ÓõæÑóÉõ ÇáúÃóäúÈöíóÇÁö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÇËúäóÊóÇ ÚóÔóÑóÉó ÂíóÉð

سورة الأنبياء

بسم اللّه الرحمن الرحيم.

_________________________________

١

انظر تفسير الآية:١١

٢

انظر تفسير الآية:١١

٣

انظر تفسير الآية:١١

٤

انظر تفسير الآية:١١

٥

انظر تفسير الآية:١١

٦

انظر تفسير الآية:١١

٧

انظر تفسير الآية:١١

٨

انظر تفسير الآية:١١

٩

انظر تفسير الآية:١١

١٠

انظر تفسير الآية:١١

١١

وهي مكية بإجماعهم من غير خلاف نعلمه. قوله عز وجل: {ٱقْتَرَبَ} افتعل، من القرب، يقال: قرب الشيء واقترب. وهذه الآية نزلت في كفار مكة. وقال الزجاج: اقترب للناس وقت حسابهم.

وقيل: اللام في قوله: {لِلنَّاسِ} بمعنى: من والمراد بالحساب: محاسبة اللّه لهم على أعمالهم.

وفي معنى قربه قولان.

احدهما: أنه آت، وكل آت قريب.

والثاني: لأن الزمان ـ لكثرة ما مضى وقله. ما بقي ـ قريب.

قوله تعالى: {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} أي: عما يفعل اللّه بهم ذلك اليوم

{مُّعْرِضُونَ} عن التأهب له. وقيل: اقترب للناس عام، والغفلة والإعراض خاص في الكفار، بدلالة قوله تعالى:

{مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ}،

وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال.

احدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا تكون الإشارة بقوله: محدث إلى إنزاله له، لأنه أنزل شيئا بعد شيء.

والثاني: أنه ذكر من الأذكار، وليس بالقرآن، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذكر من رسول، اللّه وليس بالقرآن.

والثالث: أنه رسول اللّه، بدليل قوله في سياق الآية:{هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ}، قاله الحسن بن الفضل. قوله تعالى:

{إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين.

قوله تعالى: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: غافلة عما يراد بهم. قال الزجاج: المعنى: إلا استمعوه لاعبين لاهية قلوبهم؛ ويجوز أن يكون منصوباً بقوله: يلعبون.وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: لاهية بالرفع. قوله تعالى:

{وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ} أي: تناجوا فيما بينهم، يعني المشركين. ثم بين من هم فقال: {ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: أشركوا باللّه. والذين في موضع رفع على البدل من الضمير في وأسروا. ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال:

{هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي: آدمي، فليس بملك؛ وهذا إنكار لنبوته. وبعضهم يقول: أسروا هاهنا بمعنى: أظهروا، لأنه من الأضداد. قوله تعالى:

{أَفَتَأْتُونَ ٱلسّحْرَ} أي: أفتقبلون السحر

{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه سحر؟ٰ يعنون أنه متابعة محمد صلى اللّه عليه وسلم متابعة السحر. {قُل رَّبّى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: قل ربي. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: قال ربي، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم. {بَلْ قَالُواْ} قال الفراء: رد ب بل على معنى تكذيبهم، وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الأخبار عن الجاحدين، وأعلم أن المشركين كانوا قد تحيروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سحر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة ترى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: ٤٤]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إمهال بعدها. قوله تعالى:

{مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ} يعني: مشركي مكة {مِن قَرْيَةٍ} وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالاۤيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟ٰ وهذه إشارة إلى أن الآية لا تكون سبباً للإيمان، إلا أن يشاء اللّه. قوله تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} هذا جواب قولهم: هل هذا الا بشر مثلكم. قوله تعالى:{نُّوحِى إِلَيْهِمْ} قرأ الاكثرون: يوحى بالياء.

وروى حفص عن عاصم: نوحي بالنون. وقد شرحنا هذه الآية في [النحل: ٤٣]. قوله تعالى:

{وَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ} يعني الرسل {جَسَداً} قال الفراء: لم يقل: أجساداً، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد: وما جعلناهم جسدا ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة: ما جعلنا الانبياء قبله أجسادا لا تأكل الطعام لا تموت فنجعله كذلك. قال المبرد وثعلب جميعا: العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين، كان الكلام إخبارا، فمعنى الآية: إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام. قال قتادة: المعنى: وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام. قوله تعالى:

{ثُمَّ صَدَقْنَـٰهُمُ ٱلْوَعْدَ} يعني: الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذبيهم {فَأَنجَيْنَـٰهُمْ وَمَن نَّشَاء} وهم الذين صدقوهم

{وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ} يعني: أهل الشرك؛ وهذا تخويف لأهل مكة ثم ذكر منته عليهم بالقرآن فقال:

{لَقَدِ أَنزَلْنَـٰهُ * إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ}، وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: فيه دينكم، قاله الحسن، يعني: فيه ما تحتاجون إليه من أمر دينكم.

والثالث: فيه تذكرة لكم لما تلقونه من رجعة أو عذاب، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ما فضلتكم به على غيركم.

١٢

انظر تفسير الآية:١٦

١٣

انظر تفسير الآية:١٦

١٤

انظر تفسير الآية:١٦

١٥

انظر تفسير الآية:١٦

١٦

ثم خوفهم فقال: {وَكَمْ قَصَمْنَا}

قال المفسرون واللغويون: معناه: وكم أهلكنا، وأصل القصم: الكسر. وقوله: {كَانَتْ ظَـٰلِمَةً}، أي: كافرة، والمراد: أهلها.

{فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} أي: رأوا عذابنا بحاسة البصر {إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ} أي: يعدون، وأصل الركض: تحريك الرجلين، يقال: ركضت الفرس: إذا أعديته بتحريك رجليك فعدا. قوله تعالى:

{لاَ تَرْكُضُواْ}

قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم: {وَٱرْجِعُواْ إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي: الى نعمكم التي اترفتكم، وهذا توبيخ لهم.

وفي قوله: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} قولان.

احدهما: تسألون من دنياكم شيئا، استهزاء بهم، قاله قتادة.

والثاني: تسألون عن قتل نبيكم، قاله ابن السائب. فلما أيقنوا بالعذاب

{قَالُواْ يأَبَانَا قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ} بكفرنا،

وقيل: بتكذيب نبينا.

{فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي: ما زالت تلك الكلمة التي هي يا ويلنا إنا كنا ظالمين قولهم يرددونها {حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً} بالعذاب،

وقيل: بالسيوف {خَـٰمِدِينَ} أي: ميتين كخمود النار إذا طفئت.

١٧

انظر تفسير الآية:٢٥

١٨

انظر تفسير الآية:٢٥

١٩

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٠

انظر تفسير الآية:٢٥

٢١

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٢

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٥

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} أي: لم نخلق ذلك عبثا، إنا خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا ليعتبر الناس بخلقه، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقه، لنجازي أولياءنا، ونعذب أعداءنا. قوله تعالى:

{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} في سبب نزولها قولان.

احدها: أن المشركين لما قالوا: الملائكة بنات اللّه والآلهة بناته، نزلت هذه الاية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن نصارى نجران قالوا: إن عيسى ابن اللّه، فنزلت هذه الآية قاله مقاتل.

وفي المراد باللّهو ثلاثة أقوال.

احدهما: الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال السدي. قال الزجاج: المعنى لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو نلهى به.

والثاني: المرأة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.

والثالث: اللعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله تعالى:

{لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا} قال ابن جريج: لا تخذنا نساء أو ولدا من أهل السماء، لا من أهل الأرض. قال ابن قتيبة: وأصل اللّهو: الجماع، فكني عنه باللّهو، كما كني عنه بالسر، والمعنى: لو فعلنا ذلك لاتخذناه من عندنا، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده،لا عند غيره.

وفي قوله {إِن كُنَّا فَـٰعِلِينَ} قولان.

احدهما: أن إن بمعنى ما، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.

والثاني: أنها بمعنى الشرط. قال الزجاج: والمعنى: إن كنا نفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله؛ قال: والقول الأول قول المفسرين، والثاني: قول النحويين، وهم يستجيدون القول الأول أيضا، لأن إن تكون في موضع النفي، إلا أن أكثر ما تأتي مع اللام، تقول: إن كنت لصالحا، معناه: ما كنت إلا صالحا. قوله تعالى:

{بَلِ} أي: دع ذاك الذي قالوا، فإنه باطل

{نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ} أي: نسلط الحق وهو القرآن

{عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ} وهو كذبهم {فَيَدْمَغُهُ} قال ابن قتيبة: أي: يكسره، وأصل هذا إصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} أي: زائل ذاهب.

قال المفسرون: والمعنى: إنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل، {وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} أي: من وصفكم اللّه بما لا يجوز

{وَلَهُ مَن فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} يعني: هم عبيده وملكه

{وَمَنْ عِندَهُ} يعني الملائكة. وفي قوله:

{وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ثلاثة أقوال.

احدها: لا يرجعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: لا ينقطعون، قاله مجاهد. وقال ابن قتيبة: لا يعيون، والحسر: المنقطع الواقف إعياء وكلالاً.

والثالث: لا يملون، قاله ابن يزيد. قوله تعالى:

{لاَ يَفْتُرُونَ} قال قتادة: لا يسأمون. وسئل كعب: أما يشلغهم شأن؟ أما تشغلهم حاجة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي، جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، ألست تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس؟ فكذلك جعل لهم التسبيح. ثم إن اللّه تعالى عاد إلى توبيخ المشركين فقال:

{أَمِ ٱتَّخَذُواْ الِهَةً مّنَ ٱلاْرْضِ} لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة {هُمْ} يعني: الآلهة {يُنشِرُونَ} أي: يحيون الموتى. وقرأ الحسن: ينشرون بفتح الياء وضم الشين. وهذا استفهام بمعنى الجحد، والمعنى: ما اتخذوا آلهة تنشر ميتا.

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا} يعني: السماء والارض {ءالِهَةً} يعني: معبودين

{إِلاَّ ٱللّه} قال الفراء: سوى اللّه. وقال الزجاج: غير اللّه. قوله تعالى:

{لَفَسَدَتَا} أي: لخربتا وبطلتا وهلك من فيهما، لوجود التمانع بين الآلهة، فلا يجري أمر العالم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعدا لم يسلم من الخلاف. قوله تعالى:

{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} أي: عما يحكم في عباده من هدي وإضلال، وإعزاز وإذلال، لأنه المالك للخلق، والخلق يسألون عن أعمالهم؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، ولما أبطل عز وجل أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله: {لَفَسَدَتَا} أبطل ذلك من حيث الأمر فقال:

{أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} وهذا استفهام إنكار وتوبيخ

{قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ} على ما تقولون، {هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} يعني القرآن خبر من معي على ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} يعني: الكتب المنزلة، والمعنى: هذا القرآن، وهذه الكتب التي أنزلت قبله، فانظروا هل في واحد منها أن اللّه أمر باتخاذ إله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به. قال الزجاج: قيل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أخبر أمته بأن لهم إلها غير اللّهٰ. قوله تعالى:

{بَلْ أَكْثَرُهُمْ} يعني: كفار مكة

{لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ} وفيه قولان.

احدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: التوحيد، قاله مقاتل. {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن التفكر والتأمل وما يجب عليهم من الإيمان.

٢٦

انظر تفسير الآية:٣٠

٢٧

انظر تفسير الآية:٣٠

٢٨

انظر تفسير الآية:٣٠

٢٩

انظر تفسير الآية:٣٠

٣٠

قوله تعالى: {مِن رَّسُولٍ إِلاَّ * يُوحَى} قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: إلا نوحي بالنون؛ والباقون بالياء. قوله تعالى:

{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً} في القائلين لهذا قولان.

احدهما: أنهم مشركوا قريش، قاله ابن عباس. وقال ابن اسحاق: القائل لهذا النضر بن الحارث.

والثاني: أنهم اليهود، قالوا: إن اللّه صاهر الجن فكانت منهم الملائكة، قاله قتادة. فعلى القولين، المراد بالولد الملائكة، وكذلك المراد بقوله:

{بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} والمعنى: بل عباد أكرمهم اللّه واصطفاهم،

{لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ}، أي: لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به. وقال ابن قتيبة: لا يقولون حتى يقول، ثم يقولون عنه، ولا يعملون حتى يأمرهم. قوله تعالى:

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي: ما قدموا من الأعمال

{وَمَا خَلْفَهُمْ} ما هم عاملون، {وَلاَ يَشْفَعُونَ يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ} وقيل: لا يستغفرون في الدنيا {إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ} أي: لمن رضي عنه،

{وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ} أي: من خشيتهم منه، فأضيف المصدر إلى المفعول، {مُشْفِقُونَ} أي: خائفون. وقال الحسن: يرتعدون.

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} أي: من الملائكة. قال الضحاك في آخرين: هذه خاصة لإبليس، لم يدع أحد من الملائكة إلى عبادة نفسه سواه، قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا قول من قال إنه من الملائكة، فإن إبليس قال ذلك للملائكة الذين هبطوا معه إلى الأرض، ومن قال: إنه ليس من الملائكة، قال: هذا على وجه التهديد، وما قال أحد من الملائكة ذلك.

٣١

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٣

انظر تفسير الآية:٣٤

٣٤

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: أولم يعلموا. وقرأ ابن كثير: ألم ير الذين كفروا بغير واو بين الألف واللام، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة،

{ءانٍ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـٰهُمَا} قال أبو عبيدة: السموات جمع، والأرض واحدة، فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد والعرب تفعل هذا إذا أشركوا بين جمع وبين واحد؛ والرتق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث سواء، ومعنى الرتق: الذي ليس فيه ثقب. قال الزجاج: المعنى: كانتا ذواتي رتق، فجعلهما ذوات فتق، وإنما لم يقل: رتقين لأن الرتق مصدر.

وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال.

احدها: أن السموات كانت رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. رواه عبد اللّه بن دينار عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وعكرمة، ومجاهد في رواية، والضحاك في آخرين.

والثاني: أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين، ففتقهما اللّه تعالى، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة.

والثالث: أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا، ومن السماء ست سموات فصارت سبعا، رواه السدي عن أشياخه، وابن أبي نجيح عن مجاهد. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ} وقرأ معاذ القارىء، وابن أبي عبلة، وحميد بن قيس: كل شيء حيا بالنصب.

وفي هذا الماء قولان.

احدهما: أنه الماء المعروف، والمعنى: جعلنا الماء سببا لحياة كل حي، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه النطفة، قاله ابو العالية. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا فِى ٱلاْرْضِ رَوَاسِىَ} قد فسرناه في [النحل ١٥]. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي:في الرواسي {فِجَاجاً}، قال أبو عبيدة: هي المسالك. قال الزجاج: الفجاج جمع فج، وهو كل منخرق بين جبلين،

ومعنى {سُبُلاً} طرقا. قال ابن عباس: جعلنا من الجبال طرقا كي تهتدوا إلى مقاصدكم في الأسفار.

قال المفسرون: وقوله: سبلاً تفسير للفجاج، وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة، فقد يكون الفج غير نافذ. {وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً} أي: هي للأرض كالسقف.

وفي معنى {مَّحْفُوظاً} قولان.

احدهما: بالنجوم من الشياطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: محفوظا من الوقوع إلا بإذن اللّه، قاله الزجاج. قوله تعالى:

{وَهُمْ} يعني: كفار مكة. {عَنْ ءايَـٰتِهَا} أي: شمسها وقمرها ونجومها، قال الفراء: وقرأ مجاهد: عن آيتها فوحده، فجعل السماء بما فيها آية؛ وكل صواب. قوله تعالى:

{كُلٌّ} يعني: الطوالع {فِى فَلَكٍ} قال ابن قتيبة: الفلك: مدار النجوم الذي يضمها، وسماه فلكا، لاستدارته. ومنه قيل: فلكه المغزل، وقد فلك ثدي المرأة. قال أبو سليمان: وقيل: إن ـ الفلك كهيئة الساقية من ماء ـ مستديرة دون السماء وتحت الأرض، فالأرض وسطها، والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار يجرون في الفلك، وليس الفلك يديرها. ومعنى يسبحون: يجرون. قال الفراء: لما كانت السباحة من أفعال الآدميين، ذكرت بالنون، كقوله: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤٠] لأن السجود من أفعال الآدميين.

٣٥

انظر تفسير الآية:٣٧

٣٦

انظر تفسير الآية:٣٧

٣٧

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ} سبب نزولها أن ناسا قالوا: إن محمدا لا يموت، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: ما خلدنا قبلك أحدا من بني آدم؛ والخلد: البقاء الدائم. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن} يعني: مشركي مكة، لأنهم قالوا: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ} [الطور: ٣٠]. قوله تعالى:

{وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ} قال ابن زيد: نختبركم بما تحبون لننظر كيف شكركم، وبما تكرهون لننظر كيف صبركم. قوله تعالى:

{وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} قرأ ابن عامر: ترجعون بتاء مفتوحة.

وروى ابن عباس عن أبي عمرو: يرجعون بياء مضمومة. وقرأ الباقون بتاء مضمومة. قوله تعالى:

{وَإِذَا رَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} قال ابن عباس: يعني المستهزئين، وقال السدي: نزلت في أبي جهل، مر به رسول اللّه فضحك، وقال: هذا نبي بني عبد مناف. وإن بمعنى ما ومعنى {هُزُواً} مهزوءا به

{أَهَـٰذَا ٱلَّذِى يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ} أي: يعيب أصنامكم، وفيه إضمار يقولون،

{وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَـٰفِرُونَ} وذلك أنهم قالوا: ما نعرف الرحمن، فكفروا بالرحمن.

٣٨

انظر تفسير الآية:٤٢

٣٩

انظر تفسير الآية:٤٢

٤٠

انظر تفسير الآية:٤٢

٤١

انظر تفسير الآية:٤٢

٤٢

قوله تعالى: {خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} وقرأ أبو رزين العقيلي، ومجاهد، والضحاك: خلق الإنسان بفتح الخاء واللام ونصب النون. وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب.

وفي المراد بالإنسان هاهنا ثلاثة أقوال.

احدها: النضر بن الحارث، وهوالذي قال: اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية [الانفال: ٣٢] رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: آدم عليه السلام، قاله سعيد بن جبير، والسدي في آخرين.

والثالث: أنه اسم جنس، قاله علي بن أحمد النيسابوري؛ فعلى هذا يدخل النضر بن الحارث وغيره في هذا وإن كانت الآية نزلت فيه.

فأما من قال: أريد به آدم، ففي معنى الكلام قولان.

احدهما: أنه خلق عجولا، قاله الأكثرون. فعلى هذا يقول: لما طبع آدم على هذا المعنى، وجد في أولاده، وأورثهم العجل.

والثاني: خلق بعجل، استعجل بخلقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة، وهو آخر الأيام الستة، قاله مجاهد.

فأما من قال: هو اسم جنس، ففي معنى الكلام قولان.

احدهما: خلق عجولاً؛ قال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب: إنما خلقت من لعب، يريدون المبالغة في وصفه بذلك.

والثاني: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، والمعنى: خلقت العجلة في الإنسان، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى:

{عَنْ ءايَـٰتِي} فيه قولان.

احدهما: ما أصاب الأمم المتقدمة؛ والمعنى: إنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين، قاله ابن السائب.

والثاني: أنها القتل ببدر، قاله مقاتل. قوله تعالى:

{فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} أثبت الياء في الحالين يعقوب. قوله تعالى:

{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ} يعنون: القيامة.

{لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} جوابه محذوف، والمعنى: لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا،

{حِينَ لاَ يَكُفُّونَ} أي: لا يدفعون {عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ} إذا دخلوا

{وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ} لإحاطتها بهم

٣٩

{وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} أي: يمنعون مما نزل بهم،

{بَلْ تَأْتِيهِم} يعني الساعة {بَغْتَةً} فجأةً {فَتَبْهَتُهُمْ} تحيرهم؛ وقد شرحنا هذا عند قوله:

{فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ} [البقرة: ٢٥٨]

٤٠

{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} أي: صرفها عنهم، ولا هم يمهلون لتوبة أو معذرة. ثم عزى نبيه، فقال:

٤١

{وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ} أي: كما فعل بك قومك

{فَحَاقَ} أي: نزل {بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ} أي: من الرسل {مَّا كَانُوا بِهِ} يعني: العذاب الذي كانوا استهزؤوا به.

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٤

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٥

قوله تعالى: {يَسْتَهْزِءونَ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} المعنى: قل لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: من يحفظكم من بأس الرحمن إن أراد إنزاله بكم؟ٰ وهذا استفهام إنكار، أي: لا أحد يفعل ذلك، {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ} أي: عن كلامه ومواعظه {مُّعْرِضُونَ} لا يتفكرون ولا يعتبرون.

{أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} فيه تقديم وتأخير، وتقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم؟ وهاهنا تم الكلام. ثم وصف آلهتهم بالضعف، فقال:

٤٣

{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} والمعنى: من لا يقدر عل نصر نفسه عما يراد به، فكيف ينصر غيره؟ٰ قوله تعالى:

{وَلاَ هُمْ} في المشار إليهم قولان.

احدهما: أنهم الكفار وهو قول ابن عباس.

والثاني: أنهم الأصنام، قاله قتادة.

وفي معنى {يُصْحَبُونَ} أربعة أقوال.

احدها: يجارون، رواه العوفي عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: والمعنى: لا يجيرهم منا أحد، لأن المجير صاحب لجاره.

والثاني: يمنعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثالث: ينصرون، قاله مجاهد.

