ÓõæÑóÉõ ÇáúÅÓúÑóÇÁö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÅöÍúÏóì ÚóÔóÑóÉó ÂíóÉð

سورة الإسراء

 فصل في نزولها

هي مكية في قول الجماعة، إلا أن بعضهم يقول: فيها مدني، فروي عن ابن عباس أنه قال: هي مكية إلا ثمان آيات: من قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {نَصِيراً} [الاسراء: ٧٣ ٧٥]، وهذا قول قتادة.

وقال مقاتل: فيها من المدني: {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الاسراء: ٨٠]

وقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ} [الاسراء: ١٠٧]

وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ} [الاسراء: ٦٠]

وقوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [الاسراء: ٧٣]

وقوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} [الاسراء: ٧٦]

وقوله: {وَلَوْ * لاَ ٱنفِصَامَ * ثَبَّتْنَـٰكَ} والتي تليها [الاسراء: ٧٤ ٧٥].

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

قوله تعالى: {سُبْحَانَ} روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن تفسير: «سبحان اللّه»، فقال: «تنزيه للّه عن كل سوء»، وقد ذكرنا هذا المعنى في [البقرة: ٣٢] قال الزجاج: واسرى: بمعنى: سير عبده، يقال: أسريت وسريت: اذا سرت ليلا. وقد جاءت اللغتان في القرآن. قال اللّه تعالى: {وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: ٤].

وفي معنى التسبيح هاهنا قولان.

احدهما: أن العرب تسبح عند الأمر المعجب، فكأن اللّه تعالى عجب العباد مما أسدى الى رسوله من النعمة.

والثاني: أن يكون خرج مخرج الرد عليهم، لأنه لما حدثهم بالاسراء، كذبوه، فيكون المعنى: تنزه اللّه أن يتخذ رسولا كذابا. ولا خلاف أن المراد بعبده هاهنا: محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وفي قوله: {مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} قولان.

احدهما: أنه أسري به من نفس المسجد، قاله الحسن، وقتاده، ويسنده حديث مالك بن صعصعة، وهو في الصحيحين بينما أنا في الحطيم وربما قال: بعض الرواة: في الحجر.

والثاني: أنه أسري به من بيت أم هانىء، وهو قول أكثر المفسرين، فعلى هذا يعني بالمسجد الحرام: الحرم. والحرم كله مسجد، ذكره القاضي أبو يعلى وغيره.

فأما {ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى} فهو بيت المقدس، وقيل له: الأقصى، لبعد المسافة بين المسجدين. ومعنى {بَارَكْنَا حَوْلَهُ}: أن اللّه أجرى حوله الأنهار، وأنبت الثمار.

وقيل: لأنه مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة.واختلف العلماء، هل دخل بيت المقدس، أم لا؟ فروى أبو هريرة أنه دخل بيت المقدس، وصلى فيه بالأنبياء، ثم عُرِج به إلى السماء. وقال حُذيفة بن اليمان: لم يدخل بيت المقدس ولم يصل. فيه، ولا نزل عن البراق حتى عُرج به.

فإن قيل: ما معنى قوله: {إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى} وأنتم تقولون: صَعِدَ إلى السماء؟ فالجواب: أن الإسراء كان إلى هنالك، والمعراج كان من هنالك.

وقيل: إن الحكمة في ذِكْرِ ذلك، أنه لو أخبر بصعوده الى السماء في بَدْءِ الحديث، لاشتد إنكارهم، فلما أخبر ببيت المقدس، وبان لهم صِدقه فيما أخبرهم به من العلامات الصادقة، واختلف العلماء، هل دخل بيت المقدس، أم لا؟ فروى أبو هريرة أنه دخل بيت المقدس، وصلى فيه بالأنبياء، ثم عُرِج به إلى السماء. وقال حُذيفة بن اليمان: لم يدخل بيت المقدس ولم يصل. فيه، ولا نزل عن البراق حتى عُرج به.

فإن قيل: ما معنى قوله: {إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى} وأنتم تقولون: صَعِدَ إلى السماء؟ فالجواب: أن الإسراء كان إلى هنالك، والمعراج كان من هنالك.

وقيل: إن الحكمة في ذِكْرِ ذلك، أنه لو أخبر بصعوده الى السماء في بَدْءِ الحديث، لاشتد إنكارهم، فلما أخبر ببيت المقدس، وبان لهم صِدقه فيما أخبرهم به من العلامات الصادقة، أخبر بمعراجه. قوله تعالى:

{لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا} يعني: ما رأى، أي: تلك الليلة من العجائب التي أَخبر بها الناس. {إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ} لمقالة قريش، {ٱلبَصِيرُ} بها. وقد ذكرنا في كتابنا المسمى ب «الحدائق» أَحاديث المعراج، وكرهنا الإطالة هاهنا.

٢

انظر تفسير الآية:٣

٣

قوله تعالى: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ} لمَّا ذكر في الآية الأولى إكرام محمد صلى اللّه عليه وسلم، ذكر في هذه كرامة موسى. و{ٱلْكِتَـٰبِ}: التوراة.

{وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ} أي: دللناهم به على الهدى.

{أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} قرأ أبو عمرو: «يتخذوا» بالياء، والمعنى: هديناهم لئلا يتخذوا. وقرأ الباقون بالتاء، قال أبو علي: وهو على الانصراف إلى الخطاب بعد الغَيْبَة، مثل {ٱلْحَمْدُ للّه} ثم [قال] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}. قوله تعالى:

{وَكِيلاً} قال مجاهد: شريكاً. وقال الزجاج: رباً. قال ابن الأنباري: وإِنما قيل للرَّبِّ: وكيل، لكفايته وقيامه بشأن عباده، من أجل أَن الوكيل عند الناس قد عُلم أَنه يقوم بشؤون أصحابه، وتفقُّد أمورهم، فكان الرب وكيلاً من هذه الجهة، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكِّل وانحطاط أمر الوكيل. قوله تعالى:

{ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا} قال مجاهد: هو نداء: ياذرية من حملنا: قال ابن الأنباري: من قرأ: «ألا تتخذوا» بالتاء، فإنه يقول: بعد الذرية مضمر حذف اعتماداً على دلالة ما سبق، تلخيصه: يا ذرية من حملنا مع نوح لا تتخذوا وكيلاً، ويجوز أن يستغني عن الإضمار بقوله:

{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} لأنه بمعنى: اشكروني كشكره. ومن قرأ: «لا يتخذوا» بالياء، جعل النداء متصلاً بالخطاب، و«الذرية» تنتصب بالنداء، ويجوز نصبها بالاتخاذ على أَنها مفعول ثان، تلخيص الكلام: أن لا يتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً. قال قتادة: الناس كلهم ذرِّيَّة من أنجى اللّه في تلك السفينة.قال العلماء: ووجه الإنعام على الخَلْق بهذا القول، أنهم كانوا في صلب من نجا. قوله تعالى:

{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} قال سلمان الفارسي: كان إذا أَكل، قال: «الحمد للّه» وإذا شرب قال: «الحمد للّه». وقال غيره: كان إذا لبس ثوباً قال: «الحمد للّه» فسمَّاه اللّه عبداً شكوراً.

٤

انظر تفسير الآية:٦

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ} فيه قولان:

احدهما: أخبرناهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: قضينا عليهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وبه قال قتادة، فعلى الأول: تكون «إلى» على أصلها، ويكون الكتاب: التوراة، وعلى الثاني: تكون «إلى» بمعنى «على»، ويكون الكتاب الذِّكْر الأول. قوله تعالى:

{لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلاْرْضِ} يعني: أرض مصر {مَّرَّتَيْنِ} بالمعاصي ومخالفة التوراة.

وفي مَنْ قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان.

احدهما: زكريا، قاله السدي عن أشياخه.

والثاني: شَعْيَا، قاله ابن إسحاق. فأما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني: فهو يحيى بن زكريا. قال مقاتل: كان بين الفسادين مائتا سنة وعشر سنين. فأما السبب في قتلهم زكريا، فإنهم اتهموه بمريم، وقالوا: منه حملت، فهرب منهم، فانفتحت له شجرة فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلَّهم عليه، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها. وأما السبب في قتلهم «شَعْيا» فهو أنه قام فيهم برسالة من اللّه ينهاهم عن المعاصي.

وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار، وإن زكريا مات حتف أنفه،

وأما السبب في قتلهم يحيى بن زكريا، ففيه قولان.

احدهما: أن ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له، فنهاه عنها يحيى. ثم فيها أربعة أقوال.

احدها: أنها ابنة أخيه، قاله ابن عباس.

والثاني: ابنته، قاله عبد اللّه بن الزبير.

والثالث: أنها امرأة أخيه، وكان ذلك، لا يصلح عندهم، قاله الحسين بن علي عليهما السلام.

والرابع: ابنة أمرأته، قاله السدي عن أشياخه، وذكر أن السبب في ذلك: أن ملك بني إسرائيل هوي بنت امرأته، فسأل يحيى عن نكاحها، فنهاه، فحنقت أمها على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت الى ابنتها فزينتها وأرسلتها إلى الملك حين جلس على شرابه،وأمرتْها أن تسقيَه، وأن تعرض له، فإِن أَرادها على نفسها، أَبت حتى يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طَسْت، ففعلت ذلك، فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إلا هذا، فأمر، فأتي برأسه والرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، لا تحل لك.

والقول الثاني: أن امرأة الملك رأت يحيى عليه السلام وكان قد أُعطي حسناً وجمالاً، فأرادته على نفسه، فأبى، فقالت لابنتها: سلي أَباك رأس يحيى، فأعطاها ما سألت، قاله الربيع بن أُنس. قال العلماء بالسِّيَر: ما زال دم يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني اسرائيل سبعون ألفا، فسكن، وقيل: لم يسكن حتى جاء قاتله، فقال: أنا قتلته، فقُتِل، فسكن. قوله تعالى:

{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} أي: لَتَعَظَّمُنَّ عن الطاعة وَلَتَبْغُنَّ. قوله تعالى:

{فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا} أي: عقوبة أُولى المرَّتين {بَعَثْنَا} أي: أرسلنا

عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا} وفيهم خمسة اقوال.

احدها: أنهم جالوت وجنوده، قاله ابن عباس، وقتادة.

والثاني: «بُخْتَنَصَّر»، قاله سعيد بن المسيب، واختاره الفراء، والزجاج.

والثالث: العمالقة، وكانوا كفاراً، قاله الحسن.

والرابع: سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.

والخامس: قوم من أهل فارس، قاله مجاهد. وقال ابن زيد: سلط [اللّه] عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك فارس.

قوله تعالى: {أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي: ذوي عدد وقوة في القتال.

وفي قوله: {فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ} ثلاثة اقوال.

احدها: مشَوا بين منازلهم، قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: يتجسسون أخبارهم، ولم يكن قتال. وقال الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه؟ و«الجوس»: طلب الشيء باستقصاء.

والثاني: قتلوهم بين بيوتهم، قاله الفراء، وأبو عبيدة.

والثالث: عاثوا وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إذا فعلوا ذلك، قاله ابن قتيبة. فأما الخلال: فهي جمع خَلَل، وهو الانفراج بين الشيئين. وقرأ أبو رزين، والحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل: «خَلَل الديار» بفتح الخاء واللام من غير ألف.

{وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً} أي: لا بد من كونه. قوله تعالى:

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} أي: أظفرناكم بهم. والكَرَّة، معناها: الرجعة والدُّولة، وذلك حين قتل داودُ جالوتَ وعاد ملكهم إليهم. وحكى الفراء أن رجلاً دعا على «بختنصر»،فقتله اللّه، وعاد ملكهم اليهم.

وقيل: غزَوا ملك بابل فأخذوا ما كان في يده من المال والأسرى. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} أي: أكثر عدداً وأنصاراً منهم، قال ابن قتيبة: النَّفير والنافر واحد، كما يقال: قدير وقادر، واصله: مَنْ يَنْفِر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته.

٧

انظر تفسير الآية:٨

٨

قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ} أي: وقلنا لكم إنْ أحسنتم فأطعتُم اللّه {أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ} أي: عاقبةُ الطاعة لكم {وَإِنْ أَسَأْتُمْ} بالفساد والمعاصي

{فَلَهَا} وفيه قولان.

احدهما: أنه بمعنى: فإِليها.

والثاني: فعليها.

{فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلاْخِرَةِ} جواب «فإذا» محذوف، تقديرُه: فإذا جاء وعد عقوبة المرة الآخرة من إفسادكم، بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم، وهذا الفساد الثاني، هو قتلهم يحيى بن زكريا، وقصدهم قتل «عيسى» فرُفِع، وسلَّط اللّه عليهم ملوك فارس والروم فقتلوهم وسَبْوهم، فذلك قوله: {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ}. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «ليسوؤوا» بالياء على الجميع والهمز بين الواوين، والإشارة إلى المبعوثين، وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: «ليسوء وجوهكم» على التوحيد؛

قال أبو علي: فيه وجهان.

احدهما: ليسوءَ اللّه عز وجل.

والثاني: ليسوء البَعْثُ. وقرأ الكسائي: «لنَسوءَ» بالنون، وذلك راجع إلى اللّه تعالى.

وفيمن بَعَثَ عليهم في المرة الثانية قولان.

احدهما: بختنصر، قاله مجاهد، وقتادة. وكثير من الرواة يأبى هذا القول، ويقولون: كان بين تخريب «بختنصر» بيت المقدس، وبين مولد يحيى بن زكريا زمان طويل.

والثاني: انطياخوس الرومي، قاله مقاتل.

ومعنى {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} أي: ليُدْخِلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسَبْيِكُم؛ وخُصت المساءاة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه، لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة. قوله تعالى:

{وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ} يعني: بيت المقدس {كَمَا دَخَلُوهُ} في المرة الأولى {وَلِيُتَبّرُواْ} أي: ليدمِّروا ويخرِّبوا. قال الزجاج: يقال لكل شيء ينكسر من الزجاج والحديد والذهب: تِبر. ومعنى {مَا عَلَوْاْ} أي: ليدمِّروا في حال عُلوِّهم عليكم. قوله تعالى:

{عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ} هذا مما وُعِدُوا به في التوراة. و«عسى» من اللّه واجبة، فرحمهم [اللّه] بعد انتقامه منهم، وعَمَّر بلادهم، وأعاد نعمهم بعد سبعين سنة.

{وَإِنْ عُدتُّمْ} إلى معصيتنا {عُدْنَا} إلى عقوبتكم.

قال المفسرون: ثم إنهم عادوا إلى المعصية، فبعث اللّه عليهم ملوكا من ملوك فارس والروم. قال قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث اللّه عليهم محمدا صلى اللّه عليه وسلم، فهم في عذاب إلى يوم القيامة، فيُعطُون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا} فيه قولان.

احدهما: سجنا، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة. وقال مجاهد: يحصرون فيها. وقال أبو عبيدة، وابن قتيبة: محبسا، وقال الزجاج: «حصيرا»: حبساً، أُخذ من قولك: حصرت الرجل، إذا حبسته، فهو محصور، وهذا حصيره، أي: محبسه، والحصير: المنسوج، سمي حصيراً، لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض، ويقال للجَنْب: حصير، لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض. وقال ابن الأنباري: حصيرا: بمعنى: حاصرة، فصرف من حاصرة الى حصير، كما صرف «مؤلم» إلى أليم.

والثاني: فراشاً ومهاداً، قاله الحسن. قال أبو عبيدة: ويجوز أن تكون جهنم لهم مهادا بمنزلة الحصير، والحصير: البساط الصغير.

٩

انظر تفسير الآية:١٠

١٠

قوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ} قال ابن الأنباري: «التي» وصف للجمع، والمعنى: يهدي إلى الخصال التي هي أقوم الخصال. قال المفسرون: وهي توحيد اللّه والايمان به وبرسله والعمل بطاعته،

{وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي: بأن لهم {أَجْراً} وهو الجنة، وأن {ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاْخِرَةِ} أي: ويبشرهم بالعذاب، لأعدائهم، وذلك أن المؤمنين كانوا في أذىً من المشركين، فعَّجل اللّه لهم البشرى في الدنيا بعقاب الكافرين.

١١

قوله تعالى: {وَيَدْعُ ٱلإِنْسَـٰنُ بِٱلشَّرّ} وذلك أن الإنسان يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله بما لا يحب أن يستجاب له كما يدعو لنفسه بالخير. {وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ عَجُولاً} يعجّل بالدعاء بالشر عند الغضب والضجر عَجَلَته بالدعاء بالخير.

وفي المراد بالإِنسان هاهنا ثلاثة أقوال.

احدها: أنه اسم جنس يراد به الناس، قاله الزجاج وغيره.

والثاني: آدم، فاكتفى بذكره من ذكر ولده، ذكره ابن الأنباري.

والثالث: أنه النضر بن الحارث حين قال: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء} [الانفال: ٣٢]، قاله مقاتل. وقال سلمان الفارسي: أول ما خلق اللّه من آدم رأسه، فجعل ينظر الى جسده كيف يخلق، قال: فبقيت رجلاه، فقال: يا رب عجِّل، فذلك قوله: {وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ عَجُولاً}.

١٢

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءايَتَيْنِ} أي: علامتين يدلان على قدرة خالقهما.

{فَمَحَوْنَا ءايَةَ ٱلَّيْلِ} فيه قولان.

