٢٢

قوله تعالى: {وَإِذْ نَادَىٰ} المعنى: واتل هذه القصة على قومك.

قوله تعالى: {أَن يُكَذّبُونِ} ياء {يَكْذِبُونَ} محذوفة ومثلها

{أَن يَقْتُلُونِ} [الشعراء: ١٤]

{سَيَهْدِينِ} [الشعراء: ٦٢]

{فَهُوَ} [الشعراء: ٧٨]

{يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ} [الشعراء: ٧٩]

{فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠]

{ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: ٨١]

{كَذَّبُونِ} [الشعراء: ١١٧]

{وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: ١٠٨] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب. قوله تعالى:

{وَيَضِيقُ صَدْرِى} أي بتكذيبهم إياي

{وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى} للعقدة التي كانت بلسانه.

وقرأ يعقوب {وَيَضِيقُ} {وَلاَ يَنطَلِقُ} بنصب القاف فيهما،

{فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ * وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ} وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه، والمعنى: ولهم علي دعوى ذنب

{فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} به {قَالَ كَلاَّ} وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن، والمعنى: لن يقتلوك لأني لا اسلطهم عليك،

{فَٱذْهَبَا} يعني: أنت وأخوك {بِـئَايَـٰتِنَا} وهي ما أعطاهما من المعجزة، {أَنَاْ} يعني نفسه عز وجل {مَّعَكُمْ} فأجراهما مجرى الجماعة

{مُّسْتَمِعُونَ} نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به.

قوله تعالى: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} قال ابن قتيبة: الرسول يكون بمعنى الجميع، كقوله:

{هَـؤُلآء ضَيْفِى} [الحجر: ٦٨] وقوله:

{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} [الحج: ٥] وقال الزجاج: المعنى: إنا رسالة رب العالمين، أي: ذوو رسالة رب العالمين قال الشاعر:

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم  بسر ولا أرسلتهم برسول

أي برسالة.

قوله تعالى: {أَنْ أَرْسِلْ} المعنى: بأن {أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ} أي أطلقهم من الاستعباد، فأتياه فبلغاه الرسالة ف

{قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً} أي صبيا صغيرا

{وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} وفيها ثلاثة أقوال.

احدها: ثماني عشرة سنة، قاله ابن عباس.

والثاني: أربعون سنة، قاله ابن السائب.

والثالث: ثلاثون سنة، قاله مقاتل. والمعنى: فجازيتنا على ان ربيناك أن كفرت نعمتنا وقتلت منا نفسا، وهو قوله:

{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} وهي قتل النفس. قال الفراء: وإنما نصبت الفاء لأنها مرة واحدة، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها.

وفي قوله: {وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ} قولان.

احدهما: من الكافرين لنعمتي، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك وابن زيد.

والثاني: من الكافرين بالهك، كنت معنا على ديننا الذي تعيب، قاله الحسن والسدي، فعلى الاول وأنت من الكافرين الآن، وعلى الثاني وكنت.

وفي قوله: {وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ} ثلاثة أقوال.

احدها: من الجاهلين، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة. وقال بعض المفسرين: المعنى: إني كنت جاهلا لم يأتني من اللّه شىء.

والثاني: من الخاطئين، والمعنى: إني قتلت النفس خطأ، قاله ابن زيد.

والثالث: من الناسين، ومثله {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} [البقرة: ٢٨٢] قاله أبو عبيدة. قوله تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ} أي ذهبت من بينكم

{لَمَّا خِفْتُكُمْ} على نفسي إلى مدين، وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وابن يعمر {لَّمّاً} بكسر اللام وتخفيف الميم

{فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْماً} وفيه قولان.

احدهما: النبوة، قاله ابن السائب.

والثاني: العلم والفهم، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ} يعني التربية

{أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرٰءيلَ} أي اتخذتهم عبيدا، يقال عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته إذا اتخذته عبدا.

وفي أن وجهان.

احدهما: أن تكون في موضع رفع على البدل من نعمة.

والثاني: أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض تقديره لأن عبدت أو لتعبيدك. واختلف العلماء في تفسير الآية، ففسرها قوم على الإنكار وقوم على الإقرار، فمن فسرها على الإنكار، قال معنى الكلام أو تلك نعمة؟ على طريق الاستفهام، ومثله {هَـٰذَا رَبّى} [الانعام: ٧٦] وقوله: {فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ} [الانبياء: ٣٤] انشدوا: لم أنس يوم الرحيل وقفتها  وجفنها من دموعها شرق قولها والركاب سائرة  تتركنا هكذا وتنطلق هذا قول جماعة منهم،

ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال.

احدها: أن فرعون أخذ أموال بني إسرائيل، واستعبدهم وأنفق على موسى منها، فأبطل موسى النعمة، لأنها أموال بني إسرائيل، قاله الحسن.

والثاني: أن المعنى: إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل، لكفلني أهلي، وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم، فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له، وهذا قول المبرد والزجاج والأزهري.

والثالث: أن المعنى تمن علي باحسانك إلي خاصة، وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل، قاله مقاتل.

والرابع: أن المعنى كيف تمن علي بالتربية، وقد استعبدت قومي، ومن أهين قومه، فقد ذل، فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي، حكاه الثعلبي. فأما من فسرها على الإقرار، فانه قال: عدها موسى نعمة، حيث رباه ولم يقتله، ولا استعبده. فالمعنى: هي لعمري نعمة إذ ربيتني، ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل، ف «أن» تدل على المحذوف، ومثله في الكلام أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك: هذه نعمة علي أن ضربت فلانا، وتركتني، ثم تحذف وتركتني، لان المعنى معروف، هذا قول الفراء.

﴿ ٢٢