمعة، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم، فأبوا أن يقبلوا ذلك، وقالوا: لا نبتغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق، وهو يوم السبت، فجعل ذلك عليهم، وشدد عليهم فيه، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: لما أمرهم موسى بيوم الجمعة، قالوا: نتفرغ يوم السبت، فان اللّه لم يخلق فيه شيئا، فقال: إنما أمرت بيوم الجمعة، فقال أحبارهم: انتهوا إلى أمر نبيكم، فأبوا، فذلك اختلافهم، فلما رأى موسى حرصهم على السبت، أمرهم به، فاستحلوا فيه المعاصي. وروى سعيد بت جبير عن ابن عباس قال: رأى موسى رجلا يحمل قصبا يوم السبت، فضرب عنقه، وعكفت عليه الطير أربعين صباحا. وذكر ابن قتيبة في «مختلف الحديث»: أن اللّه تعالى بعث موسى بالسبت، ونسخ السبت بالمسيح. والثاني: أنه بعضهم استحله، وبعضهم حرمه، قاله قتادة. ١٢٥ قوله تعالى: {ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ} قال ابن عباس: نزلت مع الآية التي بعدها، وسنذكر هناك السبب. فأما السبيل، فقال مقاتل: هو دين الإسلام. وفي المراد {بِٱلْحِكْمَةِ} ثلاثة أقوال. احدها: أنها القرآن، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الفقه، قاله الضحاك عن ابن عباس. والثالث: النبوة، ذكره الزجاج. وفي {ٱلْحَسَنَةَ} قولان. احدهما: مواعظ القرآن، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الأدب الجميل الذي يعرفونه، قاله الضحاك عن ابن عباس. قوله تعالى: {وَجَـٰدِلْهُم} في المشار إليه قولان. احدهما: أنهم أهل مكة، قاله أبوصالح. والثاني: أهل الكتاب، قاله مقاتل. وفي قوله: {بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} ثلاثة أقوال. احدها: جادلهم بالقرآن. والثاني: ب «لاآله إلا اللّه» روي القولان عن ابن عباس. والثالث: جادلهم غير فظ ولا غليظ، وألن لهم جانبك، قاله الزجاج. وقال بعض علماء التفسير: وهذا منسوخ بآية السيف. قوله تعالى: {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} المعنى: هو أعلم بالفريقين، فهو يأمرك فيهما بما فيه الصلاح. ١٢٦ انظر تفسير الآية:١٢٨ ١٢٧ انظر تفسير الآية:١٢٨ ١٢٨ قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} في سبب نزولها قولان. احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشرف على حمزة، فرآه صريعا، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه، فقال: «واللّه لأمثلن بسبعين منهم»، فنزل جبريل، والنبيصلى اللّه عليه وسلم واقف، بقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى أخرها، فصبر رسول اللّه وكفر عن يمينه، قاله أبو هريرة وقال ابن عباس: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حمزة قد شق بطنه، وجدعت أذناه، فقال: «لولا أن تحزن النساء، أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه اللّه من بطون السباع والطير، ولأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم»، فنزل قوله: {ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ} إلى قوله: {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللّه}. وروى الضحاك عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال يومئذ: «لئن ظفرت بقاتل حمزة لأمثلن به مثلة تتحدث بها العرب» وكانت هند وآخرون معها قد مثلوا به، فنزلت هذه الآية. والثاني: أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، ومثلوا بقتلاهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما من الدهر، لنزيدن على عدتهم مرتين، فنزلت هذه الآية، قاله أبي بن كعب وروى أبو صالح عن ابن عباس أن المسلمين قالوا: لئن أمكننا اللّه منهم، لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات، فنزلت هذه الآية. يقول: إن كنتم فاعلين، فمثلوا بالأموات، كما مثلوا بأمواتكم. قال ابن الأنباري: وإنما سمى فعل المشركين معاقبة وهم ابتدؤوا بالمثلة، ليزدوج اللفظان، فيخف على اللسان، كقوله: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى ٤٠]. فصل واختلف العلماء، هل هذه [الآية] منسوخة، أم لا؟ على قولين. احدهما: أنها نزلت قبل {بَرَاءةٌ} فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقاتل من قاتله، ولا يبدأ بالقتال، ثم نسخ ذلك، وأمر بالجهاد، قاله ابن عباس، والضحاك، فعلى هذا يكون المعنى: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} عن القتال، ثم نسخ هذا بقوله: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة ٥]. والثاني: أنها محكمة، وإنما نزلت فيمن ظلم ظلامه، فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما ناله الظالم منه، قاله مجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والثوري، وعلى هذا يكون المعنى: ولئن صبرتم عن المثلة، لا عن القتال. قوله تعالى: {وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللّه} أي: بتوفقيه ومعونته. وهذا أمر بالعزيمة. وفي قوله: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} قولان. احدهما على كفار مكة إن لم يسلموا، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: ولا تحزن على قتلى أحد، فانهم أفضوا إلى رحمة اللّه، ذكره علي بن احمد النيسابوري. قوله تعالى: {وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ} قرأ الأكثرون بنصب الضاد، وقرأ ابن كثير: «في ضيق» بكسر الضاد ها هنا وفي [النمل ٧٠] قال الفراء: الضيق بفتح الضاد: ما ضاق عنه صدرك، والضيق: ما يكون في الذي يضيق ويتسع، مثل الدار والثوب وأشباه ذلك. وقال ابن قتيبة: الضيق: تخفيف ضيق، مثل: هين ولين، وهو، إذا كان على هذا التأويل: صفة كأنه قال: لا تك في أمر ضيق من مكرهم. قال: ويقال: مكان ضيق وضيق، بمعنى واحد، كما يقال: رطل ورطل، وهذا أعجب إلي. فأما مكرهم المذكور ها هنا، فقال أبوصالح عن ابن عباس: فعلهم وعملهم. قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ} ما نهاهم عنه، وأحسنوا فيما أمرهم به، بالعون والنصر. |
﴿ ٠ ﴾