ÓõæÑóÉõ ãóÑúíóãó ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ËóãóÇäò æóÊöÓúÚõæäó ÂíóÉð سورة مريم وهي مكية بإجماعهم من غير خلاف علمناه. وقال مقاتل: هي مكية غير سجدتها، فانها مدنية. وقال هبة اللّه المفسر: هي مكية غير آيتين منها، قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} والتي تليها [مريم: ٦٠/ ٥٩]. بسم اللّه الرحمن الرحيم. _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٦ ٢ انظر تفسير الآية:٦ ٣ انظر تفسير الآية:٦ ٤ انظر تفسير الآية:٦ ٥ انظر تفسير الآية:٦ ٦ قوله تعالى: {كهيعص} قرأ ابن كثير: كهيعص ذكر بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء صاد. وقرأ أبو عمرو: كهيعص بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال، وكان نافع بالهاء يلفظ والياء بين الكسر والفتح، ولا يدغم الدال التي في هجاء صاد في الذال من ذكر. وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي، بكسر الهاء والياء، إلا أن الكسائي لا يبين الدال، وعاصم يبينها. وقرأ ابن عامر، وحمزة، بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان. وقرأ أبي بن كعب: كهيعص برفع الهاء وفتح الياء. وقد ذكرنا في أول البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خصّ المفسرون هذه الحروف المذكورة هاهنا بأربعة أقوال. احدها: أنها حروف من أسماء اللّه تعالى، قاله الأكثرون. ثم أختلف هؤلاء في الكاف من أي اسم هو، على أربعة أقوال. احدها: أنه من اسم اللّه الكبير. والثاني: من الكريم. والثالث: من الكافي، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع: أنه من الملك، قاله محمد بن كعب. فأما الهاء، فكلهم قالوا: هي من اسمه الهادي، إلا القرظي فانه قال: من اسمه اللّه. وأما الياء، ففيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها من حكيم. والثاني: من رحيم. والثالث: من أمين، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس فأما العين ففيها أربعة أقوال. احدها: أنها من حكيم. والثاني: من رحيم. والثالث: من أمين روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. فأما العين، ففيها أربعة أقوال. احدها: أنها من عليم. والثاني: من عالم. والثالث: من عزيز، رواها أيضا سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع: أنها من عدل، قاله الضحاك. وأما الصاد، ففيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها من صادق. والثاني: من صدوق، رواهما سعيد بن جبير أيضا عن ابن عباس. والثالث: من الصمد، قاله محمد بن كعب. والقول الثاني: أن كهيعص قسم أقسم اللّه به، وهو من أسمائه، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: هو اسم من اسماء اللّه تعالى وروي عنه أنه كان يقول يا كهيعص اغفر لي قال الزجاج: والقسم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد، لأن الداعي إذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات اللّه فدعا بها، فكأنه قال: يا كافي، يا هادي، يا عالم، يا صادق، وإذا أقسم بها، فكأنه قال: والكافي الهادي العالم الصادق، واسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهج، النية فيها الوقف. والثالث: أنه اسم للسورة قاله الحسن ومجاهد. والرابع: اسم من اسماء القرآن، قاله قتادة. فإن قيل: لم قالوا: هايا، ولم يقولوا في الكاف: كا، وفي العين: عا، وفي الصاد: صا، لتتفق المباني كما اتفقت العلل؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة، فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم، فيغيرون بعض الكلم ليختلف الوزن وتتغير المباني، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الاسماع. قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ} قال الزجاج: الذكر مرفوع بالمضمر، المعنى: هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك عبده. قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير؛ المعنى: ذكر ربك عبده بالرحمة، وزكريا في موضع نصب. قوله تعالى: {إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ} النداء هاهنا بمعنى الدعاء. وفي علة إخفائه لذلك ثلاثة أقوال. احدها: ليبعد عن الرياء، قاله ابن جريج. والثاني: لئلا يقول الناس: انظروا الى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر، قاله مقاتل. والثالث: لئلا يعاديه بنو عمه، ويظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده، ذكره أبو سليمان الدمشقي. وهذه القصة تدل على أن المستحب إسرار الدعاء، ومنه الحديث: إنكم لا تدعون أصم. قوله تعالى: {قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّى} وقرأ معاذ القارىء، والضحاك: وهن بضم الهاء، أي: ضعف. قال الفراء: وغيره: وهن العظم، ووهن، بفتح الهاء وكسرها؛ والمستقبل على الحالين كليهما: يهن. وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره؛ وإنما خص العظم، لأنه الأصل في التركيب. وقال قتادة: شكا ذهاب أضراسه. قوله تعالى: {وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً} يعني: انتشر الشيب فيه، كما ينتشر شعاع النار في الحطب، وهذا من أحسن الاستعارات. {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ} أي: بدعائي إياك {رَبّ شَقِيّاً} أي: لم أكن أتعب بالدعاء ثم أخيّب، لأنك قد عودتني الإجابة؛ يقال: شقي فلان بكذا، إذا تعب بسببه، ولم ينل مراده. قوله تعالى: {وَإِنّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِىَ} يعني: الذين يلونه في النسب وهم بنو العم والعصبة {مِن وَرَائِى} أي: من بعد موتي. وفي ما خافهم عليه قولان. احدهما: أنه خاف أن يرثوه، قاله ابن عباس: فان اعترض عليه معترض، فقال: كيف يجوز لنبي أن ينفس على قراباته بالحقوق المفروضة لهم بعد موته؟ فعنه جوابان. احدهما: أنه لما كان نبيا، والنبي لا يورث، خاف أن يرثوا ماله فيأخذوا مالا يجوز لهم. والثاني: أنه غلب عليه طبع البشر، فأحب أن يتولى ماله ولده، ذكرهما ابن الأنباري. قلت: وبيان هذا أنه لا بد أن يتولى ماله و إن ولم يكن ميراثا، فأحب أن يتولاه ولده. والقول الثاني: أنه خاف تضييعهم للدين ونبذهم إياه، ذكره جماعة من المفسرين. وقرأ عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللّه بن عمرو، وابن جبير، ومجاهد، وابن أبي شريح عن الكسائي: خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء؛ على معنى قلت فعلى هذا يكون إنما خاف على علمه ونبوته ألا يورثا فيموت العلم. وأسكن ابن شهاب الزهري ياء الموالي. قوله تعالى: {مِن وَرَائِى} أسكن الجمهور أسكن الجهور هذه الياء، وفتحها ابن كثير في رواية قنبل. وروى عنه شبل: وراي مثل عصاي. قوله تعالى: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} أي: من عندك {وَلِيّاً} أي: ولدا صالحا يتولاني. قوله تعالى: {يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: يرثني ويرث برفعهما. وقرأ أبو عمرو، والكسائي: يرثني ويرث بالجزم فيهما. قال أبو عبيدة: من قرأ بالرفع، فهو على الصفة للولي؛ فالمعنى: هب لي وليا وارثا، ومن جزم، فعلى الشرط والجزاء، كقولك: ان وهبته إن وهبته لي ورثني. وفي المراد بهذا الميرث أربعة اقوال. احدها: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال ابو صالح. والثاني: يرثني العلم، ويرث من آل يعقوب الملك، فأجابه اللّه تعالى إلى وراثة العلم دون الملك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا. والثالث: يرثني نبوتي وعلمي، ويرث من آل يعقوب النبوة، أيضا قاله الحسن. والرابع: يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء. قال مجاهد: كان زكريا من ذرية يعقوب، وزعم الكلبي أن آل يعقوب كانوا أخواله، وأنه ليس بيعقوب أبي يوسف. وقال مقاتل: هو يعقوب بن ماثان، وكان يعقوب هذا وعمران ـ أبو مريم ـ أخوين. والصحيح: أنه لم يرد ميراث المال لوجوه. احدها: أنه قد صح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة. والثاني: أنه لا يجوز أن يتأسف نبي اللّه على مصير ماله بعد موته إذا وصل إلى وراثه المستحق له شرعا. والثالث: أنه لم يكن ذا مال. وقد روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن زكريا كان نجارا. قوله تعالى: {وَٱجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً} قال اللغويون: أي: مرضيا، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: مقتول وقتيل. ٧ انظر تفسير الآية:١١ ٨ انظر تفسير الآية:١١ ٩ انظر تفسير الآية:١١ ١٠ انظر تفسير الآية:١١ ١١ قوله تعالى: {رَضِيّاً يٰزَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ} في الكلام إضمار، تقديره: فاستجاب اللّه له فقال: يا زكريا إنا نبشرك. وقرأ حمزة: نبشرك بالتخفيف. وقد شرحنا هذا في [آل عمران: ٣٩]. قوله تعالى: {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} فيه ثلاثة أقوال. احدها: لم يسم يحيى قبله، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقتادة، وابن زيد، والأكثرون. إن اعترض معترض، فقال: ما وجه المدحة باسم لم يسم به أحد قبله، ونرى كثيرا من الأسماء لم يسبق اليها؟ فالجواب: أن وجه الفضيلة أن اللّه تعالى تولى تسميته، ولم يكل ذلك إلى أبويه، فسماه باسم لم يسبق اليه. والثاني: لم تلد العواقر مثله ولداً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لم نجعل له نظيراً. والثالث: لم نجعل له من قبل مثلا وشبها، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون عدم الشبه من حيث أنه لم يعص ولم يهم بمعصية. وما بعد هذا مفسر في [آل عمران: ٣٩] إلى قوله: {وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا}. وفي معنى كانت قولان. احدهما: انه توكيد للكلام، فالمعنى: وهي عاقر، كقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: ١١٠] أي: أنتم. والثاني: أنها كانت منذ كانت عاقرا، لم يحدث ذلك بها، ذكرهما ابن الأنباري، واختار الأول. قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وابو بكر عن عاصم: عتيا وبكيا [مريم: ٥٨] وصليا [مريم: ٧٠] بضم أوائلها. وقرأ حمزة، والكسائي، بكسر أوائلها، وافقهما حفص عن عاصم، إلا في قوله: بكيا فانه ضم أوله. وقرأ ابن عباس،ومجاهد: عسيا بالسين قال مجاهد: عتيا هو قحول العظم. وقال ابن قتيبة: أي يبسا؛ يقال: عتا وعسا بمعنى واحد. قال الزجاج: كل شيء انتهى، فقد عتا يعتوعتياً، وعتواً، وعسواً، وعسياً. قوله تعالى: {قَالَ كَذٰلِكَ} أي: الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي: خلق يحيى علي سهل. معاذ القارىء، وعاصم الجحدري: هين بإسكان الياء. {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ} أي: أوجدتك. