ÓõæÑóÉõ ÓóÈóÃò ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð سورة سبأ وهي مكية باجماعهم. وقال الضحاك، وابن السائب، ومقاتل: فيها آية مدنية، وهي قوله تعالى: {وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} [سبأ٦]. بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٦ ٢ انظر تفسير الآية:٦ ٣ انظر تفسير الآية:٦ ٤ انظر تفسير الآية:٦ ٥ انظر تفسير الآية:٦ ٦ قوله تعالى: {ٱلْحَمْدُ للّه ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلاْرْضِ} ملكا وخلقا {وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلاْخِرَةِ} يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة فيقولون: {ٱلْحَـمْدُ للّه ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر٧٤] {ٱلْحَمْدُ للّه ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا} [الأعراف٤٣] {ٱلْحَمْدُ للّه ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ} [فاطر٣٤]. {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى ٱلاْرْضِ} من بذر أو مطر أو كنز او غير ذلك {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من زرع ونبات وغير ذلك {وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء} من مطر او رزق او ملك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من ملك او عمل أو دعاء. {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني: منكري البعث {لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ} أي: لا نبعث. قوله تعالى {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو: {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ} بكسر الميم. وقرأ نافع، وابن عامر برفعها. وقرأ حمزة، والكسائي: {عِلْمَ ٱلْغَيْبَ} بالكسر ولام قبل الألف. قال ابو علي من كسر فعلى معنى الحمد للّه عالِم الغيب، ومن رفع جاز ان يكون {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ} خبر مبتدأ محذوف تقديره هو {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ}.ويجوز أن يكون ابتداء خبره لا يعزب عنه، و علام أبلغ من عالم. وقرأ الكسائي وحده {لاَ يَعْزُبُ} بكسر الزاي وهما لغتان. قوله تعالى: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ} وقرأ ابن السميفع، والنخعي، والأعمش: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ} بالنصب فيهما. قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} قال الزجاج: المعنى: بلى وربي لنأتينكم المجازاة، وقال ابن جرير: المعنى: أثبثَ مثقال الذرة وأصغرَ منه في كتاب مبين، ليجزي الذين آمنوا وليري الذين أوتوا العلم. قوله تعالى: {مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ} قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ويعقوب، والمفضل: من {رّجْزٍ أَلِيمٌ}، رفعا والباقون بالخفض فيهما. وفي {ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} قولان. احدهما: أنهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وأصحابه، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله قتادة. قوله تعالى: {ٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} يعني القرآن {هُوَ ٱلْحَقُّ} قال الفراء: «هو» عماد، فلذلك انتصب الحقَّ. وما أخللنا به فقد سبق في مواضع [الحج٥١،٥٢] [البقرة١٣٠/٢٦٧]. ٧ انظر تفسير الآية:٩ ٨ انظر تفسير الآية:٩ ٩ قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} وهم منكرو البعث. قال بعضهم لبعض: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ} أي: يقول لكم إنكم {إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي: فرقتم كل تفريق، والممزق هاهنا مصدر بمعنى التمزيق {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: يجدد خلقكم للبعث، ثم أجاب بعضهم فقالوا: {ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللّه كَذِبًا} حين زعم أنا نبعث، وألف أفترى ألف استفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار {أَم بِهِ جِنَّةٌ} أي جنون، فرد اللّه عليهم فقال: {بَلِ} أي ليس الأمر كما تقولون من الافتراء والجنون بل {ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاْخِرَةِ} وهم الذين يجحدون البعث {فِى ٱلْعَذَابِ} إذا بعثوا في الآخرة {وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ} من الحق في الدنيا. ثم وعظهم فقال: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضِ} وذلك أن الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله فالمعنى: أنهم اين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت بهم الارض، وإن شئت اسقطت عليهم قطعة من السماء {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي: فيما يرون من السماء والأرض {لآيَةً} تدل على قدرة اللّه تعالى على بعثهم والخسف بهم {لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} أي راجع إلى طاعة اللّه متأمل لما يرى. ١٠ انظر تفسير الآية:١١ ١١ قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا * دَاوُودُ * مِنَّا فَضْلاً} وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير إلى غير ذلك، مما أنعم اللّه به عليه {فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ} وروى الحلبي عن عبد الوارث: {أَوّبِى} بضم الهمزة وتخفيف الواو. قال الزجاج: المعنى: وقلنا يا جبال أوبي معه أي: رجعي معه والمعنى: سبحي معه ورجعي التسبيح ومن قرأ {أَوّبِى} معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد. وقال ابن قتيبة: {أَوّبِى} أي سبحي، واصل التأويب في السير، وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا، فكأنه أراد ادأبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل. قوله تعالى: {وَٱلطَّيْرُ} وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابو العالية، وابن ابي عبلة: {وَٱلطَّيْرُ} بالرفع. فأما قراءة النصب، فقال أبو عمرو بن العلاء: هو عطف على قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا * دَاوُودُ * مِنَّا فَضْلاً وَٱلطَّيْرُ} أي: وسخرنا له الطير. قال الزجاج: ويجوز ان يكون نصبا على النداء، كأنه قال: دعونا الجبال والطيرَ «فالطير» معطوف على موضع «الجبال» وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب. قال: وأما الرفع فمن جهتين إحداهما: ان يكون نسقا على ما في {أَوّبِى}. فالمعنى: يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير. والثانية: على النداء المعنى: يا جبال وياأيها الطير أوبي معه.قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته، وبكت لبكائه. وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبحي وللطير أجيبي، ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئا أطيب منه. قوله تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ} أي: جعلناه لينا. قال قتادة: سخر اللّه له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده لا يدخله النار ولا يضربه بحديدة، وكان اول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح. قوله تعالى: {أَنِ ٱعْمَلْ} قال الزجاج: معناه وقلنا له: اعمل، ويكون في معنى لأن يعمل سابغات، أي: دروعا سابغات، فذكر الصفة لانها تدل على الموصوف. قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين، يعمل به ما يشاء فيعمل الدرع في بعض يوم، فيبيعه بمال كثير فيأكل ويتصدق، والسابغات الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض. {وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ} أي: اجعله على قدر الحاجة. قال ابن قتيبة: السرد النسج ومنه يقال لصانع الدروع: سراد وزراد تبدل من السين الزاي، كما يقال سراط وزراط. وقال الزجاج: السرد في اللغة تقدمة الشيء إلى الشيء تأني به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا، ومنه قولهم سرد فلان الحديث. وفي معنى الكلام قولان. احدهما: عدِّل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق، ولا تعظمه فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد. والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة. قوله تعالى: {وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً} خطاب لداود وآله. ١٢ انظر تفسير الآية:١٤ ١٣ انظر تفسير الآية:١٤ ١٤ قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ} قرأ الأكثرون بنصب الريح على معنى: وسخرنا لسليمان الريح. وروى أبو بكر، والمفضل عن عاصم: {ٱلرّيَـٰحَ} رفعا أي له تسخير الريح. وقرأ أبو جعفر {ٱلرّيَاحِ} على الجمع. {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} قال قتادة: تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين. قال الحسن: لما شغلت نبي اللّه سليمان الخيل عن الصلاة فعقرها، أبدله اللّه خيرا منها وأسرع وهي الريح، فكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر، وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع. قوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ} قال الزجاج: القطر النحاس، وهو الصفر أذيب مذ ذاك وكان قبل سليمان لا يذوب. قال المفسرون: أجرى اللّه لسليمان عين الصفر، حتى صنع منها ما أراد من غير نار، كما الين لداود الحديد بغير نار، فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهن كجري الماء، وإنما يعمل الناس اليوم مما اعطي سليمان. قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلْجِنّ} المعنى: وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه باذن ربه أي بأمره، سخرهم اللّه له وأمرهم بطاعته، والكلام يدل على أن منهم من لم يسخر له، {وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ}، أي: يعدل {عَنْ أَمْرِنَا} له بطاعة سليمان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} وهل هذا في الدنيا أم في الآخرة؟ فيه قولان. احدهما: في الآخرة، قاله الضحاك. والثاني: في الدنيا، قاله مقاتل. وقيل: إنه كان مع سليمان ملك بيده سوط من نار، فمن زاغ من الجن ضربه الملك بذلك السوط. {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَـٰرِيبَ} وفيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها المساجد، قاله مجاهد، وابن قتيبة. والثاني: القصور، قاله عطية. والثالث: المساجد والقصور، قاله قتادة. وأما التماثيل فهي الصور، قال الحسن: ولم تكن يومئذ محرمة. ثم فيها قولان. احدهما: أنها كانت كالطواويس والعقبان والنسور على كرسيه ودرجات سريره، لكي يهابها من أراد الدنو منه، قاله الضحاك. والثاني: أنها كانت صور النبيين والملائكة، لكي يراهم الناس مصورين، فيعبدوا مثل عبادتهم ويتشبهوا بهم، قاله ابن السائب. وفي ما كانوا يعملونها منه قولان. احدهما: من النحاس قاله مجاهد. والثاني: من الرخام والشبه، قاله قتادة. قوله تعالى: {وَجِفَانٍ} الجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة، والجوابي جمع جابية وهي الحوض الكبير، يجبى فيه الماء أي يجمع، قرأ ابن كثير وأبو عمرو {كالجوابي} بياء إلا أن ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف، وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف، قال الزجاج: وأكثر القراء على الوقف بغير ياء، وكان الأصل الوقف بالياء إلا أن الكسرة تنوب عنها. قال المفسرون: كانوا يصنعون له القصاع كحياض الإبل، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. قوله تعالى: {كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رسِيَـٰتٍ} أي: ثوابت يقال رسا يرسو إذا ثبت. وفي علة ثبوتها في مكانها قولان. احدهما: ان أثافيها منها قاله ابن عباس. والثاني: أنها لا تنزل لعظمها، قاله ابن قتيبة. قال المفسرون: وكانت القدور كالجبال لا تحرك من أماكنها، يأكل من القدر ألف رجل. قوله تعالى: {ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً} المعنى: وقلنا: اعملوا بطاعة اللّه شكرا له على ما آتاكم. قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ} يعني على سليمان. قال المفسرون: كانت الإنس تقول: إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في غد، فوقف سليمان في محرابه يصلي متوكئا على عصاه فمات، فمكث كذلك حولا، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة، ولا تعلم بموته، حتى اكلت الأَرَضُ عصا سليمان، فخر فعلموا بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب. وقيل: إن سليمان سأل اللّه تعالى أن يعمي على الجن موته، فأخفاه اللّه عنهم حولا.