٤

قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ ٱتَّقِ ٱللّه} سبب نزولها أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن ابي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا على رسول اللّه ص في الموادعة التي كانت بينهم، فنزلوا على عبد اللّه بن ابي ومتعب بن قشير والجد بن قيس، فتكلموا فيما بينهم وأتوا رسول اللّه ص فدعوه إلى أمرهم وعرضوا عليه أشياء كرهها، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال مقاتل: سألوا رسول اللّه ص أن يرفض ذكر اللات والعزى، ويقول إن لها شفاعة، فكره ذلك، ونزلت هذه الآية. وقال ابن جرير: ولا تطع الكافرين الذين يقولون اطرد عنا أتباعك من ضعفاء المسلمين والمنافقين، فلا تقبل منهم رأيا.

فإن قيل: ما الفائدة في أمر اللّه تعالى رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين؟

فعنه ثلاثة أجوبة.

احدها: أن المراد بذلك استدامة ما هو عليه.

والثاني: الإكثار مما هو فيه.

والثالث: أنه خطاب ووجه به والمراد أمته. قال الفسرون: وأراد بالكافرين في هذه الآية أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور، وبالمنافقين عبد اللّه بن أبي وعبد اللّه بن سعد بن ابي سرح وطعمة بن أبيرق. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء: ٨١] إلى قوله:

{مَّا جَعَلَ ٱللّه لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} وفي سبب نزولها قولان.

احدهما: أن المنافقين كانوا يقولون لمحمد قلبان، قلب معنا وقلب مع أصحابه، فأكذبهم اللّه تعالى، ونزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في جميل بن معمر الفهري ـ كذا نسبه جماعة من المفسرين. وقال الفراء: جميل بن أسد ويكنى أبا معمر. وقال مقاتل: أبو معمر بن أنس الفهري، وكان لبيبا حافظا لما سمع،فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه. وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون، وفيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقاه أبو سفيان، وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: ما حال الناس؟ فقال: انهزموا قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وهذا قول جماعة من المفسرين. وقد قال الزهري في هذا قولا عجيبا قال: بلغنا أن ذلك في زيد ابن حارثة، ضرب له مثل يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك. قال الأخفش: «من» زائدة في قوله: {مّن قَلْبَيْنِ}. قال الزجاج: أكذب اللّه عز وجل هذا الرجل الذي قال: لي قلبان، ثم قرر بهذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم مما لا حقيقة له فقال:

{وَمَا جَعَلَ أَزْوٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمْ} فأعلم اللّه تعالى ان الزوجة لا تكون اماً، وكانت الجاهلية تطلقِّ بهذا الكلام، وهو أن يقول لها: انت علي كظهر أمي، وكذلك قوله:

{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} أي ما جعل من تدعونه ابناـ وليس بولد في الحقيقة ـ ابنا

{ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوٰهِكُمْ} أي: نسب من لا حقيقة لنسبة قول بالفم لا حقيقة تحته

{وَٱللّه يَقُولُ ٱلْحَقَّ} أي لا يجعل غير الابن ابناً

{وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ} أي للسبيل المستقيم. وذكر المفسرون: أن قوله:

{وَمَا جَعَلَ أَزْوٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ} نزلت في اوس بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة. ومعنى الكلام: ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن كامهاتكم في التحريم، إنما قولكم معصية، وفيه كفارة وأزواجكم لكم حلال، وسنشرح هذا في سورة المجادلة إن شاء اللّه وذكروا أن قوله:

{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} نزل في زيد بن حارثة، أعتقه رسول اللّه ص، وتبناه قبل الوحي، فلما تزوج رسول اللّه ص زينب بنت جحش، قال اليهود والمنافقون: تزوج محمد امراة ابنه، وهو ينهى الناس عنها، فنزلت هذه الآية.

﴿ ٤