ÓõæÑóÉõ ÇáúßóåúÝö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÚóÔúÑõ ÂíÇóÊò

سورة الكهف

فصل في نزولها.

روى أبو صالح عن ابن عباس أن سورة {ٱلْكَهْفِ} مكية، وكذلك قال الحسن. ومجاهد، وقتادة. وهذا اجماع المفسرين من غير خلاف نعلمه، إلا أنه قد روي عن ابن عباس، وقتادة أن منها آية مدنية، وهي قوله: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: ٢٨]. وقال مقاتل: من أولها الى قوله تعالى: {صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف: ٨] مدني، وقوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ} [الكهف: ١٠٧،١٠٨] الآيتان مدنية، وباقيها مكي.

وروى أبو الدرداء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: من حفظ عشر آيات من أول {ٱلْكَهْفِ} ثم أدرك الدجال لم يضره، ومن حفظ خواتيم سورة {ٱلْكَهْفِ} كانت له نورا يوم القيامة.

بسم اللّه الرحمن الرحيم.

_________________________________

١

انظر تفسير الآية:٦

٢

انظر تفسير الآية:٦

٣

انظر تفسير الآية:٦

٤

انظر تفسير الآية:٦

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

قوله تعالى: {ٱلْحَمْدُ للّه} قد شرحناه في أول الفاتحة. والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى اللّه عليه وسلم، وبالكتاب: القرآن، تمدّح بإنزاله، لأنه إنعام على الرسول خاصة، وعلى الناس عامة. قال العلماء باللغة والتفسير: في هذه الآية تقديم وتأخير، تقديرها: أنزل على عبده الكتاب {قَيِّماً} أي: مستقيما عدلا. وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر، والنخعي، والأعمش: قِيما بكسر القاف، وفتح الياء، وقد فسرناه في [الأنعام: ١٦١]. قوله تعالى:

{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} أي: لم يجعل فيه اختلافا، وقد سبق بيان العوج في [آل عمران: ٩٩]. قوله تعالى:

{لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي: عذابا شديداً، {مِن لَّدُنْهُ} أي: من عنده، ومن قبله، والمعنى: لينذر الكافرين {وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ * يَعْلَمُونَ * ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي: بأن لهم

{أَجْرًا حَسَنًا} وهو الجنة. {مَّاكِثِينَ} أي:مقيمين، وهو منصوب على الحال.

{وَيُنْذِرَ} بعذاب اللّه {ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللّه وَلَدًا} وهم اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه، والنصارى حين قالوا: المسيح ابن اللّه، والمشركون حين قالوا: الملائكة بنات اللّه، {مَا لَهُمْ بِهِ} أي: بذلك القول {مِنْ عِلْمٍ} لأنهم قالوا: أفترى على اللّه، {وَلاَ لائَبَائِهِمْ} الذين قالوا ذلك، {كَبُرَتْ} أي: عظمت {كَلِمَةَ} الجمهور على النصب. وقرأ ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وأبو رزين، وأبو رجاء، ويحيى بن يعمر، وابن محيصن، وابن أبي عبلة: كلمةٌ بالرفع. قال الفراء: من نصب،أضمر: كبرت تلك الكلمة كلمة، ومن رفع لم يضمر شيئا، كما تقول: عظم قولك. وقال الزجاج: من نصب، فالمعنى: كبرت مقالتهم: اتخذ اللّه ولدا كلمة، وكلمة منصوب على التمييز. ومن رفع، فالمعنى: عظمت كلمة هي قولهم: اتخذ اللّه ولداً. قوله تعالى:

{تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أي: إنها قول بالفم لا صحة لها، ولا دليل عليها،

{إِن يَقُولُونَ} أي: ما يقولون {إِلاَّ كَذِبًا}. ثم عاتبه على حزنه لفوت ما كان يرجو من إسلامهم، فقال: {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ} وقرأ سعيد ابن جبير، وأبو الجوزاء، وقتادة: باخع نفسك بكسر السين، على الإضافة.

قال المفسرون واللغويون: فلعلك مهلك نفسك، وقاتل نفسك، وأنشد أبو عبيدة لذي الرمة: ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه  لشيء نحته عن يديه المقادرأي: نحته

فإن قيل: كيف قال: {فَلَعَلَّكَ} والغالب عليها الشك، واللّه عالم بالأشياء قبل كونها؟

فالجواب: أنها ليست بشك، إنما هي مقدرة تقدير الاستفهام الذي يعني به التقرير، فالمعنى: هل أنت قاتل نفسك؟ٰ لا ينبغي أن يطول أساك على إعراضهم، فإن من حكمنا عليه بالشقوة لا تجدي عليه الحسرة، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ} أي: من بعد توليهم عنك {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ} يعني: القرآن

{أَسَفاً} وفيه أربعة أقوال.

احدها: حزنا، قاله ابن عباس، وابن قتيبة.

والثاني: جزعا، قاله مجاهد.

والثالث: غضبا، قاله قتادة.

والرابع: ندما، قاله السدي. وقال أبو عبيدة: ندما وتلهفا وأسى. قال الزجاج: الأسف: المبالغة في الحزن، أو الغضب، يقال: قد أسف الرجل، فهو أسيف، قال الشاعر:

أرى رجلا منهم أسيفا كأنهما  يضم إلى كشحيه كفا مخضبا

وهذه الآية يشير بها إلى نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن كثرة الحرص على إيمان قومه لئلا يؤدي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف.

٧

انظر تفسير الآية:٨

٨

قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلاْرْضِ زِينَةً لَّهَا} فيه أربعة أقوال.

احدها: أنهم الرجال. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: العلماء، رواه مجاهد عن ابن عباس فعلى هذين القولين تكون ما في موضع من لأنها في موضع إبهام، قاله ابن الانباري.

والثالث: أنه ما عليها من شيء، قاله مجاهد.

والرابع: النبات والشجر، قاله مقاتل. وقول مجاهد أعم، يدخل فيه النبات، والماء، والمعادن، وغير ذلك.

فإن قيل: قد نرى بعض ما على الأرض سمجا وليس بزينة.

فالجواب: أنا إن قلنا: إن المراد [به] شيء مخصوص، فالمعنى: إنا جعلنا بعض ما على الأرض زينة لها، فخرج مخرج العموم، ومعناه الخصوص.

وإن قلنا: هم الرجال أو العلماء، فلعبادتهم أو لدلالتهم على خالقهم.

وإن قلنا: النبات والشجر، فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية.

وإن قلنا: إنه عام في كل ما عليها، فلكونه دالا على خالقه، فكأنه زينة الأرض من هذه الجهة. قوله تعالى:

{لِنَبْلُوَهُمْ} أي: لنختبر الخلق، والمعنى: لنعاملهم معاملة المبتلى. قال ابن الأنباري: من قال: إن ما على الأرض يعني به النبات، قال: الهاء والميم ترجع إلى سكان الأرض المشاهدين للزينة، ومن قال: ما على الأرض الرجال، رد الهاء والميم على ما لأنها بتأويل الجميع، ومعنى الآية: لنبلوهم فنرى أيهم أحسن عملاً، هذا، أم هذا. قال الحسن: أيهم أزهد في الدنيا. وقد ذكرنا في هذه الآية أربعة أقوال في [سورة هود: ٧]. ثم أعلم الخلق أنه يفني جميع ذلك، فقال تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً} قال الزجاج: الصعيد: الطريق الذي لا نبات فيه. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الصعيد: التراب، ووجه الأرض. فأما الجرز، فقال الفراء: أهل الحجاز يقولون: أرض جُرُز، وجَرْز. وأسد تقول: جَرَز، وجُرُز، وتميم تقول: أرض جُرْز، وجَرْز، وبالتخفيف، وقال أبو عبيدة: الصعيد الجرز: الغليظ الذي لا ينبت شيئا ويقال للسنة المجدبة: جرز، وسنون أجراز، لجدوبتها، وقلة مطرها، وأنشد:

قد جرفتهن السنون الأجراز

وقال الزجاج:الجرز: الأرض التي لا ينبت فيها شيء، كأنها تأكل النبت أكلاً. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الجرز: [الأرض] التي لا يبقى بها نبات، تحرق كل نبات يكون بها. وقال المفسرون: وهذا يكون يوم القيامة، يجعل اللّه الأرض مستوية لا نبات فيها ولا ماء.

٩

انظر تفسير الآية:١٢

١٠

انظر تفسير الآية:١٢

١١

انظر تفسير الآية:١٢

١٢

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ} نزلت على سبب قد ذكرناه عند قوله تعالى: {وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ} [الاسراء: ٨٥] وقال ابن قتيبة: ومعنى أم حسبت: أحسبت. فأما الكهف فقال المفسرون: هو المغارة في الجبل، إلا أنه واسع، فاذا صغر، فهو غار. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: الكهف بمنزلة الغار في الجبل.

فأما الرقيم، ففيه ستة أقوال.

احدها: أنه لوح من رصاص كانت فيه أسماء الفتية مكتوبة ليعلم من اطلع عليهم يوما من الدهر ما قصتهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية. وقال السدي: الرقيم: صخرة كتب فيها أسماء الفتية، وجعلت في سور المدينة. وقال مقاتل: الرقيم: كتاب كتبه رجلان صالحان، وكانا يكتمان إيمانهما من الملك الذي فر منه الفتية، كتبا أمر الفتية في لوح من رصاص، ثم جعلاه في تابوت من نحاس، ثم جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف، فقالا: لعل اللّه أن يطلع على هؤلاء الفتية أحداً، فيعلمون أمرهم إذا قرؤوا الكتاب. وقال الفراء: كتب في اللوح أسماؤهم: وأنسابهم، ودينهم، وممن كانوا. قال أبو عبيدة: وابن قتيبة: الرقيم: الكتاب، وهو فعيل بمعنى مفعول، ومنه: كتاب مرقوم، أي: مكتوب.

والثاني: أنه اسم القرية ألتي خرجوا منها، قاله كعب.

والثالث: اسم الجبل، قاله الحسن، وعطية.

والرابع: أن الرقيم: الدواة بلسان الروم، قاله عكرمة ومجاهد في رواية.

والخامس: اسم الكلب، قاله سعيد بن جبير.

والسادس: اسم الوادي الذي فيه الكهف، قاله قتادة، والضحاك. قوله تعالى:

{كَانُواْ مِنْ ءايَـٰتِنَا عَجَبًا} قال المفسرون: معنى الكلام: أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا؟ٰ قد كان في آياتنا ما هو أعجب منهم، فان خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم وقال ابن عباس الذي آتيتك من الكتاب والسنة والعلم، أفضل من شأنهم. قوله تعالى:

{إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ} قال الزجاج: معنى: أووا إليه، صاروا إليه، وجعلوه مأواهم. والفتية: جمع فتى، مثل غلام وغلمة، وصبي وصبية. وفعلة من أسماء الجمع، وليس ببناء يقاس عليه؛ لا يجوز غُراب وغَرِبَة، ولا غني وغنية. وقال بعض المفسرين: الفتية: بمعنى الشبان. وقد ذكرنا عن القتيبي أن الفتى: بمعنى الكامل من الرجال، وبيناه في قوله تعالى: {مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} [النساء: ٢٥] قوله تعالى:

{فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ} أي: من عندك {رَحْمَةً} أي: رزقا {وَهَيّىء لَنَا} أي: أصلح لنا {مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي: أرشدنا إلى ما يقربنا منك. والمعنى: هيىء لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد. والُّرشد والَّرشد، والرشاد: نقيض الضلال. تلخيص قصة أصحاب الكهف.

اختلف العلماء في بدو أمرهم، وسبب مصيرهم الى الكهف، على ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم هربوا ليلا من ملكهم حين دعاهم إلى عبادة الأصنام، فمروا براع له كلب، فتبعهم على دينهم، فأووا الى الكهف يتعبدون، ورجل منهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة، إلى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكروا، فبكوا وتعوذوا باللّه من الفتنة، فضرب اللّه تعالى على آذانهم، وأمر الملك فسد عليهم الكهف، وهو يظنهم أيقاظاً، وقد توفى اللّه أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم قد غشيه ما غشيهم. ثم إن رجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس في البنيان، وقالا: لعل اللّه يطلع عليهم قوما مؤمنين، فيعلمون خبرهم، هذا قول ابن عباس. وقال عبيد بن عمير: فقدهم قومهم فطلبوهم، فعمّى اللّه عليهم أمرهم، فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا، في سنة كذا، في مملكة فلان، ووضعوا اللوح في خزانة الملك، وقالوا: ليكونن لهذا شأن.

والثاني: أن أحد الحواريين جاء الى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له، فكره أن يدخلها، فأتى حماما قريبا من المدينة، فكان يعمل فيه بالأجر، وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة، فآمنوا به وصدقوه، حتى جاء ابن الملك يوما بامرأة، فدخل معها الحمام، فأنكر عليه الحواري ذلك، فسبه ودخل، فمات وماتت المرأة في الحمام، فأتى الملك، فقيل له: إن صاحب الحمام قتل ابنك،

فالتمس فهرب، فقال: من كان يصحبه؟ فسمي له الفتية، فالتمسوا فخرجوا من المدينة، فمروا على صاحب لهم في زرع، وهو على مثل أمرهم، فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه فقالوا: نبيت هاهنا، ثم نصبح ان شاء اللّه فترون رأيكم، فضرب اللّه على آذانهم فناموا؛ وخرج الملك، وأصحابه يتبعونهم، فوجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل الكهف ارعب، فقال قائل للملك: أليس قلت: إن قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى، قال: فابن عليهم باب الكهف حتى يموتوا جوعا وعطشا، ففعل، هذا قول وهب بن منبه.

والثالث: أنهم كانوا أبناء عظماء المدينة وأشرافهم، خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد، فقال رجل منهم، هو اسنهم: إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحداً يجده، فقالوا: ما تجد؟ قال: أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض، فقاموا جميعا فقالوا: ربنا رب السموات والأرض، فأجمعوا أن يدخلوا الكهف، فدخلوا، فلبثوا ما شاء اللّه، هذا قول مجاهد. وقال قتادة: كانوا أبناء ملوك الروم، فتفردوا بدينهم في الكهف، فضرب اللّه على آذانهم. فصل فأما سبب بعث أصحاب الكهف من نومهم، فقال عكرمة: جاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، فاختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: يبعث الروح والجسد.

وقال قائل: يبعث الروح وحده، والجسد تأكله الأرض فلا يكون شيئا، فشق اختلافهم على الملك، فانطلق فلبس المسوح، وقعد على الرماد، ودعا اللّه أن يبعث لهم آية تبين لهم، فبعث اللّه أصحاب الكهف. وقال وهب ابن منبه: جاء راع قد أدركه المطر الى الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف، وأدخلته غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، ورد اللّه اليهم أرواحهم حين أصبحوا من الغد.

وقال ابن السائب: احتاج صاحب الأرض التي فيها الكهف أن يبني حظيرة لغنمه، فهدم ذلك السد، فبنى به، فانفتح باب الكهف. وقال ابن اسحاق: ألقى اللّه في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة، فنزعاها، وفتحا باب الكهف، فجلسوا فرحين، فسلم بعضهم على بعض لا يرون في وجوهم ولا أجسادهم شيئا يكرهونه، إنما هم على هيئتين حيث رقدوا وهم يرون أن ملكهم في طلبهم، فصلوا وقالوا ليمليخا صاحب نفقتهم: انطلق فاستمع، ما نذكر به، وابتغ لنا طعاما، فوضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وخرج فرأى الحجارة قد نزعت عن باب الكهف، فعجب، ثم مر مستخفيا متخوفا أن يراه أحد فيذهب به الى الملك،فلما رأى باب المدينة رأى عليه علامة تكون لأهل الإيمان، فعجب وخيل إليه أنها ليست بالمدينة التي يعرف، ورأى ناسا لا يعرفهم، فجعل يتعجب ويقول: لعلي نائم؛ فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عيسى، فقام مسندا ظهره إلى جدار، وقال في نفسه: واللّه ما أدري ما هذا، عشية أمس لم يكن [وجه] الأرض من يذكر عيسى إلا قتل، واليوم أسمعهم يذكرونه، لعل هذه ليست المدينة التي أعرف، واللّه ما أعرف مدينة قرب مدينتنا، فقام كالحيران، وأخرج ورقا فأعطاه رجلا وقال: بعني طعاما، فنظر الرجل إلى نقشه فعجب، ثم ألقاه إلى آخر، فجعلوا يتطارحونه بينهم، ويتعجبون، ويتشاورون، وقالوا: إن هذا قد أصاب كنزا، ففرق منهم، وظنهم قد عرفوه، فقال: أمسكوا طعامكم فلا حاجة بي إليه، فقالوا له: من أنت يا فتى؟ واللّه لقد وجدت كنزا وأنت تريد أن تخفيه، شاركنا فيه وإلا أتينا بك إلى السلطان فيقتلك، فلم يدر ما يقول، فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول: فرق بيني وبين إخوتي، يا ليتهم يعلمون ما لقيت، فأتوا به إلى رجلين كانا يدبران أمر المدينة، فقالا: أين الكنز الذي وجدت؟ قال: ما وجدت كنزا، ولكن هذه ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن واللّه ما أدري ما شأني، ولا ما أقول لكم، قال مجاهد: وكان ورق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل، فقالوا: من أنت، وما اسم أبيك؟ فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه، فقال له احدهما: أتظن أنك تسخر منا وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار؟ٰ إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز، فقال يمليخا: أنبؤني عن شيء أسالكم عنه، فان فعلتم صدقتكم، قالوا: سل، قال: ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا: لا نعرف اليوم على وجه الارض ملكا يسمى دقيانوس، وإنما هذا ملك كان منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فقال: واللّه ما يصدقني أحد بما أقوله، لقد كنا فتية، وأكرهنا الملك على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت، فهربنا منه عشية أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاماً، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فانطلقوا معه وسائر أهل المدينة، وكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ، فبينما هم يتخوفون ذلك، إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل، فظنوا أنهم رسل دقيانوس، فقاموا إلى الصلاة، وسلم بعضهم على بعض، فسبق يمليخا إليهم وهو يبكي، فبكوا معه، وسألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره، وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر اللّه تعالى، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث؛ ونظر الناس في المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم، فعجبوا، وأرسلوا إلى ملكهم، فجاء، واعتنق القوم، وبكى، فقالوا له: نستودعك اللّه ونقرأ عليك السلام، حفظك اللّه، وحفظ ملكك، فبينا الملك قائم، رجعوا إلى مضاجعهم، وتوفى اللّه عز وجل أنفسهم، فأمر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب، فلما أمسوا رآهم في المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب وفضة، ولكن خلقنا من تراب، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا اللّه عز وجل منه، وحجبهم اللّه عز وجل حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم، وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجد يصلى فيه، وجعل لهم عيداً عظيما يؤتى كل سنة. وقيل: إنه لما جاء يمليخا ومعه الناس، قال دعوني أدخل إلى أصحابي فأبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم، فدخل فبشرهم، وقبض اللّه روحه وأرواحهم، فدخل الناس، فاذا أجساد لا ينكرون منها شيئاً، غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آية بعثها اللّه لكم. قوله تعالى:

{فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ} قال الزجاج: المعنى: أنمناهم ومنعناهم السمع، لأن النائم إذا سمع انتبه.

