ÓõæÑóÉõ ÇáäøõæÑö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æó ÓöÊøõæäó ÂíóÉð سورة النور ١ انظر تفسير الآية:٣ ٢ انظر تفسير الآية:٣ ٣ وهي مدنية كلها بإجماعهم روى أبو عبد اللّه الحاكم في صحيحه من حديث عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسوره النور» يعني النساء. قوله عز وجل: {سُورَةٌ} قرأ الجمهور بالرفع، وقرأ أبو رزين العقبلي وابن أبي عبلة ومحبوب عن أبي عمرو {سُورَةٌ} بالنصب. قال أبو عبيدة: من رفع فعلى الابتداء. وقال الزجاج: هذا قبيح لأنها نكرة، وأنزلناها صفة لها وإنما الرفع على إضمار هذه سورة، والنصب على وجهين احدهما على معنى أنزلنا سورة، وعلى معنى أتل سوررة. قوله تعالى: وفرضناها قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد، وقرأ ابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة والضحاك والزهري ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وابن يعمر والأعمش وابن أبي عبلة بالتخفيف، قال الزجاج: من قرأ بالتشديد فعلى وجهين. احدهما: على معنى التكثير، أي إننا فرضنا فيها فروضا. والثاني: على معنى: بيَّنا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام، ومن قرأ بالتخفيف فمعناه: ألزمناكم العمل بما فرض فيها، وقال غيره: من شدد أراد فصلنا فرائضها، ومن خفف فمعناه فرضنا مافيها. قوله تعالى: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى} القراءة المشهورة بالرفع. وقرأ أبو رزين العقيلي وأبو الجوزاء وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر «الزانية» بالنصب. واختار الخليل وسيبويه الرفع اختيار الأكثرين. قال الزجاج: والرفع أقوى في العربية، لأن معناه: من زنى فاجلدوه، فتأويله الابتداء، ويجوز النصب على معنى: اجلدوا الزانية. فأما الجلد فهو ضرب الجلد، يقال: جلده: إذا ضرب جلده، كما يقال: بطنه: إذا ضرب بطنه.قال المفسرون: ومعنى الآية: الزانية والزاني إذا كانا حرين بالغين بكرين، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. فصل قال شيخنا علي بن عبيد اللّه: هذه الآية تقتضي وجوب الجلد على البكر والثيب: وقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حق البكر زيادة على الجلد بتغريب عام، وفي حق الثيب زيادة على الجلد بالرجم بالحجارة. فروى عُبادة بن الصامت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة» وممن قال بوجوب النَّفي في حق البكر أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وممن بعدهم عطاء، وطاووس، وسفيان، ومالك، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وممن قال بالجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب علي بن أبي طالب، والحسن البصري، والحسن بن صالح واحمد، وإسحاق. قال وذهب قوم من العلماء إلى أن المراد بالجلد المذكور في هذه الآية البكر، فأما الثيب، فلا يجب عليه الجلد، وإنما يجب الرجم، روي عن عمر، وبه قال النخعي، والزهري والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، ومالك، وروي عن أحمد رواية مثل قول هؤلاء. قوله تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين والضحاك، وابن يعمر والأعمش: {يأخُذْكم} بالياء {تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة والكسائي {رَأْفَةٌ} باسكان الهمزة. وقرأ المتوكل، ومجاهد، وأبو عمران الجوني، وابن كثير بَفْتح الهمزة وقصرها على وزن رَعَفَة. وقرأ سعيد بن جبير، والضحاك، وأبو رجاء العطاردي: {رَأْفَةٌ} مثل سآمة وكآبة.وفي معنى الكلام قولان. احدهما: لا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب، ولكن أوجعوهما، قاله سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة. والثاني: لا تأخذكم بهما رأفة، فتعطلوا الحدود ولا نقيموها قاله مجاهد والشعبي وابن زبد في آخرين. فصل واختلف العلماء في شدة الضرب في الحدود، فقال الحسن البصري: ضرب الزنا أشد من القذف، والقذف أشد من الشرب، ويضرب الشارب أشد من ضرب التعزير، وعلى هذا مذهب أصحابنا. وقال أبو حنيفة: التعزير أشد الضرب، وضرب الزاني أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف، وقال مالك: الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح. فصل فأما ما يضرب من الأعضاء،فنقل الميموني عن أحمد في جلد الزاني قال: يجرد ويعطى كل عضو حقه، ولا يضرب وجهه ولا رأسه. ونقل يعقوب ابن بختان: لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير، وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك: لا يضرب إلا في الظهر. وقال الشافعي: يتقى الفرج والوجه. قوله تعالى: {فِى دِينِ ٱللّه} فيه قولان. احدهما: في حكمه، قاله ابن عباس. والثاني: في طاعة اللّه ذكره الماوردي. قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قال الزجاج: القراءة باسكان اللام ويجوز، كسرها. والمراد بعذابهما ضربهما. وفي المراد بالطائفة هاهنا خمسة أقوال. احدها: الرجل فما فوقه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. وقال النخعي: الواحد طائفة. والثاني: الإثنان فصاعدا، قاله سعيد بن جبير وعطاء، وعن عكرمة كالقولين. قال الزجاج: والقول الأول على غير ما عند أهل اللغة، لأن الطائفة في معنى جماعة وأقل الجماعة اثنان. والثالث: ثلاثة فصاعدا، قاله الزهري. والرابع: أربعة قاله ابن زيد. والخامس: عشرة قاله الحسن البصري. قوله تعالى: {ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} قال عبد اللّه بن عمرو: كانت امرأة تسافح، وتشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة، فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية. وقال عكرمة: نزلت في بغايا كن بمكة، ومنهن تسع صواحب رايات، وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية: المواخير، ولا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة، أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية. قال المفسرون: ومعنى الآية: الزاني من المسلمين لا يتزوج من اولئك البغايا إلا زانية أو {مُشْرِكَةً}، لأنهن كذلك كن، {وَٱلزَّانِيَةُ} منهن {لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}، ومذهب أصحابنا أنه إذا زنى بامرأة لم يجز له ان يتزوجها إلا بعد التوبة منهما. قوله تعالى: {وَحُرّمَ ذٰلِكَ} وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وأبو الجوزاء {وَحُرّمَ * ٱللّه ذٰلِكَ} بزيادة اسم اللّه عز وجل مع فتح حروف {حَرَّمَ}. وقرأ زيد بن علي {وَحُرّمَ ذٰلِكَ} بفتح الحاء وضم الراء مخففة ثم فيه قولان. احدهما: أنه نكاح الزواني، قاله مقاتل. والثاني: الزنا: قاله الفراء. ٤ انظر تفسير الآية:٥ ٥ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ} شرائط الإحصان في الزنا الموجب للرجم عندنا أربعة: البلوغ والحرية والعقل والوطء في نكاح. صحيح. فأما الإسلام فليس بشرط في الإحصان، خلافا لأبي حنيفة ومالك. وأما شرائط إحصان القذف فأربع: الحرية والإسلام والعفة، وأن يكون المقذوف ممن يجامع مثله. ومعنى الآية: يرمون المحصنات بالزنا، فاكتفى بذكره المتقدم عن إعادته، ثم لم يأتوا على ما رموهن به بأربعة شهداء عدول، يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك، فاجلدوهم يعني القاذفين. فصل وقد أفادت هذه الآية أن على القاذف، إذا لم يقم البينة، الحدَّ ورد الشهادة وثبوت الفسق. واختلفوا هل يحكم بفسقه ورد شهادته بالقذف نفسه أم بالحد، فعلى قول أصحابنا: إنه يحكم بفسقه ورد شهادته إذا لم يقم البينة، وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يحكم بفسقه وتقبل شهادته مالم يقم الحد عليه. فصل والتعريض بالقذف كقوله لمن يخاصمه ما أنت بزان ولا أمك زانية، يوجب الحد في المشهور من مذهبنا، وقال أبو حنيفة: لا يوجب الحد. وحد العبد في القذف نصف حد الحر، وهو أربعون. قاله الجماعة إلا الأوزاعي، فانه قال: ثمانون. فأما قاذف المجنون فقال الجماعة: لا يحد وقال الليث: يحد. فأما الصبي، فان كان مثله يجامع أو كانت صبية مثلها يجامع، فعلى القاذف الحد. وقال مالك: يحد قاذف الصبية التي يجامع مثلها، ولايحد قذف الصبي. وقال ابو حنيفه والشافعي: لا يحد قاذفهما. فان قذف رجل جماعة بكلمة واحدة فعليه حد واحد، وإن أفرد كل واحد بكلمة فعليه لكل واحد حد. وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه حد واحد سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات. فصل وحد القذف حق لآدمي يصح ان يبرىء منه ويعفو عنه، وقال أبو حنيفة: هو حق للّه. وعندنا أنه لا يستوفى إلا بمطالبة المقذوف، وهو قول الأكثرين.وقال ابن أبي ليلى: يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف. قوله تعالى: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ} أي: من القذف {وَأَصْلَحُواْ} قال ابن عباس: أظهروا التوبة. وقال غيره لم يعودوا إلى قذف المحصنات. وفي هذا الإستثناء قولان. احدهما: أنه نسخ حد القذف وإسقاط الشهادة معا، وهذا قول عكرمة، والشعبي، وطاووس ومجاهد. والقاسم بن محمد، والزهري والشافعي واحمد. والثاني: أنه يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة فلا تقبل أبدا، قاله الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة، فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله {أَبَدًا} وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام، وهذا أصح لأن المتكلم بالفاحشة، لا يكون أعظم جرما من راكبها، فإذا قبلت شهادة المقذوف بعد ثبوته، فالرامي أيسر جرما وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فإنه إذا أسلم قبلت شهادته. ٦ انظر تفسير الآية:١٠ ٧ انظر تفسير الآية:١٠ ٨ انظر تفسير الآية:١٠ ٩ انظر تفسير الآية:١٠ ١٠ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰجَهُمْ} سبب نزولها أن هلال بن أمية وجد عند اهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح، فغدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه: إني جئت أهلي فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هلالا، ويبطل شهادته، فقال هلال: واللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه لي منها مخرجا، فواللّه إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه، إذ نزل عليه الوحي، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس. وفي حديث آخر، أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهلال حين قذفها: ائتني بأربعة شهداء وإلا فحدٌّ في ظهرك، فنزلت هذه الآية فنسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف.فصل في بيان حكم الآية.إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، لزمه الحد وله التخلص منه، باقامة البينة أو باللعان، فإن أقام البينة لزمها الحد، وإن لاعنها فقد حقق عليها الزنا ولها التخلص منه باللعان، فان نكل الزوج عن اللعان، فعليه حد القذف، وإن نكلت الزوجة لم تحد، وحبست حتى تلاعن أو تقر بالزنا في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: يخلى سبيلها وقال أبو حنيفة: لا يحد واحد منهما، ويحبس حتى يلاعن. وقال مالك والشافعي يجب الحد على الناكل منهما. فصل ولا تصح الملاعنة إلا بحضرة الحاكم، فان كانت المرأة خَفِرةَ بعث الحاكم من يلاعن بينهما. وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا،أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: ولعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة، أربع مرات؛ أشهد باللّه لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول: وغضب اللّه عليها إن كان من الصادقين. والسنة أن يتلاعنا قياما، ويقال للزوج إذا بلغ اللعنة. اتق اللّه فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكذلك يقال للزوجة إذا بلغت إلى الغضب، فان كان بينهما ولد اقتصر نفيه عن الأب إلى ذكره في اللعان، فيزيد في الشهادة. وما هذا الولد ولدي وتزيد هي وإن هذا الولد ولده. فصل واختلف الفقهاء في الزوجين اللذين يجري بينهما اللعان، فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه، فيدخل تحت هذا المسلم والكافر والحر والعبد وكذلك المرأة، وهذا قول مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجوز اللعان بين الحر والأمة، ولا بين العبد والحرة، ولا بين الذميين، أو إذا كان احدهما ذميا. ونقل حرب عن أحمد نحو هذا، والمذهب هو الأول ولا تختلف الرواية عن أحمد: أن فرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده، واختلف هل تقع بلعانهما من غير فرقة الحاكم على روايتين، وتحريم اللعان مؤبد، فإن أكذب الملاعن نفسه لم تحل له زوجته أيضا، وبه قال عمر وعلي وابن مسعود، وعن أحمد روايتان أصحهما: هذا والثانية يجتمعان بعد التكذيب، وهو قول أبي حنيفة. قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} وقرأ أبو المتوكل وابن يعمروالنخعي {تَكُنْ} بالتاء. قوله تعالى: {فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـٰدَاتٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم {أَرْبَعُ} بفتح العين. وقرأ حمزة والكسائي، وحفص، عن عاصم برفع العين. قال الزجاج: من رفع {أَرْبَعُ} فالمعنى فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القذف {أَرْبَعُ} ومن نصب فالمعنى فعليهم ان يشهد أحدهم {أَرْبَعُ} قوله تعالى: والخامسة قرأ حفص عن عاصم {وَٱلْخَامِسَةَ} نصبا حملا على نصب أربع شهادات. قوله تعالى: {أَنَّ لَعْنَةَ ٱللّه عَلَيْهِ} قرأ نافع ويعقوب والمفضل {أَن لَّعْنَةُ ٱللّه} و {أَنَّ غَضَبَ ٱللّه} بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من لعنة والباء من غضب إلا ان نافعا كسر الضاد من غضب وفتح الباء. قوله تعالى: {أَعْرَضَ عَنْهَا} أي ويدفع عنها العذاب وفيه ثلاثة أقوال. احدهما: أنه الحد. والثاني:الحبس ذكرهما ابن جرير. والثالث: العار. قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي ستره ونعمته. قال الزجاج: وجواب لولا هاهنا متروك، والمعنى: لولا ذلك لنال الكاذب منكم عذاب عظيم وقال غيره: لولا فضل اللّه لبين الكاذب من الزوجين فأقيم عليه الحد، {وَأَنَّ ٱللّه تَوَّابٌ} يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرض من الحدود. ١١ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٢ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٣ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٤ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٥ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٦ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٧ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٨ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٩ انظر تفسير الآية:٢٠ ٢٠ قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ} أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها. نزلت في قصة عائشة، وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة. وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب الحدائق وفي كتاب المغني في التفسير فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب، ليحفظ فأما الإفك فهو الكذب والعصبة: الجماعة، ومعنى قوله: {مّنكُمْ} أي: من المؤمنين. وروى عروة عن عائشة أنها قالت: هم أربعة حسان بن ثابت وعبد اللّه بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل. قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ} قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل: لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعائشة. والمعنى: إنكم تؤجرون فيه. {لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ} يعني: من العصبة الكاذبة {مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ} أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه، {وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ} وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وعكرمة، ومجاهد وابن أبي عبلة، والحسن، ومحبوب عن أبي عمرو، ويعقوب: {كِبْرَهُ} بضم الكاف. قال الكسائي: وهما لغتان. وقال ابن قتيبة: كِبْر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية. قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة: تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنعرف وفي المتولي لذلك قولان. احدهما: أنه عبد اللّه بن أبي، رواه أبو صالح عن ابن عباس وعروة عن عائشة، وبه قال مجاهد والسدي ومقاتل. قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث فله عذاب عظيم بالنار، وقال الضحاك: هو الذي بدأ بذلك. والثاني: أنه حسان، روى الشعبي: أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، فقيل: يا أم المؤمنين، أليس اللّه يقول: {وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل اللّه أن يجعل ذلك العذاب العظيم، ذهاب بصره، تعني: حسان بن ثابت.ثم إن اللّه عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة {ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ} من العصبة الكاذبة وهم حسان ومسطح {وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ} وهي حمنة بنت جحش {بِأَنفُسِهِمْ} وفيها ثلاثة أقوال. احدها: بأمهاتهم. والثاني: بأخواتهم. والثالث: بأهل دينهم، لان المؤمنين كنفس واحدة، {وَقَالُواْ هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} أي: كذب بيِّن. وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته قالت: معاذ اللّه قال: فعائشة واللّه خير منك فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: {لَوْلاَ} أي: هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة {يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: بأربعة منونة؛ والمعنى: يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به، {فَإِذَا لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَـئِكَ عِندَ ٱللّه} أي:في حكمه هم الكاذبون ثم ذكر القاذفين فقال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: لولا ما من اللّه به عليكم {لَمَسَّكُمْ} أي: لأصابكم {فِيمَا أَفَضْتُمْ} أي: أخذتم وخضتم {فِيهِ} من الكذب والقذف {عَذَابٌ عظِيمٌ} في الدنيا والآخرة. ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا، فيتلقاه بعضهم من بعض. وقرأ عمر بن الخطاب: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة. وقرأ معاوية وابن السميفع مثله، إلا أنهما فتحا التاء والقاف. وقرأ ابن مسعود {تَتَلَقَّونه} بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف. وقرأ أبي بن كعب، وعائشة، ومجاهد، وأبو حيوة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف. وقال الزجاج: تُلْقونه يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه؛ ومعناه: إذ تسرعون بالكذب، يقال: ولق يلق: إذا أسرع في الكذب وغيره، قال الشاعر: جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّامْ تلق أي: تسرع، وقال ابن قتيبة: {تَلَقَّوْنَهُ} أي: تقبلونه، ومن قرأ: {تَلَقَّوْنَهُ} أخذه من الولق، وهو الكذب. قوله تعالى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي: من غير أن تعلموا أنه حق، وتحسبونه، يعني ذلك القذف {هَيّناً} أي: سهلا لا إثم فيه، وهو عند اللّه عظيم في الوزر، ثم زاد عليهم في الإنكار فقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا} أي: ما يحل وما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا سبحانك، وهو يحتمل التنزيه والتعجب. وروت عائشة أن امرأة أبي أيوب الأنصاري قالت له: ألم تسمع ما يتحدث الناس؟ فقال: {مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا} الآية فنزلت الآية. وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك، فنزلت الآية المتقدمة. وروي عن سعيد بن جبير: أن سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. فقيل للناس: هلا قلتم كما قال سعد. قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ ٱللّه} أي: ينهاكم اللّه أن تعودوا لمثله أي: إلى مثله إن كنتم مؤمنين، لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة، {وَيُبَيّنُ ٱللّه لَكُمُ ٱلاْيَـٰتِ} في الأمر والنهى. ثم هدد القاذفين بقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ} أي:يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة وهي الزنا {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ} يعني: الجلد {وَٱلاْخِرَةِ} عذاب النار وروت عمرة عن عائشة قالت: لما نزل عذري، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم، وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلد عبد اللّه بن ابي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، فأما الثلاثة فتابوا وأما عبد اللّه فمات منافقا. وبعض العلماء ينكر صحة هذا ويقول لم يضرب أحدا. قوله تعالى: {وَٱللّه يَعْلَمُ} شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط اللّه {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك {وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللّه عَلَيْكُمْ} جوابه محذوف تقديره لعاقبكم فيما قلتم لعائشة. قال ابن عباس يريد مسطحا وحسان وحمنة. ٢١ قوله تعالى: {لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ} أي: تزيينه لكم قذف عائشة. وقد سبق شرح {خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ} وبيان {ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ}. قوله تعالى: {مَا زَكَى مِنكُم} وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة: ما زكَّى بتشديد الكاف. وفيمن خوطب بهذا قولان. احدهما: أنه عام في الخلق. والثاني: أنه خاص للمتكلمين في الإفك. ثم في معناه أربعة أقوال. احدهما: ما اهتدى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: ما أسلم، قاله ابن زيد. والثالث: ما صلح، قاله مقاتل. والرابع: ما طهر، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱللّه يُزَكّى مَن يَشَاء} أي: يطهر من يشاء من الإثم بالتوبة والغفران، فالمعنى: وقد شئت ان أتوب عليكم، {وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} علم ما في نفوسكم من التوبة والندامة. ٢٢ قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ} وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة: {وَلاَ} بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يَتَعلَّ. قال المفسرون: سبب نزولها أن أبا بكر الصديق، كان ينفق على مسطح لقرابته وفقره، فلما خاض في أمر عائشة، قال أبو بكر: واللّه لا أنفق عليه شيئا أبدا، فنزلت هذه الآية. فأما الفضل، فقال أبو عبيدة: هو التفضل والسعة: الجِدةْ. قال المفسرون: والمراد به: أبو بكر. قوله تعالى: {وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ} قال ابن قتيبة: معناه: أن لا يؤتوا، فحذف {لا} فأما قوله أولي القربى، فانه يعنى مسطحا، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان مسكينا وكان مهاجرا. قال المفسرون: فلما سمع أبو بكر: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللّه لَكُمْ} قال: بلى يا رب وأعاد نفقته على مسطح. ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٥ ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٥ ٢٥ قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ} يعني: العفائف {ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ} عن الفواحش، {لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا} أي: عذبوا بالجلد، وفي الآخرة بالنار. واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على أربعة أقوال. احدها: انها نزلت في عائشة خاصة. قال خصيف: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية، فقلت: من قذف محصنة لعنه اللّه؟ قال: لا، إنما أنزلت هذه الآية في عائشة خاصة. والثاني: أنها في أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك. والثالث: أنها في المهاجرات. قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أن المرأة كانت إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة، قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا: إنما خرجت تفجر فنزلت هذه الآية. والرابع: أنها عامة في أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيرهن، وبه قال قتادة، وابن زيد. فإن قيل: لم اقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال؟ فالجواب: أن من رمى مؤمنة فلا بد أن يرمي معها مؤمنا، فاستغني عن ذكر المؤمنين ومثله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ} أراد والبرد، قاله الزجاج. قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: يشهد بالياء، وهو إقرارها بما تكلموا به من الفرية. قال ابو سليمان الدمشقي: وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم، وقال ابن جرير: المعنى: ان ألسنة بعضهم تشهد على بعض. قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللّه دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ} أي: حسابهم العدل، وقيل: جزاءهم الواجب. وقرأ مجاهد، وأبو الجوزاء، وحميد بن قيس، والأعمش: دينهم الحقُ برفع القاف {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللّه هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ} قال ابن عباس: وذلك ان عبد اللّه بن ابي، كان يشك في الدين، فإذا كانت القيامة علم حيث لا ينفعه. ٢٦ قوله تعالى: {ٱلْخَبِيثَـٰتُ لِلْخَبِيثِينَ} فيه أربعة أقوال. احدها: الكلمات الخبيثات لا يتكلم بها إلا الخبيث من الرجال والنساء، والكلمات الطيبات لا يتكلم بها إلا الطيبون من الرجال والنساء. والثاني: الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيثين من الرجال والنساء، فأما الطيبات والطيبون فلا يصلح أن يقال في حقهم إلا الطيبات. والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والطيبات من النساء للطيبين من الرجال. والرابع: الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من الأعمال، وكذلك الطيبات. وقوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ} يعني: عائشة وصفوان {مبرؤون} أي: منزهون {مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ} من الفرية {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة. ٢٧ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} ذكر أهل التفسير أن سبب نزولها أن امرأة من الانصار جاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللّه، إني اكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، فلا يزال يدخل علي رجل من أهلي، فنزلت هذه الآية. فقال ابو بكر بعد نزولها: يا رسول اللّه، أفرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن، فنزل قوله: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} الآية. ومعنى قوله: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} أي: بيوتا ليست لكم. واختلف القراء في باء البيوت، فقرأ بعضهم بضمها وبعضهم بكسرها، وقد بينا ذلك في البقرة. قوله تعالى: {حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ} قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: حتى تسلموا وتستأنسوا. قال الزجاج: و{تَسْتَأْنِسُواْ} في اللغة بمعنى: تستأذنوا وكذلك هو في التفسير، والاستئذان: الاستعلام، تقول: آذنته بكذا، أي: أعلمته، وآنست منه كذا، أي: علمت منه، ومثله: {فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً} أي: علمتم. فمعنى الآية: حتى تستعلموا، يريد أهلها ان تدخلوا ام لا. قال المفسرون: وصفة الاستعلام أن تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان لهذه الآية، {ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ} من أن تدخلوا بغير إذن {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أن الاستئذان خير فتأخذون به، قال عطاء: قلت لابن عباس: أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت واحد؟ قال: أيسرُّكَ أن ترى منهن عورة، قلت: لا قال: فاستأذن. قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً} أي: إن وجدتموها خالية، {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قيل لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ} أي: إن ردوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها، {هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ} يعني: الرجوع خير لكم وأفضل {وَٱللّه بِمَا تَعْمَلُونَ} من الدخول باذن وغير إذن {عَلِيمٌ}. فصل وهل هذه الآية منسوخة أم لا؟ فيها قولان. احدهما: أن حكمها عام في جميع البيوت، ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} هذا مروي عن الحسن، وعكرمة. والثاني: أن الآيتين محكمتان، فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها، والإذن لا يتصور من غير آذن، فاذا بطل الاستئذان لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى، وهذا أصح. قوله تعالى: {أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} فيها خمسة اقوال. احدها: أنها الخانات والبيوت المبنية للسابلة ليأووا إليها، ويؤووا أمتعتهم، قاله قتادة. والثاني: أنها البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول، قاله عطاء. والثالث: أنها بيوت مكة، قاله محمد بن الحنفية. والرابع: حوانيت التجار التي بالأسواق، قاله ابن زيد. والخامس: أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها، لأن الاستئذان إنما جعل لأجل الساكن، قاله ابن جريج. فيخرّج في معنى {المتاع} ثلاثة أقوال. احدهما: الأمتعة التي تباع وتشترى. والثاني: إلقاء الأذى من الغائط والبول. والثالث: الانتفاع بالبيوت لاتقاء الحر والبرد. ٣٠ انظر تفسير الآية:٣١ ٣١ قوله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ} في {مِنْ} قولان. احدهما: أنها صلة. والثاني: أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقا، وإنما أمروا بالغض عما لا يحل. وفي قوله: {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} قولان. احدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور. والثاني: عن أن ترى، فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية وابن زيد. قوله تعالى: {ذٰلِكَ} إشارة إلى الغض وحفظ الفروج {أَزْكَىٰ لَهُمْ} أي: خير وأفضل {إِنَّ ٱللّه خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} في الأبصار والفروج ثم امر النساء بما امر به الرجال. قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهر وهي المشار إليها بقوله {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وفيه سبعة أقوال. احدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء. والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه. والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة. والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد. والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن. والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك. قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه أحمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فان كان لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن. فإن قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها. فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه. قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها، والمعنى: وليُلْقِين مَقانِعَهن {عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن. وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: {عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} بكسر الجيم، {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يعني: الخفية وقد سبق بيانها {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن. قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني: المسلمات. قال أحمد: لا يحل للمسلمة ان تكشف راسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبِّلان المسلمة. قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ} قال اصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد. وقال أصحاب الشافعي: يدخل فيه العبيد، فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأن مذهب الشافعي أنه مَحْرم لها، وعندنا انه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقد نص أحمد على انه لايجوز أن ينظر إلى شعر مولاته. قال القاضي أبو يعلى: وإنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء، لأن الذين تقدم ذكرهم احرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال. قوله تعالى: {أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ} وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، او لأنهم نشؤوا فيهم. وللمفسرين في هذا التابع ستة اقوال: احدهما: أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، قاله قتادة، وكذلك قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء. والثاني: أنه العنين، قاله عكرمة. والثالث: المخنث كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن، قاله الحسن. والرابع: أنه الشيخ الفاني. والخامس: أنه الخادم، قالهما ابن السائب. والسادس: أنه الذي لا يكترث بالنساء، إما لكبر أو لهرم أو لصغر، ذكره ابن المنادي من أصحابنا. قال الزجاج: {غَيْرِ} صفة للتابعين. وفيه دليل على ان قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ} معناه: {غَيْرِ أُوْلِى ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرّجَالِ} والمعنى: ولا يبدين زينتهن لمماليكهن ولا لتُبَّاعِهن إلا أن يكونوا غير أولي الإربة، والإربة: الحاجة ومعناه: غير ذوي الحاجات إلى النساء. قوله تعالى: {أَوِ ٱلطّفْلِ} قال ابن قتيبة: يريد ألأطفال، بدليل قوله {لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرٰتِ ٱلنّسَاء} أي: لم يعرفوها. قوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} أي: باحدى الرجلين على الأخرى، ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين. ٣٢ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٣ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٤ قوله تعالى: {وَأَنْكِحُواْ ٱلايَـٰمَىٰ} وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال: رجل أيم وامرأة أيم، ورجل أرمل وامرأة أرملة، ورجل بكر وامراة بكر: إذا لم يتزوجا، وامرأة ثيب ورجل ثيب: إذا كانا قد تزوجا، {وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} أي: من عبيدكم، يقال: عبد وعباد وعبيد، كما يقال: كلب وكلاب وكليب. وقرأ الحسن، ومعاذ القارىء: {مِنْ}. قال المفسرون: والمراد بالآية الندب. ومعنى الصلاح هاهنا: الإيمان. والمراد بالعباد المملوكون فالمعنى: زوجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم ثم رجع إلى الأحرار فقال: إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر. قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجْحَدُونَ نِكَاحاً} أي: وليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة. وقد روى ابن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «يا معشر الشباب عليكم بالباءة، فمن لم يجد فعليه بالصيام فإنه له وجاء». قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ} أي: يطلبون المكاتبة من العبيد والإماء على أنفسهم {فَكَـٰتِبُوهُمْ} فيه قولان. احدهما: أنه مندوب إليه، قاله الجمهور. والثاني: أنه واجب، قاله عطاء، وعمرو بن دينار. وذكر المفسرون: أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزَّى يقال له:صبيح، سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، فنزلت هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين دينارا. قوله تعالى: {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فيه ستة أقوال. احدها: إن علمتم لهم مالا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، والضحاك. والثاني: إن علمتم لهم حيلة، يعني: الكسب، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس. والثالث: إن علمتم فيهم دينا، قاله الحسن. والرابع: إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير، قاله سعيد بن جبير. والخامس: إن أقاموا الصلاة، قاله عبيدة السلماني. والسادس: إن علمتم لهم صدقا ووفاء، قاله إبراهيم. قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ} فيه قولان. احدهما: أنه خطاب للاغنياء الذين تجب عليهم الزكاة، أمروا ان يعطوا المكاتبين من سهم الرقاب، روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون. والثاني: أنه خطاب للسادة أمروا أن يعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئا، قال أحمد والشافعي الإيتاء واجب، وقدره أحمد بربع مال الكتابة. وقال الشافعي: ليس بمقدر وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب الإيتاء. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كاتب غلاما له، يقال له: أبو أمية، فجاءه بنجمه حين حلَّ، فقال: اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك، قال: يا أمير المؤمنين لو أخرته حتى يكون في آخر النجوم، فقال: يا أبا أمية إني أخاف أن لا أدرك ذلك، ثم قرأ {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ}، قال عكرمة: وكان ذلك أول نجم أُدِّي في الإسلام. قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء} روى مسلم في «صحيحه» من حديث ابي سفيان عن جابر، قال: كان عبد اللّه بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا، فنزلت هذه الآية، قال المفسرون: وكان له جاريتان معاذة ومسيكة، فكان يكرههما على الزنا، ويأخذ منهما الضريبة وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية، يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه، إن كان خيرا فقد استكثرنا منه، وإن كان شرا فقد آن لنا أن ندعه، فنزلت هذه الآية. وزعم مقاتل أنها نزلت في ست جوار كن لعبد اللّه بن أبي، معاذة، ومسيكة، وأميمة، وقتيلة، وعمرة، وأروى. فأما الفتيات فهن الإماء، والبغاء: الزنا والتحصن: التعفف. واختلفوا في معنى {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} على اربعة أقوال. احدها: أن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكرناه، فخرج النهي عن صفة السبب وإن لم يكن شرطا فيه. والثاني: إنه إنما شرط إرادة التحصن، لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن، فانها تبغي بالطبع. والثالث: أن «إنْ» بمعنى «إذ»، ومثله {وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨] {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩]. والرابع: ان في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: وأنكحوا الأيامىٰ إلى قوله {وَإِمائِكُمْ} {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء {لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} وهو كسبهن وبيع أولادهن {وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللّه مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ} للمكرهات {رَّحِيمٌ} وقرأ ابن عباس، وأبو عمران الجوني، وجعفر بن محمد: {مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ * لَهُنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. قوله تعالى: {مُّبَيّنَـٰتٍ وَٱللّه} قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة غير أبي بكر، وأبان: {مُبَيّنَـٰتٍ} بكسر الياء في الموضعين في هذه السورة [النور:٣٤،٣٦] وآخر سورة [الطلاق:١١]. قوله تعالى: {وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ} أي: شبها من حالهم بحالكم أيها المكذبون، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق المكذبين قبلهم. ٣٥ قوله تعالى: {ٱللّه نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ} فيه قولان. احدهما: هادي اهل السماوات والأرض، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أنس بن مالك، وبيان هذا ان النور في اللغة: الضياء وهو الذي تصل به الأبصار إلى مبصراتها، فورد النور مضافا إلى اللّه تعالى، لأنه هو الذي يهدي المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به، والخلائق بنوره يهتدون. والثاني: مدبر السماوات والأرض، قاله مجاهد، والزجاج. وقرأ أبي ابن كعب، وأبو المتوكل، وابن السميفع: {ٱللّه نُورُ} بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء. {ٱلسَّمَـٰوٰتِ} بالخفض {وٱلاْرْضِ} بالنصب. قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ} في هاء الكناية أربعة أقوال. احدها: أنها ترجع إلى اللّه عز وجل، قال ابن عباس: مثل هداه في قلب المؤمن. والثاني: أنها ترجع إلى المؤمن، فتقديره: مثل نور المؤمن، قاله أبي ابن كعب. وكان أبي وابن مسعود يقرآن: {مَثَلُ نُورِهِ * مَنْ ءامَنَ بِهِ}. والثالث: انها ترجع إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله كعب. والرابع: أنها ترجع إلى القرآن، قاله سفيان. فأما المشكاة، ففيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها في موضع الفتيلة الذي هو كالأنبوب، والمصباح: الضوء، قاله ابن عباس. والثاني: أنها القنديل، والمصباح الفتيلة، قاله مجاهد. والثالث: أنها الكوة التي لا منفذ لها، والمصباح: السراج، قاله كعب، وكذلك قال الفراء: المشكاة الكوة التي ليست بنافذة. وقال ابن قتيبة: المشكاة الكوة بلسان الحبشة. وقال الزجاج: هي من كلام العرب، والمصباح: السراج وإنما ذكر الزجاجة، لأن النور في الزجاج أشد ضوءا منه في غيره. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وابن أبي عبلة: {فِى زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ} بفتح الزاي فيهما.وقرأ معاذ القارىء، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: بكسر الزاي فيهما، قال بعض أهل المعاني معنى الآية: كمثل مصباح في مشكاة فهو من المقلوب. فأما الدُّريُّ، فقرأ أبو عمرو، والكسائي، وأبان عن عاصم {دريءُ} بكسر الدال وتخفيف الياء ممدودا مهموزا. قال ابن قتيبة: المعنى على هذا إنه من الكواكب الدراريء، وهي اللاتي يدرأن عليك أي يطلعن. وقال الزجاج: هو ماخوذ من درأ يدرأ إذا اندفع منقضا، فتضاعف نوره، يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا. وروى المفضل عن عاصم كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مد، وهي قراءة عبد اللّه بن عمر والزهري، وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {دُريءُّ} بضم الدال وكسر الراء وتشديد الياء من غير مد ولا همز، وقرأ عثمان بن عفان، وابن عباس، وعاصم الجحدري: {دَرِيءُ} بفتح الدال وكسر الراء ممدودا مهموزا، وقرأ أبي ابن كعب وسعيد بن المسيب وقتادة بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مد ولا همز. وقرأ ابن مسعود، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، وابن يعمر: بفتح الدال وكسر الراء مهموزا مقصورا. قال الزجاج: {الدُّرِّيءُّ}: منسوب إلى انه كالدر في صفائه وحسنه. وقال الكسائي: {الدري} الذي يشبه الدر، {والدِرِي} جارٍ {والدَّري} يلتمع. وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم، والوليد بن عتبة عن ابن عامر: بضم الدال وتخفيف الياء مع إثبات الهمزة والمد. قال الزجاج: فالنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا. وقال الفراء: ليس هذا بجائز في العربية، لأنه ليس في الكلام فعيل إلا أعجمي مثل مُرّيق وما أشبهه. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: المُرِّيق: العصفر أعجمي معرب. وليس في كلامهم اسم على زنة فُعِّيل. قال ابو علي: وقد حكى سيبويه عن ابي الخطاب: كوكب دُرِّيء: من الصفات، ومن الاسماء المُرِّيق: العصفر. قوله تعالى: {توَقَّدَ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بالتاء المفتوحة وتشديد القاف ونصب الدال، يريدان المصباح لأنه هو الذي يوقد، وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {دُرّىٌّ يُوقَدُ} بالياء مضمومة مع ضم الدال، يريدون المصباح أيضا. وقرأ حمزة والكسائي، وابو بكر عن عاصم: {تُوقَدُ} بضم التاء والدال، يريدون الزجاجة. قال الزجاج: والمقصود: مصباح الزجاجة، فحذف المضاف. قوله تعالى: {ٱلاْرْضِ مِن شَجَرَةٍ} أي: من زيت شجرة،فحذف المضاف، يدلك على ذلك قوله: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء} والمراد بالشجرة هاهنا شجرة الزيتون، وبركتها من وجوه، فانها تجمع الأدم والدهن والوقود، فيوقد بحطب الزيتون، ويغسل برماده الإبريسم، ويستخرج دهنه أسهل استخراج، ويورق غصنه من أوله إلى آخره. وإنما خصت بالذكر هاهنا دون غيرها، لان دهنها أصفى وأضوأ. قوله تعالى: {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنها بين الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس، قاله أبي ابن كعب ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أنها في الصحراء، لا يظلها جبل ولا كهف، ولا يواريها شيء، فهو أجود لزيتها، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والزجاج. والثالث: أنها من شجر الجنة لا من شجرة الدنيا، قاله الحسن. قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء} أي: يكاد من صفائه يضيء قبل أن تصيبه النار، بأن يوقد به. {نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ} قال مجاهد: النار على الزيت. وقال ابن السائب: المصباح نور، والزجاجة نور. وقال أبو سليمان الدمشقي: نور النار ونور الزيت ونور الزجاجة، {يَهْدِى ٱللّه لِنُورِهِ} فيه أربعة أقوال. احدها: لنور القرآن. والثاني: لنور الإيمان. والثالث: لنور محمد صلى اللّه عليه وسلم. والرابع: لدينه الإسلام. فصل فأما وجه هذا المثل، ففيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه شبه نور محمد صلى اللّه عليه وسلم بالمصباح النير، فالمشكاة جوف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمصباح النور الذي في قلبه، والزجاجة قلبه فهو من شجرة مباركة، وهو إبراهيم عليه السلام، سماه شجرة مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه. {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} لا يهودي ولا نصراني، يكاد محمد صلى اللّه عليه وسلم يتبين للناس أنه نبي ولو لم يتكلم. وقال القرظي: المشكاة: إبراهيم، والزجاجة: إسماعيل، والمصباح: محمد صلى اللّه عليه وعليهم وسلم. وقال الضحاك: شبه عبد المطلب بالمشكاة، وعبد اللّه بالزجاجة، ومحمدا صلى اللّه عليه وسلم بالمصباح. والثاني: أنه شبه نور الإيمان في قلب المؤمن بالمصباح، فالمشكاة: قلبه، والمصباح: نور الإيمان فيه. وقيل: المشكاة: صدره، والمصباح: القرآن. ٣٦ انظر تفسير الآية:٣٨ ٣٧ انظر تفسير الآية:٣٨ ٣٨ المعنى: كمشكاة في بيوت، ويجوز أن تكون متصلة بقوله: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا} فتكون فيها تكريرا على التوكيد، والمعنى: يسبح للّه رجال في بيوت. فإن قيل: المشكاة إنما تكون في بيت واحد فكيف قال: {فِى بُيُوتٍ}؟ فعنه جوابان. احدهما: أنه من الخطاب المتلون، الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع، كقوله تعالى: {يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء} [الطلاق:١]. والثاني: أنه راجع إلى كل واحد من البيوت، فالمعنى: في كل بيت مشكاة. وللمفسرين في المراد بالبيوت ها هنا ثلاثة أقوال. احدهما: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والجمهور. والثاني: بيوت أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله مجاهد. والثالث: بيت المقدس، قاله الحسن. فأما {أَذِنَ} فمعناه أمر. وفي معنى ان ترفع قولان. احدها: أن تعظم، قاله الحسن، والضحاك. والثاني: أن تبنى، قاله مجاهد، وقتادة. وفي قوله: {وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ} قولان. احدهما: توحيده، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: يتلى فيها كتابه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله تعالى: {يُسَبّحُ} قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {يُسَبّحُ} بكسر الباء. وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بفتحها، وقرأ معاذ القارىء، وأبو حيوة: {تُسَبّحُ} بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء. وفي قوله تعالى: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا} قولان. احدهما: أنه الصلاة. ثم في صلاة الغُدُوِّ قولان. احدهما: أنها صلاة الفجر، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس. والثاني: صلاة الضحى، روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي كتاب اللّه، وما يغوص عليها إلاغواص، ثم قرأ: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ} وفي صلاة الآصال قولان. احدهما: أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب. والثاني: صلاة العصر، قاله أبو سليمان الدمشقي. والقول الثاني: أنه التسبيح المعروف، ذكره بعض المفسرين. قوله تعالى: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ} أي: لا تشغلهم {تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ} قال ابن السائب: التجار: الجلابون، والباعة: المقيمون. وقال الواقدي: التجارة ها هنا بمعنى الشراء. وفي المراد بذكر اللّه ثلاثة أقوال. احدها: الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس، وعطاء. وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللّه}. والثاني: عن القيام بحق اللّه، قاله قتادة. والثالث: عن ذكر اللّه باللسان، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {لَّيْسَ ٱلْبِرَّ} أي: أداؤها لوقتها وإتمامها. فإن قيل: إذا كان المراد بذكر اللّه الصلاة، فما معنى إعادتها؟ فالجواب: أنه بين أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها. قوله تعالى: {تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلاْبْصَـٰرُ} في معناه ثلاثة أقوال. احدها: أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور، ازداد بصيرة برؤية ما وعد به، ومن كان قلبه على غير ذلك، رأى ما يوقن معه بأمر القيامة قاله الزجاج. والثاني: أن القلوب تتقلب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلب، تنظر من أين يؤتون كتبهم، أمن قبل اليمين، أم من قبل الشمال؟ وأي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين، أم ذات الشمال؟ قاله ابن جرير. والثالث: تتقلب القلوب فتبلغ إلى الحناجر، وتتقلب الأبصار إلى الزرق بعد الكحل والعمى بعد النظر. قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ} المعنى: يسبحون اللّه ليجزيهم {أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} أي: ليجزيهم بحسناتهم، فأما مساوئهم فلا يجزيهم بها {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} مالم يستحقوه بأعمالهم، {وَٱللّه يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} قد شرحناه في [آل عمران:٢٧]. ٣٩ انظر تفسير الآية:٤٠ ٤٠ ثم ضرب اللّه مثلا للكفار فقال: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ} قال ابن قتيبة: السراب: ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار، والآل: ما رأيته في أول النهار وآخره وهو يرفع كل شيء، والقيعة والقاع واحد. وقرأ أبي ابن كعب، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: {بقيعات} وقال الزجاج: القيعة: جمع قاع، مثل جار وجيرة، والقيعة والقاع: ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري، وذلك هو السراب، والآل مثل السراب، إلا انه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض، يحسبه الظمآن ـ وهو الشديد العطش ـ ماء، حتى إذا جاء إلى موضع السراب، رأى أرضا لاماء فيها، فأعلم اللّه ان الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند اللّه، كظن الذي يظن السراب ماء، وعمله قد حبط. قوله تعالى: {شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللّه عِندَهُ} أي: قدم على اللّه {فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ} أي: جازاه بعمله، وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكافر. قوله تعالى: {وَٱللّه سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ} مفسر في [البقرة:٢٠٢]. قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ} في هذا المثل قولان. احدهما: أنه لعمل الكافر، قاله الجمهور واختاره الزجاج. والثاني: أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر، قاله الفراء. فأما اللجي فهو العظيم اللجة، وهو العميق. {يَغْشَـٰهُ} أي: يعلو ذلك البحر {مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ} أي: من فوق الموج موج، والمعنى: يتبع الموج موج، حتى كان بعضه فوق بعض، {مّن فَوْقِهِ} أي: من فوق ذلك الموج {سَحَابٌ}. ثم ابتدأ فقال: {ظُلُمَـٰتِ} يعني: ظلمة البحر، وظلمة الموج الأول، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة السحاب. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن: {سَحَابٌ ظُلُمَـٰتٌ} مضافا {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} يعني: إذا أخرجها مخرج، {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} فيه قولان. احدهما: أنه لم يرها، قاله الحسن، واختاره الزجاج. قال: لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكف، وكذلك قال ابن الأنباري: معناه: لم يرها البتة، لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على أن الرؤية معدومة، فبان بهذا الكلام أن {يَكَدْ} زائدة للتوكيد، بمنزلة {مَا} في قوله: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ} [المؤمنون:٤٠]. والثاني: أنه لم يرها إلا بعد الجهد، قاله المبرد. قال الفراء: وهذا كما تقول: ما كدت أبلغ إليك، وقد بلغت، قال الفراء: وهذا وجه العربية. فصل فأما وجه المثل، فقال المفسرون: لما ضرب اللّه للمؤمن مثلا بالنور، ضرب للكافر هذا المثل بالظلمات، والمعنى: أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد. وقيل: الظلمات ظلمة الشرك وظلمة المعاصي. وقال بعضهم: ضرب الظلمات مثلا لعمله، والبحر اللجي لقلبه، والموج لما يغشى قلبه من الشرك والجهل والحيرة، والسحاب للرَّيْن، والختم على قلبه، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة. قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللّه لَهُ نُوراً} فيه قولان. احدهما: دينا وإيمانا، قاله ابن عباس، والسدي. والثاني: هداية، قاله الزجاج. ٤١ انظر تفسير الآية:٤٢ ٤٢ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللّه يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ} قد تقدم تفسيره. قوله تعالى: {وَٱلطَّيْرُ} أي: وتسبح له الطير {صَافَّـٰتٍ} أي: باسطات اجنحتها في الهواء: وإنما خص الطير بالذكر، لأنها تكون بين السماء والارض إذا طارت، فهي خارجة عن جملة من في السماوات والأرض. قوله تعالى: {كُلٌّ} أي: من الجملة التي ذكرها {قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قال المفسرون: الصلاة، لبني آدم، والتسبيح، لغيرهم من الخلق. وفي المشار إليه بقوله {قَدْ عَلِمَ} قولان. احدهما: أنه اللّه تعالى، والمعنى قد علم اللّه صلاة المصلي وتسبيحه، قاله الزجاج. والثاني: أنه المصلي والمسبح. ثم فيه قولان. احدهما: قد علم المصلي والمسبح صلاة نفسه وتسبيحه، أي: قد عرف ما كلف من ذلك. والثاني: قد علم المصلي صلاة اللّه وتسبيحه، أي: علم أن ذلك للّه تعالى وحده. وقرأ قتادة، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ} برفع العين وكسر اللام {صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} بالرفع فيهما. ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللّه يُزْجِى سَحَاباً} أي: يسوقه، {ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ} أي: يضم بعضه إلى بعض، فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة. والسحاب لفظه لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فلهذا قال: {يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} أي: يجعل بعض السحاب فوق بعض {فَتَرَى ٱلْوَدْقَ} وهو المطر. قال الليث: الوَدْقُ المطر كله شديده وهينه. قوله تعالى: {مِنْ خِلاَلِهِ} وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والضحاك: {مِنْ}. والخلال: جمع خلل، مثل: جبال وجبل. {وَطَمَعاً وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء} مفعول الإنزال محذوف، تقديره: وينزل من السماء من جبال فيها من برد بردا، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه «ومِنْ» الأولى لابتداء الغاية، لأن ابتداء الإنزال من السماء، والثانية، للتبعيض، لأن الذي ينزله اللّه بعض تلك الجبال، والثالثة، لتبيين الجنس، لأن جنس تلك الجبال جنس البرد. قال المفسرون: وهي جبال في السماء مخلوقة من برد. وقال الزجاج: معنى الكلام: وينزل من السماء من جبال برد فيها، كما تقول: هذا خاتم في يدي من حديد، المعنى: هذا خاتم حديد في يدي. قوله تعالى: {فَيُصِيبُ بِهِ} أي: البرد من يشاء فيضره في زرعه وثمره. والسنا: الضوء، {يَذْهَبُ} وقرأ مجاهد، وأبو جعفر: {يَذْهَبُ} بضم الياء وكسر الهاء، {يُقَلّبُ ٱللّه ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ} أي: يأتي بهذا، ويذهب بهذا، {إِنَّ فِى ذَلِكَ} التقلب {لَعِبْرَةً لاِوْلِى ٱلاْبْصَـٰرِ} أي: دلالة لأهل البصائر والعقول على وحدانية اللّه وقدرته. ٤٥ قوله تعالى: {وَٱللّه خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} وقرأ حمزة، والكسائي: {وَٱللّه * خَـٰلِقُ كُلّ * دَابَّةٍ مّن مَّاء} وفي الماء قولان. احدهما: ان الماء أصل كل دابة. والثاني: أنه النطفة، والمراد به جميع الحيوان المشاهد في الدنيا. وإنما قال: {فَمِنْهُمْ} تغليبا لما يعقل. وإنما لم يذكر الذي يمشي على أكثر من أربع، لأنه في رأي العين كالذي يمشي على اربع، وقيل: لأنه يعتمد في المشي على اربع، وإنما سمي السائر على بطنه ماشيا، لأن كل سائر ومستمر يقال له: ماشٍ وإن لم يكن حيوانا، حتى إنه يقال: قد مشى هذا الأمر، هذا قول الزجاج. وقال أبو عبيدة: إنما هذا على سبيل التشبيه بالماشي، لأن المشي لا يكون على البطن، إنما يكون لمن له قوائم، فإذا خلطوا ماله قوائم بما لا قوائم له، جاز ذلك، كما يقولون: أكلت خبزا ولبنا ولا يقال أكلت لبنا. ٤٦ انظر تفسير الآية:٥٢ ٤٧ انظر تفسير الآية:٥٢ ٤٨ انظر تفسير الآية:٥٢ ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٠ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥١ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٢ قوله تعالى: {وَيِقُولُونَ امَنَّا بِٱللّه} قال المفسرون: نزلت في رجل من المنافقين، يقال له: بشر، كان بينه وبين يهودي حكومة، فدعا اليهودي المنافق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليحكم بينهما، فقال المنافق لليهودي: إن محمدا يحيف علينا، ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف، فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: {ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} يعني: المنافقين {مِن بَعْدِ ذٰلِكَ} أي: من بعد قولهم: آمنا {وَمَا أُوْلَـئِكَ} يعني: المعرضين عن حكم اللّه ورسوله بالمؤمنين. {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللّه} أي: إلى كتابه {وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الرسول {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ} ومعنى الكلام: أنهم كانوا يعرضون عن حكم الرسول عليهم، لعلمهم أنه يحكم بالحق، وإن كان الحق لهم على غيرهم، أسرعوا إلى حكمه مذعنين، لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق. قال الزجاج: والإذعان في اللغة: الإسراع مع الطاعة، تقول: قد أذعن لي، أي: قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه. قوله تعالى: {أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي: كفر {أَمِ ٱرْتَابُواْ} أي: شكوا في القرآن؟ وهذا استفهام ذم وتوبيخ، والمعنى: إنهم كذلك، وإنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمهم، كما قال جرير في المدح: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح أي:انتم كذلك. فأما الحيف، فهو: الميل في الحكم، يقال: حاف في قضيته، أي: جار، {بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} أي: لا يظلم اللّه ورسوله أحدا، بل هم الظالمون لانفسهم بالكفر والإعراض عن حكم الرسول. ثم نعت المؤمنين، فقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قال الفراء: ليس هذا بخبر ماض، وإنما المعنى: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا. وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} بضم اللام. وقرأ أبو جعفر، وعاصم الجحدري، وابن أبي ليلى: {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} برفع الياء وفتح الكاف. وقال المفسرون: والمعنى: سمعنا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأطعنا أمره، وإن كان ذلك فيما يكرهونه. قوله تعالى: {وَيَخْشَ ٱللّه} أي: فيما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما بعد ان يعصيه. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وورش عن نافع: {ويَتَّقْهي} موصولة بياء. وروى قالون عن نافع: {ٱللّه وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ} بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {وَيَتَّقْهِ} جزما. ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٤ قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِٱللّه} قال المفسرون: لما نزل في هؤلاء المنافقين ما نزل من بيان كراهتهم لحكم اللّه، قالوا للنبيصلى اللّه عليه وسلم: واللّه لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، فكيف لا نرضى حكمك؟ فنزلت هذه الآية وقد بينا معنى {جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ} [المائدة: ٥٣] {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} من أموالهم وديارهم، وقيل: ليخرجن إلى الجهاد، {قُل لاَّ تُقْسِمُواْ} هذا تمام الكلام، ثم قال: {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} قال الزجاج: المعنى: أمْثَلُ من قسمكم الذي لا تصدقون فيه طاعة معروفة. قال ابن قتيبة: وبعض النحويين يقول: الضمير فيها: لتكن منكم طاعة معروفة، أي: صحيحة لا نفاق فيها. قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} هذا خطاب لهم، والمعنى: فإن تتولوا فحذف إحدى التاءين، ومعنى التولي: الإعراض عن طاعة اللّه ورسوله، {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ} يعني: الرسول، {مَا حُمّلَ} من التبليغ {وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ} من الطاعة، وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوح بآية السيف، وليس بصحيح. قوله تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ} يعني: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {تَهْتَدُواْ}، وكان بعض السلف يقول: مَنْ أمَّر السُّنَّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا، نطق بالبدعة لقوله: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ}. ٥٥ انظر تفسير الآية:٥٦ ٥٦ قوله تعالى: {وَعَدَ ٱللّه ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ} روى أبو عبد اللّه الحاكم في «صحيحه» من حديث أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآواهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، كانوا لا يبيتون إلا في السلاح، ولا يصبحون إلا في لأْمتهم، فقالوا: أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا اللّه عز وجل؟ فنزلت هذه الآية. قال أبو العالية: لما أظهر اللّه عز وجل رسوله على جزيرة العرب، وضعوا السلاح وأمنوا، ثم قبض اللّه نبيه، فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة، فأدخل اللّه عز وجل عليهم الخوف، فغيروا فغير اللّه تعالى ما بهم، وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن هذا الوعد وعده اللّه أمة محمد في التوراة والإنجيل، وزعم مقاتل أن كفار مكة لما صدوا رسول اللّه ص والمسلمين عن العمرة عام الحديبية، قال المسلمون: لو أن اللّه تعالى فتح علينا مكة، فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} أي: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم، والمعنى: ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها. وعلى قول مقاتل المراد بالأرض مكة. قوله تعالى: {كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} وقرأ أبو بكر عن عاصم: {كَمَا ٱسْتَخْلَفَ} بضم التاء وكسر اللام، يعني: بني اسرائيل، وذلك أنه لما هلكت الجبابرة بمصر، أورثهم اللّه أرضهم وديارهم وأموالهم. قوله تعالى: {وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ} وهو الإسلام، وتمكينه: إظهاره على كل دين، {وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ} وقرأ ابن كثير، وأبو بكر، وأبان، ويعقوب: {وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ} بسكون الباء وتخفيف الدال {مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} لأنهم كانوا مظلومين مقهورين، {يَعْبُدُونَنِى} هذا استئناف كلام في الثناء عليهم، {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ} بهذه النعم، أي: جحد حقها. قال المفسرون: وأول من كفر بهذه النعم قتله عثمان. ٥٧ قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} قرأ ابن عامر، وحمزة عن عاصم: {لا * يَحْسَبَنَّ} بالياء وفتح السين. وقرأ الباقون: بالتاء وكسر السين. ٥٨ انظر تفسير الآية:٦٠ ٥٩ انظر تفسير الآية:٦٠ ٦٠ قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ} في سبب نزولها قولان. احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجه غلاما من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها، فقال: يار رسول اللّه وددت لو أن اللّه أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. والثاني: أن اسماء بنت مرثد كان لها غلام، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم، وفيهم قولان. احدهما: أنه أراد الذكور دون الإناث، قاله ابن عمر. والثاني: الذكور والإناث، رواه أبو حصين عن أبي عبد الرحمن. ومعنى الكلام: ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم، قال القاضي أبو يعلى: والأظهر أن يكون المراد العبيد الصغار والإماء الصغار، لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يضاف إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين. قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ} وقرأ عبد الوارث: {ٱلْحُلُمَ} باسكان اللام {مّنكُمْ} أي:من أحراركم من الرجال والنساء، {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ} أي: ثلاثة أوقات، ثم بينها فقال: {مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ} وذلك لأن الإنسان قد يبيت عُريانا، أو على حالة لا يحب أن يطلع عليه فيها {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ} أي: القائلة {وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء} حين يأوي الرجل إلى زوجته. {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ} برفع الثاء من ثلاث والمعنى. هذه الأوقات هي ثلاث عورات، لأن الإنسان يضع فيها ثيابه، فربما بدت عورته. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ} بنصب الثاء. قال أبو علي: وجعلوه بدلا من قوله: {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ} والأوقات ليست عورات، ولكن المعنى: أنها أوقات ثلاث عورات، فلما حذف المضاف أعرب باعراب المحذوف. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، والأعمش: {عَوْرَاتٍ} بفتح الواو، {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} يعني: المؤمنين الأحرار {وَلاَ عَلَيْهِمْ} يعني: الخدم والغلمان {جُنَاحٌ} أي: حرج {بَعْدَهُنَّ} أي: بعد مضي هذه الأوقات، أن لا يستأذنوا. فرفع الحرج عن الفريقين، {طَوفُونَ عَلَيْكُمْ} أي: هم طوافون عليكم {بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} أي: يطوف بعضكم وهم المماليك على بعض وهم الأحرار. فصل وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة، وممن روي عنه ذلك ابن عباس، والقاسم بن محمد، وجابر بن زيد، والشعبي، وحكي عن سعيد بن المسيب، أنها منسوخة بقوله: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلاْطْفَالُ مِنكُمُ} أي من الأحرار الحلم، فليستأذنوا، أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يعني: كما استأذن الأحرار الكبار، الذين هم قبلهم في الوجود، وهم الذين أمروا بالاستئذان على كل حال؛ فالبالغ يستاذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث. قوله تعالى: {وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنّسَاء} قال ابن قتيبة: يعني: العجّز، واحدها قاعد ويقال: إنما قيل لها: قاعد لقعودها عن الحيض والولد، وقد تقعد عن الحيض والولد ومثلها يرجو النكاح، ولا أراها سميت قاعدا إلا بالقعود، لأنها إذا أسنت عجزت عن التصرف وكثرة الحركة، وأطالت القعود فقيل لها قاعد بلا هاء، ليدل حذف الهاء على أنه قعود كبر، كما قالوا: امرأة حامل ليدلوا بحذف الهاء على أنه حمل حبل وقالوا في غير ذلك قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها. قوله تعالى: {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي: عند الرجال، ويعني بالثياب: الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار، هذا المراد بالثياب، لا جميع الثياب، {غَيْرَ مُتَبَرّجَـٰتِ بِزِينَةٍ} أي من غير أن يردن بوضع الجلباب، أن ترى زينتهن، والتبرج إظهار المرأة محاسنها، {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يضعن تلك الثياب {خَيْرٌ لَّهُنَّ} قال ابن قتيبة: والعرب تقول: امرأة واضع: إذا كبرت فوضعت الخمار، ولا يكون هذا إلا في الهرمة. قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنه يباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال، وأما شعرها فيحرم النظر إليه كشعر الشابة. ٦١ قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى ٱلاْعْمَىٰ حَرَجٌ} في سبب نزولها خمسة أقوال. احدها: أنه لما نزل قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ} [النساء: ٢٩] تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى اللّه تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والمريض لا يستوفي الطعام، فنزلت هذه الآية: قاله ابن عباس. والثاني: أن ناسا كانوا إذا خرجوا مع رسول اللّه ص وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم، إذا احتاجوا فكانوا يتقون أن يأكلوا منها، ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن المسيب. والثالث: أن العرجان والعميان كانوا يمتنعون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذرونهم، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير والضحاك. والرابع: أن قوما من أصحاب رسول اللّه ص، كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمون المريض والزَّمِن ذهبوا به إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وبعض من سمى اللّه عز وجل في هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من أكل ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد. والخامس: أنها نزلت في إسقاط الجهاد عن أهل الزمانة المذكورين في الآية، قاله الحسن وابن يزيد. فعلى القول الأول يكون معنى الآية: ليس عليكم في الاعمى حرج أن تأكلوا معه ولا في الأعرج وتكون «على» بمعنى «في» ذكره ابن جرير.وكذلك يخرج معنى الآية على كل قول بما يليق به. وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام {وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ} وأن ما بعده مستأنف لا تعلق له به وهو يقوي قول الحسن وابن زيد. قوله تعالى: {أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنها بيوت الأولاد. والثاني: البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم فيكون الخطاب لأهل الرجل وولده وخادمه، ومن يشتمل عليه منزله، ونسبها اليهم لأنهم سكانها. والثالث: أنها بيوتهم والمراد أكلهم من مال عيالهم وأزواجهم، لأن بيت المرأة كبيت الرجل. وإنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين، لجريان العادة ببذل طعامهم لهم، فإن كان الطعام وراء حرز لم يجز هتك الحرز. قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ} فيه ثلاثة اقوال. احدها: أنه الوكيل. لا بأس أن يأكل اليسير، وهو معنى قول ابن عباس. وقرأها سعيد بن جبير وأبو العالية {مَلَكْتُم} بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسم فاعله، وفسرها سعيد فقال: يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح. وقرأ أنس بن مالك وقتادة وابن يعمر {مِفْتاحه} بكسر الميم على التوحيد. والثاني: بيت الإنسان الذي يملكه، وهو معنى قول قتادة. والثالث: بيوت العبيد، قاله الضحاك. قوله تعالى: {مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} قال ابن عباس: نزلت هذه في الحارث ابن عمرو، خرج مع رسول اللّه ص غازيا وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهودا فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك، فنزلت هذه الآية، وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصديق بغير استئذان جائزا. قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً} في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال. احدها: أن حيا من بني كنانة يقال. لهم: بنو ليث كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده، فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة والضحاك. والثاني: أن قوما من الأنصار، كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فنزلت هذه الآية، ورخص لهم أن ياكلوا جميعاً أو أشتاتا، قاله عكرمة. والثالث: أن المسلمين كانوا يتحرجون من مؤاكلة أهل الضُّرِ خوفا من أن يستأثروا عليهم، ومن الاجتماع على الطعام، لاختلاف الناس في مآكلهم وزيادة بعضهم على بعض، فوسع عليهم وقيل:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً} أي: مجتمعين {أَوْ أَشْتَاتاً} أي: متفرقين قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} فيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها بيوت أنفسكم، فسلموا على أهاليكم وعيالكم، قال جابر بن عبد اللّه وطاووس وقتادة. والثاني: أنها المساجد فسلموا على من فيها، قاله ابن عباس. والثالث: بيوت الغير فالمعنى: إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم قاله الحسن. قوله تعالى: {تَحِيَّةً} قال الزجاج: هي منصوبة على المصدر، لأن قوله: {فَسَلّمُواْ} بمعنى: فحيوا وليحيِّ بعضكم بعضا تحية {مِنْ عِندِ ٱللّه} قال مقاتل: مباركة بالاجر، {طَيّبَةً} أي: حسنة. ٦٢ قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ} يعني مع رسول اللّه ص {عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ} أي: على أمر طاعة يجتمعون عليها، نحو الجهاد والجمعة والعيد ونحو ذلك {لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَـذِنُوهُ} قال المفسرون: كان رسول اللّه ص إذا صعد المنبر يوم الجمعة، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول اللّه ص حيث يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم، فالأمر إليه في ذلك قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده. قوله تعالى: {وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللّه} أي لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرا. ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٤ ٦٤ قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أنه نهي عن التعرض لإسخاط رسول اللّه ص، فإنه إذا دعا على شخص فدعوته موجبة، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم أمروا أن يقولوا: يا رسول اللّه، ونهوا أن يقولوا: يا محمد. قاله سعيد بن خبير وعلقمة والأسود وعكرمة ومجاهد. والثالث: أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم، حكاه الماوردي. وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو المتوكل ومعاذ القارىء {دُعَاء ٱلرَّسُولِ} بياء مشددة ونون قبل الباء. قوله تعالى: {بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللّه ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ} التسلل: الخروج في خفية، واللواذ: أن يستتر بشيء مخافة من يراه، والمراد بقوله: {قَدْ يَعْلَمُ} التهديد بالمجازاة، قال الفراء: كان المنافقون يشهدون الجمعة، فيذكرهم رسول اللّه ص ويعيبهم بالآيات التي أنزلت فيهم، فإن خفي لأحدهم القيام قام فذلك قوله: {قَدْ يَعْلَمُ ٱللّه ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} اي: يلوذ هذا بهذا أي: يستتر ذا بذا وإنما قال: {لِوَاذاً} لأنها مصدر «لاوَذْتُ» ولو كان مصدرا ل «لذت» لقلت: «لذتُ لِياذا» كما تقول: قمت قياما. وكذلك قال ثعلب: وقع البناء على لاوذ ملاوذة، ولو بني على لاذ يلوذ لقيل: لياذا وقيل: هذا كان في حفر الخندق، كان المنافقون ينصرفون عن غير أمر رسول اللّه ص مختفين. قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} في هاء الكناية قولان. احدهما: أنها ترجع إلى اللّه عز وجل، قال مجاهد. والثاني: إلى رسول اللّه ص، قال قتادة. وفي «عن» قولان. احدهما: أنها زائدة قاله الاخفش. والثاني: أن معنى {يُخَـٰلِفُونَ} يعرضون عن أمره. وفي الفتنة هاهنا ثلاثة أقوال. احدها: الضلالة قاله ابن عباس. والثاني: بلاء في الدنيا، قاله مجاهد. والثالث: كفر قاله السدي. ومقاتل. قوله تعالى: {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فيه قولان. احدهما: القتل في الدنيا/ والثاني: عذاب جهنم في الآخرة. قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} أي: ما في أنفسكم وما تنطوي عليه ضمائركم من الإيمان والنفاق، وهذا تنبيه على الجزاء على ذلك. |
﴿ ٠ ﴾