|
٣٩ قوله تعالى: {ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا}. إن قيل: إنما عاينوا الآيات بعد وجود الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟ فالجواب: أنهم كانوا مكذبين أنبياء اللّه وكتبه المتقدمة، ومن كذب نبياً فقد كذب سائر الأنبياء، ولهذا قال: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ} وقال الزجاج: يجوز ان يكون المراد به نوح وحده، وقد ذكر بلفظ الجنس، كما يقال فلان يركب الدواب، وإن لم يركب إلا دابة واحدة، وقد شرحنا هذا في هود عند قوله: {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} وقد سبق معنى التدمير. قوله تعالى: {وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ} في الرس ثلاثة أقوال. احدها: أنها بئر كانت تسمى الرس، قاله ابن عباس في رواية العوفي. وقال في رواية عكرمة: هي بئر بأذربيجان. وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة. وقال السدي بئر بأنطاكية. والثاني: أن الرس قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة. والثالث: أنها المعدن، قاله ابو عبيدة وابن قتيبة. وفي تسميتها بالرس قولان. احدهما: أنهم رسوا نبيهم في البئر، قاله عكرمة. قال الزجاج: رسوه أي دسوه فيها. والثاني: أن كل رَكيَّة لم تطو فهي رس، قاله ابن قتيبة. واختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال. احدها: أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث اللّه تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئرا وألقوه فيها، فهلكوا قاله علي عليه السلام. والثاني: أنهم قوم كان لهم نبي يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيهم فأهلكهم اللّه، قاله سعيد ابن جبير. والثالث: أنهم كانوا أهل بئر، ينزلون عليها وكانت لهم مواش، وكانوا يعبدون الاصنام، فبعث اللّه إليهم شعيبا، فتمادوا، في طفيانهم، فانهارت البئر فخسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه. والرابع: أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار، قتلوه في بئر لهم وهو الذي قال: {قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ} [يس: ٢٠] قاله السدي. والخامس: أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه، وأول من عمل السحر نساؤهم، قاله ابن السائب. قوله تعالى: {وَقُرُوناً} المعنى: وأهلكنا قرونا {بَيْنَ ذٰلِكَ كَثِيراً} أي: بين عاد وأصحاب الرس، وقد سبق بيان القرن [الانعام: ٦] وفي هذه القصص تهديد لقريش. قوله تعالى: {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلاْمْثَالَ} أي: أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا} قال الزجاج: التتبير: التدمير، وكل شىء كسرته وفتّتّه فقد تبرته، وكُسارته التِّبر، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج التبر وكذلك تبر الذهب. |
﴿ ٣٩ ﴾