و{عَدَدًا} منصوب على ضربين.

احدهما: على المصدر، المعنى تعد عدداً.

والثاني: أن يكون نعتا للسنين، المعنى: سنين ذات عدد، والفائدة في ذكر العدد في الشيء المعدود، توكيد كثرة الشيء، لأنه إذا قل فهم مقداره، وإذا كثر احتيج الى أن يعد العدد الكثير. {ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ} من نومهم، يقال لكل من خرج من الموت إلى الحياة، أو من النوم إلى الانتباه: مبعوث، لأنه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التصرف والانبعاث.

وقيل: معنى {سِنِينَ عَدَدًا}: أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام، إنما هي كاملة، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} قال المفسرون: أي: لنرى. وقال بعضهم: المعنى: لتعلموا أنتم. وقرأ أبو الجوزاء: وأبو عمران، والنخعي: ليعلم بضم الياء، على ما لم يسم فاعله أي الحزبين، ويعني بالحزبين: المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف.

{أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ} أي: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أو هؤلاء، فكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم، فبعثهم اللّه ليبين ذلك ويظهر. قال قتادة: لم يكن للفريقين علم بلبثهم، لا لمؤمنيهم، ولا لكافريهم.قال مقاتل: لما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث. وقال القاضي أبو يعلى: معنى الكلام: بعثناهم ليظهر المعلوم في اختلاف الحزبين في مدة لبثهم، لما في ذلك من العبرة.

١٣

انظر تفسير الآية:١٥

١٤

انظر تفسير الآية:١٥

١٥

قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم} أي: خبر الفتية {بِٱلْحَقّ} أي: بالصدق. قوله تعالى:

{وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى} أي: ثبتناهم على الإيمان، {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ} أي: ألهمناها الصبر {إِذْ قَامُواْ} بين يدي ملكهم دقيانوس {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} وذلك أنه كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، فعصم اللّه هؤلاء حتى عصوا ملكهم. وقال الحسن: قاموا في قومهم فدعوهم الى التوحيد.

وقيل: هذا قولهم بينهم لما اجتمعوا خارج المدينة على ما ذكرنا في أول القصة. فأما الشطط، فهو الجور. قال الزجاج: يقال: شط الرجل، وأشطّ: إذا جار.

ثم قال الفتية: {هَـؤُلاء قَوْمُنَا} يعنون الذين كانوا في زمن دقيانوس

{ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} أي: عبدوا الأصنام {لَوْلاَ} أي: هلا {يَأْتُونَ عَلَيْهِم} أي: على عبادة الأصنام {بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ} أي: بحجة. وإنما قال: عليهم والأصنام مؤنثة، لأن الكفار نحلوها العقل والتمييز، فجرت مجرى المذكرين من الناس. قوله تعالى:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللّه كَذِبًا} فزعم أن له شريكا؟ٰ

١٦

انظر تفسير الآية:١٧

١٧

قوله تعالى: {وَإِذْ} قال ابن عباس: هذا [قول] يمليخا، وهو رئيس أصحاب الكهف، قال لهم: وإذ اعتزلتموهم، أي: فارقتموهم، يريد: عبدة الأصنام،

{ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللّه} فيه قولان.

احدهما: واعتزلتم ما يعبدون، إلا اللّه، فان القوم كانوا يعبدون اللّه ويعبدون معه آلهة، فاعتزل الفتية عبادة الآلهة، ولم يعتزلوا عبادة اللّه، هذا قول عطاء الخراساني، والفراء.

والثاني: وما يعبدون غير اللّه؛ قال قتادة: هي في مصحف عبد اللّه: وما يعبدون من دون اللّه، وهذا تفسيرها. قوله تعالى:

{فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ} أي: اجعلوه مأواكم، {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ} أي: يبسط عليكم من رزقه، {وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: مرفقا بكسر الميم، وفتح الفاء، وقرأ نافع، وابن عامر: مرفقا بفتح الميم، وكسرالفاء. قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء، في كل مرفق ارتفقت به، ويكسرون مرفق الإنسان، والعرب قد يكسرون الميم منهما جميعا. قال ابن الأنباري: معنى الآية: ويهيىء لكم بدلا من أمركم الصعب مرفقا،

قال الشاعر:

فليت لنا من ماء زمزم شربة  مبردة باتت على طهيان

معناه: فليت لنا بدلا من ماء زمزم. قال ابن عباس: ويهيىء لكم: يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ويأتكم باليسر والرفق واللطف. قوله تعالى:

{وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} المعنى: لو رأيتها لرأيت ما وصفنا. {تَّزَاوَرُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: تزاور بتشديد الزاي. وقرأ عاصم،وحمزة، والكسائي: تزاور خفيفة. وقرأ ابن عامر: تزور مثل: تحمر. وقرأ أبي بن كعب، وأبو مجلز، وأبو رجاء والجحدري: تزوار باسكان الزاي، وبألف ممدودة بعد الواو من غير همزة، مشددة الراء. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل، وابن السميفع: تزوئر بهمزة قبل الراء، مثل: تزوعر. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو السماك: تزور بفتح التاء والزاي وتشديد الواو المفتوحة خفيفة الراء، مثل: تكور، أي: تميل وتعدل. قال الزجاج: أصل تزاور: تتزاور، فأدغمت التاء في الزاي،

و{تَّقْرِضُهُمْ} أي: تعدل عنهم وتتركهم، وقال: ذو الرمة: إلى طغن يقرضن أجواز مشرف  شمالا وعن أيمانهن الفوراس يقرضن: يتركن. وأصل القرض: القطع والتفرقة بين الأشياء، ومنه قولك: أقرضني درهما، أي: اقطع لي من مالك درهما.

قال المفسرون: كان كهفهم بازاء بنات نعش في أرض الروم، فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم. ثم أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء، فقال:

{وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} قال أبو عبيدة: أي: [في] متسع، والجميع: فجوات، وفجاء بكسر الفاء. وقال الزجاج: إنما. صرف الشمس عنهم آية من الآيات، ولم يرض قول من قال: كان كهفهم بازاء بنت نعش. قوله تعالى:

{ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللّه} يشير الى ماصنعه بهم من اللطف في هدايتهم، وصرف أذى الشمس عنهم، والرعب الذي ألقى علهم حتى لم يقدر الملك الظالم ولا غيره على أذاهم. من آيات اللّه أي: من دلائله على قدرته ولطفه.

{مَن يَهْدِ ٱللّه فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ} هذا بيان أنه هو الذي تولى هداية القوم، ولولا ذلك لم يهتدوا.

١٨

قوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظا} أي: لو رأيتهم لحسبتهم أيقاظا. قال الزجاج: الأيقاظ: المنتبهون، واحدهم: يقظ، ويقظان، والجميع: أيقاظ؛ والرقود: النيام. قال الفراء: واحد الأيقاظ: يقظ، ويقظ. قال ابن السائب: وإنما يحسبون أيقاظا، لأن أعينهم مفتحة وهم نيام. وقيل: لتقلبهم يمينا وشمالا. وذكر بعض أهل العلم: أن وجه الحكمة في فتح أعينهم، أنه لو دام طبقها لذابت. قوله تعالى:

{وَنُقَلّبُهُمْ} وقرأ أبو رجاء: وتقلبهم بتاء مفتوحة، وسكون القاف، وتخفيف اللام المكسورة. وقرأ ابو الجوزاء، وعكرمة: ونقلبهم مثلها، إلا أنه بالنون.

{ذَاتَ ٱلْيَمِينِ} أي: على أيمانهم وعلى شمائلهم. قال ابن عباس: كانوا يقلبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على هذا الجنب، وستة أشهر على هذا الجنب، لئلا تأكل الأرض لحومهم. وقال مجاهد: كانوا ثلاثمائة عام على شق واحد، ثم قلبوا تسع سنين. قوله تعالى:

{وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ} أخبر أن الكلب كان على مثل حالهم في النوم، وهو في رأي العين منتبه.

وفي الوصيد أربعة أقوال.

احدها: أنه الفناء فناء الكهف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والفراء. قال الفراء: يقال: الوصيد والأصيد لغتان، مثل الإكفاف والوكاف. وأرخت الكتاب وورخت، ووكدت الأمر وأكدت؛ وأهل الحجاز يقولون: الوصيد، وأهل نجد يقولون: الأصيد، وهو: الحظيرة والفناء.

والثاني: أنه الباب، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي. وقال ابن قتيبة: فيكون المعنى: وكلبهم باسط ذارعيه بالباب،

قال الشاعر:

بأرض فضاء لا يسد وصيدها  عليّ ومعروفي بها غير منكر

والثالث: أنه الصعيد، وهو التراب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد في رواية عنهما.

والرابع: أنه عتبة الباب، قاله عطاء. قال ابن قتيبة: وهذا أعجب إلي، لأنهم يقولون: أوصد بابك، أي: أغلقه، ومنه قوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} [الهمزة: ٨]، أي: مطبقة مغلقة، وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته، ومما يوضح هذا أنك إذا جعلت الكلب بالفناء، كان خارجاً من الكهف، وإن جعلته بعتبة الباب، أمكن أن يكون داخل الكهف، والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة، فإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت، فاستعير. قوله تعالى:

{لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} [وقرأ الأعمش، وأبو حصين: لو أطلعت بضم الواو] {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} رهبة لهم {وَلَمُلِئْتَ} قرأ عاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: ولملئت خفيفة مهموزة. وقرأ ابن كثير، ونافع: ولملئت مشددة مهموزة، {رُعْبًا} [أي]: فزعاً وخوفاً، وذلك أن اللّه تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل إليهم أحد. وقيل: إنهم طالت شعورهم وأظفارهم جداً، فلذلك كان الرائي لهم لو رآهم هرب مرعوباً، حكاه الزجاج.

١٩

انظر تفسير الآية:٢٠

٢٠

قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ} أي: وكما فعلنا بهم ما ذكرنا، بعثناهم من تلك النومة {لِيَتَسَاءلُوا} أي: ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم، فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبرين بحالهم. {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ} أي: كم مر علينا منذ دخلنا هذا الكهف؟

{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وذلك أنهم دخلوا غدوة، وبعثهم اللّه في آخر النهار، فلذلك قالوا: {يَوْماً} فلما رأوا الشمس قالوا: أو بعض يوم

{قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} قال ابن عباس: القائل لهذا يمليخا رئيسهم، رد علم ذلك إلى اللّه تعالى.

وقال في رواية أخرى: إنما قاله مكسلمينا، وهو أكبرهم. قال أبو سليمان: وهذا يوجب أن تكون نفوسهم قد حدثتهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا. وقيل: إنما قالوا ذلك لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جداً. قوله تعالى:

{فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ} قال ابن الأنباري: إنما قال: أحدكم، ولم يقل: واحد كم لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظم، فإن العرب تقول: رأيت أحد القوم، ولا يقولون: رأيت واحد القوم، إلا إذا أرادوا المعظم، فأراد بأحدهم: بعضهم، ولم يرد شريفهم. قوله تعالى:

{بِوَرِقِكُمْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: بورقكم الراء مكسورة خفيفة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: ساكنة الراء. وعن أبي عمرو بورقكم مدغمة يشمها شيئاً من التثقيل؛ قال الزجاج: تصير كافاً خالصة. قال الفراء: الورق لغة أهل الحجاز، وتميم يقولون: الورق، وبعض العرب يكسرون الواو، فيقولون: الورق. قال ابن قتيبة. الورق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم، يدلك على ذلك حديث عرفجة أنه اتخذ أنفاً من ورق. قوله تعالى:

{إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ} يعنون التي خرجوا منها، واسمها دقسوس، ويقال: هي اليوم طرسوس. قوله تعالى:

{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا} قال الزجاج: المعنى: أي أهلها

{أَزْكَىٰ طَعَامًا} وللمفسرين في معناه ستة أقوال.

احدها: أحل ذبيحة؛ قاله ابن عباس، وعطاء، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفاراً، فكانوا يذبحون للطواغيت، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم.

والثاني: أحل طعاماً قاله سعيد بن جبير؛ قال الضحاك: وكانت أكثر أموالهم غصوباً. وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم لا تبتع طعاماً فيه ظلم ولا غصب.

والثالث: أكثر، قاله عكرمة.

والرابع: خير، أي: أجود، قاله قتادة.

والخامس: أطيب، قاله ابن السائب، ومقاتل.

والسادس: أرخص، قاله يمان بن رياب. قال ابن قتيبة: وأصل الزكاء: النماء والزيادة. قوله تعالى:

{فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ} أي: بما تأكلونه. {وَلْيَتَلَطَّفْ} أي: ليدقق النظر فيه، وليحتل لئلا يطلع عليه. {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ} أي: ولا يخبرن أحداً بمكانكم.

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ} أي: يطلعوا ويشرفوا عليكم،

{يَرْجُمُوكُمْ} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: يقتلوكم، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: يقتلوكم بالرجم.

والثاني: يرجموكم بأيديهم، استنكاراً لكم، قاله الحسن.

والثالث: بألسنتهم شتماً لكم؛ قاله مجاهد، وابن جريج. قوله تعالى:

{أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ} أي: يردوكم في دينهم،

{وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} أي: إن رجعتم في دينهم، لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة.

٢١

قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أي: وكما أنمناهم وبعثناهم، أطلعنا وأظهرنا عليهم. قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن من عثر بشيء وهو غافل، نظر اليه حتى يعرفه، فاستعير العثار مكان التبين والظهور، ومنه قول الناس: ما عثرت على فلان بسوء قط، أي: ما ظهرت على ذلك منه. قوله تعالى:

{لِيَعْلَمُواْ} في المشار إليهم بهذا العلم قولان.

احدهما: أنهم أهل بلدهم حين اختصموا في البعث، فبعث اللّه أهل الكهف ليعلموا {إِنَّ وَعْدَ ٱللّه} بالبعث والجزاء {حَقّ} وأن القيامة لا شك فيها، هذا قول الأكثرين.

والثاني: أنهم أهل الكهف بعثناهم ليروا بعد علمهم أن وعد اللّه حق، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{إِذْ يَتَنَـٰزَعُونَ} يعني: أهل ذلك الزمان. قال ابن الأنباري: المعنى: إذ كانوا يتنازعون، ويجوز أن يكون المعنى: إذ تنازعوا.

وفي ما تنازعوا فيه خمسة أقوال.

احدها: أنهم تنازعوا في البنيان، والمسجد. فقال المسلمون: نبني عليهم مسجداً، لأنهم على ديننا؛ وقال المشركون: نبني عليهم بنياناً، لأنهم من أهل سنتنا، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم تنازعوا في البعث، فقال المسلمون: تبعث الأجساد والأرواح، وقال بعضهم: تبعث الأرواح دون الأجساد، فأراهم اللّه تعالى بعث الأرواح والأجساد ببعثه أهل الكهف، قاله عكرمة.

والثالث: أنهم تنازعوا ما يصنعون بالفتية، قاله مقاتل.

والرابع: أنهم تنازعوا في قدر مكثهم.

والخامس: تنازعوا في عددهم، ذكرهما الثعلبي. قوله تعالى:

{ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَـٰنًا} أي: استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان.

وفي القائلين لهذا قولان.

احدهما: أنهم مشركو ذلك الزمان، وقد ذكرناه عن ابن عباس.

والثاني: أنهم الذين أسلموا حين رأوا أهل الكهف، قاله ابن السائب. قوله تعالى:

{قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ} قال ابن قتيبة:يعني المطاعين والرؤساء،

قال المفسرون: وهم الملك وأصحابه المؤمنون أتخذوا عليهم مسجدا. قال سعيد بن جبير: بني عليهم الملك بيعه.

٢٢

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٤

قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَـٰثَةٌ} قال الزجاج: ثلاثة مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين تنازعوا في أمرهم [هم] ثلاثة.

وفي هؤلاء القائلين قولان.

احدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في عدة أهل الكهف، فقالت الملكية: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي. قوله تعالى:

{رَجْماً بِٱلْغَيْبِ} أي: ظنا غير يقين، قال زهير: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم  وما هو عنها بالحديث المرجّم فأما دخول الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال.

احدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج.

والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل، وإنما حذفت تخفيفا، ذكره أبو نصر في شرح اللمع.

والثالث: أن دخولها يدل على انقطاع القصة، وان الكلام قد تم، ذكره الزجاج أيضاً، وهو قول مقاتل بن سليمان، فان الواو تدل على تمام الكلام قبلها، واستئناف ما بعدها؛ قال الثعلبي: فهذه واو الحكم والتحقيق، كأن اللّه تعالى حكى اختلافهم، فتم الكلام عند قوله: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ}، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم. وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى: هم سبعة، فحقق اللّه قول المسلمين.

والرابع:أن العرب تعطف بالواو على السبعة، فيقولون: ستة، سبعة، وثمانية، لأن العقد عندهم سبعة، كقوله: {ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ} إلى أن قال في الصفة الثامنة:

{وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ} [التوبة: ١١٢]، وقوله في صفة الجنة:

{وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا} وفي صفة النار: {فُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا} [الزمر: ٧١ـ٧٣]، لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية، ذكر هذا المعنى أبو اسحاق الثعلبي.

وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين.

احدهما: أنهم كانوا سبعة قاله ابن عباس.

والثاني: ثمانية، قاله ابن جريج، وابن اسحاق. وقال ابن الأنباري: وقيل: معنى قوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}: صاحب كلبهم، كما يقال: السخاء حاتم، والشعر زهير، أي: السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير، وأما أسماؤهم، فقال هشيم:

مكسلمينا، ويمليخا، وطرينوس، وسدينوس، وسرينوس، ونواسس، ويرانوس، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أطل به.

واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال.

احدها: أنه كان لراع مروا به فتبعهم الراعي والكلب، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه كان لهم يتصيدون عليه، قاله عبيد بن عمير.

والثالث: أنهم مروا بكلب فتبعهم، فطردوه، فعاد، ففعلوا ذلك به مراراً، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟ٰ لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباء اللّه، فناموا حتى أحرسكم، قاله كعب الأحبار.

وفي اسم كلبهم أربعة أقوال.

احدها: قطمير، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: اسمه الرقيم، وقد ذكرناه عن سعيد بن جبير.

والثالث: قطمور، قاله عبد اللّه بن كثير.

والرابع: حمران، قاله شعيب الجبائي. وفي صفته ثلاثة أقوال.

احدها: أحمر، حكاه الثوري.

والثاني: أصفر، حكاه ابن اسحاق.

والثالث: أحمر الرأس، أسود الظهر، أبيض البطن، أبلق الذنب، ذكره ابن السائب. قوله تعالى:

{رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} حرك الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. قوله تعالى:

{مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} أي: ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس. قال عطاء: يعني بالقليل: أهل الكتاب. قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، هم سبعة، إن اللّه عدهم حتى أنتهى إلى السبعة. قوله تعالى:

{فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظَـٰهِرًا} قال ابن عباس، وقتادة: لا تمار أحداً، حسبك ما قصصت عليك من أمرهم. وقال ابن زيد: لا تمار في عدتهم إلا مراء ظاهراً أن تقول لهم:ليس كما تقولون، ليس كما تعلمون.

وقيل: إلا مراء ظاهراً بحجة واضحة، حكاه الماوردي. والمراء في اللغة: الجدال؛ يقال: مارى يماري مماراة ومراء، أي: جادل. قال ابن الأنباري: معنى الآية: لا تجادل إلا جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر، إذ اللّه تعالى ألقى إليك مالا يشوبه باطل. وتفسير المراء في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مريت الشاة: إذا استخرجت لبنها. قوله تعالى:

{وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} أي: في أصحاب الكهف، {مِنْهُمْ} قال ابن عباس: يعني: من أهل الكتاب. قال الفراء: أتاه فريقان من النصارى، نسطوري، ويعقوبي، فسألهم النبي صلى اللّه عليه وسلم عن عددهم، فنهي عن ذلك. قوله تعالى:

{ٱللّه} سبب نزولها أن قريشا سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذي القرنين، وعن الروح، وعن أصحاب الكهف، فقال: غداً أخبركم بذلك، ولم يقل: إن شاء اللّه، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوماً لتركه الاستثناء، فشق ذلك عليه، ثم نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. ومعنى الكلام: ولا تقولن لشيء: إني فاعل ذلك غداً، إلا أن تقول: إن شاء اللّه، فحذف القول. قوله تعالى:

{وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} قال ابن الأنباري: معناه: واذكر ربك بعد تقضي النسيان، كما تقول: أذكر لعبد اللّه ـ إذا صلى ـ حاجتك، أي: بعد انقضاء الصلاة.

وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال.

احدها: أن المعنى: إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت، فقل: إن شاء اللّه، ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة، قاله سعيد بن جبير، والجمهور.

والثاني: أن معنى إذا نسيت: إذا غضبت، قاله عكرمة، قال ابن الأنباري: وليس ببعيد، لأن الغضب ينتج النسيان.

والثالث: إذا نسيت الشيء فاذكر اللّه ليذكرك إياه، حكاه الماوردي. فصل وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إذا لم يفعل ما حلف عليه، كقوله في قصة موسى: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللّه صَابِرًا} [الكهف: ٧٠]، ولم يصبر، فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه. ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والعتاق، وأنه إذا قال: أنت طالق إن شاء اللّه، وأنت حر إن شاء اللّه، أن ذلك يقع، وهو قول مالك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقع شيء من ذلك. وأما اليمين باللّه تعالى؛ فإن الاستثناء فيها يصح، بخلاف الطلاق، وكذلك الاستثناء في كل ما يكفر، كالظهار، والنذر، لأن الطلاق والعتاق لفظه لفظ إيقاع،وإذا علق به المشيئة، علمنا وجودها، لوجود لفظ الإيقاع من جهته، بخلاف سائر الأيمان، لأنها ليست بموجبات للحكم، وإنما تتعلق بأفعال مستقبلة.

وقد اختلف في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال.

احدها: أنه لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام، وقد روي عن أحمد نحو هذا، وبه قال أكثر الفقهاء.

والثاني: أنه يصح ما دام في المجلس، قاله الحسن وطاووس، وعن أحمد نحوه.

والثالث: أنه لو استثنى بعد سنة، جاز، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو العالية. وقال ابن جرير الطبري: الصواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه، فيقول: إن شاء اللّه، ليخرج بذلك مما ألزمه اللّه في هذه الآية، فيسقط عنه الحرج، فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال، إلا أن يكون الاستثناء موصولاً بيمينه، ومن قال: له ثنياه ولو بعد سنة، أراد سقوط الحرج الذي يلزمه بترك الاسثتناء دون الكفارة. قوله تعالى:

{وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِى رَبّى} قرأ نافع، وأبو عمرو: يهديني ربي بياء في الوصل [دون] الوقف. وقرأ ابن كثير بياء في الحالين. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في الحالين.

وفي معنى الكلام قولان.

احدهما: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف، ففعل اللّه له ذلك، وآتاه من علم غيوب المرسلين ما هو أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، هذا قول الزجاج.

والثاني: أن قريشا لما سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يخبرهم خبر أصحاب الكهف، قال: غداً أخبركم كما شرحنا في سبب نزول الآية، فقال اللّه تعالى له: {وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِى رَبّى} أي: عسى أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم، ويعجل لي من جهته الرشاد، هذا قول ابن الأنباري.

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٦

٢٦

قوله تعالى: {وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ * بِضْعَ سِنِينَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ثلاثمائة سنين منوناً. وقرأ حمزة، والكسائي: ثلاثمائمة سنين مضافاً غير منون. قال أبو علي: العدد المضاف إلى الآحاد قد جاء مضافاً الى الجميع،

قال الشاعر:

وما زودوني غير سحق عمامة  وخمسمىء منها قسي وزائف

وفي هذا الكلام قولان.

احدهما: أنه حكاية عما قال الناس في حقهم، وليس بمقدار لبثهم، قاله ابن عباس، واستدل عليه فقال: لو كانوا لبثوا ذلك، لما قال: {ٱللّه أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ}، وكذلك قال قتادة، وهذا قول أهل الكتاب.

والثاني: أنه مقدار ما لبثوا، قاله عبيد بن عمير، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد؛ والمعنى: لبثوا هذا القدر من يوم دخلوه إلى أن بعثهم اللّه وأطلع الخلق عليهم. قوله تعالى:

{سِنِينَ} قال الفراء، وأبو عبيدة، والكسائي، والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة. وقال ابن قتيبة: المعنى: أنها لم تكن شهوراً ولا أياماً، وإنما كانت سنين. وقال أبو علي الفارسي: سنين بدل من قوله: ثلاثمائة. قال الضحاك: نزلت: {وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ} فقالوا: أياماً، أو شهوراً، أو سنين؟ فنزلت: سنين فلذلك قال: سنين، ولم يقل: سنة. قوله تعالى:

{سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعًا} يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذكر السنين بما تقدم من ذكرها. ثم أعلم أنه أعلم بقدر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: {قُلِ ٱللّه أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة، فقد عرفناها، وأما التسع، فلا علم لنا بها، فنزل قوله تعالى:

{قُلِ ٱللّه أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} وقيل: إن أهل الكتاب قالوا: إن للفتية منذ دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد اللّه تعالى عليهم ذلك، وقال: قل اللّه أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم إلى يومكم هذا، لا يعلم ذلك غير اللّه.

وقيل: إنما زاد التسع، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي. قوله تعالى:

{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} فيه قولان.

احدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع اللّه به وأبصر، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إجماع العلماء.

والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أبصر بدين اللّه وأسمع، أي: بصر بهدى اللّه واسمع، فترجع الهاء إما على الهدى، وإما على اللّه عز وجل، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{مَا لَهُم مّن دُونِهِ} أي: ليس لأهل السموات والارض من دون اللّه من ناصر،

{وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا} ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكاً للّه عز وجل في حكمه. وقرأ ابن عامر: ولا تشرك جزماً بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإنسان.

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٨

قوله تعالى: {وَٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ} في هذه التلاوة قولان.

احدهما: أنها بمعنى القراءة.

والثاني: بمعنى الاتباع. فيكون المعنى على الأول: اقرأ القرآن، وعلى الثاني: اتبعه واعمل به. وقد شرحنا في سورة [الانعام: ١١٥] معنى {لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ}. قوله تعالى:

{وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} قال مجاهد، والفراء: ملجأ. وقال الزجاج: معدلاً عن أمره ونهيه. وقال غيرهم: موضعاً تميل إليه في الالتجاء. قوله تعالى:

{وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ} سبب نزولها أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول اللّه: لو أنك جلست في صدر المجلس، ونحيت هؤلاء عنا،ـ يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف ـ جلسنا اليك، وأخذنا عنك، فنزلت هذه الآية إلى قوله:

{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا}، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلتمسهم، حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون اللّه، قال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات. هذا قول سلمان الفارسي.

ومعنى قوله: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} أي: احبسها معهم على أداء الصلوات {بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ}. وقد فسرنا هذه الآية في [الأنعام: ٥٢] إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف؛ وكان عليه السلام حريصا على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريدا لزينة الدنيا قط، فأمر أن يجعل إقباله على فقراء المؤمنين. قوله تعالى:

{وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} سبب نزولها أن أمية بن خلف الجمحي، دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى طرد الفقراء عنه، وتقريب صناديد أهل مكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس. وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو عيينه وأشباهه. ومعنى أغفلنا قلبه: جعلناه غافلا. وقرأ أبو مجلز: من أغفلنا بفتح اللام، ورفع باء القلب. عن ذكرنا: عن التوحيد والقرآن والإسلام، {وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ} في الشرك.

{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} فيه أربعة أقوال.

احدها: أنه أفرط في قوله، لأنه قال: إن رؤوس مضر، وإن نسلم يسلم الناس بعدنا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: ضياعا، قاله مجاهد. وقال أبو عبيدة: سرفا وتضييعا.

والثالث: ندما، حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة.

والرابع: كان أمره التفريط، والتفريط: تقديم العجز، قاله الزجاج.

٢٩

قوله تعالى: {وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ} قال الزجاج: المعنى: وقل الذي أتيتكم به، الحق من ربكم. قوله تعالى:

{فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: فمن شاء اللّه فليؤمن، روي عن ابن عباس.

والثاني: أنه وعيد وإنذار، وليس بأمر، قاله الزجاج.

والثالث: أن معناه لا تنفعون اللّه بإيمانكم، ولا تضرونه بكفركم، قاله الماوردي. وقال بعضهم: هذا إظهار للغنى، لا إطلاق في الكفر. قوله تعالى:

{إِنَّا أَعْتَدْنَا} أي: هيأنا وأعددنا، وقد شرحناه في قوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ} [يوسف ٣١] فأما الظالمون، فقال المفسرون: هم الكافرون. وأما السرادق، فقال الزجاج: السرادق: كل ما أحاط بشيء، نحو الشقة في المضرب، أو الحائط المشتمل على الشيء. وقال ابن قتيبة: السرادق: الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السرادق فارسي معرب، وأصله بالفارسية سرادار، وهو الدهليز، قال الفرزدق:

تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم  تركت لهم قبل الضراب السرادقا

وفي المراد بهذا السرادق قولان.

احدهما: أنه سرادق من نار، قاله ابن عباس. روى أبو سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه قال: لسرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار منها مسيرة أربعين سنة. وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس، قال: السرادق: لسان من النار، يخرج من النار فيحيط بهم حتى يفرغ من حسابهم.

والثاني: أنه دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الظل ذو ثلاث شعب الذي ذكره اللّه تعالى في [المرسلات: ٣٠] قاله ابن قتيبة. قوله تعالى:

{سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} أي: مما هم فيه من العذاب وشدة العطش

{يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ} وفيه سبعة أقوال.

احدها: أنه ماء غليظ كدردي الزيت، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: أنه كل شيء أذيب حتى أنماع، قاله ابن مسعود. وقال أبو عبيدة، والزجاج: كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص أو نحو ذلك، فهول مهل.

والثالث: قيح ودم أسود كعكر الزيت، قاله مجاهد.

والرابع: أنه الفضة والرصاص يذابان، روي عن مجاهد أيضاً.

والخامس: أنه الذي انتهى حرُّه، قاله سعيد بن جبير.

والسادس: [أنه] الصديد، ذكره ابن الأنباري. قال مغيث بن سمي: هذا الماء هو ما يسيل من عرق أهل الموقف في الآخرة وبكائهم، وما يجري منهم من دم وقيح، يسيل ذلك إلى واد في جهنم، فتطبخه جهنم، فيكون أول ما يغاث به أهل النار.

والسابع: أنه الرماد الذي ينفض عن الخبزة إذا خرجت من التنور، حكاه ابن الأنباري. قوله تعالى:

{يَشْوِى ٱلْوجُوهَ} قال المفسرون: إذا قربه اليه سقطت فروة وجهه فيه. ثم ذمه، فقال: {بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ} النار

{مُرْتَفَقًا} وفيه خمسة أقوال.

احدها: منزلاً، قاله ابن عباس.

والثاني: مجتمعا، قاله مجاهد.

والثالث: متكأ قاله أبو عبيدة، وأنشد لأبي ذؤيب:

إني أرقت فبت الليل مرتفقا  كأن عيني فيها الصاب مذبوح وذبحه: انفجاره؛ قال الزجاج: مرتفقا منصوب على التمييز؛ ومعنى مرتفقا: متكأ على المرفق.

والرابع: ساءت مجلساً؛ قاله ابن قتيبة.

والخامس: ساءت مطلبا للرفق، لأن من طلب رفقا من جهتها، عدمه، ذكره ابن الأنباري. ومعاني هذه الأقوال تتقارب. وأصل المرفق في اللغة: ما يرتفق به.

٣٠

انظر تفسير الآية:٣١

٣١

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ}

قال الزجاج: خبر إن هاهنا على ثلاثة أوجه.

احدها: أن يكون على إضمار: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} منهم، ولم يحتج إلى ذكر منهم لأن اللّه تعالى قد أعلمنا أنه محبط عمل غير المؤمنين.

والثاني: أن يكون خبر إن: {أُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}، فيكون قوله:

{إِنَّا لاَ نُضِيعُ} قد فصل به بين الأسم وخبره، لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول، لأن من أحسن عملا بمنزلة الذين آمنوا.

والثالث: أن يكون الخبر: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}؛ بمعنى: إنا لا نضيع أجرهم.

قال المفسرون: ومعنى {لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} أي: لا نترك أعماله تذهب ضياعا، بل نجازيه عليها بالثواب. فأما الأساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إسوار وسِوار وسُوار؛ فمن قال: إسوار، جمعه أساور، ومن قال: سِوار أو سُوار، جمعه أسورة، وقد يجوز أن يكون واحد أساورة وأساور: سوار؛ وقال الزجاج: الأساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، يقال: سوار اليد، بالكسر، وقد حكي: سوار.

قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان. على الرؤوس، جعل اللّه ذلك لأهل الجنة. قال سعيد بن جبير: يحلى كل واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحد من الذهب وواحد من لؤلؤ ويواقيت.فأما السندس والإستبرق، فقال ابن قتيبة: السندس: رقيق الديباج، والإستبرق ثخينه. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرب، قال الراجز: وليلة من الليالي حندس  لون حواشيها كلون السندس والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرب، وأصله استفره. وقال ابن دريد: استروه، ونقل من العجمية إلى العربية، فلوا حقر استبرق، أو كسر، لكان في التحقير أبيرق، وفي التكسير أبارق بحذف السين، والتاء جميعاً. قوله تعالى:

{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} الاتكاء: التحامل على الشيء. قال أبو عبيدة: والأرائك: الفرش في الحجال، ولا تكون الأريكة إلا بحجلة وسرير، وقال ابن قتيبة: الأرائك: السرر في الحجال، واحدها: أريكة. وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شوراه ومتاعه؛ قال ابن قتيبة: الشوار، مفتوح الشين، وهو متاع البيت. وقال الزجاج: الأرائك: الفرش في الحجال. قال: وقيل: إنها الفرش، وقيل: الأسرة، وهي على الحقيقة: الفرش كانت في حجال لهم.

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٣

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٥

انظر تفسير الآية:٣٦

٣٦

قوله تعالى: {وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} روى عطاء عن ابن عباس، قال: هما ابنا ملك كان في بني إسرائيل توفي وتركهما، فاتخذ احدهما الجنان والقصور، وكان الآخر زاهداً في الدنيا، فكان إذا عمل أخوه شيئا من زينة الدنيا، أخذ مثل ذلك فقدمه لآخرته، حتى نفد ماله، فضربهما اللّه عز وجل مثلاً للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة.