والرابع: لا يصحبون بخير، قاله قتادة. ثم بين اغترارهم بالإمهال، فقال:

{بَلْ مَتَّعْنَا هَـؤُلاء وَءابَاءهُمْ} يعني: أهل مكة {حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ} فاغتروا بذلك، {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى ٱلاْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قد شرحناه في [الرعد: ٤١]، {أَفَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ} أي: مع هذه الحال، وهو نقص الأرض، والمعنى: ليسوا بغالبين، ولكنهم المغلوبون. {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم} أي: أخوفكم

{بِٱلْوَحْىِ} أي: بالقرآن، والمعنى: إنني ما جئت به من تلقاء نفسي، إنما أمرت فبلغت، {وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَاء} وقرأ ابن عامر: ولا تسمع بالتاء مضمومة الصم نصبا. وقرأ ابن يعمر، والحسن: ولا يسمع بضم الياء وفتح الميم الصم بضم الميم. شبه الكفار بالصم الذين لا يسمعون نداء مناديهم؛ ووجه التشبيه أن هؤلاء لم ينتفعوا بما سمعوا، كالصم لا يفيدهم صوت مناديهم.

{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} أي: أصابتهم {نَفْحَةٌ} قال ابن عباس: طرف. وقال الزجاج: المراد أدنى شيء من العذاب، {لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَا} والويل ينادي به كل من وقع في هلكة.

٤٦

انظر تفسير الآية:٤٧

٤٧

قوله تعالى: {وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ} قال الزجاج: المعنى: ونضع الموازين ذوات القسط، والقسط: العدل، وهو مصدر يوصف به، يقال: ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط. قال الفراء: القسط من صفة الموازين وإن كان موحدا، كما تقول: أنت عدل، وأنتم رضى. وقوله: {لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ} وفي يوم القيامة سواء. وقد ذكرنا الكلام في الميزان في أول [الأعراف: ٨].

فإن قيل: إذا كان الميزان واحدا، فما المعنى بذكر الموازين؟

فالجواب: أنه لما كانت أعمال الخلائق توزن وزنة بعد وزنة، سميت موازين.

قوله تعالى: {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} أي: لا ينقص محسن من إحسانه، ولا يزاد مسيء على إساءته {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} أي: وزن حبة. وقرأ نافع: مثقال برفع اللام. قال الزجاج: ونصب مثقال على معنى: وإن كان العمل مثقال حبة. وقال أبو علي الفارسي: وإن كان الظلامة مثقال حبة، لقوله تعالى:

{فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} قال: ومن رفع، أسند الفعل الى المثقال، كما أسند في قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠].

قوله تعالى: {أَتَيْنَا بِهَا} أي: جئنا بها. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد: آتينا ممدودة، أي: جازينا بها.

قوله تعالى: {وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ} قال الزجاج: هو منصوب على وجهين، احدهما: التمييز، والثاني: الحال.

٤٨

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٩

انظر تفسير الآية:٥٠

٥٠

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه التوارة التي فرق بها الحلال والحرام، قاله مجاهد وقتادة.

والثاني: البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون، قاله ابن زيد.

والثالث: النصر والنجاة لموسى، وإهلاك فرعون، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: {وَضِيَاء} روى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يرى الواو زائدة؛ قال الزجاج: وكذلك قال بعض النحويين أن المعنى: الفرقان ضياء، وعند البصرين: أن الواو لا تزاد ولا تأتي إلا بمعنى العطف، فهي هاهنا مثل قوله تعالى: {فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: ٤٤]

قال المفسرون: والمعنى: أنهم استضاؤوا بالتوراة حتى اهتدوا بها في دينهم.

ومعنى قوله تعالى: {وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} أنهم يذكرونه ويعملون بما فيه.

{ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ} فيه أربعة أقوال.

احدها: يخافونه ولم يرَوه، قاله الجمهور.

والثاني: يخشون عذابه ولم يروه، قاله مقاتل.

والثالث: يخافونه من حيث لا يراهم أحد، قاله الزجاج.

والرابع: يخافونه إذا غابوا عن أعين الناس كخوفهم إذا كانوا بين الناس، قاله أبو سليمان الدمشقي. ثم عاد إلى ذكر القرآن، فقال:

{وَهَـٰذَا} يعني: القرآن {ذُكِرَ} لمن تذكر به، وعظه لمن اتعظ

{مُّبَارَكٌ} أي: كثير الخير {أَفَأَنْتُمْ} يا أهل مكة {لَهُ مُنكِرُونَ} أي: جاحدون؟ٰ وهذا استفهام توبيخ.

٥١

انظر تفسير الآية:

٥٢

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٣

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٥

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٦

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٧

انظر تفسير الآية:٥٨

٥٨

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرٰهِيمَ رُشْدَهُ} أي: هداه {مِن قَبْلُ} وفيه ثلاثة أقوال.

احدها: من قبل بلوغه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: آتيناه ذلك في العلم السابق، قاله الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: من قبل موسى وهارون، قاله الضحاك. وقد أشرنا إلى قصة إبراهيم في [الأنعام: ٧٥].

قوله تعالى: {وَكُنَّا بِهِ عَـٰلِمِينَ} أي: علمنا أنه موضع لإيتاء الرشد. ثم بين متى آتاه فقال: {إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ} يعني: الأصنام. والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق اللّه تعالى، وأصله من مثلث الشيء بالشيء: إذا شبهته به. وقوله: {ٱلَّتِى أَنتُمْ لَهَا} أي: على عبادتها

{عَـٰكِفُونَ} أي: مقيمون، فأجابوه أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فاقتدوا بهم، فأجابهم بأنهم فيما فعلوا وآباءهم في ضلال مبين،

{قَالُواْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللَّـٰعِبِينَ} يعنون: أجاد انت، أم لاعب؟ٰ

قوله تعالى: {لاكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ} الكيد: احتيال الكائد في ضر المكيد. والمفسرون يقولون: لأكيدنها بالكسر {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ} أي: تذهبوا عنها، وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون إليه ولا يخلفون بالمدينة أحدا، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق، قال: إني سقيم، وألقى نفسه، وقال سرا منهم: وتاللّه لأكيدن أصنامكم، فسمعه رجل منهم، فأفشاه عليه، فرجع إلى بيت الأصنام،وكانت ـ فيما ذكره مقاتل بن سليمان ـ اثنين وسبعين صنما من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب، فكسرها، ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير، فذلك قوله:

{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} قرأ الأكثرون: جذاذا بضم الجيم. وقرأ أبو بكر الصديق، وابن مسعود، وأبو رزين، وقتادة، وابن محيصن، والأعمش، والكسائي: جذاذا بكسر الجيم. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وأيوب السختياني، وعاصم الجحدري: جذاذا بفتح الجيم. وقرأ الضحاك، وابن يعمر: جذذا بفتح الجيم من غير ألف. وقرأ معاذ القارىء، وأبو حيوة، وابن وثاب: جذذا بضم الجيم من غير ألف. قال أبو عبيدة: أي: مستأصلين، قال جرير: بني المهلب جذ اللّه دابرهم  أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف أي: لم يبق منهم شيء، ولفظ جذاذ يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث. وقال ابن قتيبة: جذاذا أي: فتاتا وكل شيء كسرته فقد جذذته، ومنه قيل للسويق: الجذيذ. وقرأ الكسائي: جذاذا بكسر الجيم على أنه جمع جذيذ، مثل ثقيل وثقال، وخفيف وخفاف. والجذيذ بمعنى: المجذوذ، وهو المكسور.

{إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} أي: كسر الأصنام إلا أكبرها. قال الزجاج: جائز أن يكون أكبرها في ذاته، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إياه،

{لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، في هاء الكناية قولان.

احدهما: أنها ترجع الى الصنم. ثم فيه قولان.

احدهما: لعلهم يرجعون اليه فيشاهدونه، هذا قول مقاتل.

والثاني: لعلهم يرجعون إليه بالتهمة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.

والثاني: أنها ترجع إلى إبراهيم. والمعنى: لعلهم يرجعون إلى دين إبراهيم بوجوب الحجة عليهم، قاله الزجاج.

٥٩

انظر تفسير الآية:٦٣

٦٠

انظر تفسير الآية:٦٣

٦١

انظر تفسير الآية:٦٣

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٣

٦٣

فلما رجعوا من عيدهم ونظروا إلى آلهتهم {قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} أي: قد فعل ما لم يكن له فعله، فقال الذي سمع إبراهيم يقول: لأكيدن أصنامكم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} قال الفراء: أي: يعيبهم؛ نقول للرجل: لئن ذكرتني لتندمن، تريد: بسوء.

قوله تعالى: {فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ} أي: بمرأى منهم، لا تأتوا به خفية. قال أبو عبيدة: تقول العرب إذا أظهر الأمر وشهر: كان ذلك على أعين الناس.

قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: يشهدون أنه قال لآلهتنا ما قال، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.

والثاني: يشهدون أنه فعل ذلك، قاله السدي.

والثالث: يشهدون عقابه وما يصنع به، قاله محمد بن إسحاق.

قال المفسرون: فانطلقوا به إلى نمرود، فقال له:

{قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِـئَالِهَتِنَا إِبْرَاهِيمَ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا} غضب أن تعبد معه الصغار، فكسرها،

{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} من فعله بهم؟ٰ وهذا إلزام للحجة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النطق. واختلف العلماء في وجه هذا القول من ابراهيم عليه السلام على قولين.

احدهما: أنه وإن كان في صورة الكذب، إلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له، لا يصلح أن يكون إلها، ومثله قول الملكين لدواد: إن هذا أخي ولم يكن أخاه له تسع وتسعون نعجة [ص:٢٣]، ولم يكن له شيء، فيجري هذا مجرى التنبيه لداود على ما فعل، وأنه هو المراد بالفعل والمثل المضروب؛ ومثل هذا لا تسميه العرب كذبا.

والثاني: أنه من معاريض الكلام؛ فروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ} ويقول معناه: فعله من فعله، ثم يبتدىء

{كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا}.قال الفراء: وقرأ بعضهم: بل فعله بتشديد اللام، يريد: فلعله كبيرهم هذا. وقال ابن قتيبة: هذا من المعاريض، ومعناه: إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم، وكذلك قوله:

{إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] أي: سأسقم ومثله إنك ميت [الزمر: ٣٠] أي: ستموت، وقوله:

{لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: ٧٤] قال ابن عباس: لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام، والمعنى: لا تؤاخذني بنسياني، ومن هذا قصة الخصمين

{إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ} [ص:٢١]، مثله

{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى} [سبأ: ٢٤]، والعرب تستعمل التعريض في كلامها كثيرا، فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف من الكشف وأحسن من التصريح.

