ÓõæÑóÉõ ÇáúÃóÍúÒóÇÈö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËñ æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð سورة الأحزاب وهي مدنية باجماعهم بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٤ ٢ انظر تفسير الآية:٤ ٣ انظر تفسير الآية:٤ ٤ قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ ٱتَّقِ ٱللّه} سبب نزولها أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن ابي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا على رسول اللّه ص في الموادعة التي كانت بينهم، فنزلوا على عبد اللّه بن ابي ومتعب بن قشير والجد بن قيس، فتكلموا فيما بينهم وأتوا رسول اللّه ص فدعوه إلى أمرهم وعرضوا عليه أشياء كرهها، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال مقاتل: سألوا رسول اللّه ص أن يرفض ذكر اللات والعزى، ويقول إن لها شفاعة، فكره ذلك، ونزلت هذه الآية. وقال ابن جرير: ولا تطع الكافرين الذين يقولون اطرد عنا أتباعك من ضعفاء المسلمين والمنافقين، فلا تقبل منهم رأيا. فإن قيل: ما الفائدة في أمر اللّه تعالى رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أن المراد بذلك استدامة ما هو عليه. والثاني: الإكثار مما هو فيه. والثالث: أنه خطاب ووجه به والمراد أمته. قال الفسرون: وأراد بالكافرين في هذه الآية أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور، وبالمنافقين عبد اللّه بن أبي وعبد اللّه بن سعد بن ابي سرح وطعمة بن أبيرق. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء: ٨١] إلى قوله: {مَّا جَعَلَ ٱللّه لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} وفي سبب نزولها قولان. احدهما: أن المنافقين كانوا يقولون لمحمد قلبان، قلب معنا وقلب مع أصحابه، فأكذبهم اللّه تعالى، ونزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في جميل بن معمر الفهري ـ كذا نسبه جماعة من المفسرين. وقال الفراء: جميل بن أسد ويكنى أبا معمر. وقال مقاتل: أبو معمر بن أنس الفهري، وكان لبيبا حافظا لما سمع،فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه. وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون، وفيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقاه أبو سفيان، وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: ما حال الناس؟ فقال: انهزموا قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وهذا قول جماعة من المفسرين. وقد قال الزهري في هذا قولا عجيبا قال: بلغنا أن ذلك في زيد ابن حارثة، ضرب له مثل يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك. قال الأخفش: «من» زائدة في قوله: {مّن قَلْبَيْنِ}. قال الزجاج: أكذب اللّه عز وجل هذا الرجل الذي قال: لي قلبان، ثم قرر بهذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم مما لا حقيقة له فقال: {وَمَا جَعَلَ أَزْوٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمْ} فأعلم اللّه تعالى ان الزوجة لا تكون اماً، وكانت الجاهلية تطلقِّ بهذا الكلام، وهو أن يقول لها: انت علي كظهر أمي، وكذلك قوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} أي ما جعل من تدعونه ابناـ وليس بولد في الحقيقة ـ ابنا {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوٰهِكُمْ} أي: نسب من لا حقيقة لنسبة قول بالفم لا حقيقة تحته {وَٱللّه يَقُولُ ٱلْحَقَّ} أي لا يجعل غير الابن ابناً {وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ} أي للسبيل المستقيم. وذكر المفسرون: أن قوله: {وَمَا جَعَلَ أَزْوٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ} نزلت في اوس بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة. ومعنى الكلام: ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن كامهاتكم في التحريم، إنما قولكم معصية، وفيه كفارة وأزواجكم لكم حلال، وسنشرح هذا في سورة المجادلة إن شاء اللّه وذكروا أن قوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} نزل في زيد بن حارثة، أعتقه رسول اللّه ص، وتبناه قبل الوحي، فلما تزوج رسول اللّه ص زينب بنت جحش، قال اليهود والمنافقون: تزوج محمد امراة ابنه، وهو ينهى الناس عنها، فنزلت هذه الآية. ٥ انظر تفسير الآية:٦ ٦ قوله تعالى: {ٱدْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ} قال ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزلت {ٱدْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ} قوله تعالى: {هُوَ أَقْسَطُ} أي أعدل، {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ ءابَاءهُمْ} أي: إن لم تعرفوا آباءهم {فَإِخوَانُكُمْ} أي: فهم إخوانكم، فليقل أحدكم: يا أخي ومواليكم. قال الزجاج: أي: بنو عمكم، ويجوز أن يكون مواليكم أولياءكم في الدين. {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: فيما أخطأتم به قبل النهي، قاله مجاهد. والثاني: في دعائكم من تدعونه إلى غير أبيه، وأنتم ترونه كذلك، قاله قتادة. والثالث: فيما سهوتم فيه، قاله حبيب بن أبي ثابت. فعلى الأول يكون معنى قوله: {وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي بعد النهي. وعلى الثاني والثالث: ما تعمدت في دعاء الرجل إلى غير أبيه. قوله تعالى: {ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: احق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح، فان أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، قوله تعالى: {وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ} أي: في تحريم نكاحهن على التأبيد ووجوب إجلالهن وتعظيمهن، ولا تجري عليهن أحكام الامهات في كل شيء، إذ لو كان كذلك، لما جاز لأحد أن يتزوج بناتهن، ولورثن المسلمين، ولجازت الخلوة بهن، وقد روى مسروق عن عائشة: أن أمرأة قالت: يا أماه فقالت: لست لك بأم، إنما أنا ام رجالكم،فبان بهذا الحديث أن معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط، وقال مجاهد: وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وما بعد هذا مفسر في آخر [الأنفال] إلى قوله تعالى {مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ} والمعنى: أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض، من أن يرثوا بالإيمان والهجرة، كما كانوا يفعلون قبل النسخ. {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً} وهذا استثناء ليس من الأول والمعنى: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز، وذلك أن اللّه تعالى لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة، أباح الوصية للمعاقدين، فللانسان ان يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلثه. فالمعروف ها هنا: الوصية. قوله تعالى: {كَانَ ذَلِكَ} يعني نسخ الميراث بالهجرة، ورده إلى ذوي الأرحام {فِى ٱلْكِتَـٰبِ} يعني: اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} أي مكتوبا. ٧ انظر تفسير الآية:٩ ٨ انظر تفسير الآية:٩ ٩ قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا} المعنى: واذكر إذ أخذنا {مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ} أي: عهدهم وفيه قولان. احدهما: أخذ ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، قاله قتادة. والثاني: أن يعبدوا اللّه، ويدعوا إلى عبادته، ويصدق بعضهم بعضا وأن ينصحوا لقومهم، قاله مقاتل. وهذا الميثاق أخذ منهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذر، قال ابي بن كعب: لما أخذ ميثاق الخلق خص النبيين بميثاق آخر. فإن قيل: لمَ خص الأنبياء الخمسة بالذكر دون غيرهم من الأنبياء؟. فالجواب: أنه نبه بذلك على فضلهم، لانهم أصحاب الكتب والشرائع، وقدم نبينا ص بيانا لفضله عليهم. قال قتادة كان نبينا أول النبيين في الخلق. وقوله: {مّيثَـٰقاً غَلِيظاً} أي: شديدا على الوفاء بما حملوا. وذكر المفسرون: أن ذلك العهد الشديد اليمين باللّه عز وجل. {لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} يقول أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين، وهم الأنبياء {عَن صِدْقِهِمْ} في تبليغهم ومعنى سؤال الأنبياء ـ وهو يعلم صدقهم ـ تبكيت مكذبيهم. وها هنا تم الكلام، ثم أخبر بعد ذلك عما أعد للكافرين بالرسل. قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} وهم الذين تحزبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام الخندق. الإشارة إلى القصة. ذكر أهل العلم بالسيرة: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما اجلي بنى النضير، ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة، فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج لقتاله، ثم خرجوا من عندهم، فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك. وتجهزت قريش ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وخرجوا يقودهم أبو سفيان، ووافتهم بنو سليم ب «مرِّ الظهران» وخرجت بنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة، فكان جميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب. فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خروجهم من مكة، أخبر الناس خبرهم، وشاورهم، فأشار سلمان بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، وعسكر بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى سفح سلع، وجعل سلعا خلف ظهره. ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن اخطب إلى بني قريظة، يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويكونوا معهم عليه، فأجابوا، واشتد الخوف وعظم البلاء، ثم جرت بينهم مناوشة وقتال، وحصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة، حتى خلص إليهم الكرب وكان نعيم بن مسعود الاشجعي قد أسلم، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم، فاستوحش كل منهم من صاحبه، واعتلت قريظة بالسبت، فقالوا: لا نقاتل فيه، وهبت ليلة السبت ريح شديدة، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم واللّه لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأجدب الجناب، وأخلفتنا قريظة ولقينا من الريح ما ترون، فارتحلوا فاني مرتحل. فأصبحت العساكر قد أقشعت كلها، قال مجاهد: والريح التي أرسلت عليهم هي الصبا، حتى أكفأت قدورهم، ونزعت فساطيطهم. والجنود: الملائكة، ولم تقاتل يومئذ وقيل: إن الملائكة جعلت تقلع أوتادهم، وتطفىء نيرانهم، وتكبر في جوانب عسكرهم، فاشتدت عليهم، فانهزموا من غير قتال. قوله تعالى: {لَّمْ تَرَوْهَا} وقرأ النخعي والجحدري والجوني وابن السميفع {لَمْ} بالياء {تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} وقرأ أبو عمرو {يَعْمَلُونَ} بالياء. ١٠ انظر تفسير الآية:١٢ ١١ انظر تفسير الآية:١٢ ١٢ قوله تعالى: {إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} أي: من فوق الوادي ومن أسفله {وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاْبْصَـٰرُ} أي: مالت وعدلت فلم تنظر إلى شيء إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب، {وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ} وهي جمع حنجرة، والحنجرة جوف الحلقوم. قال قتادة: شخصت عن مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها ان تخرج لخرجت. وقال غيره: المعنى: أنهم جبنوا وجزع أكثرهم، وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته، فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء. وذهب ابن قتيبة إلى أن المعنى كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف. وقال ابن الأنباري: كاد لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به. قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِٱللّه ٱلظُّنُونَاْ} قال الحسن: اختلفت ظنونهم، فظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وظن المؤمنون أنه ينصر. قرأ ابن كثير والكسائي وحفص عن عاصم {ٱلظُّنُونَاْ} و{ٱلرَّسُولاَ} [الأحزاب: ٦٦] و {ٱلسَّبِيلاْ} [الأحزاب: ٦٧] بألف إذا وقفوا عليهن، وبطرحها في الوصل. وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: وَصْل أو وقْف بالف. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالألف فيهن وصلا ووقفا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بغير ألف في وصل ولا وقف. قال الزجاج: والذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من قرائهم أن يقرؤوا {ٱلظُّنُونَاْ} ويقفون على الألف ولا يصلون، وإنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها الألف في الوقف. قوله تعالى: {هُنَالِكَ} أي عند ذلك {ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ} أي: اختبروا بالقتال والحصر ليتبين المخلص من المنافق {وَزُلْزِلُواْ} أي ازعجوا وحركوا بالخوف، فلم يوجدوا إلا صابرين. وقال الفراء: حُرِّكوا إلى الفتنة تحريكا، فعصموا. قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيه قولان. احدهما: أنه الشرك قاله الحسن. والثاني: النفاق قاله قتادة {مَّا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} قال المفسرون: قالوا يومئذ: إن محمدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر، وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله، هذا واللّه الغرور، وزعم ابن السائب أن قائل هذا معتب بن قشير. ١٣ انظر تفسير الآية:١٧ ١٤ انظر تفسير الآية:١٧ ١٥ انظر تفسير الآية:١٧ ١٦ انظر تفسير الآية:١٧ ١٧ قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} يعني من المنافقين وفي القائلين لهذا منهم قولان. احدهما: عبد اللّه بن ابي وأصحابه قاله السدي. والثاني: بنو سالم من المنافقين، قاله مقاتل. قوله تعالى: {مّنْهُمْ يٰأَهْلَ .يَثْرِبَ} قال أبو عبيدة: يثرب: اسم أرض، ومدينة النبي صلى اللّه عليه وسلم في ناحية منها. قوله تعالى: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} وقرأ حفص عن عاصم {لاَ مُقَامَ} بضم الميم قال الزجاج: من ضم الميم فالمعنى: لا إقامة لكم، ومن فتحها فالمعنى: لا مكان لكم تقيمون فيه، وهؤلاء كانوا يثبطون المؤمنين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى: {فَٱرْجِعُواْ} أي إلى المدينة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، خرج بالمسلمين حتى عسكروا ب «سلع» وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم فقال المنافقون: للناس: ليس لكم هاهنا مقام لكثرة العدو، وهذا قول الجمهور. وحكى الماوردي قولين آخرين. احدهما: لا مقام لكم على دين محمد، فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن. والثاني: لا مقام لكم على القتال، فارجعوا إلى طلب الأمان قاله الكلبي. قوله تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ} فيه قولان. احدهما: أنهم بنو حارثة، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: بنو حارثة بن الحارث بن الخزرج. وقال السدي: إنما استأذنه رجلان من بني حارثة. والثاني: بنو حارثة وبنو سلمة بن جشم، قاله مقاتل. قوله تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} قال ابن قتيبة: أي: خالية فقد امكن من أراد دخولها، وأصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ، فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت، فاذا ذهبوا أعورت البيوت، تقول العرب: أعور منزلي: إذا ذهب ستره، أو سقط جداره، وأعور الفارس، إذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن. يقول اللّه {وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ} لأن اللّه يحفظها، ولكن يريدون الفرار. وقال الحسن ومجاهد: قالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق. وقال قتادة: قالوا بيوتنا مما يلي العدو، ولا نأمن على أهلنا، فكذبهم اللّه، وأعلم أن قصدهم الفرار. قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا} يعني المدينة، والأقطار النواحي والجوانب، واحدها قطر، {ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ} وقرأ علي بن ابي طالب عليه السلام والضحاك والزهري وابو عمران وأبو جعفر وشيبة {ثُمَّ} برفع السين وكسر الياء من غير همز. وقرأ أبي بن كعب ومجاهد وأبو الجوزاء {ثُمَّ} برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها. وقرأ الحسن وأبو الأشهب {ثُمَّ} برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز. وقرأ الأعمش وعاصم الجحدري {ثُمَّ} بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو. ومعنى: {ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ} أي سئلوا فعلها والفتنة: الشرك {لاَتَوْهَا} قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {لاَتَوْهَا} بالقصر أي: لقصدوها ولفعلوها. وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي {لاَتَوْهَا} بالمد أي لاعطوها. قال ابن عباس في معنى الآية: لو ان الأحزاب دخلوا المدينة، ثم امروهم بالشرك لأشركوا. قوله تعالى: {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلاَّ يَسِيراً} فيه قولان. احدهما: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا، قاله قتادة. والثاني: وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا، حتى يعذبوا، قاله السدي. وحكى ابو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا، وهو أن الفتنة هاهنا الحرب، والمعنى: ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين، وما تلبثوا ـ يعني الجيوش الداخلة عليهم ـ بها إلا قليلا حتى يخرجوهم منها، وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك. قال: وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي. قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَـٰهَدُواْ ٱللّه مِن قَبْلُ} في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال. احدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلما علموا ما اعطى اللّه اهل بدر من الكرامة، قالوا: لئن شهدنا قتالا لنقاتلن، قاله قتادة. والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على طاعة اللّه ونصرة رسوله، قاله مقاتل. والثالث: أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل، عاهد اللّه معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب لا نولي دبرا قط، فلما كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره ابو سليمان الدمشقي، وهو اليق مما قبله، وإذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم؟. قوله تعالى: {وَكَانَ عَهْدُ ٱللّه * مَسْؤُولاً} أي يسألون عنه في الآخرة. ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ} بعد الفرار في الدنيا {إِلاَّ قَلِيلاً} وهو باقي آجالكم. ثم أخبر ان ما قدره عليهم لا يدفع بقوله: {مَن ذَا ٱلَّذِى يَعْصِمُكُمْ مّنَ ٱللّه} أي يجيركم ويمنعكم منه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً} وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} وهي النصر والعافية والسلامة {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللّه وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أي لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد اللّه فيهم. ١٨ انظر تفسير الآية:٢٢ ١٩ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢٠ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢١ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢٢ قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ ٱللّه ٱلْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ} في سبب نزولها قولان. احدهما: ان رجلا انصرف من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الاحزاب، فوجد أخاه لأمه وابيه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: انت هاهنا ورسول اللّه بين الرماح والسيوف، فقال: هلم إلي لقد أحيط بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا، فقال له: كذبت والذي يحلف به، اما واللّه لأخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأمرك، فذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبره، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله: {يَسِيراً} هذا قول ابن زيد. والمعوق: المثبط تقول عاقني فلان واعتاقني وعوقني، إذا منعك عن الوجه الذي تريده، وكان المنافقون يعوقون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نصّاره. قوله تعالى: {وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} فيهم ثلاثة أقوال. احدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد. والثاني: أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال، قاله