وروى أبوصالح عن ابن عباس: ان المسلم لما احتاج، تعرض لأخيه الكافر، فقال الكافر: أين ما ورثت عن أبيك؟ فقال: أنفقته في سبيل اللّه، فقال الكافر: لكني ابتعت به جناناً، وغنماً، وبقراً، واللّه لاأعطيتك شيئاً أبداً حتى تتبع ديني، ثم أخذ بيد المسلم فأدخله جنانه يطوف به فيها، ويرغبه في دينه. وقال مقاتل: اسم المؤمن يمليخا، واسم الكافر قرطس، وقيل: قطرس،

وقيل: هذا المثل ضرب لعيينة بن حصن وأصحابه، ولسلمان وأصحابه. قوله تعالى:

{وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} الحف: الإحاطة بالشيء، ومنه قوله:

{حَافّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥] والمعنى: جعلنا النخل مطيفاً بها. وقوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} إعلام أن عمارتهما كاملة. قوله تعالى:

{كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ اتَتْ أُكُلَهَا} قال الفراء: لم يقل: آتتا، لأن كلتا ثنتان لا تفرد واحدتهما، وأصله: كل، كما تقول للثلاثة: كل، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع، وجاز توحيده على مذهب كل، وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في كلتا، وكذلك فافعل ب كلا وكلتا وكل، إذا أضفتهن إلى معرفة وجاء الفعل بعدهن، فوحد واجمع، فمن التوحيد قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً} [مريم: ٩٦]، ومن الجمع: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دٰخِرِينَ} [النمل: ٨٧]، والعرب قد تفعل ذلك أيضاً في أي فيؤنثون ويذكرون، قال اللّه تعالى: {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤] ويجوز في الكلام بأيت أرض، وكذلك {مَا يُجَـٰدِلُ * صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} [الانفطار: ٨]، ويجوز في الكلام في أيت، قال الشاعر:

باي بلاء أم بأية نعمة  تقدم قبلي مسلم والمهلب

قال ابن الأنباري: كلتا وإن كان واقعاً في المعنى على اثنتين، فإن لفظه لفظ واحدة مؤنثة، فغلب اللفظ، ولم يستعمل المعنى ثقة بمعرفة المخاطب به؛ ومن العرب من يؤثر المعنى على اللفظ، فيقول: كلتا الجنتين آتتا أكلها، ويقول أخرون: كلتا الجنتين آتى أكله، لأن كلتا تفيد معنى كل، قال الشاعر:

وكلتاهما قد خط لي في صحيفتي  فلا الموت أهواه ولا العيش

أروح يعني: وكلهما قد خط لي، وقد قالت العرب: كلكم ذاهب، وكلكم ذاهبون. فوحدوا للفظ كل وجمعوا لتأويلها. وقال الزجاج: لم يقل آتتا، لأن لفظ كلتا لفظ واحدة، والمعنى: كل واحدة منهما آتت أكلها {وَلَمْ تَظْلِمِ} أي: لم تنقص {مّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَـٰلَهُمَا نَهَراً} فأعلمنا أن شربهما كان من ماء نهر، وهو من أغزر الشرب. وقال الفراء: إنما قال: فجرنا بالتشديد، وهو نهر واحد، لأن النهر يمتد، فكان التفجر فيه كله. قرأ أبو رزين، وأبو مجلز، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: وفجرنا بالتخفيف. وقرأ أبو مجلز، وأبو المتوكل: خللّهما. وقرأ أبو العالية، وأبو عمران: نهراً بسكون الهاء. قوله تعالى:

{وَكَانَ لَهُ} يعني للأخ الكافر {ثَمَرٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: وكان له ثمر، وأحيط بثمره بضمتين. وقرأ عاصم: وكان لهم ثمر، وأحيط بثمره بفتح التاء والميم فيهما. وقرأ أبو عمرو: ثمر و بثمره بضمة واحدة وسكون الميم. قال الفراء: الثمر، بفتح التاء والميم: المأكول، وبضمها: المال. وقال ابن الانباري: الثمر، بالفتح: الجمع الأول، والثمر، بالضم: جمع الثمر، يقال: ثمر، وثمر، كما يقال: أسد، وأسد ويصلح أن يكون الثمر جمع الثمار، كما يقال: حمار وحمر، وكتاب وكتب؛ فمن ضم، قال: الثمر أعم، لأنها تحتمل الثمار المأكولة، والأموال المجموعة.قال أبو علي الفارسي: وقراءة أبي عمرو: ثمر يجوز أن تكون جمع ثمار، ككتاب، وكتب، فتخفف، فيقال: كتب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة، كبدنة وبدن، وخشبة، وخشب. ويجوز أن يكون {ثَمَرٌ} واحداً، كعنق، وطنب.

وقد ذكر المفسرون في قراءة من ضم ثلاثة أقوال.

احدها: أنه المال الكثير من صنوف الأموال، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الذهب، والفضة، قاله مجاهد.

والثالث: أنه جمع ثمرة، قال الزجاج: يقال: ثمرة، وثمار، وثمر.

فإن قيل: ما الفائدة في ذكر الثمر بعد ذكر الجنتين،

وقد علم أن صاحب الجنة لا يخلو من ثمر؟

فعنه ثلاثة أجوبة.

احدها: أنه لم يكن أصل الأرض ملكاً له، وإنما كانت له الثمار، قاله ابن عباس.

والثاني: أن ذكر الثمر دليل على كثرة ما يملك من الثمار في الجنتين وغيرهما، ذكره ابن الأنباري.

والثالث: إنا قد ذكرنا أن المراد بالمثر الأموال من الأنواع، وذكرنا الذهب، والفضة، وذلك يخالف الثمر المأكول؛ قال أبو علي الفارسي: من قال: هو الذهب، والورق، فإنما قيل لذلك: ثمر على التفاؤول، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، وكونه هاهنا بالجنى أشبه من الذهب والفضة. ويقوي ذلك: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا}، والإنفاق من الورق، لا من الشجر. قوله تعالى:

{فَقَالَ} يعني الكافر {لِصَاحِبِهِ} المؤمن {وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ} أي: يراجعه الكلام ويجاوبه.

وفيما تحوارا فيه قولان.

احدهما: أنه الإيمان والكفر.

والثاني: طلب الدنيا، وطلب الآخرة. فأما النفر فهم الجماعة، ومثلهم: القوم والرهط، [ولا واحد لهذه الألفاظ من لفظها. وقال ابن فارس اللغوي]: النفر: عدة رجال من ثلاثة إلى العشرة.

وفيمن أراد بنفره ثلاثة أقوال.

احدها: عبيده، قاله ابن عباس.

والثاني: ولده، قاله مقاتل.

والثالث: عشيرته ورهطه، قاله أبو سليمان.

قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني: الكافر {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} بالكفر، وكان قد أخذ بيد أخيه فأدخله معه، {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً} أنكر فناء الدنيا، وفناء جنته، وأنكر البعث والجزاء بقوله: {وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً} وهذا شك منه في البعث، ثم قال:

{وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى} أي: كما تزعم أنت. قال ابن عباس: يقول: إن كان البعث حقاً

{لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا} قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: خيراً منها، وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: خيراً منهما بزيادة ميم على التثنية، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام. قال أبو علي: الإفراد أولى، لأنه أقرب إلى الجنة المفردة في قوله: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ}، والتثنية لا تمتنع، لتقدم ذكر الجنتين. قوله تعالى:

{مُنْقَلَباً} أي: كما أعطاني هذا في الدنيا، سيعطيني في الآخرة أفضل منه.

٣٧

انظر تفسير الآية:٤١

٣٨

انظر تفسير الآية:٤١

٣٩

انظر تفسير الآية:٤١

٤٠

انظر تفسير الآية:٤١

٤١

قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ} يعني: المؤمن {وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} يعني: خلق أباك آدم {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يعني: ما أنشىء هو منه، فلما شك في البعث كان كافراً. قوله تعالى:

{لَكُنَّا هُوَ ٱللّه رَبّى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وقالون عن نافع: لكن هو اللّه ربي، بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف. وقرأ نافع في رواية بإثبات الألف وصلاً ووقفاً. وأثبت الألف ابن عامر في الحالين. وقرأ أبو رجاء: لكن بإسكان النون خفيفة من غير ألف في الحالين. وقرأ ابن يعمر: لكن بتشديد النون من غير ألف في الحالين. وقرأ الحسن: لكن أنا هو اللّه ربي بإسكان نون لكن وإثبات أنا. قال الفراء: فيها ثلاث لغات: لكنا، ولكن، ولكنه بالهاء، أنشدني أبو ثروان: وترمينني بالطرف أي أنت مذنب  وتقلينني لكن إياك لا أقلي وقال أبو عبيدة: مجازه: لكن أنا هو اللّه ربي، ثم حذفت الألف الأولى، وأدغمت إحدى النونين في الأخرى فشددت. قال الزجاج: وهذه الألف تحذف في الوصل، وتثبت في الوقف، فأما من أثبتها في الوصل كما تثبت في الوقف، فهو على لغة من يقول: أنا قمت، فأثبت الألف،

قال الشاعر:

أنا سيف العشيرة فأعرفوني  حميدا قد تذريت السناما

وهذه القراءة جيدة، لأن الهمزة قد حذفت من أنا، فصار إثبات الألف عوضاً من الهمزة. قوله تعالى:

{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} أي: وهلا؛ ومعنى الكلام التوبيج. قال الفراء: {مَا شَاء ٱللّه} في موضع رفع، إن شئت رفعته بإضمار هو، يريد [هو] ما شاء اللّه؛ وإن شئت أضمرت فيه: ما شاء اللّه كان؛ وجاز طرح جواب الجزاء، كما جاز في قوله: {فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى ٱلاْرْضِ} [الانعام: ٣٥]، ليس له جواب، لأنه معروف. قال الزجاج: وقوله: {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللّه} الاختيار النصب بغير تنوين على النفي، كقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهَا} [الكهف: ٢١]، ويجوز: لا قوة إلا باللّه على الرفع بالابتداء، والخبر باللّه، المعنى: لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا باللّه تعالى، ولا يكون له إلا ما شاء اللّه قوله تعالى:

{إِن تَرَنِ} قرأ ابن كثير: إن ترني أنا ويؤتيني خيراً بياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع، وأبو عمرو بياء في الوصل. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بحذف الياء فيهما وصلاً ووقفاً. {أَنَاْ أَقَلَّ} وقرأ ابن أبي عبلة: أنا أقل برفع اللام. قال الفراء: أنا هاهنا عماد إن نصبت أقل، واسم إذا رفعت أقل، والقراءة بهما جائز. قوله تعالى:

{فعسَىٰ رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} أي: في الآخرة، {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} وفيه أربعة أقوال.

احدها: أنه العذاب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك. وقال أبو صالح عن ابن عباس: ناراً من السماء.

والثاني: قضاء من اللّه يقضيه، قاله ابن زيد.

والثالث: مرامي من السماء، واحدها: حسبانة، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة قال النضر بن شميل: الحسبان: سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في القوس، ثم يرمي بعشرين منها دفعة فعلى هذا القول يكون المعنى: ويرسل عليها مرامي من عذابه، إما حجارة أو برداً أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب.

والرابع: أن الحسبان: الحساب، كقوله: {ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥] أي: بحساب، فيكون المعنى: ويرسل عيها عذاب حساب ما كسبت يداه، هذا قول الزجاج. قوله تعالى:

{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} قال ابن قتيبة: الصعيد: الأملس المستوي، والزلق: الذي تزل عنه الأقدام، والغور: الغائر، فجعل المصدر صفة، يقال: ماء غور، ومياه غور، ولا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، كما يقال: رجل نوم، ورجل صوم، ورجل فطر، ورجال نوم، [ونساء نوم]، ونساء صوم. ويقال: للنساء إذا نحن: نوح، والمعنى: يذهب ماؤها غائراً في الأرض، أي: ذاهباً فيها. {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} فلا يبقى له أثر تطلبه به، ولا تناله الأيدي ولا الأرشية. وقال ابن الأنباري: غوراً إذا غور، فسقط المضاف، وخلفه المضاف إليه، والمراد بالطلب هاهنا: الوصول، فقام الطلب مقامه لأنه سببه. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو المتوكل: غؤورا برفع الغين والواو الأولى جميعاً، وواو بعدها.

٤٢

انظر تفسير الآية:٤٤

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٤

٤٤

قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي: أحاط اللّه العذاب بثمره، وقد سبق معنى الثمر. {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} أي: يضرب يد على يد، وهذا فعل النادم،

{عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي: في جنته وفي هاهنا بمعنى على.

{وَهِىَ خَاوِيَةٌ} أي: خالية ساقطة {عَلَىٰ عُرُوشِهَا} والعروش: السقوف، والمعنى: أن حيطانها قائمة والسقوف قد تهدمت فصارت في قرارها، فصارت الحيطان كأنها على السقوف، {وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} فأخبر اللّه تعالى أنه لما سلبه ما أنعم به عليه، وحقق ما أنذره به أخوه في الدنيا، ندم على شركة حين لا تنفعه الندامة.

وقيل: إنما يقول هذا في القيامة. {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: ولم تكن بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: ولم يكن بالياء. والفئة: الجماعة {يَنصُرُونَهُ} أي: يمنعونه من عذاب اللّه. قوله تعالى:

{هُنَالِكَ ٱلْوَلَـٰيَةُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم: الولاية بفتح الواو و{للّه ٱلْحَقّ} خفضاً وقرأ حمزة: الولاية بكسر الواو، وللّه الحق بكسر القاف أيضاً. وقرأ أبو عمرو بفتح الواو، ورفع الحق، ووافقه الكسائي في رفع القاف، لكنه كسر الولاية، قال الزجاج: معنى الولاية في [مثل] تلك الحال: تبيين نصرة ولي اللّه. وقال غيره: هذا الكلام عائد إلى ما قبل قصة الرجلين. فأما من فتح واو الولاية فإنه أراد الموالاة والنصرة، ومن كسر أراد السلطان والملك على ما شرحناه في آخر [الأنفال: ٧٢] فعلى قراءة الفتح في معنى الكلام قولان.

احدهما: أنهم يتولون اللّه تعالى في القيامة، ويؤمنون به، ويتبرؤون مما كانوا يعبدون، قاله ابن قتيبة.

والثاني: هنالك يتولى اللّه أمر الخلائق، فينصر المؤمنين ويخذل الكافرين. وعلى قراءة الكسر، يكون المعنى: هنالك السلطان للّه. قال أبو علي: من كسر قاف الحق، جعله من وصف اللّه عز وجل، ومن رفعه جعله صفة للولاية.

فإن قيل: لم نعتت الولاية وهي مؤنثة بالحق وهو مصدر؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الانباري.

احدهما: أن تأنيثها ليس حقيقياً فحملت على معنى النصر؛ والتقدير: هنالك النصر للّه الحق، كما حملت الصيحة على معنى الصياح في قوله: {وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ} [هود: ٦٧]

والثاني: أن الحق مصدر يستوي في لفظه المذكر والمؤنث والاثنان، فيقال: قولك حق، وكلمتك حق، وأقوالكم حق. ويجوز ارتفاع الحق على المدح للولاية، وعلى المدح للّه تعالى بإضمار هو. قوله تعالى:

{هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا} أي: هو أفضل ثواباً ممن يرجى ثوابه، وهذا على تقدير أنه لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل. قوله تعالى:

{وَخَيْرٌ عُقْبًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: عقباً مضمومة القاف. وقرأ عاصم، وحمزة: عقبا ساكنة القاف. قال أبو علي: ما كان على فعل جاز تخفيفه، كالعنق، والطنب، قال أبو عبيدة: العقب، والعقب، والعقبى، والعاقبة، بمعنى، وهي الآخرة، والمعنى: عاقبة طاعة اللّه خير من عاقبة طاعة غيره.

٤٥

قوله تعالى: {وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} أي: في سرعة نفادها وذهابها، وقيل: في تصرف أحوالها، إذ مع كل فرحة ترحة، وهذا مفسر في سورة [يونس: ٢٤] إلى قوله: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} قال الفراء: الهشيم: كل شيء كان رطبا فيبس. وقال الزجاج: الهشيم: النبات الجاف. وقال ابن قتيبة: الهشيم من النبت: المتفتت، وأصله من هشمت الشيء: إذا كسرته، ومنه سمي الرجل هاشماً. و{تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ} تنسفه. وقرأ أبي، وابن عباس، وابن أبي عبلة: تذريه برفع التاء وكسر الراء بعدها ياء ساكنة وهاء مكسورة. وقرأ ابن مسعود كذلك، إلا أنه فتح التاء. والمقتدر: مفتعل، من قدرت.

قال المفسرون {وَكَانَ ٱللّه عَلَىٰ كُلّ شَىْء} من الإنشاء والإفناء {مُّقْتَدِرًا}.

٤٦

قوله تعالى: {ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} هذا رد على المشركين الذين كانوا يفتخرون بالأموال والأولاد، فأخبر اللّه تعالى أن ذلك مما يتزين به في الدنيا، [لا] مما ينفع في الآخرة. قوله تعالى:

{وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ} فيها خمسة أقوال.

احدها: أنها سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر؛ روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه، وعن العدو أن تجاهدوه، فلا تعجزوا عن قول: سبحان اللّه، والحمد اللّه، ولا إلا اللّه، واللّه أكبر، فقولوها، فإنهن الباقيات الصالحات، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وبه قال مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والضحاك. وسئل عثمان ابن عفان رضي اللّه عنه عن الباقيات الصالحات، فقال: هذه الكلمات، وزاد فيها: ولا حول ولا قوة إلا باللّه. وقال سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القزظي مثله سواء.

والثاني: أنها لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، والحمد للّه، ولا قوة إلا باللّه، رواه علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

والثالث: أنها الصلوات الخمس، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، ومسروق، وإبراهيم.

والرابع: الكلام الطيب، رواه العوفي عن ابن عباس.

والخامس: هي جميع أعمال الحسنات، وراه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، وابن زيد. قوله تعالى:

{خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} أي: أفضل جزاء {وَخَيْرٌ أَمَلاً} أي: خير مما تؤملون، لأن آمالكم كواذب، وهذا أمل لا يكذب.