احدهما: أن آية الليل: القمر، ومحوها: ما في بعض القمر من الاسوداد. والى هذا المعنى ذهب علي عليه السلام، وابن عباس في آخرين.

والثاني: آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل؛ فنسب المحو الى الظلمة إذْ كانت تمحو الأنوار وتُبطلُها، ذكره ابن الأنباري. ويُروى أنَّ الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواءً، فأرسل اللّه جبريل فأمَّر جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا ءايَةَ ٱلنَّهَارِ} يعني: الشمس {مُبْصِرَةً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: منيرة، قاله قتادة. قال ابن الأنباري: وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز، كما يقال: لعب الدهر ببني فلان.

والثاني: أنَّ معنى «مبصرة»: مبصراً بها، قاله ابن قتيبة.

والثالث: أنَّ معنى «مبصرة» مُبَصِرَةً، فجرى «مُفْعِلْ» مجرى «مُفَعِّل»، والمعنى: أنها تُبَصِّرْ النّاس، أي: تريهم الأشياء، قاله ابن الأنباري. ومعاني الأقوال تتقارب. قوله تعالى:

{لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ} أي: لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار {وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ} بمحو آية الليل، ولولا ذلك، لم يعرف الليل من النهار، ولم يُتبين العدد. {وَكُلَّ شىْء} أي: ما يُحتاج اليه: {فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} بيّنّاه تبينا لا يلتبس معه بغيره.

١٣

انظر تفسير الآية:١٤

١٤

قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ} وقرأ ابن أبي عبلة «وكُلُّ» برفع اللام. وقرأ ابن مسعود، وأُبَيٌّ، والحسن {أَلْزَمْنَـٰهُ} بياء ساكنة من غير الف.

وفي الطائر أربعة أقوال.

احدها: شقاوته وسعادته، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مجاهد: ما من مولود يُولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي، أو سعيد.

والثاني: عمله، قاله الفراء، وعن الحسن كالقولين.

والثالث: أنه ما يصيبه، قاله خصيف. وقال أبو عبيدة حظه.

قال ابن قتيبة: والمعنى فيما أرى ـواللّه أعلم ـ: أنَّ لكل امرئ حظاً من الخير والشر قد قضاه اللّه [عليه]، فهو لازمٌ عنقه، والعرب تقول: لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه، وهذا لك علي وفي عنقي حتى أخرج منه، وإنما قيل للحظ من الخير والشر: «طائر»، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطِيَّرة، فخاطبهم اللّه بما يستعملون، وأعلمهم ان ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو الذي يلزمه أعناقهم.وقال الأزهري: الأصل في هذا أن اللّه تعالى لما خلق آدم، علم المطيع من ذريته، والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى سعادة من علمه مطيعاً، وشقاوة من علمه عاصياً، فصار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه، فذلك قوله: {إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ}.

والرابع: أنه ما يَتَطَيَّر من مثله من شيء عمله، وذِكْرُ العنق عبارة عن اللزوم له، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس، هذا قول الزجاج. وقال ابن الأنباري: الأصل في تسميتهم العمل طائرا، أنهم كانوا يتطيّرون من بعض الأعمال. قوله تعالى:

{وَنُخْرِجُ لَهُ} قرأ أبو جعفر: «ويُخْرَجْ» بياءٍ مضمومة وفتح الراء. وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: بالياء مفتوحة وضم الراء. وقرأ قتادة، وأبو المتوكل: «ويخرج» بياء مرفوعة وكسر الراء. وقرأ أبو الجوزاء، والأعرج: «وتخرج» بتاء مفتوحة ورفع الراء {يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا} وقرأ ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: «كتابٌ» بالرفع، {يَلْقَـٰهُ} وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر: «يُلقَّاه» بضم الياء وتشديد القاف. وأمال حمزة، والكسائي القاف.

قال المفسرون: هذا كتابه الذي فيه ما عمل. وكان أبو السَّوَّار العَدَوِي إذا قرأ هذه الآية قال: نشرتان وطيَّة أمّا ما حييتَ يا ابن آدم، فصحيفتُك منشورة، فأمل فيها ما شئت، فاذا مُتَّ، طُويت، ثم إذا بُعثت، نُشرت. قوله تعالى

{ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ} وقرأ أبو جعفر: «اقرا» بتخفيف الهمزة، وفيه اضمار، تقديره، فيقال له اقرأ كتابك. قال الحسن: يقرؤه أُميّا كان أو غير أُمِّي، ولقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك.

وفي معنى {حَسِيباً} ثلاثة أقوال.

احدها: محاسِباً.

والثاني: شاهداً.

والثالث: كافياً، والمعنى: أنَّ الإنسان يُفَوَّض إليه حسابه ليعلم عدل اللّه بين العباد، ويرى وجوب حجة اللّه عليه، واستحقاقه العقوبة، ويعلم أنَّه إن دخل الجنة فبفضل اللّه، لا بعمله، وإنْ دخل النار فبذنبه. قال ابن الأنباري: وإنما قال: {حَسِيباً}، والنفس مؤنثة، لأنه يعني بالنفس: الشخص، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس، فشبهت بالسماء والأرض، قال تعالى: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل ١٨]، قال الشاعر:

فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها  ولا أرض أبقل إبقالها

١٥

قوله تعالى: {مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ} أي: له ثواب اهتدائه، وعليه عقاب ضلاله. قوله تعالى:

{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} أي: نفس وازرة {وِزْرَ أُخْرَىٰ} قال ابن عباس: إنَّ الوليد بن المغيرة قال: اتبَّعوني وأنا أحمل أوزاركم، فقال اللّه تعالى:

{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}، قال أبو عبيدة: والمعنى: ولا تَأْثَمْ آثمة إثم أخرى. قال الزجاج: يقال: وزَر يَزِرُ، فهو وازِر، وَزراً، ووِزراً، ووِزْرةً، ومعناه: أثِم إثماً.

وفي تأويل هذه الآية وجهان.

احدهما: أن الآثم لا يؤخذ بذنب غيره.

والثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم، لأن غيرَه عَمِله، كما قال الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ} [الزخرف٢٢].

ومعنى {حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً} أي: حتى نُبيّنَ ما به نعذّب، وما من أجله ندخل الجنة. فصل قال القاضي ابو يعلى: في هذا دليل على أنَّ معرفة اللّه لا تجب عقلاً، وإِنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك، لم يقطع عليه بالنار. قال:

وقيل معناه: أنه لا يعذّب في ما طريقه السمع الاَّ بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها، لم يلزمه قضاء شيء منها، لأنها لم تلزمه إلا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قباء حين استداروا الى الكعبة ولم يستأنفوا، ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة، فالواجب عليه القضاء لأنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة، وذلك دعاء إليها.

١٦

انظر تفسير الآية:١٧

١٧

قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً} في سبب إرادته لذلك قولان.

احدهما: ما سبق لهم في قضائه من الشقاء.

والثاني: عنادهم الأنبياء وتكذيبهم إياهم. قوله تعالى:

{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} قرأ الأكثرون: أمرنا مخففة، على وزن فَعَلْنا،

وفيها ثلاثة أقوال.

احدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا، هذا مذهب سعيد بن جبير. قال الزجاج: ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر.

والثاني: كثَّرنا يقال: أمرت الشيء وآمرته، أي: كثَّرته، ومنه قولهم: مهرة مأمورة، أي: كثيرة النتاج، يقال: أَمِرَ بنو فلان يأمرون أمراً: إذا كثروا، هذا قول ابي عبيدة، وابن قتيبة.

والثالث: أنَّ معنى أَمرنا أمّرنا، يقال: أَمرت الرجل، بمعنى، أمّرته، والمعنى: سلّطنا مترفيها بالإمارة، ذكره ابن الأنباري.

وروى خارجة عن نافع: آمرنا ممدودة، مثل آمنا، وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير، وهي قراءة ابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي رزين، والحسن، والضحاك، ويعقوب. قال ابن قتيبة: وهي اللغة العالية المشهورة، ومعناه: كثّرنا، أيضاً.

وروى ابن مجاهد أنَّ أبا عمرو قرأ: أمّرنا مشددة الميم، وهي رواية أبان عن عاصم، وهي قراءة أبي العالية، والنخعي والجحدري. قال ابن قتيبة: المعنى: جعلناهم أمراء. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر: أَمِرنا بفتح الهمزة مكسورة الميم مخففة. فأما المترفون، فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون: هم الجبارون والمسلطون والملوك، وإنما خص المترفين بالذكر، لأنهم الرؤساء، ومن عداهم تبع لهم. قوله تعالى:

{فَفَسَقُواْ فِيهَا} أي: تمردوا في كفرهم، لأن الفسق في الكفر: الخروج إلى أفحشه. وقد شرحنا معنى الفسق في [البقرة: ٢٦/١٩٧]. قوله تعالى:

{فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ} قال مقاتل: وجب عليها العذاب. وقد ذكرنا معنى التدمير في [الاعراف: ١٣٧] قوله تعالى:

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ} وهو جمع قرن. وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه في [الانعام: ٦]، وشرحنا معنى الخبير والبصير في [البقرة]. قال مقاتل: وهذه الآية تخويف لأهل مكة.

١٨

انظر تفسير الآية:١٩

١٩

قوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ} يعني: من كان يريد بعمله الدنيا، فعبر بالنعت عن الاسم، {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء} من عرض الدنيا،

وقيل: من البسط والتقتير،

{لِمَن نُّرِيدُ} فيه قولان.

احدهما: لمن نريد هلكته، قاله أبو اسحاق الفزاري.

والثاني: لمن نريد أن نعجل له شيئا، وفي هذا ذم لمن أراد بعمله الدنيا، وبيان أنّه لا ينال مع ما يقصده منها إلا ما قدر له، ثم يدخل النار في الاخرة. وقال ابن جرير: هذه الآية لمن لا يوقن بالمعاد. وقد ذكرنا معنى جنهم في [البقرة: ٢٠٦] ومعنى يصلاها في سورة [النساء: ١٠]، ومعنى مذموما مدحورا في [الاعراف: ١٨].

قوله تعالى: ومن {أَرَادَ ٱلاْخِرَةَ} يعني: الجنة {وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا} أي: عمل لها العمل الذي يصلح لها، وإنما قال: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} لأن الإيمان شرط في صحة الأعمال،

{فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} أي: مقبولاً. وشكر اللّه عز وجل لهم: ثوابه إياهم، وثناؤه عليهم.

٢٠

انظر تفسير الآية:٢٢

٢١

انظر تفسير الآية:٢٢

٢٢

قوله تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء} قال الزجاج: كلاٍّ منصوب ب نمد، هؤلاء بدل من كل، والمعنى: نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك.

قال المفسرون: كلا نعطي من الدنيا، البر والفاجر، والعطاء هاهنا: الرزق، والمحظور: الممنوع، والمعنى: أنّ الرزق يعم المؤمن والكافر، والآخرة للمتقين خاصة. {ٱنْظُرْ} يا محمد

{كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} وفيما وفضلوا فيه قولان.

احدهما: الرزق، منهم مقل، ومنهم مكثر.

والثاني: الرزق والعمل، فمنهم موفق لعمل صالح، ومنهم ممنوع من ذلك. قوله تعالى:

{لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللّه إِلَـٰهًا ءاخَرَ} الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، والمعنى عام لجميع المكلفين. والمخذول الذي لا ناصر له، والخذلان: ترك العون. قال مقاتل: نزلت حين دعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى ملة آبائه.

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٥

قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أمر ربك. ونقل عنه الضحاك أنه قال: إنما هي ووصى ربك فالتصقت إحدى الواوين ب الصاد، وكذلك قرأ أبي بن كعب، وأبو المتوكل، وسعيد ابن جبير: ووصى، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع، فلا يلتفت إليه. وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدري، ومعاذ القارىء: وقضاء ربك بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب. قال ابن الأنباري: هذا القضاء ليس من باب الحتم والوجوب، لكنه من باب الأمر والفرض، وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء بإحكام واتقان: قال الشاعر يرثي عمر:

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها  بوائق في اكمامها لم تفتق

أراد: قطعتها محكماً لها. قوله تعالى:

{وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً} أي: وأمر بالوالدين إحسانا، وهوالبر والإكرام، وقد ذكرنا هذا في [البقرة ٨٣]. قوله تعالى:

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: يبلغن على التوحيد وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: يبلغانّ على التثنية. قال الفراء: جعلت يبلغن فعلا لاحدهما وكرت عليهما كلاهما. ومن قرأ يبلغان فإنه ثنى، لأن الوالدين قد ذكرا قبل هذا، فصار الفعل على عددهما، ثم قال:

{احدهما أَوْ كِلاَهُمَا} على الاستئناف، كقوله: {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} [المائدة ٧١] ثم استأنف فقال: {كَثِيرٌ مّنْهُمْ}. قوله تعالى:

{فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: أفٍ بالكسر من غير تنوين. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب، والمفضل: أفَّ بالفتح من غير تنوين. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم: أفٍ بالكسر والتنوين.وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: أفٌ بالرفع والتنوين وتشديد الفاء. وقرأ معاذ القارىء، وعاصم الجحدري، وحميد بن قيس: أفّاً مثل تعساً وقرأ ابو عمران الجوني، وأبو السماك العدوي: أفُ بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء، وهي رواية الاصمعي عن ابي عمرو. وقرأ عكرمة، وأبو المتوكل، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء: أف بإسكان الفاء وتخفيفها، قال الاخفش: وهذا لأن بعض العرب يقول: أف لك، على الحكاية، والرفع قبيح، لأنه لم يجيء بعده لام. وقرأ أبو العالية، وأبو حصين الأسدي: أفّي بتشديد الفاء وبياء.

وروى ابن الأنباري أن بعضهم قرأها: إِفِ بكسر الهمزة. وقال الزجاج: فيها سبع لغات، الكسر بلا تنوين، وبتنوين، والضم بلا تنوين، وبتنوين، والفتح بلا تنوين، وبتنوين، واللغة السابعة لا تجوز في القراءة: أُفي بالياء، هكذا قال الزجاج. وقال ابن الأنباري: في أفٍ عشرة أوجه. أُفَّ لك، بفتح الفاء، وأُفِّ بكسرها، وأُفٍّ وأُفَّا لك بالنصب والتنوين على مذهب الدعاء كما تقول: ويلاً للكافرين، و أُفٌ لك، بالرفع والتنوين، وهو رفع باللام، كقوله تعالى: {وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ} [المطففون١]، وأفٍ لك، بالخفض والتنوين، تشبيها بالأصوات، كقولك: صهٍ ومهٍ، وأفهاً لك، على مذهب الدعاء أيضاً، وأُفِّي لك، على الإضافة الى النفس، وأفْ لك، بسكون الفاء، تشبيها بالأدوات، مثل: كم وهل وبل، وإف لك، بكسر الألف. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: قال: وتقول: أُفِ منه، وأُفَ، وأُفُ، وأُفٍ، وأُفاً، وأفٌ، و أُفيِّ مضاف، وأفهاً، وأفا بالألف، ولا تقل: أفي بالياء فانه خطأ.

فأما معنى أف ففيه خمسة اقوال.

احدها: أنه وسخ الظفر، قاله الخليل.

والثاني: وسخ الأذن، قاله الاصمعي.

والثالث: قلامة الظفر، قاله ثعلب.

والرابع: أنّ الأف الاحتقار والاستصغار، من الأفف، والأفف عند العرب: القلة، ذكره ابن الأنباري.

والخامس: أن الأف ما رفعته من الأرض من عود او قصبة، حكاه ابن فارس اللغوي. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال: معنى الأف: النتن، والتضجر، وأصلها: نفخك الشيء يسقط عليك من تراب ورماد، وللمكان تريد اماطة الأذى عنه، فقيلت لكل مستثقل. قال المصنف: وأما قولهم: تف، فقد جعلها قوم بمعنى أف، فروي عن أبي عبيد أنه قال: أصل الأف والتف: الوسخ على الأصابع إذا فتلته. وحكى ابن الأنباري فرقا، فقال: قال اللغويون: أصل الأف في اللغة: وسخ الأذن، والتف: وسخ الأظفار، فاستعملتهما العرب فيما يكره ويستقذر ويضجر منه.وحكى الزجاج فرقا آخر، فقال: قد قيل: إن أف: وسخ الأظفار، والتف: الشيء الحقير، نحو وسخ الأذن، أو الشظية تؤخذ من الارض، ومعنى: أف النتن، ومعنى الآية: لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما اذا كبرا وأسنا، فينبغي أن تتولى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وخدمتك، {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما. وقال عطاء بن ابي رباح: لا تنفض يدك عليهما، يقال: نهرته أنهره نهرا، وانتهرته انتهارا، بمعنى واحد. وقال ابن فارس: نهرت الرجل وانتهرته مثل: زجرته.