وروي أن قوما من الأعراب خرجوا يمتارون، فلما صدروا، خالف رجل في بعض الليل إلى عكم صاحبه، فأخذ منه برا وجعله في عكمه، فلما أراد الرحلة وقاما يتعاكمان، رأى عكمه يشول، وعكم صاحبه يثقل، فأنشأ يقول: عكم تغشى بعض أعكام القوم  لم أر عكما سارقا قبل اليوم فخون صاحبه بوجه هو ألطف من التصريح. قال ابن الأنباري: كلام إبراهيم كان صدقا عند البحث، ومعنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: كذب إبراهيم ثلاثة كذبات: قولاً يشبه الكذب في الظاهر، وليس بكذب. قال المصنف: وقد ذهب جماعة من العلماء إلى هذا الوجه، وأنه من المعاريض، والمعاريض لا تذم، خصوصا إذا احتيج إليها، روى عمران بن حصين، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ما يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي، وقال النخعي: لهم كلام يتكلمون به إذا خشوا من شيء يدرؤون به عن أنفسهم. وقال ابن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعجوز: إن الجنة لا تدخلها العجائز، أراد قوله تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَاء} [الواقعة: ٣٥]،

وروي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يمازح بلالا، فيقول: ما أخت خالك منك؟، وقال لامرأة: من زوجك؟ فسمته له، فقال: الذي في عينيه بياض؟، وقال لرجل: إنا حاملوك على ولد ناقة، وقال له العباس: ما ترجو لأبي طالب؟ فقال: كل خير أرجوه من ربي، وكان أبو بكر حين خرج من الغار مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سأله أحد: من هذا بين يديك؟ يقول: هاد يهديني. وكانت امرأة ابن رواحة قد رأته مع جارية له،فقالت له: وعلى فراشي أيضا؟ٰ فجحد، فقالت له: فاقرأ القرآن، فقال: وفينا رسول اللّه يتلو كتابه  إذا انشق مشهور من الصبح طالع يبيت يجافي جنبه عن فراشه  إذا استثقلت بالكافرين المضاجع فقالت: آمنت باللّه، وكذبت بصري، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فضحك وأعجبه ما صنع. وعرض شريح ناقة ليبيعها فقال له المشتري: كيف لبنها؟ قال: احلب في أي إناء شئت، قال: كيف الوطاء؟ قال افرش ونم، قال: كيف نجاؤها؟ قال: إذا رأتيها في الإبل عرفت مكانها، علق سوطك وسر، قال: كيف قونها؟ قال: احمل على الحائط ما شئت، فاشتراها فلم ير شيئا مما وصف، فرجع إليه، فقال: لما أر فيها شيئا مما وصفتها به، قال: ما كذبتك، قال: أقلني، قال: نعم. وخرج شريح من عند زياد وهو مريض، فقيل له: كيف وجدت الأمير؟ قال: تركته يأمر وينهى، فقيل له: ما معنى يأمر وينهى؟ قال: يأمر بالوصية، وينهى عن النوح. وأخذ محمد بن يوسف حجرا المدري فقال: إلعن عليا، فقال: إن الأمير أمرني أن ألعن عليا محمد بن يوسف، فالعنوه، لعنه اللّه. وأمر بعض الأمراء صعصعة بن صوحان بلعن علي، فقال: لعن اللّه من لعن اللّه ولعن علي، ثم قال: إن هذا الأمير قد أبى إلا أن ألعن عليا، فالعنوه، لعنه اللّه. وامتحنت الخوارج رجلا من الشيعة، فجعل يقول: أنا من علي ومن عثمان بريء. وخطب رجل امرأة وتحته أخرى، فقالوا: لا نزوجك حتى تطلق امرأتك، فقال: اشهدوا أني قد طلقت ثلاثا، فزوجوه، فأقام مع المرأة الأولى، فادعوا أنه قد طلق، فقال: أما تعلمون أنه كان تحتي فلانة فطلقتها، ثم فلانة فطلقتها، ثم فلانة فطلقتها؟ قالوا: بلى، قال: فقد طلقت ثلاثا. وحكي أن رجلا عثر به الطائف ليلة، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره  وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفوجا إلى ضوء ناره  فمنهم قيام حولها وقعود فظن الطائف أنه ابن بعض الأشراف بالبصرة، فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو ابن باقلائي. ومثل هذا كثير.

٦٤

انظر تفسير الآية:٦٧

٦٥

انظر تفسير الآية:٦٧

٦٦

انظر تفسير الآية:٦٧

٦٧

قوله تعالى: {فَرَجَعُواْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ} فيه قولان.

احدهما: رجع بعضهم الى بعض.

والثاني: رجع كل منهم إلى نفسه متفكرا.

قوله تعالى: {فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} فيه خمسة أقوال.

احدها: حين عبدتم من لا يتكلم، قاله ابن عباس.

والثاني: حين تتركون آلهتكم وحدها، وتذهبون، قاله وهب بن منبه.

والثالث: في عبادة هذه الأصاغر مع هذا الكبير، روي عن وهب أيضا.

والرابع: لإبراهيم حين اتهمتموه والفأس في يد كبير الأصنام، قاله ابن اسحاق، ومقاتل.

والخامس: أنتم ظالمون لإبراهيم حين سألتموه، وهذه أصنامكم حاضرة، فاسألوها، ذكره ابن جرير.

قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُؤُوسَهُمْ} وقرأ أبو رزين العقيلي، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: نكسوا برفع النون وكسر الكاف مشددة. وقرأ سعيد ابن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: نكسوا بفتح النون والكاف مخففة. قال أبو عبيدة: نكسوا: قلبوا، تقول: نكست فلانا على رأسه: إذا قهرته وعلوته. ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال.

احدها: أدركتهم حيرة، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـؤُلاء يَنطِقُونَ} قاله قتادة.

والثاني: رجعوا إلى أول ما كانوا يعرفونها به من أنها لا تنطق، قاله ابن قتيبة.

والثالث: انقلبوا على إبراهيم يحتجون عليه بعد أن أقروا له ولاموا أنفسهم في تهمته، قاله أبو سليمان الدمشقي.

وفي قوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ} إضمار قالوا، وفي هذا إقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النطق، فحينئذ توجهت لإبراهيم الحجة، فقال موبخا لهم:

{أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه مَا لاَ يَنفَعُكُمْ} أي: لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئا

{وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إذا لم تعبدوه، وفي هذا حث لهم على عبادة من يملك النفع والضر، {أُفّ لَّكُمْ} قال الزجاج: معناه: النتن لكم؛ فلما ألزمهم الحجة غضبوا، فقالوا: {حَرّقُوهُ}. وذكر في التفسير أن نمرود استشارهم، بأي عذاب أعذبه، فقال رجل: حرقوه، فخسف اللّه به الأرض، فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة.

٦٨

انظر تفسير الآية:٧٣

٦٩

انظر تفسير الآية:٧٣

٧٠

انظر تفسير الآية:٧٣

٧١

انظر تفسير الآية:٧٣

٧٢

انظر تفسير الآية:٧٣

٧٣

قوله تعالى: {وَٱنصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ} أي: بتحريقه، لأنه يعيبها

{إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ} أي: ناصريها. الإشارة الى القصة. ذكر أهل التفسر أنهم حبسوا إبراهيم عليه السلام في بيت ثم بنوا له حيرا طول جداره ستون ذراعاً إلى سفح جبل منيف، ونادى منادي الملك: أيها الناس احتطبوا لإبراهيم، ولا يتخلفن عن ذلك صغير ولا كبير، فمن تخلف ألقي في تلك النار، ففعلوا ذلك أربعين ليلة، حتى إن كانت المرأة لتقول: إن ظفرت بكذا لأحتطبن لنار إبراهيم، حتى إذا كان الحطب يساوي رأس الجدار سدوا أبواب الحير وقذفوا فيه النار، فارتفع لهبها،حتى إن كان الطائر ليمر بها فيحترق من شدة حرها، ثم بنوا بنيانا شامخا، وبنوا فوقه منجنيقا، ثم رفعوا إبراهيم على رأس البنيان، فرفع إبراهيم رأسه الى السماء، فقال: اللّهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي اللّه ونعم الوكيل؛ فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا ابراهيم يحرق فيك، فائذن لنا في نصرته؛ فقال: أنا أعلم به، وإن دعاكم فأغيثوه؛ فقذفوه في النار وهو ابن ست عشرة سنة،

وقيل: ست وعشرين، فقال: حسبي اللّه ونعم الوكيل. فاستقبله جبريل، فقال: يا ابراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك، فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فقال اللّه عز وجل: {قُلْنَا يٰنَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ} فلم تبق نار على وجه الأرض يومئذ إلا طفئت وظنت أنها عنيت. وزعم السدي أن جبريل هو الذي ناداها. وقال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها قال السدي: فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم فأجلسوه على الأرض، فإذا عين من ماء عذب، وورد أحمر، ونرجس. قال كعب ووهب: فما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه، وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام، وقال غيرهما أربعين أو خمسين يوماً، فنزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسه من الجنة، فألبسه القميص، وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه. وإن آزر أتى نمرود فقال: أئذن لي أن أخرج عظام إبراهيم فأدفنها، فانطلق نمرود ومعه الناس، فأمر بالحائط فنقب، فإذا إبراهيم في روضة تهتز وثيابه تندى، وعليه القميص وتحته الطنفسة والملك إلى جنبه، فناداه نمرود: يا إبراهيم، إن إلهك الذي بلغت قدرته هذا لكبير، هل تستطيع أن تخرج؟ قال: نعم، فقام إبراهيم يمشي حتى خرج، فقال: من الذي رأيت معك؟ قال ملك أرسله إلي ربي ليؤنسني، فقال نمرود: إني مقرب لإلهك قرباناً لما رأيت من قدرته، فقال: إذن لا يقبل اللّه منك ما كنت على دينك، فقال: يا إبراهيم، لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبح له، فذبح القربان وكف عن إبراهيم.

قال المفسرون: ومعنى كوني بردا أي: ذات برد وسلاماً أي: سلامة.

{وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} وهو التحريق بالنار {فَجَعَلْنَـٰهُمُ ٱلاْخْسَرِينَ} وهو أن اللّه تعالى سلط البعوض عليهم حتى أكل لحومهم وشرب دماءهم، ودخلت واحدة في دماع نمرود حتى أهلكته، والمعنى: أنهم كادوه بسوء، فانقلب السوء عليهم.

قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَـٰهُ} أي: من نمرود وكيده {وَلُوطاً} وهو ابن أخي إبراهيم، وهو لوط بن هاران بن تارح، وكان قد آمن به، فهاجرا من أرض العراق إلى الشام. وكانت سارة مع إبراهيم في قول وهب. وقال السدي: إنما هي إبنة ملك حران، لقيها إبراهيم فتزوجها على أن لا يغيرها، وكانت قد طعنت على قومها في دينهم.

فأما قوله تعالى {إِلَى ٱلاْرْضِ ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا}، ففيها قولان.

احدهما: أنها أرض الشام، وهذا قول الأكثرين. وبركتها أن اللّه عز وجل بعث أكثر الأنبياء منها، وأكثر فيها الخصب والثمار والأنهار.

والثاني: أنها مكة، رواه العوفي عن ابن عباس. والأول أصح.

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ} يعني: إبراهيم {إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}، وفي معنى النافلة قولان.

احدهما: أنها بمعنى الزيادة، والمراد بها: يعقوب خاصة، فكأنه سأل واحدا فأعطي اثنين، وهذا مذهب ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، والفراء.

والثاني: أن النافلة بمعنى العطية، والمراد: بها إسحاق ويعقوب، وهذا مذهب مجاهد، وعطاء.

قوله تعالى: {وَكُلاًّ جَعَلْنَـٰهُ * صَـٰلِحِينَ} يعني: إبراهيم وإسحاق ويعقوب. قال أبو عبيدة: كل يقع خبره على لفظ الواحد، لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على لفظ الجميع، لأن معناه معنى الجميع.