٤٧

انظر تفسير الآية:٥١

٤٨

انظر تفسير الآية:٥١

٤٩

انظر تفسير الآية:٥١

٥٠

انظر تفسير الآية:٥١

٥١

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: «ويوم تسير» بالتاء الجبال رفعاً. وقرأ نافع. وعاصم، وحمزة، والكسائي: نسير بالنون الجبال نصباً. وقرأ ابن محيصن: ويوم تسير بفتح التاء وكسر السين وتكسين الياء الجبال بالرفع. قال الزجاج: ويوم منصوب على معنى: اذكر، ويجوز أن يكون منصوباً على: والباقيات الصالحات خير يوم تسير الجبال. قال ابن عباس: تسير الجبال عن وجه الأرض، كما يسير السحاب في الدنيا، ثم تكسر فتكون في الأرض كما خرجت منها. قوله تعالى:

{وَتَرَى ٱلاْرْضَ بَارِزَةً} وقرأ عمرو بن العاص، وابن السميفع، وأبو العالية: وترى الأرض بارزة برفع التاء والضاد. وقرأ أبو رجاء العطاردي كذلك، إلا أنه فتح ضاد الأرض.

وفي معنى بارزة قولان.

احدهما: [ظاهرة] فليس عليها شيء من جبل أو شجر أو بناء، قاله الأكثرون.

والثاني: بارزاً أهلها من بطنها، قاله الفراء.

قوله تعالى: {وَحَشَرْنَـٰهُمْ} يعني المؤمنين والكافرين {فَلَمْ نُغَادِرْ} قال ابن قتيبة: أي: فلم نخلف، يقال: غادرت كذا: إذا خلفته، ومنه سمي الغدير، لأنه ماء تخلفه السيول. وروى أبان: فلم تغادر بالتاء. قوله تعالى:

{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا}

إن قيل: هذا أمر مستقبل، فكيف عبر عنه بالماضي؟

فالجواب: أن ما قد علم اللّه وقوعه، يجري مجرى المعاين، كقوله: {وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ} [الأعرف: ٤٣].

وفي معنى قوله: {صَفَّا} أربعة أقوال.

احدها: أنه بمعنى: جميعاً، كقوله: {ثم أئتوا صفاً} [طه: ٦٤] قاله مقاتل.

والثاني: أن المعنى: وعرضوا على ربك مصفوفين، هذا مذهب البصريين.

والثالث: أن المعنى: وعرضوا على ربك صفوفاً، فناب الواحد عن الجميع، كقوله: {ثم نخرجكم طفلاً} [الحج: ٥].

والرابع: أنه لم يغب عن اللّه منهم أحد، فكانوا كالصف الذي تسهل الإحاطة بجملته، ذكر هذه الأقوال ابن الانباري.

وقد قيل: إن كل أمة وزمرة صف، قوله تعالى:

{لَّقَدْ جِئْتُمُونَا}، فيه إضمار فيقال لهم. وفي المخاطبين بهذا قولان.

احدهما: أنهم الكل.

والثاني: الكفار، فيكون اللفظ عاماً، والمعنى خاصاً. وقوله: {كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} مفسر في [الأنعام: ٩٤] وقوله: {بَلْ زَعَمْتُمْ} خطاب الكفار خاصة، والمعنى: زعمتم في الدنيا {أَن لَّن * نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} للبعث، والجزاء. قوله تعالى:

{وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه الكتاب الذي سطر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الحساب، قاله ابن السائب.

والثالث: كتاب الأعمال، قاله مقاتل. وقال ابن جرير: وضع كتاب أعمال العباد في أيديهم، فعلى هذا الكتاب اسم جنس.

قوله تعالى: {فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ} قال مجاهد: هم الكافرون. وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذكر في القرآن، فالمراد به: الكافر.

قوله تعالى:

{مُشْفِقِينَ} أي: خائفين {مِمَّا فِيهِ} من الأعمال السيئة {وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا} هذا قول كل واقع في هلكة. وقد شرحنا هذا المعنى في قوله: {يٰحَسْرَتَنَا} [الانعام: ٣١].

قوله تعالى: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها؛ وقد روى عكرمة عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة. وقد يتوهم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها، وليس كذلك، إذ ليس الضحك والتبسم، مجردهما من الذنوب، وإنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال، والضحك فعل كبير، وقد روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم والاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة القهقهة بذلك، فعلى هذا يكون ذنبا من الذنوب لمقصود فاعله، لا لنفسه.

ومعنى أحصاها: عدها وأثبتها، والمعنى: وجدت محصاة. {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} أي: مكتوباً مثبتاً في الكتاب، وقيل: رأوا جزاءه حاضراً. وقال أبو سليمان: الصحيح عند المحققين أن صغائر المؤمنين الذين وعدوا العفو عنها إذا اجتنبوا الكبائر، إنما يعفى عنها في الآخرة بعد أن يراها صاحبها. قوله تعالى:

{وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} قال أبو سليمان: لا تنقص حسنات المؤمن، ولا يزاد في سيئات الكافر. وقيل: إن كان للكافر فعل خير، كعتق رقبة، وصدقة، خفف عنه به من عذابه، وإن ظلمة مسلم، أخذ اللّه من المسلم، فصار الحق للّه.

ثم إن اللّه تعالى أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس وما أورثه الكبر، فقال: {وَإِذْ قُلْنَا} أي: اذكر ذلك.

وفي قوله: {كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ} قولان.

احدهما: أنه من الجن حقيقة، لهذا النص، واحتج قائلوا هذا بأن له ذرية ـ وليس للملائكة ذرية ـ وأنه كفر، والملائكة رسل اللّه، فهم معصومون من الكفر.

والثاني: أنه كان من الملائكة، وإنما قيل: من الجن، لأنه كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن، قاله ابن عباس؛ وقد شرحنا هذا في سورة [البقرة: ٣٤]. قوله تعالى:

{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: خرج عن طاعة ربه، تقول العرب: فسقت الرطبة من قشرها: إذا خرجت منه، قاله الفراء، وابن قتيبة.

والثاني: أتاه الفسق لما أمر، فعصى، فكان سبب فسقه عن أمر ربه، قال الزجاج: وهذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو الحق عندنا.

والثالث: ففسق عن رد أمر ربه حكاه الزجاج عن قطرب.

قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى} أي: توالونهم بالاستجابة لهم؟ٰ قال الحسن، وقتادة: ذريته: أولاده، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. قال مجاهد: ذريته: الشياطين، ومن ذريته زلنبور صاحب راية إبليس بكل سوق، وثبر، وهو صاحب المصائب، والأعور صاحب الرياء، ومسوط صاحب الأخبار يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس، فلا يوجد لها أصل، وداسم صاحب الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم اللّه، فهو يأكل معه إذا أكل، قال بعض أهل العلم: إذا كانت خطئية الإنسان في كبر فلا ترجه، وإن كانت في شهوة فارجه، فإن معصية إبليس كانت بالكبر، ومعصية آدم بالشهوة. قوله تعالى:

{بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: بئس الاتخاذ للظالمين بدلا.

والثاني: بئس الشيطان.

والثالث: بئس الشيطان والذرية، ذكرهن ابن الانباري. قوله تعالى:

{مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} وقرأ ابو جعفر، وشيبة: ما أشهدناهم بالنون والالف.

وفي المشار إليهم اربعة اقوال.

احدها: ابليس وذريته.

والثاني: الملائكة.

والثالث: جميع الكفار.

والرابع: جميع الخلق؛ والمعنى: أني لم أشاورهم في خلقهن؛ وفي هذا بيان للغناء عن الأعوان، وإظهار كمال القدرة، قوله تعالى:

{وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} أي: ما أشهدت بعضهم خلق بعض، ولا استعنت ببعضهم على إيجاد بعض. قوله تعالى:

{وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلّينَ} يعني: الشياطين {عَضُداً} أي: أنصارا وأعوانا. والعضد يستعمل كثيرا في معنى العون، لأنه قوام اليد، قال الزجاج: والاعتضاد: التقوي وطلب المعونة، يقال: اعتضدت بفلان، أي: استعنت به.

وفي ما نفى اتخاذهم عضدا فيه قولان.

احدهما: أنه الولايات، والمعنى: ما كنت لأولي المضلين، قاله مجاهد.

والثاني: أنه خلق السموات والأرض، قاله مقاتل. وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو جعفر: وما كنت بفتح التاء.

٥٢

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٣

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ} وقرأ حمزة: نقول بالنون، يعني: يوم القيامة {نَادُواْ شُرَكَائِىَ} أضاف الشركاء اليه على زعمهم، والمراد: نادوهم لدفع العذاب عنكم، أو الشفاعة لكم، {ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي: زعمتموهم شركاء {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} أي: لم يجيبوهم،

{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} في المشار إليهم قولان.

احدهما: انهم المشركون والشركاء.

والثاني: أهل الهدى وأهل الضلالة.

وفي معنى {مَّوْبِقاً} ستة أقوال.

احدها: مهلكاً، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقال ابن قتيبة: مهلكا بينهم وبين آلهتهم في جهنم، ومنه يقال: أوبقته ذنوبه، أي: أهلكته قال الزجاج: المعنى: جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي: يهلكهم، فالموبق: المهلك، يقال: وبق ييبق، ويابق، وبقا؛ ووبق، يبق، وبوقا، فهو وابق؛ وقال الفراء: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي: مهلكا لهم في الآخرة، فالبين، على هذا القول، بمعنى التواصل، كقوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤] على قراءة من ضمن النون.

والثاني: أن الموبق: واد عميق يفرق به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، قاله عبد اللّه بن عمرو.

والثالث: أنه واد في جهنم، قاله أنس بن مالك، ومجاهد.

والرابع: ان معنى الموبق: العدواة، قاله الحسن.

والخامس: أنه المحبس، قاله الربيع بن أنس.

والسادس: أنه الموعد، قاله ابو عبيدة.

قال ابن الأنباري: إن قيل: لم قال: موبقا ولم يقل: موبقا، بضم الميم، إذ كان معناه عذابا موبقا؟ فالجواب: أنه اسم موضوع لمحبس في النار، والأسماء لا تؤخذ بالقياس، فيعلم أن موبقا: مفعل، من أوبقه اللّه: إذا أهلكه، فتنفتح الميم، كما تنفتح في موعد ومولد ومحتد إذا سميت الشخوص بهن. قوله تعالى:

{وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ} أي: عاينوها وهي تتغيظ حنقا عليهم. والمراد بالمجرمين: الكفار. {فَظَنُّواْ} أي: ايقنوا {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} أي: داخلوها. ومعنى المواقعة: ملابسة الشيء بشدة {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا} أي: معدلا؛ والمصرف: الموضع الذي يصرف اليه، وذلك أنها احاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهرب.

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٥

٥٥

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ} قد فسرناه في [بني اسرائيل: ٤١]. قوله تعالى:

{وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً} فيمن نزلت قولان.

احدهما: أنه النضر بن الحارث، وكان جداله في القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: أبي بن خلف، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم قد رم، فقال: أيقدر اللّه على إعادة هذا؟ٰ قاله ابن السائب. قال الزجاج: كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل، والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا. قوله تعالى:

{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ} قال المفسرون: يعني: أهل مكة {إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ} وهو: محمد صلى اللّه عليه وسلم، والقرآن، والإسلام {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلاْوَّلِينَ} وهو: أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا.

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.

احدها: ما منعهم من الإيمان إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين، قاله الزجاج.

والثاني: وما منع الشيطان الناس أن يؤمنوا إلا لأن تأتيهم سنة الأولين، أي: منعهم رشدهم لكي يقع العذاب بهم، ذكره ابن الأنباري.

والثالث: ما منعهم إلا أني قد قدرت عليهم العذاب. وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأحد من المشركين، قاله الواحدي. قوله تعالى:

{أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ} ذكر ابن الأنباري في أو هاهنا ثلاثة أقوال.

احدها: انها بمعنى الواو.

والثاني: أنها لوقوع احد الشيئين، إذ لا فائدة في بيانه.

والثالث أنها دخلت للتبعيض، أي: أن بعضهم يقع به هذا، وهذه الأقوال الثلاثة قد أسلفنا بيانها في قوله عز وجل: {أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ ٱلسَّمَاء} [البقرة: ١٩]. قوله تعالى:

{قُبُلاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: قبلا بكسر القاف وفتح الباء وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: قبلا بضم القاف والباء. وقد بينا علة القراءتين في سورة [الأنعام: ١١١] وقرأ أبي ابن كعب، قبلا بفتح القاف من غير ياء،قال ابن قتيبة: أراد استئنافا.

فإن قيل: إذا كان المراد بسنة الأولين العذاب، فما فائدة التكرار بقوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ}؟ فالجواب: أن سنة الأولين أفادت عذاباً مبهما يمكن أن يتراخى وقته، وتختلف أنواعه، وإتيان العذاب قبلا أفاد القتل يوم بدر. قال مقاتل: سنة الأولين: عذاب الأمم السالفة؛ أو يأتيهم العذاب قبلا، أي: عيانا قتلا بالسيف يوم بدر.

٥٦

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٧

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٨

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٩

قوله تعالى: {وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ * كُفْراً * بِٱلْبَـٰطِلِ} قال ابن عباس: يريد: المستهزئين والمقتسمين وأتباعهم. وجدالهم بالباطل: أنهم الزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم {لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ} أي: ليبطلوا ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل: جدالهم: قولهم: {كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً أَءنَّا} [الاسراء ٤٩] {ضَلَلْنَا فِى ٱلاْرْضِ أَءنَّا} [السجدة: ١٠]، ونحو ذلك ليبطلوا به ما جاء في القرآن من ذكر البعث والجزاء، قال ابو عبيدة: ومعنى ليدحضوا: ليزيلوا ويذهبوا، يقال: مكان دحض، أي: مزل لا يثبت فيه قدم ولا حافر. قوله تعالى:

{وَٱتَّخَذُواْ ءايَـٰتِى} يعني القرآن. {وَمَا أُنْذِرُواْ} أي: خوفوا به من النار والقيامة {هُزُواً} أي: مهزوءا به. قوله تعالى:

{وَمَنْ أَظْلَمُ} قد شرحنا هذه الكلمة في [البقرة: ١١٤]. و{ذُكِرَ} بمعنى: وعظ. وآيات ربه: القرآن، وأعراضه عنها: تهاونه بها.

{وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي: ما سلف من ذنوبه، وقد شرحنا ما بعد هذا في [الأنعام: ٢١] إلى قوله: {وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ} وهو: الإيمان والقرآن {فَلَنْ يَهْتَدُواْ} هذا إخبار عن علمه فيهم. قوله تعالى:

{وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ} إذ لم يعاجلهم بالعقوبة. {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ} للبعث والجزاء {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} قال الفراء: الموئل: المنجى، وهو الملجأ في المعنى، لأن المنجي، ملجأ. والعرب تقول: إنه ليوائل إلى موضعه، أي: يذهب الى موضعه،

قال الشاعر:

لاواءلت نفسك خليتها  للعامريين، ولم تكلم

يريد: لا نجت نفسك، وأنشد أيو عبيدة: للأعشى:

وقد أخالس رب البيت غفلته  وقد يحاذر مني ثم مايئل

أي: ما ينجو. وقال ابن قتيبة: الموئل: الملجأ. يقال: وآل فلان إلى كذا: إذا لجأ.

فإن قيل: ظاهر هذه الآية يقتضي أن تأخير العذاب عن الكفار برحمة اللّه، ومعلوم أنه لا نصيب لهم في رحمته. فعنه جوابان.

احدهما: أن الرحمة هاهنا بمعنى النعمة، ونعمة اللّه لا يخلو منها مؤمن ولا كافر. فأما الرحمة التي هي الغفران والرضى، فليس للكافر فيها نصيب.

والثاني: أن رحمة اللّه محظورة على الكفار يوم القيامة، فأما في الدنيا، فإنهم ينالون منها العافية والرزق. قوله تعالى:

{وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ} يريد: التي قصصنا عليك ذكرها، والمراد: أهلها، ولذلك قال: {أَهْلَكْنَـٰهُمْ} والمراد: قوم هود، وصالح، ولوط، وشعيب. قال الفراء: قوله: {لَمَّا ظَلَمُواْ} معناه: بعدما ظلموا. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم} قرأ الأكثرون بضم الميم وفتح اللام؛

قال الزجاج: وفيه وجهان.

احدهما: أن يكون مصدراً، فيكون المعنى: وجعلنا لإهلاكهم.

والثاني: أن يكون وقتاً، فالمعنى: لوقت هلاكهم.

وقرأ أبو بكر عن عاصم: بفتح الميم واللام، وهو مصدر مثل الهلاك. وقرأ حفص عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام، ومعناه: لوقت إهلاكهم.

٦٠

انظر تفسير الآية:٦٥

٦١

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٣

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٤

انظر تفسير الآية:٦٥

٦٥

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَـٰهُ}، الآية، سبب خروج موسى عليه السلام في هذا السفر، ما روى ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب اللّه عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك؛ قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم. فانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة، وضعا رؤؤسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق. فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره اللّه به، فقال فتاه:

{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ} إلى قوله: {عَجَبًا}، قال: فكان للحوت سربا، ولموسى ولفتاه عجباً، فقال موسى: {ذٰلِكَ مَا كُنَّا * نَبْغِى فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا قَصَصًا} قال: رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا هو مسجى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلامٰ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال موسى: بني اسرائيل؟ قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: إنك لن تستطيع معي صبراً يا موسى، إني على علم من علم اللّه لا تعلمه علمنيه، وأنت على علم من علم اللّه علمكه لا أعلمه؛ فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً؛ فقال له الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً، فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول؛ فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم قد حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} إلى قوله: {عُسْراً}؟ٰ قال: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسياناً، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه تعالى إلا مثل مانقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا} إلى قوله:

{جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} فقال الخضر بيده [هكذا]، فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} {قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} الآية هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، وقد ذكرنا إسناده في كتاب الحدائق فآثرنا الاختصار هاهنا.فأما التفسير، فقوله تعالى:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ} المعنى: واذكر ذلك. وفي موسى قولان.

احدهما: أنه موسى بن عمران، قاله الأكثرون. ويدل عليه ما روي في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى نبي إسرائيل هو موسى صاحب الخضر، قال: كذب عدو اللّه، أخبرني أبي بن كعب فذكر الحديث الذي قدمناه آنفاً.