قال المفسرون: وإنما نهى عن أذاهما في الكبر، وإن كان منهيا عنه على كل حالة، لأن حالة الكبر يظهر فيها منهما ما يضجر ويؤذي، وتكثر خدمتهما. قوله تعالى:

{وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} أي: لينا لطيفا أحسن ما تجد. وقال سعيد بن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ. قوله تعالى:

{وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ} أي: ألن لهما جانبك متذللا لهما من رحمتك إياهما. وخفض الجناح قد شرحناه في [الحجر ٨٨]. قال عطاء: جناحك: يداك، فلا ترفعهما على والديك. والجمهور يضمون الذال من الذل. وقرأ أبو رزين، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعاصم الجحدري، وابن أبي عبلة: بكسر الذال. قال الفراء: الذِل: أن تتذلل لهما، من الذل، والذل: أن تتذلل ولست بذليل في الخدمة، والذل والذلة: مصدر الذليل، والذِل، بالكسر: مصدر الذلول، مثل الدابة والأرض. قال ابن الأنباري: من قرأ الذِل، بكسر الذال، جعله بمعنى الذل، بضم الذال، والذي عليه كبراء أهل اللغة أن الذل من الرجل: الذليل، والذل من الدابة: الذلول. قوله تعالى:

{وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا} أي: مثل رحمتهما إياي في صغري حتى ربياني، وقد ذهب قوم إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء لأهل الشرك بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ}، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومقاتل.ولا أرى هذا نسخاً عند الفقهاء، لأنه عامّ دخله التخصيص، وقد ذكر قريبا مما قلته ابن جرير. قوله تعالى:

{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ} أي: بما تضمرون من اْلبر والعقوق، فمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر العقوق، غفر له ذلك، وهو قوله تعالى:

{إِن تَكُونُواْ صَـٰلِحِينَ} أي: طائعين للّه،

وقيل بارّين، وقيل:توَّابين، {فَإِنَّهُ كَانَ لِلاْوَّابِينَ غَفُوراً}

في الأوّاب عشرة أقوال:

احدها: أنه المسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: [أنه التواب، رواه أبو صالح عن ابن عباس]، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، و الضحاك، وأبو عبيدة، وقال ابن قتيبة: هو التائبُ مرّة بعد مرة. وقال الزجاج: هو التواب المقلع عن جميع ما نهاه اللّه عنه، يقال: قد آب يؤوب أوْباً: إذا رجع.

والثالث: أنه المسيح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والرابع: أنه المطيع للّه تعالى، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

والخامس: أنه الذي يذكر ذنبه في الخلاء، فيستغفر اللّه منه، قاله عبيد بن عمير.

والسادس:أنه المقبل إلى اللّه[تعالى] بقلبه وعمله، قاله الحسن.

والسابع: المصلّي، قاله قتادة.

والثامن: هو الذي يصلي بين المغرب والعشاء، قاله ابن المنكدر.

والتاسع: الذي يصلي صلاة الضحى، قاله عون العقيلي.

والعاشر: أنه الذي يذنب سرا ويتوب سرا، قاله السدي.

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٨

قوله تعالى: {وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ} فيه قولان.

احدهما: أنه قرابة الرجل من قبل أبيه وأمه، قاله ابن عباس، والحسن، فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال.

احدها: أن المراد به: برهم وصلتهم.

والثاني: النفقة الواجبة لهم وقت الحاجة.

والثالث: الوصية لهم عند الوفاة.

والثاني: أنهم قرابة الرسول، قاله علي بن الحسين عليهما السلام، والسدي. فعلى هذا، يكون حقهم: إعطاؤهم من الخُمس، ويكون الخطاب للولاة. قوله تعالى:

{وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ} قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يكون المراد: الصدقات الواجبة، يعني: الزكاة، ويجوز أن يكون الحق الذي يلزمه إعطاؤه عند الضرور إليه.

وقيل: حق المسكين، من الصدقة، وابن السبيل، من الضيافة. قوله تعالى:

{وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا} في التبذير قولان.

احدهما: أنه إنفاق المال في غير حق، قاله ابن مسعود، وابن عباس. وقال مجاهد: لو أنفق الرجل ماله كله في حقٍ، ما كان مبذراً، ولو أنفق مدا في غير حق، كان مبذرا. قال الزجاج: التبذير: النفقة في غير طاعة اللّه، وكانت الجاهلية تنحر الإبل وتبذر الأموال تطلب بذلك الفخر والسمعة، فأمر اللّه عز وجل بالنفقة في وجهها فيما يقرب منه.

والثاني: أنه الإسراف المتلف للمال، ذكره الماوردي. وقال أبو عبيدة: المبذر: هو المسرف المفسد العائث. قوله تعالى

{إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ} لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إليه، ويشاكلونهم في معصية اللّه، {وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا} أي: جاحدا لنعمه. وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم. قوله تعالى:

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} في المشار إليهم أربعة أقوال.

احدها: أنهم الذين تقدم ذكرهم من الأقارب والمساكين وأبناء السبيل، قاله الاكثرون،

فعلى هذا في علة هذا الإعراض قولان.

احدهما: الإعسار، قاله الجمهور.

والثاني: خوف إنفاقهم ذلك في معصية اللّه، قاله ابن زيد.

وعلى هذا في الرحمة قولان.

احدهما: الرزق، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه الصلاح والتوبة، هذا على قول ابن زيد.

والثاني: أنهم المشركون، فالمعنى: وإما تعرضن عنهم لتكذيبهم، قاله سعيد بن جبير.

فتحتمل إذاً الرحمة وجهين.

احدهما: انتظار النصر عليهم.

والثاني: الهداية لهم.

والثالث: أنهم ناس من مزينة جاؤوا يستحملون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال لا أجد ما أحملكم عليه، فبكوا، فنزلت هذه الاۤية، قاله عطاء الخراساني.

والرابع: أنها نزلت في خباب، وبلال، وعمار، ومهجع، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا يجد ما يعطيهم، فيعرض عنهم ويسكت، قاله مقاتل. فعلى هذا القول والذي قبله تكون الرحمة بمعنى الرزق. قوله تعالى:

{فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} قال أبو عبيدة: لينا هينا، وهو من اليسر.

وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه العِدَة الحسنة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد.

والثاني: أنه القول الجميل، مثل أن يقول: رزقنا اللّه وإياك، قاله ابن زيد؛ وهذا على ما تقدم من قوله.

والثالث: أنه المداراة لهم باللسان، على قول من قال: هم المشركون، قاله أبو سليمان الدمشقي؛ وعلى هذا القول، تحتمل الآية النسخ.

٢٩

انظر تفسير الآية:٣١

٣٠

انظر تفسير الآية:٣١

٣١

قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ} سبب نزولها: أن غلاما جاء الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال؛ ان أمي تسألك كذا وكذا، قال: ما عندنا اليوم شيء، قال: فتقول لك: اكسني قميصك، قال: فخلع قميصه فدفعه إليه، وجلس في البيت حاسرا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.

وروى جابر بن عبد اللّه نحو هذا، فزاد فيه، فأذن بلال للصلاة، وانتظروه فلم يخرج، فشغل قلوب الصحابة، فدخل عليه بعضهم، فرأوه عريانا، فنزلت هذه الآية، والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضة إلى عنقك،

{وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ} في الإعطاء والنفقة {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} تلوم نفسك ويلومك الناس، {مَّحْسُوراً} قال ابن قتيبة: تحسرك العطية وتقطعك كما يحسر السفر البعير فيبقى منقطعا به. قال الزجاج: المحسور: الذي قد بلغ الغاية في التعب والإعياء، فالمعنى: فتقعد وقد بلغت في الحمل على نفسك وحالك حتى صرت بمنزلة من قد حسر. قال القاضي أبو يعلى: وهذا الخطاب أريد به غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنه لم يكن يدخر شيئا لغد، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه، وقد كان كثير من فضلاء الصحابة ينفقون جميع ما يملكون، فلم ينههم اللّه، لصحة يقينهم، وإنما نهى من خيف عليه التحسر على ما خرج من يده، فأما من وثق بوعد اللّه تعالى، فهو غير مراد بالآية. قوله تعالى:

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} أي: يوسع على من يشاء ويضيق، {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم. قوله تعالى:

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ} قد فسرناه في [الانعام: ١٥١]. قوله تعالى:

{كَانَ حُوباً كَبِيراً} قرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: خطءا مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموزة مقصورة. وقرأ ابن كثير، وعطاء: خطاء مكسورة الخاء ممدودة مهموزة. وقرأ ابن عامر: خطأ بنصب الخاء والطاء وبالهمز من غير مد. وقرأ أبو رزين كذلك، إلا أنه مد. وقرأ الحسن: وقتادة: خطءا بفتح الخاء وسكون الطاء مهموز مقصور. وقرأ الزهري، وحميد بن قيس: خطا بكسر الخاء وتنوين الطاء من غير همز ولا مد. قال الفراء: الخطء الإثم، وقد يكون في معنى خطأ كما قالوا: قتب وقتب وحذر وحذر ونجس ونجس، والخطء، والخطاء، والخطاء، ممدود: لغات؛ وقال أبو عبيده: خطئت وأخطأت، لغتان. وقال أبو علي: قراءة ابن كثير خطاء، يجوز أن تكون مصدر خاطأ وان لم يسمع خاطأَ ولكن قد جاء ما يدل عليه، أنشد أبو عبيدة: الخطء والخطء والخطاءوقال الأخفش: خطِىء يخطأُ بمعنى أَذنب وليس بمعنى أخطأ، لأن أخطأ: فيما لم يصنعه عمدا، تقول فيما أتيته عمدا: خطئت، وفيما لم تتعمده: أخطأت. وقال ابن الأنباري: الخِطء: الإثم، يقال: قد خطىءَ يخطأُ: إذا أثم، وأخطأ يخطىء: إذا فارق الصواب. وقد شرحنا هذا في [يوسف: ٩١] عند قوله: {وَإِن كُنَّا لَخَـٰطِئِينَ}.

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٣

٣٣

قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ} وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن: بالمد. قال أبو عبيدة: وقد يمد الزنا في كلام أهل نجد، قال الفرزدق: أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه  ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا وقال أيضاً: أخضبت فعلك للزناء ولم تكن  يوم اللقاء لتخضب الأبطالاوقال آخر: كانت فريضة ما نقول كما  كان الزناء فريضة الرجم قوله تعالى:

{بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللّه} قد ذكرناه في [الانعام: ١٥١]. قوله تعالى:

{فَقَدْ جَعَلْنَا} قال الزجاج: الأجود إدغام الدال مع الجيم، والإظهار جيد بالغ، إلا أنّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإدغام جائز، لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان. ووليّه: الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فان لم يكن له ولي، فالسلطان وليه.

وللمفسرين في السلطان قولان.

احدهما: أنه الحجة، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الوالي، والمعنى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـٰناً} ينصره وينصفه في حقه، قاله ابن زيد. قوله تعالى:

{فَلاَ يُسْرِف فّى ٱلْقَتْلِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: فلا يسرف بالياء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء.

وفي المشار إليه في الاّية قولان.

احدهما: أنه وليّ المقتول.

وفي المراد باسرافه خمسة أقوال.

احدها: أن يقتل غير القاتل، قاله بن عباس، والحسن.

والثاني: أن يقتل اثنين بواحد، قاله سعيد بن بن جبير.

والثالث: أن يقتل أشرف من الذي قتل، قاله ابن زيد.

والرابع: أن يمّثل قاله قتادة.

والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجاج.

والثاني: أن الإشارة الى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعدّيا وظلما، قاله مجاهد. قوله تعالى:

{إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أي معانا عليه.

وفي هاء الكناية أربعة أقوال.

احدها: أنها ترجع إلى الولي، فالمعنى: أنه كان منصوراً بتمكينه من القود، قاله قتادة والجمهور.

والثاني: أنها ترجع الى المقتول، فالمعنى: أنه كان منصوراً بقتل قاتله، قاله مجاهد.

والثالث: أنها ترجع الى الدم، فالمعنى: إن دم المقتول كان منصوراً، أي: مطلوبا به.

والرابع: أنها ترجع الى القتل، ذكر القولين الفراء.

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٥

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٦

قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ} قد شرحناه في [الأنعام: ١٥٢]. قوله تعالى:

{وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} وهو عام فيما بين العبد وبين ربه، وفيما بينه وبين الناس. قال الزجاج: كل ما أمر اللّه به ونهى عنه فهو من العهد. قوله تعالى:

{كَانَ مَسْؤُولاً} قال ابن قتيبة: أي: مسؤولا عنه.

قوله تعالى: {وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ} أي: أتموه ولا تبخسوا منه. قوله تعالى:

{وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ} فيه خمس لغات.

احدها: قُسطاس بضم القاف وسينين، وهذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم هاهنا وفي [الشعراء: ١٨٢].

والثانية: كذلك، إلا أن القاف مكسورة، وهذه قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم. قال الفراء: هما لغتان.

والثالثة: قصطاص، بصادين.

والرابعة: قصطاس، بصاد قبل الطاء وسين بعدها، وهاتان مرويتان عن حمزة.

والخامسة: قسطان، بالنون. قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال: القسطاس: الميزان، روميّ معرّب، ويقال: قُسطاس و قِسطاس. قوله تعالى:

{ذٰلِكَ خَيْرٌ} أي: ذلك الوفاء خير عند اللّه وأقرب إليه، {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أي: عاقبة في الجزاء. قوله تعالى:

{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} قال الفراء: أصل تقف من القيافة، وهي تتبع الأثر، وفيه لغتان: قفا يقفو، وقاف يقوف، وأكثر القراء يجعلونها من قفوت، فيحرك الفاء الى الواو ويجزم القاف كما تقول لا تَدْعُ. وقرأ معاذ القارىء: لا تقف، مثل: تَقُل؛ والعرب تقول: قفت أثره، وقفوت، ومثله: عاث وعثا، وقاع الجمل الناقة، وقعاها: إذا ركبها. قال الزجاج: من قرأ باسكان الفاء وضم القاف من: قاف يقوف، فكأنه مقلوب من قفا يقفو، والمعنى واحد، تقول: قفوت الشيء أقفوه قفواً: إذا تبعت أثره. وقال ابن قتيبة لا تقف، أي لا تتبعه الظنون والحدس، وهو من القفاء مأخوذ، كأنك تقفوا الأمور، أي: تكون في أقفائها وأواخرها تتعقّبها، والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها، فكأنه مقلوب عن القافي.

وللمفسرين في المراد به أربعة أقوال.

احدها: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: لا تقل رأيت ولم تر ولا سمعت ولم تسمع، رواه عثمان بن عطاء عن ابيه ابن عباس، وبه قال قتادة.

والثالث: لا تشرك باللّه شيئا، رواه عطاء أيضا عن ابن عباس.

والرابع: لا تشهد بالزور، قاله محمد بن الحنفية.

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ} قال الزجاج: إنما قال: {كُلٌّ}، ثم قال: {كَانَ}، لأن كلاً في لفظ الواحد، وإنما قال: {أُوْلَـئِكَ} لغير الناس، لأن كلّ جمع أشرت اليه من الناس وغيرهم من الموات، تشير اليه بلفظ أولئك، قال جرير: ذم المنازل بعد منزلة اللوى  والعيش بعد أولئك الأيام

قال المفسرون: الإشارة إلى الجوارح المذكورة، يسأل العبد يوم القيامة فيما إذا وفي هذا زجر عن النظر الى ما لا يحل، والاستماع الى ما يحرم، والعزم على مالا يجوز.

٣٧

انظر تفسير الآية:٣٨

٣٨

قوله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلاْرْضِ مَرَحًا} وقرأ الضحاك، وابن يعمر: مرحا بكسر الراء، قال الأخفش: والكسر أجود، لأن مرحا اسم الفاعل؛ قال الزجاج: وكلاهما في الجودة سواء، غير أن المصدر أوكد في الاستعمال، تقول: جاء زيد ركضا، وجاء زيد راكضا، ف ركضا أوكد في الاستعمال، لأنه يدل على توكيد الفعل، وتأويل الاّية: لا تمش في الأرض مختالا فخورا، والمرح: الأشر والبطر. وقال ابن فارس: المرح شدة الفرح. قوله تعالى:

{إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلاْرْضَ} فيه قولان.

احدهما: لن تقطعها إلى آخرها.

والثاني: لن تنفذها وتنقبها. قال ابن عباس: لن تخرق الأرض بكبرك، ولن تبلغ الجبال طولا بعظمتك. قال ابن قتيبة: والمعنى: لا ينبغي للعاجز ان يبذخ ويستكبر. قوله تعالى:

{كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيّئُهُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: سيئةً منونا غير مضاف، على معنى: كان خطيئة فعلى هذا يكون قوله: {كُلُّ ذٰلِكَ} إشارة الى المنهي عنه من المذكور فقط. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: سيئه مضافا مذكرا، فتكون لفظة {كُلٌّ} يشار بها الى سائر ما تقدم ذكره. وكان أبو عمرو لا يرى هذه القراءة. قال الزجاج: وهذا غلط من أبي عمرو، لأن في هذه الأقاصيص سيئا، وحسنا وذلك أن فيها الأمر ببر الوالدين: وإيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد، ونحو ذلك، فهذه القراءة أحسن من قراءة من نصب السيئة، وكذلك قال أبو عبيدة: تدبرت الآيات من قوله تعالى:

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ} فوجدت فيها أمورا حسنة. وقال أبو علي: من قرأ سيئةً رأى أن الكلام انقطع عند قوله: {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وأن قوله: {وَلاَ تَقْفُ} لا حُسْنَ فيه.

