٢٩

قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاء بِٱلْغَمَـٰمِ وَنُزّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ تَنزِيلاً} هذا معطوف على قوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـئِكَةَ} وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر:

{تَشَقَّقُ} بالتشديد، فأدغموا التاء في الشين لأن الأصل {تتشقق} قال الفراء: المعنى: تتشقق السماء عن الغمام، وتنزل فيه الملائكة، و«على»، و«عن» و«الباء» في هذا الموضع بمعنى واحد، لان العرب تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، والمعنى واحد. وقال أبو علي الفارسي: المعنى: تتشقق السماء وعليها غمام كما تقول ركب الأمير بسلاحه وخرج بثيابه، وإنما تتشقق السماء لنزول الملائكة، قال ابن عباس: تتشقق السماء عن الغمام، وهو الغيم الأبيض، وتنزل الملائكة في الغمام. وقال مقاتل: المراد بالسماء: السماوات تتشقق عن الغمام، وهو غمام أبيض كهيئة الضباب، فتنزل الملائكة عند انشقاقها.

وقرأ ابن كثير: {زَهُوقًا وَنُنَزّلُ} بنونين، الأولى مضمومة، والثانية ساكنة، واللام مضمومة، والملائكة نصبا. وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: {وَنُزّلَ} بنون واحدة مفتوحة، ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب الملائكة.

وقرأ ابن يعمر: {وَنُزّلَ} بفتح النون واللام والزاي والتخفيف {ٱلْمَلَـٰئِكَةَ} بالرفع.

قوله تعالى: {ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ} قال الزجاج: المعنى: الملك الذي هو الملك حقا للرحمن، فأما العسير، فهو الصعب الشديد يشتد على الكفار، ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة.

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ} في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

احدها: أن ابي بن خلف، كان يحضر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويجالسه من غير أن يؤمن به، فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية. رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس.

والثاني: أن عقبة دعا قوما فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لطعام، فأكلوا وأبى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأكل، وقال لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أبي بن خلف وكان خليلا له. فقال: صبوت يا عقبة، فقال: لا واللّه ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت، ذلك، وليس من نفسي، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.

والثالث: أن عقبة كان خليلا لأمية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا، فكفر وارتد لرضى أمية، فنزلت هذه الآية، قاله الشعبي.

فأما الظالم المذكور هاهنا فهو الكافر، وفيه قولان.

احدهما: أنه أبي بن خلف، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: عقبة بن أبي معيط، قاله مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة. قال عطاء: يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين، ثم تنبتان فلا يزال هكذا، كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل.

قوله تعالى: {قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ} الأكثرون يسكنون {يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى} وأبو عمرو يحركها، قال أبو علي: والأصل التحريك: لانها بازاء الكاف التي للخطاب، إلا أن حرف اللين تكره فيه الحركة، ولذلك أسكن من اسكن، والمعنى: ليتني اتبعته فاتخذت معه طريقا إلى الهدى.

قوله تعالى: {لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً} في المشار إليه أربعة أقوال.

احدها: أنه عنى أبي بن خلف قاله ابن عباس.

والثاني: عقبة بن أبي معيط، قاله أبو مالك.

والثالث: الشيطان قاله مجاهد.

والرابع: امية ابن خلف قاله السدي.

فإن قيل: إنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إلى المداجاة، فما وجه الكناية؟ فالجواب: أنه أراد بالظالم كل ظالم، وأراد بفلان: كل من أطيع في معصية، وأرضي بسخط اللّه، وإن كانت الآية نزلت في شخص، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: {لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ} أي صرفني عن القرآن والإيمان به

{بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} مع الرسول، وهاهنا تم الكلام، ثم قال اللّه تعالى:

{وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ} يعني: الكافر {خَذُولاً} يتبرأ منه في الآخرة.

﴿ ٢٩