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً} أي: رؤوسا يقتدى بهم في الخير

{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أي: يدعون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بذلك

{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ} قال ابن عباس: شرائع النبوة. وقال مقاتل: الأعمال الصالحة.

{لَّيْسَ ٱلْبِرَّ} قال الزجاج: حذف الهاء من إقامة الصلاة قليل في اللغة، تقول: إقام إقامة، والحذف جائز، لأن الإضافة عوض من الهاء.

٧٤

انظر تفسير الآية:٧٥

٧٥

قوله تعالى: {وَلُوطاً اتَيْنَـٰهُ حُكْماً} قال الزجاج: انتصب لوط بفعل مضمر، لأن قبله فعلاً، فالمعنى: وأوحينا إليهم وآتينا لوطا. وذكر بعض النحويين: أنه منصوب على واذكر لوطا، وهذا جائز، لأن ذكر إبراهيم قد جرى، فحمل لوط على معنى: واذكر.

قال المفسرون: لما هاجر لوط مع إبراهيم، نزل إبراهيم أرض فلسطين، ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة أو نحو ذلك من إبراهيم فبعثه اللّه نبياً. فأما الحكم ففيه قولان.

احدهما: أنه النبوة، قاله ابن عباس.

والثاني: الفهم والعقل، قاله مقاتل. وقد ذكرنا فيه أقوالا في [سورة يوسف:٢٢] وأما القرية هاهنا، فهي سدوم، والمراد أهلها، والخبائث أفعالهم المنكرة، فمنها اتيان الذكور وقطع السبيل، إلى غير ذلك مما قد ذكره اللّه عز وجل عنهم في مواضع [هود: ٧٨] [والحجر: ٦٩].

قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَـٰهُ فِى رَحْمَتِنَا} أي: بانجائه من بينهم.

٧٦

انظر تفسير الآية:٧٧

٧٧

قوله تعالى: {وَنُوحاً} المعنى: واذكر نوحا، وكذلك ما يأتيك من ذكر الأنبياء {إِذْ نَادَىٰ} أي: دعا على قومه {مِن قَبْلُ} أي: من قبل إبراهيم ولوط. فأما الكرب العظيم، فقال ابن عباس: هو الغرق وتكذيب قومه.

قوله تعالى: {وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ} أي: منعناه منهم أن يصلوا اليه بسوء.

وقيل: من بمعنى على.

٧٨

انظر تفسير الآية:٨٢

٧٩

انظر تفسير الآية:٨٢

٨٠

انظر تفسير الآية:٨٢

٨١

انظر تفسير الآية:٨٢

٨٢

قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ} وفيه قولان.

احدهما: أنه كان عنبا، قاله ابن مسعود، ومسروق، وشريح.

والثاني: كان زرعا، قاله قتادة. {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ} قال ابن قتيبة: أي: رعت ليلا، يقال نفشت الغنم بالليل، وهي إبل نفش ونفاش نفاش، والواحد: نافش، وسرحت وسربت بالنهار، قال قتادة: النفش بالليل، والهمل بالنهار. وقال ابن السكيت: النفش: أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع. الإشارة الى القصةذكر أهل التفسير أن رجلين كانا على عهد داود عليه السلام، احدهما صاحب حرث، والأخر صاحب غنم، فتفلتت الغنم، فوقعت في الحرث فلم تبق منه شيئا، فاختصما إلى داود، فقال لصاحب الحرث: لك رقاب الغنم، فقال سليمان: أو غير ذلك؟ قال: ما هو؟ قال ينطلق أصحاب الحرث بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها، ويقبل أصحاب الغنم على الكرم، حتى إذا كان كليلة نفشت فيه الغنم، دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم، ودفع هؤلاء الى هؤلاء كرمهم، فقال داود: قد اصبت القضاء، ثم حكم بذلك، فذلك قوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَـٰهِدِينَ} وفي المشار إليهم قولان.

احدهما: داود وسليمان، فذكرهما بلفظ الجمع، لأن الاثنين جمع، هذا قول الفراء.

والثاني: أنهم داود وسليمان والخصوم، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وابن أبي عبلة: وكنا لحكمهما على التثنية. ومعنى شاهدين: أنه لم يغب عنا من أمرهم شيء.

{فَفَهَّمْنَـٰهَا سُلَيْمَـٰنَ} يعني:القضية والحكومة. وإنما كنى عنها، لأنه قد سبق ما يدل عليها من ذكر الحكم،

{وَكُلاًّ} منهما {حُكْماً وَعِلْماً} وقد سبق بيانه. قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان لصوابه، وعذر دواد باجتهاده. فصل قال أبو سليمان الدمشقي: كان قضاء داود وسليمان جميعا من طريق الاجتهاد، ولم يكن نصا، إذ لو كان نصا ما اختلفا. قال القاضي أبو يعلى: وقد اختلف الناس في الغنم إذا نفشت ليلاً في زرع رجل فأفسدته، فمذهب أصحابنا أن عليه الضمان، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ضمان عليه ليلاً ونهاراً، إلا أن يكون صاحبها هو الذي أرسلها، فظاهر الآية يدل على قول أصحابنا، لأن داود حكم بالضمان، وشرع من قبلنا شرع لنا مالم يثبت نسخه.

فإن قيل: فقد ثبت نسخ هذا الحكم، لأن داود حكم بدفع الغنم إلى صاحب الحرث، وحكم سليمان له بأولادها وأصوافها، ولا خلاف أنه لا يجب على من نفشت غنمه في حرث رجل شيء من ذلك؛

قيل: الآية تضمنت أحكاما، منها وجوب الضمان وكيفيته، فالنسخ حصل على كيفيته، ولم يحصل على أصله، فوجب التعلق به، وقد روى حرام بن محيصة عن أبيه: أن ناقةً للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت، فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل.

قوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ ٱلْجِبَالَ يُسَبّحْنَ} تقدير الكلام: وسخرنا الجبال يسبحن مع داود. قال أبو هريرة: كان إذا سبح أجابته الجبال والطير بالتسبيح والذكر، وقال غيره: كان إذا وجد فترةً، أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق هو فيسبح.

قوله تعالى: {وَكُنَّا فَـٰعِلِينَ} أي: لذلك. قال الزجاج: المعنى: وكنا نقدر على ما نريده.

قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} في المراد باللبوس قولان.

احدهما: الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح، وكان داود أول من صنع هذه الحلق وسرد، قاله قتادة.

والثاني: أن اللبوس: السلاح كله من درع إلى رمح، قاله أبو عبيدة. وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: لبوس بضم اللام.

قوله تعالى: {ليحصنكم} قرأ ابن كثير. ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: ليحصنكم بالياء. وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: لتحصنكم بالتاء.

وروى أبو بكر عن عاصم: لنحصنكم بالنون خفيفة. وقرأ أبو الدرداء، وأبو عمران الجوني، وأبو حيوة: لتحصنكم بتاء مرفوعة وفتح الهاء وتشديد الصاد.وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وحميد بن قيس: لتحصنكم بتاء مفتوحة مع فتح الحاء وتشديد الصاد مع ضمها. وقرأ أبو رزين العقيلي، وأبو المتوكل، ومجاهد: لنحصنكم بنون مرفوعة وفتح الحاء وكسر الصاد مع تشديدها. وقرأ معاذ القارىء، وعكرمة، وابن يعمر، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: ليحصنكم بياء مرفوعة وسكون الحاء وكسر الصاد مشددة النون. فمن قرأ بالياء ففيه أربعة أوجه. قال أبو علي الفارسي: أن يكون الفاعل اسم اللّه، لتقدم معناه، ويجوز أن يكون اللباس، لأن اللبوس بمعنى اللباس من حيث كان ضرباً منه، ويجوز أن يكون داود، ويجوز أن يكون التعليم، وقد دل عليه علمناه. ومن قرأ بالتاء، حمله على المعنى، لأنه الدرع. ومن قرأ بالنون، فلتقدم قوله: وعلمناه. ومعنى لتحصنكم: لتحرزكم وتمنعكم {لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ} يعني: الحرب.

قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عمران الجوني، وأبو حيوة الحضرمي: الرياح بألف مع رفع الحاء. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء: بالألف ونصب الحاء، والمعنى: وسخرنا لسليمان الريح {عَاصِفَةً} أي: شديدة الهبوب {تَجْرِى بِأَمْرِهِ} يعني: بأمر سليمان

{إِلَى ٱلاْرْضِ ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} وهي أرض الشام، وقد مر بيان بركتها في هذه السورة [الأنبياء: ٧٢] والمعنى: أنها كانت تسير به إلى حيث شاء، ثم تعود به إلى منزله بالشام.

قوله تعالى: {وَكُنَّا بِكُلّ شَىْء عَـٰلِمِينَ} علمنا أن ما نعطي سليمان يدعوه إلى الخضوع لربه.

قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ} قال أبو عبيدة: من تقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكر والمؤنث.

قال المفسرون: كانوا يغوصون في البحر، فيستخرجون الجواهر،

{وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ} قال الزجاج: معناه: سوى ذلك،

{وَكُنَّا لَهُمْ حَـٰفِظِينَ} أن يفسدوا ما عملوا. وقال غيره: أن يخرجوا عن أمره.

٨٣

انظر تفسير الآية:٨٦

٨٤

انظر تفسير الآية:٨٦

٨٥

انظر تفسير الآية:٨٦

٨٦

قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ} أي: دعا ربه {إِنّى} وقرأ أبو عمران الجوني: إني بكسر الهمزة، {مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ} وقرأ حمزة: مسني بتسكين الياء، أي: أصابني الجهد، {وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ} أي: أكثرهم رحمة، وهذا تعريض منه بسؤال الرحمة إذ أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت. الإشارة إلى قصته. ذكر أهل التفسير أن أيوب عليه السلام كان أغنى أهل زمانه، وكان كثير الإحسان. فقال إبليس: يا رب سلطني على ماله وولده ـ وكان له ثلاثة عشر ولداـ فإن فعلت رأيته كيف يطيعني ويعصيك، فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده، فرجع إبليس فجمع شياطينه ومردته، فبعث بعضهم إلى دوابه ورعاته، فاحتملوها حتى قذفوها في البحر، وجاء ابليس في صورة قيمه، فقال: يا أيوب إلا أراك تصلي وقد أقبلت ريح عاصف فاحتملت دوابك ورعاتها حتى قذفتها في البحر؟ فلم يرد عليه شيئا حتى فرغ من صلاته، ثم قال الحمد للّه الذي رزقني ثم قبله مني، فانصرف خائباً، ثم أرسل بعض الشياطين الى جنانه وزروعه، فأحرقوها، وجاء فأخبره، فقال مثل ذلك، فأرسل بعض الشياطين فزلزلوا منازل أيوب وفيها ولده وخدمه، فأهلكوهم، وجاء فأخبره، فحمد اللّه، وقال لإبليس وهو يظنه قيمه في ماله: لو كان فيك خير لقبضك معهم، فانصرف خائباً، فقيل له: كيف رأيت عبدي أيوب؟ قال: يا رب سلطني على جسده فسوف ترى، قيل له: قد سلطتك على جسده، فجاء فنفخ في إبهام قدميه، فاشتعل فيه مثل النار، ولم يكن في زمانه أكثر بكاء منه خوفا من اللّه تعالى، فلما نزل به البلاء لم يبك مخافة الجزع، وبقي لسانه للذكر، وقلبه للمعرفة والشكر، وكان يرى أمعاءه وعروقه وعظامه، وكان مرضه أنه خرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم، ووقعت به حكة لا يملكها، فحك بأظفاره حتى سقطت، ثم بالمسوح، ثم بالحجارة، فأنتن جسمه وتقطع، وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشاً على كناسة،ورفضه الخلق سوى زوجته، واسمها رحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب، فكانت تختلف إليه بما يصلحه، وروى أبو بكر القرشي عن الليث ابن سعد، قال: كان ملك يظلم الناس، فكلمه في ذلك جماعة من الأنبياء، وسكت عنه أيوب لأجل خيل كانت له في سلطانه، فأوحى اللّه إليه: تركت كلامه من أجل خيلك؟ٰ لأطيلن بلاءك.