والثاني: أنه موسى بن ميشا، قاله ابن اسحاق، وليس بشيء، للحديث الصحيح الذي ذكرناه. فأما فتاه فهو يوشع بن نون من غير خلاف. وإنما سمي فتاه، لأنه كان يلازمه، ويأخذ عنه العلم، ويخدمه. ومعنى {لا أَبْرَحُ}: لا أزال. وليس المراد به: لا أزول، لأنه إذا لم يزل لم يقطع أرضاً، فهو مثل قولك: ما برحت أناظر عبد اللّه، أي: ما زلت، قال الشاعر:

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة  وتحمل أخرى أفرحتك الوادائع

أي:أثقلتك، والمعنى: لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، أي: ملتقاهما، وهو الموضع الذي وعده اللّه بلقاء الخضر فيه، قال قتادة: بحر فارس، وبحر الروم، فبحر الروم نحو المغرب، وبحر فارس نحو المشرق.

وفي اسم البلد الذي بمجمع البحرين قولان.

احدهما: إفريقية، قاله أبي بن كعب.

والثاني: طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي. قوله تعالى:

{أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً} وقرأ أبو رزين، والحسن، وأبو مجلز، وقتادة، والجحدري، وابن يعمر: حقباً بإسكان الكاف قال ابن قتيبة: الحقب: الدهر، والحقب: السنون، واحدتها حقبة، ويقال: حقب وحقب، كما يقال: قفل وقفل، وهزؤ وهزؤ، وكفؤ وكفؤ، وأكل وأكل، وسحت وسحت، ورعب ورعب، ونكر ونكر، وأذن وأذن، وسحق وسحق، وبعد وبعد، وشغل وشغل، وثلث وثلث، وعذر وعذر، ونذر ونذر، وعمر وعمر.

وللمفسرين في المراد بالحقب هاهنا ثمانية أقوال.

احدها: أنه الدهر، قاله ابن عباس.

والثاني: ثمانون سنة، قاله عبد اللّه ابن عمرو، وأبو هريرة.

والثالث: سبعون ألف سنة، قاله الحسن.

والرابع: سبعون سنة، قاله مجاهد.

والخامس: سبعة عشر ألف سنة، قاله مقاتل بن حيان.

والسادس: أنه ثمانون ألف سنة، كل يوم ألف سنة من عدد الدنيا.

والسابع: أنه سنة بلغة قيس، ذكرهما الفراء.

والثامن: الحقب عند العرب وقت غير محدود، قاله أبو عبيدة. ومعنى الكلام: لا أزال أسير، ولو احتجت أن أسير حقبا.

قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا} يعني: موسى وفتاه {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} يعني: البحرين {نَسِيَا حُوتَهُمَا} وكانا قد تزودا حوتاً مالحاً في زبيل فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل، فأصاب الحوت بلل البحر.

وقيل: توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح على الحوت الماء، فعاش، فتحرك في المكتل، فانسرب في البحر، وقد كان قيل لموسى: تزود حوتاً مالحاً، فإذا فقدته وجدت الرجل. وكان موسى حين ذهب الحوت في البحر قد مضى لحاجة، فعزم فتاه أن يخبره بما جرى فنسي. وإنما قيل: نسيا حوتهما توسعا في الكلام، لأنهما جميعا تزوداه، كما يقال: نسي القوم زادهم، وإنما نسيه أحدهم. قال الفراء: ومثله قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرج ذلك من الملح، لا من العذب.

وقيل: نسي يوشع أن يحمل الحوت، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء، فلذلك أضيف النسيان إليهما. قوله تعالى:

{فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ سَرَباً} أي: مسلكاً ومذهباً. قال ابن عباس: جعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة. وقال قتادة: جعل لا يسلك طريقاً إلا صار الماء جامداً. وقد ذكرنا في حديث أبي بن كعب أن الماء صار مثل الطاق على الحوت. قوله تعالى:

{فَلَمَّا جَاوَزَا} ذلك المكان الذي ذهب فيه الحوت، أصابهما ما يصيب المسافر من النصب، فدعا موسى بالطعام، فقال: {غَدَاءنَا لَقَدْ} وهو الطعام الذي يؤكل بالغداة. والنصب: الإعياء. وهذا يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب، ولا يكون ذلك شكوى. {قَالَ} يوشع لموسى {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ} أي: حين نزلنا هناك

{فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ} فيه قولان.

احدهما: نسيت أن أخبرك خبر الحوت.

والثاني: نسيت حمل الحوت.

قوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ} قرأ الكسائي: أنسانيه بإماله السين مع كسر الهاء. وقرأ ابن كثير: أنسانيهي بإثبات ياء في الوصل بعد الهاء. وروى حفص عن عاصم: أنسانيه إلا بضم الهاء في الوصل. قوله تعالى:

{وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا} الهاء في السبيل ترجع إلى الحوت.

وفي المتخذ قولان.

احدهما: أنه الحوت، ثم في المخبر عنه قولان.

احدهما: أنه اللّه عز وجل،

ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.

احدها: فاتخذ سبيله في البحر يرى عجباً، ويحدث عجباً.

والثاني: أنه لما قال اللّه تعالى: {وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ}، قال: اعجبوا لذلك عجباً، وتنبهوا لهذه الآية.

والثالث: أن إخبار اللّه تعالى انقطع عند قوله: في البحر فقال موسى: عجباً، لما شوهد من الحوت. ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري.

والثاني: أن المخبر عن الحوت يوشع، وصف لموسى ما فعل الحوت.

والقول الثاني: أن المتخذ موسى، اتخذ سبيل الحوت في البحر عجباً، فدخل في المكان الذي مر فيه الحوت، فرأى الخضر، وروى عطية عن ابن عباس قال: رجع موسى إلى الصخرة فوجد الحوت، فجعل الحوت يضرب في البحر، ويتبعه موسى، حتى انتهى به إلى جزيرة من جزائر البحر، فلقي الخضر. قوله تعالى:

{قَالَ} يعني: موسى {ذٰلِكَ مَا كُنَّا * نَبْغِى} أي: ذلك الذي نطلب من العلامة الدالة على مطلوبنا. قرأ ابن كثير: نبغي بياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، والكسائي بياء في الوصل.وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بحذف الياء في الحالين. قوله تعالى:

{فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا} قال الزجاج: أي: رجعا في الطريق الذي سلكاه، يقصان الأثر والقصص: اتباع الأثر. قوله تعالى:

{فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا} يعني الخضر.

وفي اسمه أربعة أقوال.

احدها: اليسع، قاله وهب، ومقاتل.

والثاني: الخضر بن عاميا.

والثالث: أرميا بن حلفيا، ذكرهما ابن المنادي.

والرابع: بليا بن ملكان، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.

فأما تسميته بالخضر، ففيه قولان.

احدهما: أنه جلس في فروة بيضاء فاخضرت، رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. والفروة: الأرض اليابسة.

والثاني: أنه كان إذا جلس اخضر ما حوله، قاله عكرمة. وقال مجاهد: كان إذا صلى أخضر ما حوله. وهل كان الخضر نبياً، أم لا؟ فيه قولان، ذكرهما أبو بكر بن الأنباري، وقال: كثير من الناس يذهب إلى أنه كان نبياً، وبعضهم يقول: كان عبداً صالحاً. واختلف العلماء هل هو باق إلى يومنا هذا، على قولين حكاهما الماوردي، وكان الحسن يذهب إلى أنه مات، وكذلك كان ابن المنادي من أصحابنا يقول، ويقبح قول من يرى بقاءه، ويقول: لا يثبت حديث في بقائه. وروى أبو بكر النقاش أن محمد بن اسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس: هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد؟ٰ. قوله تعالى:

{رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ} في هذه الرحمة ثلاثة أقوال.

احدها: أنها النبوة، قاله مقاتل.

والثاني: الرقة والحنو على من يستحقه، ذكره ابن الأنباري.

والثالث: النعمة، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى:

{وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا} أي: من عندنا {عِلْمًا} قال ابن عباس: أعطاه علماً من علم الغيب.

٦٦

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٧

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٨

انظر تفسير الآية:٦٩

٦٩

قوله تعالى: {ءانٍ} قرأ ابن كثير: تعلمني مما بإثبات الياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، بياء في الوصل. وقرأ ابن عامر، وعاصم بحذف الياء في الحالين. قوله تعالى:

{تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي: رشداً بضم الراء، وإسكان الشين خفيفة. وقرأ أبو عمرو: رشداً بفتح الراء والشين. وعن ابن عامر بضمهما. والرشد، والرشد: لغتان كالنخل والنخل، والعجم والعجم، والعرب والعرب، والمعنى: أن تعلمني علماً ذا رشد. وهذه القصة قد حرضت على الرحلة في طلب العلم، واتباع المفضول للفاضل طلباً للفضل، وحثت على الأدب والتواضع للمصحوب. قوله تعالى:

{إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً} قال ابن عباس: لن تصبر على صنعي، لأني علمت من غيب علم ربي.

وفي هذا الصبر وجهان.

احدهما: على الإنكار.

والثاني: عن السؤال. قوله تعالى:

{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} الخبر: علمك بالشيء؛ والمعنى: كيف تصبر على أمر ظاهره منكر، وأنت لا تعلم باطنه؟ٰ قوله تعالى:

{سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللّه صَابِرًا وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً} قال ابن الأنباري: نفي العصيان منسوق على الصبر. والمعنى: ستجدني صابراً ولا أعصي إن شاء اللّه .

٧٠

انظر تفسير الآية:٧٨

٧١

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٢

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٣

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٤

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٥

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٦

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٧

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٨

قوله تعالى: {فَلاَ تَسْأَلْنى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: فلا تسألني ساكنة اللام. وقرأ نافع: فلا تسألني مفتوحة اللام مشددة النون. وقرأ ابن عامر في رواية الداجوني: فلا تسألن عن شيء بتحريك اللام من غير ياء، والنون مكسورة. والمعنى: لا تسألني عن شيء مما أفعله {حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أي: حتى أكون أنا الذي أبينه لك، لأن علمه قد غاب عنك. قوله تعالى:

{خَرَقَهَا} أي: شقها. قال المفسرون: قلع منها لوحاً، وقيل: لوحين مما يلي الماء، فحشاها موسى بثوبه وأنكر عليه ما فعل بقوله: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: لتغرق بالتاء أهلها بالنصب وقرأ حمزة والكسائي: ليغرق بالياء أهلها برفع اللام.

{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: منكراً، قاله مجاهد. وقال الزجاج: عظيماً من المنكر.

والثاني: عجباً، قاله قتادة، وابن قتيبة.

والثالث: داهية، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ}

في هذا النسيان ثلاثة أقوال.

احدها: أنه على حقيقته، وأنه نسي، روى ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن الأولى كانت نسيانا من موسى.

والثاني: أنه لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام، قاله أبي بن كعب، وابن عباس.

والثالث: أنه بمعنى الترك، فالمعنى: لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{وَلاَ تُرْهِقْنِى} قال الفراء: لا تعجلني. وقال أبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج: لا تغشني. قال أبو زيد: يقال: أرهقته عسراً: إذا كلفته ذلك. قال الزجاج: والمعنى: عاملني باليسر، لا بالعسر. قوله تعالى:

{فَٱنطَلَقَا} يعني: موسى والخضر. قال الماوردي: يحتمل أن يوشع تأخر عنهما، لأن الإخبار عن اثنين، ويحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تبع لموسى، فاقتصر على حكم المتبوع.

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا}

اختلفوا في هذا الغلام هل كان بالغاً، أم لا؟ على قولين.

احدهما: أنه لم يكن بالغاً، قاله ابن عباس، ومجاهد، والأكثرون.

والثاني: أنه كان شاباً قد قبض على لحيته، حكاه الماوردي عن ابن عباس أيضا، واحتج بأن غير البالغ لم يجر عليه قلم، فلم يستحق القتل. وقد يسمى الرجل غلاماً، قالت ليلى الأخيلية تمدح الحجاج:

شفاها من الداء العضال الذي بها  غلام إذا هز الفتاة سقاها

وفي صفة قتله له ثلاثة أقوال.

احدها: أنه اقتلع رأسه، وقد ذكرناه في حديث أبي.

والثاني: كسر عنقه، قاله ابن عباس.

والثالث: أضجعة وذبحه بالسكين، قاله سعيد بن جبير. قوله تعالى:

{أَقَتَلْتَ نَفْسًا} قرأ الكوفيون، وابن عامر: زكية بغير ألف، والياء مشددة. وقرأ الباقون بالألف من غير تشديد. قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، وهما بمنزلة القاسية، والقسية.

وللمفسرين فيها ستة أقوال.

احدها: أنها التائبة، روي عن ابن عباس أنه قال: الزكية: التائبة، وبه قال الضحاك.

والثاني: أنها المسلمة، روي عن ابن عباس أيضاً.

والثالث: أنها الزكية التي لم تبلغ الخطايا، قاله سعيد بن جبير.

والرابع: أنها الزكية النامية، قاله قتادة. وقال ابن الأنباري: القويمة في تركيبها.

والخامس: أن الزكية: المطهرة، قاله أبو عبيدة.

والسادس: أن الزكية: البريئة التي لم يظهر ما يوجب قتلها، قاله الزجاج. وقد فرق بعضهم بين الزاكية، والزكية، فروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الزاكية: التي لم تذنب قط، والزكية: التي أذنبت ثم تابت.

وروي عن أبي عبيدة أنه قال: الزاكية في البدن، والزكية في الدين. قوله تعالى:

{نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: بغير قتل نفس {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: نكراً خفيفة في كل القرآن، إلا قوله {إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ} [القمر: ٦]، وخفف ابن كثير أيضاً إلى شيء نكر. وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: نكراً وإلى شيء نكر مثقل. والمخفف إنما هو من المثقل، كالعنق، والعنق، والنكر، والنكر. قال الزجاج: والمعنى: لقد أتيت شيئاً نكراً. ويجوز أن يكون معناه: جئت بشيء نكر، فلما حذف الباء، أفضى الفعل فنصب نكراً، ونكرا أقل منكراً من قوله: إمراً لأن تغريق من في السفينة كان عنده أذكر من قتل نفس واحدة. قوله تعالى:

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ}. إن قيل: لم ذكر لك هاهنا، واختزله من الموضع الذي قبله؟ فالجواب: أن إثباته للتوكيد، واختزاله لوضوح المعنى، وكلاهما معروف عند الفصحاء. تقول العرب: قد قلت لك: اتق اللّه. وقد قلت لك: يا فلان اتق اللّه،

وأنشد ثعلب:

قد كنت حذرتك آل المصطلق  وقلت يا هذا أطعني وانطلق

فقوله: يا هذا، توكيد لا يختل الكلام بسقوطه. وسمعت الشيخ أبا محمد الخشاب يقول: وقره في الأول، فلم يواجهه بكاف الخطاب، فلما خالف في الثاني، واجهه بها. قوله تعالى:

{إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء} أي: سؤال توبيخ وإنكار {بَعْدَهَا} أي: بعد هذه المسألة {فَلاَ تُصَاحِبْنِى} وقرأ كذلك معاذ القارىء، وأبو نهيك، وأبو المتوكل، والأعرج، إلا أنهم شددوا النون. قال الزجاج: ومعناه: إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك. وقرأ أبي بن كعب، وابن أبي عبلة، ويعقوب: فلا تصحبني بفتح التاء من غير ألف. وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، والأعمش كذلك، إلا أنهم شددوا النون. وقرأ أبو رجاء، وأبو عثمان النهدي، والنخعي، والجحدري: تصحبني بضم التاء، وكسر الحاء، وسكون الصاد والباء.

قال الزجاج: فيهما وجهان.

احدهما: لا تتابعني في شيء ألتمسه منك. يقال: قد أصحب المهر: إذا انقاد.

والثاني: لا تصحبني علماً من علمك. {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:من لدني مثقل. وقرأ نافع: من لدني بضم الدال مع تخفيف النون.

وروى أبو بكر عن عاصم: من لدني بفتح اللام مع تسكين الدال. وفي رواية أخرى عن عاصم: لدني بضم اللام وتسكين الدال. قال الزجاج: وأجودها تشديد النون، لأن أصل لدن الإسكان، فاذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا، ليسلم سكون النون الأولى، تقول: من لدن زيد، فتسكن النون ثم تضيف الى نفسك، فتقول: من لدني، كما تقول عن زيد وعني. فأما إسكان دال لدني فإنهم أسكنوها، كما تقول في عضد: عضد، فيحذفون الضم. قال ابن عباس: يريد إنك قد أعذرت فيما بيني وبينك، يعني أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا. قوله تعالى:

{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} فيها ثلاثة أقوال.

احدها: أنها أنطاكية، قاله ابن عباس.

والثاني: الأبلة، قاله ابن سيرين.

والثالث: باحروان، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} أي: سألاهم الضيافة {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} روى المفضل عن عاصم: يضيفوهما بضم الياء الأولى وكسر الضاد وتخفيف الياء الثانية. وقرأ أبو الجوزاء كذلك، إلا أنه فتح الياء [الأولى]. وقرأ الباقون: يضيفوها بفتح الضاد وتشديد الياء الثانية وكسرها. قال أبو عبيدة: ومعنى يضيفوهما: ينزلوهما منزل الأضياف، يقال: ضفت أنا، وأضافني الذي ينزلني. وقال الزجاج: يقال: ضفت الرجل: إذا نزلت عليه، وأضفته: إذا أنزلته وقريته. وقال ابن قتيبة: [يقال]: ضيفت الرجل: إذا أنزلته منزلة الأضياف، ومنه هذه الآية، وأضفته: أنزلته، وضفته: نزلت عليه.

وروى أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كانوا أهل قرية لئاما. قوله تعالى:

{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً} أي: حائطا. قال ابن فارس: وجمعه جدر، والجدر: أصل الحائط. ومنه حديث الزبير: ثم دع الماء يرجع الى الجدر، والجيدر: القصير. قوله تعالى:

{يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} وقرأ أبي بن كعب، وأبو رجاء: ينقاض بألف ممدودة، وضاد معجمة؛ وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وأبو عثمان النهدي: ينقاص بألف ومدة وصاد غير معجمة، وكله بلا تشديد. قال الزجاج: فمعنى: ينقض: يسقط بسرعة، وينقاص، غير معجمة، ينشق طولا، يقال: انقاضت سنة: إذا انشقت. قال ابن مقسم: انقاصت سنه، وانقاضت ـ بالصاد، والضاد ـ على معنى واحد.