مقاتل. والثالث: أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول اللّه ص، حكاه الماوردي. قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ} أي لا يحضرون القتال في سبيل اللّه {إِلاَّ قَلِيلاً} للرياء والسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل للّه لكان كثيرا. قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} قال الزجاج: هو منصوب على الحال المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيرا بخلاء عليكم. وللمفسرين فيما شحوا به اربعة أقوال. احدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد. والثاني: بالنفقة في سبيل اللّه. والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظفر والغنيمة. والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي. ثم أخبر عن جبنهم فقال: {فَإِذَا جَاء ٱلْخَوْفُ} أي إذا حضر القتال {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ} أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته، وغشيته أسبابه، فانه يخاف ويذهل عقله، ويشخص بصره، فلا يطرف، فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل. {فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم} قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} سليطة ذربة، والعرب تقول: صلقوكم بالصاد ولا يجوز في القراءة، وهذا قول الفراء. وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب وأبو الجوزاء وأبو عمران الجوني وابن ابي عبلة في آخرين. وقال الزجاج: معنى: سلقوكم: خاطبوكم اشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق، إذا كان بليغا في خطبته {أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ} أي خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا فلستم أحق بها منا، فأما عند الباس فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند الغنيمة فأشح قوم. وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال. احدها: أنه الغنيمة. والثاني: على المال أن ينفقوه في سبيل اللّه تعالى. والثالث:على رسول اللّه ص بَظَفره. قوله تعالى: {أوْلَـئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ} أي هم وإن أظهروا الإيمان. فليسوا بمؤمنين لنفاقهم {فَأَحْبَطَ ٱللّه أَعْمَـٰلَهُمْ} قال مقاتل: أبطل جهادهم لانه لم يكن في إيمان، وكان ذلك الإحباط على اللّه يسيرا. ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم فقال: {يَحْسَبُونَ ٱلاْحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ} أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم، أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا {وَإِن يَأْتِ ٱلاْحْزَابُ} أي: يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال {يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلاْعْرَابِ} أي يتمنوا لو كانوا في بادية الاعراب من خوفهم {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ} أي ودوا لو انهم بالبعد منكم، يسألون عن أخباركم فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه؟. ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقا وجبنا، وقيل: بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} أي لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتلوا إلا قليلا. فيه قولان. احدهما: إلا رميا بالحجارة، قاله ابن السائب. والثاني: إلا رياء من غير احتساب، قاله مقاتل. ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة صالحة، والمعنى: لقد كان لكم به اقتداء، لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم احد، حتى كسرت رباعيته وشج جبينه، وقتل عمه وآساكم مع ذلك بنفسه. وقرأ عاصم {أُسْوَةٌ} بضم الألف والباقون بكسر الألف وهما لغتان. قال الفراء: أهل الحجاز وأسد يقولون {أُسْوَةٌ} بالكسر وتميم وبعض قيس يقولون {أُسْوَةٌ} بالضم. وخص اللّه تعالى بهذه الأسوة المؤمنين، فقال: {لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللّه وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ} والمعنى أن الأسوة برسول اللّه إنما كانت لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر، وفيه قولان. احدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس. والثاني: يخشى اللّه ويخشى البعث، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَذَكَرَ ٱللّه كَثِيراً} أي: ذكرا كثيرا، لأن ذاكر اللّه متبع لأوامره، بخلاف الغافل عنه. ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال: {وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلاْحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ} وفي ذلك الوعد قولان. احدهما: أنه قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} الآية [البقرة: ٢١٤] فلما عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، قاله ابن عباس وقتادة في آخرين. والثاني: ان رسول اللّه ص وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحيرة، ذكره الماوردي وغيره. قوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ} يعني ما رأوه {إِلاَّ إِيمَانًا} بوعد اللّه {وَتَسْلِيماً} لأمره. ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٦ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٧ قوله تعالى: {مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللّه عَلَيْهِ} اختلفوا فيمن نزلت على قولين. احدهما: أنها نزلت في أنس بن النضر، قاله انس بن مالك، وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فلما قدم قال: غبت عن اول قتال قاتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المشركين، لئن اشهدني اللّه عز وجل قتالا ليرين اللّه ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف الناس، فقال: اللّهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني: المشركين، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني: المسلمين، ثم مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة، دون احد واها لريح الجنة قال سعد: فما استطعت يا رسول اللّه ما صنع. قال أنس: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، قد مثلوا به. قال: فما عرفناه، حتى عرفته أخته ببنانه، قال أنس: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية {مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللّه عَلَيْهِ} فيه وفي أصحابه. والثاني: أنها نزلت في طلحة بن عبيد اللّه، روى النزال بن سبرة عن علي عليه السلام أنهم قالوا له: حدثنا عن طلحة، قال: ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب اللّه تعالى {فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ} لا حساب عليه فيما يستقبل، وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة،وأولها في أنس. قال ابن جرير: ومعنى الآية: وفوا للّه بما عاهدوه عليه، وفي ذلك أربعة أقوال. احدها: أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإسلام والنصرة. والثاني: أنهم قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا اللّه ان لا يتأخروا بعدها. والثالث: أنهم عاهدوا أن لا يفروا إذا لاقوا فصدقوا. والرابع: أنهم عاهدوا على البأساء والضراء وحين البأس. قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: فمنهم من مات ومنهم من ينتظر الموت، قاله ابن عباس. والثاني: فمنهم من قضى عهده قتل او عاش، ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال او صدق لقاء، قاله مجاهد. والثالث: فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر، قاله ابو عبيدة. فيكون النحب على القول الأول: الأجل، وعلى الثاني: العهد وعلى الثالث: النذر. وقال ابن قتيبة: قضى نحبه. أي: قتل، وأصل النحب النذر، كأن قوما نذورا أنهم إن لقوا العدو قاتلوا حتى يقتلوا، أو يفتح اللّه عليهم، فقتلوا فقيل: فلان قضى نحبه أي: قتل، فاستعير النحب مكان الأجل، لان الأجل وقع بالنحب، وكان النحب سببا له، ومنه قيل: للعطية «مَنْ» لأن من أعطى فقد مَنَّ قال ابن عباس: ممن قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب وانس بن النضر وأصحابه. وقال ابن إسحاق: {فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ} من استشهد يوم بدر وأحد، ومنهم من ينتظر ما وعد اللّه من نصره أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه، {وَمَا بَدَّلُواْ} أي: ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم عليه، كما غير المنافقون. قوله تعالى: {لّيَجْزِىَ ٱللّه ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا {ٱللّه} عليه {وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ} بنقض العهد {إِن شَاء} وهو ان يميتهم على نفاقهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} في الدنيا فيخرجهم من النفاق إلى الإيمان، فيغفر لهم. {وَرَدَّ ٱللّه ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني: الأحزاب، صدهم ومنعهم عن الظفر بالمسلمين {بِغَيْظِهِمْ} أي: لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} أي لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم خيرا، فخوطبوا على استعمالهم {وَكَفَى ٱللّه ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ} بالريح والملائكة {وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم} أي: عاونوا الأحزاب وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العهد،وصاروا مع المشركين يدا واحدة. وهذه الإشارة إلى قصتهم. ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما انصرف من الخندق، وضع عنه اللأمة واغتسل، فتبدى له جبريل فقال: ألا أراك وضعت اللأمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟ إن اللّه يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فاني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم. فدعا عليا فدفع لواءه إليه، وبعث بلالا فنادى في الناس، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا ببني قريظة، ثم سار إليهم فحاصرهم خمسة عشر يوما أشد الحصار وقيل عشرين ليلة، فأرسلوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فأرسله إليهم، فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده إنه الذبح، ثم ندم فقال خنت اللّه ورسوله فانصرف، فارتبط في المسجد حتى أنزل اللّه توبته، ثم نزلوا على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمر بهم رسول اللّه محمد ابن مسلمة وكتفوا ونحوا ناحية، وجعل النساء والذرية ناحية. وكلمت الأوس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، هكذا ذكر محمد بن سعد، وحكى غيره: أنهم نزلوا أولاً على حكم سعد بن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذراري، وتقسم الأموال. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة ارقعة» وانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمر بهم، فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدود في السوق، وجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه أصحابه وأخرجوا إليه فضربت أعناقهم وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة. قوله تعالى: {مِن صَيَاصِيهِمْ} قال ابن عباس وقتادة: من حصونهم. قال ابن قتيبة: وأصل الصياصي قرون البقر، لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها، فقيل: للحصون: الصياصي، لأنها تمنع. وقال الزجاج: كل قرن صيصية، وصيصية الديك شوكة يتحصن بها. قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ} أي ألقى فيها الخوف {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وهم المقاتلة {وَتَأْسِرُونَ} وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة {وَتَأْسِرُونَ} برفع السين {فَرِيقاً} وهم النساء والذراري، {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ} يعني عقارهم ونخيلهم ومنازلهم {وَأَمْوٰلَهُمْ} من الذهب والفضة والحلي والعبيد والإماء {وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا} أي لم تطؤوها باقدامكم بعد وهي مما سنفتحها عليكم، وفيها اربعة أقوال. احدها: أنها فارس والروم، قاله الحسن. والثاني: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة. قاله عكرمة. والثالث: مكة، قاله قتادة. والرابع: خيبر قاله ابن زيد وابن السائب وابن اسحاق ومقاتل. ٢٨ انظر تفسير الآية:٣٤ ٢٩ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٠ انظر تفسير الآية:٢٤ ٣١ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٢ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٣ انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٤ قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاْزْوٰجِكَ} الآية، ذكر أهل التفسير أن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم سألنه شيئا من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فآلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهن شهرا وصعد إلى غرفة له فمكث فيها، فنزلت هذه الآية، وكن أزواجه يومئذ تسعا. عائشة وحفصة وام حبيبة وسودة وام سلمة وصفية الخيبرية وميمونة الهلالية وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث، فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعرض الآية عليهن، فبدأ بعائشة فاختارت اللّه ورسوله، ثم قالت يا رسول اللّه لا تخبر أزواجك أني اخترتك، فقال: «إن اللّه بعثني مبلغا ولم يبعثني متعنتا». وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب الحدائق وفي المغنى بطوله، وفي ما خيرهن فيه قولان. احدهما: أنه خيرهن بين الطلاق والمقام معه، هذا قول عائشة عليها السلام. والثاني: أنه خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن، أو اختيار الآخرة فيمسكهن، ولم يخيرهن في الطلاق. قاله الحسن وقتادة. وفي سبب تخييره إياهن ثلاثة أقوال. احدها: أنهن سألنه زيادة النفقة. والثاني: أنهن آذينه بالغيرة، والقولان مشهوران في التفسير. والثالث: أنه لما خير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة، أمر بتخيير نسائه ليكن على مثل حاله، حكاه أبو القاسم الصيمري. والمراد بقوله: {أُمَتّعْكُنَّ}: متعة الطلاق، والمراد بالسراح: الطلاق وقد ذكرنا ذلك في [البقرة: ٢٣١] والمراد بالدار الآخرة: الجنة. والمحسنات المؤثرات للآخرة. قال المفسرون: فلما اخترنه، أثابهن اللّه عز وجل ثلاثة أشياء. احدها: التفضيل على سائر النساء بقوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء}. والثاني: أن جعلهن امهات المؤمنين. والثالث: أن حظر عليه طلاقهن والاستبدال بهن بقوله: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنّسَاء مِن بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] وهل أبيح له بعد ذلك التزويج عليهن؟ فيه قولان سيأتي ذكرهما إن شاء اللّه تعالى. قوله تعالى: {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ} أي: بمعصية ظاهرة قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق {يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي: يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين، كما أنها تؤتى أجرها على الطاعة مرتين. وإنما ضوعف عقابهن لأنهن يشاهدن من الزواجر الرادعة مالا يشاهد غيرهن، فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، ولان في معصيتهن أذى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجرم من آذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكبر من جرم غيره. قوله تعالى: {وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللّه يَسِيراً} أي: وكان عذابها على اللّه هينا. {وَمَن يَقْنُتْ} أي: تطع {وَأَعْتَدْنَا} قد سبق بيانه [النساء: ٣٧] والرزق الكريم: الحسن، وهو الجنة. ثم اظهر فضيلتهن على النساء بقوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء} قال الزجاج: لم يقل كواحدة من النساء، لان أحدا نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة. قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم {إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ} فشرط عليهن التقوى بيانا ان فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قوله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ} أي لا تلن بالكلام {فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي:فجور والمعنى: لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى موافقتكن له، والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة. {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} أي: صحيحا عفيفا لا يطمع فاجرا. {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} قرأ نافع وعاصم إلا أبان وهبيرة والوليد بن مسلم عن ابن عامر {وَقَرْنَ} بفتح القاف. وقرأ الباقون بكسرها. قال الفراء: من قرأ بالفتح فهو من قررت في المكان، فخففت، كما قال: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} [طه: ٩٧] ومن قرأ بالكسر فمن الوقار يقال: قِرْ في منزلك، وقال ابن قتيبة: من قرأ بالكسر فهو من الوقار يقال: وقر في منزله يقِر وقورا، ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار. وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل {واقَرْرن} باسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة مثله إلا أنهما كسرا الراء الأولى. قال المفسرون: ومعنى الآية الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن، وان لا يخرجن. قوله تعالى: {بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ} قال ابو عبيدة: التبرج أن يبرزن محاسنهن. وقال الزجاج: التبرج إظهار الزينة وما يستدعى به شهوة الرجل. وفي الجاهلية الأولى أربعة اقوال. احدها: أنها كانت بين إدريس ونوح، وكانت ألف سنة رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أنها كانت على عهد إبراهيم عليه السلام، وهو قول عائشة رضي اللّه عنها. والثالث: بين نوح وآدم قاله الحكم. والرابع: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الشعبي. قال الزجاج: وإنما قيل الأولى لأن كل متقدم أول، وكل متقدمة أولى، فتأويله: أنهم تقدموا أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وفي صفة تبرج الجاهلية الأولى ستة أقوال. احدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، قاله مجاهد. والثاني: أنها مشية فيها تكسر وتغنج، قاله قتادة. والثالث: أنه التبختر، قاله أبن أبي نجيح. والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدرع من اللؤلؤ، فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق، ليس عليها غيره، وذلك في زمن إبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي. والخامس: أنها كانت تلقي عن رأسها ولا تشده فيرى قرطها وقلائدها، قاله مقاتل. زالسادس: أنها كانت تلبس الثياب تبلغ المال، لا تواري جسدها حكاه الفراء. قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللّه لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ} وفيه للمفسرين خمسة أقوال. احدها: الشرك، قاله الحسن. والثاني: الإثم، قاله السدي. والثالث: الشيطان، قاله ابن زيد. والرابع: الشك. والخامس: المعاصي، حكاهما الماوردي. قال الزجاج: الرجس كل مستقذر من مأكول أو عمل أو فاحشة. ونصب {أَهْلَ ٱلْبَيْتِ} على وجهين. احدهما: على معنى أعني أهل البيت. والثاني: على النداء فالمعنى يا أهل البيت. وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة اقوال. احدها: أنهم نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنهن في بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكذ هذا القول أن ما قبله وبعده متعلق بأزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض، وهو ان جمع المؤنث بالنون فكيف قيل {عَنْكُمْ وَيُطَهّرَكُمْ} فالجواب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهن فغلب المذكر. والثاني: أنه خاص في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، قاله ابو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك. والثالث: أنهم أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأزواجه، قاله الضحاك. وحكى الزجاج: أنهم نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والرجال الذين هم آله، قال: واللغة تدل على انها للنساء والرجال جميعا لقوله عنكم بالميم، ولو كانت للنساء لم يجز إلا عنكن ويطهركن. قوله تعالى: ويطهركم تطهيرا فيه ثلاثة أقوال. احدها: من الشرك، قاله مجاهد. والثاني: من السوء، قاله قتادة. والثالث: من الإثم، قاله السدي ومقاتل. قوله تعالى: {وَٱذْكُـرْنَ} فيه قولان. احدهما: أنه تذكيرلهن بالنعم. والثاني: أنه أمر لهن بحفظ ذلك، فمعنى {وَٱذْكُـرْنَ}: {وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءايَـٰتِ ٱللّه} يعني القرآن. وفي الحكمة قولان. احدهما: أنها السنة، قاله قتادة. والثاني: الامر والنهي، قاله مقاتل. قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه كَانَ لَطِيفاً} أي: ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته {خَبِيراً} بكن إذ اختاركن لرسوله. ٣٥ قوله تعالى: {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ} في سبب نزولها خمسة أقوال. احدها: أن نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلن: ما له ليس يذكر إلا المؤمنون ولا تذكر المؤمنات بشيء؟ فنزلت هذه الآية رواه أبو ظبيان عن ابن عباس. والثاني: أن أم سلمة قالت. يا رسول اللّه يذكر الرجال ولا ذكر، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} [آل عمران: ١٩٥] قاله مجاهد. والثالث: أن أم عمارة الأنصارية قالت: قلت: يارسول اللّه بأبي وأمي ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة. وذكر مقاتل بن سليمان: أن أم سلمة وأم عمارة قالتا ذلك، فنزلت هذه الآية في قولهما. والرابع: أن اللّه تعالى لما ذكر أزواج رسوله، دخل النساء المسلمات عليهن، فقلن: ذكرتن ولم نذكر ولو كان فينا خير ذكرنا، فنزلت هذه الآية قاله قتاده. والخامس: أن أسماء بنت عميس، لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه إن النساء لفي خيبة وخسار قال ومم ذاك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فنزلت هذه الآية، ذكره مقاتل بن حيان. وقد سبق تفسير ألفاظ الآية في مواضع [البقرة١٢٩] [الأحزاب٣١] [آل عمران١٧] [البقرة٤٥] [يوسف٨٨] [البقرة١٨٤] [الأنبياء٩١] [آل عمران١٩١]. ٣٦ انظر تفسير الآية:٣٧ ٣٧ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} الآية في سبب نزولها قولان. احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه ولست بناكحته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «بلى فانكحيه، فاني قد رضيته لك»، فأبت، فنزلت هذه الآية. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور، وذكر بعض المفسرين: أن عبد اللّه بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب، فلما نزلت الآية رضيا وسلما. قال مقاتل: والمراد بالمؤمن: عبد اللّه بن جحش، والمؤمنة: زينب بنت جحش. والثاني: أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول أمرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: قد قبلتك. وزوجها زيد بن حارثة، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول اللّه فزوجها عبده، فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد. والاول عند المفسرين أصح. قوله تعالى: {إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً} أي: حكما بذلك {أَن تَكُونَ} وقرأ أهل الكوفة {أَن يَكُونَ} بالياء {لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ} وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء: الخيرة باسكان الياء، فجمع في الكناية في قوله «لهم» لان المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخيرة: الاختيار، فأعلم اللّه عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه اللّه ورسوله، فلما زوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيدا مكثت عنده حينا، ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إليها، وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: سبحان مقلب القلوب، وفطن زيد فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها، وقال بعضهم: أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منزل زيد، فرأى زينب، فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى باب زيد، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه، كرهت إلى الآخر، فجاء فقال يا رسول اللّه أريد فراقها، فقال له: اتق اللّه. وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها، فان فيها كبرا فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها. فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللّه} ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللّه عَلَيْهِ} بالاسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعتق. قوله تعالى: {وَٱتَّقِ ٱللّه} أي: في أمرها فلا تطلقها {وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ} أي: تسر وتضمر في قلبك {مَا ٱللّه مُبْدِيهِ} أي: مظهره؛ وفيه أربعة اقوال. احدها: حبها، قاله ابن عباس. والثاني: عهد عهده اللّه إليه أن زينب ستكون له زوجة، فلما أتى زيد يشكوها، قال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللّه} وأخفى في نفسه ما اللّه مبديه، قاله علي بن الحسين. والثالث: إيثاره لطلاقها، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل. والرابع: أن الذي أخفاه إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد. قوله تعالى: {وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ} فيه قولان. احدهما: أنه خشي اليهود أن يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: أنه خشي لوم الناس، أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته، ثم نكحها. قوله تعالى: {وَٱللّه أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ} أي: أولى أن تخشى في كل الأحوال، وليس المراد أنه لم يخش في هذه الحال، ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق، قيل له: اللّه احق أن تخشى منهم. قالت عائشة: ما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولو كتم شيئا من الوحي، لكتمها. فصل وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول اللّه من حبها وإيثاره طلاقها، وإن كان ذلك شائعا في التفسير، قالوا: وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين: احدهما: أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له، فقال لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} فكتم ما أخبره اللّه به من أمرها حياء من زيد ان يقول له إن زوجتك ستكون امرأتي. وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين وقد نصره الثعلبي والواحدي. والثاني: أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب، ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها، وأضمر أنه إن طلقها تزوجتها صلة لرحمها وإشفاقا عليها، لانها كانت بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، فعاتبه اللّه على إضمار ذلك وإخفائه حين قال لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وأراد منه ان يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء، كما قيل له في قصة رجل أراد قتله: هلا أومأت إلينا بقتله؟ فقال: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين». ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمه اللّه عليه. قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً} قال الزجاج: الوطر: كل حاجة لك فيها همة فاذا بلغها البالغ قيل: قد قضى وطره. وقال غيره: قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء، ثم صار عبارة عن الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة، والمعنى: لما قضى زيد حاجته من نكاحها {زَوَّجْنَـٰكَهَا}وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبني تحل وإن وطئها، وهو قوله: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} والمعنى: زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته، لكيلا يظن أن امرأة المتبني لا يحل نكاحها. وروى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن. وذكر أهل العلم: أن من خصائص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر، ليخلص قصد زوجاته للّه دون العوض، وليخفف عنه، وأجيز له التزويج بغير ولي لأنه مقطعوع بكفاءته، وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود، وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزجني اللّه عز وجل. ٣٨ انظر تفسير الآية:٤٠ ٣٩ انظر تفسير الآية:٤٠ ٤٠ قوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللّه لَهُ} قال قتادة: فيما أحل اللّه له من النساء. قوله تعالى: {سُنَّةَ ٱللّه} هي منصوبة على المصدر لأن معنى: {مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىّ مِنْ حَرَجٍ} سن اللّه سنة واسعة لا حرج فيها. والذين خلوا: هم النبيون فالمعنى: أن سنة اللّه في التوسعة على محمد فيما فرض له كسنته في الأنبياء الماضين. قال ابن السائب: هكذا سنة اللّه في الأنبياء كداوُد فإنه كان له مائة امرأة، وسليمان كان له سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية، {وَكَانَ أَمْرُ ٱللّه قَدَراً مَّقْدُوراً} أي: قضاء مقضيا. وقال ابن قتيبة: {سُنَّةَ ٱللّه فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ} معناه: لا حرج على احد فيما لم يحرم عليه.