٣٩

قوله تعالى: {ذٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ} يشير الى ما تقدم من الفرائض والسنن، {مِنَ ٱلْحِكْمَةِ}، أي: من الأمور المحكمة والأدب الجامع لكل خير. وقد سبق معنى المدحور [الاعراف: ١٨].

٤٠

قوله تعالى: {أَفَأَصْفَـٰكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ} قال مقاتل: نزلت في مشركي العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الرحمن. وقال أبو عبيدة: ومعنى {أَفَأَصْفَـٰكُمْ}: اختصكم. وقال المفضل: أخلصكم. وقال الزجاج: أختار لكم صفوة الشيء. وهذا توبيخ للكفار، والمعنى: أختار لكم البنين دونه، وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه، فاختصكم بالأعلى وجعل لنفسه الأدون؟ٰ

٤١

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} معنى التصريف هاهنا: التبيين، وذلك أنه إنما يصرف القول ليبين. وقال ابن قتيبة: «صرفنا» بمعنى: وجّهنا، وهو من قولك: صرفت إليك كذا، أي: عدلت به إليك، كذا وشدد للتكثير، كما تقول: فتحت الأبواب. قوله تعالى:

{لّيَذْكُرُواْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «ليذكروا» مشدد. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: ليذكروا مخفف، وكذلك قرؤوا في [الفرقان: ٥٠].والتذكر: الاتعاظ والتدبر. {وَمَا يَزِيدُهُمْ} تصريفنا وتذكيرنا {إِلاَّ نُفُورًا} قال ابن عباس: ينفرون من الحق ويتبعون الباطل.

٤٢

انظر تفسير الآية:٤٤

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٤

٤٤

قوله تعالى: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: تقولون بالتاء وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: يقولون بالياء. قوله تعالى:

{إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِى ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً} فيه قولان.

احدهما: لابتغوا سبيلاً الى ممانعته وإزالة ملكه، قاله الحسن، وسعيد بن جبير.

والثاني: لابتغوا سبيلاً الى رضاه، لأنهم دونه، قاله قتادة. قوله تعالى:

{عَمَّا يَقُولُونَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر، وحفص عن عاصم: «يقولون» بالياء. وقرأ حمزة، والكسائي: بالتاء. قوله تعالى:

{تُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ * ٱلسَّبُعُ} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: تسبح بالتاء. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر [عن] عاصم: يسبح بالياء. قال الفراء: وإنما حسنت الياء هاهنا، لأنه عدد قليل، وإذا قل العدد من المؤنث والمذكر، كانت الياء فيه أحسن من التاء، قال عز وجل في المؤنث القليل: {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: ٣٠] وقال في المذكر: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلاشْهُرُ ٱلْحُرُمُ} [التوبه: ٥]. قال العلماء: والمراد بهذا التسبيح: الدلالة على أنه الخالق القادر. قوله تعالى:

{وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} إن بمعنى ما.

وهل هذا على إطلاقه، أم لا؟ فيه قولان.

احدهما: أنه على إطلاقه، فكل شيء يسبحه حتى الثوب والطعام وصرير الباب، قاله إبراهيم النخعي.

والثاني: أنه عام يراد به الخاص.

ثم فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه كل شيء فيه الروح، قاله الحسن وقتادة والضحاك.

والثاني: أنه كل ذي روح، وكل نام من شجر أو نبات؛ قال عكرمة: الشجرة تسبح، والأسطوانة لا تسبح. وجلس الحسن على طعام فقدموا الخوان، فقيل له: أيسبح هذا الخوان؟

، فقال: قد كان يسبح مرة.

والثالث: أنه كل شيء لم يغير عن حاله، فإذا تغير انقطع تسبيحه؛ روى خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب قال: إن التراب ليسبح ما لم يبتل، فإذا ابتل ترك التسبيح، وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة، فإذا سقطت تركت التسبيح، وإن الثوب ليسبح ما دام جديداً، فإذا توسخ ترك التسبيح. فأما تسبيح الحيوان الناطق، فمعلوم، وتسبيح الحيوان غير الناطق، فجائز أن يكون بصوته، وجائز أن يكون بدلالته على صانعه.

وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال.

احدها: أنه تسبيح لا يعلمه إلا اللّه.

والثاني: أنه خضوعه وخشوعه للّه.

والثالث: أنه دلالته على صانعه، فيوجب ذلك تسبيح مبصره. فإن قلنا إنه تسبيح حقيقة، كان قوله: {وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} لجميع الخلق؛ وإن قلنا: إنه دلالته على صانعه، كان الخطاب للكفار، لأنهم لا يستدلون، ولا يعتبرون. وقد شرحنا معنى الحليم و الغفور في سورة [البقرة: ٢٢٥].

٤٥

انظر تفسير الآية:٥١

٤٦

انظر تفسير الآية:٥١

٤٧

انظر تفسير الآية:٥١

٤٨

انظر تفسير الآية:٥١

٤٩

انظر تفسير الآية:٥١

٥٠

انظر تفسير الآية:٥١

٥١

قوله تعالى: {حِجَابًا مَّسْتُورًا} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن الحجاب: هو الأكنة على قلوبهم، قاله قتادة.

والثاني: أنه حجاب يستره فلا ترونه؛

وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قرأ القرآن، قال الكلبي: وهم أبو سفيان، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأم جميل امرأة أبي لهب، فحجب اللّه رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرون به، ولا يرونه.

والثالث: أنه منع اللّه عز وجل إياهم عن أذاه، حكاه الزجاج.

وفي معنى {مَّسْتُورًا} قولان.

احدهما: أنه بمعنى ساتر؛ قال الزجاج: وهذا قول أهل اللغة. قال الأخفش: وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول، كما تقول: إنك مشؤوم علينا، وميمون علينا، وإنما هو شائم ويامن، لأنه من شأمهم ويمنهم.

والثاني: أن المعنى: حجابا مستورا عنكم لا ترونه، ذكره الماوردي. وقال ابن الأنباري: إذا قيل: الحجاب: هو الطبع على قلوبهم، فهو مستور عن الأبصار، فيكون مستورا باقيا على لفظه. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} قد شرحناه في سورة [الأنعام: ٢٥]. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} يعني: قلت: لا إله إلا اللّه، وأنت تتلو القرآن {وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ} قال ابو عبيدة: أي: على أعقابهم، {نُفُورًا} وهو: جمع نافر، بمنزلة قاعد وقعود، وجالس وجلوس.

وقال الزجاج: تحتمل مذهبين.

احدهما: المصدر، فيكون المعنى: ولوا نافرين نفوراً.

والثاني: أن يكون نفوراً جمع نافر.

وفي المشار إليهم قولان.

احدهما: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم المشركون، وهذا مذهب ابن زيد. قوله تعالى:

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ}

قال المفسرون: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علياً عليه السلام أن يتخذ طعاماً ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك، ودخل عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى التوحيد، وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم: هو ساحر، هو مسحور، فنزلت هذه الآية:

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ}، أي: يستمعونه، والباء زائدة. {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ} قال أبو عبيدة: هي مصدر من ناجَيْتُ واسم منها، فوصف القوم بها، والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إنما هو عذاب، وأنتم غَمٌّ، فجاءت في موضع متناجين. وقال الزجاج: والمعنى: وإذ هم ذوو نجوى، وكانوا يستمعون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويقولون بينهم: هو ساحر، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول. قوله تعالى:

{إِذْ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} يعني: أولئك المشركون {إِن تَتَّبِعُونَ} أي: ما تتبعون

{إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الذي سحر فذُهب بعقله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: مخدوعاً مغروراً، قاله مجاهد.

والثالث: له سحر، أي: رئة؛ وكل دابة أو طائر أو بشر يأكل فهو: مسحور ومسحَّر، لأن له سحراً، قال لبيد: فإن تسألينا فيم نحن فإننا  عصافير من هذا الأنام المسحَّروقال امرؤ القيس: أرانا مرصدين لأمر غيب  ونسحر بالطعام وبالشراب أي: نغذى، لأن أهل السماء لا يأكلون، فأراد أن يكون ملكاً. فعلى هذا يكون المعنى: إن تتبعون إلا رجلاً له سحر، خلقه اللّه كخلقكم، وليس بملك وهذا قول أبي عبيدة.قال ابن قتيبة: والقول قول مجاهد، [أي: مخدوعاً]، لأن السحر حيلة وخديعة، ومعنى قول لبيد المسحر: المعلَّل، وقول امرئ القيس: ونسحر أي: نعلَّل، وكأنا نخدع، والناس يقولون: سحرتني بكلامك، أي: خدعتني، ويدل عليه قوله: {ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلاْمْثَالَ}، لأنهم لو أرادوا رجلاً ذا رئة، لم يكن في ذلك مثل ضربوه، فلما أرادوا مخدوعاً ـ كأنه بالخديعة سحر ـ كان مثلاً ضربوه، وكأنهم ذهبوا إلى أن قوماً يعلمونه ويخدعونه.

قال المفسرون: ومعنى {ضَرَبُواْ لَكَ ٱلاْمْثَالَ} بينوا لك الأشباه، حتى شبهوك بالساحر والشاعر والمجنون {فُضّلُواْ} عن الحق،

{فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: لا يجدون سبيلاً إلى تصحيح ما يعيبونك به.

والثاني: لا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى، لأنا طبعنا على قلوبهم.

والثالث: لا يأتون سبيل الحق، لثقله عليهم؛ ومثله قولهم: لا أستطيع أن أنظر إلى فلان، يعنون: أنا مبغض له، فنظري إليه يثقل، ذكرهن ابن الأنباري. قوله تعالى:

{أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً} قرأ ابن كثير: {أيذا} بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مد، {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا} مثله، وكذلك في كل القرآن. وكذلك روى قالون عن نافع، إلا أن نافعاً كان لا يستفهم في {أَيُّنَا}، كان يجعل الثاني خبراً في كل القرآن، وكذلك مذهب الكسائي، غير أنه يهمز الأولى همزتين. وقرأ عاصم، وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعاً. وقرأ ابن عامر: إذا كنا بغير استفهام بهمزة واحدة آئنا بهمزتين يمد بينهما مدة. قوله تعالى:

{وَرُفَـٰتاً} فيه قولان.

احدهما: أنه التراب، ولا واحد له، فهو بمنزلة الدقاق والحطام، قاله الفراء، وهو مذهب مجاهد.

والثاني: أنه العظام مالم تتحطم، والرفات: الحطام، قاله أبو عبيدة. وقال الزجاج: الرفات: التراب. والرفات: كل شيء حطم وكسر، و{خَلْقاً جَدِيداً} في معنى مجدداً.

قوله تعالى: {أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الموت، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، والأكثرون.

والثاني: أنه السماء والارض والجبال، قاله مجاهد.

والثالث: أنه ما يكبر في صدوركم، من كل ما استعظموه من خلق اللّه تعالى، قاله قتادة.

فإن قيل: كيف قيل لهم: {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} وهم لا يقدرون على ذلك؟

فعنه جوابان.

احدهما:إن قدرتم على تغير حالاتكم، فكونوا حجارة أو اشد منها، فإنا نميتكم، وننفذ أحكامنا فيكم، ومثل هذا قولك للرجل: اصعد إلى السماء فإني لاحقك.

والثاني: تصوروا أنفسكم حجارة أو أصلب منها، فإنا سنبيدكم، قال الاحوص: إذا كنت عزهاة عن اللّهو والصبى  فكن حجرا من يابس الصخر جلمدامعناه: فتصور نفسك حجراً، وهؤلاء قوم اعترفوا أن اللّه خالقهم، وجحدوا البعث، فأعلموا أن الذي ابتدأ خلقهم هو الذي يحييهم. قوله تعالى:

{فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} قال قتادة: يحركونها تكذيباً واستهزاء. قال الفراء: يقال أنغض رأسه إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل. وقال ابن قتيبة: المعنى: يحركونها، كما يحرك الآيس من الشيء والمستبعد [له] رأسه، يقال: نغضت سنه، إذا تحركت. قوله تعالى:

{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ} يعنون البعث {قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} أي: هو قريب.

٥٢

ثم بين متى يكون فقال: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} يعني: من القبور بالنداء الذي يسمعكم، وهو النفخة الأخيرة {فَتَسْتَجِيبُونَ} أي: تجيبون. قال مقاتل: يقوم إسرافيل على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن، فيقول: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الشعور المتفرقة، وأيتها العروق المتقطعة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتجزوا بأعمالكم، فيسمعون الصوت، فيسعون اليه.

وفي معنى {بِحَمْدِهِ} أربعة أقوال.

احدها: بأمره، قاله ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد.

والثاني: يخرجون من القبور وهم يقولون: سبحانك وبحمدك، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: أن معنى {بِحَمْدِهِ}: بمعرفته، وطاعته، قاله قتادة. قال الزجاج: تستجيبون مقرين أنه خالقكم.

والرابع: تجيبون بحمد اللّه لا بحمد أنفسكم، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} في هذا الظن قولان.

احدهما: أنه بمعنى اليقين.

والثاني: أنه على أصله.

وأين يظنون أنهم لبثوا قليلاً؟ فيه ثلاثة أقوال.

احدها: بين النفختين، ومقداره أربعون سنة، ينقطع في ذلك العذاب عنهم، فيرون لبثهم في زمان الراحة قليلاً، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: في الدنيا، لعلمهم بطول اللبث في الآخرة، قاله الحسن.

والثالث: في القبور، قاله مقاتل. فعلى هذا إنما قصر اللبث في القبور عندهم، لأنهم خرجوا إلى ما هو أعظم عذاباً من عذاب القبور.وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين، لأنهم يجيبون المنادي وهم يحمدون اللّه على إحسانه إليهم، ويستقلون مدة اللبث في القبور، لأنهم كانوا غير معذبين.

٥٣

قوله تعالى: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} في سبب نزولها قولان.

احدهما: أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة، بالقول والفعل، فشكوا ذلك الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الاّية. قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن رجلا من الكفار شتم عمر بن الخطاب، فهم به عمر رضي اللّه عنه، فنزلت هذه الاّية، قاله مقاتل؛ والمعنى: وقل لعبادي المؤمنين يقولوا الكلمة التي هي أحسن.

واختلفوا فيمن تقال له هذه الكلمة على قولين.

احدهما: أنهم المشركون، قال الحسن: تقول له: يهديك اللّه، وما ذكرنا من سبب نزول الآية يؤيد هذا القول. وذهب بعضهم الى أنهم أمروا بهذه الآية بتحسين خطاب المشركين قبل الأمر بقتالهم، ثم نسخت هذه الآية بآية السيف.

والثاني: أنهم المسلمون، قاله ابن جرير. والمعنى: وقل لعبادي يقول بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة. وقد روى مبارك عن الحسن قال: التي هي أحسن أن يقول له مثل قوله، ولكن يقول له: يرحمك اللّه، ويغفر اللّه لك. قال الأخفش: وقوله: {قُولُواْ} مثل قوله: يقيموا الصلاة وقد شرحنا ذلك في سورة [ابراهيم: ٣١] قوله تعالى:

{إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزِعُ بَيْنَهُمْ} أي: يفسد ما بينهم، والعدو المبين: الظاهر العداوة.

٥٤

قوله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} فيمن خوطب بهذا قولان.

احدهما: أنهم المؤمنون.

ثم في معنى الكلام قولان.

احدهما: {إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} فينجيكم من أهل مكة، و{إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} فيسلطهم عليكم، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: إن يشأ يرحمكم بالتوبة، أو يعذبكم بالإقامة على الذنوب، قاله الحسن.

والثاني: أنهم المشركون.

ثم في معنى الكلام قولان.

احدهما: إن يشأ يرحمكم، فيهديكم للإيمان، أو إن يشأ يعذبكم، فيميتكم على الكفر، قاله مقاتل.

والثاني: أنه لما نزل القحط بالمشركين فقالوا: {رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ} [الدخان: ١٢]، قال اللّه تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} من الذي يؤمن، ومن الذي لا يؤمن، {إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} فيكشف القحط عنكم {أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} فيتركه عليكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قال ابن الأنباري: و أو هاهنا دخلت لسعة الأمرين عند اللّه تعالى، وأنه لا يرد عنهما، فكانت ملحقة ب أو المبيحة في قولهم: جالس الحسن، أو ابن سيرين، يعنون: قد وسعنا لك الأمر. قوله تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: كفيلاً تؤخذ بهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: حافظا وربا، قاله الفراء.

والثالث: كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم، ذكره ابن الأنباري. وذهب بعض المفسرين الى أن هذا منسوخ بآية السيف.

٥٥

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} لأنه خالقهم، فهدى من شاء، وأضل من شاء، وكذلك فضل بعض النبيين على بعض، وذلك عن حكمة منه وعلم، فخلق آدم بيده، ورفع إدريس، وجعل الذرية لنوح، واتخذ ابراهيم خليلا، وموسى كليما، وجعل عيسى روحا، وأعطى سليمان ملكا جسيما، ورفع محمداً صلى اللّه عليه وسلم فوق السموات، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ويجوز أن يكون المفضلون أصحاب الكتب، لأنه ختم الكلام بقوله: {وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ * زَبُوراً}. وقد شرحنا معنى الزبور [في سورة النساء: ١٦٣].

٥٦

انظر تفسير الآية:٥٧

٥٧

قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ}

في سبب نزولها قولان.

احدهما: أن نفرا من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، روي عن ابن مسعود.

