ÓõæÑóÉõ ÇáúÍóÌøö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ËóãóÇäò æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð سورة الحج بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٤ ٢ انظر تفسير الآية:٤ ٣ انظر تفسير الآية:٤ ٤ فصل في نزولها روى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلها، غير آيتين نزلتا بالمدينة: قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللّه عَلَىٰ حَرْفٍ} والتي تليها [الحج: ١٣،١٢] وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مدنية إلا أربع آيات نزلت بمكة، وهي قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ} الى آخر الاربع [الحج: ٥٧-٥٣] وقال عطاء بن يسار: نزلت بمكة الا ثلاثة آيات منها نزلت بالمدينة: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ} واللتان بعدها [الحج: ٢٢،٢٠] وقال أبو سليمان الدمشقي: أولها مدني الى قوله تعالى: {وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ} [الحج:٣٨] وسائرها مكي. وقال الثعلبي: هي مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ} إلى قوله تعالى: {ٱلْحَمِيدِ} [الحج: ٢٥،٢٠]. وقال هبة اللّه بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها مكيا، ومدنيا، وحضريا، وسفريا، وحربيا، وسلميا، وليليا، ونهاريا، وناسخا، ومنسوخا.فأما المكي، فمن رأس الثلاثين منها إلى آخرها. وأماالمدني، فمن رأس خمس وعشرين إلى رأس ثلاثين. وأما الليلي، فمن أولها الى آخر خمس آيات. وأما النهاري، فمن رأس خمس آيات إلى رأس تسع. وأما السفري، فمن رأس تسع إلى اثنتي عشرة. وأما الحضري، فإلى رأس العشرين منها، نسب إلى المدينة، لقرب مدته. قوله تعالى: {ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ} أي: احذروا عقابة {إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ} الزلزلة: الحركة على الحالة الهائلة. وفي وقت هذه الزلزلة قولان. احدهما: أنها يوم القيامة بعد النشور. روى عمران بن حصين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ: إن زلزلة الساعة شيء عظيم وقال:تدرون أي يوم ذلك؟ فأنه يوم ينادي الرب عز وجل آدم عليه السلام: ابعث بعثا إلى النار، فذكر الحديث. وروى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يقول اللّه تعالى يوم القيامة لآدم: قم، فابعث بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها، وقرأ الآية. وقال ابن عباس: زلزلة الساعة: قيامها يعني أنها تقارب قيام الساعة، وتكون معها. وقال الحسن، والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة. والثاني: أنها تكون في الدنيا قبل القيامة، وهي من أشراط الساعة، قاله علقمة، والشعبي، وابن جريج. وروى أبو العالية عن أبي بن كعب، قال ست آيات قبل القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت، واضطربت، ففزع الجن الى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب، والطير، والوحش، فماج بعضهم في بعض، فقالت الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحور، فإذا هي نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السابعة، والسماء إلى السماء السابعة، فينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فماتوا. وقال مقاتل: هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى، وذلك أن مناديا ينادي من السماء: ياأيها الناس أتى أمر اللّه، فيفزعون فزعا شديدا فيشيب الصغير، وتضع الحوامل. قوله تعالى: {شَىْء عَظِيمٌ} أي: لا يوصف لعظمه. قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} فيه قولان. احدهما: تسلو عن ولدها، وتتركه، قاله ابن قتيبة. والثاني: تشغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول ابن رواحة: ويذهل الخليل عن خليله وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: تذهل برفع التاء وكسر الهاء كل بنصب اللام. قال الأخفش: وإنما قال: مرضعة، لأنه أراد ـ واللّه أعلم ـ الفعل، ولو أراد الصفة فيما نرى، لقال: مرضع. قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا، لأن بعد البعث لا تكون حبلى. قوله تعالى: {وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ} وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن يعمر، وترى بضم التاء. ومعنى سكارى: من شدة الخوف {وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ} من الشراب، والمعنى: ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم، لشدة ما يمر بهم، يضطربون اضطراب السكران من الشراب. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: سكرى وما هم بسكرى وهي قراءة ابن مسعود. قال الفراء: وهو وجه جيد، لأنه بمنزله الهلكى والجرحى. وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن السميفع سكارى وما هم بسكارى بفتح السين والراء وإثبات الألف، {وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللّه شَدِيدٌ} فيه دليل على أن سكرهم من خوف عذابه. قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللّه} قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث. وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه كان كلما نزل شيء من القرآن كذب به، قاله ابن عباس. والثاني: أنه زعم أن الملائكة بنات اللّه، قاله مقاتل. والثالث: أنه قال لا يقدر اللّه على إحياء الموتى، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: إنما يقوله باغواء الشيطان، لا بعلم {وَيَتَّبِعْ} ما يسول له كل {شَيْطَـٰنٍ مَّرِيدٍ} وقد ذكرنا معنى المريد في سورة [النساء: ١١٧]. قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} كتب بمعنى: قضي. والهاء في عليه وفي تولاه كناية عن الشيطان. ومعنى الآية: قضي على الشيطان أنه يضل من اتبعه. وقرأ أبو عمران الجوني: كتب بفتح الكاف أنه بفتح الهمزة فإنه بكسر الهمزة. وقرأ أبو مجلز، وأبو العالية، وابن أبي ليلى، والضحاك، وابن يعمر: إنه فانه بكسر الهمزة فيهما. وقد بينا معنى السعير في سورة [النساء: ١٠]. ٥ انظر تفسير الآية:٧ ٦ انظر تفسير الآية:٧ ٧ قوله تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} يعني: أهل مكة {إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ ٱلْبَعْثِ} أي: في شك من القيامة {فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مّن تُرَابٍ} يعني: خلق آدم {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يعني: خلق ولده، والمعنى: إن شككتم في بعثكم فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم، فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين الإبتداء والإعادة. فأما النطفة، فهي المني. والعلقة: دم عبيط جامد. وقيل سميت علقة لرطوبتها وتعلقها بما تمر به، فاذا جفت فليست علقةً. والمضغة: لحمة صغير. قال ابن قتيبة: وسميت بذلك، لأنه بقدر ما يمضغ، كما قيل: غرفة لقدر ما يغرف. قوله تعالى: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} فيه خمسة أقوال. احدها: أن المخلقة: ما خلق سويا، وغير المخلقة: ما ألقته الأرحام من النطف، وهو دم قبل أن يكون خلقا، قاله ابن مسعود. والثاني: أن المخلقة: ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه، وهو الذي يولد حيا لتمامٍ، وغير المخلقة: ما سقط غير حيٍ لم يكمل خلقه بنفح الروح فيه، هذا معنى قول ابن عباس. والثالث: أن المخلقة: المصورة، وغير المخلقة: غير مصورة، قاله الحسن. والرابع: أن المخلقة وغير المخلقة: السقط، تارة يسقط نطفة وعلقة، وتارة قد صور بعضه، وتارة قد صور كله، قاله السدي. والخامس: أن المخلقة: التامة، وغير المخلقة: السقط، قاله الفراء،وابن قتيبة. قوله تعالى: {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} فيه أربعة أقوال. احدها: خلقناكم لنبين لكم ما تأتون وما تذرون. والثاني: لنبين لكم في القرآن بدو خلقكم، وتنقل أحوالكم. والثالث: لنبين لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم. والرابع: لنبين لكم أن البعث حق. وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة ليبين لكم بالياء. قوله تعالى: {وَنُقِرُّ فِى ٱلاْرْحَامِ} وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: ويقر بباء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو اسحاق السبيعي: ويقر بياء مرفوعة وبكسر القاف ونصب الراء. والذي يقر في الأرحام، هو الذي لا يكون سقطا، {إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو أجل الولادة {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أبو عبيدة: هو في موضع أطفال والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع، قال اللّه تعالى: {وَالْمَلَـئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٤] أي: ظهراء، وأنشد: فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور وأنشد أيضا: في حلقكم عظم وقد شجينا وقال غيره: إنما قال طفلاً فوحد، لأن الميم في قوله تعالى: {نُخْرِجُكُمْ} قد دلت على الجميع، فلم يحتج إلى أن يقول: أطفالاً. قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ} فيه إضمار، تقديره: ثم نعمركم لتبلغوا أشدكم، وقد سبق معنى الأشد [الأنعام: ١٥٣]، {وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ} من قبل بلوغ الأشد {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ} وقد شرحناه في [النحل: ٧٠] ثم إن اللّه تعالى دلهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض، فقال تعالى: {وَتَرَى ٱلاْرْضَ هَامِدَةً} قال ابن قتيبة: أي: ميتة يابسة، ومثله: همدت النار: إذا طفئت فذهبت. قوله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاء} يعني: المطر {ٱهْتَزَّتْ} أي: تحركت للنبات، وذلك أنها ترتفع عن النبات إذا ظهر، فهو معنى قوله تعالى: {وَرَبَتْ} أي: ارتفعت وزادت. وقال المبرد: أراد: اهتز نباتها وربا، فحذف المضاف. قال الفراء: وقرأ أبو جعفر المدني: وربأت بهمزة مفتوحة بعد الباء. فإن كان ذهب إلى الربيئة الذي يحرس القوم، أي: أنه يرتفع، وإلا، فهو غلط. قوله تعالى: {وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال ابن قتيبة: من كل جنس حسنٍ يبهج، أي: يسر، وهو فعيل في معنى فاعل. قوله تعالى: {ذٰلِكَ} قال الزجاج: المعنى: الأمر ذلك كما وصف لكم، والأجود أن يكون موضع ذلك رفعا، ويجوز أن يكون نصبا على معنى: فعل اللّه ذلك بأنه هو الحق. قوله تعالى: {وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ} أي: ولتعلموا أن الساعة {ءاتِيَةٌ}. ٨ انظر تفسير الآية١٠: ٩ انظر تفسير الآية:١٠ ١٠ قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ} قد سبق بيانه. وهذا مما نزل في النضر أيضا. والهدى: البيان والبرهان. قوله تعالى: {ثَانِىَ عِطْفِهِ} العطف: الجانب. وعطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان ويلويه عند إعراضه عن المشي. قال الزجاج: ثاني منصوب على الحال، ومعناه: التنوين، معناه: ثانيا عطفه. وجاء في التفسير: أن معناه: لاويا عنقه، وهذا يوصف به المتكبر، والمعنى: ومن الناس من يجادل بغير علم متكبرا. قوله تعالى: {لِيُضِلَّ} أي: ليصير أمره الى الضلال، فكأنه وإن لم يقدر أنه يضل، فإن أمره يصير إلى ذلك، {لَهُ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ} وهو ما أصابه يوم بدر، وذلك أنه قتل. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس: ٧٠] الى قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللّه عَلَىٰ حَرْفٍ} وفي سبب نزول هذه الآية قولان. احدهما: أن ناسا من العرب كان يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيقولون: نحن على دينك، فان أصابوا معيشة، ونتجت خيلهم، وولدت نساؤهم الغلمان اطمأنوا وقالوا: هذا دين حق، وإن لم يجر الأمر على ذلك قالوا: هذا دين سوءٍ، فينقلبون عن دينهم، فنزلت هذه الآية هذا معنى قول ابن عباس، وبه قال الأكثرون. والثاني: أن رجلاً من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده، فتشاءم بالإسلام، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال. فقال: إن لم أصب في ديني هذا خيرا أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي: إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب، فنزلت هذه الآية، رواه عطية عن أبي سعيد الخدري. ١١ انظر تفسير الآية:١٤ ١٢ انظر تفسير الآية:١٤ ١٣ انظر تفسير الآية:١٤ ١٤ قوله تعالى: {عَلَىٰ حَرْفٍ} قال مجاهد، وقتادة: على شك، قال أبو عبيدة: كل شاكٍ في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم. وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكن منه، فشبه به الشاك، لأنه قلقٌ في دينه على غير ثبات، ويوضحه قوله تعالى: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} أي: رخاءٌ وعافية {ٱطْمَأَنَّ بِهِ} على عبادة اللّه {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} اختبار بجدب وقلة مال {ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ} أي: رجع عن دينه إلى الكفر. والمعنى انصرف إلى وجهه الذي توجه منه، وهو الكفر، {خَسِرَ ٱلدُّنْيَا} حيث لم يظفر بما أراد منها، {و}خسر {يَخَافُونَ ٱلاْخِرَةَ} بارتداده عن الدين. وقرأ أبو رزين العقيلي، وأبو مجلز، ومجاهد، وطلحة ابن مصرف، وابن أبي عبلة، وزيد عن يعقوب: خاسر الدنيا بألف قبل السين، وبنصب الراء والآخرة بخفض التاء. {يَدْعُو} هذا المرتد، أي: يعبد {مَالاً يَضُرُّهُ} إن لم يعبده {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} إن أطاعه {ذٰلِكَ} الذي فعل {هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ} عن الحق {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ} قال بعضهم: اللام صلة، والمعنى: يدعو من ضره. وحكى الزجاج عن البصريين والكوفيين أن اللام معناها التأخير، والمعنى: يدعو من لضره {أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، قال: وشرح هذا أن اللام لليمين والتوكيد، فحقها أن تكون أول الكلام، فقدمت لتجعل في حقها. قال السدي: ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من نفعه. فإن قيل: فهل للنفع من عبادة الصنم وجه؟ فالجواب: أنه لا نفع من قبله اصلاً، غير أنه جاء على لغة العرب، وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون:هذا بعيد. قوله تعالى: {لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ} قال ابن قتيبة: المولى: الولي، والعشير: الصاحب، والخليل. ١٥ انظر تفسير الآية:١٧ ١٦ انظر تفسير الآية:١٧ ١٧ قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللّه فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلاْخِرَةِ} قال مقاتل: نزلت في نفر من أسد، وغطفان، قالوا إنا نخاف أن لا ينصر محمد، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، والى نحو هذا ذهب ابو حمزة الثمالي، والسدي. وحكى ابو سليمان الدمشقي أن الإشارة بهذه الآية إلى الذين انصرفوا عن الإسلام، لأن أرزاقهم ما اتسعت، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللّه عَلَىٰ حَرْفٍ}. وفي هاء ينصره قولان. احدهما: أنها ترجع على من، والنصر: بمعنى الرزق، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، وبه قال مجاهد. قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: من ينصرني نصره اللّه، أي: من يعطيني أعطاه اللّه، ويقال: نصر المطر أرض كذا، أي: جادها، وأحياها، قال الراعي: إذا أدبر الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر والثاني: أنها ترجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فالمعنى: من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا، رواه التميمي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة. قال ابن قتيبة: وهذه كناية عن غير مذكور، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد اللّه رسوله من النصر، وآخرون من المشركين، يريدون اتباعه، ويخشون أن لا يتم أمره فقال هذه الآية للفريقين. ثم في معنى هذا النصر قولان. احدهما: أنه الغلبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، والجمهور. والثاني: أنه الرزق، حكاه أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاء} في المراد بالسماء قولان. احدهما: سقف بيته، والمعنى: فليشدد حبلاً في سقف بيته، فليختنق به {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل ليموت مختنقا، هذا قول الأكثرين. ومعنى الآية: ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله، لأنه إذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم. والثاني: أنها السماء المعروفة، والمعنى: فليقطع الوحي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن قدر، قاله ابن زيد. قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} قرأ أبو عمرو، وابن عامر: ثم ليقطع ثم ليقضوا [الحج: ٢٩] بكسر اللام. زاد ابن عامر {وَلْيُوفُواْ} [الحج: ٢٩] {وَلْيَطَّوَّفُواْ} [الحج: ٢٩] بكسر اللام أيضا. وكسر ابن كثير لام ثم ليقضوا فحسب. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بسكون هذه اللامات، وكذلك في كل القرآن إذا كان قبلها واو أو فاء أو ثم، قال الفراء: من سكن فقد خفف، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها، وقد كسرها بعضهم. قال أبو علي: الأصل الكسر، لأنك إذا ابتدأت قلت: ليقم زيد. قوله تعالى: {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} قال ابن قتيبة: المعنى: هل تذهبن حيلته غيظه، والمعنى: ليجهد جهده. قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ} أي: ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن و{أَنزَلْنَـٰهُ} يعني: القرآن. وما بعد هذا ظاهر الى قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} أي: يقضي {يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ} بينهم بإدخال المؤمنين الجنة، والآخرين النار {إِنَّ ٱللّه عَـٰلِمُ كُلّ شَىْء} من أعمالهم {شَهِيدٌ}. ١٨ قوله تعالى: {ألم تر أن اللّه يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} أي: ألم تعلم. وقد بينا في سورة [النحل: ٤٩] معنى السجود في حق من يعقل، ومن لا يعقل. قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مّنَ ٱلنَّاسِ} يعني: الموحدين الذين يسجدون للّه. وفي قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ} قولان. احدهما: أنهم الكفار، وهم يسجدون، وسجودهم سجود ظلهم، قاله مقاتل. والثاني: أنهم لا يسجدون؛ والمعنى: وكثير من الناس أبى السجود، فحق عليه العذاب، لتركه السجود، هذا قول الفراء. قوله تعالى: {وَمَن يُهِنِ ٱللّه} أي: من يشقه اللّه فما له من مسعدٍ، {إِنَّ ٱللّه يَفْعَلُ مَا يَشَاء} في خلقه من الكرامة والإهانة. ١٩ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢٠ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢١ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢٢ قوله تعالى: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال. احدها: أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيد بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، هذا قول أبي ذر. والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى باللّه، وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق باللّه، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنزل اللّه من كتاب، وأنتم تعرفون نبينا، ثم كفرتم به حسدا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، وقتادة. والثالث: أنها في جميع المؤمنين، والكفار، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وعطاء، ومجاهد. والرابع: أنها نزلت في اختصام الجنة والنار، فقالت النار: خلقني اللّه لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني اللّه لرحمته، قاله عكرمة. فأما قوله تعالى: {هَـٰذَانِ} وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن كثير: هاذان بتشديد النون خصمان، فمعناه: جمعان، وليسا برجلين، ولهذا قال تعالى: {ٱخْتَصَمُواْ} ولم يقل: اختصما؛ على أنه قرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: اختصما. وفي خصومتهم ثلاثة أقوال. احدها: في دين ربهم، وهذا على القولين الأوليين. والثاني: في البعث، قاله مجاهد. والثالث: أنه خصام مفاخرة، على قول عكرمة. قوله تعالى: {قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ} أي: سويت وجعلت لباسا. قال ابن عباس: قمص من نار. وقال سعيد بن جبير: المراد بالنار هاهنا: النحاس. فأما الحميم فهو الماء الحار {يُصْهَرُ بِهِ}. قال الفراء: يذاب به، يقال: صهرت الشحم بالنار. قال المفسرون: يذاب بالماء الحار {مَا فِى بُطُونِهِمْ} من شحم أو معىً حتى يخرج من أدبارهم، وتنضج الجلود فتتسقاط من حره، {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ} قال الضحاك: هي المطارق. وقال الحسن: إن النار ترميهم بلهبها، حتى إذا كانوا في أعلاها، ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا، فإذا انتهوا إلى أسفلها، ضربهم زفير لهبها، فلا يستقرون ساعة. قال مقاتل: إذا جاشت جهنم، ألقتهم في أعلاها، فيريدون الخروج، فتتلقاهم خزنة جهنم بالمقامع، فيضربونهم، فيهوي أحدهم من تلك الضربة إلى قعرها. وقال غيره: إذا دفعتهم النار، ظنوا أنها ستقذفهم خارجا منها، فتعيدهم الزبانية بمقامع الحديد. ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٤ ٢٤ قوله تعالى: و{لُؤْلُؤٌ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: ولؤلو بالخفض. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: ولؤلؤا بالنصب. قال أبو علي: من خفص، فالمعنى: يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤٍ؛ ومن نصب قال: ويحلون لؤلؤا. قوله تعالى: {وَهُدُواْ} أي: أرشدوا في الدنيا {إِلَى ٱلطَّيّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ} وفيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه لا إله إلا اللّه والحمد للّه قاله ابن عباس. وزاد ابن زيد: واللّه أكبر. والثاني: القرآن، قاله السدي. والثالث: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حكاه الماوردي. فأما صراط الحميد فقال ابن عباس: هو طريق الإسلام. ٢٥ قوله تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللّه} أي: يمنعون الناس من الدخول في الإسلام. قال الزجاج: ولفظ يصدون لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى الذين كفروا: الذين هم كافرون، فكأنه قال: إن الكافرين والصادين؛ فأما خبر إن فمحذوف، فيكون المعنى: إن الذين هذه صفتهم هلكوا. وفي المسجد الحرام قولان. احدهما: جميع الحرم. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: كانوا يرون الحرم كله مسجدا. والثاني: نفس المسجد، حكاه الماوردي. قوله تعالى: {ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ} هذا وقف التمام. وفي معناه قولان. احدهما: جعلناه للناس كلهم، لم نخص به بعضهم دون بعض، هذا على أنه جميع الحرم. والثاني: جعلناه قبلةً لصلاتم، ومنسكا لحجهم، وهذا على أنه نفس المسجد. وقرأ إبراهيم النخعي، وابن أبي عبلة، وحفص عن عاصم: سواءً بالنصب، فيتوجه الوقف على سواء، وقد وقف بعبض القراء كذلك. قال أبو علي الفارسي: أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فأما العاكف: فهو المقيم، والبادي: الذي يأتيه من غير أهله، وهذا من قولهم: بدا القوم: إذا خرجوا من الحضر إلى الصحراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: البادي بالياء، غير أن ابن كثير، وقف بياء، وأبو عمرو بغير ياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، والمسيبي عن نافع بغير ياء في الحالتين. ثم في معنى الكلام قولان. احدهما: أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس احدهما أحق بالمنزل من الآخر، غير أنه لا يخرج أحد من بيته، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة؛ وإلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد؛ ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام، هذا على أن المسجد: الحرم كله. والثاني: أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإقامة المناسك به، هذا قول الحسن، ومجاهد. ومنهم من أجاز بيع دور مكة، وإليه يذهب الشافعي. وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم، ويجوز أن يراد نفس المسجد. قوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والباء زائدة، كقوله تعالى: {تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠] وأنشدوا: بواد يمان ينبت الشثَّ صدره وأسفله بالمرخ والشبهان المعنى: وأسفله ينبت المرخ؛ وقال آخر: هن الحرائر لاربات أخمرةٍ سود المحاجر لا يقرأن بالسور وقال آخر: نحن بنوا جعدة أرباب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج هذا قول جمهور اللغويين. قال ابن قتيبة: والباء قد تزاد في الكلام، كهذه الآية، وكقوله تعالى: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ} [العلق: ١] {وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ} [مريم: ٢٤] {بِأَيّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ} [القلم: ٦] {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: ١] {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} [الانسان: ٦] أي: يشربها؛ وقد تزاد من، كقوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ} [الذاريات: ٥٧]، وتزاد اللام كقوله تعالى: {ٱلَّذِينَ هُمْ * لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الاعراف: ١٥٤]، والكاف، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء} [الشورى: ١١]، وعن، كقوله تعالى: {يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣]، وإن، كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ مُلَـٰقِيكُمْ} [الجمعة: ٨]، وإن الخفيفة، كقوله تعالى: {فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ}، [الاحقاف: ٢٦]، وما، كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ} [المؤمنون: ٤٠] والواو كقوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَـٰدَيْنَـٰهُ} [الصافات: ١٠٤/١٠٣]. وفي المراد بهذا الإلحاد خمسة أقوال. احدها: أنه الظلم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد: هو عمل سيئة؛ فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تحتكروا الطعام بمكة، فان احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. والثاني: أنه الشرك، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة. والثالث: الشرك والقتل، قاله عطاء. والرابع: أنه استحلال محظورات الإحرام، وهذا المعنى محكي عن عطاء أيضا. والخامس: استحلال الحرام تعمدا، قاله ابن جريج. فإن قيل: هل يؤاخذ الإنسان إن أراد الظلم بمكة، ولم يفعله؟ فالجواب من وجهين. احدهما: أنه إذا هم بذلك في الحرم خاصة، عوقب، هذا مذهب ابن مسعود، فإنه قال: لو أن رجلاً هم بخطيئة، لم تكتب عليه ما لم يعملها، ولو أن رجلاً هم بقتل مؤمن عند البيت، وهو ب عدن أبين، أذاقه اللّه في الدنيا من عذاب أليم. وقال الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى، فتكتب عليه ولم يعملها. وقال مجاهد: تضاعف السيئات بمكة، كما تضاعف الحسنات. وسئل الإمام أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال لا، إلا بمكة لتعظيم البلد. وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها؛ وقد جاور جابر بن عبد اللّه، وكان ابن عمر يقيم بها. والثاني: أن معنى: ومن يرد: من يعمل. قال ابو سليمان الدمشقي: هذا قول سائر من حفظنا عنه. ٢٦ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٧ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ} قال ابن عباس: جعلنا. وقال مقاتل: دللناه عليه. وقال ثعلب: وإنما أدخل اللام، على أن بوأنا في معنى: جعلنا، فيكون بمعنى: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: ٧٢] أي: ردفكم. وقد شرحنا كيفية بناء البيت في [البقرة: ١٢٩]. قوله تعالى: {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً} المعنى: وأوحينا اليه ذلك، {وَطَهّرْ بَيْتِىَ} حرك هذه الياء، نافع وحفص عن عاصم. وقد شرحنا الآية في [البقرة: ١٢٥]. وفي المراد ب القائمين قولان. احدهما: القائمون في الصلاة، قاله عطاء، والجمهور. والثاني: المقيمون بمكة، حكي عن قتادة. قوله تعالى: {وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ} قال المفسرون: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت، أمره اللّه تعالى أن يؤذن في الناس بالحج، فقال إبراهيم يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال أذن، وعلي البلاغ، فعلا على جبل أبي قبيس، وقال ياأيها الناس: إن ربكم قد بنى بيتا، فحجوه فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم اللّه أن يحج، فأجابوه: لبيك اللّهم لبيك. والأذان بمعنى النداء والإعلام، والمأمور بهذا الأذان، إبراهيم في قول الجمهور، إلا ماروي عن الحسن أنه قال: المأمور به محمد صلى اللّه عليه وسلم والناس هاهنا: اسم يعم جميع بني آدم عند الجمهور، إلا ما روى العوفي عن ابن عباس أنه قال: عنى بالناس أهل القبلة. واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إليه إبراهيم، فكأنه قد أتى إبراهيم، لأنه أجاب نداءه. وواحد الرجال هاهنا: راجل، مثل صاحب، وصحاب، والمعنى: يأتوك مشاة. وقد روي ان ابراهيم وإسماعيل حجا ماشيين،وحج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا من المدينة إلى مكة، والنجائب تقاد معه. وحج الإمام أحمد ماشيا مرتين أو ثلاثا. قوله تعالى: {وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ} أي: ركبانا على ضمر من طول السفر. قال الفراء: ويأتين فعل للنوق. وقال الزجاج: يأتين على معنى الإبل. وقرأ ابن مسعود، وابن ابي عبلة، يأتون بالواو. قوله تعالى: {مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ} أي: طريق بعيد. وقد ذكرنا تفسير الفج عند قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً} [الانبياء: ٣١]. قوله تعالى: {لّيَشْهَدُواْ} أي: ليحضروا {مَنَـٰفِعَ لَهُمْ} وفيها ثلاثة أقوال. احدها: التجارة، قاله ابن عباس، والسدي. والثاني: منافع الآخرة، قاله سعيد بن المسيب، والزجاج في أخرين. والثالث: منافع الدارين جميعا، قاله مجاهد. وهو أصح، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإنما الأصل قصد الحج، والتجارة تبع. وفي الأيام المعلومات ستة أقوال. احدها: أنها أيام العشر، رواه مجاهد عن ابن عمر، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والشافعي. والثاني: تسعة ايام من العشر، قاله أبو موسى الأشعري. والثالث: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، رواه نافع عن ابن عمر، ومقسم عن ابن عباس. والرابع: أنها أيام التشريق، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال عطاء الخراساني، والنخعي، والضحاك. والخامس: أنها خمسة ايام أولها يوم التروية، رواه ابو صالح عن ابن عباس. والسادس: ثلاثة أيام، أولها يوم عرفة، قاله مالك بن أنس. وقيل: إنما قال معلومات، ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها. قال الزجاج: والذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر، لقوله تعالى: {عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ}؛ قال القاضي أبو يعلى: ويحتمل أن يكون الذكر المذكور هاهنا: هو الذكر على الهدايا الواجبة، كالدم الواجب لأجل التمتع والقران، ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق، لأن الآية عامة في ذلك. قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا} يعني: الأنعام التي تنحر؛ وهذا أمر إباحة. وكان أهل الجاهلية لا يستحلون أكل ذبائحهم، فأعلم اللّه عز وجل أن ذلك جائز، غير أن هذا إنما يكون في الهدي المتطوع به، فأما دم التمتع والقران، فعندنا أنه يجوز أن يأكل منه، وقال الشافعي: لا يجوز، وقد روى عطاء عن ابن عباس انه قال:من كل الهدي يؤكل، إلا ما كان من فداء أو جزاء أو نذر. فأما البائس فهو ذو البؤس، وهو شدة الفقر. قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} فيه أربعة أقوال. احدها: حلق الرأس، وأخذ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والوقوف بعرفة، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: مناسك الحج، رواه عكرمة عن ابن عباس، وهو قول ابن عمر. والثالث: حلق الرأس، قاله مجاهد. والرابع: الشعر، والظفر، قاله عكرمة. والقول الأول أصح. لأن التفث: الوسخ، والقذارة: من طول الشعر والأظفار والشعث. وقضاؤه: نقضه، وإذهابه. والحاج مغبر شعث لم يدهن، ولم يستحد، فإذا قضى نسكه، وخرج من إحرامه بالحلق، والقلم، وقص الأظفار، ولبس الثياب، ونحو ذلك، فهذا قضاء تفثه. قال الزجاج: وأهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير، وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال. قوله تعالى: {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} وروى أبو بكر عن عاصم: وليوفوا بتسكين اللام وتشديد الفاء. قال ابن عباس: هو نحر ما نذروا من البدن. وقال غيره: ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج، فإن الإنسان ربما نذر أن يتصدق إن رزقه اللّه رؤية الكعبة، وقد يكون عليه نذور مطلقة، فالأفضل أن يؤديها بمكة. قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ} هذا هو الطواف الواجب، لأنه أمر به بعد الذبح، والذبح إنما يكون في يوم النحر، فدل على أنه الطواف المفروض. وفي تسمية البيت عتيقا أربعة أقوال. احدها: لأن اللّه تعالى أعتقه من الجبابرة. روى عبد اللّه بن الزبير عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إنما سمى اللّه البيت: العتيق، لأن اللّه أعتقه من الجبابرة، فلم يظهر عليه جبار قط. وهذا قول مجاهد، وقتادة. والثاني: أن معنى العتيق: القديم، قاله الحسن، وابن زيد. والثالث: لأنه لم يملك قط، قاله مجاهد في رواية، وسفيان بن عيينة. والرابع: لأنه أعتق من الغرق زمان الطوفان، قاله ابن السائب. وقد تكلمنا في هذه السورة في ليقضوا وليوفوا وليطوفوا. ٣٠ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣١ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٢ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٣ قوله تعالى: {ذٰلِكَ} أي: الأمر ذلك، يعني: ما ذكر من أعمال الحج {وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللّه} فيجتنب ما حرم اللّه عليه في الإحرام تعظيما لأمر اللّه. قال الليث: الحرمة: مالا يحل انتهاكه. وقال الزجاج: الحرمة: ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه. قوله تعالى: {فَهُوَ} يعني: التعظيم {خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} في الآخرة {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلاْنْعَـٰمُ} وقد سبق بيانها [المائدة: ١] {إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} تحريمه، يعني به: ما ذكر في [المائدة: ٣] من المخنقة وغيرها. وقيل: وأحلت لكم الأنعام في حال إحرامكم، إلا ما يتلى عليكم في الصيد، فإنه حرام. قوله تعالى: {فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ} أي: دعوه جانبا، قال الزجاج: ومن هاهنا، لتخليص جنس من أجناس، المعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن. وقد شرحنا معنى الرجس في [المائدة: ٩٠]. وفي المراد بقول الزور أربعة أقوال. احدها: شهادة الزور، قاله ابن مسعود. والثاني: الكذب، قاله مجاهد. والثالث: الشرك، قاله أبو مالك. والرابع: أنه قول المشركين في الأنعام: هذا حلال، وهذا حرام، قاله الزجاج، قال: وقوله تعالى: {حُنَفَاء للّه} منصوب على الحال، وتأويله: مسلمين لا ينسبون الى دين غير الإسلام. ثم ضرب اللّه مثلا للمشرك، فقال: {وَمَن يُشْرِكْ بِٱللّه} إلى قوله: {سَحِيقٍ}، والسحيق: البعيد. واختلفوا في قراءة فتخطفه فقرأ الجمهور: فتخطفه بسكون الخاء من غير تشديد الطاء. وقرأ نافع: بتشديد الطاء. وقرأ أبو المتوكل، ومعاذ القارىء: بفتح التاء والخاء وتشديد الطاء ونصب الفاء.وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني: بكسر التاء والخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء. وقرأ الحسن والأعمش: بفتح التاء وكسر الخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء. وكلهم فتح الطاء. وفي المراد بهذا المثل قولان. احدهما: أنه شبه المشرك باللّه في بعده عن الهدى وهلاكه، بالذي يخر من السماء، قال قتادة. والثاني: أنه شبه حال المشرك في أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا دفع ضر يوم القيامة، بحال الهاوي من السماء، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: {ذٰلِكَ} أي: الأمر ذلك الذي ذكرناه {وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللّه} قد شرحنا معنى الشعائر في [البقرة: ١٥٨]. وفي المراد بها هاهنا قولان. احدهما: أنها البدن. وتعظيمها: استحسانها، واستسمانها {لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ} قبل أن يسميها صاحبها هديا، أو يشعرها ويوجبها، فإذا فعل ذلك، لم يكن له من منافعها شيء، روى هذا المعنى مقسم عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضحاك. وقال عطاء ابن أبي رباح: لكم في هذه الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا إذا احتجتم إلى شيء من ذلك أو اضطررتم إلى شرب ألبانها {إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو أن تنحر. والثاني: أن الشعائر: المناسك ومشاهد مكة؛ والمعنى: لكم فيها منافع بالتجارة إلى أجلٍ مسمى، وهو الخروج من مكة، رواه أبو رزين عن ابن عباس. وقيل: لكم فيها منافع من الأجر والثواب في قضاء المناسك إلى أجل مسمى، وهو انقضاء أيام الحج. قوله تعالى: {فَإِنَّهَا} يعني الأفعال المذكورة، من اجتناب الرجس وقول الزور، وتعظيم الشعائر. وقال الفراء: فإنه يعني الفعلة {مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ}، وإنما أضاف التقوى إلى القلوب، لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب. قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي: حيث يحل نحرها {إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ} يعني: عند البيت، والمراد به: الحرم كله، لأنا نعلم أنها لا تذبح عند البيت، ولا في المسجد، هذا على القول الاول؛ وعلى الثاني، يكون المعنى: ثم محل الناس من إحرامهم الى البيت، وهو أن يطوفوا به بعد قضاء المناسك. ٣٤ انظر تفسير الآية:٣٥ ٣٥ قوله تعالى: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} قرأ حمزة، والكسائي، وبعض أصحاب أبي عمرو بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها. فمن فتح أراد المصدر من نسك ينسك، ومن كسر أراد مكان النسك كالمجلس والمطلع. ومعنى الآية: لكل جماعة مؤمنة من الامم السالفة جعلنا ذبح القرابين {لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللّه عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ}، وإنما خص بهيمة الأنعام، لأنها المشروعة في القرب. والمراد من الآية: أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة، وأن التسمية عليها كانت مشروعة قبل هذه الأمة. قوله تعالى: {فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} أي: لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم سواه {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أي: انقادوا واخضعوا. وقد ذكرنا معنى الإخبات في [هود ٢٣] وكذلك الفاظ الآية التي تلي هذه. ٣٦ انظر تفسير الآية:٣٧ ٣٧ قوله تعالى: {وَٱلْبُدْنَ} وقرأ الحسن، وابن يعمر برفع الدال. قال الفراء: يقال: بدْن وبدُن، والتخفيف أجود وأكثر، لأن كل جمع كان واحده على فعلة ثم ضم أول جمعه، خفف، مثل أكمة وأكم، وأجمة وأجم، وخشبة وخشب. وقال الزجاج: البدن منصوبة بفعل مضمر يفسره الذي ظهر، والمعنى: وجعلنا البدن؛ وإن شئت رفعتها على الاستئناف، والنصب أحسن، ويقال: بدْن وبدُن وبدَنة، مثل قولك: ثمْر وثمُر وثمَرة؛ وإنما سميت بدنة، لأنها تبدن، أي: تسمن. وللمفسرين في البدن قولان. احدهما: أنها الإبل والبقر، قاله عطاء. والثاني: الإبل خاصة، حكاه الزجاج، وقال: الأول قول أكثر فقهاء الأمصار. قال القاضي أبو يعلى: البدنة: اسم يختص الإبل في اللغة، والبقرة تقوم مقامها في الحكم، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. قوله تعالى: {جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللّه} أي: جعلنا لكم فيها عبادة للّه، من سوقها إلى البيت، وتقليدها، وإشعارها، ونحرها، والإطعام منها، {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، {فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللّه عَلَيْهَا} أي: على نحرها، {صَوَافَّ} وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة: صوافن بالنون. وقرأ الحسن، وأبو مجلز، وأبو العالية، والضحاك، وابن يعمر: صوافي بالياء. قال الزجاج: صوافَّ منصوبة على الحال، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف؛ أي: قد صفت قوائمها، والمعنى: اذكروا اسم اللّه عليها في حال نحرها، والبعير ينحر قائما، وهذا الآية تدل على ذلك. ومن قرأ: صوافن فالصافن: التي تقوم على ثلاث، والبعير إذا أرادوا نحره، تعقل إحدى يديه، فهو الصافن، والجميع: صوافن. هذا ومن قرأ: صوافي بالياء وبالفتح بغير تنوين، فتفسيره: خوالص، أي: خالصه للّه لا تشركوا به في التسمية على نحرها أحدا. {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي: إذا سقطت إلى الأرض، يقال: وجب الحائط وجبة، إذا سقط. ووجب القلب وجيبا: إذا تحرك من فزع. واعلم أن نحرها قياما سنة، والمراد بوقوعها على جنوبها: موتها، والأمر بالأكل منها أمر إباحة، وهذا في الأضاحي. قوله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ} وقرأ الحسن: والمعتر بكسر الراء خفيفة. وفيهما ستة أقوال. احدها: أن القانع: الذي يسأل، والمعتر: الذي يتعرض ولا يسأل، رواه بكر بن عبد اللّه عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، واختاره الفراء. والثاني: أن القانع: المتعفف، والمعترّ: السائل، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والنخعي، وعن الحسن كالقولين. والثالث: أن القانع: المستغني بما أعطيته وهو في بيته، والمعتر: الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد: القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته، والمعتر: الذي يتعرض ولا يسأل، وهذا مذهب القرظي. فعلى هذا يكون معنى القانع: أن يقنع بما أعطي. ومن قال: هو المتعفف، قال: هو القانع بما عنده. والرابع: القانع: أهل مكة، والمعتر: الذي يعتر بهم من غير أهل مكة، رواه خصيف عن مجاهد. والخامس: القانع: الجار وإن كان غنيا، والمعتر: الذي يعتر بك، رواه ليث عن مجاهد. والسادس: القانع: المسكين السائل، والمعتر: الصديق الزائر، قاله زيد ابن أسلم. قال ابن قتيبة: يقال: قنع يقنع قنوعا: إذا سأل، وقنع يقنع قناعة: إذا رضي، ويقال في المعتر: اعترّني واعتراني وعراني. وقال الزجاج: مذهب أهل اللغة أن القانع: السائل، يقال: قنع يقنع قنوعا: إذا سأل، فهو قانع، قال الشماخ: لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع أي: من السؤال؛ ويقال: قنع قناعة: إذا رضي، فهو قنع، والمعتر والمعتري واحد. قوله تعالى: {كَذٰلِكَ} أي: مثل ما وصفنا من نحرها قائمة {سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ} نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: لكي تشكروا. قوله تعالى: {لَن يَنَالَ ٱللّه لُحُومُهَا} وقرأ عاصم الجحدري، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، ويعقوب: لن تنال اللّه لحومها بالتاء {وَلَـٰكِنِ تَنَالُهُ * ٱلتَّقْوَىٰ} بالتاء أيضا.سبب نزولها أن المشركين كانوا إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ينضحون بها نحو الكعبة، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال المفسرون: ومعنى الآية: لن ترفع الى اللّه لحومها ولا دماؤها، وإنما يرفع إليه التقوى؛ وهو ما أريد به وجهه منكم. فمن قرأ تناله التقوى بالتاء، فإنه أنث للفظ التقوى. ومن قرأ: يناله بالياء، فلأن التقوى والتقى واحد. والإشارة بهذه الآية إلى أنه لا يقبل اللحوم والدماء إذا لم تكن صادرة عن تقوى اللّه، وإنما يتقبل ما يتقونه به، وهذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نية صحيحة. قوله تعالى: {كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا} قد سبق تفسيره [الحج ٣٧] {لِتُكَبّرُواْ ٱللّه عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} أي: على ما بين لكم وأرشدكم إلى معالم دينه ومناسك حجه، وذلك أن يقول: اللّه أكبر على ما هدانا، {وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ} قال ابن عباس: يعني: الموحدين. ٣٨ انظر تفسير الآية:٤١ ٣٩ انظر تفسير الآية:٤١ ٤٠ انظر تفسير الآية:٤١ ٤١ قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: يدفع ولولا دفع اللّه بغير ألف، وهذا على مصدر دفع. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: إن اللّه يدافع بألف ولولا دفع بغير ألف، وهذا على مصدر دافع، والمعنى: يدفع عن الذين آمنوا غائلة المشركين بمنعهم منهم ونصرهم عليهم. قال الزجاج: والمعنى: إذا فعلتم هذا وخالفتم الجاهلية فيما يفعلونه من نحرهم وإشراكهم، فإن اللّه يدفع عن حزبه. وال خوان فعال من الخيانة، والمعنى: أن من ذكر غير اسم اللّه، وتقرب إلى الأصنام بذبيحته، فهو خوان. قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: أذن بفتح الألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وأبو بكر، وحفص عن عاصم: أذن بضمها. قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسر التاء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: بفتحها. قال ابن عباس: كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه هذه الآية، وهي أول آية أنزلت في القتال. وقال مجاهد: هم ناس خرجوا من مكة مهاجرين، فأدركهم كفار قريش، فأذن لهم في قتالهم. قال الزجاج: معنى الآية: أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا. {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} أي:بسبب ما ظلموا. ثم وعدهم النصر بقوله: {وَإِنَّ ٱللّه عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ولا يجوز أن تقرأ بفتح إن هذه من غير خلاف بين أهل اللغة، لأن إن إذا كانت معها اللام، لم تفتح أبدا. وقوله: {إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللّه} معناه: أخرجوا لتوحيدهم. قوله تعالى: {وَلَوْ لا دَفْعُ ٱللّه ٱلنَّاسَ} قد فسرناه في [البقرة: ٢٥]. قوله تعالى: {لَّهُدّمَتْ} قرأ ابن كثير، ونافع: لهدمت خفيفة، والباقون بتشديد الدال. فأما الصوامع، ففيها قولان. احدهما: أنها صوامع الرهبان، قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، وابن زيد. والثاني: أنها صوامع الصابئين، قاله قتادة، وابن قتيبة. فأما البيع، فهي جمع بيعة، وهي بيع النصارى. وفي المراد بالصلوات قولان. احدهما: مواضع الصلوات. ثم فيها قولان. احدهما: أنها كنائس اليهود، قاله قتادة، والضحاك، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: قوله تعالى: {وَصَلَوٰتِ} هي كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوثا. والثاني: أنها مساجد الصابئين، قاله أبو العالية. والقول الثاني: أنها الصلوات حقيقة، والمعنى: لولا دفع اللّه عن المسلمين بالمجاهدين، لانقطعت الصلوات في المساجد، قاله ابن زيد. فأما المساجد، فقال ابن عباس: هي مساجد المسلمين. وقال الزجاج: معنى الآية: لولا دفع بعض الناس ببعض لهدمت في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد المساجد. وفي قوله: {يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللّه} قولان. احدهما: أن الكناية ترجع إلى جميع الأماكن المذكورات، قاله الضحاك. والثاني: إلى المساجد خاصة، لأن جميع المواضع المذكورة، الغالب فيها الشرك، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ ٱللّه مَن يَنصُرُهُ} أي: من ينصر دينه وشرعه. قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلاْرْضِ} قال الزجاج: هذه صفة ناصريه. قال المفسرون: التمكين في الأرض: نصرتهم على عدوهم، والمعروف لا إله إلا اللّه، والمنكر الشرك. قال الأكثرون: وهؤلاء أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال القرظي: هم الولاة. قوله تعالى: {وَللّه عَـٰقِبَةُ ٱلاْمُورِ} أي: إليه مرجعها، لأن كل ملك يبطل سوى ملكه. ٤٢ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٤ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٥ قوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} أي: بالعذاب {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أثبت الياء في نكير يعقوب في الحالين، ووافقه ورش في إثباتها في الوصل، والمعنى: كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالإهلاك؟ٰ والمعنى: أني أنكرت عليهم أبلغ إنكار، وهذا استفهام معناه التقرير. قوله تعالى: {أهلكتها} قرأ أبو عمرو: أهلكتها بالتاء. والباقون: أهلكناها بالنون. قوله تعالى: {عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: وبئر مهموز. وروى ورش عن نافع بغير همز، والمعنى: وكم بئر معطلة، أي: متروكة {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} فيه قولان. احدهما: مجصص، قاله ابن عباس، وعكرمة. قال الزجاج: أصل الشيد: الجص والنورة، وكل ما بني بهما أو باحدهما فهو مشيد. والثاني: طويل، قاله الضحاك، ومقاتل. وفي الكلام إضمار، تقديره: وقصر مشيد معطل أيضا ليس فيه ساكن. ٤٦ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٧ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٨ قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} قال المفسرون: أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} إذا نظروا آثار من هلك {أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أخبار الأمم المكذبة {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلاْبْصَـٰرُ} قال الفراء: الهاء في قوله: فإنها عماد، والمعنى: أن أبصارهم لم تعم، وإنما عميت قلوبهم. وأما قوله: {ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ} فهو توكيد، لأن القلب لا يكون إلا في الصدر، ومثله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة ١٩٦] {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام ٣٨] {يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم} [آل عمران ١٦٧]. قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ} قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث القرشي. وقال غيره: هو قولهم له: {مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ} [الملك ٢٥] ونحوه من استعجالهم، {وَلَن يُخْلِفَ ٱللّه وَعْدَهُ} في إنزال العذاب بهم في الدنيا، فأنزله بهم يوم بدر، {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ} أي: من أيام الآخرة {كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} من أيام الدنيا. قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: تعدون بالتاء. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي يعدون بالياء. فإن قيل: كيف انصرف الكلام من ذكر العذاب إلى قوله: وإن يوما عند ربك؟ فعنه جوابان. احدهما: أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا، فقيل لهم: لن يخلف اللّه وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا، وإن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا، فكيف تستعجلون بالعذاب؟ٰ فقد تضمنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة، هذا قول الفراء. والثاني: وإن يوما عند اللّه وألف سنة سواء في قدرته على عذابهم، فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة، إلا أن اللّه تفضل عليهم بالإمهال، هذا قول الزجاج. ٤٩ انظر تفسير الآية:٥١ ٥٠ انظر تفسير الآية:٥١ ٥١ قوله تعالى: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يعني به الرزق الحسن في الجنة. قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِى ءايَـٰتِنَا} أي: عملوا في إبطالها {مُعَـٰجِزِينَ} قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: معجزين بغير ألف. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: معاجزين بألف. قال الزجاج: معاجزين. أي: ظانين أنهم يعجزوننا، لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون وأنه لا جنة ولا نار، قال: وقيل في التفسير: معاجزين: معاندين، وليس هو بخارج عن القول الأول؛ ومعجزين تأويلها: أنهم كانوا يعجزون من اتبع النبي صلى اللّه عليه وسلم ويثبطونهم عنه. ٥٢ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٤ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٥ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ} الآية. قال المفسرون: سبب نزولها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزلت عليه سورة {ٱلنَّجْمُ} قرأها حتى بلغ قوله: {أَفَرَءيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَوٰةَ * ٱلثَّلَـٰثَةِ * ٱلاْخْرَىٰ} [النجم ٢٠،١٩] فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى؛ فلما سمعت قريش بذلك فرحوا، فأتاه جبريل، فقال: ماذا صنعت؟ تلوت على الناس مالم آتك به عن اللّه، فحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حزنا شديدا، فنزلت هذه الآية تطييبا لقلبه، وإعلاما له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا. قال العلماء المحققون: وهذا لا يصح، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معصوم عن مثل هذا، ولو صح، كان المعنى أن بعض شياطين الإنس قال تلك الكلمات، فإنهم كانوا إذا تلا لغطوا، كما قال اللّه عز وجل: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ} [فصلت ٢٦]. قال: وفي معنى تمنى قولان. احدهما: تلا، قاله الأكثرون، وأنشدوا: تمنى كتاب اللّه أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر وقال آخر: تمنى كتاب اللّه آخر ليله تمني دواد الزبور على رسل والثاني:أنه من الأمنية، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تمنى يوما أن لا يأتيه من اللّه شيء ينفر عنه به قومه، فألقى الشيطان على لسانه كان قد تمناه، قاله محمد بن كعب القرظي. قوله تعالى: {فَيَنسَخُ ٱللّه مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ} أي: يبطله ويذهبه {ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللّه ءايَـٰتِهِ} قال مقاتل: يحكمها من الباطل. قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ} اللام متعلقة بقوله: ألقى الشيطان، والفتنة هاهنا بمعنى البلية والمحنة. والمرض: الشك والنفاق. {وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} يعني: الجافية عن الإيمان. ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم. والشقاق: غاية العدواة. قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} وهو التوحيد والقرآن، وهم المؤمنون. وقال السدي: التصديق بنسخ اللّه. قوله تعالى: {أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} إشارة إلى نسخ ما يلقي الشيطان؛ فالمعنى: ليعلموا أن نسخ ذلك وإبطاله حق من اللّه {فَيُؤْمِنُواْ} بالنسخ {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي: تخضع وتذل. ثم بين بباقي الآية أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف اللّه وهدايته. قوله تعالى: {فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ} أي: في شك. وفي هاء منه أربعة اقوال. احدها: أنها ترجع إلى قوله تلك الغرانيق العلى. والثاني: أنها ترجع إلى سجوده في سورة النجم. والقولان عن سعيد بن جبير، فيكون المعنى: إنهم يقولون: ما باله ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها؟ٰ والثالث: أنها ترجع إلى القرآن، قاله ابن جريج. والرابع: أنها ترجع إلى الدين، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: {حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ} وفيها قولان. احدهما: القيامة تأتي من تقوم عليه من المشركين، قاله الحسن. والثاني: ساعة موتهم، ذكره الواحدي. قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} فيه قولان. احدهما: أنه يوم بدر، روي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي. والثاني: أنه يوم القيامة، قاله عكرمة، والضحاك. وأصل العقم في الولادة، يقال: امرأة عقيم لا تلد، ورجل عقيم لا يولد له، وأنشدوا: عقم النساء فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم وسميت الريح العقيم بهذا الاسم، لأنها لا تأتي بالسحاب الممطر، فقيل لهذا اليوم: عقيم، لأنه لم يأت بخير. فعلى قول من قال:هو يوم بدر، في تسميته بالعقيم ثلاثة أقوال. احدها: أنه لم يكن فيه للكفار بركة ولا خير، قاله الضحاك. والثاني: لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل، بل قتلوا قبل المساء، قاله ابن جريج. والثالث: لأنه لا مثل له في عظم أمره، لقتال الملائكة فيه، قاله يحيى ابن سلام. وعلى قول من قال: هو يوم القيامة، في تسميته بذلك قولان. احدهما: لأنه لا ليلة له، قاله عكرمة. والثاني: لأنه لا يأتي المشركين بخير ولا فرج، ذكره بعض المفسرين. ٥٦ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٧ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٨ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٩ قوله تعالى: {ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة {للّه} من غير منازع ولا مدع {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أي: بين المسلمين والمشركين؛ وحكمه بينهم بما ذكره في تمام الآية وما بعدها. ثم ذكر فضل المهاجرين فقال: {وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللّه} أي: من مكة إلى المدينة. وفي الرزق الحسن قولان. احدهما: أنه الحلال، قاله ابن عباس. والثاني: رزق الجنة، قاله السدي. قوله تعالى: {ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} وقرأ ابن عامر: قتلوا بالتشديد. قوله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً} وقرأ نافع: بفتح الميم {يَرْضَوْنَهُ} يعني: الجنة. والمدخل يجوز أن يكون مصدرا، فيكون المعنى: ليدخلنهم إدخالاً يكرمون به فيرضونه؛ ويجوز أن يكون بمعنى المكان. ومدخلاً بفتح الميم على تقدير: فيدخلون مدخلاً. {وَإِنَّ ٱللّه لَعَلِيمٌ} بنياتهم {حَلِيمٌ} عنهم. ٦٠ انظر تفسير الآية:٦٢ ٦١ انظر تفسير الآية:٦٢ ٦٢ قوله تعالى: {ذٰلِكَ} قال الزجاج: المعنى: الأمر ذلك، أي: الأمر ما قصصنا عليكم {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} والعقوبة: الجزاء؛ والأول ليس بعقوبة، ولكنه سمي عقوبة، لاستواء الفعلين في جنس المكروه، كقوله: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى ٤٠] لما كانت المجازاة إساءة بالمفعول به سميت سيئة، ومثله: {ٱللّه نَخْسِفْ بِهِمُ} [البقرة: ١٥] قاله الحسن. ومعنى الآية: من قاتل المشركين كما قاتلوه {ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ} أي: ظلم بإخراجه عن منزله. وزعم مقاتل أن سبب نزول هذه الآية أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم، فقاتلوهم، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبوا إلا القتال، فثبت المسلمون، ونصرهم اللّه على المشركين، ووقع في نفوس المسلمين من القتال في الشهر الحرام، فنزلت هذه الآية، وقال: {إِنَّ ٱللّه لَعَفُوٌّ} عنهم {غَفُورٌ} لقتالهم في الشهر الحرام. قوله تعالى: {ذٰلِكَ} أي: ذلك النصر {بِأَنَّ ٱللّه} القادر على ما يشاء. فمن قدرته أنه {يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَأَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ} لدعاء المؤمنين {بَصِيرٌ} بهم حيث جعل فيهم الإيمان والتقوى، {ذٰلِكَ} الذي فعل من نصر المؤمنين {بِأَنَّ ٱللّه هُوَ ٱلْحَقُّ} أي: هو الإله الحق {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: يدعون بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بالتاء، والمعنى: وأن ما يعبدون {مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَـٰطِلُ}. ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٤ ٦٤ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللّه أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء} يعني: المطر {فَتُصْبِحُ ٱلاْرْضُ مُخْضَرَّةً} بالنبات. وحكى الزجاج عن الخليل أنه قال: معنى الكلام التنبيه، كأنه قال: أتسمع، أنزل اللّه من السماء ماء فكان كذا وكذا. وقال ثعلب: معنى الآية عند الفراء خبر، كأنه قال: أعلم أن اللّه ينزل من السماء ماء فتصبح، ولو كان استفهاما والفاء شرطا لنصبه. قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه لَطِيفٌ} أي: باستخراج النبات من الأرض رزقا لعباده {خَبِيرٌ} بما في قلوبهم عند تأخير المطر. وقد سبق معنى الغني الحميد في [البقرة ٢٦٧]. ٦٥ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٦ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللّه سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلاْرْضِ} يريد البهائم التي تركب {وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى ٱلاْرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} قال الزجاج: كراهة أن تقع. وقال غيره: لئلا تقع {إِنَّ ٱللّه بِٱلنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فيما سخر لهم وفيما حبس عنهم من وقوع السماء عليهم. {وَهُوَ ٱلَّذِى أَحْيَاكُمْ} بعد أن كنتم نظفا ميتة {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث والحساب {إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ} يعني: المشرك {لَكَفُورٌ} لنعم اللّه إذ لم يوحده. ٦٧ انظر تفسير الآية:٧٠ ٦٨ انظر تفسير الآية:٧٠ ٦٩ انظر تفسير الآية:٧٠ ٧٠ قوله تعالى: {لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً} قد سبق بيانه في هذه السورة [الحج ٣٤] {فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ فِى ٱلاْمْرِ} أي: في الذبائح، وذلك أن كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أمر الذبيحة، فقالوا: كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله اللّه؟ٰ يعنون: الميتة. فإن قيل: إذا كانوا هم المنازعين له، فكيف قيل: فلا ينازعنك في الأمر؟ فقد أجاب عنه الزجاج، فقال: المراد: النهي له عن منازعتهم، فالمعنى: لا تنازعنهم، كما تقول للرجل: لا يخاصمنك فلان في هذا أبدا، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين، لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا قلت: لا يجادلنك فلان، فهو بمنزلة: لا تجادلنه، ولا يجوز هذا في قولك: لا يضربنك فلان وأنت تريد: لا تضربنه، ولكن لو قلت: لا يضاربنك فلان، لكان كقولك: لا تضاربن، ويدل على هذا الجواب قوله: {وَإِن جَـٰدَلُوكَ}. قوله تعالى: {وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبّكَ} أي: إلى دينه والإيمان به. وجادلوك بمعنى: خاصموك في أمر الذبائح، {فَقُلِ ٱللّه أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من التكذيب، فهو يجازيكم به. {ٱللّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ} أي: يقضي بينكم {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من الدين، أي: تذهبون إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون وهذا أدب حسن علمه اللّه عباده ليردوا به من جادل على سبيل التعنت، ولا يجيبوه، ولا يناظروه. فصل قال أكثر المفسرين: هذا نزل قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية السيف. وقال بعضهم: هذا نزل في حق المنافقين، كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلتات تدل على شركهم، ثم يجادلون على ذلك، فوكل أمرهم إلى اللّه تعالى، فالآية على هذا محكمة. قوله تعالى: {ألم تعلم أن اللّه يعلم ما في السماء الأرض} هذا استفهام يراد به التقرير؛ والمعنى: قد علمت، ذلك {إِنَّ ذٰلِكَ} يعني: ما يجري في السموات والأرض {فِي كِتَـٰبِ} يعني: اللوح المحفوظ، {إِنَّ ذٰلِكَ} أي: علم اللّه بجميع ذلك {عَلَى ٱللّه يَسِيرٌ} سهل لا يتعذر عليه العلم به. ٧١ انظر تفسير الآية:٧٢ ٧٢ قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} يعني: كفار مكة {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً} أي: حجة {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} أنه إلة، {وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ} يعني: المشركين {مِن نَّصِيرٍ} أي: مانع من العذاب. {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا} يعني: القرآن، والمنكر هاهنا بمعنى الإنكار، فالمعنى: أثر الإنكار من الكراهة، وتعبيس الوجوه، معروف عندهم. {يَكَـٰدُونَ يَسْطُونَ} أي: يبطشون ويوقعون بمن يتلو عليهم القرآن من شدة الغيظ، يقال: سطا عليه، وسطا به: إذا تناوله بالعنف والشدة. {قُلْ} لهم يا محمد: {أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذٰلِكُمُ} أي: بأشد عليكم وأكره اليكم من سماع القرآن، ثم ذكر ذلك فقال: {ٱلنَّارِ} أي: هو النار. ٧٣ انظر تفسير الآية:٧٤ ٧٤ قوله تعالى: {يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ} قال الأخفش: إن قيل: أين المثل؟ فالجواب: أنه ليس هاهنا مثل، وإنما المعنى: ياأيها الناس ضرب لي مثل، أي: شبهت بي الأوثان {فَٱسْتَمِعُواْ} لهذا المثل. وتأويل الآية: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي فاستمعوا حالها؛ ثم بين ذلك بقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ} أي: تعبدون {مِن دُونِ ٱللّه}، وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وابن أبي عبلة: يدعون بالياء المفتوحة. وقرأ ابن السميفع، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: يدعون بضم الياء وفتح العين، يعني: الأصنام، {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً} والذباب واحد، والجمع القليل: أذبة، والكثير: الذبان، مثل: غراب وأغربة وغربان؛ وقيل: إنما خص الذباب لمهانته واستقذاره وكثرته. {وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ} يعني الأصنام {لَهُ} أي: لخلقه، {وَإِن يَسْلُبْهُمُ} يعني: الأصنام؛ قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجف، فيأتي الذباب فيختلسه. وقال ابن جريج: كانوا إذا طيبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء، كالعسل ونحوه، فيقع عليه الذباب فيسلبها إياه، فلا تستطيع الآلهة ولا من عبدها أن يمنعه ذلك. وقال السدي: كانوا يجعلون للآلهة طعاما، فيقع الذباب عليه فيأكل منه. قال ثعلب: وإنما قال: {لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين، إذ كانوا يعظمونها ويذبحون لها وتخاطب، كقوله: {يأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَـٰكِنَكُمْ} [النمل: ١٨] لما خاطبهم جعلهم كالآدميين، ومثله: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤] وقد بينا هذا المعنى في [الأعراف: ١٩١] عند قوله تعالى: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. قوله تعالى: {ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أن الطالب: الصنم. والمطلوب: الذباب. رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: الطالب: الذباب يطلب ما يسلبه من الطيب الذي على الصنم، والمطلوب: الصنم يطلب الذباب منه سلب ما عليه، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث: الطالب: عباد الصنم يطلب التقرب بعبادته، والمطلوب: الصنم، هذا معنى قول الضحاك، والسدي. قوله تعالى: {مَا قَدَرُواْ ٱللّه حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموه حق عظمته، إذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له {إِنَّ ٱللّه لَقَوِىٌّ} لا يقهر {عَزِيزٌ} لا يرام. ٧٥ انظر تفسير الآية:٧٦ ٧٦ قوله تعالى: {ٱللّه يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً} كجبريل وميكئايل وإسرافيل وملك الموت، {وَمِنَ ٱلنَّاسِ} الأنبياء المرسلين، {إِنَّ ٱللّه سَمِيعٌ} لمقالة العباد {بَصِيرٌ} بمن يتخذه رسولاً. وزعم مقاتل ان هذه الآية نزلت حين قالوا: {عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل} [ص:٨٠]. قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الإشارة إلى الذين أصطفاهم؛ وقد بينا معنى ذلك في آية الكرسي [البقرة: ٢٥٥]. ٧٧ انظر تفسير الآية:٧٨ ٧٨ قوله تعالى: {ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ} قال المفسرون: المراد: صلوا، لأن الصلاة لا تكون الا بالركوع والسجود، {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} أي: وحدوه {وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ} يريد: أبواب المعروف {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة. فصل لم يختلف أهل العلم في السجدة الأولى من {ٱلْحَجُّ} واختلفوا في هذه السجدة الأخيرة؛ فروي عن عمر، وابن عمر، وعمار، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وابن عباس: أنهم قالوا: في الحج سجدتان، وقالوا: فضلت هذه السورة على غيرها بسجدتين، وبهذا قال أصحابنا، وهو مذهب الشافعي رضي اللّه عنه. وروي عن ابن عباس انه قال: في {ٱلْحَجُّ} سجدة، وبهذا قال الحسن، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم وجابر بن زيد، وأبو حنيفة وأصحابه، ومالك؛ ويدل على الأول ما روى عقبة بن عامر، قال: قلت: يا رسول اللّه أفي {ٱلْحَجُّ} سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما. فصل واختلف العلماء في عدد سجود القرآن، فروي عن أحمد روايتان، إحداهما: أنها أربع عشرة سجدة. وبه قال الشافعي، والثانية: أنها خمس عشرة، فزاد سجدة [ص: ٢٤] وقال أبو حنيفة: هي أربع عشرة، فأخرج التي في آخر الحج وأبدل منها سجدة [ص: ٢٤]. فصلوسجود التلاوة سنة، وقال أبو حنيفة: واجب. ولا يصح سجود التلاوة إلا بتكبيرة الإحرام والسلام، خلافا لأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي. ولا يجزىء الركوع عن سجود التلاوة، وقال أبو حنيفة: يجزىء. ولا يسجد المستمع إذا لم يسجد التالي، نص عليه أحمد رضي اللّه عنه. وتكره قراءة السجدة في صلاة الإخفات، خلافا للشافعي. قوله تعالى: {وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللّه} في هذا الجهاد ثلاثة أقوال. احدها: أنه فعل جميع الطاعات، هذا قول الأكثرين. والثاني: أنه جهاد الكفار، قاله الضحاك. والثالث: أنه جهاد النفس والهوى، قاله عبد اللّه بن المبارك. فأما حق الجهاد، ففيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه الجد في المجاهدة، واستيفاء الإمكان فيها. والثاني: أنه إخلاص النية للّه عز وجل. والثالث: أنه فعل ما فيه وفاء لحق اللّه عز وجل. فصل وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة، واختلفوا في ناسخها على قولين. احدهما: قوله: {لاَ يُكَلّفُ ٱللّه نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]. والثاني: قوله: {فَٱتَّقُواْ ٱللّه مَا ٱسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]. وقال آخرون: بل هي محكمة، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد، وهو الأصح، لأن اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. قوله تعالى: {هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ} أي: اختاركم واصطفاكم لدينه. والحرج: الضيق، فما من شيء وقع الإنسان فيه إلا وجد له في الشرع مخرجا بتوبة أو كفارة أو انتقال إلى رخصة ونحو ذلك. وروي عن ابن عباس أنه قال: الحرج: ما كان على بني إسرائيل من الإصر والشدائد، وضعه اللّه عن هذه الأمة. قوله تعالى: {مّلَّةَ أَبِيكُمْ} قال الفراء: المعنى: وسع عليكم كملة أبيكم، فاذا ألقيت الكاف نصبت، ويجوز النصب على معنى الأمر بها، لأن أول الكلام أمر، وهو قوله: اركعوا واسجدوا والزموا ملة أبيكم. فإن قيل: هذا الخطاب للمسلمين، وليس إبراهيم أبا لكلهم.فالجواب: أنه إن كان خطابا عاما للمسلمين، فهو كالأب لهم، لأن حرمته وحقه عليهم كحق الولد، وإن كان خطابا للعرب خاصة، فإبراهيم أبو العرب قاطبة، هذا قول المفسرين. والذي يقع لي أن الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأن إبراهيم أبوه، وأمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم داخلة فيما خوطب به رسول اللّه. قوله تعالى: {هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ} في المشار إليه قولان. احدهما: أنه اللّه عز وجل، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور؛ فعلى هذا في قوله: {مِن قَبْلُ} قولان. احدهما: من قبل إنزال القرآن سماكم بهذا في الكتب التي أنزلها. والثاني: من قبل أي: في أم الكتاب، وقوله: {وَفِى هَـٰذَا} أي: في القرآن. والثاني: أنه إبراهيم عليه السلام حين قال: {وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [البقرة: ١٢٨] فالمعنى: من قبل هذا الوقت، وذلك في زمان إبراهيم عليه السلام، وفي هذا الوقت حين قال: {وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً}، هذا قول ابن زيد. قوله تعالى: {لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ} المعنى: اجتباكم وسماكم ليكون الرسول، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم {شَهِيداً عَلَيْكُمْ} يوم القيامة أنه قد بلغكم؛ وقد شرحنا هذا المعنى في [البقرة: ١٤٣] الى قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا}. قوله تعالى: {وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللّه} قال ابن عباس: سلوه أن يعصمكم من كل ما يسخط ويكره. وقال الحسن: تمسكوا بدين اللّه. وما بعد هذا مشروح في [الأنفال: ٤٠]. |
﴿ ٠ ﴾