ÓõæÑóÉõ Õۤ ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ËóãóÇäò æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉð سورة ص ويقال لها: سورة داود، وهي مكية كلها بإجماعهم. فأما سبب نزول أولها، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن قريشا شكوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: «يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم». قال: كلمة؟ قال: كلمة واحدة، قال: ماهي؟ قال: لا إله إلا اللّه، فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا، فنزلت فيهم: {ص وَٱلْقُرْءانِ} إلى قوله {إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ}. بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ انظر تفسير الآية:٣ ٢ انظر تفسير الآية:٣ ٣ واختلفوا في معنى {ص} على سبعة أقوال: أحدها: أنه قسم أقسم اللّه به وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه بمعنى صدق محمد، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: صدق اللّه، قاله الضحاك، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: معناه صادق فيما وعد. وقال الزجاج: معناه: الصادق اللّه تعالى. والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن أقسم اللّه به، قاله قتادة. والخامس: أنه اسم حية رأسها تحت العرش وذنبها تحت الأرض السفلى، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال: أظنه عن عكرمة. والسادس: أنه بمعنى: حادث القرآن، أي: انظر فيه، قاله الحسن، وهذا على قراءة من كسروا، منهم ابن عباس، والحسن، وابن أبي عبلة. قال ابن جرير: فيكون المعنى: صاد بعملك القرآن، أي: عارضه. وقيل: اعرضه على عملك، فانظر أين هو منه. والسابع: أنه بمعنى: صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به وأحبوه. حكاه الثعلبي، وهذا على قراءة من فتح. وهي قراءة أبي رجاء، وأبي الجوزاء، وحميد، ومحبوب عن أبي عمرو. قال الزجاج: والقراءة صاد، بتسكين الدال لأنها من حروف التهجي، وقد قرئت بالفتح وبالكسر، فمن فتحها فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين. والثاني: على معنى أتل صاد، ويكون صاد اسما للسورة لاينصرف، ومن كسر فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين أيضا. والثاني: على معنى: صاد القرآن بعملك، من قولك صادى يصادي. إذا قابل وعادل يقال صاديته إذا قابلته. قوله تعالى: {ذِى ٱلذّكْرِ} في المراد بالذكر ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الشرف، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي. والثاني: البيان، قاله قتادة. والثالث: التذكير، قاله الضحاك. فإن قيل: أين جواب القسم بقوله: {ص وَٱلْقُرْءانِ ذِى ٱلذّكْرِ}؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أن ص جواب لقوله: {وَٱلْقُرْءانِ} ف {ص} في معناها كقولك: وجب واللّه، نزل واللّه، حق واللّه، قاله الفراء، وثعلب. والثاني: أن جواب {ص} قوله {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} ومعناه: لكم. فلما طال الكلام،حذفت اللام، ومثله: {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا} {قَدْ أَفْلَحَ}، [الشمس/١ و٩] فإن المعنى: لقد أفلح، غير أنه لما اعترض بينهما كلام، تبعه قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} حكاه الفراء، وثعلب أيضا. والثالث: أنه قوله: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ} [ص /١٤]، حكاه الأخفش. والرابع: أنه قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ} [ص/ ٦٤] قاله الكسائي. وقال الفراء: لا نجده مستقيما في العربية، لتأخره جدا عن قوله {وَٱلْقُرْءانِ}. والخامس: أن جوابه محذوف، تقديره: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار، ويدل على هذا المحذوف قوله {بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ذكره جماعة من المفسرين، وإلى نحوه ذهب قتادة. والعزة: الحمية والتكبر عن الحق. وقرأ عمرو بن العاص، وأبو رزين، وابن يعمر، وعاصم الجحدري، ومحبوب عن أبي عمرو: {فِى} بغين معجمة و راء غير معجمة. والشقاق: الخلاف والعداوة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد سبق بيان الكلمتين مشروحا [البقرة/ ٢٠٦ـ ١٣٨]. ثم خوفهم بقوله تعالى: {يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} يعنى الأمم الخالية {فَنَادَوْاْ} عند وقوع الهلاك بهم. وفي هذا النداء قولان: أحدهما: أنه الدعاء. والثاني: الاستغاثة. قوله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} وقرأ الضحاك، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: {وَّلاَتَ حِينَ} بفتح التاء ورفع النون. قال ابن عباس: ليس حين يروه فرار. وقال عطاء: في لغة أهل اليمن {لأَتٍ} بمعنى ليس. وقال وهب بن منبه: هي بالسريانية. وقال الفراء: لات بمعنى ليس. والمعنى: ليس بحين فرار. ومن القراء من يخفض لات. والوجه النصب لأنها في معنى ليس. أنشدني المفضل: تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القريناقال ابن الأنباري: كان الفراء والكسائي والخليل وسيبويه والأخفش وأبو عبيدة يذهبون إلى أن التاء في قوله تعالى: {وَّلاَتَ} منقطعة من {حِينٍ} قال: وقال أبو عبيدة: الوقف عندي على هذا الحرف {وَلاَ} والابتداء {تحين} لثلاث حجج: إحداهن: أن تفسير ابن عباس يشهد لها، لأنه قال: ليس حين يروه فرار، فقد علم أن {أَوَ لَيْسَ} هي أخت {لا} وفي معناها. والحجة الثانية: أنا لا نجد في شيء من كلام العرب {وَّلاَتَ} إنما المعروفة {لا}. والحجة الثالثة: أن هذه التاء إنما وجدناها تلحق مع {حِينٍ} ومع {الآن} ومع ال {أوان} فيقولون: كان هذا تحين كان ذلك، وكذلك: تأوان، ويقال: اذهب تلان، ومنه قول أبي وجزة السعدي: العاطفون تحين مامن عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم وذكر ابن قتيبة عن ابن الأعرابي أن معنى هذا البيت: العاطفونة بالهاء، ثم تبتدىء: حين مامن عاطف، قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأن الهاء إنما تقحم على النون في مواضع القطع والسكون، فأما مع الاتصال فإنه غير موجود. وقال علي بن أحمد النيسابوري: النحويون يقولون في قوله {فَنَادَواْ وَّلاَتَ} هي {لا} زيدت فيها التاء كما قالوا: ثم وثمت ورب وربت، وأصلها هاء وصلت ب {لا} فقالوا: لاه فلما وصلوها جعلوها تاء، والوقف عليها بالتاء عند الزجاج، وأبي علي، وعند الكسائي بالهاء، وعند أبي عبيد الوقف على {لا}. فأما المناص فهو الفرار. قال الفراء: النوص في كلام العرب: التأخر، والبوص: التقدم. قال امرؤ القيس: أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص فتقصر عنها خطوة وتبوص وقال أبوعبيدة: المناص: مصدر ناص ينوص، وهوالمنجى والفوز. ٤ انظر تفسير الآية:١١ ٥ انظر تفسير الآية:١١ ٦ انظر تفسير الآية:١١ ٧ انظر تفسير الآية:١١ ٨ انظر تفسير الآية:١١ ٩ انظر تفسير الآية:١١ ١٠ انظر تفسير الآية:١١ ١١ قوله تعالى: {وَعَجِبُواْ} يعني الكفار {أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم النار. {أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً} لأنه دعاهم إلى اللّه وحده وأبطل عبادة آلهتهم، وهذا قولهم لما اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أتعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي لا إله إلا اللّه، فقاموا يقولون: {أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً} ونزلت هذه الآية فيهم. {إِنَّ هَذَا} الذي يقول محمد من أن الآلهة إلها واحدا {لَشَىْء عُجَابٌ} أي: لأمر عجب. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: {عُجَابٌ} بتشديد الجيم. قال اللغويون: العجاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كبير وكبار وكبار، وكريم وكرام وكرام، وطويل وطوال وطوال، وأنشد الفراء: جاؤوا بصيد عجب من العجب أزيرق العينين طوال الذنب قال قتادة: عجب المشركون أن دعي اللّه وحده وقالوا: أيسمع لحاجتنا جميعا إله واحد؟. وقوله تعالى: {وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلا مِنْهُمْ} قال المفسرون: لما اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشكوا إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قوله: لا إله إلا اللّه، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله {وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلا مِنْهُمْ} الانطلاق الذهاب بسهولة، ومنه طلاقة الوجه، والملأ أشراف قريش، فخرجوا يقول بعضهم لبعض {ٱمْشُواْ} و {ءانٍ} بمعنى أي؛ فالمعنى: أي امشوا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انطلقوا بأن امشوا أي انطلقوا بهذا القول. وقال بعضهم: المعنى: انطلقوا يقولون: امشوا إلى أبي طالب فاشكوا إليه ابن أخيه، {وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ ءالِهَتِكُمْ} أي: اثبتوا على عبادتها {إِنَّ هَذَا} الذي نراه من زيادة أصحاب محمد {لَشَىْء يُرَادُ} أي: لأمر يراد بنا. {مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا} الذي جاء به محمد من التوحيد {فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلاْخِرَةِ} وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل. والثاني: أنها ملة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة. والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج. والمعنى: أن اليهود أشركت بعزير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة فلهذا أنكرت التوحيد. {إِنَّ هَذَا} الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم {إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ} أي: كذب. {أَءنزِلَ ذِى ٱلذّكْرِ} يعنون القرآن عليه، يعنون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، {مّن بَيْنِنَا} أي: كيف خص بهذا دوننا، وليس بأعلانا نسبا ولا أعظمنا شرفا، قال اللّه تعالى: {بْل هُمْ فَى شَكّ مّن ذِكْرِى} أي: من القرآن، والمعنى: أنهم ليسوا على يقين مما يقولون، إنما هم شاكون {بَل لَّمَّا} قال مقاتل: لما بمعنى لم كقوله {وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاْيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ} [الحجرات/١٤] وقال غيره: هذا تهديد لهم. والمعنى: أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمد حق. وأثبت ياء {عَذَابِى} في الحالين يعقوب. قال الزجاج: ولما دل قولهم: {عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ مِن} على حسدهم له، أعلم اللّه عز وجل أن الملك والرسالة إليه، فقال: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ} قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيح النبوة فيضعونها حيث شاؤوا، والمعنى ليست بأيديهم، ولا ملك السموات والأرض لهم. فإن ادعوا شيئا من ذلك فليرتقوا في الأسباب. قال سعيد بن جبير: أي: في أبوب السماء. وقال الزجاج: فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء. قوله تعالى: {جُندٌ} أي: هم جند. والجند: الأتباع؛ فكأنه قال: هم اتباع مقلدون ليس فيهم عالم راشد. و{مَا} زائدة، و{هُنَالِكَ} إشارة إلى بدر. والأحزاب: جميع من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على الأنبياء. قال قتادة: أخبر اللّه نبيه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر. ١٢ انظر تفسير الآية:١٥ ١٣ انظر تفسير الآية:١٥ ١٤ انظر تفسير الآية:١٥ ١٥ قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} قال أبو عبيدة: قوم من العرب يؤنثون القوم، وقوم يذكرون. فإن احتج عليهم بهذه الآية قالوا: وقع المعنى على العشيرة، واحتجوا بقوله {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس/١١] قالوا: والمضمر مذكر. قوله تعالى: {وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلاْوْتَادِ} فيه ستة أقوال: أحدها: أنه كان يعذب الناس بأربعة أوتاد يشدهم فيها، ثم يرفع صخرة فتلقى على الإنسان فتشدخه، قاله ابن مسعود وابن عباس، وكذلك قال الحسن ومجاهد: كان يعذب الناس بأوتاد يوتدها في أيديهم وأرجلهم. والثاني: أنه ذو البناء المحكم، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال الضحاك، والقرظي، واختاره ابن قتيبة. قال: والعرب تقول: هم في عز ثابت الأوتاد وملك ثابت الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد وأصل هذا أن البيت من بيوتهم يثبت بأوتاد: قال الأسود بن يعفر: ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد والثالث: أن المراد بالأوتاد: الجنود، رواه عطية عن ابن عباس، وذلك أنهم كانوا يشدون ملكه ويقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء. والرابع: أنه كان يبني منارا يذبح عليها الناس. والخامس: أنه كان له أربع أسطوانات، فيأخذ الرجل فيمد كل قائمة إلى أسطوانة فيعذبه. روي القولان عن سعيد بن جبير. والسادس: أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب له عليها، قاله عطاء وقتادة. ولما ذكر المكذبين، قال: {أُوْلَـئِكَ ٱلاْحْزَابُ} فأعلمنا أن مشركي قريش من هؤلاء، وقد عذبوا وأهلكوا، {فَحَقَّ عِقَابِ} أثبت الياء في الحالين يعقوب. {وَمَا يَنظُرُ} أي: وما ينتظر {هَـؤُلاء} يعني كفار مكة {إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً} وفيها قولان: أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله مقاتل. والثاني: النفخة الأخيرة، قاله ابن السائب. وفي الفواق قراءتان: قرأ حمزة، وخلف، والكسائي: بضم الفاء، وقرأ الباقون: بفتحها، وهل بينهما فرق أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، وهو معنى قول الفراء، وابن قتيبة، والزجاج. قال الفراء: والمعنى: مالها من راحة ولا إفاقة، وأصله من الإفاقة في الرضاع إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن فتلك الإفاقة، وجاء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: العيادة قدر فواق ناقة ومن يفتح الفاء فيه لغة جيدة عالية، وقال ابن قتيبة: الفواق والفواق واحد وهو أن تحلب الناقة وتترك ساعة حتى تنزل شيئا من اللبن ثم تحلب فما بين الحلبتين فواق، فاستعير الفواق في موضع المكث والانتظار. وقال الزجاج: الفواق ما بين حلبتي الناقة وهو مشتق من الرجوع، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين يقال: أفاق من مرضه أي رجع الى الصحة. والثاني: أن من فتحها أراد مالها من راحة، ومن ضمها أراد فواق الناقة قاله أبو عبيدة. وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال: أحدها: مالها من رجعة ثم فيه قولان. أحدهما: مالها من ترداد، قاله ابن عباس. والمعنى: أن تلك الصيحة لا تكرر. والثاني: مالها من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن، وقتادة. والمعنى: أنهم لا يعودون بعدها إلى الدنيا. والثاني: ما لهم منها من إفاقة، بل تهلكهم، قاله ابن زيد. والثالث: مالها من فتور ولا انقطاع، قاله ابن جرير. والرابع: مالها من راحة، حكاه جماعة من المفسرين. ١٦ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٧ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٨ انظر تفسير الآية:٢٠ ١٩ انظر تفسير الآية:٢٠ ٢٠ قوله تعالى: {وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا} في سبب قولهم هذا قولان: أحدهما: أنه لما ذكر لهم ما في الجنة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي. والثاني: أنه لما نزل قوله {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ} الآيات [الحاقة/١٩ـ ٣٧] قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتبنا بشمائلنا فعجل لنا قطنا، يقولون ذلك تكذيبا له. قاله أبو العالية ومقاتل. وفي المراد بالقط أربعة أقوال: أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الفراء: القط في كلام العرب الصك. وقال أبو عبيدة: القط الكتاب والقطوط الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومقاتل، وابن قتيبة. والثاني: أن القط: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني. والمعنى: أنهم لما وعدوا بالقضاء بينهم سألوا ذلك. والرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير. قال الزجاج: القط: النصيب، وأصله: الصحيفة يكتب للإنسان فيها شيء يصل إليه، واشتقاقة من قططت، أي: قطعت، فالنصيب: هو القطعة من الشيء، ثم في هذا القول للمفسرين قولان: أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير. والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة. وعلى جميع الأقوال إنما سألوا ذلك استهزاء، لتكذيبهم بالقيامة. {ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} أي: من تكذيبهم وأذاهم، وفي هذا قولان: أحدهما: أنه أمر بالصبر، سلوكا لطريق أولي العزم، وهذا محكم. والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي. قوله تعالى: {وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا * دَاوُودُ} في وجه المناسبة بين قوله: {ٱصْبِر} وبين قوله: {وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا * دَاوُودُ} قولان: أحدهما: أنه أمر أن يتقوى على الصبر بذكر قوة داود على العبادة والطاعة. والثاني: أن المعنى: عرفهم أن الأنبياء عليهم السلام مع طاعتهم كانوا خائفين مني، هذا داود مع قوته على العبادة، لم يزل باكيا مستغفرا، فكيف حالهم مع أفعالهم. فأما قوله: {ذَا ٱلاْيْدِ} فقال ابن عباس: هي القوة في العبادة. وفي الصحيحين من حديث عبد اللّه بن عمرو قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أحب الصيام إلى اللّه صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه». وفي {الأواب} أقوال قد ذكرناها في [بني اسرائيل/٢٥] {إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ} قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في [الأنبياء/ ٧٩] وذكرنا معنى العشي في مواضع مما تقدم، [آل عمران/ ٤١] [الأنعام/ ٥٣] وذكرنا معنى الإشراق في [الحجر/ ٧٣] عند قوله {مُشْرِقِينَ}. قال الزجاج: الإشراق طلوع الشمس وإضاءتها، وروي عن ابن عباس أنه قال: طلبت صلاة الضحى، فلم أجدها إلا في هذه الآية. وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضحى مذكورة في [النور/٣٦] في قوله {بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ}. قوله تعالى: {وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً} وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء، والضحاك، وابن أبي عبلة: {وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً} بالرفع فيهما، أي: مجموعة إليه، تسبح اللّه معه {كُلٌّ لَّهُ} في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى داود، أي: كل لداود {أَوَّابٌ} أي: رجاع إلى طاعته وأمره، والمعنى: كل له مطيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور. والثاني: أنها ترجع إلى اللّه تعالى، فالمعنى: كل مسبح للّه قاله السدي. قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} أي: قويناه. وفي ما شد به ملكه قولان: أحدهما: أنه الحرس والجنود، قال ابن عباس: كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل. والثاني: أنه هيبة ألقيت له في قلوب الناس. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا. قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} وفيها أربعة أقوال: أحدها: أنها الفهم، قاله ابن عباس، والحسن، وابن زيد. والثاني: الصواب، قاله مجاهد. والثالث: السنة، قاله قتادة. والرابع: النبوة، قاله السدي. وفي فصل الخطاب أربعة أقوال: أحدها: علم القضاء والعدل، قاله ابن عباس، والحسن. والثاني: بيان الكلام، روي عن ابن عباس أيضا، وذكر الماوردي أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود. والثالث: قوله {أَمَّا * بَعْدَ} وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري، والشعبي. والرابع: تكليف المدعي البينة، والمدعى عليه اليمين، قاله شريح، وقتادة، وهو قول حسن، لأن الخصومة إنما تفصل بهذا. ٢١ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٢ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٤ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦ قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ} قال أبو سليمان: المعنى: قد أتاك فاستمع له نقصص عليك. واختلف العلماء في السبب الذي امتحن لأجله داود عليه السلام بما امتحن به، على خمسة أقوال: أحدها: أنه قال: يارب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لو وددت أنك أعطيتني مثله، فقال اللّه تعالى: إني ابتليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم. قال: نعم. فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة فأراد أن يأخذها فطارت فذهب ليأخذها فرأى امرأة تغتسل. رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال السدي. والثاني: أنه مازال يجتهد في العبادة حتى برز له قرناؤه من الملائكة وكانوا يصلون معه ويسعدونه بالبكاء، فلما استأنس بهم، قال: أخبروني بأي شيء أنتم موكلون، قالوا: مانكتب عليك ذنبا، بل نكتب صالح عملك ونثبتك ونوفقك ونصرف عنك السوء. فقال في نفسه: ليت شعري كيف أكون لو خلوني ونفسي، وتمنى أن يخلى بينه وبين نفسه ليعلم كيف يكون، فأمر اللّه تعالى قرناءه أن يعتزلوه ليعلم أنه لا غناء به عن اللّه عزوجل،فلما فقدهم، جد واجتهد ضعف عبادته إلى أن ظن أنه قد غلب نفسه، فأراد اللّه تعالى أن يعرفه ضعفه، فأرسل إليه طائرا من طيور الجنة، فسقط في محرابه، فقطع صلاته ومد يده