ثم اثنى اللّه على الأنبياء بقوله: {ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللّه وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللّه} أي: لا يخافون لائمة الناس وقولهم فيما أحل لهم. وباقي الآية قد تقدم بيانه [النساء:٦]. قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} قال المفسرون: لما تزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب، قال الناس إن محمدا قد تزوج امرأة ابنه، فنزلت هذه الآية، والمعنى: ليس بأب لزيد، فتحرم عليه زوجته، {وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه}. قال الزجاج: من نصبه فالمعنى: ولكن كان رسول اللّه وكان خاتم النبيين، ومن رفعه فالمعنى ولكنْ هو رسول اللّه، ومن قرأ {خاتِم} بكسر التاء فمعناه: وختم النبيين، ومن فتحها فالمعنى آخر النبيين. قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين، لجعلت له ولدا يكون بعده نبيا. ٤١ انظر تفسير الآية:٤٣ ٤٢ انظر تفسير الآية:٤٣ ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤ قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ٱذْكُرُواْ ٱللّه ذِكْراً كَثِيراً} قال مجاهد: هو أن لا ينساه أبدا، وقال ابن السائب: يقال: {ذِكْراً كَثِيراً} بالصلوات الخمس. وقال مقاتل بن حيان: هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال. وقد روى ابو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «يقول ربكم: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه». قوله تعالى: {وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} قال ابو عبيدة: الأصيل: ما بين العصر إلى الليل. وللمفسرين في هذا التسبيح قولان. احدهما: أنه الصلاة، واتفق أرباب هذا القول على أن المراد بالتسبيح بكرة صلاة الفجر. واختلفوا في صلاة الأصيل على ثلاثة أقوال. احدها: أنها صلاة العصر، قاله أبو العالية وقتادة. والثاني: أنها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب. والثالث: أنها الظهر والعصر، قاله مقاتل. والقول الثاني: أنه التسبيح باللسان، وهو قول: «سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللّه، قاله مجاهد. قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـئِكَتُهُ} في صلاة اللّه علينا خمسة أقوال. احدها: أنها رحمته، قاله الحسن. والثاني: مغفرته، قاله سعيد بن جبير. والثالث: ثناؤه، قاله ابو العالية. والرابع: كرامته، قاله سفيان. والخامس: بركته، قاله ابو عبيدة. وفي صلاة الملائكة قولان. احدهما: أنها دعاؤهم، قاله أبو العالية. والثاني: استغفارهم، قاله مقاتل. وفي الظلمات والنور ها هنا ثلاثة أقوال. احدها: الضلالة والهدى، قاله ابن زيد. والثاني: الإيمان والكفر، قاله مقاتل. والثالث: الجنة والنار، حكاه الماوردي. قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ} الهاء والميم كناية عن المؤمنين. فأما الهاء في قوله {يَلْقَوْنَهُ} ففيها قولان. احدهما: أنها ترجع إلى اللّه عز وجل، ثم فيه ثلاثة أقوال. احدها: أن معناه: تحيتهم من اللّه يوم يلقونه سلام، وروى صهيب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: أن اللّه يسلم على أهل الجنة. والثاني: تحيتهم من الملائكة يوم يلقون اللّه سلام، قاله مقاتل. وقال أبو حمزة الثمالي: تسلم عليهم الملائكة يوم القيامة، وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم. والثالث: تحيتهم بينهم يوم يلقون ربهم سلام، وهو ان يحيي بعضهم بعضا بالسلام، ذكره أبو سليمان الدمشقي. والقول الثاني: أن الهاء ترجع إلى ملك الموت، وقد سبق ذكره في ذكر الملائكة، قال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن، قال له: ربك يقرئك السلام. وقال البراء بن عازب: في قوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} قال: ملك الموت، ليس مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه. فأما الأجر الكريم، فهو الحسن في الجنة. ٤٥ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٦ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٧ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٨ قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً} أي: على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشّراً} بالجنة لمن صدقك {وَنَذِيرًا} أي: منذرا بالنار لمن كذبك {وَدَاعِياً إِلَى ٱللّه} أي: إلى توحيده وطاعته {بِإِذْنِهِ} أي: بأمره، لا أنك فعلته من تلقاء نفسك {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} أي: أنت لمن اتبعك {سِرَاجاً} أي: كالسراج المضيء في الظلمة يُهتدى به. قوله تعالى: {وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ ٱللّه فَضْلاً كِبِيراً} وهو الجنة. قال جابر بن عبد اللّه: لما أنزل قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} الآيات [الفتح] قال الصحابة: هنيئا لك يا رسول اللّه، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ} قد سبق في أول السورة. قوله تعالى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} قال العلماء: معناه لا تجازهم عليه، وتوكل على اللّه في كفاية شرهم، وهذا منسوخ بآية السيف. ٤٩ قوله تعالى: {إِذْ نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} قال الزجاج: معنى {نَكَحْتُمُ}: تزوجتم. ومعنى {تَمَسُّوهُنَّ} تقربوهن. وقرأ حمزة، والكسائي تماسوه بألف. قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة، فلا عدة، وعندنا أن الخلوة توجب العدة وتقرر الصداق خلافا للشافعي. قوله تعالى: {فَمَتّعُوهُنَّ} المراد به من لم يسم لها مهرا، لقوله في [البقرة٢٣٦] {أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} وقد بينا المتعة هنالك. وكان سعيد بن المسيب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة٢٣٧]. قوله تعالى: {وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} أي: من غير إضرار. وقال قتادة: هو طلاقها طاهرا من غير جماع. وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لانه قد ذكر الطلاق، وإنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحباله. فصل واختلف العلماء فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها، فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس وعائشة والشافعي، واستدل أصحابنا بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بعد النكاح. وقال سماك بن الفضل: النكاح عقدة، والطلاق يحلها، فكيف يحل عقدة لم تعقد، فجعل بهذه الكلمة قاضيا على صنعاء. وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فاذا وجد النكاح وقع. وقال مالك: ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن. فأما إذا قال: إن ملكت فلانا فهو حر ففيه عن أحمد روايتان. ٥٠ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥١ انظر تفسير الآية:٥٢ ٥٢ قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوٰجَكَ} ذكر اللّه تعالى أنواع الأنكحة التي أحلها له فقال: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا} أي: مهورهن وهن اللواتي تزوجتهن بصداق، {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني الجواري مما أفاء اللّه عليك، أي: رد عليك من الكفار كصفية وجويرية، فانه أعتقهما وتزوجهما {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ} يعني نساء قريش {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـٰلٰـتِكَ} يعني نساء بني زهرة {ٱللاَّتِى هَـٰجَرْنَ مَعَكَ} قالت: فلم أكن لاحل له، لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء، وهذا يدل من مذهبها أن تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر. وذكر بعض المفسرين:أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين. احدهما: أن الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق. والثاني: أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات. قوله تعالى: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً} أي: وأحللنا لك امرأة مؤمنة {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} لك {إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي: إن آثر نكاحها {خَالِصَةً لَّكَ} أي: خاصة. قال الزجاج: وإنما قال: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} ولم يقل لك، لأنه لو قال: {لَكَ} جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما جاز في بنات العم وبنات العمات. و{خَالِصَةٌ} منصوب على الحال. وللمفسرين في معنى خالصة ثلاثة أقوال. احدها: ان المراة إذا هبت له نفسها لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب. والثاني: أن له أن ينكحها بلا ولي ولا مهر دون غيره، قاله قتادة. والثالث: خالصة لك ان تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي وأحمد. وفي المرأة التي وهبت له نفسها أقوال. احدها: أم شريك. والثاني: خولة بنت حكيم، ولم يدخل بواحدة منهما. وذكروا أن ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس ان التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث. وعن الشعبي أنها زينب بنت خزيمة والأول اصح. قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} على المؤمنين غيرك في أزواجهم، وفيه قولان. احدهما: أن لا يجاوز الرجل اربع نسوة، قاله مجاهد. والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إلا بولي وشاهدين وصداق، قاله قتادة. قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ} أي: وما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور. قوله تعالى: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} هذا فيه تقديم، المعنى أحللنا لك أزواجك إلى قوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ}. قوله تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} قرأ ابن كثير، وأبوعمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {ترجىء} مهموزا. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز. وسبب نزولها أنه لما نزلت آية التخيير المتقدمة،أشفقن أن يطلقن، فقلن: يا نبي اللّه اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله ابو رزين. وفي معنى الآية اربعة أقوال. احدها: تطلق من تشاء من نسائك، وتمسك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس. والثاني: تترك نكاح من تشاء، وتنكح من نساء أمتك من تشاء، قاله الحسن. والثالث: تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تعز لها، قاله مجاهد. والرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن، وتترك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة. وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مصاحبة نسائه، كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن، غير أنه كان يسوي بينهن. وقال الزهري: ما علمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرجأ منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات. وقال ابو رزين: آوى عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب، وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء، وأرجأ سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء، وكان أراد فراقهن، فقلن: اقسم لنا ما شئت، ودعنا على حالنا. وقال قوم: إنما أرجأ سودة وحدها، لأنها وهبت يومها لعائشة فتوفي وهو يقسم لثمان. قوله تعالى: {مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى} أي تضم {وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} أي: إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي: لا ميل عليك بلوم ولا عتب {ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} أي: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن، والمعنى: إنهن إذا علمن أن هذا أمر من اللّه كان أطيب لأنفسهن. وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: {أَن تَقَرَّ} بضم التاء وكسر القاف {أَعْيُنُهُنَّ} بنصب النون {وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي: بما أعطيتهن من تقريب وتأخير {وَٱللّه يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ} من الميل إلى بعضهن والمعنى: إنما خيرناك تسهيلا عليك. قوله تعالى: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنّسَاء} كلهم قرأ لا {يَحِلَّ} بالياء غير أبي عمرو، فانه قرأ بالتاء والتأنيث ليس بحقيقي، إنما هو تأنيث الجمع فالقراءتان حسنتان. وفي قوله من بعد ثلاثة أقوال. احدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتهن، فاخترن اللّه ورسوله قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين. وهن التسع، فصار مقصورا عليهن ممنوعا من غيرهن، وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير. والثاني: من بعد الذي أحللنا لك فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوٰجَكَ} إلى قوله {خَالِصَةً لَّكَ} قاله أبي بن كعب، والضحاك. والثالث: لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، وتحل لك المسلمات، قاله مجاهد. قوله تعالى: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: أن تطلق زوجاتك وتستبدل بهن سواهن، قاله الضحاك. والثاني: أن تبدل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين. والثالث: أن تعطي الرجل زوجتك وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة وابن زيد. قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني الإماء. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال. احدها: إلا أن تملك بالسبي فيحل لك وطؤها، وإن كانت من غير الصنف الذي أحللته لك، وإلى هذا أومأ أبي بن كعب في آخرين. والثاني: إلا أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس، ومجاهد. والثالث: إلا أن تبدل أمتك بامة غيرك، قاله ابن زيد.قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إلا أنا لا نعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يدن منها حتى اسلمت. فصل ختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين. دهما:أنها منسوخة بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوٰجَكَ} وهذا مروي عن علي، وابن عباس، وعائشة، وام سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك. وقالت عائشة: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أحل له النساء. قال ابو سليمان الدمشقي: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات. والقول الثاني: أنها محكمة ثم فيها قولان. احدهما: أن اللّه تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن، فلم يحل له غيرهن، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. والثاني: أن المراد بالنساء ها هنا الكافرات، ولم يجز له ان يتزوج كافرة، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد. ٥٣ قوله تعالى: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ} الآية في سبب نزولها ستة أقوال. القول الأول: أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدخل، فاذا القوم جلوس، فرجع وإنهم قاموا فانطلقوا، وجئت فأخبرت النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل اللّه تعالى هذه الآية. والثاني: أن ناسا من المؤمنين، كانوا يتحينون طعام النبي صلى اللّه عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. والثالث: أن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول اللّه إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب أخرجه البخاري من حديث أنس، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر. والرابع: ان عمر أمر نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا. فنزلت الآية، قاله ابن مسعود. والخامس: أن عمر كان يقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: احجب نساءك فلا يفعل، فخرجت سودة ليلة فقال عمر: قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب، فنزل الحجاب،رواه عكرمة عن عائشة. والسادس: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، وكانت معهم، فكره النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب، قاله مجاهد. قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ} أي: ان تدعوا إليه {غَيْرَ نَـٰظِرِينَ} أي: منتظرين {إِنَـٰهُ}. قال الزجاج: موضع «أن» نصب والمعنى: إلا بأن يؤذن لكم أو لأن يؤذن «وغير» منصوبة على الحال والمعنى: إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين و{إِنَـٰهُ} نضجه وبلوغه. قوله تعالى: {فَٱنتَشِرُواْ} أي: فاخرجوا. قوله تعالى: {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} المعنى: ولا تدخلوا مستأنسين أي طالبي الانس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل، فيتحدثون طويلا، وكان ذلك يؤذيه ويستحيي أن يقول لهم: قوموا فعلمهم اللّه الأدب، فذلك قوله: {وَٱللّه لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقّ} أي: لا يترك ان يبين لكم ما هو الحق {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعاً} أي: شيئا يستمتع به وينتفع به من آلة المنزل، {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ} {ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ} أي: سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب أطهر {لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الريبة. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللّه} أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء. قال ابو عبيدة: و{كَانَ} من حروف الزوائد والمعنى: ما لكم أن تؤذوا رسول اللّه، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا. روى عطاء عن ابن عباس قال: كان رجل من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لو توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل اللّه ما أنزل. وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد اللّه. لو توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل اللّه ما أنزل. وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد اللّه. قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ} يعني نكاح أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كَانَ عِندَ ٱللّه عَظِيماً} أي: ذنبا عظيم العقوبة. ٥٤ انظر تفسير الآية:٥٥ ٥٥ قوله تعالى: {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ} قيل: إنها نزلت فيما أبداه القائل: لئن مات رسول اللّه لأتزوجن عائشة. قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءابَائِهِنَّ} قال المفسرون: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل اللّه تعالى {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءابَائِهِنَّ} أي: في أن يروهن ولا يحتجبن عنهم إلى قوله: {أَخَوٰتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ}. قال ابن عباس: يعني نساء المؤمنين، لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن رأينهن. فإن قيل: ما بال العم والخال لم يذكرا؟ فعنه جوابان: احدهما: لأن المرأة تحل لأبنائهما فكره أن تضع خمارها عند عمها وخالها، لأنهما ينعتانها لأبنائهما هذا قول الشعبي، وعكرمة. والثاني: لأنهما يجريان مجرى الوالدين فلم يذكرا، قاله الزجاج. فأما قوله: {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ففيه قولان. احدهما: أنه أراد الإماء دون العبيد، قاله سعيد بن المسيب. والثاني: أنه عام في العبيد والإماء. قال ابن زيد: كن أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يحتجبن من المماليك، وقد سبق بيان هذا في سورة [النور٣١]. قوله تعالى: {وَٱتَّقِينَ ٱللّه} أي أن يراكن غير هؤلاء، {إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيداً} أي: لم يغب عنه شيء. ٥٦ انظر تفسير الآية:٥٨ ٥٧ انظر تفسير الآية:٥٨ ٥٨ قوله تعالى: {إِنَّ ٱللّه وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ} في صلاة اللّه وصلاة الملائكة أقوال قد تقدمت في هذه السورة [الأحزاب٤٣]. قوله تعالى: {صَلُّواْ عَلَيْهِ} قال كعب بن عجرة قلنا: يا رسول اللّه قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قولوا اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد». أخرجه البخاري ومسلم. ومعنى قوله: {قَدْ عَلِمْنَا نَقُصُّ عَلَيْكَ} ما يقال في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته. وذهب ابن السائب إلى أن معنى التسليم: سلموا لما يأمركم به. قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللّه وَرَسُولَهُ} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. احدها: في الذين طعنوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي، قاله ابن عباس. والثاني: نزلت في المصورين، قاله عكرمة. والثالث: في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا اللّه بالولد، وكذبوا رسوله، وشجوا وجهه وكسروا رباعيته، وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذاب. ومعنى أذى اللّه: وصفه بما هو منزه عنه، وعصيانه؛ ولعنهم في الدنيا: بالقتل والجلاء، وفي الآخرة: بالنار. قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} في سبب نزولها أربعة أقوال. احدها: أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرجة فضربها، وكف ما رأى من زينتها، فذهبت إلى أهلها تشكو، فخرجوا إليه فآذوه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة، يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها،وإنما كانوا يؤذون الإماء، غير أنه لم تكن الأمة تعرف من الحرة، فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي. والثالث: أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك، قاله الضحاك. والرابع: ان ناسا من المنافقين آذوا علي بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. قال المفسرون: ومعنى الآية: يرمونهم بما ليس فيهم. ٥٩ انظر تفسير الآية:٦٢ ٦٠ انظر تفسير الآية:٦٢ ٦١ انظر تفسير الآية:٦٢ ٦٢ قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاْزْوٰجِكَ} الآية، سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فاذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها، وقالوا: هذه حرة، وإذا رأوها بغير قناع قالوا: أمة فآذوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي. قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ} قال ابن قتيبة: يلبسن الأردية، وقال غيره: يغطين رؤوسهن ووجوهن، ليعلم أنهن حرائر {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ} أي أحرى وأقرب {أَن يُعْرَفْنَ} أنهن حرائر فلا يؤذين. قوله تعالى: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ} أي عن نفاقهم {وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي: فجور وهم الزناة {وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ} بالكذب والباطل يقولون: أتاكم العدو، وقتلت سراياكم وهزمت {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي: لنسلطنك عليهم بأن نأمرك بقتالهم. قال المفسرون: وقد أغري بهم، فقيل له: {جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ} [التوبة٧٣، التحريم٩] وقال يوم الجمعة: اخرج يا فلان من المسجد فانك منافق، قم يا فلان فانك منافق {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} أي: في المدينة {إِلاَّ قَلِيلاً} حتى يهلكوا {مَّلْعُونِينَ} منصوب على الحال؛ أي: لا يجاورونك إلا وهم ملعونون {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} أي: وجدوا وأدركوا {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً} معنى الكلام: الأمر أي: هذا الحكم فيهم {سُنَّةَ ٱللّه} أي: سن في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم ان يفعل بهم هذا. ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٨ ٦٤ انظر تفسير الآية:٦٨ ٦٥ انظر تفسير الآية:٦٨ ٦٦ انظر تفسير الآية:٦٨ ٦٧ انظر تفسير الآية:٦٨ ٦٨ قوله تعالى: {يَسْـئَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ} قال عروة: الذي سأله عنها عتبة بن ربيعة. قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ} أي: أي شيء يعلمك امر الساعة، ومتى تكون، والمعنى: أنت لا تعرف ذلك ثم قال: {لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}. فإن قيل: هلا قال: قريبة؟ فعنه ثلاثة أجوبة. احدها: أنه أراد الظرف، ولو أراد صفة الساعة بعينها، لقال: قريبة، هذا قول أبي عبيدة. والثاني: أن المعنى راجع إلى البعث، أو إلى مجيء الساعة. والثالث: أن تأنيث الساعة غير حقيقي، ذكرهما الزجاج وما بعد هذا قد سبق بيان ألفاظه [البقرة١٥٩، النساء١٠، الاسراء٩٧].فأما قوله تعالى: {وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ} فقال الزجاج: الاختيار الوقف بألف، لأن أواخر الآي وفواصلها تجري مجرى أواخر الأبيات، وإنما خوطبوا بما يعقلونه من الكلام المؤلف ليدل بالوقف بزيادة الحرف أن الكلام قد تم. وقد أشرنا إلى هذا في قوله الظنونا [الأحزاب١]. قوله تعالى: {أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} أي: أشرافنا وعظماءنا، قال مقاتل: هم المطعمون في غزوة بدر. وكلهم قرؤوا {سَادَتَنَا} على التوحيد غير ابن عامر، فانه قرأ {سَادَتَنَا} على الجمع مع كسر التاء، ووافقه المفضل ويعقوب إلا أبا حاتم {فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ} أي: عن سبيل الهدى {رَبَّنَا ءاتِهِمْ} يعنون السادة {ضِعْفَيْنِ} أي: ضعفي عذابنا {وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} قرأ ابن كثير، ونافع، وابوعمرو، وحمزة، والكسائي: {كَثِيراً} بالثاء. وقرأ عاصم، وابن عامر: كبيرا {بالباء} وقال ابو علي: الكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر. ٦٩ انظر تفسير الآية:٧١ ٧٠ انظر تفسير الآية:٧١ ٧١ قوله تعالى: {لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءاذَوْاْ مُوسَىٰ} أي: لا توذوا محمدا، كما آذى بنو إسرائيل موسى، فينزل بكم ما نزل بهم. و في ما آذوا به موسى أربعة أقوال. احدها: أنهم قالوا: هو آدر، فذهب يوما يغتسل، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج في طلبه، فرأوه فقالوا: واللّه ما به من بأس. والحديث مشهور في الصحاح كلها من حديث ابي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد ذكرته باسناده في المغني والحدائق. قال ابن قتيبة: والآدر عظيم الخصيتين. والثاني: أن موسى صعد الجبل ومعه هارون فمات هارون، فقال بنو إسرائيل: أنت قتلته فآذوه بذلك، فأمر اللّه تعالى الملائكة فحملته حتى مرت به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات، فبرأه اللّه من ذلك قاله علي عليه السلام. والثالث: أن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على ملأ من بني إسرائيل، فعصمها اللّه وبرأ موسى من ذلك، قاله ابو العالية. والرابع: أنهم رموه بالسحر والجنون، حكاه الماوردي. قوله تعالى: {وَكَانَ عِندَ ٱللّه وَجِيهاً} قال ابن عباس: كان عند اللّه حظيا، لا يسأله شيئا إلا أعطاه، وقد بينا معنى الوجيه في [آل عمران٤٥] وقرأ ابن مسعود، والاعمش، وأبو حيوة: {وَكَانَ * عَبْداً للّه} بالتنوين والباء وكسر اللام. قوله تعالى: {وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} فيه أربعة أقوال. احدها: صوابا، قاله ابن عباس. والثاني: صادقا، قاله الحسن. والثالث: عدلا، قاله السدي. والرابع: قصدا، قاله ابن قتيبة. ثم في المراد بهذا القول ثلاثة أقوال. احدها: أنه لا إله إلا اللّه، قاله ابن عباس وعكرمة. والثاني: أنه العدل في جميع الأقوال والأعمال، قاله قتادة. والثالث: في شأن زينب وزيد، ولا تنسبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ما لا يصلح، قاله مقاتل بن حيان. قوله تعالى: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ} فيه قولان. احدهما: يتقبل حسناتكم، قاله ابن عباس. والثاني: يزكي أعمالكم، قاله مقاتل. قوله تعالى: {فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أي: نال الخير وظفر به. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٣ ٢٣ قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ} فيها قولان. احدهما: أنها الفرائض، عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، إن أدتها أثابها، وإن ضيعتها عذبها، فكرهت ذلك وعرضها على آدم فقبلها بما فيها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وكذلك قال سعيد بن جبير: عرضت الأمانة على آدم فقيل له: تأخذها بما فيها إن أطعت غفرت لك، وإن عصيت عذبتك، فقال: قبلت، فما كان إلا كما بين صلاة العصر إلى أن غربت الشمس، حتى أصاب الذنب، وممن ذهب إلى أنها الفرائض قتادة، والضحاك، والجمهور. والثاني: أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها. روى السدي عن أشياخه أن آدم لما أراد الحج قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض فأبت، وقال للجبال فأبت، فقال لقابيل فقال: نعم، تذهب وتجيء وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم، قتل قابيل هابيل، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول اللّه عز وجل {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ} إلى قوله {وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ} وهو ابن آدم فما قام بها. وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين: ان آدم لما حضرته الوفاة، قال: يا رب من أستخلف من بعدي فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها فكل أباها غير ولده. وللمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان. احدهما: أن اللّه تعالى ركب العقل في هذه الأعيان وأفهمهن خطابه، وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن، ولم يرد بقوله: {أبَيْن} المخالفة، ولكن {أَبَيْنَ} للخشية والمخافة، لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما، {يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ} بمعنى: خفن منها ان لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، هذا قول الأكثرين. والثاني: أن المراد بالآية: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن.وفي المراد بالإنسان أربعة أقوال. احدها: آدم في قول الجمهور. والثاني: قابيل في قول السدي. والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن. والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب. قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} فيه ثلاثة أقوال. احدها: ظلوما لنفسه غرا بأمر ربه، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني: ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة امره، قاله مجاهد. والثالث: ظلوما بمعصية ربه، جهولا بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب. وذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنه موافق للتفسير، فقال: إن اللّه تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض ف{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت١١] وأعلمنا ان من الحجارة ما يهبط من خشية اللّه، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون للّه، فعرّفنا اللّه تعالى أن السماوات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدتها، وأداؤها طاعة اللّه وترك معصيته، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم، وكذلك قال الحسن. {وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ} أي: الكافر والمنافق حملاها، أي: خانا ولم يطيعا؛ فأما من أطاع، فلا يقال: كان ظلوما جهولا. قوله تعالى: {لّيُعَذّبَ ٱللّه ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} قال ابن قتيبة: المعنى: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فيعذبهم اللّه، ويظهر إيمان المؤمنين، فيتوب اللّه عليهم، أي: يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات. |
﴿ ٠ ﴾