|
٢٣ قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} قال الزجاج: تلك اسم مبهم يجري مجرى التي، والمعنى ما التي بيمينك؟ قوله تعالى: {قَالَ هِىَ} التوكؤ: التحامل على الشيء {وَأَهُشُّ بِهَا} قال الفراء: أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه غنمي؛ قال الزجاج: واشتقاقه من أني أحيل الشيء إلى الهشاشة والإمكان. والمآرب: الحاجات، واحدها: مأربة، ومأربة. وروى قتيبة، وورش: مآرب بامالة الهمزة. فإن قيل: ما الفائدة في سؤال اللّه تعالى له: وما تلك بيمينك وهو يعلم؟ فعنه جوابان. احدهما: أن لفظه لفظ الاستفهام، ومجراه مجرى السؤال، ليجيب المخاطب بالإقرار به، فتثبت عليه الحجة باعترافه فلا يمكنه الجحد، ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعندك ماء: ما هذا؟ فيقول: ماء، فتضع عليه شيئا من الصبغ، فان قال: لم يزل هكذا، قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟ فتثبت عليه الحجة، هذا قول الزجاج: فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرر موسى أنها عصاً لما أراد أن يريه من قدرته في انقلابها حية، فوقع المعجز بها بعد التثبت في أمرها. والثاني: أنه لما أطلع اللّه تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإجلال حين التكليم، أراد أن يؤانسه ويخفف عنه ثقل ما كان فيه من الخوف، فأجرى هذا الكلام للاستئناس، حكاه ابو سليمان الدمشقي. فإن قيل: قد كان يكفي في الجواب أن يقول: هي عصاي، فما الفائدة في قوله: أتوكأ عليها إلى آخر الكلام، وإنما يشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه أجاب بقوله: هي عصاي، فقيل له: ما تصنع بها؟ فذكر باقي الكلام جوابا عن سؤال ثان، قاله ابن عباس ووهب. والثاني: أنه إنما أظهر فوائدها، وبين حاجته إليها، خوفا من أن يأمره بالقائها كالنعلين، قاله سعيد بن جبير. والثالث: أنه بين منافعها لئلا يكون عابثا بحملها، قاله الماوردي. فإن قيل: فلم اقتصر على ذكر بعض منافعها ولم يطل الشرح؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه كره أن يشتغل عن كلام اللّه بتعداد منافعها. والثاني: استغنى بعلم اللّه فيها عن كثرة التعداد. والثالث: أنه اقتصر على اللازم دون العارض. وقيل: كانت تضيء له بالليل، وتدفع عنه الهوام، وتثمر له إذا اشتهى الثمار. وفي جنسها قولان. احدهما: أنها كات من آس الجنة، قاله ابن عباس. والثاني: أنها كانت من عوسج. فإن قيل: المآرب جمع، فكيف قال أخرى ولم يقل: أخر؟ فالجواب: أن المآرب في معنى جماعة، فكأنه قال: جماعة من الحاجات أخرى، قاله الزجاج. قوله تعالى: {قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ} قال المفسرون: ألقاها، ظناً منه أنه قد أمر برفضها، فسمع حسا فالتفت فاذا هي كأعظم ثعبان تمر بالصخرة العظيمة فتبتلعها، فهرب منها. وفي وجه الفائدة في إظهار هذه الآية ليلة المخطابة قولان. احدهما: لئلا يخاف منها إذا ألقاها بين يدي فرعون. والثاني: ليريه أن الذي أبعثك إليه دون ما أريتك، فكما ذللت لك الأعظم وهو الحية، أذلل لك الأدنى. ثم إن اللّه تعالى أمره بأخذها وهي على حالها حية، فوضع يده عليها فعادت عصا، فذلك قوله: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلاْولَىٰ} قال الفراء: طريقتها، يقول تردها عصى كما كانت. قال الزجاج: وسيرتها منصوبة على اسقاط الخافض وافضاء الفعل إليها، المعنى: سنعيدها الى سيرتها. فإن قيل: إنما كانت العصا واحدة، وكان القاؤها مرة، فما وجه اختلاف الأخبار عنها، فانه يقول في {ٱلاْعْرَافِ} {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ}، وهاهنا: حية، وفي مكان آخر: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: ٢٠]، والجان ليست بالعظيمة، والثعبان أعظم الحيات؟ فالجواب: أن صفتها بالجان عبارة عن ابتداء حالها، وبالثعبان إخبار عن انتهاء حالها، والحية اسم يقع على الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقال الزجاج: خلقها خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته. قوله تعالى: {وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ} قال الفراء: الجناح من اسفل العضد الى الابط. وقال أبو عبيدة: الجناح ناحية الجنب، وأنشد: أضمه للصدر والجناح قوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء} أي:من غير برص {أُخْرَىٰ لِنُرِيَكَ} أي: دلالة على صدقك سوى العصا. قال الزجاج: ونصب آية عل معنى: آتيناك آية، أو نؤتيك. قوله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءايَـٰتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ} إن قيل: لم لم يقل: الكبر؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه كقوله: {مَأَرِبُ أُخْرَىٰ} وقد شرحناه، هذا قول الفراء. والثاني: أن فيه إضماراً تقديره: لنريك من آياتنا الآية الكبرى. وقال أبو عبيدة: فيه تقديم وتأخير، تقديره: لنريك الكبرى من آياتنا. والثالث: إنما كان ذلك لوفاق رأس الآي، حكى القولين الثعلبي. |
﴿ ٢٣ ﴾