واختلفوا في مدة لبثه في البلاء على أربعة أقوال.

احدها: ثماني عشرة سنة، رواه انس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.

والثاني: سبع سنين، قاله ابن عباس، وكعب، ويحيى بن أبي كثير.

والثالث: سبع سنين وأشهر، قاله الحسن.

والرابع: ثلاث سنين، قاله وهب. وفي سبب سؤاله العافية ستة أقوال.

احدها: أنه اشتهى إداما، فلم تصبه امرأته حتى باعت قرناً من شعرها، فلما علم ذلك، قال: مسني الضر، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: أن اللّه تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره اللّه، فلما انتهى أجل البلاء، يسر له الدعاء، فاستجاب له، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أن نفرا من بني إسرائيل مروا به، فقال بعضهم لبعض: ما أصابه هذا إلا بذنب عظيم، فعند ذلك قال: مسني الضر، قاله نوف البكالي. وقال عبد اللّه بن عبيد بن عمير: كان له أخوان، فأتياه يوماً فوجدا ريحاً، فقالا: لو كان اللّه علم منه خيرا ما بلغ به كل هذا، فما سمع شيئاً أشد عليه من ذلك، فقال: اللّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق وهما يسمعان، ثم قال: اللّهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً وأنا أعلم مكان عار فصدقني، فصدق وهما يسمعان، فخر ساجدا، ثم قال: اللّهم لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي، فكشف اللّه عز وجل ما به.

والرابع: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة، فقال: ليذبح أيوب هذه لي وقد برأ، فجاءت فأخبرته، فقال: إن شفاني اللّه لأجلدنك مائة جلدة، أمرتني أن أذبح لغير اللّه؟ٰ ثم طردها عنه، فذهبت، فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق، خر ساجدا وقال: مسني الضر، قاله الحسن.

والخامس: أن اللّه تعالى أوحى اليه وهو في عنفوان شبابه: إني مبتليك، قال: يا رب، وأين يكون قلبي؟ قال: عندي، فصب عليه من البلاء ما سمعتم حتى إذا بلغ البلاء منتهاه، أوحى إليه أني معافيك، قال: يا رب، وأين يكون قلبي؟ قال: عندك، قال: مسني الضر، قاله إبراهيم بن شيبان القرميسي فيما حدثنا به عنه.

والسادس: أن الوحي انقطع عنه أربعين يوماً، فخاف هجران ربه، فقال: مسني الضر، ذكره الماوردي.

فإن قيل: أين الصبر، وهذا لفظ الشكوى؟

فالجواب: أن الشكوى الى اللّه لا تنافي الصبر، وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق، ألم تسمع قول يعقوب {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللّه} [يوسف: ٨٦] قال سفيان بن عيينه: وكذلك من شكا إلى الناس، وهو في شكواه راض بقضاء اللّه، لم يكن ذلك جزعاً، ألم تسمع قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجبريل في مرضه: أجدني مغموماً وأجدني مكروباً، وقوله: بل أنا وارأساه.

قوله تعالى: {فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ} يعني: أولاده {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} فيه أربعة أقوال.

احدها: أن اللّه تعالى أحيا له أهله بأعيانهم، وآتاه مثلهم معهم في الدنيا، قاله ابن مسعود، والحسن، وقتادة.

وروى أبو صالح عن ابن عباس: كانت امرأته ولدت له سبعة بنين وسبع بنات، فنشروا له؛ وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات.

والثاني: أنهم كانوا قد غيبوا عنه ولم يموتوا، فآتاه إياهم في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة، رواه هشام عن الحسن.

والثالث: آتاه اللّه أجور أهله في الآخرة، وآتاه مثلهم في الدنيا، قاله نوف، ومجاهد.

والرابع: آتاه أهله ومثلهم معهم في الآخرة، حكاه الزجاج.

قوله تعالى: {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} أي: فعلنا ذلك به رحمة من عندنا، {وَذِكْرَىٰ} أي: عظةً {لِلْعَـٰبِدِينَ} قال محمد بن كعب: من أصابه بلاء فليذكر ما أصاب أيوب، فليقل: إنه قد أصاب من هو خير مني.

قوله تعالى: {وَذَا ٱلْكِفْلِ} اختلفوا هل كان نبياً، أم لا؟ على قولين.

احدهما: أنه لم يكن نبياً، ولكنه كان عبدا صالحاً، قاله ابو موسى الأشعري، ومجاهد، ثم اختلف أرباب هذا القول في علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال.

احدها: أن رجلا كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي، فكفل بصلاته، فسمي: ذا الكفل، قاله أبو موسى الأشعري.

والثاني: أنه تكفل للنبي بقومه أن يكفيه أمرهم ويقيمه ويقضي بينهم بالعدل، ففعل، فسمي: ذا الكفل، قاله مجاهد.

والثالث: أن ملكا قتل في يوم ثلاثمائمة نبي، وفر منه مائة نبي، فكفلهم ذو الكفل، يطعمهم ويسقيهم حتى أفلتوا، فسمي ذا الكفل، قاله ابن السائب.

والقول الثاني: أنه كان نبياً، قاله الحسن، وعطاء. قال عطاء: اللّه تعالى إلى نبي من الأنبياء: إني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك بأنه يصلي الليل لا يفتر، ويصوم النهار لايفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه، ففعل ذلك، فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا، فتكفل به، فوفى، فشكر اللّه له ذلك، ونبأه، وسمي: ذا الكفل. وقد ذكر الثعلبي حديث ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الكفل: أنه كان رجلا لا ينزع عن ذنب، وأنه خلا بامرأة ليفجر بها، فبكت، وقالت: ما فعلت هذا قط، فقام عنها تائبا، ومات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر اللّه للكفل؛ والحديث معروف، وقد ذكرته في الحدائق، فجعله الثعلبي أحد الوجوه في بيان ذي الكفل، وهذا غلط، لأن ذلك اسمه الكفل، والمذكور في القرآن يقال له: ذو الكفل، ولأن الكفل مات في ليلته التي تاب فيها، فلم يمض عليه زمان طويل يعالج فيه الصبر عن الخطايا. وإذا قلنا: إنه نبي، فإن الأنبياء معصومون عن مثل هذا الحال. وذكرت هذا لشيخنا أبي الفضل بن ناصر رحمه اللّه تعالى، فوافقني، وقال: ليس هذا بذاك.

قوله تعالى: {كُلٌّ مّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} أي: على طاعة اللّه وترك معصيته،

{وَأَدْخَلْنَـٰهُمْ فِى رَحْمَتِنَا} في هذه الرحمة ثلاثة أقوال.

احدها: أنها الجنة، قاله ابن عباس.

والثاني: النبوة، قاله مقاتل.

والثالث: النعمة والموالاة، حكاها أبو سليمان الدمشقي.

٨٧

انظر تفسير الآية:٨٨

٨٨

قوله تعالى: {وَذَا ٱلنُّونِ} يعني: يونس بن متى. والنون: السمكة؛ أضيف إليها لابتلاعها إياه.

قوله تعالى: {إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً} قال ابن قتيبة: المغاضبة: مفاعلة، وأكثر المفاعلة من اثنين، كالمناظرة والمجادلة والمخاصمة، وربما تكون من واحد، كقولك: سافرت، وشارفت الأمر، وهي هاهنا من هذا الباب. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: مغضبا بإسكان الغين وفتح الضاد من غير ألف.

واختلفوا في مقاضيته لمن كانت؟ على قولين.

احدهما: أنه غضب على قومه، قاله ابن عباس، والضحاك. وفي غضبه عليهم ثلاثة أقوال.

احدها: أن اللّه تعالى أوحى إلى بني نبي يقال له: شعيا: أن ائت فلان الملك، فقل له: يبعث نبياً أميناً إلى بني إسرائيل، وكان قد غزا بني إسرائيل ملك، وسبا منهم الكثير، فأراد النبي والملك أن يبعثا يونس إلى ذلك الملك ليكلمه حتى يرسلهم، فقال يونس لشعيا: هل أمرك اللّه بإخراجي؟ قال: لا، قال: فهل سماني لك؟ قال: لا، قال: فهاهنا غيري من الأنبياء، فألحوا عليه، فخرج مغاضباً للنبي والملك ولقومه، هذا مروي عن ابن عباس وقد زدناه شرخا في [يونس: ٩٨]

والثاني: أنه عانى من قومه أمرا صعباً من الأذى والتكذيب، فخرج عنهم قبل أن يؤمنوا ضجرا، وما ظن أن هذا الفعل نوجب عليه ما جرى من العقوبة، ذكره ابن الأنباري. وقد روي عن وهب بن منبه، قال: لما حملت عليه أثقال النبوة، ضاق بها ذرعاً ولم يصبر، فقذفها من يده وخرج هارباً.

والثالث: أنه لما أوعدهم العذاب، فتابوا ورفع عنهم، قيل له: ارجع إليهم، فقال: كيف أرجع فيجدوني كاذباً؟ فانصرف مغاضباً لقومه، عاتباً على ربه. وقد ذكرنا هذا في [يونس: ٩٨]

والثاني: أنه خرج مغاضباً لربه، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، والشعبي، وعروة. وقال أبو بكر النقاش: المعنى مغاضباً من أجل ربه، وإنما غضب لأجل تمردهم وعصيانهم. وقال ابن قتيبة: كان مغيظاً عليهم لطول ما عاناه من تكذيبهم، مشتهياً أن ينزل العذاب بهم،فعاقبه اللّه على كراهيته العفو عن قومه.

قوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} وقرأ يعقوب: يفدر بضم الياء وتشديد الدال وفتحها. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وابن أبي ليلى: يقدر بياء مرفوعة مع سكون القاف وتخفيف الدال وفتحها. وقرأ أبو عمران الجوني: يقدر بياء مفتوحة وسكون القاف وكسر الدال خفيفة. وقرأ الزهري، وابن يعمر، وحميد بن قيس: نقدر: بنون مرفوعة وفتح القاف وكسر الدال وتشديدها. ثم فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أن لن نقضي عليه بالعقوبة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضحاك. قال الفراء: معنى الآية: فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من العقوبة، والعرب تقول: قدر، بمعنى: قدر، قال أبو صخر: ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى  تباركت ما تقدر يكن ولك الشكر أراد: ما تقدر، وهذا مذهب الزجاج.