والثاني: أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، ويقولون: هي تشفع لنا. عند اللّه، فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين، قيل لهم: ادعوا الذين زعمتم، قاله مقاتل، والمعنى: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} له إلى غيركم. قوله تعالى:

{أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ} في المشار إليهم ب أولئك ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم الجن الذين أسلموا.

والثاني: الملائكة. وقد سبق بيان القولين.

والثالث: أنهم المسيح، وعزير، والملائكة، والشمس، والقمر، قاله ابن عباس.

وفي معنى يدعون قولان.

احدهما: يعبدون، أي: يدعونهم آلهة، وهذا قول الأكثرين.

والثاني: أنه بمعنى يتضرعون إلى اللّه في طلب الوسيلة. وعلى هذا يكون قوله يدعون راجعا الى أولئك، ويكون قوله: يبتغون تماما للكلام. وعلى القول الأول: يكون يدعون راجعا الى المشركين، ويكون قوله: يبتغون وصفا ل أولئك مستأنفا. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن: تدعون بالتاء. قال ابن الأبناري: فعلى هذا، الفعل مردود إلى قوله: {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرّ عَنْكُمْ}. ومن قرأ يدعون بالياء، قال: العرب تنصرف من ا ومن قرأ يدعون بالياء، قال: العرب تنصرف من الخطاب الى الغيبة إذا أمن اللبس. ومعنى يدعون: يدعونهم ألهة. وقد فسرنا معنى الوسيلة في [المائدة:٣٥].

وفي قوله: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} قولان ذكرهما الزجاج.

احدهما: أن يكون أيهم مرفوعاً بالابتداء، وخبره أقرب، ويكون المعنى يطلبون الوسيلة إلى ربهم، ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون إلى اللّه به.

والثاني: أن يكون أيهم أقرب بدلا من الواو في يبتغون، فيكون المعنى: يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى اللّه، أي: يتقرب إليه بالعمل الصالح.

٥٨

قوله تعالى: {وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} إن بمعنى ما، والقرية الصالحة هلاكها بالموت، والعاصية بالعذاب، والكتاب: اللوح المحفوظ، والمسطور: المكتوب.

٥٩

قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِٱلاْيَـٰتِ} سبب نزولها فيه قولان.

احدهما: أن أهل مكة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فان كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم، قال لا، بل أستأني بهم، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: قد ذكرناه عن الزبير في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ} [الرعد: ٣١]، ومعنى الآية: وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين، يعني: أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولون العذاب، فلم يرسلها لئلا يكذب بها هؤلاء، فيهلكوا كما هلك أولئك، وسنة اللّه في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذبوا بها عذبهم. قوله تعالى:

{وَءاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً} قال ابن قتيبة: أي: بينة، يريد: مبصرا بها. قال ابن الأنباري: ويجوز أن تكون مبصرة، ويصلح أن يكون المعنى: مبصر مشاهدوها، فنسب إليها فعل غيرها تجوزا، كما يقال: لا أرينك هاهنا، فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه، إذ المعنى لا تحضر هاهنا، حتى إذا جئت لم أرك فيه. ومن قرأ مبصرة بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: الولد مجبنة. قوله تعالى:

{فَظَلَمُواْ بِهَا} قال ابن عباس: فجحدوا بها. وقال الأخفش: بها كان ظلمهم. قوله تعالى:

{وَمَا نُرْسِلُ بِٱلاْيَـٰتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} أي: نخوف العباد ليتعظوا.

وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال.

احدها: أنها الموت الذريع، قاله الحسن.

والثاني: معجزات الرسل جعلها اللّه تعالى تخويفا للمكذبين.

والثالث: آيات الانتقام تخويفا من المعاصي.

والرابع: تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب، ثم إلى كهولة، ثم إلى مشيب، ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسب القول الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي اللّه عنه.

٦٠

قوله تعالى: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أحاط علمه بالناس، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الربيع ابن انس. وقال مقاتل: أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة، أن يفتحها لرسوله صلى اللّه عليه وسلم.

والثاني: أحاطت قدرته بالناس، فهم في قبضته، قاله مجاهد.

والثالث: حال بينك وبين الناس أن يقتلوك، لتبلغ رسالته، قاله الحسن، وقتادة. قوله تعالى:

{وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ}

في هذه الرؤيا قولان.

احدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما رأى ليلة أسري به من العجائب والآيات. روى عكرمة عن ابن عباس قال: هي رؤيا عين رآها ليلة أسري به، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، وقتادة، وأبو مالك، وأبو صالح، وابن جريج، وابن زيد في آخرين. فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوما آمنوا بما قال. وقوما كفروا. قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلانا رؤية، ورأيته رؤيا، إلا أن الرؤية يقل استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين.

والثاني: أنها رؤيا منام. ثم فيها قولان.

احدهما: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان قد أري أنه يدخل مكة، هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعجل قبل الأجل، فرده المشركون، فقال أناس: قد رد، وكان حدثنا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا لا ينافي حديث المعراج، لأن هذا كان بالمدينة، والمعراج كان بمكة، قال أبو سليمان الدمشقي: وإنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه.

والثاني: أنه أري بني أمية على المنابر، فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا يعطونها، فسري عنه. فالفتنة هاهنا: البلاء، رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب،وإن كان مثل هذا لا يصح، ولكن قد ذكره عامة المفسرين.

وروى ابن الأنباري أن سعيد بن المسيب قال: رآى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوما على منابر، فشق ذلك عليه، وفيه نزل: {وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلقُرْءانِ}، قال: ومعنى قوله: {إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ}: إلا بلاء للناس، قال ابن الأنباري: فمن ذهب إلى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى اللّه عليه وسلم في منامه يصعدون على المنابر، احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها، وعن الجماعة لاجتماع أغصانها. قالوا: ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كنى عنهم بالشجرة.

قال المفسرون: وفي الآية تقديم وتأخير، تقديره: وما جعلنا الرؤيا والشجرة إلا فتنة للناس.

وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال.

احدها: أنها شجرة الزقوم، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة ومسروق، والنخعي، والجمهور. وقال مقاتل: لما ذكر اللّه تعالى شجرة الزقوم قال أبو جهل: يا معشر قريش. ان محمداً يخوفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون ان النار تحرق الشجر؟ ومحمد يزعم ان النار تنبت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم؟ فقال عبد اللّه بن الزبعرى: إن الزقوم بلسان بربر: التمر والزبد، فقال أبو جهل: يا جارية ابغينا تمرا وزبدا، فجاءته به، فقال لمن حوله: تزقموا من هذا الذي يخوفكم به محمد، فأنزل اللّه تعالى: {وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}. قال ابن قتيبة: كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم: كيف يذهب إلى بيت المقدس، ويرجع في ليلة؟ٰ وبالشجرة قولهم: كيف يكون في النار شجرة؟ٰ

وللعلماء في معنى الملعونة ثلاثة اقوال.

احدها: المذمومة، قاله ابن عباس.

والثاني: الملعون آكلها، ذكره الزجاج، وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن أكليها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون؛ فأما قوله: {وَجَعَلْنَا عَلَىٰ} فالمعنى: التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورة في قوله: {إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلاْثِيمِ} [الدخان: ٤٣،٤٤].

والثالث: أن معنى الملعونة: المبعدة عن منازل أهل الفضل، ذكره ابن الانباري. والقول

الثاني: ان الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر، يعني: الكشوثى، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.

والثالث: ان الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيب. قوله تعالى:

{وَنُخَوّفُهُمْ} قال ابن الأنباري: مفعول نخوفهم محذوف،تقديره: ونخوفهم العذاب، فما {يَزِيدُهُمْ} أي: فما يزيدهم التخويف {إِلاَّ طُغْيَانًا}، وقد ذكرنا معنى الطغيان في [البقرة: ١٥]، وذكرنا هناك تفسير قوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} [البقرة: ٣٤].

٦١

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٣

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٤

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٥

قوله تعالى: {آسجد} قرأه الكوفيون: بهمزتين. وقرأه الباقون: بهمزة مطولة؛ وهذا استفهام إنكار يعني به: لم أكن لأفعل. قوله تعالى:

{أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} قال الزجاج: طيناً منصوب على وجهين.

احدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقته من طين.

والثاني: على الحال، المعنى: أنشأته في حال كونه من طين. ولفظ {قَالَ أَرَءيْتَكَ} جاء هاهنا بغير حرف عطف، لأن المعنى: قال آسجد لمن خلقت طينا، وأرأيتك، وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذكرت في المخاطبة توكيدا، والجواب محذوف، والمعنى: أخبرني عن هذا الذي كرمت علي لم كرمته علي، وقد خلقتني من نار وخلقته من طين؟ٰ فحذف هذا، لأن في الكلام دليلاً عليه. قوله تعالى:

{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: أخرتني بياء في الوصل. وقف ابن كثير بالياء. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، بغير ياء في وصل ولا في وقف. قوله تعالى:

{لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: لأستولين عليهم، قاله ابن عباس، والفراء.

والثاني: لأضلنهم، قاله ابن زيد.

والثالث: لأستأصلنهم؛ يقال: احتنك الجراد ما على الأرض: إذا أكله؛ واحتنك فلان ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه، فالمعنى: لأقودنهم كيف شئت، هذا قول ابن قتيبة.

فإن قيل: من أين علم الغيب. فقد أجبنا عنه في سورة [النساء: ١١٩]. قوله تعالى:

{إِلاَّ قَلِيلاً} قال ابن عباس: هم أولياء اللّه الذين عصمهم.

قوله تعالى: {قَالَ ٱذْهَبْ} هذا اللفظ يتضمن إنظاره؛ {فَمَن تَبِعَكَ}، أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم. والموفور: الموفر. قال ابن قتيبة: يقال: وفرت ماله عليه، ووفرته، بالتخفيف والتشديد. قوله تعالى:

{وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} قال ابن قتيبة: استخف، ومنه تقول: استفزني فلان.

وفي المراد بصوته قولان.

احدهما: أنه كل داع دعا إلى معصية اللّه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله مجاهد.

قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} أي: صح {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} واحثثهم عليهم بالإغراء؛ يقال:أجلب القوم وجلبوا: إذا صاحوا. وقال الزجاج: المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك؛ فعلى هذا تكون الباء زائدة. قال ابن قتيبة: والرجل: الرجالة؛ يقال: راجل ورجل، مثل تاجر وتجر، وصاحب وصحب. قال ابن عباس: كل خيل تسير في معصية اللّه، وكل رجل يسير في معصية اللّه. وقال قتادة: إن له خيلاً ورجلاً من الجن والانس.

وروى حفص عن عاصم: بخيلك ورجلك بكسر الجيم، وهي قراءة ابن عباس، وابي رزين، وأبي عبد الرحمن السلمي. قال أبو زيد: يقال: رجل رجل: للراجل، ويقال: جاءنا حافياً رجلاً. وقرأ ابن السميفع، والجحدري: بخيلك ورجالك برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: «ورِجالك» بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف. قوله تعالى:

{وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلاْمْوٰلِ} فيه أربعة أقوال.

احدها: أنها ما كانوا يحرمونه من أنعامهم، رواه عطية عن ابن عباس.

والثاني: الأموال التي أصيبت من حرام، قاله مجاهد.

والثالث: التي أنفقوها في معاصي اللّه، قاله الحسن.

والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.

فأما مشاركته إياهم في الأولاد، ففيها أربعة أقوال.

احدها: أنهم أولاد الزنا، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.

والثاني: الموؤودة من أولادهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثالث: أنه تسمية أولادهم عبيداً لأوثانهم، كعبد شمس، وعبد العزى، وعبد مناف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والرابع: ما مجسوا وهودوا ونصروا، وصبغوا من أولادهم غير صبغة الإسلام، قاله الحسن، وقتادة. قوله تعالى:

{وَعَدَّهُمْ} قد ذكرناه في قوله {يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ} إلى آخر الآية [النساء: ١٢٠]. وهذه الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للإنسان: أجهد جهدك فسترى ما ينزل بك. قال الزجاج: إذا تقدم الأمر نهي عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخلن هذه الدار؛ فإذا حاول أن يدخلها قلت: ادخلها وأنت رجل، فلست تأمره بدخولها، ولكنك توعده وتهدده، ومثله {ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] وقد نهوا أن يعملوا بالمعاصي. وقال ابن الانباري: هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إن فعلت هذا عاقبناك وعذبناك، فنقل إلى لفظ الأمر عن الشرط، كقوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]. قوله تعالى:

{إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ} قد شرحناه في [الحجر: ٤٢]. قوله تعالى:

{وَكَفَىٰ بِرَبّكَ وَكِيلاً} قال الزجاج: كفى به وكيلاً لأوليائه يعصمهم من القبول من إبليس.

٦٦

انظر تفسير الآية:٧٠

٦٧

انظر تفسير الآية:٧٠

٦٨

انظر تفسير الآية:٧٠

٦٩

انظر تفسير الآية:٧٠

٧٠

قوله تعالى: {رَّبُّكُمُ ٱلَّذِى يُزْجِى لَكُمُ ٱلْفُلْكَ} أي: يسيرها. قال الزجاج: يقال: زجيت الشيء، أي: قدمته. قوله تعالى:

{لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي: في طلب التجارة.

وفي من ثلاثة أقوال.

احدها: أنها زائدة.

والثاني: أنها للتبعيض.

والثالث: أن المفعول محذوف، والتقدير: لتبتغوا من فضله الرزق والخير، ذكرهن ابن الأنباري. قوله تعالى:

{إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} هذا الخطاب خاص للمؤمنين، ثم خاطب المشركين فقال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ} يعني: خوف الغرق

{ضَلَّ مَن تَدْعُونَ} أي: يضل من يدعون من الآلهة، إلا اللّه تعالى. ويقال: ضل بمعنى غاب، يقال: ضل الماء في اللبن: إذا غاب، والمعنى: أنكم أخلصتم الدعاء [للّه]، ونسيتم الأنداد. وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل: ضل من يدعون بالياء.

{فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرّ أَعْرَضْتُمْ} عن الإيمان والإخلاص {وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ} يعني الكافر {كَفُورًا} بنعمة ربه.

{أَفَأَمِنتُمْ} إذا خرجتم من البحر {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: نخسف بكم أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون في الكل. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، بالياء في الكل.

ومعنى {نَخْسِفْ * بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرّ} أي: نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر، والمعنى: إن حكمي نافذ في البر نفوذه في البحر،

{أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} فيه ثلاثة أقوال:

احدها: أن الحاصب: حجارة من السماء، قاله قتادة.

والثاني: أنه الريح العاصف تحصب، قاله أبو عبيدة، وأنشد للفرزدق: مستقبلين شمال الريح تضربهم  بحاصب كنديف القطن منثوروقال ابن قتيبة: الحاصب: الريح، سميت بذلك لأنها تحصب، أي: ترمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار.

وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الحاصب: الريح التي فيها الحصى. وإنما قال في الريح: حاصباً ولم يقل: حاصبة لأنه وصف لزم الريح ولم يكن لها مذكر تنتقل إليه في حال، فكان بمنزلة قولهم: حائض للمرأة، حين لم يقل: رجل حائض. قال: وفيه جواب آخر، وهو أن نعت الريح عري من علامة التأنيث، فأشبهت بذلك أسماء المذكر، كما قالوا: السماء أمطر، والأرض أنبت.

والثالث: أن الحاصب: التراب الذي فيه حصباء، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{ثُمَّ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} أي: مانعاً وناصراً. قوله تعالى:

{أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} أي: في البحر {تَارَةً أُخْرَىٰ} أي: مرة أخرى، والجمع تارات. {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ ٱلرّيحِ} قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء. قال ابن قتيبة: القاصف، الريح التي تقصف الشجر، أي: تكسره. قوله تعالى:

{فَيُغْرِقَكُم} وقرأ أبو المتوكل، وأبو جعفر، وشيبة، ورويس: فتغرقكم بالتاء، وسكون الغين، وتخفيف الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأيوب: فيغرقكم بالياء، وفتح الغين، وتشديدها. وقرأ أبو رجاء مثله، إلا أنه بالتاء،

{بِمَا كَفَرْتُمْ} أي: بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى، {ثُمَّ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} قال ابن قتيبة: أي: من يتبع بدمائكم، أي: يطالبنا. قال عبد اللّه ابن عمرو رضي اللّه عنهما: ريح العذاب أربع، اثنتان في البر، واثنتان في البحر، فاللتان في البر: الصرصر، والعقيم، واللتان في البحر: العاصف، والقاصف. قوله تعالى:

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ} أي: فضلناهم. قال أبو عبيدة: وكرمنا أشد مبالغة من أكرمنا.

وللمفسرين فيما فضلوا به أحد عشر قولا.

احدها: أنهم فضلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيك، وإسرافيل، وملك الموت، وأشباههم،قاله أبو صالح عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المراد: المؤمنين منهم، ويكون تفضيلهم بالإيمان.

والثاني: أن سائر الحيوان يأكل بفيه، إلا ابن آدم فإنه يأكل بيده، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس. وقال بعض المفسرين: المراد بهذا التفضيل: أكلهم بأيديهم، ونظافة ما يقتاتونه، إذ الجن يقتاتون العظام والروث.

والثالث: فضلوا بالعقل، روي عن ابن عباس.