إليه، فتنحى عن مكانه، فأتبعه بصره، فإذا امرأة أوريا، هذا قول وهب بن منبه. والثالث: أنه تذاكر هو وبنو إسرائيل فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك، فلما كان يوم عبادته، أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد. وأكب على قراءه الزبور، فإذا حمامة من ذهب، فأهوى إليها فطارت، فتبعها فرأى المرأة، رواه مطر عن الحسن. والرابع: أنه قال لبني إسرائيل حين ملك: واللّه لأعدلن بينكم، ولم يستثن، فابتلي. رواه قتادة عن الحسن. والخامس: أنه أعجبه كثرة عمله، فابتلي، قاله أبو بكر الوراق. الإشارة إلى قصة ابتلائه:قد ذكرنا عن وهب أنه قال: كانت الحمامة من طيور الجنة، وقال السدي: تصور له الشيطان في صورة حمامة. قال المفسرون: إنه لما تبع الحمامة رأى امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، وقيل بل على سطح لها فعجب من حسنها، فحانت منها التفاته فرأت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجابا فسأل عنها فقيل: هذه امرأة أرويا وزوجها في غزاة، فكتب داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وكذا وقدمه قبل التابوت، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح عليه أو يستشهد، ففعل ذلك ففتح عليه فكتب إلى داود يخبره فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا ففتح عليه، فكتب إلى داود يخبره، فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، فقتل في المرة الثالثة، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود فهي أم سليمان، فلما دخل بها لم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللّه عز وجل ملكين في صورة إنسيين، وقيل: لم يأته الملكان حتى جاء منها سليمان وشب ثم اتياه فوجداه في محراب عبادته، فمنعهما الحرس من الدخول إليه فتسوروا المحراب عليه، وعلى هذا الذي ذكرناه من القصة أكثر المفسرين. وقد روى نحوه العوفي عن ابن عباس، وروي عن الحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل في آخرين، وذكر جماعة من المفسرين أن داود لما نظر إلى المرأة، سأل عنها، وبعث زوجها إلى الغزاة مرة بعد مرة إلى أن قتل فتزوجها، وروي مثل هذا عن ابن عباس، ووهب، والحسن في جماعة. قال المصنف: وهذا لا يصح من طريق النقل، ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه. وقد اختلف المحققون في ذنبه الذي عوتب عليه على أربعة أقوال: أحدها: أنه لما هويها، قال لزوجها: تحول لي عنها، فعوتب على ذلك، وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مازاد داود على أن قال لصاحب المرأة: أكفلنيها وتحول لي عنها؛ ونحو ذلك روي عن ابن مسعود، وقد حكى أبو سليمان الدمشقي أنه بعث إلى أوريا فأقدمه من غزاته، فأدناه وأكرمه جدا، إلى أن قال له يوما: أنزل لي عن امرأتك، وانظر أي امرأة شئت في بني إسرائيل أزوجكها، أو أي أمة شئت أبتاعها لك، فقال: لا أريد بامرأتي بديلا، فلما لم يجبه إلى ما سأل أمره أن يرجع إلى غزاته. والثاني: أنه تمنى تلك المرأة حلالا، وحدث نفسه بذلك، فاتفق غزو أوريا وهلاكه من غير أن يسعى في سبب قتله، ولا في تعريضه للّهلاك، فلما بلغة قتله، لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده، ثم تزوج امرأته، فعوتب على ذلك، وذنوب الأنبياء عليهم السلام وإن صغرت فهي عظيمة عند اللّه عز وجل. والثالث: أنه لما وقع بصره عليها، أشبع النظر إليها حتى علقت بقلبه. والرابع: أن أوريا كان قد خطب تلك المرأة، فخطبها داود مع علمه بأن أوريا قد خطبها فتزوجها، فاغتم أوريا وعاتب اللّه تعالى داود، إذ لم يتركها لخاطبها الأول، واختار القاضي أبو يعلى هذا القول، واستدل عليه بقوله {وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ} قال: فدل هذا على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة، ولم يكن قد تقدم تزوج الآخر، فعوتب داود عليه السلام لشيئين ينبغي للأنبياء التنزه عنهما: أحدهما: خطبته على خطبته غيره. والثاني: إظهار الحرص على التزويج مع كثرة نسائه، ولم يعتقد ذلك معصية فعاتبه اللّه تعالى عليها. قال: فأما ماروي أنه نظر إلى المرأة فهويها، وقدم زوجها للقتل فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء، لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بها. قال الزجاج: إنما قال {ٱلْخَصْمِ} بلفظ الواحد. وقال {تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ} بلفظ الجماعة لأن قولك خصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة، والذكر والأنثى. تقول: هذا خصم وهي خصم وهما خصم وهم خصم، وإنما يصلح لجميع ذلك لأنه مصدر تقول: خصمته أخصمه خصما. والمحراب هاهنا كالغرفة، قال الشاعر: ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما و{تَسَوَّرُواْ} يدل على علو. قال المفسرون: كانا ملكين. وقيل: هما جبريل وميكائيل عليهما السلام، أتياه لينبهاه على التوبة، وإنما قال {تَسَوَّرُواْ} وهما اثنان لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء، والاثنان فما فوقهما جماعة. قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ * دَاوُودُ} قال الفراء: يجوز أن يكون معنى تسوروا دخلوا، فيكون تكرارا. ويجوز أن تكون {إِذْ} بمعنى لما فيكون المعنى إذ تسوروا المحراب لما دخلوا ولما تسوروا إذ دخلوا. قوله تعالى: {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} وذلك أنهما أتيا على غير صفة مجيء الخصوم، وفي غير وقت الحكومة، ودخلا تسورا من غير إذن. وقال أبو الأحوص: دخلا عليه وكل واحد منهما آخذ برأس صاحبه. و {خَصْمَانِ} مرفوع بإضمار نحن. قال ابن الأنباري: المعنى: نحن كخصمين ومثل خصمين، فسقطت الكاف، وقام الخصمان مقامها، كما تقول العرب: عبد اللّه القمر حسنا، وهم يريدون: مثل القمر. قالت هند بنت عتبة ترثي أباها وعمها: من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهماأسدين في عيل يحيد ال قوم عن عرواهماصقرين لا يتذللا ن ولا يباح حماهمارمحين خطيين في كبد السماء تراهماأرادت: مثل أسدين، ومثل صقرين، فأسقطت مثلا وأقامت الذي بعده مقامه، ثم صرف اللّه عز وجل النون والألف في بعضنا إلى نحن المضمر، كما تقول العرب: نحن قوم شرف أبونا، ونحن قوم شرف أبوهم. والمعنى واحد، والحق هاهنا العدل. {وَلاَ تُشْطِطْ} أي: لا تجر، يقال: شط وأشط إذا جار وقرأ ابن أبي عبلة {وَلاَ تُشْطِطْ} بفتح التاء وضم الطاء. قال الفراء: وبعض العرب يقول: شططت علي في السموم، وأكثر الكلام أشططت بالألف وشطت الدار تباعدت. قوله تعالى: {وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ} أي: إلى قصد الطريق والمعنى: احملنا على الحق، فقال داود: تكلما، فقال أحدهما: {إِنَّ هَذَا أَخِى} قال ابن الأنباري: المعنى: قال أحد الخصمين اللذين شبه الملكان بهما: إن هذا أخي، فأضمر القول لوضوح معناه {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} قال الزجاج: كني عن المرأة بالنعجة، وقال غيره: العرب تشبه النساء بالنعاج وتوري عنها بالشاء والبقر. قال ابن قتيبة: ورى عن ذكر النساء بذكر النعاج، كما قال عنترة: يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرم يعرض بجارية يقول: أي صيد أنت لمن حل له أن يصيدك، فأما أنا فإن حرمة الجوار قد حرمتك علي. وإنما ذكر الملك هذا العدد لأنه عدد نساء داود. قوله تعالى: {وَلِى نَعْجَةٌ وٰحِدَةٌ} فتح الياء حفص عن عاصم وأسكنها الباقون. {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} قال ابن قتيبة: أي: ضمها إلي واجعلني كافلها. وقال الزجاج: انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها. قوله تعالى: {وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ} أي: غلبني في القول. وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رزين العقيلي، والضحاك، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: {وعازني} بألف أي غالبني. قال ابن مسعود، وابن عباس في قوله {أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ} ما زاد على أن قال: انزل لي عنها. وروى العوفي عن ابن عباس قال: إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني. فإن قيل: كيف قال الملكان هذا وليس شيء منه موجودا عندهما؟ فالجواب: أن العلماء قالوا: إنما هذا على سبيل المثل والتشبيه بقصة داود، وتقدير كلامهما: ما تقول إن جاءك خصمان فقالا كذا وكذا، وكان داود لا يرى أن عليه تبعة فيما فعل فنبهه اللّه بالملكين. وقال ابن قتيبة: هذا مثل ضربه اللّه له ونبهه على خطيئته، وقد ذكرنا آنفا أن المعنى نحن كخصمين. قوله تعالى: {قَالَ} يعني داود {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ} قال الفراء: أي: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الهاء من السؤال، أضفت الفعل إلى النعجة، ومثله: {لاَّ يَسْـئَمُ ٱلاْنْسَـٰنُ مِن دُعَاء ٱلْخَيْرِ} [فصلت/٤٩] أي: من دعائه بالخير فلما ألقى الهاء أضاف الفعل إلى الخير، وألقى من الخير الباء، وانشدوا: فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأميرأي: بتسليم على الأمير. قوله تعالى: {إِلَىٰ نِعَاجِهِ} أي: ليضمها إلى نعاجه. قال ابن قتيبة: المعنى بسؤال نعجتك مضمومة إلى نعاجه فاختصر. قال: ويقال {إِلَىٰ} بمعنى {مَعَ}. فإن قيل: كيف حكم داود قبل أن يسمع كلام الآخر؟ فالجواب: أن الخصم الآخر اعترف فحكم عليه باعترافه، وحذف ذكر الاعتراف اكتفاء بفهم السامع. والعرب تقول: أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال أي فاتجرت فكسبت. ويدل عليه قول السدي: إن داود قال للخصم الآخر: ما تقول؟ قال: نعم. أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي وهو كاره. قال: إذا لا ندعك وإن رمت هذا ضربنا منك هذا، ويشير إلى أنفه وجبهته، فقال: أنت ياداود أحق أن يضرب هذا منك حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلا واحدة، فنظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه. قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلْخُلَطَاء} يعني: الشركاء واحدهم خليط، وهو المخالط في المال. وإنما قال هذا، لأنه ظنهما شريكين، {إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: فإنهم لا يظلمون أحدا، {وَقَلِيلٌ} ما زائدة والمعنى: وقليل هم. وقيل المعنى: هم قليل يعني الصالحين الذين لا يظلمون. قوله تعالى: {وَظَنَّ * دَاوُودُ} أي: أيقن وعلم {أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ} فيه قولان: أحدهما: اختبرناه. والثاني: ابتليناه بما جرى له من نظره إلى المرأة وافتتانه بها. وقرأ عمر بن الخطاب {أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ} بتشديد التاء والنون جميعا. وقرأ أنس بن مالك، وأبو رزين، والحسن، وقتادة، وعلي بن نصر عن أبي عمرو: {أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ} بتخفيف التاء والنون جميعا، يعني الملكين. قال أبو علي الفارسي: يريد صمدا له وفي سبب علمه وتنبيهه على ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن الملكين أفصحا له بذلك، على ماذكرناه عن السدي. والثاني: أنهما عرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، فعلم أنه عني بذلك قاله وهب. والثالث: أنه لما حكم بينهما، نظر أحدهما إلى صاحبه وضحك، ثم صعدا إلى السماء وهو ينظر، فعلم أن اللّه تعالى ابتلاه بذلك، قاله مقاتل. قوله تعالى: {فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} قال المفسرون: لما فطن داود بذنبه خر راكعا. قال ابن عباس: أي ساجدا. وعبر عن السجود بالركوع لأنهما بمعنى الانحناء. وقال بعضهم: فخر بعد أن كان راكعا. فصل واختلف العلماء هل هذه من عزائم السجود؟ على قولين: أحدهما: ليست من عزائم السجود، قاله الشافعي. والثاني: أنها من عزائم السجود، قاله أبو حنيفة. وعن أحمد روايتان. قال المفسرون: فبقي في سجوده أربعين ليلة لا يرفع رأسه إلا لوقت صلاة مكتوبة أو حاجة لا بد منها، ولا يأكل ولا يشرب فأكلت الأرض من جبينه ونبت العشب من دموعه، ويقول في سجوده: رب داود زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب. قال مجاهد: نبت البقل من دموعه حتى غطى رأسه ثم نادى:رب قرح الجبين وجمدت العين وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء، فنودي أجائع فتطعم أم مريض فتشفى أم مظلوم فينتصر لك، فنحب نحيبا هاج كل شيء نبت، فعند ذلك غفر له. وقال ثابت البناني: اتخذ داود سبع حشايا من شعر وحشاهن من الرماد، ثم بكى حتى أنفذها دموعا ولم يشرب شرابا إلا ممزوجا بدموع عينيه. وقال وهب بن منبه: نودي: يا داود ارفع رأسك فإنا قد غفرنا لك، فرفع رأسه وقد زمن وصار مرعشا. فأما قوله: {وَأَنَابَ} فمعناه: رجع من ذنبه تائبا إلى ربه، {فَغَفَرْنَا لَهُ ذٰلِكَ} يعني الذنب {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ} قال ابن قتيبة: أي: تقدم وقربة. قوله تعالى: {وَحُسْنُ مَـئَابٍ} قال مقاتل: حسن مرجع، وهو ما أعد اللّه له في الجنة. قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ} المعنى: وقلنا له يا داود {إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ} أي: صيرناك {خَلِيفَةً فِى ٱلاْرْضِ} أي: تدبر أمر العباد من قبلنا بأمرنا، فكأنك خليفة عنا {فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ} أي: بالعدل {وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ} أي: لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر اللّه عز وجل {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللّه} أي: عن دينه {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ} وقرأ أبو نهيك، وأبو حيوة، وابن يعمر: {يُضِلُّونَ} بضم الياء. قوله تعالى: {بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ} فيه قولان: أحدهما: بما تركوا العمل ليوم الحساب، قاله السدي. قال الزجاج: لما تركوا العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين. والثاني: أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي: تركوا القضاء بالعدل، وهو قول عكرمة. ٢٧ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٨ انظر تفسير الآية:٢٩ ٢٩ قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} أي: عبثا {ذٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} أن ذلك خلق لغير شيء، وإنما خلق للثواب والعقاب. {أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} قال