فإن قيل: كيف نسبت الإرادة الى ما لا يعقل؟

فالجواب: أن هذا على وجه المجاز تشبيها بمن يعقل، ويريد:لأن هيأته في التهيؤ للوقوع قد ظهرت كما يظهر من أفعال المريدين القاصدين، فوصف بالإرادة إذ كانت الصورتان واحدة، وقد أضافت العرب الأفعال الى مالا يعقل تجوزا، قال اللّه عز وجل: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ} [الأعراف: ١٥٤] والغضب لا يسكت، وإنما يسكت صاحبه، وقال: {فَإِذَا عَزَمَ ٱلاْمْرُ} [محمد: ٢١] وأنشدوا من ذلك: إن دهرا يلف شملي بجمل  لزمان يهم بالإحسان وقال أخر: يريد الرمح صدر أبي براءٍ  ويرغب عن دماء بني عقيل وقال آخر: ضحكوا والدهر عنهم ساكت  ثم أبكاهم دما لما نطق وقال آخر: يشكو إلي جملي طول السرى [صبراً جميلا فكلانا مبتلى]وهذا كثير في أشعارهم. قوله تعالى:

{فَأَقَامَهُ} أي: سواه، لأنه وجده مائلا.

وفي كيفية ما فعل قولان.

احدهما: أنه دفعه بيده فقام.

والثاني: هدمه ثم قعد يبنيه، روي القولان عن ابن عباس. قوله تعالى:

{لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: لتخذت بكسرالخاء، غير أن ابا عمرو كان يدغم الذال، وابن كثير يظهرها. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: لاتخذت وكلهم أدغموا، إلا حفصا عن عاصم، فإنه لم يدغم مثل ابن كثير. قال الزجاج: يقال: تخذ يتخذ في معنى: اتخذ يتخذ. وإنما قال له هذا، لأنهم لم يضيفوهما. قوله تعالى:

{قَالَ} يعني: الخضر {هَـٰذَا} يعني: الإنكار علي {فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} أي: هو المفرق بيننا. قال الزجاج: المعنى: هذا فراق بيننا، أي فراق اتصالنا، وكرر بين توكيدا، ومثله في الكلام: أخزى اللّه الكاذب مني ومنك. وقرأ أبو رزين، وابن السميفع، وأبو العالية، وابن أبي عبلة: هذا فراق بالتنوين بني وبينك بنصب النون. قال ابن عباس: كان قول موسى في السفينة والغلام، لربه، وكان قوله في الجدار، لنفسه، لطلب شيء من الدنيا.

٧٩

 انظر تفسير الآية:٨٢

٨٠

انظر تفسير الآية:٨٢

٨١

انظر تفسير الآية:٨٢

٨٢

قوله تعالى: {فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ} في المراد بمسكنتهم قولان.

احدهما: أنهم كانوا ضعفاء في أكسابهم.

والثاني: في أبدانهم. وقال كعب: كانت لعشرة إخوة، خمسة زمنى، وخمسة يعلمون في البحر. قوله تعالى:

{فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أي: أجعلها ذات عيب، يعني بخرقها، {وَكَانَ وَرَاءهُم} فيه قولان.

احدهما: أمامهم، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وابن قتيبة. وقرأ أبي بن كعب، وابن مسعود: وكان أمامهم ملك.

والثاني: خلفهم؛ قال الزجاج: وهو أجود الوجهين. فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه، ولم يعلموا بخبره، فأعلم اللّه تعالى الخضر خبره. قوله تعالى

{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} أي: كل سفينة صالحة. وفي قراءة أبي بن كعب: كل سفينة صحيحة. قال الخضر: إنما خرقتها، لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها. قوله تعالى:

{وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ} روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا.

وروى أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا: قال الربيع بن أنس: كان الغلام على الطريق لا يمر به أحد إلا قتله أو غصبه، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه. وقال ابن السائب: كان الغلام لصا، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل. قوله تعالى:

{فَخَشِينَا} في القائل لهذا قولان.

احدهما: اللّه عز وجل. ثم في معنى الخشية المضافة إليه قولان.

احدهما: أنها بمعنى: العلم. قال الفراء: معناه: فعلمنا. وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي.

والثاني: الكراهة، قاله الأخفش، والزجاج.

والثاني: أنه الخضر، فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم، قاله ابن الأنباري. وقد استدل بعضهم على أنه من كلام الخضر بقوله:

{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} قال الزجاج: المعنى: فأراد اللّه، لأن لفظ الخبر عن اللّه تعالى هكذا أكثر من أن يحصى. ومعنى {يُرْهِقَهُمَا}: يحملهما على الرهق، وهو الجهل. قال أبو عبيدة: يرهقهما: يغشيهما.قال سعيد بن جبير: خشينا أن يحملهما حبه على أن يدخلا في دينه. وقال الزجاج: فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فرضي امروءٌ بقضاء اللّه، فإن قضاء اللّه للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب. قوله تعالى:

{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: أن يبدلهما بالتخفيف. وقرأ نافع، وأبو عمرو بالتشديد. قوله تعالى:

{خَيْراً مّنْهُ زَكَـوٰةً} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: دينا، قاله ابن عباس.

والثاني: عملا، قاله مقاتل.

والثالث: صلاحا، قاله الفراء. قوله تعالى:

{وَأَقْرَبَ رُحْماً} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي: رحما ساكنة الحاء، وقرأ ابن عامر: رحما مثقلة. وعن أبي عمرو كالقراءتين. وقرأ ابن عباس، وابن جبير، وأبو رجاء: رحما بفتح الراء، وكسر الحاء. وفي معنى الكلام قولان.

احدهما: أوصل للرحم وأبر للوالدين، قاله ابن عباس، وقتادة. وقال الزجاج: أقرب عطفا، وأمس بالقرابة. ومعنى الرحم والرحم في اللغة: العطف والرحمة،

قال الشاعر:

وكيف بظلم جارية  ومنها اللين والرحم

والثاني: أقرب أن يرحما به، قاله الفراء. وفيما بدلا به قولان.

احدهما: جارية، قاله الأكثرون. وروى عطاء عن ابن عباس، قال أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيا.

والثاني: غلام مسلم، قاله ابن جريج. قوله تعالى:

{وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ} يعني: القرية المذكورة في قوله:

{أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ}، قال مقاتل: واسمهما أصرم، وصريم. قوله تعالى:

{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه كان ذهبا وفضة، رواه أبو الدرداء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال الحسن، وعكرمة، وقتادة: كان مالا.

والثاني: أنه كان لوحا من ذهب، فيه مكتوب: عجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجباً لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجباً لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجباً لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، أنا اللّه الذي لا إله إلا أنا، محمد عبدي ورسولي، وفي الشق الآخر: أنا اللّه لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه،رواه عطاء عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: فسمي كنزاً من جهة الذهب، وجعل اسمه هو المغلب.

والثالث: كنز علم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد: صحف فيها علم، وبه قال سعيد بن جبير، والسدي. قال ابن الأنباري: فيكون المعنى على هذا القول: كان تحته مثل الكنز، لأنه يتعجل من نفعه أفضل مما ينال من الأموال. قال الزجاج: والمعروف في اللغة: أن الكنز إذا أفرد، فمعناه: المال المدفون المدخر، فإذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز هاهنا بالمال أشبه، وجائز أن يكون الكنز كان مالا، مكتوب فيه علم، على ماروي، فهو مال وعلم عظيم. قوله تعالى:

{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحاً} قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحا. وقال جعفر بن محمد عليه السلام: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء. وقال مقاتل: كان أبوهما ذا أمانة. قوله تعالى:

{فَأَرَادَ رَبُّكَ} قال ابن الأنباري: لما كان قوله: فأردت وأردنا كل واحد منهما يصلح أن يكون خبرا عن اللّه عز وجل، وعن الخضر، أتبعهما بما يحصر الإرادة عليه، ويزيلها عن غيره، ويكشف البغية من اللفظتين الأولين. وإنما قال: فأردت فأردنا فأراد ربك، لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني، لأنه أعذب على الألسن، وأحسن موقعا في الأسماع، فيقول الرجل: قال لي فلان كذا، وأنبأني بما كان، وخبّرني بما نال. فأما الأشد فقد سبق ذكره في مواضع [الأنعام: ١٥٢] [ويوسف: ٢٢] [والاسراء: ٣٤] ولو أن الخضر لم يقم الحائط لنقض وأخذ ذلك الكنز قبل بلوغهما. قوله تعالى:

{رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} أي: رحمهما اللّه بذلك. {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} قال قتادة: كان عبدا مأموراً. فأما قوله {تَسْطِـع} فان استطاع و اسطاع بمعنى واحد.

٨٣

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ} قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى: {وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ} [الاسراء: ٨٥]

واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال.

احدها: عبد اللّه، قاله علي عليه السلام، وروي عن ابن عباس أنه عبد اللّه ابن الضحاك.

والثاني: الاسكندر، قاله وهب.

والثالث: عياش، قاله محمد بن علي ابن الحسين.

والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة.

وفي علة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال.

احدها: أنه دعا قومه الى اللّه تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زمانا، ثم بعثه اللّه، فدعاهم الى اللّه فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله علي عليه السلام.

والثاني: أنه سمي بذي القرنين، لأنه سار الى مغرب الشمس وإلى مطلعها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.

والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء الى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقص ذلك على قومه، فسمي بذي القرنين.

الخامس: لأنه ملك الروم وفارس.

والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبه.

والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله الحسن. قال ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين، وجميرتين، وقرنين؛ قال: ومن قال سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض. يقال لهما: قرنان.

والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف.

والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس، وهو حي.

والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو اسحاق الثعلبي.

واختلفوا هل كان نبياً، أم لا؟ على قولين.

احدهما: أنه كان نبياً، قاله عبد اللّه بن عمرو، والضحاك بن مزاحم.

والثاني: أنه كان عبداً صالحاً، ولم يكن نبياً، ولا ملكا، قاله علي عليه السلام. وقال وهب: كان ملكا، ولم يوح إليه.

وفي زمان كونه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه من القرون الأول من ولد يافث بن نوح، قاله علي عليه السلام.

والثاني: أنه كان بعد ثمود، قاله الحسن.

ويقال: كان عمره ألفا وستمائة سنة.

والثالث: [أنه] كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم، قاله وهب. قوله تعالى:

{سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً} أي: خبرا يتضمن ذكره.

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلاْرْضِ} أي: سهلنا عليه السير فيها. قال علي عليه السلام: إنه أطاع اللّه، فسخر له السحاب فحمله عليه، ومد له في الأسباب، وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء. وقال مجاهد: ملك الأرض أربعة: مؤمنان، وكافران؛ فالمؤمنان: سليمان بن دواد، وذو القرنين؛ والكافران النمرود، وبختنصر. قوله تعالى:

{وَاتَيْنَـٰهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً} قال ابن عباس: علما يتسبب به الى ما يريد: وقيل: هو العلم بالطرق والمسالك. قوله تعالى:

{فَأَتْبَعَ سَبَباً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: فاتبع سببا ثم اتبع سببا ثم اتبع سببا مشددات التاء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا مقطوعات. قال ابن الأنباري: من قرأ فاتبع سببا فمعناه: قفا الأثر، ومن قرأ فأتبع فمعناه: لحق؛ يقال: اتبعني فلان، أي: تبعني، كما يقال: ألحقني فلان، بمعنى لحقني. وقال أبو علي: أتبع تقديره: أتبع سبباً سبباً، فأتبع ما هو عليه سبباً، والسبب: الطريق، والمعنى: تبع طريقا يؤديه الى مغرب الشمس. وكان إذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشا فسار بهم إلى غيرهم. قوله تعالى:

{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن وعاصم: حمئة، وهي قراءة ابن عباس. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: حامية، وهي قراءة عمرو، وعلي، وابن مسعود، والزبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والأعمش، كلهم لم يهمز. قال الزجاج: فمن قرأ: حمئة أراد في عين ذات حمأة. يقال: حمأت البئر: إذا أخرجت حمأتها؛ وأحمأتها: إذا ألقيت فيها الحمأة. وحمئت فهي حمئة: إذا صارت فيها الحمأة. ومن قرأ: حامية بغير همز، أراد: حارة. وقد تكون حارة ذات حمأة.

وروى قتادة عن الحسن، قال: وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القدور {وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً} لباسهم جلود السباع، وليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس من الدواب إذا غربت نحوها: وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت فيها الشمس. وقال ابن السائب: وجد عندها قوما مؤمنين وكافرين، يعني عند العين. وربما توهم متوهم أن هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء، وليس كذلك. فإنها أكبر من الدنيا مراراً، فكيف تسعها عين [ماء؟ٰ. وقيل: إن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مرة، وقيل: بقدر الدنيا مائة وعشرين مرة، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة]. وإنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طرفه أن الشمس تغيب في الماء، وذلك لأن ذا القرنين انتهى الى آخر البنيان فوجد عينا حمئة ليس بعدها أحد. قوله تعالى:

{قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ} فمن قال: إنه نبي، قال: هذا القول وحي، ومن قال: ليس بنبي، قال: هذا إلهام. قوله تعالى:

{إِمَّا أَن تُعَذّبَ} قال المفسرون: إما أن تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليه، وإما أن تأسرهم، فتبصرهم الرشد. {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ} أي: أشرك {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} بالقتل إذا لم يرجع عن الشرك. وقال الحسن: كان يطبخهم في القدور {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبّهِ} بعد العذاب {فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} بالنار. قوله تعالى:

{فَلَهُ جَزَاء ٱلْحُسْنَىٰ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: جزاء الحسنى برفع مضاف. قال الفراء: الحسنى الجنة، وأضيف الجزاء اليها، وهي الجزاء، كقوله: {إِنَّهُ لَحَقٌّ * ٱلْيَقِينُ} [الحاقة: ٥١] و{دِينُ ٱلقَيّمَةِ} [البينة: ٥] و{يَخَافُونَ ٱلاْخِرَةَ} [النحل: ٣٠] قال أبو علي الفارسي: المعنى: فله جزاء الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: جزاء بالنصب والتنوين؛ قال الزجاج: وهو مصدر منصوب على الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيا بها جزاء. وقال ابن الأنباري: وقد يكون الجزاء غير الحسنى إذا تأول الجزاء بأنه الثواب؛ والحسنى الحسنة المكتسبة في الدنيا، فيكون المعنى: فله ثواب ما قدّم من الحسنات. قوله تعالى:

{وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} أي: نقول له قولا جميلا.

٨٩

انظر تفسير الآية:٩١

٩٠

انظر تفسير الآية:٩١

٩١

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أي: طريقا آخر يوصله الى المشرق. قال قتادة: مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسراب عراة، ليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس إذا طلعت، فاذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس. وبلغنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، فيقال: أنهم الزنج. قال الحسن: كانوا إذا غربت الشمس خرجوا يتراعون كما يتراعى الوحش. وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: مطلع الشمس بفتح اللام. قال ابن الأنباري: ولا خلاف بين أهل العربية في أن المطلع، والمطلع كلاهما يعنى بهما المكان الذي تطلع منه الشمس. ويقولون: ما كان على فعل يفعل، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المفعل، كقولهم: المدخل، للدخول، والموضع الذي يدخل منه، إلا أحد عشر حرفا جاءت مكسورة إذا أريد بها الموضع الذي يدخل منه إلا أحد عشر حرفا جاءت مكسورة إذا أريد بها المواضع، وهي: المطلع، والمسكن، والمنسك، والمشرق، والمغرب، والمسجد، والمنبت، والمجزر، والمفرق، والمسقط، والمهبل، الموضع الذي تضع فيه الناقة؛ وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفا سمع فيهن الكسر والفتح: المطِلع، والمطلَع والمنسِك والمنسَك. والمجزِر، والمجزَر. والمسِكن، والمسَكن. والمنبِت، والمنبت؛ فقرا الحسن على الأصل من احتمال المفعل الوجهين الموصوفين بفتح العين وكسرها، وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها، وخصت الموضع بالكسر، وآثرت المصدر بالفتح. قال أبو عمرو: المطلع، بالكسر: الموضع الذي تطلع فيه؛ والمطلع، بالفتح: الطلوع؛ قال ابن الأنباري: هذا هو الأصل، ثم إن العرب تتسع فتجعل الاسم نائبا عن المصدر، فيقرؤون: {حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ} [القدر: ٥] بالكسر وهم يعنون الطلوع؛ ويقرأ من قرأ {مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ} بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه. قوله تعالى:

{كَذٰلِكَ} فيه أربعة أقوال.

احدها: كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها.

والثاني: اتبع سببا كما اتبع سبباً.

والثالث: كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم.

والرابع: أن المعنى: كذلك أمرهم كما قصصنا عليك؛ ثم استأنف فقال: {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ} بما عنده ومعه من الجيوش والعدد. وحكى أبو سليمان الدمشقي: بما لديه أي: بما عند مطلع الشمس. وقد سبق معنى الخبر [الكهف ٦٨].

٩٢

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٣

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٤

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٥

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٦

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٧

انظر تفسير الآية:٩٨

٩٨

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أي: طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قال وهب بن منبه: هما جبلان منيفان في السماء، من ورائهما البحر، من أمامهما البلدان، وهما بمنقطع أرض الترك مما يلي بلاد أرمينية.

وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: الجبلان من قبل أرمينية وأذربيجان. واختلف القراء في السدين فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم بفتح السين. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي بضمها. وهل المعنى واحد، أم لا فيه قولان.

احدها: أنه واحد. قال ابن الاعرابي: كل ما قابلك فسد ما وراءه، فهو سَدُ، وسُد، نحو: الضَعف والضُعف، والفَقر والفُقر. قال الكسائي، وثعلب: السَّد والسُّد لغتان بمعنى واحد، وهذا مذهب الزجاج.

والثاني: أنهما يختلفان.وفي الفرق بينهما قولان.