والرابع: بالنطق والتمييز، قاله الضحاك.

والخامس: بتعديل القامة وامتدادها، قاله عطاء.

والسادس: بأن جعل محمدا صلى اللّه عليه وسلم منهم، قاله محمد بن كعب.

والسابع: فضلوا بالمطاعم واللذات في الدنيا، قاله زيد بن أسلم.

والثامن: بحسن الصورة، قاله يمان.

والتاسع: بتسليطهم على غيرهم من الخلق، وتسخير سائر الخلق لهم، قاله محمد بن جرير.

والعاشر: بالأمر والنهي، ذكره الماوردي.

والحادي عشر: بأن جعلت اللحى للرجال، والذوائب للنساء، ذكره الثعلبي.

فإن قيل: كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل،

وفيهم الكافر المهان؟

فالجواب من وجهين.

احدهما: أنه عامل الكل معاملة المكرم بالنعم الوافرة.

والثاني: أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة، أجرى الصفة على جماعتهم، كقوله: {كُنتُمْ * أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران ١١٠]. قوله تعالى:

{وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ} على أكباد رطبة، وهي: الإبل، والخيل، والبغال، والحمير، {و} في {حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ} على أعواد يابسة، وهي: السفن.

{وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ} فيه قولان.

احدهما: الحلال.

والثاني: المستطاب في الذوق. قوله تعالى:

{وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} فيه قولان.

احدهما: أنه على لفظه، وأنهم لم يفضلوا على سائر المخلوقات. وقد ذكرنا عن ابن عباس أنهم فضلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة. وقال غيره: بل الملائكة أفضل.

والثاني: أن معناه: وفضلناهم على جميع من خلقنا. والعرب تضع الأكثر والكثير في موضع الجمع، كقوله: {يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَـٰذِبُونَ} [الشعراء ٢٢٣]. وقد روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: المؤمن أكرم على اللّه عز وجل من الملائكة الذين عنده.

٧١

انظر تفسير الآية:٧٢

٧٢

قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ} قال الزجاج: هو منصوب على معنى: اذكر

{يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ} والمراد به: يوم القيامة. وقرأ الحسن البصري: يوم يدعو بالياء {كُلٌّ} بالنصب. وقرأ أبو عمران الجوني: يوم يدعى بياء مرفوعة، وفتح العين، وبعدها ألف، كل بالرفع.

وفي المراد بإمامهم أربعة أقوال.

احدها: أنه رئيسهم، قاله أبو صالح عن بن عباس، وروى عنه سعيد بن جبير أنه قال: إمام هدى أو إمام ضلالة.

والثاني: عملهم، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وأبوالعالية.

والثالث: نبيهم، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد في رواية.

والرابع: كتابهم قاله عكرمة، ومجاهد في رواية.

ثم فيه قولان.

احدهما: أنه كتابهم الذي فيه أعمالهم، قاله قتادة، ومقاتل.

والثاني: كتابهم الذي أنزل عليهم، قاله الضحاك، وابن زيد. فعلى القول الأول يقال: يا متبعي موسى، يا متبعي عيسى، يا متبعي محمد؛ ويقال: يا متبعي رؤساء الضلالة. وعلى الثاني: يا من عمل كذا وكذا. وعلى الثالث: يا أمة موسى، يا امة عيسى، يا أمة محمد. وعلى الرابع: يا أهل التوراة، يا أهل الإنجيل، يا أهل القرآن. أو يا صاحب الكتاب الذي فيه عمل كذا وكذا. قوله تعالى:

{يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ} معناها: يقرؤون حسناتهم، لأنهم أخذوا كتبهم بأيمانهم. قوله تعالى:

{وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} أي: لا ينقصون من ثوابهم بقدر الفتيل، وقد بيناه في [سورة النساء ٤٩]. قوله تعالى:

{وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: أعمى فهو في الآخرة أعمى مفتوحتي الميم. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين. وقرأ أبو عمرو: في هذه أعمى بكسر الميم، فهو في الأخرة أعمى بفتحها.

وفي المشار اليها ب هذه قولان.

احدهما: أنها الدنيا، قاله مجاهد.

ثم في معنى الكلام خمسة أقوال.

احدها: من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة اللّه في خلق الأشياء،فهو عما وصف له في الآخرة أعمى، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: من كان في الدنيا أعمى بالكفر، فهو في الآخرة أعمى، لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل، قاله الحسن.

والثالث: من عمي عن آيات اللّه في الدنيا، فهو عن الذي غيب عنه من أمور الآخرة أشد عمىً.

والرابع: من عمي عن نعم اللّه التي بيّنها في قوله: {رَّبُّكُمُ ٱلَّذِى يُزْجِى لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِى ٱلْبَحْرِ} إلى قوله: {تَفْضِيلاً} فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه، ذكرهما ابن الأنباري.

والخامس: من كان فيها أعمى عن الحجة، فهو في الآخرة أعمى عن الجنة، قاله أبو بكر الوراق.

والثاني: أنها النعم. ثم في الكلام قولان.

احدهما: من كان أعمى عن النعم التي ترى وتشاهد، فهو في الآخرة التي لم تر أعمى، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: من كان أعمى عن معرفة حق اللّه في هذه النعم المذكورة في قوله:

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ} ولم يؤد شكرها، فهو فيما بينه وبين اللّه مما يتقرب به إليه أعمى {وَأَضَلُّ سَبِيلاً}، قاله السدي. قال أبو علي الفارسي: ومعنى قوله: {فِى ٱلاْخِرَةِ أَعْمَىٰ} أي: أشد عمى، لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عماه بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إلى الخروج من عماه.

وقيل معنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب، وهذا كله من عمى القلب.

فإن قيل: لم قال: {فَهُوَ فِى ٱلاْخِرَةِ أَعْمَىٰ} ولم يقل: أشد عمى، لأن العمى خلقة بمنزلة الحمرة، والزرقة، والعرب تقول: ما أشد سواد زيد، وما أبين زرقة عمرو، وقلما يقولون: ما أسود زيدا، وما أزرق عمرا؟

فالجواب: أن المراد بهذا العمى عمى القلب، وذلك يتزايد ويحدث منه شيء بعد شيء، فيخالف الخلق اللازمة التي لا تزيد، نحو عمى العين، والبياض، والحمرة، ذكره ابن الأنباري.

٧٣

انظر تفسير الآية:٧٧

٧٤

انظر تفسير الآية:٧٧

٧٥

انظر تفسير الآية:٧٧

٧٦

انظر تفسير الآية:٧٧

٧٧

قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ}

في سبب نزولها أربعة أقوال.

احدها: أن وفد ثقيف أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة، فأبى ذلك، فأقبلوا يكثرون مسألتهم، وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فان خشيت أن يقول العرب: أعطيتهم مالم تعطنا، فقل: اللّه أمرني بذلك؛ فأمسك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم [عنهم]. وداخلهم الطمع، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس. وروى عطية عن ابن عباس أنهم قالوا: أجلنا سنة، ثم نسلم ونكسر أصنامنا، فهم أن يؤجلهم، فنزلت هذه الآية.

والثاني: أن المشركين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا، ولو بأطراف أصابعك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما علي لو فعلت واللّه يعلم إني لكاره؟ فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، وهذا باطل لا يجوز أن يظن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه هم أن ينظرهم سنة، وكل ذلك محال في حقه وفي حق الصحابة أنهم رووا عنه.

والثالث: أن قريشاً خلوا برسول اللّه ليلة إلى الصباح يكلمونه ويفخمونه، ويقولون: أ نت سيدنا وابن سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه اللّه من ذلك، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة.

والرابع: أنهم قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اطرد عنك سقاط الناس، ومواليهم، وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبسون الصوف، حتى نجالسك ونسمع منك، فهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفعل ما يستدعي به إسلامهم، فنزلت هذه الآيات، حكاه الزجاج؛ قال: ومعنى الكلام: كادوا يفتنونك، ودخلت إن واللام للتوكيد. قال المفسرون: وإنما قال ليفتنونك، لأن في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن. قوله تعالى:

{لِتفْتَرِىَ} أي: لتختلق {عَلَيْنَا غَيْرَهُ} وهو قولهم: قل اللّه أمرني بذلك،

{وَإِذَا} لو فعلت ذلك {لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} أي: والوك وصافوك. قوله تعالى:

{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ} على الحق، لعصمتنا إياك {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} أي: هممت وقاربت أن تميل إلى مرادهم {شَيْئًا قَلِيلاً} قال ابن عباس: وذلك حين سكت عن جوابهم، واللّه أعلم بنيته. وقال ابن الأنباري: الفعل في الظاهر للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وفي الباطن للمشركين، وتقديره: لقد كادوا يركنونك إليهم، وينسبون إليك ما يشتهونه مما تكرهه، فنسب الفعل إلى غير فاعله عند أمن اللَّبس، كما يقول الرجل للرجل: كدت تقتل نفسك اليوم، يريد: كدت تفعل فعلاً يقتلك غيرك من اجله؛ فهذا من المجاز والاتساع وشبيه بهذا قوله: {فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢]. وقول القائل: لا أرينك في هذا الموضع. قوله تعالى:

{إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ} المعنى: لو فعلت ذلك الشيء القليل {إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ} أي: ضعف عذاب الحياة {وَضِعْفَ} عذاب {ٱلْمَمَاتِ}، ومثله قول الشاعر:

[نبئت أن النار بعدك أوقدت]  واستب بعدك يا كليب المجلس

أي: أهل المجلس. وقال ابن عباس: ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معصوماً، ولكنه تخويف لأمته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام اللّه وشرائعه. قوله تعالى:

{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلاْرْضِ} في سبب نزولها قولان.

احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قدم المدينة، حسدته اليهود على مقامه بالمدينة، وكرهوا قربه، فأتوه، فقالوا: يا محمد أنبي أنت؟ قال: نعم، قالوا: فواللّه لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء، وإن أرض الأنبياء الشام، فإن كنت نبياً فائت الشام، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير: هم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يشخص عن المدينة، فنزلت هذه الآية. وقال عبد الرحمن بن غنم: لما قالت له اليهود هذا: صدق ما قالوا، وغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك، نزلت هذه الاية.

والثاني: أنهم المشركون أهل مكة هموا بإخراج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، فأمره اللّه بالخروج، وأنزل هذه الآية إخباراً عما همّوا به، قاله الحسن، ومجاهد. وقال قتادة: هم أهل مكة بإخراجه من مكة، ولو فعلوا ذلك ما نوظروا، ولكن اللّه كفهم عن إخراجه حتى أمره بالخروج.

وقيل: ما لبثوا بعد ذلك حتى بعث اللّه عليهم القتل ببدر. فعلى القول الأول، المشار إليهم، اليهود، والأرض: المدينة. وعلى الثاني: هم المشركون، والأرض: مكة. وقد ذكرنا معنى الاستفزاز آنفا [الاسراء: ٦٤]،

وقيل: المراد به هاهنا: القتل، ليخرجوه من الأرض كلها؛ روي عن الحسن. قوله تعالى:

{وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَـٰفَكَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: خلفك. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: خلافك. قال الأخفش خلافك في معنى خلفك، والمعنى: لا يلبثون بعد خروجك {إِلاَّ قَلِيلاً} أي: لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك بقليل، وقد جازاهم اللّه على ما هموا به، فقتل صناديد المشركين ببدر، وقتل من اليهود بني قريظة، وأجلى النضير. وقال ابن الأنباري: معنى الكلام، لا يلبثون على خلافك ومخالفتك، فسقط حرف الخفض. وقرأ أبو رزين، وأبو المتوكل: خلافك بضم الخاء، وتشديد اللام، ورفع الفاء. قوله تعالى:

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا} قال الفراء: نصب السنة على العذاب المضمر، أي: يعذبون كسنتنا فيمن أرسلنا. وقال الأخفش: المعنى: سنها سنة. وقال الزجاج: انتصب بمعنى لا يلبثون وتأويله: إنا سننا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك أنهم إذا أخرجوا نبيهم أو قتلوه، لم يلبث العذاب أن ينزل بهم.

٧٨

انظر تفسير الآية:٨١

٧٩

انظر تفسير الآية:٨١

٨٠

انظر تفسير الآية:٨١

٨١

قوله تعالى: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ} أي: أدها {لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ} أي: عند دلوكها.

وذكر أبن الأنباري في اللام قولين.

احدهما: أنها بمعنى في.

والثاني: أنها مؤكدة، كقوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: ٧٢]. وقال أبو عبيدة: دلوكها: من عند زوالها إلى أن تغيب. وقال الزجاج: ميلها وقت الظهيرة دلوك، وميلها للغروب دلوك. وقال الأزهري: معنى الدلوك في كلام العرب: الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار: دالكة، وإذا أفلت: دالكة، لأنها في الحالين زائلة.

وللمفسرين في المراد بالدلوك هاهنا قولان.

احدهما: أنه زوالها نصف النهار. روى جابر بن عبد اللّه قال: دعوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن شاء من أصحابه، فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: اخرج يا أبا بكر فهذا حيث دلكت الشمس؛ وهذا قول ابن عمر، وأبي برزة، وأبي هريرة، والحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعبيد بن عمير، وقتادة، والضحاك، ومقاتل، وهو اختيار الأزهري. قال الأزهري: لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس، فيكون المعنى: أقم الصلاة من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل، فيدخل فيها الأولى، والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: {وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ}،فهذه خمس صلوات.

والثاني: أنه غروبها، قاله ابن مسعود، والنخعي، وابن زيد، وعن ابن عباس كالقولين، قال الفراء: ورأيت العرب تذهب في الدلوك إلى غيبوبة الشمس، وهذا اختيار ابن قتيبة، قال: لأن العرب تقول: دلك النجم: إذا غاب؛ قال ذو الرمة:

مصابيح ليست باللواتي تقودها  نجوم ولا بالآفلات الدوالك

وتقول في الشمس: دلكت براح،يريدون: غربت، والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر إليها، قال الشاعر:

والشمس قد كادت تكون دنفا  أدفعها بالراح كي تزحلفا

فشبهها بالمريض [في] الدنف، لأنها قد همت بالغروب كما قارب الدنف الموت، وإنما ينظر إليها من تحت الكف ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب، ويتوقى الشعاع بكفه. فعلى هذا المراد، بهذه الصلاة: المغرب. فأما غسق الليل، فظلامه.

وفي المراد بالصلاة المتعلقة بغسق الليل ثلاثة أقوال.

احدها: العشاء، قاله ابن مسعود.

والثاني: المغرب، قاله ابن عباس. قال القاضي أبو يعلى: فيحتمل أن يكون المراد بيان وقت المغرب، أنه من غروب الشمس إلى غسق الليل.

والثالث: المغرب والعشاء، قاله الحسن. قوله تعالى:

{وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ} المعنى: وأقم قراءة الفجر.

قال المفسرون: المراد به: صلاة الفجر قال الزجاج: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة، حين سميت الصلاة قرآنا. قوله تعالى:

{إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار. قوله تعالى:

{وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} قال ابن عباس: فصل بالقرآن. قال مجاهد، وعلقمة، والأسود: التهجد بعد النوم. قال ابن قتيبة: تهجدت: سهرت، وهجدت: نمت. وقال ابن الانباري: التهجد هاهنا بمعنى: التيقظ والسهر، واللغويون يقولون: هو من حروف الأضداد؛ يقال للنائم: هاجد ومتهجد، وكذلك للساهر، قال النابغة:

ولو انها عرضت لأشمط راهب  عبد الآله صرورة متهجد

لرنا لبهجتها وحسن حديثها  ولخاله رشدا وإن لم يرشد

يعني بالمتهجد: الساهر، وقال لبيد:

قال هجدنا فقد طال السرى  [وقدرنا إن خنا الدهر غفل]

أي: نومنا. وقال الأزهري: المتهجد: القائم إلى الصلاة من النوم. وقيل له: متهجد، لإلقائه الجود عن نفسه، كما يقال: تحرج وتأثم. قوله تعالى:

{نَافِلَةً لَّكَ} النافلة في اللغة: ما كان زائداً على الأصل.

وفي معنى هذه الزيادة في حقه قولان.

احدهما: أنها زائدة فيما فرض عليه،فيكون المعنى: فريضة عليك، وكان قد فرض عليه قيام الليل، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.

والثاني: أنها زائدة على الفرض، وليست فرضاً، فالمعنى: تطوعاً وفضيلة. قال أبو أمامة، والحسن، ومجاهد: إنما النافلة للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة. قال مجاهد: وذلك أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة، وهو لغيره كفارة. وذكر بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت فرضاً عليه في الابتداء، ثم رخص له في تركها، فصارت نافلة.

وذكر ابن الأنباري في هذا قولين.

احدهما: يقارب ما قاله مجاهد، فقال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا تنفل لا يقدر له أن يكون بذلك ماحياً للذنوب، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره إذا تنفل كان راجياً، ومقدراً محو السيئات عنه بالتنفل، فالنافلة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيادة على الحاجة، وهي لغيره مفتقر إليها، ومأمول بها دفع المكروه.

والثاني: أن النافلة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأمته، والمعنى: ومن الليل فتهجدوا به نافله لكم، فخوطب النبي صلى اللّه عليه وسلم بخطاب أمته. قوله تعالى:

{عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} عسى من اللّه واجبه، ومعنى يبعثك يقيمك

{مَقَاماً مَّحْمُودًا} وهو الذي يحمده لأجله جميع أهل الموقف. وفيه قولان.