مقاتل: قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون. فنزلت هذه الآية. وقال ابن السائب: نزلت في الستة الذين تبارزوا يوم بدر، علي رضي اللّه عنه، وحمزة رضي اللّه عنه، وعبيدة بن الحارث رضي اللّه عنه، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، فذكر أولئك بالفساد في الأرض لعملهم فيها بالمعاصي، وسمى المؤمنين بالمتقين لاتقائهم الشرك. وحكم الآية عام. قوله تعالى: {كِتَابٌ} أي: هذا كتاب، يعني القرآن، وقد بينا معنى بركته في سورة [الأنعام/٩٢]. {لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ} وقرأ عاصم في رواية: {فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ} بالتاء خفيفة الدال، أي: ليتفكروا فيها فيتقرر عندهم صحتها {وَلِيَتَذَكَّرَ} بما فيه من المواعظ {أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِ} وقد سبق بيان هذا [الرعد/ ١٩]. ٣٠ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣١ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٢ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٣ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٤ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٥ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٦ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٧ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٨ انظر تفسير الآية:٤٤ ٣٩ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٠ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤١ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٢ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٣ انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤ قوله تعالى: {نِعْمَ ٱلْعَبْدُ} يعني به سليمان. وفي الأواب أقوال قد تقدمت في [بني إسرائيل/ ٢٥] أليقها بهذا المكان أنه رجاع بالتوبة إلى اللّه تعالى مما يقع منه من السهو والغفلة. قوله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ} وهو ما بعد الزوال {ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ} وهي الخيل. وفي معنى الصافنات قولان: أحدهما: أنها القائمة على ثلاث قوائم، وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد وابن زيد، واختاره الزجاج. وقال: هذا أكثر قيام الخيل إذا وقفت كأنها تراوح بين قوائمها. قال الشاعر: ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا والثاني: أنها القائمة، سواء كانت على ثلاث أو غير ثلاث. قال الفراء: على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة. وقال ابن قتيبة: الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل وغيرها، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «من سره أن يقوم له الرجال صفونا، فليتبوأ مقعده من النار»، أي: يديمون القيام له. فأما الجياد، فهي السراع في الجرى. وفي سبب عرضها عليه أربعة أقوال: أحدها: أنه عرضها لأنه أراد جهاد عدو له، قاله علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. والثاني: أنها كانت من دواب البحر. قال الحسن: بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة. وقال إبراهيم التيمي: كانت عشرين فرسا ذات أجنحة. وقال ابن زيد: أخرجتها له الشياطين من البحر. والثالث: أنه ورثها من أبيه داود عليه السلام فعرضت عليه، قاله وهب بن منبه ومقاتل. والرابع: أنه غزا جيشا، فظفر به وغنمها، فدعا بها فعرضت عليه، قاله ابن السائب. وفي عددها أربعة أقوال: أحدها: ثلاثة عشر ألفا، قاله وهب. والثاني: عشرون ألفا، قاله سعيد بن مسروق. والثالث: ألف فرس، قاله ابن السائب، ومقاتل. والرابع: عشرون فرسا، وقد ذكرناه عن إبراهيم التيمي. قال المفسرون: ولم تزل تعرض عليه إلى أن غابت الشمس، ففاتته صلاة العصر، وكان مهيبا لا يبتدئه أحد بشيء، فلم يذكروه، ونسي هو، فلما غابت الشمس ذكر الصلاة، {فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ} فتح الياء أهل الحجاز وأبو عمرو {حُبَّ ٱلْخَيْرِ} وفيه قولان: أحدهما: أنه المال، قاله سعيد بن جبير، والضحاك. والثاني: حب الخيل، قاله قتادة، والسدي. والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأنه أراد بالخير الخيل، وهي مال. وقال الفراء: العرب تسمي الخيل: الخير. قال الزجاج: وقد سمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد الخيل: زيد الخير، ومعنى أحببت آثرت حب الخير على ذكر ربي. وكذلك قال غير الزجاج. عن بمعنى على. وقال بعضهم: يحتمل المعنى فشغلني عن ذكر ربي. قال أبو عبيدة: ومعنى الكلام أحببت حبا ثم أضاف الحب إلى الخير. وقال ابن قتيبة: سمى الخيل خيرا لما فيها من الخير. والمفسرون على أن المراد بذكر ربه، صلاة العصر، قاله علي، وابن مسعود، وقتادة في آخرين. وقال الزجاج: لا أدري هل كانت صلاة العصر مفروضة أم لا، إلا أن اعتراضه الخيل شغله عن وقت كان يذكر اللّه فيه {حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ} قال المصنف: وأهل اللغة يقولون: يعني الشمس ولم يجر لها ذكر ولا أحسبهم أعطوا في هذا الفكر حقه، لأن في الآية دليلا على الشمس، وهو قوله {بِٱلْعَشِىّ} ومعناه:عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب، ولا يجوز الإضمار، إلا أن يجري ذكر أو دليل ذكر فيكون بمنزلة الذكر، وأما الحجاب، فهو ما يحجبها عن الأبصار. قوله تعالى: {رُدُّوهَا عَلَىَّ} قال المفسرون: لما شغله عرض الخيل عليه عن الصلاة، فصلاها بعد خروج وقتها، اغتم وغضب، وقال: ردوها علي يعني: أعيدوا الخيل علي {فَطَفِقَ} قال ابن قتيبة: أي: أقبل {مَسْحاً} قال الأخفش: أي: يمسح مسحا. فأما السوق، فجمع ساق، مثل دور ودار، وهمز {السؤق} ابن كثير. قال أبو علي: وغير الهمز أحسن منه. وقرأ أبو عمران الجوني، وابن محيصن: {بالسؤوق} مثل الرؤوس، وفي المراد بالمسح هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: أنه ضربها بالسيف، وروى أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلاْعْنَاقِ} قال: «بالسيف». وروى مجاهد عن ابن عباس قال: مسح أعناقها وسوقها بالسيف. وقال الحسن، وقتادة، وابن السائب: قطع أعناقها وسوقها، وهذا اختيار السدي، ومقاتل، والفراء، وأبي عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة، وأبي سليمان الدمشقي، والجمهور. والثاني: أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: مسحها بيده، وهذا اختيار ابن جرير والقاضي أبي يعلى. والثالث: أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل اللّه تعالى، حكاه الثعلبي. والمفسرون: على القول الأول. وقد اعترضوا على القول الثاني، وقالوا: أي مناسبة بين شغلها إياه عن الصلاة وبين مسح أعرافها حبا لها، ولا أعلم قوله حبا لها يثبت عن ابن عباس. وحملوا قول مجاهد مسحها بيده أي تولى ضرب أعناقها. فإن قيل: فالقول الأول يفسد بأنه لا ذنب للحيوان، فكيف وجه العقوبة إليه؟ وقصد التشفي بقتله وهذا يشبه فعل الجبارين لا فعل الأنبياء؟ فالجواب: أنه لم يكن ليفعل ذلك إلا وقد أبيح له، وجائز أن يباح له ما يمنع منه في شرعنا، على أنه إذا ذبحها كانت قربانا وأكل لحمها جائز فما وقع تفريط. قال وهب بن منبه: لما ضرب سوقها وأعناقها شكر اللّه تعالى له ذلك، فسخر له الريح مكانها، وهي أحسن في المنظر، وأسرع في السير، وأعجب في الأحدوثة. قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ} أي: ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه {وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ} أي: على سريره {جَسَداً} وفيه قولان: أحدهما:أنه شيطان، قاله ابن عباس، والجمهور. وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة أقوال: أحدها: صخر، رواه العوفي عن ابن عباس. وذكر العلماء أنه كان شيطانا مريدا لم يسخر لسليمان. والثاني: آصف، قاله مجاهد، إلا أنه ليس بالمؤمن الذي عنده الاسم الأعظم، إلا أن بعض ناقلي التفسير حكى أنه آصف الذي عنده علم من الكتاب، وأنه لما فتن سليمان سقط الخاتم من يده فلم يثبت، فقال آصف: أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب اللّه عليك، فقام في مقامه وسار بالسيرة الجميلة، هذا لا يصح ولا ذكره من يوثق به. والثالث: حبقيق، قاله السدي، والمعنى: أجلسنا على كرسيه في ملكه شيطانا. {ثُمَّ أَنَابَ} أي: رجع. وفيما رجع إليه قولان: أحدهما: تاب من ذنبه، قاله قتادة. والثاني: رجع إلى ملكه، قاله الضحاك. وفي سبب ابتلاء سليمان بهذا خمسة أقوال: أحدها: أنه كانت له امرأة يقال لها: جرادة، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق، إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا، وأوحى اللّه تعالى إليه أنه سيصيبك بلاء، فكان لا يدري أيأتيه من السماء أو من الأرض. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أن زوجته جرادة كانت آثر النساء عنده فقالت له يوما: إن أخي بينه وبين فلان خصومة وإني أحب أن تقضي له، فقال: نعم ولم يفعل فابتلي لأجل ما قال، قاله السدي. والثالث: أن زوجته جرادة كان قد سباها في غزاة له، وكانت بنت ملك فأسلمت، وكانت تبكي عنده بالليل والنهار، فسألها عن حالها، فقالت: أذكر أبي وما كنت فيه، فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري فأتسلى بها ففعل، فكانت إذا خرج سليمان تسجد له هي و ولائدها أربعين صباحا، فلما علم سليمان كسر تلك الصورة وعاقب المرأة و ولائدها، ثم تضرع إلى اللّه تعالى مستغفرا مما كان في داره، فسلط الشيطان على خاتمه. هذا قول وهب بن منبه. والرابع: أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى اللّه تعالى إليه: ياسليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور عبادي، ولم تنصف مظلوما من ظالم، فسلط الشيطان على خاتمه. قاله سعيد ابن المسيب. والخامس: أنه قارب امرأة من نسائه في الحيض أو غيره، قاله الحسن. والقول الثاني: أن المراد بالجسد الذي ألقي على كرسيه أنه ولد له ولد، فاجتمعت الشياطين، فقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لم ننفك من البلاء، فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخبله،فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب فحمله، وعدا ابنه في السحاب خوفا من الشياطين، فعاتبه اللّه تعالى على تخوفه من الشياطين، ومات الولد فألقي على كرسيه ميتا جسدا. قاله الشعبي. والمفسرون على القول الأول. ونحن نذكر قصة ابتلائه على قول الجمهور. الإشارة إلى ذلك: اختلف العلماء في كيفية ذهاب خاتم سليمان على قولين: أحدهما: أنه كان جالسا على شاطىء البحر، فوقع منه في البحر، قاله علي رضي اللّه عنه. والثاني: أن شيطانا أخذه، وفي كيفية ذلك أربعة أقوال. أحدها: أنه دخل ذات يوم الحمام ووضع الخاتم تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، وجعل الشيطان يقول: أنا نبي اللّه، قاله سعيد ابن المسيب. والثاني: أن سليمان قال للشيطان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فأعطاه إياه فنبذه في البحر فذهب ملك سليمان، وقعد الشيطان على كرسيه، قاله مجاهد. والثالث: أنه دخل الحمام ووضع خاتمه عند أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان فتمثل لها في صورة سليمان، وأخذ الخاتم منها، فلما خرج سليمان، طلبه منها، فقالت: قد دفعته إليك فهرب سليمان، وجاء الشيطان فجلس على ملكه. قاله سعيد بن جبير. والرابع: أنه دخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه الشيطان في البحر، فذهب ملك سليمان وألقي على الشيطان شبهه، قاله قتادة. فأما قصة الشيطان: فذكر أكثر المفسرين أنه لما أخذ الخاتم رمى به في البحر، وألقي عليه شبه سليمان فجلس على كرسيه وتحكم في سلطانه، وقال السدي: لم يلقه في البحر حتى فر من مكان سليمان، وهل كان يأتي نساء سليمان فيه قولان: أحدهما: أنه لم يقدر عليهن، قاله الحسن وقتادة. والثاني: أنه كان يأتيهن في زمن الحيض فأنكرنه، قاله سعيد ابن المسيب. والأول أصح، قالوا: وكان يقضي بقضايا فاسدة ويحكم بما لا يجوز فأنكره بنو إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: إما أن تكونوا قد هلكتم أنتم وإما أن يكون ملككم قد هلك، فاذهبوا إلى نسائه فاسألوهن، فذهبوا فقلن إنا واللّه قد أنكرنا ذلك فلم يزل على حاله إلى أن انقضى زمن البلاء. وفي كيفية بعد الشيطان عن مكان سليمان أربعة أقوال: أحدها: أن سليمان وجد خاتمه فتختم به ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان. قاله سعيد بن المسيب. والثاني: أن سليمان لما رجع إلى ملكه وجاءته الريح والطير والشياطين، فر الشيطان حتى دخل البحر، قاله مجاهد. والثالث: أنه لما مضى أربعون يوما، طار الشيطان من مجلسه، قاله وهب. والرابع: أن بني إسرائيل لما أنكروه، أتوه فأحدقوا به، ثم نشروا التوراة فقرؤوا فطار بين أيديهم، حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر، فابتلعه حوت، قاله السدي. وفي قدر مكث الشيطان قولان: أحدهما: أربعون يوما، قاله الأكثرون. والثاني: أربعة عشر يوما، حكاه الثعلبي. وأما قصة سليمان عليه السلام: فإنه لما سلب خاتمه ذهب ملكه فانطلق هاربا في الأرض. قال مجاهد: كان يستطعم فلا يطعم، فيقول: لو عرفتموني أعطيتموني أنا سليمان، فيطردونه حتى أعطته امرأة حوتا فوجد خاتمه في بطن الحوت. وقال سعيد بن جبير: انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر فوجد صيادين قد صادوا سمكا كثيرا، وقد أنتن عليهم بعضه، فأتاهم يستطعم فقالوا: اذهب إلى تلك الحيتان فخذ منها، فقال: لا أطعموني من هذا فأبوا عليه، فقال: أطعموني فإني سليمان فوثب إليه رجل منهم فضربه بالعصا غضبا لسليمان، فأتى تلك الحيتان فأخذ منها شيئا فشق بطن حوت فإذا هو بالخاتم. وقال الحسن: ذكر لي أنه لم يؤوه أحد من الناس، ولم يعرف أربعين ليلة، وكان يأوي إلى امرأة مسكينة فبينا هو يوما على شط نهر وجد سمكة فأتى بها المرأة فشقتها فإذا بالخاتم. وقال الضحاك: اشترى سمكة من امرأة فشق بطنها فوجد خاتمه. وفي المدة التي سلب فيها الملك قولان: أحدهما: أربعون ليلة، كما ذكرنا عن الحسن. والثاني: خمسون ليلة، قاله سعيد بن جبير. قال المفسرون: فلما جعل الخاتم في يده، رد اللّه عليه بهاءه وملكه، فأظلته الطير، وأقبل لا يستقبله جني ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا سجد له، حتى انتهى إلى منزله. قال