الثاني: فظن أن لن نضيق عليه، قاله عطاء. قال ابن قتيبة: يقال: فلان مقدر عليه، ومقتر عليه، ومنه قوله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: ١٦] أي: ضيق عليه فيه. قال النقاش: والمعنى: فظن أن لن يضيق عليه الخروج، فكأنه ظن أن اللّه قد وسع له، إن شاء أن يقيم، وإن شاء أن يخرج، ولم يؤذن له في الخروج.

والثالث: أن المعنى: فظن أنه يعجز ربه، فلا يقدر عليه، رواه عوف عن الحسن. وقال ابن زيد، وسليمان التيمي: المعنى: أفظن أن لن نقدر عليه؛ فعلى هذا الوجه يكون استفهاما قد حذفت ألفه؛ وهذا الوجه يدل على أنه من القدرة، ولا يتصور إلا مع تقدير الاستفهام، ولا أعلم له وجهاً إلا أن يكون اسفهام إنكار، تقديره: ما ظن عجزنا، فأين يهرب منا؟ٰ

قوله تعالى: {فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ} فيها ثلاثة أقوال.

احدها: أنها ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، قاله سعيد ابن جبير، وقتادة، والأكثرون.

والثاني: أن حوتاً جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه، فنادى في ظلمة حوت، ثم في ظلمة حوت، ثم في ظلمة البحر، قاله سالم ابن أبي الجعد.

والثالث: أنها ظلمة الماء، وظلمة معى السمكة، وظلمة بطنها، قاله ابن السائب. وقد روى سعد بن أبي وقاص عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج اللّه عنه، كلمة أخي يونس: فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين.قال الحسن: وهذا اعتراف من يونس بذنبه وتوبة من خطيئته،

قوله تعالى: {فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ} أي: أجبناه {وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ} أي: من الظلمات {وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ} إذا دعونا.

وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ نجي المؤمنين بنون واحدة مشددة الجيم؛ قال الزجاج: وهذا لحن لا وجه له، وقال ابو علي الفارسي غلط الراوي عن عاصم، ويدل على هذا اسكانه الياء من نجي ونصب المؤمنين، ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء، ولرفع المؤمنين.

٨٩

انظر تفسير الآية:٩٢

٩٠

انظر تفسير الآية:٩٢

٩١

انظر تفسير الآية:٩٢

٩٢

قوله تعالى: {لاَ تَذَرْنِى فَرْداً} أي: وحيدا بلا ولد {وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوٰرِثِينَ} أي: أفضل من بقي حيا بعد ميت.

قوله تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أصلحت للولد بعد أن كانت عقيماً، قاله ابن عباس، وسعيد ابن جبير، وقتادة.

والثاني: أنه كان في لسانها طول، وهو البذاء فأصلحت، قاله عطاء. وقال السدي: كانت سليطة فكف عنه لسانها.

والثالث: أنه كان خلقها سيئاً، قاله محمد بن كعب.

قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ} أي: يبادرون في طاعة اللّه. وفي المشار إليهم قولان.

احدهما: زكريا، وامرأته، ويحيى.

والثاني: جميع الأنبياء المذكورون في هذه السورة.

قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا} وقرأ ابن مسعود، وابن محيصن: ويدعونا بنون واحدة.

قوله تعالى: {رَغَباً وَرَهَباً} أي: رغباً فيما عندنا، ورهباً منا، وقرأ الأعمش: رغباً ورهباً بضم الراءين وجزم الغين والهاء، وهما لغتان مثل النحل، والنحل، والسقم، والسقم، {وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ} أي: متواضعين.

قوله تعالى: {وَٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} فيه قولان.

احدهما: أنه مخرج الولد، والمعنى: منعته مما لا يحل. وإنما وصفت بالعفاف لأنها قذفت بالزنا.

والثاني: أنه جيب درعها. ومعنى الفرج في اللغة: كل فرجة بين شيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق، فهو يسمى فرجاً. وهذا أبلغ في الثناء عليها، لأنها إذا منعت جيب درعها، فهي لنفسها أمنع.

قوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهَا} أي: أمرنا جبريل، فنفخ في درعها، فأجرينا فيها روح عيسى كما تجري الريح بالنفخ. وأضاف الروح إليه إضافة الملك، للتشريف والتخصيص {وَجَعَلْنَـٰهَا وَٱبْنَهَا ءايَةً} قال الزجاج:لما كان شأنهما واحدا، كانت الآية فيهما آية واحدة، وهي ولادة من غير فحل. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: آيتين على التثنية.

قوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ} قال ابن عباس: المراد بالامة هاهنا: الدين. وفي المشار إليهم قولان.

احدهما: أنهم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهو معنى قول مقاتل.

والثاني: أنهم الأنبياء عليهم السلام، قاله أبو سليمان الدمشقي. ثم ذكر أهل الكتاب، فذمهم بالإختلاف،

فقال تعالى: {وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي: اختلفوا في الدين، {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ} أي: شيئاً من الفرائض وأعمال البر {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي: لا نجحد ما عمل، قاله ابن قتيبة،

والمعنى: أنه يقبل منه، ويثاب عليه {وَإِنَّا لَهُ كَـٰتِبُونَ} ذلك، نأمر الحفظة أن يكتبوه لنجازيه به.

٩٣

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٤

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٥

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٦

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٧

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٨

انظر تفسير الآية:١٠٠

٩٩

انظر تفسير الآية:١٠٠

١٠٠

قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: وحرام بألف. وقرأ حمزة، والكسائي: وأبو بكر عن عاصم: وحرم بكسر الحاء من غير ألف، وهما لغتان. يقال: حرم وحرام. وقرأ معاذ القارىء، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني: حرم بفتح الحاء وسكون الراء من غير الف والميم مرفوعة منونة. وقرأ سعيد بن جبير: وحرم بفتح الحاء وسكون الراء وفتح الميم من غير تنوين ولا ألف. وقرأ ابو الجوزاء، وعكرمة، والضحاك: وحرم بفتح الحاء والميم وكسر الراء من غير تنوين ولا ألف. وقرأ سعيد بن المسيب، وأبو مجلز، وأبو رجاء: وحرم بفتح الحاء وضم الراء ونصب الميم من غير ألف.

وفي معنى قوله تعالى وحرام قولان.

احدهما: واجب، قاله ابن عباس، وأنشدوا في معناه:

فان حراما لا أرى الدهر باكيا  على شجوه إلا بكيت على عمرو

أي: واجب.

والثاني: أنه بمعنى العزم، قاله سعيد بن جبير. وقال عطاء: حتم من اللّه. والمراد بالقرية: أهلها. ثم في معنى الآية أربعة أقوال.

احدها: واجب على قرية أهلكناها أنهم لا يتوبون، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: واجب عليها أنها إذا أهلكت لا ترجع الى دنياها، هذا قول قتادة؛ وقد روي عن ابن عباس نحوه.

والثالث: أن لا زائدة؛ والمعنى: حرام على قرية مهلكة أنهم يرجعون الى الدنيا، قاله ابن جريج، وابن قتيبة في آخرين.

والرابع: أن الكلام متعلق بما قبله، لأنه لما قال: فلا كفران لسعيه أعلمنا أنه قد حرم قبول أعمال الكفار؛ فمعنى الآية: وحرام على قرية أهلكناها أن يتقبل منهم عمل، لأنهم لا يتوبون، هذا قول الزجاج.

فإن قيل: كيف يصح أن يحرم على الإنسان ما ليس من فعله، ورجوعهم بعد الموت ليس إليهم؟

فالجواب: أن المعنى: منعوا من ذلك، كما يمنع الإنسان من الحرام وإن قدر عليه، فكان التشبيه بالتحريم للحالتين من حيث المنع.

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} وقرأ ابن عامر: فتحت بالتشديد، والمعنى: فتح الردم عنهم {وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ} قال ابن قتيبة: من كل نشز من الأرض وأكمة {يَنسِلُونَ} من النسلان: وهو مقاربة الخطو مع الإسراع، كمشي الذئب إذا بادر، والعسلان مثله. وقال الزجاج: الحدب: كل أكمة، وينسلون: يسرعون. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وعاصم الجحدري: ينسلون بضم السين.

وفي قوله تعالى: {وَهُمْ} قولان.

احدهما: أنه إشارة إلى يأجوج ومأجوج، قاله الجمهور.

والثاني: إلى جميع الناس؛ فالمعنى: وهم يحشرون الى الموقف، قاله مجاهد. والأول أصح.

فإن قيل: أين جواب حتى؟

ففيه قولان.

احدهما: أنه قوله تعالى: {وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ} والواو في

قوله تعالى: واقترب زائدة، قاله الفراء. قال: ومثله حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها [الزمر: ٧٣]

وقوله تعالى: فلما أسلما للجبين، وناديناه [الصافات: ١٠٤،١٠٣] المعنى: نادينا. وقال عبد اللّه بن مسعود: الساعة من الناس بعد يأجوج ومأجوج، كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولدها ليلاً أو نهارا.

والثاني: أنه قول محذوف في قوله: {يا ويلنا} فالمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد، قالوا: يا ويلنا. قال الزجاج: هذا قول البصريين. فأما {يَنسِلُونَ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ} فهو القيامة.

قوله تعالى: {فَإِذَا هِىَ} في هي أربعة أقوال.

احدها: أن هي كناية عن الأبصار، والأبصار تفسير لها، كقول الشاعر:

لعمرو أبيها لا تقول ظعينتي  ألا فرعني مالك بن أبي كعب

فذكر الظعينة، وقد كنى عنها في لعمرو أبيها. أن هي عمادٌ، ويصلح في موضعها هو، ومثله قول: {إِنَّهُ أَنَا ٱللّه} [النمل: ٩] وقوله:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلاْبْصَـٰرُ} [الحج: ٤٦] وأنشدوا:

بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ  فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس

ذكرهما الفراء.

والثالث: ان يكون تمام الكلام عند قوله هي على معنى: فإذا هي بارزة واقفة، يعني: من قربها، كأنها آتية حاضرة، ثم ابتدأ فقال: {شَـٰخِصَةٌ}، ذكره الثعلبي.

والرابع: أن هي كناية عن القصة، والمعنى: القصة أن أبصارهم شاخصة في ذلك اليوم، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.