احدهما: أن ما هو من فعل اللّه تعالى فهو مضموم، وما هو ما من فعل الآدميين فهو مفتوح، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو عبيدة. قال الفراء: وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين.

والثاني: أن السد، بفتح السين: الحاجز بين الشيئين، والسد، بضمها: الغشاوة في العين، قاله أبو عمرو بن العلاء. قوله تعالى:

{وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} يعني: أمام السدين {قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: يفقهون قولا بفتح الياء، أي: لا يكادون يفهمونه. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: معناه أنهم يفهمون بعد إبطاء، وهو كقوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١]

قال المفسرون: وإنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم. وقرأ حمزة، والكسائي: يفقهون بضم الياء، أراد: يُفْهِمُون غيرهم.

وقيل: كلم ذا القرنين عنهم مترجمون ترجموا. قوله تعالى:

{إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} هما: اسمان أعجميان، وقد همزهما عاصم. قال الليث: الهمز لغة رديئة. قال ابن عباس: يأجوج رجل، ومأجوج رجل، وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام، فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء، وولد آدم كلهم جزء، وهم شبر وشبران وثلاثة أشبار. وقال علي عليه السلام منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط في الطول، ولهم من الشعر ما يواريهم من الحر والبرد. وقال الضحاك: هم جيل من الترك. وقال السدي: الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير، فجاء ذو القرنين فضرب السد، فبقيت خارجة. وروى شقيق عن حذيفة، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال: يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى ألف ذكر بين يديه من صلبه كل قد حمل السلاح؛ قلت: يا رسول اللّه صفهم لنا، قال: هم ثلاثة أصناف، صنف منهم أمثال الأرز؛ قلت: يا رسول اللّه وما الأرز؟ قال: شجر بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء؛ وصنف منهم عرضه وطوله سواء، عشرون ومائة ذراع، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه، ويلتحف بالآخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام، وساقهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية. قوله تعالى:

{مُفْسِدُونَ فِى ٱلاْرْضِ} في هذا الفساد أربعة أقوال.

احدها: أنهم كانوا يفعلون فعل قوم لوط، قاله وهب بن منبه.

والثاني: أنهم كانوا يأكلون الناس، قاله سعيد بن عبد العزيز.

والثالث: يخرجون إلى الأرض الذين شكوا منهم أيام الربيع، فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا أحتملوه إلى أرضهم، قاله ابن السائب.

والرابع: كانوا يقتلون الناس، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: خرجا بغير ألف. وقرأ حمزة، والكسائي: خراجا بألف.

وهل بينهما فرق؟ فيه قولان.

احدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة، والليث.

والثاني: أن الخرج: ما تبرعت به، والخراج: ما لزمك أداؤه، قاله أبو عمرو بن العلاء. قال المفسرون: المعنى: هل نخرج إليك من أموالنا شيئا كالجعل لك؟ قوله تعالى:

{مَا مَكَّنّى} وقرأ ابن كثير: مكنني بنونين، وكذلك هي في مصاحف مكة. قال الزجاج: من قرأ: مكني بالتشديد، أدغم النون في النون لاجتماع النونين. ومن قرأ مكنني أظهر النونين، لأنهما من كلمتين، الأولى من الفعل، والثانية تدخل مع الاسم المضمر.

وفي الذي أراد بتمكينه منه قولان.

احدهما: أنه العلم باللّه؛ وطلب ثوابه.

والثاني: ما ملك من الدنيا. والمعنى: الذي أعطاني اللّه خير مما تبذلون لي. قوله تعالى:

{فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} فيها قولان.

احدهما: أنها الرجال، قاله مجاهد، ومقاتل.

والثاني: الآلة، قاله ابن السائب. فأما الردم، فهو: الحاجز؛ قال الزجاج: والردم في اللغة أكبر من السد، لأن الردم: ما جعل بعضه على بعض، يقال: ثوب مردم: إذا كان قد رقع رقعة فوق رقعة. قوله تعالى:

{زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ} قرأ الجمهور: ردما آتوني أي: أعطوني.

وروى أبو بكر عن عاصم: ردم ايتوني بكسر التنوين، أي: جيئوني بها. قال ابن عباس: احملوها الي. وقال مقاتل: أعطوني. وقال الفراء: المعنى: إيتوني بها، فلما ألقيت الياء زيدت ألف. فأما الزبر، فهي: القطع، واحدتها: زبرة؛ والمعنى: فأتوه بها فبناه، {حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ} روى أبان إذا سوى بتشديد الواو من غير ألف. قال الفراء: ساوى وسوّى سواء. واختلف القراء في {ٱلصَّدَفَيْنِ} فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: الصُدفين بضم الصاد والدال، وهي: لغة حمير.

وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم: الصدفين بضم الصاد وتسكين الدال. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، بفتح الصاد والدال جمعيا، وهي لغة تميم، واختارها ثعلب. وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وابن يعمر: الصَّدُفين بفتح الصاد ورفع الدال. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران، والزهري، والجحدري برفع الصاد وفتح الدال. قال ابن الأنباري: ويقال: صُدَف، على مثال نُغَر وكل هذه لغات في الكلمة. قال أبو عبيدة: الصدفان: جنبا الجبل. قال الأزهري: يقال لجانبي الجبل: صدفان، إذا تحاذيا، لتصادفهما، أي: لتلاقيهما.

قال المفسرون: حشا ما بين الجبلين بالحديد، ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم، ووضع عليها المنافيخ، ثم {قَالَ ٱنفُخُواْ} فنفخوا {حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ} يعني: الحديد، وقيل: الهاء ترجع الى ما بين الصدفين {نَارًا} أي: كالنار، لأن الحديد إذا أحمي بالفحم والمنافيخ صار كالنار، {قَالَ اتُونِى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: آتوني ممدودة؛ والمعنى: أعطوني. وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: إيتوني مقصورة؛ والمعنى: جيئوني به أفرغه عليه.

وفي القطر أربعة أقوال.

احدها: أنه النحاس، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والفراء، والزجاج.

والثاني: أنه الحديد الذائب، قاله أبو عبيدة.

والثالث: الصفر المذاب، قاله مقاتل.

والرابع: الرصاص، حكاه ابن الأنباري.

قال المفسرون: أذاب القطر ثم صبه عليه، فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلا صلدا من حديد وقطر. قال قتادة: فهو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء. قوله تعالى:

{فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ} أصله: فما استطاعوا فلما كانت التاء والطاء من مخرج واحد أحبوا التخفيف فحذفوا. قال ابن الأنباري: إنما تقول العرب: اسطاع، تخفيفا، كما قالوا: سوف يقوم، وسيقوم، فأسقطوا الفاء. قوله تعالى:

{أَن يَظْهَرُوهُ} أي: يعلوه، يقال: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه، والمعنى: ما قدروا أن يعلوه

وروى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدا، فيعودون إليه فيرونه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد اللّه عز وجل ان يبعثهم على الناس، حفروا، حتى اذا كادوا يردون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدا ان شاء اللّه، ويستثني، فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس وذكر باقي الحديث؛ وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب الحدائق فكرهت التطويل هاهنا. قوله تعالى:

{قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى} لما فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا.

وفيما أشار إليه قولان.

احدهما: أنه الردم، قاله مقاتل؛ قال: فالمعنى: هذا نعمة من ربي على المسلمين لئلا يخرجوا إليهم.

والثاني: أنه التمكين الذي أدرك به عمل السد، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى} فيه قولان.

احدهما: القيامة.

والثاني: وعده لخروج يأجوج ومأجوج. قوله تعالى:

{جَعَلَهُ دَكّا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: دكا منونا غير مهموز ولا ممدود. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: دكاء ممدودة مهموزة بلا تنوين. وقد شرحنا معنى الكلمة في [الأعراف: ١٤٣]

قوله تعالى: {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً} أي: الثواب والعقاب.

٩٩

انظر تفسير الآية:١٠١

١٠٠

انظر تفسير الآية:١٠١

١٠١

قوله تعالى: و{تَّرَكْنَا * بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ} في المشار إليهم ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم يأجوج ومأجوج.

ثم في المراد ب يومئذ قولان.

احدهما: أنه يوم انقضى أمر السد، تركوا يموج بعضهم في بعض من ورائه مختلطين لكثرتهم؛ وقيل: ماجوا متعجبين من السد.

والثاني: أنه يوم يخرجون من السد تركوا يموج بعضهم في بعض.

والثاني: أنهم الكفار.

والثالث: أنهم جميع الخلائق. الجن والإنس يموجون حيارى. فعلى هذين القولين، المراد باليوم المكذور يوم القيامة.

قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ} هذه نفخة البعث. وقد شرحنا معنى الصور في [الأنعام: ٧٣]. قوله تعالى:

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} أي: أظهرناها لهم حتى شاهدوها. قوله تعالى:

{ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ} يعني: أعين قلوبهم {فِى غِطَاء} أي: في غفلة {عَن ذِكْرِى} أي: عن توحيدي والإيمان بي وبكتابي {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} هذا لعداوتهم وعنادهم وكراهتهم ما ينذرون به، كما تقول لمن يكره قولك: ما تقدر أن تسمع كلامي.

١٠٢

قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: أفظن المشركون

{ءانٍ فِى عِبَادِى} في هؤلاء العباد ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس.

والثاني: الأصنام، قاله مقاتل.

والثالث: الملائكة والمسيح وعزير وسائر المعبودات من دونه، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى:

{مِن دُونِى} فتح هذه الياء نافع، وأبو عمرو.

وجواب الاستفهام في هذه الآية محذوف، في تقديره قولان.

احدهما: أفحسبوا أن يتخذوهم أولياء، كلا بل هم أعداء لهم يتبرؤون منهم.

والثاني: أن يتخذوهم أولياء ولا أغضب ولا أعاقبهم.

وروى أبان عن عاصم، وزيد عن يعقوب: أفحسب بتسكين السين وضم الباء، وهي قراءة علي عليه السلام، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن يعمر، وابن محيصن؛ ومعناها: أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟.

فأما النزل فقيه قولان.

احدهما: أنه ما يُهيأَ للضيف والعسكر، قاله ابن قتيبة.

والثاني: أنه المنزل، قاله الزجاج.

١٠٣

انظر تفسير الآية:١٠٦

١٠٤

انظر تفسير الآية:١٠٦

١٠٥

انظر تفسير الآية:١٠٦

١٠٦

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِٱلاْخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً} فيهم قولان.

احدهما: أنهم القسيسون والرهبان، قاله علي عليه السلام، والضحاك.

والثاني: اليهود والنصارى، قاله سعد بن أبي وقاص. قوله تعالى:

{أَعْمَـٰلاً} منصوب على التمييز، لأنه لما قال: بالأخسرين كان ذلك مبهما لايدل على ما خسروه، فبين ذلك في أي نوع وقع. قوله تعالى:

{ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} أي: بطل عملهم واجتهادهم في الدنيا، وهم يظنون أنهم محسنون بأفعالهم، فرؤساؤهم يعلمون الصحيح، ويؤثرون الباطل لبقاء رئاستهم، وأتباعهم مقلدون بغير دليل. {أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ} جحدوا دلائل توحيده، وكفروا بالبعث والجزاء، وذلك أنهم بكفرهم برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والقرآن، صاروا كافرين بهذه الأشياء {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطل اجتهادهم، لأنه خلا عن الإيمان {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً} وقرأ ابن مسعود، والجحدري: فلا يقيم بالياء.

وفي معناه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه إنما يثقل الميزان بالطاعة، وانما توزن الحسنات والسيئات، والكافر لا طاعة له.

والثاني: أن المعنى: لا نقيم لهم قدرا. قال ابن الأعرابي في تفسير هذه الآية: يقال: ما لفلان عندنا وزن، أي: قدر، لخسته. فالمعنى: أنهم لا يعتد بهم، ولا يكون لهم عند اللّه قدر ولا منزلة. وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً}

والثالث: أنه قال: فلا نقيم لهم لأن الوزن عليهم لا لهم، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُم} أي: الأمر ذلك الذي ذكرت من بطلان عملهم وخسة قدرهم،ثم ابتدأ فقال {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ}، وقيل: المعنى: ذلك التصغير لهم، وجزاؤهم جهنم، فأضمرت واو الحال. قوله تعالى:

{بِمَا كَفَرُواْ} أي: بكفرهم واتخاذهم {ءايَـٰتِي} التي أنزلتها {وَرُسُلِى هُزُواً} أي: مهزوءا به.

١٠٧

انظر تفسير الآية:١٠٨

١٠٨

قوله تعالى: {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ} قال ابن الأنباري: كانت لهم في علم اللّه قبل أن يخلقوا.

وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: جنان الفردوس أربع، ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيها، وثنتان من فضة حليتها وآنيتها وما فيها، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وروى عبادة بن الصامت عن رسول اللّه أنه قال: الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس أعلاها، ومنها تفجر أنهار الجنة، فاذا سألتم اللّه تعالى فاسألوه الفردوس. قال أبو أمامة: الفردوس سره الجنة. قال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية. وقال كعب، والضحاك: جنات الفردوس: جنات الأعناب. قال الكلبي، والفراء: الفردوس: البستان الذي فيه الكرم. وقال المبرد: الفردوس فيما سمعت من كلام العرب: الشجر المتلف، والأغلب عليه العنب. وقال ثعلب: كل بستان يحوط عليه فهو فردوس، قال عبد اللّه بن رواحة: في جنات الفردوس ليس يخافو  ن خروجا عنها ولا تحويلاوقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قال الزجاج: الفردوس أصله رومي أعرب، وهو البستان، كذلك جاء في الفسير، وقد قيل: الفردوس تعرفه العرب، وتسمي الموضع الذي فيه كرم: فردوسا. وقال أهل اللغة: الفردوس مذكر، وإنما أنث في قوله تعالى: {يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ} [المؤمنون: ١١] لأنه عني به الجنة. وقال الزجاج:

وقيل: الفردوس: الأودية التي تنبت ضروبا من النبت، وقيل: هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية، قال: والفردوس أيضاً بالسريانية كذا لفظه: فردوس، قال: ولم نجده في أشعار العرب إلا في شعر حسان، وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين، لأنه عند أهل كل لغة كذلك، وبيت حسان: فان ثواب اللّه كل موحد  جنان من الفردوس فيها يخلد وقال ابن الكلبي بإسناده: الفردوس: البستان بلغة الروم، وقال الفراء: وهو عربي أيضا، والعرب تسمي البستان الذي فيه الكرم فردوساً. وقال السدي: الفردوس أصله بالنبطية فرداسا. وقال عبد اللّه بن الحارث: الفردوس: الأعناب. وقد شرحنا معنى قوله: نزلا آنفا. قوله تعالى:

{لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} قال الزجاج: لا يريدون عنها تحولا، يقال: قد حال من مكانه حولا، كما قالوا في المصادر: صغُر صغَرا، وعظُم عظَما، وعادني حبها عودا؛ قال: وقد قيل أيضا: إن الحول: الحيلة، فيكون المعنى: لايحتالون منزلا غيرها.

فإن قيل: قد علم أن الجنة كثيرة الخير، فما وجه مدحها بأنهم لايبغون عنها حولا.

فالجواب: أن الإنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه، فيحب أن ينتقل إلى دار أخرى، وقد يمل، والجنة على خلاف ذلك.

١٠٩

قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَـٰتِ رَبّى} سببب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الاسراء: ٨٥] قالت اليهود: كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. ومعنى الآية: لو كان ماء البحر مدادا يكتب به. قال مجاهد: والمعنى: لو كان البحر مدادا للقلم، والقلم يكتب. قال ابن الأنباري: سمي المداد مداداً لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء. وقرأ الحسن، والأعمش: مددا لكلمات ربي بغير ألف. قوله تعالى:

{قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبّى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: تنفد بالتاء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: ينفد بالياء. قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المسند إليه الفعل مؤنث، والتذكير حسن، لأن التأنيث ليس بحقيقي، وإنما لم تنفد كلمات اللّه، لأن كلامه صفة من صفات ولا يتطرق على صفاته النفاد، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} أي: بمثل البحر {مَدَداً} أي: زيادة؛ والمدد: كل شيء زاد في شيء.

فإن قيل: لم قال في أول الآية: مداداً وفي آخرها: مددا وكلاهما بمعنى واحد، واشتقاقهما غير مختلف؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: لما كان الثاني آخر آية، وأواخر الآيات هاهنا أتت على الفعل، والفعل، كقوله: نُزُلا هُزُوا حِوَلا كان قوله: مددا أشبه بهؤلاء الألفاظ من المداد، واتفاق المقاطع عند أواخر الآي، وانقضاء الأبيات، وتمام السجع والنثر، أخف على الألسن، وأحلى موقعا في الأسماع، فاختلفت اللفظتان لهذه العلة. وقد قرأ ابن عباس، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة، وابن محيصن: ولو جئنا بمثله مدادا فحملوها على الأولى، ولم ينظروا الى المقاطع. وقراءة الأولين أبين حجة، وأوضح منهاجا.

١١٠

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} قال ابن عباس: علم اللّه تعالى رسوله التواضع لئلا يزهى على خلقه، فأمره أن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره، إلا أنه أُكرم بالوحي. قوله تعالى:

{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ} سبب نزولها أن جندب بن زهير الغامدي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني أعمل العمل فإذا اطلع عليه سرني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه طيب لا يقبل إلا الطيب ولا يقبل ماروئي فيه فنزلت فيه هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال طاووس: جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أحب الجهاد وأحب أن يرى مكاني، فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد: جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: إني أتصدق، وأصل الرحم، ولا اصنع ذلك إلا للّه تعالى، فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به، فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.

وفي قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو} قولان.

احدهما: يخاف، قاله ابن قتيبة.

والثاني: يأمل، وهو اختيار الزجاج. وقال ابن الأنباري: المعنى: فمن كان يرجو لقاء ثواب ربه.

قال المفسرون: وذلك يوم البعث والجزاء.

{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً} لا يرائي به

{æóáÇó íõÔúÑößú ÈöÚöÈóÇÏóÉö ÑóÈøåö ÃóÍóÏ

﴿ ٠