وفي سبب سؤاله قولان. احدهما: لأن الجن كانوا يقولون للانس إننا نعلم الغيب فأراد تكذيبهم. والثاني: لانه كان قد بقي من عمارة بيت المقدس بقية. فاما {دَابَّةُ الاْرْضِ} فهي الأرضة وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري دابة الاَرَض بفتح الراء. والمنسأة: العصا. قال الزجاج: وإنما سميت منسأة، لأنه ينسأ بها أي يطرد ويزجر، قال الفراء أهل الحجاز لا يهمزون {المنسأة} وتميم وفصحاء قيس يهمزونها. قوله تعالى: {مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ} أي: سقط {تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ} أي ظهرت وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموا {مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ} أي: ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا. وقيل: تبينت الجن أي: علمت لانها كانت تتوهم باستراقها السمع أنها تعلم الغيب، فعلمت حينئذ خطأها في ظنها. وروى رويس عن يعقوب {تَبَيَّنَتِ} برفع التاء والباء وكسر الياء. ١٥ انظر تفسير الآية:٢١ ١٦ انظر تفسير الآية:٢١ ١٧ انظر تفسير الآية:٢١ ١٨ انظر تفسير الآية:٢١ ١٩ انظر تفسير الآية:٢١ ٢٠ انظر تفسير الآية:٢١ ٢١ قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى * مَسَـٰكِنِهِمْ * ءايَةً} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم في {مَسَـٰكِنِهِمْ} وقرأ حمزة وحفص عن عاصم {مَسْكَنِهِمْ} بفتح الكاف من غير ألف. وقرأ الكسائي وخلف {مَسْكَنِهِمْ} بكسر الكاف وهي لغة. قال المفسرون: المراد بسبأ هاهنا القبيلة التي هم من أولاد سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان، وقد ذكرنا في سورة [النمل: ٢٢] الخلاف في هذا، وأن قوما يقولون: هو اسم بلد وليس باسم رجل. وذكر الزجاج في هذا المكان: أن من قرأ لسبأ بالفتح وترك الصرف، جعله اسما للقبيلة ومن صرف وكسر ونون، جعله اسما للحي واسما لرجل، وكل جائز حسن {وَءايَةٌ} رفع اسم كان، وجنتان رفع على نوعين احدهما: أنه بدل من آية. والثاني: على إضمار كأنه لما قيل: آية قيل: الآية جنتان. الإشارة إلى قصتهم. ذكر العلماء بالتفسير والسير: أن بلقيس لما ملكت قومها جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصرها فنزلته،فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها، فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك. فقالت: إنكم لا تطيعونني، وليست لكم عقول، فقالوا: فإنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم، وكانوا إذا مطروا أتاه السيل من مسيرة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناة، وحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، إلى أن كان من شأنها مع سليمان ما سبق ذكره. [النمل: ٢٩ـ ٤٤] وبقوا بعدها على حالهم. وقيل: إنما بنوا ذلك البنيان لئلا يغشى السيل أموالهم فيهلكها. فكانوا يفتحون من ابواب السد ما يريدون، فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه، وكانت لهم جنتان عن يمين واديهم وعن شماله، فأخصبت أرضهم وكثرت فواكههم، وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل على رأسها، فترجع وقد امتلأ من الثمر ولا تمس بيدها شيئا منه، ولم يكن يرى في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل، فيموت القمل لطيب هوائها. وقيل لهم: {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ} أي: هذه بلدة طيبة أو بلدتكم بلدة طيبة، ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي {وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي: واللّه رب غفور، وكانت ثلاث عشرة قرية فبعث اللّه إليهم ثلاثة عشر نبيا، فكذبوا الرسل ولم يقروا بنعم اللّه، فذلك قوله {فَأَعْرِضُواْ} أي: عن الحق وكذبوا أنبياءهم، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ} وفيه أربعة أقوال. احدها: أن العرم: الشديد رواه علي بن أبي طالب عن ابن عباس. وقال ابن الأعرابي: العرم، السيل الذي لا يطاق. والثاني: أنه اسم الوادي رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة والضحاك ومقاتل. والثالث: أنه المسناة، قاله مجاهد وأبو ميسرة والفراء وابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: العرم جمع عرمة وهي: السكر والمسناة. والرابع: أن العرم: الجرذ الذي نقب عليهم السِكْر، حكاه الزجاج. وفي صفة إرسال هذا السيل عليهم قولان. احدهما: أن اللّه تعالى بعث على سكرهم دابة من الأرض، فنقبت فيه نقبا، فسال ذلك الماء إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال قتادة والضحاك في آخرين: بعث اللّه عليهم جرذا يسمى الخلد، والخلد: الفأر الأعمى فنقبه من أسفله فأغرق اللّه به جناتهم وخرب به أرضهم. والثاني: أنه أرسل عليهم ماء أحمر، أرسله في السد فنسفه وهدمه، وحفر الوادي ولم يكن الماء أحمر من السد، وإنما كان سيلا أرسل عليهم، قاله مجاهد. قوله تعالى: {وَبَدَّلْنَـٰهُمْ} يعني اللتين تطعمان الفواكه {بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ} قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {أُكُلٍ} بالتنوين وقرأ أبو عمرو {أُكُلٍ} بالإضافة. وخفف الكاف ابن كثير ونافع، وثقلها الباقون أما الأكلً فهو الثمر. وفي المراد ب {الخمط} ثلاثة أقوال. احدها: أنه الأراك قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور، فعلى هذا أكله: ثمره، ويسمى ثمر الأراك البرير. والثاني: أنه كل شجرة ذات شوك، قاله ابو عبيدة. والثالث: أنه كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله، قاله المبرد والزجاج. فعلى هذا القول الخمط: اسم للمأكول، فيحسن على هذا قراءة من نون الأكُل، وعلى ما قبله هو اسم شجرة، والأكل ثمرها فيحسن قراءة من أصناف. فأما الأَثْل ففيه ثلاثة اقوال. احدها: أنه الطرفاء، قاله ابن عباس. والثاني: أنه السمر حكاه ابن جرير. والثالث: أنه شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه. قوله تعالى: {وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} فيه تقديم وتقديره وشيء قليل من سدر، وهو شجر النبق. والمعنى: أنه كان الخمط والأثل في جنتيهم أكثر من السدر، قال قتادة: بينا شجرهم من خير الشجر إذ صيره اللّه من شر الشجر. قوله تعالى: {ذٰلِكَ جَزَيْنَـٰهُم} أي ذلك التبديل جزيناهم {بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ}. فإن قيل: قد يجازي المؤمن والكافر فما معنى هذا التخصيص؟ فعنه جوابان. احدهما: أن المؤمن يُجْزى ولا يجازى فيقال في أفصح اللغة: جزى اللّه المؤمن، ولا يقال جازاه، لأن «جازاه» بمعنى كافأه، فالكافر يجازى بسيئته مثلها مكافأة له، والمؤمن يزاد في الثواب ويتفضل عليه هذا قول الفراء. والثاني: أن الكافر ليست له حسنة تكفر ذنوبه، فهو يجازى بجميع الذنوب، والمؤمن قد أحبطت حسناته سيئاته، هذا قول الزجاج. وقال طاووس: الكافر يجازى ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} هذا معطوف على قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} والمعنى: كان من قصصهم أنا جعلنا بينهم {وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} وهي قرى الشام،وقد سبق بيان معنى البركة فيها [الانبياء: ٧١] هذا قول الجمهور. وحكى ابن السائب: ان اللّه تعالى لما أهلك جنتيهم، قالوا للرسل: قد عرفنا نعمة اللّه علينا، فلئن رد إلينا ما كنا عليه، لنعبدنه عبادة شديدة، فرد عليهم النعمة وجعل لهم قرى ظاهرة، فعادوا إلى الفساد وقالوا: {بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} فمزقوا. قوله تعالى: {قُرًى ظَـٰهِرَةً} أي متواصلة ينظر بعضها إلى بعض {وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ} فيه قولان. احدهما: أنهم كانوا يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية، قاله الحسن وقتادة. والثاني: أنه جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {سِيرُواْ فِيهَا} والمعنى: وقلنا لهم سيروا فيها {لَيَالِىَ وَأَيَّاماً} أي ليلا ونهارا {ءامِنِينَ} من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سبع أو تعب، وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان، فبطروا النعمة وملوها، كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى. {فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بَعْدَ} بتشديد العين وكسرها. وقرأ نافع وعاصم وحمزة {بَـٰعِدْ} بألف وكسر العين. وعن ابن عباس كالقراءتين. قال ابن عباس: إنهم قالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن يشتهى جناها. قال أبو سليمان الدمشقي: لما ذكرتهم الرسل نعم اللّه، أنكروا أن يكون ماهم فيه نعمة، وسألوا اللّه أن يباعد بين أسفارهم. وقرأ يعقوب {رَبَّنَا} برفع الباء {بَـٰعِدْ} بفتح العين والدال، جعله فعلا ماضيا على طريق الإخبار للناس، بما أنزله اللّه عز وجل بهم. وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء وابن السميفع وابن أبي عبلة {بَعْدَ} برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف على طريق الشكاية إلى اللّه عز وجل. وقرأ عاصم الجحدري وأبو عمران الجوني ب{وَعْدُ} برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين. قوله تعالى: {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} فيه قولان. احدهما: بالكفر وتكذيب الرسل. والثاني: بقولهم {بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}. {فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ} لمن بعدهم يتحدثون بما فعل بهم {وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، لأن اللّه لما غرَّق مكانهم وأذهب جنتيهم، تبددوا في البلاد فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبأ {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما فعل بهم {لاَيَاتٍ} أي لعبرا {لّكُلّ صَبَّارٍ} عن معاصي اللّه {شَكُورٍ} لنعمه. قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} عليهم بمعنى «فيهم» وصدقه في ظنه أنه ظن بهم أنهم يتبعونه إذ أغواهم، فوجدهم كذلك وإنما قال: {وَلاَضِلَّنَّهُمْ وَلامَنّيَنَّهُمْ} [النساء: ١١٩] بالظن، لا بالعلم، فمن قرأ {صَدَقَ} بتشديد الدال فالمعنى: حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم، ومن قرأ بالتخفيف فالمعنى: صدق عليهم في ظنه بهم. وفي المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم أهل سبأ. والثاني: سائر المطيعين لإبليس. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَـٰنٍ} قد شرحناه في قوله ليس لك عليهم سلطان [الحجر: ٤٢] قال الحسن: واللّه ما ضربهم بعصا ولا قهرهم على شيء إلا أنه دعاهم إلى الأماني والغرور. قوله تعالى: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} أي: ما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين. وقرأ الزهري إلا {لِيَعْلَمَ} بياء مرفوعة على ما لم يسم فاعله. وقرأ ابن يعمر {لِيَعْلَمَ} بفتح الياء. وفي المراد بعلمه هاهنا ثلاثة أقوال. قد شرحناه في أول [العنكبوت: ٣]. {وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شَىْء} من الشك والإيمان {حَفِيظٌ} وقال ابن قتيبة: والحفيظ بمعنى الحافظ. قال الخطابي: وهو فعيل بمعنى فاعل كالقدير والعليم، فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها، لتبقى مدة بقائها ويحفظ عباده من المهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم ويعلم نياتهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذنوب ويحرسهم من مكايد الشيطان. ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٣ ٢٣ قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم} المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، لينعموا عليكم بنعمة أو يكشفوا عنكم بلية، ثم أخبر عنهم فقال: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَلاَ فِى ٱلاْرْضِ} أي: من خير وشر ونفع وضر {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} لم يشاركونا في شيء من خلقهما و{مَالَهُ} أي وما للّه {مِنْهُمْ} أي: من الآلهة {مّن ظَهِيرٍ} أي من معين على شيء. {وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {أَذِنَ لَهُ} بفتح الألف. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف {أَذِنَ لَهُ} برفع الألف وعن عاصم كالقراءتين. أي: لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذن له فيمن يشفع. وفي هذا رد عليهم حين قالوا: إن هذه الآلهة تشفع لنا. {حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} قرأ الأكثرون {فُزّعَ} بضم الفاء وكسر الزاي.قال ابن قتيبة: خفف عنها الفزع. وقال الزجاج: معناه كشف الفزع عن قلوبهم. وقرأ ابن عامر ويعقوب وأبان {فُزّعَ} بفتح الفاء والزاي والفعل للّه عز وجل. وقرأ الحسن وقتادة وابن يعمر {فرغ} بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة وهو بمعنى الأول لأنها فرغت من الفزع، وقال غيره: بل فرغت من الشك والشرك.وفي المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم الملائكة، وقد دل الكلام على انهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر اللّه، ولم يذكره في الآية، لأن إخراج الفزع يدل على حصوله. وفي سبب فزعهم قولان. احدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام اللّه تعالى. روى عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «إذا تكلم اللّه بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فاذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ قال: فيقول: الحق فينادون الحق». الحق وروى ابو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إذا قضى اللّه عز وجل الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فاذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق {ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ}». والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة، وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا قولان. احدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم، ثم بعث اللّه محمدا، أنزل اللّه جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع، ويخبرهم أنه الوحي. قاله قتادة ومقاتل وابن السائب. وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم فزعوا لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة. والثاني: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض، ويكتبون أعمالهم، إذا أرسلهم اللّه تعالى، فانحدروا يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا ويصعقون، حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة. وهذا كلما مروا عليهم رواه الضحاك عن ابن مسعود. والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون. ثم في معنى الكلام قولان. احدهما: أن المعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت ـ إقامة للحجة عليهم ـ قالت لهم الملائكة: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ * فِى ٱلدُّنْيَا} قالوا: الحق، فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار. قاله الحسن وابن زيد. والثاني: حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ قاله مجاهد. ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٦ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٧ قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ} يعني المطر {وٱلاْرْضِ} يعني النبات والثمر وإنما أمر أن يسأل الكفار عن هذا احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقا سواه. ولهذا قيل له {قُلِ ٱللّه} لأنهم لا يجيبون بغير هذا، وهاهنا تم الكلام ثم أمره أن يقول لهم {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ} مذهب المفسرين أن {أَوْ} هاهنا بمعنى الواو. وقال أبو عبيدة: معنى الكلام وإنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين. وقال الفراء معنى: {أَوْ} عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربية على غير ذلك، لا تكون {أَوْ} بمنزلة {الواو}ولكنها تكون في الأمر المفوض، كما تقول: إن شئت فخذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة. وإنما معنى الآية: وإنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون وهو يعلم أن رسوله المهتدي وأن غيره الضال، كما تقول للرجل تكذبه: واللّه إن أحدنا لكاذب، وأنت تعنيه فكذبته تكذيبا غير مكشوف. ويقول الرجل: واللّه لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه: قل: إن شاء اللّه فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب. ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله اللّه ثم يستقبحونها، فيقول: قاتعه اللّه، ويقول بعضهم: كاتعه اللّه، ويقولون: جوعا دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جودا، وبعضهم يقول: جوسا، ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإنما هي في معنى ويلك إلا أنها دونها. قوله تعالى: {مُّبِينٍ قُل لاَّ تُسْـئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} أي لا تؤاخذون به {وَلاَ نُسْـئَلُ عَمَّا تَعْلَمُونَ} من الكفر والتكذيب. والمعنى: إظهار التبري منهم. وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك. قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يعني عند البعث في الآخرة {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا} أي يقضي بالحق أي: بالعدل {وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ} القاضي {ٱلْعَلِيمُ} بما يقضي {قُلْ} للكفار {أَرُونِىَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} أي: أعلموني من أي وجه ألحقتموهم وهم لا يخلقون ولا يرزقون {كَلاَّ} ردع وتنبيه والمعنى: ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه. ٢٨ انظر تفسير الآية:٣٠ ٢٩ انظر تفسير الآية:٣٠ ٣٠ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} أي عامة لجميع الخلائق. وفي الكلام تقديم تقديره وما أرسلناك إلا للناس كافة. وقيل: معنى {كَافَّةً لّلنَّاسِ} تكفهم عما هم عليه من الكفر والهاء فيه للمبالغة. {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ} يعنون العذاب الذي يعدهم به في يوم القيامة، وإنما قالوا هذا لأنهم ينكرون البعث، {قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ} وفيه قولان. احدهما: أنه يوم الموت عند النزع والسياق، قاله الضحاك. والثاني: يوم القيامة، قاله ابو سليمان الدمشقي. ٣١ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٢ انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٣ قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني مشركي مكة {لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ وَلاَ بِٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إن صفة محمد في كتابنا، فكفر أهل مكة بكتابهم. ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ} يعني مشركي مكة {مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ} في الآخرة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ} أي يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم {يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ} وهم الأتباع {لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ} وهم الأشراف والقادة {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} أي مصدقين بتوحيد اللّه والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإيمان فأجابهم المتبوعون فقالوا: {أَنَحْنُ صَدَدنَـٰكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ} أي منعناكم عن الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ} به الرسول {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} بترك الإيمان ـ وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة ـ فرد عليهم الأتباع فقالوا: {بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ} أي بل مكركم بنا في الليل والنهار. قال الفراء: وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم ونهاره صائم، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين والمعنى لهم. وقال الأخفش: وهذا كقوله: {مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ} [محمد: ١٣] قال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السري ونمت وما ليل المطي بنائم قرأ سعيد بن جبير وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري {بَلْ مَكْرُ} بفتح الكاف والراء {وَسَخَّر لَكُمُ} برفعهما. وقرأ ابن يعمر {بَلْ مَكْرُ} باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها {وَسَخَّر لَكُمُ} بنصبهما. قوله تعالى: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِٱللّه} وذلك أنهم كانوا يقولون لهم إن ديننا حق ومحمد كذاب {وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ} وقد سبق بيانه في [يونس: ٥٤]. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ٱلاْغْلَـٰلَ فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم، وقالت لهم خزنة جهنم: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا. قال ابو عبيدة: مجاز «هل» هاهنا مجاز الإيجاب وليس باستفهام، والمعنى: ما تجزون إلا ما كنتم تعملون. ٣٤ انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٥ انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٦ انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٧ انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٨ انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٩ {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ} أي: نبي ينذر {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} وهم أغنياؤهم ورؤساؤها. قوله تعالى: {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوٰلاً وَأَوْلَـٰداً} في المشار إليهم قولان. احدهما: أنهم المترفون من كل أمة. والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن اللّه خولهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} لأن اللّه أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا فأخبر أنه {يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ}؛ والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أن البسط يدل على رضى اللّه، ولا التضييق يدل على سخطه {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك ثم صرح بهذا المعنى بقوله {وَمَا أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ بِٱلَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ} قال الفراء: يصلح أن تقع {ٱلَّتِى} على الأموال والأولاد جميعا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع، وإن شئت وجهت التي إلى الأموال واكتفيت بها من ذكر الأولاد، وأنشد لمرار الأسدي: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف قد شرحنا هذا في قوله: {وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللّه} [التوبة٣٤] وقال الزجاج:المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، فحذف اختصارا. وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو الجوزاء: {بِٱلَّتِى تُقَرّبُكُمْ} قال الأخفش: و{زُلْفَىٰ} هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقربكم عندنا ازدلافا. وقال ابن قتيبة: {زُلْفَىٰ} أي: قربى ومنزلة عندنا. قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ ءامَنَ} قال الزجاج: المعنى: ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة اللّه، {فَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَزَاء ٱلضّعْفِ} والمراد به ها هنا عشر حسنات، تأويله لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمتكم مقداره، وقال ابن قتيبة: لم يرد فيما يرى أهل النظر ـواللّه اعلم ـ أنهم يجازون بواحد مثله ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مِثْل يضم إلى مِثْل ما بلغ، وكأن الضعف الزيادة فالمعنى: لهم جزاء الزيادة. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: {لَهُمْ جَزَاء} بالنصب والتنوين، وكسر التنوين وصلا {ٱلضّعْفِ} بالرفع. وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: {لَهُمْ جَزَاء} بالرفع والتنوين الضعفُ بالرفع. قوله تعالى: {وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ} يعني في غرف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية. وقرأ حمزة {فِى * ٱلْغُرْفَةَ} على التوحيد، أراد اسم الجنس. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: {فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ} بضم الغين وسكون الراء مع الألف. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف {ءامِنُونَ} من الموت والغير. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج٥١، الرعد٢٦] إلى قوله: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي: يأتي ببدله يقال: أخلف اللّه له وعليه: إذا أبدل ما ذهب عنه. وفي معنى الكلام اربعة أقوال. احدهما: ما أنفقتم من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه، قاله سعيد بن جبير. والثاني: ما أنفقتم في طاعته فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي. والثالث: ما أنفقتم في الخير والبِر فهو يخلفه، إما أن يعجله في الدنيا أو يدخره لكم في الآخرة، قاله ابن السائب. والرابع: أن الإنسان قد ينفق ماله في الخير ولا يرى له خلفا أبدا، وإنما معنى الآية: ما كان من خلف فهو منه، ذكره الثعلبي. قوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ ٱلرزِقِينَ} لما دار على الألسن أن السلطان يرزق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم أخبر أنه خير المعطين. ٤٠ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤١ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٢ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٤ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٥ قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} يعني المشركين. وقال مقاتل: يعني: الملائكة ومن عبدها {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} وهذا استفهام تقرير وتوبيخ للعابدين، فنزهت الملائكة ربها عن الشرك ف{قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ} أي: تنزيها لك مما أضافوه إليك من الشركاء، أنت ولينا من دونهم، أي: نحن نتبرأ إليك منهم ما تولينا ولا اتخذناهم عابدين، ولسنا نريد وليا غيرك. {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ} أي يطيعون الشياطين في عبادتهم إيانا {أَكْـثَرُهُم بِهِم} أي بالشياطين {مُؤْمِنُونَ} أي: مصدقون لهم فيما يخبرونهم من الكذب، أن الملائكة بنات اللّه، فيقول اللّه تعالى: {فَٱلْيَوْمَ} يعني في الآخرة {لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} يعني العابدين والمعبودين {نَفْعاً} بالشفاعة {وَلاَ ضَرّا} بالتعذيب {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} فعبدوا غير اللّه {ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ} الآية. ثم أخبر أنهم يكذبون محمدا والقرآن بالآية التي تلي هذه، وتفسيرها ظاهر. ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، ولم يكذبوا محمدا عن يقين، ولم يأتهم قبله كتاب ولا نبي يخبرهم بفساد أمره، فقال: {وَمَا ءاتَيْنَـٰهُمْ مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} قال قتادة: ما أنزل اللّه على العرب كتابا قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد، وهذا محمول على الذين أنذرهم نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وقد كان إسماعيل نذيرا للعرب. ثم أخبر عن عاقبة المكذبين قبلهم مخوفا لهم فقال: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} يعني الامم الكافرة {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا ءاتَيْنَـٰهُمْ} وفيه ثلاثة أقوال. احدها: ما بلغ كفار مكة معشار ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوة والمال وطول العمر، قاله الجمهور. والثاني: ما بلغ الذين من قبلهم معشار ما أعطينا هؤلاء من الحجة والبرهان. والثالث: ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم، حكاهما الماوردي. والمعشار: العشر. والنكير: اسم بمعنى الإنكار. قال الزجاج: والمعنى: فكيف كان نكيري، وإنما حذفت الياء لأنه آخر آية. ٤٦ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٧ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٨ انظر تفسير الآية:٥٠ ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٠ ٥٠ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ} أي: آمركم وأوصيكم بواحدة، وفيها ثلاثة أقوال. احدها: أنها لا إله إلا اللّه، رواه ليث عن مجاهد. والثاني: طاعة اللّه، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والثالث: أنها قوله: {أَن تَقُومُواْ للّه مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ} قاله قتادة. والمعنى: ان التي أعظكم بها قيامكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام، والمراد بقوله: مثنى أي: يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمراد ب {فُرَادَىٰ} أن يتفكر الرجل وحده، ومعنى الكلام: ليتفكر الإنسان منكم وحده وليخل بغيره وليناظر وليستشر، فيستدل بالمصنوعات على صانعها، ويصدق الرسول على اتباعه، وليقل الرجل لصاحبه: هلم فلنتصادق هل رأينا بهذا الرجل جنة قط؟ أو جربنا عليه كذبا. قط، وتم الكلام عند قوله: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ} وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكروا لتعلموا صحة ما أمرتكم به، وأن الرسول ليس بمجنون {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} في الآخرة. قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ} على تبليغ الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} والمعنى ما أسألكم شيئا ومثله قول القائل: ما لي في هذا فقد وهبته لك، يريد ليس لي فيه شيء. قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ} أي يلقي الوحي إلى أنبيائه {عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ} وقرأ أبو رجاء {عِلْمَ} بنصب الميم. {قُلْ جَاء ٱلْحَقُّ} وهو الإسلام والقرآن. وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال. احدها: أنه الشيطان لا يخلق أحدا ولا يبعثه، قاله قتادة. والثاني: أنه الأصنام لا تبدئ خلقا ولا تحيي، قاله الضحاك. وقال أبو سليمان: لا يبتدىء الصنم من عنده كلاما فيجاب، ولا يرد ما جاء من الحق بحجة. والثالث: أنه الباطل الذي يضاد الحق، فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحق، فلم تبق منه بقية يقبل بها او يدبر، أو يبدي او يعيد ذكره جماعة من المفسرين. قوله تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى} أي: إثم ضلالتي على نفسي، وذلك أن كفار مكة زعموا أنه قد ضل حين ترك دين آبائه، {وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى} من الحكمة والبيان. ٥١ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٢ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٤ قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ} في زمان هذا الفزع قولان. احدهما: أنه حين البعث من القبور، قاله الأكثرون. والثاني: أنه عند ظهور العذاب في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وقال سعيد بن جبير: هو الجيش الذي يخسف به بالبيداء، يبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقوا، وهذا حديث مشروح في التفسير، وأن هذا الجيش يؤم البيت الحرام لتخريبه فيخسف بهم. وقال الضحاك وزيد ابن أسلم: هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من المشركين. قوله تعالى: {فَلاَ فَوْتَ} المعنى: فلا فوت لهم، أي: لا يمكنهم أن يفوتونا {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} فيه ثلاثة أقوال. احدها: من مكانهم يوم بدر، قاله زيد بن أسلم. والثاني: من تحت أقدامهم بالخسف، قاله مقاتل. والثالث: من القبور، قاله ابن قتيبة. وأين كانوا، فهم من اللّه قريب. قوله تعالى: {وَقَالُواْ} أي: حين عاينوا العذاب {بِهِ إِنَّهُ} في هاء الكناية أربعة أقوال. احدها: أنها تعود إلى اللّه عز وجل، قاله مجاهد. والثاني: إلى البعث، قاله الحسن. والثالث: إلى الرسول، قاله قتادة. والرابع: إلى القرآن، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {ٱلتَّنَاوُشُ} غير مهموز. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، والمفضل عن عاصم: بالهمز. قال الفراء: من همز جعله من «نأشت» ومن لم يهمز جعله من «نشت» وهما متقاربان والمعنى: تناولت الشيء بمنزلة ذمت الشيء وذأمته: إذا عبته، وقد تناوش القوم في القتال: إذا تناول بعضهم بعضا بالرماح، ولم يتدانوا كل التداني، وقد يجوز همز «التناؤش» وهي من نُشْتُ لانضمام الواو، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقّتَتْ} [المرسلات: ١١] وقال الزجاج: من همز «التناؤش» فلأن واو التناوش مضمومة،وكل واو مضمونة ضمتها لازمة، إن شئت أبدلت منها همزة، وإن شئت لم تبدل نحو: أدؤر. وقال ابن قتيبة: معنى الآية: وأنى لهم التناوش لما أرادوا بلوغه وإدراك ما طلبوا من التوبة، {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} وهو الموضع الذي تقبل فيه التوبة. وكذلك قال المفسرون: أنىّ لهم بتناول الإيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا والدنيا قد ذهبت. قوله تعالى: {وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ} في هاء الكناية أربعة أقوال. قد تقدمت في قوله {بِهِ إِنَّهُ} [سبأ: ٥٢] ومعنى {مِن قَبْلُ} أي: في الدنيا من قبل معاينة أهوال الآخرة {وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ} أي: يرمون بالظن {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} وهو بعدهم عن العلم بما يقولون. وفي المراد بمقالتهم هذه ثلاثة أقوال. احدها: أنهم يظنون أنهم يردون إلى الدنيا، قاله ابو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنه قولهم في الدنيا: لا بعث لنا ولا جنة ولا نار، قاله الحسن، وقتادة. والثالث: أنه قولهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هو ساحر هو كاهن هو شاعر، قاله مجاهد. قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} أي: منع هؤلاء الكفار مما يشتهون. وفيه ستة اقوال. احدها: انه الرجوع إلى الدنيا، قاله ابن عباس. والثاني: الأهل والمال والولد، قاله مجاهد. والثالث: الإيمان، قاله الحسن. والرابع: طاعة اللّه، قاله قتادة. والخامس: التوبة، قاله السدي. والسادس: حيل بين الجيش الذي خرج لتخريب الكعبة وبين ذلك بأن خسف بهم، قاله مقاتل. قوله تعالى: {كَمَا فُعِلَ} وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبو عمران: {كَمَا فُعِلَ} بفتح الفاء والعين {بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ} قال الزجاج: أي بمن كان مذهبه مذهبهم، قال المفسرون: والمعنى: كما فعل بنظرائهم من الكفار من قبل هؤلاء، فانهم حيل بينهم وبين ما يشتهون، وقال الضحاك: هم أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة، {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ} من البعث ونزول العذاب بهم {مُرِيبٍ} أي: مُوقع للريبة والتهمة. |
﴿ ٠ ﴾