قال المفسرون تشخص أبصار الكفار من هول يوم القيامة، ويقولون:

{كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا} أي: في الدنيا {فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا} أي: عن هذا

{بَلْ كُنَّا ظَـٰلِمِينَ} أنفسنا بكفرنا ومعاصينا. هم خاطب أهل مكة، فقال:

{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّه} يعني: الاصنام {حَصَبُ جَهَنَّمَ} وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو العالية، وعمر بن عبد العزيز: حطب بالطاء. وقرأ ابن عباس، وعائشة، وابن السميفع: حضب بالضاد المعجمة المفتوحة. وقرأ عروة، وعكرمة، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: حضب جهنم بإسكان الضاد المعجمة. وقرأ أبو المتوكل، وأبو حيوة، ومعاذ القارىء: حضب بكسر الحاء مع تسكين الضاد المعجمة. وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: حصب بفتح الحاء وبصاد غير معجمة ساكنة. قال الزجاج: من قرأ حصب جهنم فمعناه: كل ما يرمى به فيها، ومن قرأ حطب فمعناه: ما توقد به، ومن قرأ بالضاد المعجمة، فمعناه: ما تهيج به النار وتذكى به. قال ابن قتيبة: الحصب: ما ألقي فيها، واصله من الحصباء، وهو الحصى، يقال: حصبت فلاناً، إذا رميته حصباً، بتسكين الصاد، وما رميت به فهو حصب، بفتح الصاد.

قوله تعالى: {أَنتُمْ} يعني: العابدين والمعبودين {لَهَا وَارِدُونَ} أي: داخلون. {لَوْ كَانَ هَـؤُلاء} يعني: الأصنام {ءالِهَةً} على الحقيقة {ماوردوها} فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه اشارة إلى الأصنام. والمعنى: لو كانوا آلهةً ما دخلوا النار.

والثاني: أنه إشارة إلى عابديها، فالمعنى: لو كانت الأصنام آلهة، منعت عابديها دخول النار.

والثالث: أنه إشارة الى الآلهة وعابديها، بدليل

قوله تعالى: {وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَـٰلِدُونَ} يعني: العابد والمعبود.

قوله تعالى: {لَّهُمْ فِيهَا * زَفِيرٌ} قد شرحنا معنى الزفير في [هود: ١٠٦] وفي علة كونهم لا يسمعون ثلاثة أقوال.

احدها: أنه يوضع في مسامعهم مسامير من نار، ثم يقذفون في توابيت من نار مقفلة عليهم، رواه أبو أمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حديث طويل. وقال ابن مسعود: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى، فلا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحدهم أن في النار أحدا يعذب غيره.

والثاني: أن السماع أنس، واللّه لا يحب أن يؤنسهم، قاله عون بن عمارة.

والثالث: إنما لم يسمعوا لشدة غليان جهنم، قاله أبو سليمان الدمشقي.

١٠١

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٢

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٣

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٤

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٥

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٦

انظر تفسير الآية:١٠٧

١٠٧

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ} سبب نزولها أنه لما نزلت إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم شق ذلك على قريش، وقالوا: شتم آلهتنا، فجاء ابن الزبعري، فقال: ما لكم؟ قالوا: شتم آلهتنا، قال: وما قال؟ فأخبروه، فقال: ادعوه لي، فلما دعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصة، أو لكل من عبد من دون اللّه؟ قال: لا، بل لكل من عبد من دون اللّه، فقال ابن الزبعري: خصمت ورب هذه البنية، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيرا عبد صالح، فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيرا، فضج أهل مكة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال الحسين ابن الفضل: إنما أراد بقوله:

{وَمَا تَعْبُدُونَ} الأصنام دون غيرها. لأنه لو أراد الملائكة والناس، لقال: ومن، وقيل إن بمعنى: إلا، فتقديره: إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى، وهي قراءة ابن مسعود، وأبي نهيك، فإنهما قرءا الا الذين.

وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية، فقال: أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن. وفي المراد بالحسنى قولان.

احدهما: الجنة، قاله ابن عباس، وعكرمة.

والثاني: السعادة، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ عَنْهَا} أي: عن جهنم، وقد تقدم ذكرها

{مُبْعَدُونَ} و البعد: طول المسافة، والحسيس: الصوت تسمعه من الشيء إذا مر قريبا منك.قال ابن عباس: لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إذا نزلوا منازلهم من الجنة.

قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلاْكْبَرُ} وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي: لا يحزنهم بضم الياء وكسر الزاي.

وفي الفزع الأكبر أربعة أقوال.

احدها: أنه النفخة الآخرة، رواه العوفي عن ابن عباس؛ وبهذه النفخة يقوم الناس من قبورهم، ويدل على صحة هذا الوجه

قوله تعالى: {وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ}.

والثاني: أنه اطباق النار على أهلها، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والثالث: أنه ذبح الموت بين الجنة والنار، وهو مروي عن ابن عباس أيضا، وبه قال ابن جريج.

والرابع: أنه حين يؤمر بالعبد الى النار، قاله الحسن البصري.

وفي مكان تلقي الملائكة لهم قولان.

احدهما: إذا قاموا من قبورهم، قاله مقاتل.

والثاني: على أبواب الجنة، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: {هَـٰذَا يَوْمُكُمُ} فيه اضمار: يقولون هذا يومكم

{ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فيه الجنة.

قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء} وقرأ أبو العالية، وابن أبي عبلة، وأبو جعفر: تطوى بتاء مضمومة السماء بالرفع؛ وذلك بمحو رسومها، وتكدير نجومها، وتكوير شمسها، {كَطَىّ ٱلسّجِلّ} قرأ الجمهور: السجل بكسر السين والجيم وتشديد اللام. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، ومحبوب عن أبي عمرو: السجل بكسر السين وإسكان الجيم خفيفة. وقرأ أبو السماك كذلك، إلا أنه فتح الجيم.

قوله تعالى: {للكتاب} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: للكتاب. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، للكتب على الجمع. وفي السجل أربعة أقوال.

احدها: أنه ملك، قاله علي بن أبي طالب، وابن عمر، والسدي.

والثاني: أنه كاتب كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.

والثالث أن السجل بمعنى: الرجل روى أبو الجوزاء عن ابن عباس، قال: السجل: هو الرجل. قال شيخنا أبو منصور اللغوي:

وقد قيل: السجل بلغة الحبشة: الرجل.

والرابع: أنه الصحيفة. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والفراء، وابن قتيبة. وقرأت على شيخنا أبي منصور، قال: قال ابو بكر، يعني ـ ابن دريد ـ: السجل: الكتاب، واللّه أعلم؛ ولا ألتفت الى قولهم: إنه معرب، والمعنى: كما يطوي السجل على ما فيه من كتاب. واللام بمعنى على. وقال بعض العلماء: المراد بالكتاب: المكتوب، فلما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة، جعل السجل كأنه يطوي الكتاب. ثم استأنف،

فقال تعالى: {لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} الخلق هاهنا مصدر، وليس بمعنى المخلوق. وفي معنى الكلام أربعة أقوال.

احدها: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاةً عراةً غرلاً، كذلك نعيدهم يوم القيامة؛ روي عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يحشر الناس يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً كما خلقوا، ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده؛ والى هذا المعنى ذهب مجاهد.

والثاني: أن المعنى: إنا نهلك كل شيء كما كان أول مرة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أن السماء تمطر أربعين يوما كمني الرجال، فينبتون بالمطر في قبورهم، كما ينبتون في بطون أمهاتهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والرابع: أن المعنى: قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الإبتداء، قاله الزجاج.

قوله تعالى: {وَعْداً} قال الزجاج: هو منصوب على المصدر، لأن قوله تعالى: نعيده بمعنى: وعدنا هذا وعدا، {إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ} أي: قادرين على فعل ما نشاء. وقال غيره: إنا كنا فاعلين ما وعدنا.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ} فيه أربعة أقوال.

احدها: أن الزبور جميع الكتب المنزلة من السماء، والذكر: أم الكتاب الذي عند اللّه، قاله سعيد بن جبير في رواية، ومجاهد، وابن زيد، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية ابن جبير، فإنه قال: الزبور: التوارة والإنجيل والقرآن، والذكر: الذي في السماء.

والثاني: أن الزبور: الكتب، والذكر: التوراة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أن الزبور: القرآن، والذكر: التوراة والإنجيل، قاله سعيد بن جبير في رواية.

والرابع: أن الزبور: زبور داود، والذكر: ذكر موسى، قاله الشعبي. وفي الارض المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال.

احدها: أنه أرض الجنة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الاكثرون.

والثاني: أرض، الدنيا وهو منقول عن ابن عباس أيضا.

والثالث: الارض المقدسة، قاله ابن السائب.

وفي قوله تعالى: {يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي رواية: ترث أمة محمد أرض الدنيا بالفتوح.

والثاني: بنو إسرائيل، قاله ابن السائب.

والثالث: أنه عام في كل صالح، قاله بعض فقهاء المفسرين.

قوله تعالى: {إِنَّ فِى هَـٰذَا} يعني: القرآن {لَبَلَـٰغاً} أي: لكفاية؛ والمعنى: أن من اتبع القرآن وعمل به، كان القرآن بلاغه الى الجنة.

وقوله تعالى: {لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ} قال كعب: هم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان.

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ} قال ابن عباس: هذا عام للبر والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به صرفت عنه العقوبة الى الموت والقيامة. وقال ابن زيد: هو رحمة لمن آمن به خاصة.

١٠٨

انظر تفسير الآية:١١٢

١٠٩

انظر تفسير الآية:١١٢

١١٠

انظر تفسير الآية:١١٢

١١١

انظر تفسير الآية:١١٢

١١٢

قوله تعالى: {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} قال ابن عباس: فهل أنتم مخلصون له العبادة؟ قال أهل المعاني: هذا استفهام بمعنى الأمر.

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: اعرضوا ولم يؤمنوا

{فَقُلْ ءاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاء} في معنى الكلام قولان.

احدهما: نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك، فصرت أنا وأنتم على سواء قد استوينا في العلم بذلك، وهذا من الكلام المختصر، قاله ابن قتيبة.

والثاني: أعلمتكم بالوحي إلي لتستووا في الإيمان به، قال الزجاج.

قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِى} أي: وما أدري

{أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} بنزول العذاب بكم.

{إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ} وهو ما يقولونه للنبي صلى اللّه عليه وسلم متى هذا الوعد [يس: ٤٨]،

{وَمَا تَكْتُمُونَ} إسرارهم أن العذاب لا يكون.

قوله تعالى: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} في هاء لعله قولان.

احدهما: أنها ترجع إلى ما آذنهم به، قاله الزجاج.

والثاني: إلى العذاب؛ فالمعنى: لعل تأخير العذاب عنكم فتنة، قاله ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي. ومعنى الفتنة هاهنا: الإختبار،

{وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ} أي: تستمعون الى انقضاء آجالكم. {قُل رَّبّ}

وروى حفص عن عاصم: قال رب {ٱحْكُم} قرأ أبو جعفر: رب احكم بضم الباء. وروى زيد عن يعقوب: ربي بفتح الياء أحكم بقطع الهمزة وفتح الكاف ورفع الميم. ومعنى احكم بالحق أي: بعذاب كفار قومي الذي نزوله حق، فحكم عليهم بالقتل في يوم بدر وفيما بعده من الأيام؛ والمعنى على هذا: افصل بيني وبين المشركين بما يظهر به الحق.

ومعنى {عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} أي: من كذبكم وباطلكم. وقرأ ابن عامر، والمفضل عن عاصم: يصفون بالياء.

فإن قيل: فهل يجوز على اللّه أن يحكم بغير الحق؟

فالجواب: أن المعنى: احكم بحكمك الحق، كأنه استعجل النصر عليهم.

﴿ ٠