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: خلقتك. وقرأ حمزة، والكسائي: خلقناك بالنون والألف. {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} المعنى: فخلق الولد، كخلقك. وما بعد هذا مفسر في [آل عمران: ٣٩] إلى قوله: {ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} قال الزجاج: سويا منصوب على الحال، والمعنى: تمنع عن الكلام وأنت سوي. قال ابن قتيبة: أي: سليما غير أخرس. قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ} وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها أمرأته {مِنَ ٱلْمِحْرَابِ} أي: من مصلاه وقد ذكرناه في [آل عمران: ٣٩]. قوله تعالى: {فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ} فيه قولان. احدهما: أنه كتب إليهم في كتاب، قاله ابن عباس. والثاني: أومأ برأسه ويديه، قاله مجاهد. قوله تعالى: {أَن سَبّحُواْ} أي: صلوا {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} قد شرحناه في [آل عمران: ٣٩] والمعنى: أنه كان يخرج إلى قومه فيأمرهم بالصلاة بكرة وعشياً، فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إشارة. ١٢ انظر تفسير الآية:١٥ ١٣ انظر تفسير الآية:١٥ ١٤ انظر تفسير الآية:١٥ ١٥ قوله تعالى: {وَلاَ يَحْيَىٰ} قال الزجاج: المعنى: فوهبنا له يحيى، وقلنا له: يا يحيى {خُذِ ٱلْكِتَـٰبَ} يعني: التوراة، وكان مأموراً بالتمسك بها. وقال ابن الأنباري: المعنى: اقبل كتب اللّه كلها إيمانا بها واستعمالاً لأحكامها. وقد شرحنا في [البقرة: ٦٣] معنى قوله: {بِقُوَّةٍ}. قوله تعالى: {وَاتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ} فيه أربعة أقوال. احدها: أنه الفهم، قاله مجاهد. والثاني: اللب، قاله الحسن، وعكرمة. والثالث: العلم، قاله ابن السائب. والرابع: حفظ التوراة وعلمها، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد زدنا هذا شرحاً في سورة [يوسف: ٢٣] وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم، فهو ممن أوتي الحكم صبياً. فأما قوله: {صَبِيّاً} ففي سنه يوم أوتي الحكم قولان. احدهما: أنه سبع سنين، رواه ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. والثاني: ثلاث سنين، قاله قتادة، ومقاتل. قوله تعالى: {وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} قال الزجاج: أي: وآتيناه حنانا. وقال ابن الأنباري: المعنى: وجعلناه حنانا لأهل زمانه. وفي الحنان ستة أقوال. احدها: أنه الرحمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والفراء، وأبو عبيدة، وأنشد: تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالاقال: وعامة ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض قال ابن قتيبة: ومنه يقال: تحنن علي، وأصله من حنين الناقة على ولدها. وقال ابن الأنباري: لم يختلف اللغويون أن الحنان: الرحمة، والمعنى: فعلنا ذلك رحمة لأبويه، وتزكية له. والثاني: أنه التعطف من ربه عليه، قاله مجاهد. والثالث: أنه اللين، قاله سعيد بن جبير. والرابع: البركة، وروي عن ابن جبير أيضاً. والخامس: المحبة، قاله عكرمة، وابن زيد. والسادس: التعظيم، قاله عطاء بن أبي رباح. وفي قوله: {وَزَكَوٰةً} أربعة أقوال. احدها: أنها العمل الصالح، قاله الضحاك، وقتادة. والثاني: أن معنى الزكاة: الصدقة، فالتقدير: إن اللّه تعالى جعله صدقة تصدق بها على أبويه، قاله ابن السائب. والثالث: أن الزكاة: التطهير، قاله الزجاج. والرابع: أن الزكاة: الزيادة، فالمعنى: وآتيناه زيادة في الخير على ما وصف وذكر، قاله ابن الأنباري. قوله تعالى: {وَكَانَ تَقِيّا} قال ابن عباس: جعلته يتقيني، لا يعدل بي غيري. قوله تعالى: {وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ} أي: وجعلناه براً بوالديه، والبر بمعنى: البار؛ والمعنى: لطيفاً بهما، محسناً إليهما. والعصي بمعنى: العاصي. وقد شرحنا معنى الجبار في [هود: ٥٩]. قوله تعالى: {وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ} فيه قولان. احدهما: أنه السلام المعروف من اللّه تعالى، قال عطاء: سلام عليه مني في هذه الأيام؛ وهذا اختيار أبي سليمان. والثاني: أنه بمعنى: السلامة، قاله ابن السائب. فإن قيل: كيف خص التسليم عليه بالأيام، وقد يجوز أن يولد ليلاً ويموت ليلاً؟ فالجواب: أن المراد باليوم الحين والوقت، على ما بينا في قوله: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣].قال ابن عباس: وسلام عليه حين ولد. وقال الحسن البصري: التقى يحيى وعيسى، فقال يحيى لعيسى: أنت خير مني، فقال عيسى ليحيى: بل أنت خير مني، سلم اللّه عليك، وأنا سلمت على نفسي. وقال سعيد بن جبير مثله: إلا أنه قال أثنى اللّه عليك، وأنا أثنيت على نفسي. وقال سفيان بن عيينه: أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن، يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم يره، فخص اللّه تعالى يحيى فيها بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة. ١٦ انظر تفسير الآية:٢١ ١٧ انظر تفسير الآية:٢١ ١٨ انظر تفسير الآية:٢١ ١٩ انظر تفسير الآية:٢١ ٢٠ انظر تفسير الآية:٢١ ٢١ قوله تعالى: {وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ} يعني: القرآن {مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ} قال أبو عبيدة: تنحت واعتزلت {مَكَاناً شَرْقِياً} مما يلي المشرق، وهو عند العرب خير من الغربي. قوله تعالى: {فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم} يعني: أهلها {حِجَاباً} أي: ستراً وحاجزاً، وفيه ثلاثة أقوال. احدها: أنها ضربت ستراً، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن الشمس أظلتها، فلم يرها أحد منهم، وذلك مما سترها اللّه به، وروي هذا المعنى عن ابن عباس أيضاً. والثالث: أنها اتخذت حجاباً من الجدران، قاله السدي عن أشياخه. وفي سبب انفرادها عنهم قولان. احدهما: أنها انفردت لتطهر من الحيض وتمتشط، قاله ابن عباس. والثاني: لتفلي رأسها، قاله عطاء. قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} وهو جبريل في قول الجمهور. وقال ابن الأنباري: صاحب روحنا، وهو جبريل. والروح بمعنى: الروح والفرح، ثم تضم الراء لتحقيق مذهب الاسم، وإبطال طريق المصدر، ويجوز أن يراد بالروح هاهنا: الوحي وجبريل صاحب الوحي. وفي وقت مجيئه إليها ثلاثة أقوال. احدها: وهي تغتسل. والثاني: بعد فراغها، ولبسها الثياب. والثالث: بعد دخولها بيتها، وقد قيل: المراد بالروح هاهنا: الروح الذي خلق منه عيسى، حكاه الزجاج، والماوردي، وهو مضمون كلام أبي بن كعب فيما سنذكره عند قوله: {فَحَمَلَتْهُ}. قال ابن الأنباري: وفيه بعد، لقوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}، والمعنى: تصور لها في صورة البشر التام الخلقة. وقال ابن عباس: جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد قطط حين طر شاربه. قرأ أبو نهيك: فأرسلنا إليها روحنا بفتح الراء، من الروح. قوله تعالى: {قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} المعنى: إن كنت تتقي اللّه، فستنتهي بتعوذي منك، هذا هو القول عند المحققين. وحكي عن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل اسمه تقي، وكان فاجراً، فظنته إياه، ذكره ابن الأنباري، والماوردي. وفي قراءة علي عليه السلام، وابن مسعود، وأبي رجاء: إلا أن تكون تقياً. قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} أي: فلا تخافي {أَحْلَلْنَا لَكَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: لأهب لك بالهمز. وقرأ أبو عمرو، وورش عن نافع: ليهب لك بغير همز. قال الزجاج: من قرأ ليهب فالمعنى: أرسلني ليهب، ومن قرأ لأهب فالمعنى: أرسلت إليك لأهب لك. وقال ابن الأنباري: المعنى: أرسلني يقول لك: أرسلت رسولي إليك لأهب لك. قوله تعالى: {غُلَـٰماً زَكِيّاً} أي: طاهراً من الذنوب. والبغي: الفاجرة الزانية. قال ابن الانباري: وإنما لم يقل: بغية لأنه وصف يغلب على النساء، فقلما تقول العرب: رجل بغي؛ فيجري مجرى حائض، وعاقر. وقال غيره: إنما لم يقل: بغية لأنه مصروف عن وجهه، فهو فعيل بمعنى: فاعل. ومعنى الآية: ليس لي زوج، ولست بزانية، وإنما يكون الولد من هاتين الجهتين. {قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ} قد شرحناه في قصة زكريا، والمعنى: أنه يسير علي أن أهب لك غلاماً من غير أب. {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ} أي: دلالة على قدرتنا كونه من غير أب. قال ابن الأنباري: إنما دخلت الواو في قوله: {وَلِنَجْعَلَهُ} لأنها عاطفة لما بعدها على كلام مضمر محذوف، تقديره: قال ربك خلقه علي هين لننفعك به ولنجعله عبرة. قوله تعالى: {وَرَحْمَةً مّنَّا} أي: لمن تبعه وآمن به {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} أي: وكان خلقه أمراً محكوماً به، مفروغا عنه، سابقاً في علم اللّه تعالى كونه. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦ قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ} يعني: عيسى. وفي كيفية حملها له قولان. احدهما: أن جبريل نفخ في جيب درعها، فاستمر بها حملها، رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس. قال السدي: نفخ في جيب درعها وكان مشقوقا من قدامها، فدخلت النفخة في صدرها فحملت من وقتها. والثاني: الذي خاطبها هو الذي حملته، ودخل من فيها، قاله أبي بن كعب. وفي مقدار حملها سبعة أقوال. احدها: أنها حين حملت وضعت، قاله ابن عباس، والمعنى: أنه ما طال حملها، وليس المراد أنها وضعته في الحال، لأن اللّه تعالى يقول: {فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ}، وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتاً يحتمل الانتباذ به. والثاني: أنها حملته تسع ساعات، ووضعت من يومها، قاله الحسن. والثالث: تسعة أشهر، قاله سعيد بن جبير، وابن السائب. والرابع: ثلاث ساعات، حملته في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، قاله مقاتل بن سليمان. والخامس: ثمانية أشهر، فعاش، ولم يعش مولود قط لثمانية أشهر، فكان في هذا آية، حكاه الزجاج. والسادس: في ستة أشهر، حكاه الماوردي. والسابع: في ساعة واحدة، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: {فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ} يعني بالحمل {مَكَاناً قَصِيّاً} أي: بعيداً. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: {قاصياً}. قال ابن اسحاق: مشت ستة أميال. قال الفراء: القصي والقاصي بمعنى واحد. وقال غير الفراء: القصي والقاصي بمنزلة الشهيد والشاهد. وإنما بعدت، فراراً من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج. قوله تعالى: {قَصِيّاً فَأَجَاءهَا ٱلْمَخَاضُ} وقرأ عكرمة، وإبراهيم النخعي، وعاصم الجحدري: المخاص بكسر الميم.قال الفراء: المعنى: فجاء بها المخاص، فلما ألقيت الباء، جعلت في الفعل ألفاً، ومثله: {غَدَاءنَا لَقَدْ} [الكهف: ٦٣] أي: ومثله: {زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ} [الكهف: ٩٦] أي: بزبر الحديد. قال أبو عبيدة: أفعلها من جاءت هي، وأجاءها غيرها. وقال ابن قتيبة: المعنى: جاء بها، وألجأها، وهو من حيث: يقال جاءت بي الحاجة إليك، وأجاءتني الحاجة إليك، والمخاض: الحمل. وقال غيره: المخاض: وجع الولادة. {إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ} وهو ساق النخلة، وكانت نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا سعف. {قَالَتْ يٰأَيُّهَا لَيْتَنِى * مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا} اليوم، أو هذا الأمر. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: مِت بكسر الميم. وفي سبب قولها هذا قولان. احدهما: أنها قالته حياء من الناس. والثاني: لئلا يأثموا بقذفها. قوله تعالى: {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، بكسر النون. وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: نسيا بفتح النون، قال الفراء: وأصحاب عبد اللّه يقرؤون: نسيا بفتح النون، وسائرالعرب بكسرها، وهما لغتان، مثل الجَسر والجِسر، والوتر والوتر، والفتح أحب اليّ. قال أبو علي الفارسي: الكسر على اللغتين. وقال ابن الأنباري: من كسر النون قال: النسي: اسم لما ينسى، بمنزلة البغض اسم لما يبغض، والسب اسم لما يسب. والنسي بفتح النون: اسم لما ينسى أيضاً على أنه مصدر ناب عن الاسم، كما يقال: الرجل دَنِف ودَنَف. فالمكسور: هو الوصف الصحيح، والمفتوح: مصدر سد مسد الوصف. ويمكن أن يكون النسي والنسي اسمين لمعنى، كما يقال: الرِطل والرَطل.وللمفسرين في قوله تعالى: {نَسْياً مَّنسِيّاً} خمسة أقوال. احدها: يا ليتني لما أكن شيئا، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وابن زيد. والثاني: وكنت نسيا منسيا أي: دم حيضة ملقاة، قاله مجهد، وسعيد ابن جبير، وعكرمة. قال الفراء: النسي: ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها. وقال ابن الأنباري: هي خرق الحيض تلقيها المرأة فلا تطلبها ولا تذكرها. والثالث: أنه السقط، قاله ابو العالية، والربيع. والرابع: أن المعنى: يا ليتني لا يدري من أنا، قاله قتادة. والخامس: أنه الشيء التافه يرتحل عنه القوم، فيهون عليهم فلا يرجعون إليه، قاله ابن السائب. وقال أبو عبيدة: النسي، والمنسي ما ينسى من إدارة وعصا.يعني أنه ينسى في المنزل، فلا يرجع إليه لاحتقار صاحبه إياه. وقال الكسائي: معنى الآية: ليتني كنت ما إذا ذكر لم يطلب. قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: من تحتها بفتح الميم، والتاء. قرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: من تحتها بكسر الميم والتاء، فمن قرأ بكسر الميم، ففيه وجهان. احدهما: ناداها الملك من تحت النخلة. وقيل: كانت على نشز، فناداها الملك أسفل منها. والثاني: ناداها عيسى لما خرج من بطنها. قال ابن عباس: كل مارفعت إليه طرفك، فهو فوقك، وكل ما خفضت إليه طرفك، فهو تحتك، ومن قرأ بفتح الميم، ففيه الوجهان المذكوران. وكان الفراء يقول: ما خاطبها إلا الملك على القراءتين جميعا. قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} فيه قولان. احدهما: أنه النهر الصغير، قاله جمهور المفسرين، واللغويون، قال أبو صالح، وابن جريج: هو الجدول بالسريانية. والثاني: أنه عيسى كان سريا من الرجال، قاله الحسن، وعكرمة، وابن زيد. قال ابن الأنباري: وقد رجع الحسن عن هذا القول الى القول الأول، ولو كان وصفا لعيسى، كان غلاما سرياً أو سوياً من الغلمان، وقلما تقول العرب: رأيت عندك نبيلاً، حتى يقولوا: رجلا نبيلاً. فإن قيل: كيف ناسب تسليتها إن قيل: لا تحزني، فهذا نهر يجري؟ فالجواب: من وجهين. احدهما: أنها حزنت لجدب مكانها الذي ولدت فيه، وعدم الطعام والشراب والماء الذي تتطهر به، فقيل: لا تحزني قد أجرينا لك نهراً، وأطلعنا لك رطباً، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنها حزنت لما جرى عليها من ولادة ولد عن غير زوج، فأجرى اللّه تعالى لها نهراً، فجاءها من الأردن، وأخرج لها الرطب من الشجرة اليابسة، فكان ذلك آية تدل على قدرة اللّه تعالى في إيجاد عيسى، قاله مقاتل. قوله تعالى: {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} الهز التحريك. والباء في قوله تعالى: {بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ} فيها قولان. احدهما: أنها زائدة مؤكدة، كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاء} [الحج: ١٥] قال الفراء: معناه: فليمدد سبباً. والعرب تقول: هزه، وهز به، وخذ الخطام، وخذ بالخطام، وتعلق زيدا، وتعلق به. وقال أبو عبيدة: هي مؤكدة، كقول الشاعر: نضرب بالسيف ونرجو بالفرج والثاني:أنها دخلت على الجذع لتلصقه بالهز، فهي مفيدة للالصاق، قاله ابن الأنباري. قوله تعالى: {تُسَـٰقِطْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: تساقط بالتاء مشددة السين. وقرأ حمزة، وعبد الوارث: تساقط بالتاء مفتوحة مخففة السين. وقرأ حفص عن عاصم: تساقط بضم التاء وكسر القاف مخففة السين. وقرأ يعقوب، وأبو زيد عن المفضل: يساقط بالياء مفتوجة وتشديد السين وفتح القاف. فهذه القراآت المشاهير. وقرأ أبي بن كعب، وأبو حيوة: «تسقط» بفتح التاء وسكون السين ورفع القاف. وقرأ عبد اللّه بن عمرو، وعائشة، والحسن: يساقط بألف وتخفيف السين ورفع الياء وكسر القاف. وقرأ الضحاك، وعمرو بن دينار: يسقط برفع الياء وكسر القاف مع سكون السين وعدم الألف. وقرأ عاصم، الجحدري، وأبو عمران الجوني مثله، إلا أنه بالتاء، وقرأ معاذ القارىء، وابن يعمر مثله، إلا أنه بالنون. وقرأ أبو زرين العقيلي، وابن ابي عبلة: يسقط بالياء مفتوحة مع سكون السين ورفع القاف. وقرأ أبو السماك العدوي، وابن حزام: تتساقط بتاءين مفتوحين وبألف. وقال الزجاج: من قرأ يسَّاقط فالمعنى: يتساقط فأدغمت التاء في السين، ومن قرأ تساقط بالتاء والتخفيف، فإنه حذف من تتساقط اجتماع التاءين. ومن قرأ يساقط ذهب إلى معنى: يساقط الجذع عليك. ومن قرأ نساقط بالنون، فالمعنى: نحن نساقط عليك، فنجعله لك آية، والنحويون يقولون: إن رطبا منصوب على التمييز إذا قلت: يساقط او يتساقط، المعنى: يتساقط الجزع رطبا. وإذا قلت: تساقط بالتاء، فالمعنى: تتساقط النخلة رطبا. قوله تعالى: {جَنِيّاً} قال الفراء: الجني: المجتنى، وقال ابن الأنباري: هو الطري، والأصل: مجنو، صرف من مفعول إلى فعيل، كما يقال: قديد، وطبيخ. وقال غيره: هو الطري بغباره: ولم يكن لتلك النخلة رأس، فأنبته اللّه تعالى، فلما وضعت يدها عليها، سقط الرطب رطبا. وكان السلف يستحبون للنفساء الرطب من أجل مريم عليها السلام. قوله تعالى: {فَكُلِى} أي: من الرطب {وَٱشْرَبِى} من النهر {وَقَرّى عَيْناً} بولادة عيسى عليه السلام. قال الزجاج: يقال: قررت به عينا أقر، بفتح القاف في المستقبل، وقررت في المكان أقر، بكسر القاف، وعينا: منصوب على التمييز. وروى ابن الأنباري عن الأصمعي: أنه قال: معنى وقري عينا؛ ولتبرد دمعتك، لأن دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن حارة. واشتقاق قري من القرور، وهو الماء البارد. وقال لنا أحمد بن يحيى:تفسير قري عينا بلغت غاية أملك حتى تقر عينك من الاستشراف إلى غيره، واحتج بقول عمرو بن كلثوم: بيوم كريهة ضربا وطعنا أقر به مواليك العيوناأي: ظفروا وبلغوا منتهى أمنيتهم، فقرت عينهم من تطلع الى غيره. قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} وقرأ ابن عباس، وأبو مجلز، وابن السميفع، والضحاك، وأبو العالية، وعاصم الجحدري: ترئن بهمزة مكسورة من غير ياء. أي: إن رأيت من البشر أحدا فقولي؛ وفيه إضمار تقديره: فسألك عن أمر ولدك. فقولي {إِنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً} فيه قولان. احدهما: صمتاً، قاله ابن عباس، وأنس بن مالك، والضحاك؛ وكذلك قرأ أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وأبو رزين العقيلي: صمتاً مكان قوله: صوماً. وقرأ ابن عباس: صياماً. والثاني: صوماً عن الطعام والشراب والكلام، قاله قتادة. وقال ابن زيد: كان المجتهد من بني إسرائيل يصوم عن الكلام كما يصوم عن الطعام، إلا من ذكر اللّه عز وجل. قال السدي: فأذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت. قال ابن مسعود: أمرت بالصمت، لأنها لم تكن لها حجة عند الناس، فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها مما يبرىء بها ساحتها. وقيل: كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس. قال ابن الأنباري: الصوم في لغة العرب على أربعة معان، يقال: يوم لترك الطعام والشراب، وصوم للصمت، وصوم لضرب من الشجر، وصوم لذرق النعام. واختلف العلماء في مقدار سن مريم يوم ولادتها على ثلاثة أقوال. احدها: أنها ولدت وهي بنت خمس عشرة سنة، قاله وهب بن منبه. والثاني: بنت اثنتي عشرة سنة، قاله زيد بن أسلم. والثالث: بنت ثلاث عشرة سنة، قاله مقاتل. ٢٧ انظر تفسير الآية:٣٣ ٢٨ انظر تفسير الآية:٣٣ ٢٩ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٠ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣١ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٢ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٣ قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} قال ابن عباس في رواية أبي صالح: أتتهم به بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها. وقال في رواية الضحاك: انطلق قومها يطلبونها، فلما رأتهم حملت عيسى فتلقتهم به، فذلك قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}. فإن قيل: أتت به يغني عن تحمله فلا فائدة للتكرير. فالجواب: أنه لما ظهرت منه آيات، جاز أن يتوهم السامع فأتت به أن يكون ساعياً على قدميه، فيكون سعية آية كنطقه، فقطع ذلك التوهم، وأعلم أنه كسائر الأطفال، وهذا مثل قول العرب: نظرت إلى فلان بعيني، فنفوا بذلك نظر العطف؛ والرحمة، وأثبتوا أنه نظر عين. وقال ابن السائب: لما دخلت على قومها بكوا، وكانوا قوماً صالحين؛ و{قَالُواْ ياَ مَرْيَمَ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} وفيه ثلاثة أقوال. احدها: شيئاً عظيماً، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الفراء: الفري: العظيم، والعرب تقول: تركته يفري الفري، إذا عمل فأجاد العمل ففضل الناس، قيل هذا فيه، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: فما رأيت عبقريا يفري فري عمر. والثاني: عجباً فائقاً، قاله أبو عبيدة. والثالث: شيئاً مصنوعاً، ومنه يقال: فريت الكذب، وافتريته، قاله اليزيدي. قوله تعالى: {فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ} في المراد بهارون هذا خمسة أقوال. احدها: أنه أخ لها من أمها، وكان من أمثل فتى في بني إسرائيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس. و قال الضحاك: كان من أبيها وأمها. والثاني: أنها كانت من بني هارون، قاله الضحاك عن ابن عباس. وقال السدي: كانت من بني هارون أخي موسى عليهما السلام، فنسبت إليه، لأنها من ولده. والثالث: أنه رجل صالح كان في بني اسرائيل، فشبهوها به في الصلاح، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقتادة، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا: ألستم تقرؤون: يا أخت هارون وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمعون بأنبيائهم والصالحين قبلهم. والرابع: أن قوم هارون كان فيهم فساق وزناة، فنسبوها إليهم، قاله سعيد بن جبير. والخامس: أنه رجل من فساق بني إسرائيل شبهوها به، قاله وهب بن منبه. هذا يخرج في معنى الأخت قولان. احدهما: أنها الأخت حقيقة. والثاني: المشابهة، لا المناسبة، كقوله تعالى: {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: ٤٨]. قوله تعالى: {مَا كَانَ أَبُوكِ} يعنون: عمران {ٱمْرَأَ سَوْء} أي: زانياً {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيّاً} أي: زانية، فمن أين لك هذا الولد؟ٰ قوله تعالى: {فَأَشَارَتْ} أي: أومأت {إِلَيْهِ} أي: إلى عيسى فتكلم. وقيل المعنى: أشارت إليه أن كلموه. وكان عيسى قد كلمها حين أتت قومها، وقال: يا أماه أبشري فإني عبد اللّه ومسيحه، فلما أشارت أن كلموه، تعجبوا من ذلك، و{قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ} وفيها أربعة أقوال. احدها: أنها زائدة فالمعنى كيف نكلم صبياً في المهد؟