احدهما: أنه الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد اللّه، والحسن، وهي رواية بن أبي نجيح عن مجاهد.

والثاني: يجلسه على العرش يوم القيامة. روى أبو وائل عن عبد اللّه أنه قرأ هذه الآية، وقال: يقعده على العرش، وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس، وليث عن مجاهد. قوله تعالى:

{وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ} وقرأ الحسن، وعكرمة، والضحاك، وحميد بن قيس، وابن أبي عبلة بفتح الميم في مدخل ومخرج. قال الزجاج: المدخل، بضم الميم: مصدر أدخلته مدخلاً، ومن قال: مدخل صدق، فهو على أدخلته، فدخل مدخل صدق، وكذلك شرح مخرج مثله.

وللمفسرين في المراد بهذا المدخل والمخرج أحد عشر قولاً.

احدها: أدخلني المدينة مدخل صدق، وأخرجني من مكة مخرج صدق، روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فنزلت عليه هذه الآية. وإلى هذا المعنى ذهب الحسن في رواية سعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد.

والثاني: أدخلني القبر مدخل صدق،

وأخرجني منه مخرج صدق، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أدخلني المدينة، وأخرجني إلى مكة، يعني: لفتحها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والرابع: أدخلني مكة مدخل صدق، وأخرجني منها مخرج صدق، فخرج منها آمنا من المشركين، ودخلها ظاهرا عليها يوم الفتح، قاله الضحاك.

والخامس: أدخلني مدخل صدق الجنة، وأخرجني مخرج صدق من مكة الى المدينة، رواه قتادة عن الحسن.

والسادس: أدخلني في النبوة والرسالة، وأخرجني منها مخرج صدق، قاله مجاهد، يعني: أخرجني مما يجب علي فيها.

والسابع: أدخلني في الإسلام، وأخرجني منه، قاله ابو صالح؛ يعني: من أداء ما وجب علي فيه إذا جاء الموت.

والثامن: أدخلني في طاعتك، وأخرجني منها، أي: سالماً غير مقصر في أدائها، قاله عطاء.

والتاسع: أدخلني الغار، وأخرجني منه، قاله محمد بن المنكدر.

والعاشر: أدخلني في الدين، وأخرجني من الدنيا وأنا على الحق، ذكره الزجاج.

والحادي عشر: أدخلني مكة، وأخرجني إلى حنين، ذكره أبو سليمان الدمشقي. وأما اضافة الصدق إلى المدخل والمخرج، فهو مدح لهما. وقد شرحنا هذا المعنى في سورة [يونس: ٢]. قوله تعالى:

{وَٱجْعَل لّى مِن لَّدُنْكَ} أي: من عندك

{سُلْطَـٰناً} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه التسلط على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحدود، قاله الحسن.

والثاني: أنه الحجة البينة، قاله مجاهد.

والثالث: الملك العزيز الذي يقهر به العصاة، قاله قتادة. وقال ابن الأنباري: وقوله: {نَصِيراً} يجوز أن يكون بمعنى منصراً، ويصلح أن يكون تأويله ناصراً. قوله تعالى:

{وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ} فيه أربعة أقوال.

احدها: أن الحق: الإسلام، والباطل: الشرك، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن الحق: القرآن، والباطل: الشيطان، قاله قتادة.

والثالث: أن الحق: الجهاد، والباطل: الشرك، قاله ابن جريج.

والرابع: الحق: عبادة اللّه، والباطل: عبادة الأصنام، قاله مقاتل. ومعنى زهق: بطل واضمحل وكل شيء هلك وبطل فقد زهق. وزهقت نفسه: تلفت.

وروى ابن مسعود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

فإن قيل: كيف قلتم: إن زهق بمعنى بطل، والباطل موجود معمول عليه عند أهله؟

فالجواب: أن المراد من بطلانه وهلكته: وضوح عيبه، فيكون هالكاً عند المتدبر الناظر.

٨٢

قوله تعالى: {وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء} من هاهنا لبيان الجنس، فجميع القرآن شفاء.

وفي هذا الشفاء ثلاثة أقوال.

احدها: شفاء من الضلال، لما فيه من الهدى.

والثاني: شفاء من السقم، لما فيه من البركة.

والثالث: شفاء من البيان للفرائض والأحكام.

وفي الرحمة قولان.

احدهما: النعمة.

والثاني: سبب الرحمة. قوله تعالى:

{وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعني المشركين {إَلاَّ خَسَارًا} لأنهم يكفرون به، ولا ينتفعون بمواعظه، فيزيد خسرانهم.

٨٣

انظر تفسير الآية:٨٤

٨٤

قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ} قال ابن عباس: الانسان هاهنا: الكافر، والمراد به: الوليد بن المغيرة. قال المفسرون: وهذا الإنعام: سعة الرزق، وكشف البلاء.

{وَنَأَى بِجَانِبِهِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ونأى على وزن نعى بفتح النون والهمزة. وقرأ ابن عامر: ناء مثل باع. وقرأ الكسائي، وخلف عن سليم عن حمزة: وناء بإمالة النون والهمزة.

وروى خلاد عن سليم: نئي بفتح النون وكسر الهمزة والمعنى: تباعد عن القيام بحقوق النعم، وقيل: تعظم وتكبر. {وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ} أي: نزل به البلاء والفقر {كَانَ} أي: قنوطا شديد اليأس، لا يرجو فضل اللّه. قوله تعالى:

{يَئُوساً قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ} فيها ثلاثة أقوال.

احدها: على ناحيته، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. قال الفراء: الشاكلة: الناحية، والجديلة، والطريقة، سمعت بعض العرب يقول: وعبد الملك إذ ذاك على جديلته، وابن الزبير على جديلته، يريد: على ناحيته. وقال أبو عبيدة: على ناحيته وخليقته.

وقال ابن قتيبة: على خليقته وطبيعته، وهو من الشكل. يقال: لست على شكلي، ولا شاكلتي. وقال الزجاج: على طريقته، وعلى مذهبه.

والثاني: على نيته؛ قاله الحسن، ومعاوية بن قرة. وقال الليث: الشاكلة من الأمور: ما وافق فاعله.

والثالث: على دينه، قاله ابن زيد. وتحرير المعنى: أن كل واحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند النعم واليأس عند الشدة، والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، واللّه يجازي الفريقين. وذكر أبو صالح عن ابن عباس: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ} [التوبة: ٥]، وليس بشيء.

٨٥

قوله تعالى: {سَبِيلاً وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ} في سبب نزولها قولان.

احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بناس من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح؟ فقال بعضهم: لا تسألوه، فيستقبلكم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم: ما تقول في الروح؟ فسكت، ونزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.

والثاني: أن اليهود قالت لقريش: سلوا محمداً عن ثلاث فإن أخبركم عن اثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي؛ سلوه عن فتية فقدوا، وسلوه عن ذي القرنين، وسلوه عن الروح. فسألوه عنها ففسر لهم أمر الفتية، في الكهف وفسر لهم قصة ذي القرنين، وأمسك عن قصة الروح، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس،

وفي المراد بالروح هاهنا ستة أقوال.

احدها: أنه الروح الذي يحيا به البدن، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس. وقد اختلف الناس في ماهية الروح، ثم اختلفوا هل الروح النفس، أم هما شيئان فلا يحتاج إلى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شيء من ذلك وإنما هو شيء أخذوه عن الطب والفلاسفة؟ فأما السلف، فإنهم أمسكوا عن ذلك، لقوله تعالى:

{قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى}، فلما رأوا أن القوم سألوا عن الروح فلم يجابوا، ولوحي ينزل، والرسول حي، علموا أن السكوت عما لم يحط بحقيقة علمه أولى.

والثاني: أن المراد: بهذا الروح ملك من الملائكة على خلقة هائلة، روي عن علي عليه السلام، وابن عباس، ومقاتل.

والثالث: أن الروح: خلق من خلق اللّه عز وجل صورهم على صور بني آدم، رواه مجاهد عن ابن عباس.

والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله الحسن، وقتادة.

والخامس: أنه القرآن، روي عن الحسن أيضاً.

والسادس: أنه عيسى بن مريم، حكاه الماوردي. قال أبو سليمان الدمشقي: قد ذكر اللّه تعالى الروح في مواضع من القرآن، فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إلى موضع لا يليق به، وظنوه مثله، وإنما هو الروح الذي يحيى به ابن آدم. وقوله: {مِنْ أَمْرِ رَبّى} أي: من عمله الذي منع إن يعرفه أحد. قوله تعالى:

{وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} في المخاطبين بهذا قولان.

احدهما: أنهم اليهود، قاله الأكثرون.

والثاني: أنهم جميع الخلق، علمهم قليل بالإضافة إلى علم اللّه عز وجل، ذكره الماوردي.

فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى:

{وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩]؟

فالجواب: أن ما أوتيه الناس من العلم وإن كان كثيراً، فهو بالإضافة إلى علم اللّه قليل.

٨٦

انظر تفسير الآية:٨٧

٨٧

قوله تعالى: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} قال الزجاج: المعنى: لو شئنا لمحوناه من القلوب والكتب، حتى لا يوجد له أثر،

{ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} أي: لا تجد من يتوكل [علينا] في رد شيء منه، {إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} هذا استنثاء ليس من الأول، والمعنى: لكن اللّه رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. وقال ابن الأنباري: المعنى: لكن رحمة من ربك تمنع من أن تسلب القرآن، وكان المشركون قد خاطبوا نساءهم من المسلمين في الرجوع إلى دين آبائهم، فهددهم اللّه عز وجل بسلب النعمة، فكان ظاهر الخطاب للرسول، ومعنى التهدد للأمة. وقال أبو سليمان: ثم لا تجد لك به أي: بما نفعله بك، من إذهاب ما عندك وكيلاً يدفعنا عما نريده بك.

وروي [عن] عبد اللّه ابن مسعود أنه قال: يسرى على القرآن في ليلة واحدة، فيجيء جبريل من جوف الليل، فيذهب به من صدورهم ومن بيوتهم، فيصبحون لا يقرؤون آية ولا يحسنونها. ورد أبو سليمان الدمشقي صحة هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام: إن اللّه لا يقبض العلم انتزاعاً، وحديث ابن مسعود مروي من طرق حسان، فيحتمل أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم أراد بالعلم ما سوى القرآن، فإن العلم ما يزال ينقرض حتى يكون رفع القرآن آخر الأمر.

٨٨

قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ}

قال المفسرون: هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال: لو شئنا لقلنا مثل هذا. والمثل الذي طلب منهم: كلام له نظم كنظم القرآن، في أعلى طبقات البلاغة. والظهير: المعين.

٨٩

انظر تفسير الآية:٩٣

٩٠

انظر تفسير الآية:٩٣

٩١

انظر تفسير الآية:٩٣

٩٢

انظر تفسير الآية:٩٣

٩٣

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ} قد فسرناه في هذه السورة [الاسراء: ٤١]، والمعنى: من كل مثل من الأمثال التي يكون بها الاعتبار {فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ} يعني أهل مكة {إِلاَّ كُفُورًا} أي: جحودا للحق وانكاراً. قوله تعالى:

{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلاْرْضِ يَنْبُوعًا} سبب نزول هذه الآية وما يتبعها، أن رؤساء قريش، كعتبة، وشيبة، وأبي جهل، وعبد اللّه بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، في آخرين، اجتمعوا عند الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذورا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، فجاءهم سريعاً، وكان حريصا على رشدهم، فقالوا: يا محمد، إنا واللّه لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فإن كنت إنما جئت بهذا لتطلب مالاً، جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا، سودناك علينا، وإن كان هذا الرئي الذي يأتيك قد غلب عليك، بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن تقبلوا مني [ما جئتكم به]، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي، أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم. قالوا: يا محمد، فان كنت غير قابل منا ما عرضنا، فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلاداً ولا أشد عيشاً منا، سل لنا ربك يسير لنا هذه الجبال التي ضيقت علينا،ويجري لنا أنهاراً، ويبعث من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسائله عما تقول: أحق هو؟ فإن فعلت صدقناك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما بهذا بعثت، وقد أبلغتكم ما أرسلت به؛ قالوا: فسل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك، وسله أن يجعل لك جناناً، وكنوزاً، وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك؛ قال: ما أنا بالذي يسأل ربه هذا؛ قالوا: فأسقط السماء [علينا] كما زعمت بأن ربك إن شاء فعل؛ فقال: ذلك إلى اللّه عز وجل؛ فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي باللّه والملائكة قبيلاً، وقال عبد اللّه بن أبي أمية: لا أؤمن لك حتى تتخذ إلى [السماء] سلماً، وترقى فيه وأنا أنظر، وتأتي بنسخة منشورة معك، ونفر من الملائكة يشهدون لك، فانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حزيناً لما رأى من مباعدتهم إياه، فأنزل اللّه تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} الآيات، رواه عكرمة عن ابن عباس. قوله تعالى:

{حَتَّىٰ تَفْجُرَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: حتى تفجر بضم التاء، وفتح الفاء، وتشديد الجيم مع الكسرة. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: حتى تفجر بفتح التاء، وتسكين الفاء، وضم الجيم مع التخفيف. فمن ثقل، أراد كثرة الانفجار من الينبوع، ومن خفف، فلأن الينبوع واحد. فأما الينبوع: فهو عين ينبع الماء منها؛ قال أبو عبيدة: هو يفعول، من نبع الماء، أي: ظهر وفار. قوله تعالى:

{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} أي: بستان {فَتُفَجّرَ ٱلاْنْهَـٰرَ} أي: تفتحها وتجريها {خِلاَلَهَا} أي: وسط تلك الجنة. قوله تعالى:

{أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاء} وقرأ مجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وحميد، والجحدري: أو تسقط بفتح التاء، ورفع القاف السماء بالرفع. قوله تعالى:

{كِسَفًا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: كسفا بتسكين السين في جميع القرآن إلا في [الروم: ٤٨] فإنهم حركوا السين. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: بتحريك السين في الموضعين، وفي باقي القرآن بالتسكين. وقرأ ابن عامر هاهنا بفتح السين، وفي باقي القرآن بتسكينها. قال الزجاج: من قرأ كسفا بفتح السين، جعلها جمع كسفة، وهي: القطعة، ومن قرأ كسفا بتسكين السين، فكأنهم قالوا: أسقطها طبقاً علينا؛ واشتقاقه من كسفت الشيء: إذا غطيته، يعنون: أسقطها علينا قطعة واحدة. وقال ابن الأنباري: من سكن قال: تأويله: ستراً وتغطية: من قولهم: قد انكسفت الشمس: إذا غطاها ما يحول بين الناظرين إليها وبين أنوارها. قوله تعالى:

{أَوْ تَأْتِىَ بِٱللّه وَٱلْمَلَـئِكَةِ قَبِيلاً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: عياناً، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، وابن جريج، ومقاتل. وقال أبو عبيدة: معناه: مقابلة، أي: معاينة، وأنشد للأعشى: نصالحكم حتى تبوؤوا بمثلها  كصرخة حبلى يسرتها قبيلهاأي: قابلتها. ويروى: وجهتها [يعني بدل: يسرتها].

والثاني: كفيلاً أنك رسول اللّه، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء، قال: القبيل، والكفيل، والزعيم، سواء؛ تقول: قبلت، وكفلت، وزعمت.

والثالث: قبيلة قبيلة، كل قبيلة على حدتها، قاله الحسن، ومجاهد. فأما الزخرف، فالمراد به الذهب، وقد شرحنا أصل هذه الكلمة في [يونس: ٢٤]، وترقى: بمعنى تصعد؛ يقال: رقيت أرقى رقياً. قوله تعالى:

{حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} قال ابن عباس: كتاباً من رب العالمين إلى فلان بن فلان يصبح عند كل واحد منا يقرؤه. قوله تعالى:

{قُلْ سُبْحَـٰنَ رَبّى} قرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: قل. وقرأ ابن كثير، وابن عامر: قال، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والشام، {هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}، أي: أن هذه الأشياء ليست في قوى البشر. فإن قيل: لم اقتصر على حكاية قالوا من غير إيضاح الرد؟فالجواب: أنه لما خصهم بقوله تعالى:

{قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ} فلم يكن في وسعهم، عجزهم، فكأنه يقول: قد أوضحت لكم بما سبق من الآيات ما يدل على نبوتي، ومن ذلك التحدي بمثل هذا القرآن، فأما عنتكم فليس في وسعي، ولأنهم ألحوا عليه في هذه الأشياء، ولم يسألوه أن يسأل ربه، فرد قولهم بكونه بشراً، فكفى ذلك في الرد.

٩٤

انظر تفسير الآية:٩٦

٩٥

انظر تفسير الآية:٩٦

٩٦

قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ} قال ابن عباس: يريد أهل مكة.