ٰ. والثاني: أنها في معنى: وقع، وحدث. والثالث: أنها في معنى الشرط والجزاء، فالمعنى: من يكن في المهد صبياً، فكيف نكلمه؟ٰ حكاها الزجاج، واختار الأخير منها؛ قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي؟ٰ أي: من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل في الجزاء. والرابع: أن كان بمعنى: صار، قاله قطرب. وفي المراد بالمهد قولان. احدهما: حجرها، قاله نوف، وقتادة، والكلبي. والثاني: سرير الصبي المعروف، حكاه الكلبي أيضاً. قال السدي: فلما سمع عيسى كلامهم، لم يزد على أن ترك الرضاع، وأقبل عليهم بوجهه، فقال: إني عبد اللّه. قال المفسرون: إنما قدم ذكر العبودية، ليبطل قول من ادعى فيه الربوبية. وفي قوله: {ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى} أسكن هذه الياء حمزة. وفي معنى الآية قولان. احدهما: أنه آتاه الكتاب وهو في بطن أمه، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقيل: علم التوراة والإنجيل وهو في بطن أمه. والثاني: قضى أن يؤتيني الكتاب، قاله عكرمة. وفي الكتاب قولان. احدهما: أنه التوراة. والثاني: الأنجيل. قوله تعالى: {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً} هذا وما بعده إخبار عما قضى اللّه له وحكم له به ومنحه إياه مما سيظهر ويكون. وقيل: المعنى: يؤتيني الكتاب ويجعلني نبياً إذا بلغت؛ فحل الماضي محل المستقبل، كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ ٱللّه يٰعِيسَى عِيسَى} [المائدة: ١١٦]. احدهما: أنه كلمهم بعد أربعين يوما. والثاني: في يومه. وهو مبني على ما ذكرنا من الزمان الذي غابت عنهم فيه مريم. قوله تعالى: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً * أَيْنَمَا كُنتُ} روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الآية قال: نفاعا حيثما توجهت. وقال مجاهد: معلما للخير. وفي المراد بالزكاة قولان. احدهما: زكاة الأموال، قاله ابن السائب. والثاني: الطهارة، قاله الزجاج. قوله تعالى: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِى} قال ابن عباس: لما قال هذا، ولم يقل: بوالديّ علموا أنه ولد من غير بشر. قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً} أي: متعظما {شَقِيّاً} عاصيا لربه {وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} قال المفسرون: السلامة علي من اللّه يوم ولدت حتى لم يضرني شيطان. وقد سبق تفسير الآية [مريم ١٥]. فإن قيل: لم ذكر هاهنا السلام بألف ولام، وذكره في قصة يحيى بلا ألف ولام؟ فعنه جوابان. احدهما: أنه لما جرى ذكر السلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام، كان الأحسن أن يرد ثانية بألف ولام، هذا قول الزجاج. وقد اعترض على هذا القول، فقيل: كيف يجوز أن يعطف هذا وهو قول عيسى، على الأول وهو قول اللّه عز وجل؟ٰ وقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: عيسى إنما يتعلم من ربه، فيجوز أن يكون سمع قول اللّه في يحيى، فبنى عليه وألصقه بنفسه، ويجوز أن يكون اللّه عز وجل عرف السلام الثاني لأنه أتى بعد سلام قد ذكره، وأجراه عليه غير قاصد به اتباع اللفظ المحكي، لأن المتكلم، له أن يغير بعض الكلام الذي يحكيه، فيقول: قال عبد اللّه: أنا رجل منصف، يريد: قال لي عبد اللّه: أنت رجل منصف. والجواب الثاني: أن سلاما والسلام لغتان بمعنى واحد، ذكره ابن الأنباري. ٣٤ انظر تفسير الآية:٣٦ ٣٥ انظر تفسير الآية:٣٦ ٣٦ قوله تعالى: {ذٰلِكَ عِيسَى * ٱبْنَ مَرْيَمَ} قال الزجاج: أي، ذلك الذي قال: إني عبد اللّه، هو ابن مريم، لا ما تقول النصارى: إنه ابن اللّه، وإنه إله. قوله تعالى: {قَوْلَ ٱلْحَقّ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: قول الحق برفع اللام. وقرأ عاصم، وابن عامر، ويعقوب: بنصب اللام. قال الزجاج: من رفع قول الحق فالمعنى: هو قول الحق، يعني هذا الكلام؛ ومن نصب، فالمعنى: أقول قول الحق. وذكر ابن الأنباري في الآية وجهين. احدهما: أنه لما وصف بالكلمة جاز أن ينعت بالقول. والثاني: أن في الكلام إضمارا، تقديره: ذلك نبأ عيسى، ذلك النبأ قول الحق. قوله تعالى: {ٱلَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي: يشكون. قال قتادة: امترت اليهود فيه والنصارى، فزعم اليهود أنه ساحر، وزعم النصارى أنه ابن اللّه وثالث ثلاثة. قرأ أبو مجلز، ومعاذ القارىء، وابن يعمر، وأبو رجاء: تمترون بالتاء. قوله تعالى: {مَا كَانَ للّه أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} قال الزجاج: المعنى: أن يتخذ ولدا. ومن مؤكدة تدل على نفي الواحد والجماعة، لأن للقائل أن يقول: ما اتخذت فرسا، يريد: أتخذت أكثر من ذلك، وله أن يقول: اتخذت فرسين ولا أكثر، يريد: اتخذت فرسا واحدا؛ فاذا قال: ما اتخذت من فرس، فقد دل على نفي الواحد والجميع. قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} وقرأ أبو عمران، الجوني، وابن أبي عبلة: فيكون بالنصب، وقد ذكرنا وجهه في [البقرة ١١٧]. قوله تعالى: {وَإِنَّ ٱللّه رَبّى وَرَبُّكُمْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: وأن اللّه بنصب الألف. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: وإن اللّه بكسر الألف. وهذا من قول عيسى؛ فمن فتح، عطفه على قوله: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ} وبأن اللّه ربي؛ ومن كسر ففيه وجهان. احدهما: أن يكون معطوفاً على قوله: {إِنّى عَبْدُ ٱللّه}. والثاني: أن يكون مستأنفاً. ٣٧ انظر تفسير الآية:٤٠ ٣٨ انظر تفسير الآية:٤٠ ٣٩ انظر تفسير الآية:٤٠ ٤٠ قوله تعالى: {فَٱخْتَلَفَ ٱلاْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ} قال المفسرون: من زائدة، والمعنى: اختلفوا بينهم. وقال ابن الأنباري: لما تمسك المؤمنون بالحق كان اختلاف الأحزاب بين المؤمنين مقصوراً عليهم. وفي الأحزاب قولان. احدهما: أنهم اليهود والنصارى، فكانت اليهود تقول: إنه لغير رشدة، والنصارى تدعي فيه ما لا يليق به. والثاني: أنهم فرق النصارى، قال بعضهم: هو اللّه، وقال بعضهم: ابن اللّه، وقال بعضهم: ثالث ثلاثة. قوله تعالى: {فَوْيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بقولهم في المسيح {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: من حضورهم ذلك اليوم للجزاء. قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} فيه قولان. احدهما: أن لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر؛ فالمعنى: ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، سمعوا وأبصروا حين لم ينفعهم ذلك لأنهم شاهدوا من أمر اللّه ما لا يحتاجون معه إلى نظر وفكر فعلموا الهدى وأطاعوا، هذا قول الأكثرين. والثاني: أسمع بحديثهم اليوم، وأبصر كيف يصنع بهم {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} قاله أبو العالية. قوله تعالى: {لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ} يعني: المشركين والكفار {ٱلْيَوْمَ} يعني: في الدنيا {فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ}. قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ} أي: خوف كفار مكة {يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ} يعني: يوم القيامة يتحسر المسيء إذ لم يحسن، والمقصر إذ لم يزدد من الخير. وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرةٌ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، وقيل: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت،ويا أهل النار خلود فلا موت؛ ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ ٱلاْمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}. قال المفسرون: فهذه هي الحسرة إذا ذبح الموت، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار. ومن موجبات الحسرة، ما روى عدي بن حاتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يؤتى يوم القيامة بناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إلى قصورها، نودوا: أن أصرفوهم عنها، لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها، فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا؛ قال: ذلك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم، هبتم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تجلّوني، تركتم للناس ولم تتركوا لي، فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب. ومن موجبات الحسرة ما روي عن ابن مسعود قال: ليس من نفس يوم القيامة إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، وبيت في النار، ثم يقال: يعني لهؤلاء: لو عملتم، ولأهل الجنة: لولا أن من اللّه عليكم. ومن موجبات الحسرة: قطع الرجاء عند إطباق النار على أهلها. قوله تعالى: {إِذْ قُضِىَ ٱلاْمْرُ} قال ابن الأنباري: قضي في اللغة بمعنى: أُتقن وأُحكم، وإنما سمي الحاكم قاضيا، لإتقانه وإحكامه ما ينفذ. وفي الآية اختصار، والمعنى: إذ قضي الأمر الذي فيه هلاكهم. وللمفسرين في الأمر قولان. احدهما: أنه ذبح الموت، قاله ابن جريج، والسدي. والثاني: أن المعنى: قضي العذاب لهم، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} أي: هم في الدنيا في غفلة عما يصنع بهم ذلك اليوم {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بما يكون في الآخرة. قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلاْرْضَ} أي: نميت سكانها فنرثها {وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} بعد الموت. فإن قيل: ما الفائدة في نحن وقد كفت عنها إنا؟ فالجواب: أنه لما جاز في قول المعظّم: إنا نفعل أن يوهم أن أتباعه قعلوا، أبانت نحن بأن الفعل مضاف اليه حقيقة. فإن قيل: فلم قال: ومن عليها وهو يرث الآدميين وغيرهم؟ٰ فالجواب: أن من تختص أهل التمييز، وغير المميزين يدخلون في معنى الأرض ويجرون مجراها، ذكر الجوابين عن السؤالين ابن الأنباري. ٤١ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٢ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٣ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٤ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٥ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٦ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٧ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٨ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٠ ٥٠ قوله تعالى: {وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ إِبْرٰهِيمَ} أي: اذكر لقومك قصته. وقد سبق معنى الصديق في [النساء ٦٩]. قوله تعالى: {وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً} أي: لا يدفع عنك ضرا. قوله تعالى: {إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ} باللّه والمعرفة {لَمْ يَأْتِكَ}. قوله تعالى: {لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ} أي: لا تطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي. وقد شرحنا معنى كان آنفا. و{عَصِيّاً} أي: عاصيا، فهو فعيل بمعنى فاعل. قوله تعالى: {إِنّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ} قال مقاتل: في الآخرة؛ وقال غيره: في الدنيا، {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً} أي: قرينا في عذاب اللّه، فجرت المقارنة مجرى الموالاة. وقيل: إنما طمع إبراهيم في إيمان أبيه، لأنه حين خرج من النار قال له: نعم الإله إلهك يا إبراهيم، فحينئذ أقبل يعظه، فأجابه أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يٰإِبْرٰهِيمُ * إِبْرَاهِيمَ}! أي: أتارك عبادتها انت؟