قال المفسرون: ومعنى الآية: وما منعهم من الإيمان {إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ} وهو البيان والإرشاد في القرآن {إِلاَّ أَن قَالُواْ} [أي: إلا] قولهم في التعجب والإنكار:

{أَبَعَثَ ٱللّه بَشَرًا رَّسُولاً}؟ وفي الآية اختصار، تقديره: هلا بعث اللّه ملكاً رسولاً، فأجيبوا على ذلك بقوله تعالى:

{قُل لَوْ كَانَ فِى ٱلاْرْضِ مَلَـٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ} أي: مستوطنين الأرض. ومعنى الطمأنينة: السكون؛ والمراد من الكلام أن رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم. قوله تعالى:

{قُلْ كَفَىٰ بِٱللّه شَهِيدًا} قد فسرناه في [الرعد: ٤٣] {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} قال مقاتل: حين اختص اللّه محمداً بالرسالة.

٩٧

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٨

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٩

انظر تفسير الآية:١٠٠

١٠٠

قوله تعالى: {مَّن يَهْدِى ٱللّه} قرأ نافع، وأبو عمرو بالياء في الوصل، وحذفاها في الوقف. وأثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الأكثرون في الحالتين. من يهد اللّه قال ابن عباس: من يرد اللّه هداه {ٱللّه فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ} يهدونهم. قوله تعالى:

{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه يمشيهم على وجوههم، وشاهده ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك أن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة.

والثاني: أن المعنى: ونحشرهم مسحوبين على وجوههم، قاله ابن عباس.

والثالث: نحشرهم مسرعين مبادرين، فعبر بقوله: على وجوههم عن الإسراع، كما تقول العرب: كما تقول العرب: قد مر القوم على وجوههم: إذا أسرعوا، قاله ابن الأنباري. قوله تعالى:

{عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} فيه قولان.

احدهما: عمياً لا يرون شيئا يسرهم، وبكما لا ينطقون بحجة، وصماً لا يسمعون شيئا يسرهم، قاله ابن عباس. وقال في رواية: عمياً عن النظر إلى ما جعل لأوليائه، وبكماً عن مخاطبة اللّه، وصماً عما مدح به أولياءه، وهذا قول الأكثرين.

والثاني: أن هذا الحشر في بعض أحوال القيامة بعد الحشر الأول.قال مقاتل: هذا يكون حين يقال لهم: {وَأَنزَلْنَا فِيهَا} [المؤمنون: ١٠٨] فيصيرون عمياً بكماً صماً لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك. قوله تعالى:

{كُلَّمَا خَبَتْ} قال ابن عباس: أي: سكنت.

قال المفسرون: وذلك أنها تأكلهم، فإذا لم تبق منهم شيئاً وصاروا فحماً ولم تجد شيئا تأكله، سكنت، فيعادون خلقاً جديداً، فتعود لهم. وقال ابن قتيبة: يقال: خبت النار: إذا سكن لهبها. فالهلب يسكن، والجمر يعمل، فإن سكن اللّهب، ولم يطفأ الجمر، قيل: خمدت تخمد خموداً، فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: همدت تهمد هموداً.

ومعنى {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}: ناراً تتسعر، أي: تتلهب. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [الاسراء: ٤٩] إلى قوله: {قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} أي: على أن يخلقهم مرة ثانية، وأراد ب مثلهم إياهم، وذلك أن مثل الشيء مساو له، فجاز أن يعبر به عن نفس الشيء، يقال: مثلك لا يفعل هذا، أي: أنت، ومثله قوله: {فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ} [البقرة: ١٣٧]، وقد تمّ الكلام عند قوله: {مّثْلُهُمْ}، ثم قال:

{وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ} يعني: أجل البعث

{فَأَبَىٰ ٱلظَّـٰلِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا} أي: جحوداً بذلك الأجل. قوله تعالى:

{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى} قال الزجاج: المعنى: لو تملكون أنتم، قال الملمس: ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي  نصبت لهم فوق العرانين ميسماالمعنى: لو أراد غير أخوالي. وفي هذه الخزائن قولان.

احدهما: خزائن الأرزاق.

والثاني: خزائن النعم، فيخرج في الرحمة قولان.

احدهما: الرزق.

والثاني: النعمة. وتحرير الكلام لو ملكتم ما يملكه اللّه عز وجل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفاقة. {وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ} يعني: الكافر {قَتُورًا} أي: بخيلاً ممسكاً؛ يقال: قتر يقتر، وقتر يقتر: إذا قصر في الإنفاق. وقال الماوردي: لو ملك أحد من المخلوقين من خزائن اللّه تعالى،

لما جاد كجود اللّه تعالى، لأمرين.

احدهما: أنه لا بد أن يمسك منه لنفقته ومنفعته.

والثاني: أنه يخاف الفقر، واللّه تعالى منزه في جوده عن الحالين. ثم إن اللّه تعالى ذكر إنكار فرعون آيات موسى، تشبيها بحال هؤلاء المشركين، فقال:

{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءايَـٰتٍ} وفيها قولان.

احدهما: أنها بمعنى المعجزات والدلالات، ثم اتفق جمهور المفسرين على سبع آيات منها، وهي: يده، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم،

واختلفوا في الآيتين الآخرتين على ثمانية أقوال.

احدها: أنهما لسانه والبحر الذي فلق له، رواه العوفي عن ابن عباس؛ يعني بلسانه: أنه كان فيه عقدة فحلها اللّه تعالى له.

والثاني: البحر والجبل الذي نتق فوقهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: السنون ونقص الثمرات، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، وقتادة. وقال الحسن: السنون ونقص الثمرات آية واحدة.

والرابع: البحر والموت أرسل عليهم، قاله الحسن، ووهب.

والخامس: الحجر والبحر، قاله سعيد بن جبير.

والسادس: لسانه وإلقاء العصا مرتين عند فرعون، قاله الضحاك.

والسابع: البحر والسنون، قاله محمد بن كعب.

والثامن: ذكره [محمد بن اسحاق عن] محمد بن كعب أيضاً، فذكر السبع الآيات الأولى، إلا أنه جعل مكان يده البحر، وزاد الطمسة والحجر، يعني قوله: {ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ} [يونس: ٨٨].

والثاني: أنها آيات الكتاب، روى أبو داود السجستاني من حديث صفوان ابن عسال، أن يهوديا قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي، فقال الآخر: لا تقل: إنه نبي، فإنه لو سمع ذلك، صارت له أربعة أعين؛ فأتياه، فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال: لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا بالبريء إلى السلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت، قال: فقبلا يده، وقالا: نشهد أنك نبي.

١٠١

انظر تفسير الآية:١٠٤

١٠٢

انظر تفسير الآية:١٠٤

١٠٣

انظر تفسير الآية:١٠٤

١٠٤

قوله تعالى: {فَٱسْأَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ} قرأ الجمهور: فاسأل على معنى الأمر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وإنما أمر أن يسأل من آمن منهم عما أخبر [به] عنهم، ليكون حجة على من لم يؤمن منهم. وقرأ ابن عباس: فسأل بني إسرائيل [على معنى] الخبر عن موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل. {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لاظُنُّكَ} أي: لأحسبك

{إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: مخدوعاً، قاله ابن عباس.

والثاني: مسحوراً، قد سحرت، قاله ابن السائب.

والثالث: ساحراً، فوضع مفعولاً في موضع فاعل، هذا مروي عن الفراء وأبي عبيدة. فقال موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ} قرأ الجمهور بفتح التاء. وقرأ علي عليه السلام بضمها، وقال: واللّه ما علم عدو اللّه، ولكن موسى هوالذي علم، فبلغ ذلك ابن عباس، فاحتج بقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [النمل: ١٤] واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام، وقد رويت عن ابن عباس، وأبي رزين، وسعيد بن جبير، وابن يعمر. واحتج من نصرها بأنه لما نسب موسى إلى أنه مسحور، أعلمه بصحة عقله بقوله: لقد علمت، والقراءة الأولى أصح، لاختيار الجمهور، ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه، فلم يرد عليه إلا بالتعلل والمدافعة، فكأنه قال: لقد علمت بالدليل والحجة ما أنزل هؤلاء يعني الآيات. وقد شرحنا معنى البصائر في [الأعراف: ٢٠٣] قوله تعالى: {وَإِنّى لاظُنُّكَ} قال أكثر المفسرين: الظن هاهنا بمعنى العلم، على خلاف ظن فرعون في موسى، وسوى بينهما بعضهم، فجعل الأول بمعنى العلم أيضاً.

وفي المثبور ستة أقوال.

احدها: أنه الملعون، روه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والثاني: المغلوب، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: الناقص العقل، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.

والرابع: المهلك، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال ابو عبيدة، وابن قتيبة. قال الزجاج: يقال: ثبر الرجل، فهو مثبور: إذا أهلك.

والخامس: الهالك، قاله مجاهد.

والسادس: الممنوع من الخير؛ تقول العرب: ما ثبرك عن هذا، أي: ما منعك، قاله الفراء. قوله تعالى:

{فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مّنَ ٱلاْرْضِ} يعني: فرعون أراد أن يستفز بني إسرائيل من أرض مصر.

وفي معنى يستفزهم قولان.

احدهما: يستأصلهم، قاله ابن عباس.

والثاني: يستخفهم حتى يخرجوا، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: جائز أن يكون استفزازهم إخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية. قال العلماء: وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنه لما خرج موسى فطلبه فرعون، هلك فرعون وملك موسى، وكذلك أظهر اللّه نبيه بعد خروجه من مكة حتى رجع اليها ظاهرا عليها. قوله تعالى:

{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد هلاك فرعون

{لِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلاْرْضَ} وفيها ثلاث أقوال.

احدها: فلسطين والأردن، قاله ابن عباس.

والثاني: أرض وراء الصين، قاله مقاتل.

والثالث: أرض مصر والشام.

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلاْخِرَةِ} يعني: القيامة

{جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي: جميعاً، قاله ابن عباس ومجاهد، وابن قتيبة. وقال الفراء: لفيفاً، أي: من هاهنا ومن هاهنا. وقال الزجاج: اللفيف: الجماعات من قبائل شتى.

١٠٥

انظر تفسير الآية:١٠٩

١٠٦

انظر تفسير الآية:١٠٩

١٠٧

انظر تفسير الآية:١٠٩

١٠٨

انظر تفسير الآية:١٠٩

١٠٩

قوله تعالى: {وَبِٱلْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ} الهاء كناية عن القرآن، والمعنى: أنزلنا القرآن بالأمر الثابت والدين المستقيم، فهو حق، ونزوله حق، وما تضمنه حق. وقال أبو سليمان الدمشقي: وبالحق أنزلناه أي: بالتوحيد، وبالحق نزل يعني: بالوعد والوعيد، والأمر والنهي. قوله تعالى:

{وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ} قرأ علي عليه السلام، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو رزين، ومجاهد، والشعبي، وقتادة، والأعرج، وأبو رجاء، وابن محيصن: فرقناه بالتشديد. وقرأ الجمهور بالتخفيف. فأما قراءة التخفيف،

ففي معناها ثلاثة أقوال.

احدها: بينا حلاله وحرامه، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: فرقنا فيه بين الحق والباطل، قاله الحسن.

والثالث: أحكمناه وفصلناه، كقوله تعالى:

{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤] قاله الفراء.

وأما المشددة، فمعناها: أنه أنزل متفرقاً، ولم ينزل جملة واحدة. وقد بينا في أول كتابنا هذا مقدار المدة التي نزل فيها. قوله تعالى:

{لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ} قرأ أنس، والشعبي، والضحاك، وقتادة، وأبو رجاء، وأبان عن عاصم، وابن محيصن: بفتح الميم؛ والمعنى: على تؤدة وترسل ليتدبروا معناه. قوله تعالى:

{قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} هذا تهديد لكفار [أهل] مكة، والهاء كناية عن القرآن.

{إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} وفيهم ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم ناس من أهل الكتاب، قاله مجاهد.

والثاني: أنهم الأنبياء عليهم السلام، قاله ابن زيد.

والثالث: طلاب الدين، كأبي ذر، وسلمان، وورقة بن نوفل،وزيد ابن عمرو، قاله الواحدي.

وفي هاء الكناية في قوله:{مِن قَبْلِهِ} قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى القرآن، والمعنى: من قبل نزوله.

والثاني: ترجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله ابن زيد. فعلى الأول {إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ} القرآن. وعلى قول ابن زيد {إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ} ما أنزل إليهم من عند اللّه. قوله تعالى:

{يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ} اللام هاهنا بمعنى على. قال ابن عباس: قوله للأذقان أي: للوجوه. قال الزجاج: الذي يخر وهو قائم، إنما يخر لوجهه، والذقن: مجتمع اللحيين، وهو عضو من أعضاء الوجه، فإذا ابتدأ يخر، فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن. وقال ابن الأنباري: أول ما يلقى الأرض من الذي يخر قبل أن يصوب جبتهه ذقنه، فلذلك قال: للأذقان. ويجوز أن يكون المعنى: يخرون للوجوه، فاكتفى بالذقن من الوجه كما يكتفى بالبعض من الكل، وبالنوع من الجنس. قوله تعالى:

{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا} نزهوا اللّه تعالى عن تكذيب المكذبين بالقرآن، وقالوا: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا} بإنزال القرآن وبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم {لَمَفْعُولاً} واللام دخلت للتوكيد. وهؤلاء قوم كانوا يسمعون أن اللّه باعث نبيا من العرب، ومنزل عليه كتاباً، فلما عاينوا ذلك، حمدوا اللّه تعالى على انجاز الوعد، {وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ} كرر القول ليدل على تكرار الفعل منهم. {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} أي: يزيدهم القرآن تواضعاً. وكان عبد الأعلى التيمي يقول: من أوتي من العلم ما لا يبكيه، لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه، لأن اللّه تعالى نعت العلماء فقال: إن الذين أوتوا العلم... إلى قوله: يبكون.

١١٠

انظر تفسير الآية:١١١

١١١

قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱللّه أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ} الآية. هذه الأية نزلت على سببين. [نزل] أولها إلى قوله:

{ٱلْحُسْنَىٰ} على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

احدها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تهجد ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم: فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحداً، فهو الآن يدعو إلهين اثنين: اللّه، والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة، فأنزل اللّه هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثاني: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكتب في أول ما أوحي إليه: باسمك اللّهم، حتى نزل: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللّه ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} [النمل: ٣٠] فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت هذه الآية، قاله ميمون بن مهران.

والثالث: أن أهل الكتاب قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر اللّه في التوراة هذا الاسم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك. فأما قوله:

{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} فنزل على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يرفع صوته بالقرآن بمكة، فيسب المشركون القرآن و من أتى به، فخفض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه، فأنزل اللّهتعالى: و{تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك، فلا يسمعون، قاله ابن عباس.

والثاني: أن الأعرابي كان يجهر في التشهد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة.

والثالث: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لاتفتر على اللّه، فخفض النبي صلى اللّه عليه وسلم صوته، فقال أبو جهل للمشركين:ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة؟ٰ رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

فأما التفسير، فقوله: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱللّه أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ} المعنى: إن شئتم فقولوا: يا أللّه، وإن شئتم فقولوا: يارحمن، فإنهما يرجعان إلى واحد، {أَيّا مَّا تَدْعُواْ} المعنى: أي أسماء اللّه تدعوا؛ قال الفراء: وما قد تكون صلة، كقوله: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ} [المؤمنون: ٤٠]، وتكون في معنى: أي معادة لما اختلف لفظهما. قوله تعالى:

{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} فيه قولان.

احدهما: أنها الصلاة الشرعية.

ثم في المراد بالكلام ستة أقوال.

احدها: لاتجهر بقراءتك، ولا تخافت بها، فكأنه نهي عن شدة الجهر بالقراءة، وشدة المخافتة، قاله ابن عباس.

فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان. ذكرهما ابن الأنباري.

احدهما: أن يكون المعنى: فلا تجهر بقراءة صلاتك.

والثاني: أن القراءة بعض الصلاة، فنابت عنها، كما قيل لعيسى: كلمة اللّه، لأنه بالكلمة كان.

والثاني: لا تصل مراءاة للناس، ولا تدعها مخافة الناس، قاله ابن عباس أيضاً.

والثالث: لا تجهر بالتشهد في صلاتك، روي عن عائشة في رواية، وبه قال ابن سيرين.

والرابع: لا تجهر بفعل صلاتك ظاهراً، ولا تخافت بها شديد الاستتار، قاله عكرمة.

والخامس: لا تحسن علانيتها، وتسيء سريرتها، قاله الحسن.

والسادس: لا تجهر بصلاتك كلها، ولا تخافت بجميعها. فاجهر في صلاة الليل، وخافت في صلاة النهار، على ما أمرناك به، ذكره القاضي أبو يعلى.

والقول الثاني: أن المراد بالصلاة: الدعاء، وهو قول عائشة، وأبي هريرة، ومجاهد. قوله تعالى:

{وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} المخافتة: الإخفاء، يقال: صوت خفيت. {وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً} أي: اسلك بين الجهر والمخافتة طريقاً. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية بقوله: {ٱلْقَوْلِ} [الأعراف: ٢٠٥] وقال ابن السائب: نسخت بقوله: {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] وعلى التحقيق، وجود النسخ هاهنا بعيد. قوله تعالى:

{وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وطلحة بن مصرف: في الملك بكسر الميم، {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ} قال مجاهد: لم يحالف أحداً، ولم يبتغ نصر أحد؛ والمعنى: أنه لا يحتاج إلى موالاة أحد لذل يلحقه، فهو مستغن عن الولي والنصير.{وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا} أي: عظمه تعظيماً تاماً.

﴿ ٠