ٰ {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن عيبها وشتمها {لارْجُمَنَّكَ} وفيه قولان. احدهما: بالشتم والقول، قاله ابن عباس، ومجاهد. والثاني: بالحجارة حتى تتباعد عني، قاله الحسن. قوله تعالى: {وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً} فيه قولان. احدهما: اهجرني طويلاً، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والفراء، والأكثرون. قال ابن قتيبة: اهجرني حيناً طويلاً، ومنه يقال: تمليت حبيبك. والثاني: أجتنبني سالما قبل أن تصيبك عقوبتي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك؛ فعلى هذا يكون من قولهم: فلام مليّ بكذا وكذا: إذا كان مضطلعا به، فالمعنى: اهجرني وعرضك وافر، وأنت سليم من أذاي، قاله ابن جرير. قوله تعالى: {قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ} أي: سلمت من أن أصيبك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره، {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} فيه قولان. احدهما: أن المعنى سأسأل اللّه لك توبةً تنال بها مغفرته. والثاني: أنه وعده الاستغفار وهو لا يعلم أن ذلك محظور في حق المصرين على الكفر، ذكرهما ابن الأنباري. قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} فيه ثلاثة أقوال. احدها: لطيفاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، والزجاج. والثاني: رحيما، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: باراً عودني منه الإجابة إذا دعوته، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ} أي: وأتنحى عنكم، {و}أعتزل {أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه} يعني: الأصنام. وفي معنى تدعون قولان. احدهما: تعبدون. والثاني: أن المعنى: وما تدعونه ربا، {وَأَدْعُو رَبّى} أي: وأعبده {عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} أي: أرجو أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام، لأنها لا تنفعهم ولا تجيب دعاءهم {فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ} قال المفسرون: هاجر عنهم إلى أرض الشام، فوهب اللّه له اسحاق ويعقوب، فآنس اللّه وحشته عن فراق قومه بأولاد كرام. قال أبو سليمان: وإنما وهب له إسحاق ويعقوب بعد إسماعيل. قوله تعالى: {وَكُلاًّ} أي: وكلا من هذين. وقال مقاتل: وكلا يعني: إبراهيم وإسحاق ويعقوب {جَعَلْنَـٰهُ نَبِيّاً}. قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا} قال المفسرون: المال والولد والعلم والعمل، {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} قال ابن قتيبة: أي: ذكراً حسناً في الناس مرتفعا، فجميع أهل الأديان يتولون إبراهيم وذريته ويثنون عليهم، فوضع اللسان مكان القول، لأن القول يكون باللسان. ٥١ انظر تفسير الآية:٥٣ ٥٢ انظر تفسير الآية:٥٣ ٥٣ قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والمفضل عن عاصم: مخلصاً بكسر اللام. وقرأ حمزة، والكسائى، وحفص عن عاصم بفتح اللام. قال الزجاج: المخلص، بكسر اللام: الذي وحد اللّه، وجعل نفسه خالصة في طاعة اللّه غير دنسه، والمخلص، بفتح اللام: الذي أخلصه اللّه، وجعله مختاراً خالصاً من الدنس. قوله تعالى: {وَكَانَ رَسُولاً} قال ابن الأنباري: إنما أعاد كان لتفخيم شأن النبي المذكور. قوله تعالى: {وَنَـٰدَيْنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ} أي: من ناحية الطور، وهو جبل بين مصر ومدين اسمه زبير. قال ابن الأنباري: إنما خاطب اللّه العرب بما يستعملون في لغتهم، ومن كلامهم: عن يمين القبلة وشمالها، يعنون: مما يلي يمين المستقبل لها وشماله، فنقلوا الوصف إلى ذلك اتساعاً عند انكشاف المعنى، لأن الوادي لا يد له فيكون له يمين. وقال المفسرون: جاء النداء عن يمين موسى، فلهذا قال: الأيمن، ولم يرد به يمين الجبل. قوله تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} قال ابن الأنباري: معناه: مناجياً فعبر فعيل عن مفاعل، كما قالوا: فلان خليطي وعشيري: يعنون: مخالطي ومعاشري. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: وقربناه قال: حتى سمع صريف القلم حين كتب له في الألواح. قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا} أي: من نعمتنا عليه إذ أجبنا دعاءه حين سأل أن نجعل معه أخاه وزيراً له. ٥٤ انظر تفسير الآية:٥٧ ٥٥ انظر تفسير الآية:٥٧ ٥٦ انظر تفسير الآية:٥٧ ٥٧ قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ صَـٰدِقَ ٱلْوَعْدِ} هذا عام فيما بينه وبين اللّه، وفيما بينه وبين الناس. وقال مجاهد: لم يعد ربه بوعد قط إلا وفي له به. فإن قيل: كيف خص بصدق الوعد إسماعيل، وليس في الأنبياء من ليس كذلك؟ فالجواب: أن إسماعيل عانى في الوفاء بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء، فأثني عليه بذلك. وذكر المفسرون أنه كان بينه وبين رجل ميعاد، فأقام ينتظره مدة فيها لهم ثلاثة أقوال. احدها: أنه أقام حولاً، قاله ابن عباس. والثاني: اثنين وعشرين يوماً، قاله الرقاشي. والثالث: ثلاثة أيام، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَكَانَ رَسُولاً} إلى قومه، وهم جرهم. {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} قال مقاتل: يعني: قومه. وقال الزجاج: أهله: جميع أمته. فأما الصلاة والزكاة، فهما العبادتان المعروفتان. قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} فيه أربعة أقوال. احدها: أنه في السماء الرابعة، روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مالك بن صعصعة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حديث المعراج: أنه رأى إدريس في السماء الرابعة، وبهذا قال أبو سعيد الخدري، ومجاهد، وأبو العالية. والثاني: أنه في السماء السادسة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثالث: أنه في الجنة، قاله زيد بن أسلم، وهذا يرجع إلى الأول، لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة. والرابع: أنه في السماء السابعة، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وفي سبب صعوده الى السماء ثلاثة أقوال. احدها: أنه كان يصعد له من العمل مثل ما يصعد لجميع بني آدم، فأحبه ملك الموت، فاستأذن اللّه في خلته، فأذن له، فهبط اليه في صورة آدمي، يصحبه فلما عرفه، قال إني أسألك حاجة، قال: ما هي؟ قال: تذيقني الموت، فلعلي أعلم ما شدته فأكون له أشد استعدادا؛ فأوحى اللّه إليه أن اقبض روحه ساعة ثم أرسله، ففعل، ثم قال: كيف رأيت؟قال: كان أشد مما بلغني عنه، وإني أحب أن تريني النار، قال: فحمله، فأراه إياها؛ قال إني أحب أن تريني الجنة، فأراه إياها، فلما دخلها طاف فيها، قال: له ملك الموت: اخرج، فقال: واللّه لا أخرج حتى يكون اللّه تعالى يخرجني؛ فبعث اللّه ملكا فحكم بينهما، فقال: ما تقول يا ملك الموت؟ فقص عليه ما جرى؛ فقال: ما تقول يا إدريس؟ قال: إن اللّه تعالى قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، وقد ذقته، وقال: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] وقد وردتها، وقال لأهل الجنة: {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: ٤٨] فواللّه لا أخرج حتى يكون اللّه يخرجني؛ فسمع هاتفاً من فوقه يقول: بإذني دخل، وبأمري فعل، فخل سبيله؛ هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم. فان سأل سائل فقال: من أين لإدريس هذه الآيات، وهي في كتابنا؟ٰ فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء، قال: كان اللّه تعالى قد أعلم إدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود، وامتناع الخروج من الجنة، وغير ذلك، فقال ما قاله بعلم. والثاني: أن ملكا من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إلى إدريس، فأذن له، فلما عرفه إدريس، قال: هل بينك وبين ملك الموت قرابة؟ قال: ذاك أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت؟ قال سأكلمه فيك، فيرفق بك، اركب ببن جناحي، فركب إدريس، فصعد به إلى السماء، فلقي ملك الموت، فقال: إن لي إليك حاجة، قال: أعلم ما حاجتك، تكلمني في إدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين؟ٰ فمات إدريس بين جناحي الملك رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو صالح عن ابن عباس: فقبض ملك الموت روح ادريس في السماء السادسة. والثالث: أن ادريس مشى يوما في الشمس، فأصابه وهجها، فقال: اللّهم خفف ثقلها عمن يحملها، يعني به الملك الموكل بالشمس، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها مالا يعرف، فسأل اللّه عز وجل عن ذلك، فقال: إن عبدي إدريس سألني أن اخفف عنك حملها وحرها، فأجبته، فقال: يا رب أجمع بيني وبينه، وأجعل بيننا خلة، فأذن له، فأتاه، فكان مما قال له إدريس: اشفع لي الى ملك الموت ليؤخر أجلي، فقال: إن اللّه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، ولكن أكلمه فيك، فما كان مستطيعا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك، ثم حمله الملك على جناحه، فرفعه إلى السماء، فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال:إن لي إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، قال: ليس ذاك إلي، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت فنظر في ديوانه، فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا، ولا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، فقال: إني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق، فما أراك تجده إلا ميتا، فواللّه ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتا. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين. فهذا القول والذي قبله يدلان على أنه ميت، والقول الأول يدل على انه حي. ٥٨ انظر تفسير الآية:٦٥ ٥٩ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦٠ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦١ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦٢ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦٤ انظر تفسير الآية:٦٥ ٦٥ قوله تعالى: {أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللّه عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ} يعني: الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة {مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ} يعني إدريس {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} يعني: ابراهيم، لأنه من ولد سام بن نوح {وَمِن ذُرّيَّةِ إِبْرٰهِيمَ} يريد: اسماعيل واسحاق ويعقوب {وَإِسْرٰءيلَ} يعني: ومن ذرية إسرائيل، وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى. قوله تعالى: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} أي: هؤلاء كانوا ممن أرشدنا، {وَٱجْتَبَيْنَا} أى: واصطفينا. قوله تعالى: {خَرُّواْ سُجَّداً} قال الزجاج: سجداً حال مقدرة، المعنى: خروا مقدرين السجود، لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجداً، فسجدا منصوب على الحال، وهو جمع ساجد وبكياً معطوف عليه، وهو جمع باك، فقد بين اللّه تعالى أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات اللّه سجدوا وبكوا من خشية اللّه. قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} قد شرحناه في [الأعراف: ١٦٩] وفي المراد بهذا الخلف ثلاثة أقوال. احدها: أنهم اليهود، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: اليهود والنصارى، قاله السدي. والثالث: أنهم من هذه الأمة، يأتون عند ذهاب صالحي أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم يتبارون بالزنا، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زناة، قاله مجاهد، وقتادة. قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن} وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين العقيلي، والحسن البصري: الصلوات على الجمع. وفي المراد بإضاعتهم إياها قولان. احدهما: أنهم أخروها عن وقتها، قاله ابن مسعود، والنخعي، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن مخيمرة. والثاني: تركوها، قاله القرظي، واختاره الزجاج. قوله تعالى: {وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ} قال أبو سليمان الدمشقى: وذلك مثل استماع الغناء، وشرب الخمر، والزنا، واللّهو، وما شاكل ذلك مما يقطع عن أداء فرائض اللّه عز وجل. قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} ليس معنى هذا اللقاء مجرد الرؤية، وإنما المراد به الاجتماع والملابسة مع الرؤية. وفي المراد بهذا الغي ستة اقوال. احدها: أنه واد في جهنم، روراه ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبه قال كعب. والثاني: أنه نهر في جهنم، قاله ابن مسعود. والثالث: أنه الخسران، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع: أنه العذاب، قاله مجاهد. والخامس: أنه الشر، قاله ابن زيد، وابن السائب. والسادس: أن المعنى: فسوف يلقون مجازاة الغي، كقوله: {يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان: ٦٨] أي مجازاة الآثام، قاله الزجاج. قوله تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ} فيه قولان. احدهما: تاب من الشرك، وآمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله مقاتل. والثاني: تاب من التقصير في الصلاة، وآمن من اليهود والنصارى. قوله تعالى: {جَنَّـٰتِ عَدْنٍ} وقرأ أبو رزين العقيلي، والضحاك، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: جنات برفع التاء. وقرأ الحسن البصري، والشعبي، وابن السميفع: جنة عدن على التوحيد مع رفع التاء. وقرأ أبو مجلز، وأبو المتوكل الناجي: جنة عدن على التوحيد مع نصب التاء. وقوله: {ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ} أي: وعدهم بها، ولم يروها، فهي غائبة عنهم. قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} فيه قولان. احدهما: آتياً، قال ابن قتيبة: وهو مفعول في معنى فاعل، وهو قليل أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به. وقال الفراء: إنما لم يقل: آتياً، لأن كل ما أتاك فأنت تأتيه؛ ألا ترى أنك تقول: أتيت على خمسين سنة، وأتت علي خمسون. والثاني: مبلوغاً إليه، قاله ابن الأنباري. وقال ابن جريج: وعده هاهنا: موعوده، وهو الجنة، ومأتياً يأتيه أولياؤه. قوله تعالى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} فيه قولان. احدهما: أنه التخالف عند شرب الخمر، قاله مقاتل. والثاني: ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه، قاله الزجاج. وقال ابن الأنباري: اللغو في العربية: الفاسد المطرح. قوله تعالى: {إِلاَّ سَلَـٰماً} قال أبو عبيدة: السلام ليس من اللغو، والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه، وذلك أنها تضمر فيه، فالمعنى: إلا أنها يسمعون فيها سلاماً. وقال ابن الأنباري: استثنى السلام من غير جنسه، وفي ذلك توكيد للمعنى المقصود، لأنهم إذا لم يسمعوا من اللغوا إلا السلام، فليس يسمعون لغواً البتة، وكذلك قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [الشعراء: ٧٧] إذا لم يخرج من عداوتهم لي غير رب العالمين، فكلهم عدو. وفي معنى هذا السلام قولان. احدهما: أنه تسليم الملائكة عليهم، قاله مقاتل. والثاني: أنهم لا يسمعون إلا ما يسلمهم، ولا يسمعون ما يؤثمهم، قاله الزجاج. قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} قال المفسرون: ليس في الجنة بكرة ولا عشية، ولكنهم يؤتون برزقهم ـ على مقدار ما كانوا يعرفون ـ في الغداة والعشي. قال الحسن: كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء، فذكر اللّه لهم ذلك. وقال قتادة: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء أعجب به، فأخبر اللّه أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشياً على قدر ذلك الوقت، وليس ثم ليل ولا نهار، وإنما هو ضوء ونور. وروى الوليد ابن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى: {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فقال ليس في الجنة ليل ولا نهار، هم في نور أبدا، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بارخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب. قوله تعالى: {تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ} الإشارة إلى قوله: {فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ} قوله تعالى: {نُورِثُ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والشعبي، وقتادة، وابن أبي عبلة: بفتح الواو وتشديد الراء. قال المفسرون: ومعنى نورث: نعطي المساكن التي كانت لأهل ـ النار لو آمنوا ـ للمؤمنين.ويجوز أن يكون معنى نورث: نعطي، فيكون كالميراث لهم من جهة أنها تمليك متسأنف. وقد شرحنا هذا في [الأعراف: ٤٣] قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} وقرأ ابن السميفع وابن يعمر: وما يتنزل بياء مفتوحة. وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال. احدها: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أن الملك أبطأ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم أتاه، فقال: لعلي أبطأت، قال: قد فعلت، قال: وما لي لا أفعل، وأنتم لا تتسوكون، ولا تقصون أظفاركم، ولا تنقون براجمكم، فنزلت الآية قاله، مجاهد. قال ابن الأنباري: البراجم عند العرب: الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع، تبدو إذا جمعت، وتغمض إذا بسطت. والرواجب: ما بين البراجم، بين كل برجمتين راجبة. والثالث: أن جبريل احتبس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح، فلم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب، فأبطأ عليه، فشق على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشقة شديدة، فلما نزل جبريل قال له أبطأت علي حتى ساء ظني، واشتقت اليك، فقال جبريل: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة وقتادة والضحاك. وفي سبب احتباس جبريل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قولان. احدهما: لامتناع أصحابه من كمال النظافة، كما ذكرنا في حديث مجاهد. والثاني: لأنهم سألوه عن قصة أصحاب الكهف، فقال: غداً أخبركم، ولم يقل: إن شاء اللّه؛ وقد سبق هذا في [سورة الكهف: ٢٤] وفي مقدار احتباسه عنه خمسة اقوال. احدها: خمسة عشر يوما؛ وقد ذكرناه في الكهف عن ابن عباس. والثاني: أربعون يوما، قاله عكرمة، ومقاتل. والثالث: اثنتا عشرة ليلة، قاله مجاهد. والرابع: ثلاثة ايام، حكاه مقاتل. والخامس: خمسة وعشرون يوما الثعلبي. وقيل: إن سورة {الضحى} نزلت في هذا السبب. والمفسرون على أن قوله: وما نتنزل الا بأمر ربك قول جبريل. وحكى الماوردي: أنه قول أهل الجنة إذا دخلوها، فالمعنى: ما ننزل هذ الجنان الا بأمر اللّه. وقيل: ما ننزل موضعا من الجنة إلا بأمر اللّه. وفي قوله: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} قولان. احدهما: ما بين أيدينا: الآخرة، وما خلفنا الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل. والثاني: ما بين أيدينا: ما مضى من الدنيا، وما خلفنا: من الآخرة، فهو عكس الاول، قاله مجاهد. وقال الأخفش: ما بين أيدينا: قبل ان نخلق، وما خلفنا: بعد الفناء. وفي قوله تعالى: {وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ} ثلاثة أقوال. احدها: ما بين الدنيا والآخرة، قاله سعيد بن جبير. والثاني: ما بين النفختين، قاله مجاهد، وعكرمة، وأبو العالية. والثالث: حين كوننا، قاله الأخفش. قال ابن الأنباري: وإنما وحد ذلك، والإشارة الى شيئين. احدهما: ما بين أيدينا. والثاني: ما خلفنا، لأن العرب توقع ذلك على الاثنين والجمع. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} النسي، بمعنى الناسي. وفي معنى الكلام قولان. احدهما: ما كان تاركاً لك منذ أبطأ الوحي عنك، قاله ابن عباس. قال مقاتل: ما نسيك عند انقطاع الوحي عنك. والثاني: أنه عالم بما كان ويكون لا ينسى شيئا، قاله الزجاج. قوله تعالى: {فَٱعْبُدْهُ} أي: وحده، لأن عبادته بالشرك ليست عبادة، {وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} أي: اصبر على توحيده؛ وقيل: على أمره ونهيه. قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} روى هارون عن أبي عمرو أنه كان يدغم هل تعلم، ووجهه أن سيبويه يجيز إدغام اللام في التاء والثاء والدال والزاي والسين والصاد والطاء، لأن آخر مخرج من اللام وقريب من مخارجهن. قال أبو عبيدة: إذا كان بعد هل تاء، ففيه لغتان، بعضهم يبين لام هل، وبعضهم يدغمها. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال. احدها: مثلاً وشبهاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. والثاني: هل تعلم أحدا يسمى اللّه غيره، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: هل تعلم أحدا يستحق أن يقال له: خالق وقادر، الا هو، قاله الزجاج. ٦٦ انظر تفسير الآية:٧٢ ٦٧ انظر تفسير الآية:٧٢ ٦٨ انظر تفسير الآية:٧٢ ٦٩ انظر تفسير الآية:٧٢ ٧٠ انظر تفسير الآية:٧٢ ٧١ انظر تفسير الآية:٧٢ ٧٢ قوله تعالى: {وَيَقُولُ ٱلإِنْسَـٰنُ} سبب نزولها إن ابي بن خلف أخذ عظما بالياً، فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ويقول: زعم لكم محمد أن اللّه يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وروى عطاء عن ابن عباس: أنه الوليد بن المغيرة. قوله تعالى: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} إن قيل: ظاهره ظاهر سؤال، فأين جوابه؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري. احدها: أن ظاهر الكلام استفهام، ومعناه معنى جحد وإنكار، تلخيصه: لست مبعوثا بعد الموت. والثاني: أنه لما استفهم بهذا الكلام عن البعث، أجابه اللّه عز وجل بقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَـٰنُ}، فهو مشتمل على معنى: نعم، وأنت مبعوث. والثالث: أن جواب سؤال هذا الكافر في [يس: ٧٨] عند قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً}، ولا ينكر بعد الجواب، لأن القرآن كله بمنزلة الرسالة الواحدة، والسورتان مكيتان. قوله تعالى: {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَـٰنُ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بفتح الذال مشددة الكاف. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: يذكر، ساكنة الذال خفيفة. وقرأ أبي بن كعب، وأبو المتوكل الناجي: أولا يتذكر الإنسان بياء وتاء. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن: يذكر بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف، والمعنى: أولا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه، فيستدل بالابتداء على الإعادة؟ٰ {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} يعني: المكذبين بالبعث {وَٱلشَّيَـٰطِينَ} أي: مع الشياطين، وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه في سلسلة، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} قال مقاتل: أي: في جهنم، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخله، تقول: جلس القوم حول البيت: إذا جلسوا داخله مطيفين به. وقيل يجثون حولها قبل أن يدخلوها. فأما قوله: {جِثِيّاً} فقال الزجاج: هو جمع جاث، مثل قاعد وقعود، وهو منصوب على الحال، والاصل ضم الجيم، وجاء كسرها إتباعا لكسرة الثاء. وللمفسرين في معناه خمسة أقوال. احدها: قعوداً، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: جماعات جماعات، روي عن ابن عباس أيضا. فعلى هذا هو جمع جثوة وهي المجموع من التراب والحجارة. والثالث: جثيا على الركب، قاله الحسن، ومجاهد، والزجاج. والرابع: قياما، قاله أبو مالك. والخامس: قياما على ركبهم، قاله السدي، وذلك لضيق المكان بهم. قوله تعالى: {لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ} أي: لنأخذن من كل فرقة وأمة وأهل دين {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً} أي: أعظمهم له معصية، والمعنى: أنه يبدأ بتعذيب الأعتى فالأعتى، وبالأكابر جرماً، والرؤوس القادة في الشر. قال الزجاج: وفي رفع أيهم ثلاثة أقوال. احدها: أنه على الاستئناف، ولم تعمل لننزعن شيئا، هذا قول يونس. والثاني: أنه على معنى الذي يقال لهم: أيهم أشد على الرحمن عتياً؟ٰ قاله الخليل، واختاره الزجاج، وقال: التأويل لننزعن الذي من أجل عتوه يقال: أي هؤلاء أشد عتياً؟ وأنشد: ولقد أبيت عن الفتاة بمنزلٍ فأبيت لاحرج ولا محروم المعنى: أبيت بمنزلة الذي يقال له: لا هو حرج ولا محروم. والثالث: أن أيهم مبنية على الضم، لأنه خالفت أخواتها، فالمعنى: أيهم هو أفضل. وبيان خلافها لأخواتها أنك تقول: اضرب أيهم أفضل، ولا يحسن: اضرب من أفضل، حتى تقول من هو أفضل، ولا يحسن: كل ما أطيب، حتى تقول: ما هو أطيب، ولا خذ ما أفضل، حتى تقول: الذي هو أفضل، فلما خالفت ما و من و الذي بنيت على الضم، قاله سيبويه. قوله تعالى: {هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً} يعني: أن الأولى بها صلياً الذين هم أشد عتياً، فيبتدأ بهم قبل أتباعهم. وصلياً: منصوب على التفسير، يقال: صلي النار يصلاها: إذا دخلها وقاسى حرها. قوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} في الكلام إضمار تقديره: وما منكم أحد إلا وهو واردها. وفيمن عني بهذا الخطاب قولان. احدهما: أنه عام في حق المؤمن والكافر، هذا قول الأكثرين. وروي عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية للكفار. وأكثر الروايات عنه كالقول الأول. قال ابن الأنباري: ووجه هذا أنه لما قال: لنحضرنهم وقال: أيهم أشد على الرحمن عتياً كان التقدير: وإن منهم، فأبدلت الكاف من الهاء، كما فعل في قوله: {إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء} [الانسان: ٢٢] المعنى: كان لهم، لأنه مردود على قوله: {وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ} [الانسان: ٢١] وقال الشاعر: شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم أراد: طلابها. وفي هذا الورود خمسة أقوال. احدها: أنه الدخول. روى جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: الورود: الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ـ أو قال: لجهنم ـ ضجيجاً من بردهم. وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية فقال له: أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر أيخرجنا اللّه عز وجل منها، أم لا؟ فاحتج بقوله تعالى {فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ} [هود: ٩٨] وبقوله تعالى: {أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الانبياء: ٩٨]. وكان عبد اللّه بن رواحة يبكي ويقول أنبئت أني وارد، ولم أنبأ أني صادر. وحكى الحسن البصري أن رجلا قال لأخيه يا أخي هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم؛ قال: فهل أتاك أنك خارج منها، قال: لا؛ قال: ففيم الضحك؟ٰ وقال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قالوا: ألم يعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم: بلى، ولكن مررتم بها وهي خامدة.وممن ذهب الى انه الدخول: الحسن في رواية، وأبو مالك. وقد اعترض على أرباب هذا القول بأشياء. فقال الزجاج: العرب تقول: وردت بلد كذا، ووردت ماء كذا، إذا أشرفوا عليه وإن لم يدخلوا، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} [القصص: ٣٣] والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} [الأنبياء: ١٠١،١٠٢] وقال زهير: فلما وردن الماء زرقا جمامةُ وضعن عصي الحاضر المتخيم أي: لما بلغن الماء قمن عليه. قلت: وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج، فقال: أما الآية الأولى، فان موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم، كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل؛ وأما الآية الأخرى: فانها تضمنت الإِخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها، وحينئذ لا يسمعون حسيسها. وقد روينا آنفاً عن خالد بن معدان أنهم يمرون بها، ولا يعلمون. والثاني: أن الورود: الممر عليها، قاله عبد اللّه بن مسعود، وقتادة. وقال ابن مسعود: يرد الناس النار، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرحل، ثم كمشيه. والثالث: أن ورودها: حضورها، قاله عبيد بن عمير. والرابع: أن ورود المسلمين: المرور على الجسر، وورود المشركين: دخولها. قاله ابن زيد. والخامس: أن ورود المؤمن إليها: ما يصيبه من الحمى في الدنيا، روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ: وإن منكم إلا واردها فعلى هذا من حم من المسلمين، فقد وردها. قوله تعالى: {كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ} يعني: الورود {حَتْماً} والحتم: ايجاب القضاء، والقطع بالأمر. والمقضي: الذي قضاه اللّه تعالى، والمعنى: إنه حتم ذلك وقضاه على الخلق. قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ} وقرأ ابن عباس، وأبو مجلز، وابن يعمر، وابن أبي ليلى، وعاصم الجحدري: ثم بفتح الثاء. وقرأ الكسائي، ويعقوب: ننجي مخففة. وقرأت عائشة، وأبو بحرية، وأبو الجوزاء الربعي: ثم ينجي بياء مرفوعة قبل النون خفيفة الجيم مكسورة. وقرأ أبي بن كعب، وأبو مجلز، وابن السميفع، وأبو رجاء: ننحي بحاء غير معجمة مشددة. وهذه الآية يحتج بها القائلون بدخول جميع الخلق، لأن النجاة: تخليص الواقع في الشيء، ويؤكده قوله تعالى: {وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا} ولم يقل: وندخلهم؛ وإنما يقال نذر ونترك لمن قد حصل في مكانه. ومن قال: إن الورود للكفار خاصة، قال: معنى هذا الكلام: نخرج المتقين من جملة من يدخل النار. والمراد بالمتقين: الذين اتقوا الشرك، وبالظالمين: الكفار. وقد سبق معنى قوله تعالى: {جِثِيّاً} [مريم: ٦٨]. ٧٣ انظر تفسير الآية:٧٤ ٧٤ قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ} يعني: المشركين {ءايَـٰتِنَا} يعني: القرآن {قَالَ ٱلَّذِينَ * كُفْراً} يعني: مشركي قريش {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: لفقراء المؤمنين {أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، وحفص عن عاصم مقاماً بفتح الميم. وقرأ ابن كثير بضم الميم. قال أبو علي الفارسي: المقام: اسم المثوى، إن فتحت الميم أو ضمت. قوله تعالى: {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} والندي والنادي: مجلس القوم ومجتمعهم. وقال الفراء: الندي والنادي، لغتان. ومعنى الكلام: أنحن خير، أم أنتم؟ فافتخروا عليهم بالمساكن والمجالس، فأجابهم اللّه تعالى فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} وقد بينا معنى القرن في {ٱلاْنْعَـٰمِ} وشرحنا الاثاث في [النحل: ٨٠]. فأما قوله تعالى: {ورئياً} فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: ورئياً بهمزة بين الراء والياء في وزن رعيا؛ قال الزجاج: ومعناها: منظراً، من رأيت. وقرأ نافع، وابن عامر: رياً بياء مشددة من غير همز، قال الزجاج: لها تفسيران. احدهما: أنها بمعنى الأولى. والثاني: أنها من الري، فالمعنى منظرهم مرتوٍ من النعمة، كأن النعيم بين فيهم. وقرأ ابن عباس، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن أبي سريج عن الكسائي: زياً بالزاي المعجمة مع تشديد الياء من غير همز. قال الزجاج: ومعناها: حسن هيئتهم. ٧٥ انظر تفسير الآية:٧٦ ٧٦ قوله تعالى: {وَرِءياً قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ} أي: في الكفر والعمى عن التوحيد {فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ} قال الزجاج: وهذا لفظ أمر، ومعناه الخبر، والمعنى: أن اللّه تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، قال ابن الأنباري: خاطب اللّه العرب بلسانها، وهي تقصد التوكيد للخبر بذكر الأمر، يقول أحدهم: إن زارنا عبد اللّه فلنكرمه، يقصد التوكيد، وينبه على أني ألزم نفسي إكرامه؛ ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى: قل يا محمد: من كان في الضلالة فاللّهم مد له في النعم مداً. قال المفسرون: ومعنى مد اللّه تعالى له: إمهاله في الغي. {حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ} يعني الذين مدهم في الضلالة. وإنما أخبر عن الجماعة، لأن لفظ من يصلح للجماعة. ثم ذكر ما يوعدون فقال: {إِمَّا ٱلعَذَابَ} يعني: القتل، والأسر {وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ} يعني: القيامة وما وعدوا فيها من الخلود في النار {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً} في الآخرة، أهم، أم المؤمنون؟ لأن مكان هؤلاء الجنة، ومكان هؤلاء النار، {و}يعلمون بالنصر والقتل {مَنْ أَضْعَفُ * جُنداً} جندهم، أم جند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا رد عليهم في قولهم: {أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}. قوله تعالى: {وَيَزِيدُ ٱللّه ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى} فيه خمسة أقوال. احدها: ويزيد اللّه الذين أمتدوا بالتوحيد إيمانا. والثاني: يزبدهم بصيرة في دينهم. والثالث: يزيدهم بزيادة الوحي إيمانا، فكلما نزلت سورة زاد إيمانهم. والرابع: يزيدهم إيمانا بالناسخ والمنسوخ. والخامس: يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ. قال الزجاج: المعنى: إن اللّه تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينا، كما جعل جزاء الكافر أن يمده في ضلالته. قوله تعالى: {وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ} قد ذكرناها في [سورة الكهف: ٤٦]. قوله تعالى: {وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} المرد هاهنا مصدر مثل الرد، والمعنى: وخير رداً للثواب على عامليها، فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت. ٧٧ انظر تفسير الآية:٨٠ ٧٨ انظر تفسير الآية:٨٠ ٧٩ انظر تفسير الآية:٨٠ ٨٠ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا} في سبب نزولها قولان. احدهما: ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مسروق عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قيناً أي: حداداً وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته الأصح أنقاضاه، فقال: لا واللّه لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا واللّه لا أكفر بمحمدصلى اللّه عليه وسلم حتى تموت، ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد، فأعطيتك، فنزلت فيه هذه الآية، إلى قوله تعالى: {فَرْداً}. والثاني: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وهذا مروي عن الحسن. والمفسرون على الأول. قوله تعالى: {لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم، وابن عامر: بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: بضم الواو، وقال الفراء: وهما لغتان، كالعدم، والعدم، وليس يجمع، وقيس تجعل الولد جمعا، والولد، بفتح الواو، واحدا. وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد؟ فيه قولان. احدهما: أنه أراد في الجنة على زعمكم. والثاني: في الدنيا. قال ابن الأنباري: وتقدير الآية: أرأيته مصيباً؟ٰ قوله تعالى: {أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ} قال ابن عباس في رواية: أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو، أم لا؟ٰ وقال في رواية أخرى: أنظر في اللوح المحفوظ؟ٰ قوله تعالى: {أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أم قال: لا إله إلا اللّه، فأرحمه بها؟ قاله ابن عباس. والثاني: أم قدم عملاً صالحاً، فهو يرجوه؟ٰ قاله قتادة. والثالث: أم عهد اليه أنه يدخله الجنة؟ٰ قاله ابن السائب. قوله تعالى: {كَلاَّ} أي: ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد. ويجوز أن يكون معنى كلا أي: إنه لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند اللّه عهداً. {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي: سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيه به، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً} أي: نجعل بعض العذاب على إثر بعض.وقرأ أبو العالية الرياحي، وأبو رجاء العطاردي: سيكتب ويرثه بياء مفتوحة. قوله تعالى: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} فيه قولان. احدهما: نرثه ما يقول انه له في الجنة، فنجعله لغيره من المسلمين، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء. والثاني: نرث ما عنده من المال، والولد، بإهلاكنا إياه، وإبطال ملكه، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال قتادة. قال الزجاج: المعنى: سنسلبه المال والولد، ونجعله لغيره. قوله تعالى: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} أي: بلا مال ولا ولد. ٨١ انظر تفسير الآية:٨٤ ٨٢ انظر تفسير الآية:٨٤ ٨٣ انظر تفسير الآية:٨٤ ٨٤ قوله تعالى: {وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللّه ءالِهَةً} يعني: المشركين عابدي الأصنام {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} قال الفراء: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة. قوله تعالى: {كَلاَّ} أي: ليس الأمر كما قدروا، {سَيَكْفُرُونَ} يعني الأصنام بجحد عبادة المشركين، كقوله تعالى: {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: ٦٣] لأنها كانت جماداً لا تعقل العبادة، {وَيَكُونُونَ} يعني: الاصنام {عَلَيْهِمْ} يعني: المشركين {ضِدّاً} أي: أعوانا عليهم في القيامة، يكذبونهم ويلعنونهم. قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ} قال الزجاج: في معنى هذا الإرسال وجهان. احدهما: خلينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم من القبول منهم. والثاني: وهو المختار: سلطانهم عليهم، وقيضناهم لهم بكفرهم. {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} أي: تزعجهم ازعاجاً حتى يركبوا المعاصي. وقال الفراء: تزعجهم الى المعاصي، وتغريهم بها، قال ابن فارس: يقال: أزه على كذا: إذا أغراه به، وأزت القدر: غلت. قوله تعالى: {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} أي: لا تعجل بطلب عذابهم. وزعم بعضهم أن هذا منسوخ بآية السيف، وليس بصحيح، {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} في هذا المعدود ثلاثة أقوال. احدها: أنه أنفاسم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال طاووس، ومقاتل. والثاني: الأيام، والليالي، والشهور، والسنون، والساعات، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: أنها أعمالهم، قاله قطرب. ٨٥ انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٦ انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٧ قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ} قال بعضهم: هذا متعلق بقوله: ويكونون عليهم ضداً، يوم نحشر المتقين وقال بعضهم: تقديره: اذكر لهم يوم نحشر المتقين، وهم الذين اتقوا اللّه بطاعته واجتناب معصيته. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: يوم يحشر بياء مفتوحة ورفع الشين ويسوق بياء مفتوحة ورفع السين. وقرأ أبي بن كعب، والحسن البصري، ومعاذ القارىء، وأبو المتوكل الناجي: يوم يحشر بياء مرفوعة وفتح الشين المتقون رفعا ويساق بألف وياء مرفوعة المجرمون بالواو على الرفع. والوفد: جمع وافد، مثل: ركب، وراكب، وصحب، وصاحب. قال ابن عباس، وعكرمة، والفراء: الوفد: الركبان قال ابن الأنباري: الركبان عند العرب: ركاب الإبل. وفي زمان هذا الحشر قولان. احدهما: أنه من قبورهم الى الرحمن، قاله علي بن أبي طالب. والثاني: أنه بعد الحساب، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ} يعني: الكافرين {إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً} قال ابن عباس، وأبو هريرة، والحسن: عطاشا. قال أبو عبيدة: الورد: مصدر الورود. وقال ابن قتيبة: الورد: جماعة يردون الماء، يعني: أنهم عطاش، لأنه لا يرد الماء الا العطشان. وقال ابن الأنباري: معنى قوله ورداً: واردين. قوله تعالى: {لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ} أي: لا يشفعون ولا يشفع لهم. قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} قال الزجاج: جائز أن يكون من في موضع رفع على البدل من الواو والنون، فيكون المعنى: لا يملك الشفاعة الا من اتخذ عن الرحمن عهداً؛ وجائز أن يكون في موضع نصب على استثناء ليس من الأول، فالمعنى: لا يملك الشفاعة المجرمون، ثم قال: إلا على معنى لكن {مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} فإنه يملك الشفاعة. والعهد هاهنا: توحيد اللّه والإيمان به. وقال ابن الأنباري: تفسير العهد في اللغة: تقدمة أمر يعلم ويحفظ، من قولك: عهدت فلاناً في المكان، أي: عرفته، وشهدته. ٨٨ انظر تفسير الآية:٩٥ ٨٩ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٠ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩١ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٢ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٣ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٤ انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٥ قوله تعالى: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً} يعني: اليهود، والنصارى، ومن زعم من المشركين أن الملائكة بنات اللّه {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} أي: شيئاً عظيماً من الكفر. قال أبو عبيدة: الإد، والنكر: الأمر المتناهي العظم. قوله تعالى: {تَكَادُ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * يَتَفَطَّرْنَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: تكاد بالتاء. وقرأ نافع، والكسائي: يكاد بالياء. وقرءا جميعاً: يتفطرن بالياء والتاء مشددة الطاء، وافقهما ابن كثير، وحفص عن عاصم في يتفطرن وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم ينفطرن بالنون. وقرأ حمزة، وابن عامر في {مَرْيَمَ} مثل أبي عمرو، وفي {عسق} مثل ابن كثير. ومعنى يتفطرن منه: يقاربن الانشقاق من قولكم. قال ابن قتيبة: وقوله تعالى: هداً أي: سقوطاً. قوله تعالى: {أَن دَعَوْا} قال الفراء: من أن دعوا، ولأن دعوا. وقال أبو عبيدة: معناه: أن جعلوا، وليس هو من دعاء الصوت، وأنشد: ألا رب من تدعو نصيحا وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر قوله تعالى: {وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} أي: ما يصلح له، ولا يليق به اتخاذ الولد، لأن الولد يقتضي مجانسة، وكل متخذ ولدا يتخذه من جنسه، واللّه تعالى منزه عن أن يجانس شيئاً، أو يجانسه، فمحال في حقه اتخاذ الولد، {إِن كُلٌّ} أي: ما كل {مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ إِلاَّ اتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ} يوم القيامة {عَبْداً} ذليلاً خاضعاً. والمعنى: أن عيسى وعزيراً والملائكة عبيد له قال القاضي أبو يعلى وفي هذا دلالة على أن الوالد إذا اشترى ولده، لم يبق ملكه عليه، وإنما يعتق بنفس الشراء، لأن اللّه تعالى نفى البنوة لأجل العبودية، فدل على أنه لا يجتمع بنوة ورق. قوله تعالى: {لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ} أي: علم عددهم {وَعَدَّهُمْ عَدّاً} فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم مع كثرتهم {وَكُلُّهُمْ ءاتِيَةٌ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً} بلا مال ولا نصير يمنعه. فإن قيل: لأية علة وحد في الرحمن و آتيه وجمع في العائد في أحصاهم، وعدهم. فالجواب: أن لكل لفظ توحيد، وتأويل جمع، فالتوحيد محمول على اللفظ، والجمع مصروف الى التأويل. ٩٦ انظر تفسير الآية:٩٨ ٩٧ انظر تفسير الآية:٩٨ ٩٨ قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً} قال ابن عباس: نزلت في علي عليه السلام وقال معناه: يحبهم ويحببهم ويجبهم الى المؤمنين. قال قتادة: يجعل لهم وداً في قلوب المؤمنين. ومن هذا حديث أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إذا أحب اللّه عبدا قال: يا جبريل، إني أحب فلاناً فأحبوه، فينادي جبريل في السموات: إن اللّه يحب فلانا فأحبوه، فيلقى حبه على أهل الأرض فيحب، وذكر في البغض مثل ذلك. وقال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى اللّه عز وجل، إلا أقبل اللّه عز وجل بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلَسَانِكَ} يعني: القرآن. قال ابن قتيبة: أي، سهلناه، وأنزلناه بلغتك. واللد جمع ألد، وهو الخصم الجدل. قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} هذا تخويف لكفار مكة {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ} قال الزجاج: أي: هل ترى، يقال: هل أحسست صاحبك، أي: هل رأيته؟ والركز: الصوت؛ الخفي وقال ابن قتيبة: الصوتُ الذي لا يفهم، وقال ابو صالح: حركة، واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٠ ﴾