السدي: ثم أرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به، فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وأقفل وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه إلى أن تقوم الساعة، وقال وهب: جاب صخرة فأدخله فيها ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم قذفه في البحر. قوله تعالى: {وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاِحَدٍ مّن بَعْدِى} فتح الياء نافع وأبو عمرو، وفيه قولان: أحدهما: لا يكون لأحد بعدي، قاله مقاتل، وأبو عبيدة. وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني اللّه منه فأخذته، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان {هَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاِحَدٍ مّن بَعْدِى} فرددته خاسئا. والثاني: لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي، كما فعل الشيطان الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن، وقتادة. وإنما طلب هذا الملك، ليعلم أنه قد غفر له، ويعرف منزلته بإجابة دعوته، قاله الضحاك. ولم يكن في ملكه حين دعا بهذا الريح ولا الشياطين {فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرّيحَ} وقرأ أبو الجوزاء، وأبو جعفر، وأبو المتوكل: {ٱلرّيَاحِ} على الجمع. قوله تعالى: {رُخَاء} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: مطيعة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والضحاك. والثاني: أنها الطيبة، قاله مجاهد. والثالث: اللينة مأخوذ من الرخاوة، قاله اللغويون. فإن قيل: كيف وصفها بهذا بعد أن وصفها في سورة [الأنبياء/ ٨١] بأنها عاصفة؟ فالجواب: أن المفسرين قالوا: كان يأمر العاصف تارة ويأمر الرخاء أخرى، وقال ابن قتيبة: كأنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد. قوله تعالى: {حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث قصد وأراد. قال الأصمعي: تقول العرب: أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب، أي: أراد الصواب. قوله تعالى: {وَٱلشَّيَـٰطِينَ} أي: وسخرنا له الشياطين {كُلَّ بَنَّاء} يبنون له ما يشاء {وَغَوَّاصٍ} يغوصون له في البحار فيستخرجون الدر، {وَءاخَرِينَ} أي: وسخرنا له آخرين، وهم مردة الشياطين، سخرهم له حتى قرنهم في الأصفاد لكفرهم، قال مقاتل: أوثقهم في الحديد. وقد شرحنا معنى {مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلاْصْفَادِ} في سورة نبي اللّه إبراهيم عليه السلام [إبراهيم/ ٤٩] {هَـٰذَا عَطَاؤُنَا} المعنى: قلنا له: هذا عطاؤنا. وفي المشار إليه قولان: أحدهما: أنه جميع ما أعطي، {فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ} أي: أعط من شئت من المال، وامنع من شئت. والمن: الإحسان إلى من لا يطلب ثوابه. والثاني: أنه إشارة إلى الشياطين المسخرين له، فالمعنى: فامنن على من شئت بإطلاقه، وأمسك من شئت منهم، وقد روي معنى القولين عن ابن عباس. قوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال الحسن: لا تبعة عليك في الدنيا ولا في الآخرة. وقال سعيد بن جبير: ليس عليك حساب يوم القيامة. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [سبأ/ ٣٧] [الرعد/٢٩] [الانبياء/٨٣] إلى قوله: {مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ} وذلك أن الشيطان سلط عليه، فأضاف ما أصابه إليه. قوله تعالى: {بِنُصْبٍ} قرأ الأكثرون بضم النون وسكون الصاد، وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة، وابن السميفع، والجحدري، ويعقوب: بفتحهما. وهل بينهما؟ فرق فيه قولان: أحدهما: أنهما سواء. قال الفراء: هما كالرشد والرشد والعدم، والعدم، والحزن والحزن. وكذلك قال ابن قتيبة والزجاج. قال المفسرون: والمراد بالنصب الضر الذي أصابه. والثاني: أن النصب بتسكين الصاد الشر، وبتحريكها الإعياء قاله أبو عبيدة. وقرأت عائشة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو عمارة عن حفص: {بِنُصْبٍ} بضم النون والصاد جميعا. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الجوزاء، وهبيرة عن حفص: {بِنُصْبٍ} بفتح النون وسكون الصاد. وفي المراد بالعذاب قولان: أحدهما: أنه العذاب الذي أصاب جسده. والثاني: أنه أخذ ماله وولده. قوله تعالى: {ٱرْكُضْ} أي: اضرب الأرض {بِرِجْلِكَ} ومنه: ركضت الفرس فركض فنبعت عين ماء، فذلك قوله عز وجل: {هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} قال ابن قتيبة: المغتسل الماء وهو الغسول أيضا. قال الحسن: ركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا، ثم ركض برجله فنبعت عين فشرب منها. وعلى هذا جمهور العلماء أنه ركض ركضتين فنبعت له عينان، فاغتسل من واحدة وشرب من الأخرى. قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} كان قد حلف لئن شفاه اللّه ليجلدن زوجته مائة جلدة. وفي سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال: أحدها: أن إبليس جلس في طريق زوجة أيوب كأنه طبيب فقالت له: يا عبد اللّه إن ها هنا إنسانا مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم. إن شاء شفيته على أن يقول إذا برأ: أنت شفيتني. فجاءت فأخبرته فقال: ذاك الشيطان، للّه علي إن شفاني أن أجلدك مائة جلدة. رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس. والثاني: أن إبليس لقيها فقال: إني أنا الذي فعلت بأيوب مابه، وأنا إله الأرض وما أخذته منه فهو بيدي، فانطلقي أريك فمشى بها غير بعيد، ثم سحر بصرها فأراها واديا عميقا فيه أهلها وولدها ومالها، فأتت أيوب فأخبرته فقال: ذاك الشيطان ويحك، كيف وعى قوله سمعك، واللّه لئن شفاني اللّه عز وجل لأجلدنك مائة. قاله وهب بن منبه. والثالث: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة فقال: ليذبح لي هذه وقد برأ، فأخبرته فحلف ليجلدنها، وقد ذكرنا هذا القول في سورة [الأنبياء/ ٨٣] عن الحسن. فأما الضغث فقال الفراء:هو كل ما جمتعه من شيء مثل الحزمة الرطبة قال: وما قام على ساق واستطال ثم جمعته فهو ضغث. وقال ابن قتيبة: هو الحزمة من الخلال والعيدان. قال الزجاج: هو الحزمة من الحشيش والريحان وما أشبههه. قال المفسرون: جزى اللّه زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها، فسهل الأمر فجمع لها مائة عود، وقيل: مائة سنبلة. وقيل: كانت أسلا. وقيل: من الإذخر. وقيل: كانت شماريخ فضربها بها ضربة واحدة، ولم يحنث في يمنيه؟ وهل ذلك خاص له أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه عام وبه قال ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ليلى. والثاني: أنه خاص لأيوب، قاله مجاهد. فصل وقد اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط، فجمعها كلها وضربه بها ضربة واحدة، فقال مالك والليث بن سعد: لا يبر، وبه قال أصحابنا. وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا أصابه في الضربة الواحدة كل واحد منها فقد بر، واحتجوا بعموم قصة أيوب عليه الصلاة والسلام. قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً} أي: على البلاء الذي ابتليناه به. ٤٥ انظر تفسير الآية:٥٤ ٤٦ انظر تفسير الآية:٥٤ ٤٧ انظر تفسير الآية:٥٤ ٤٨ انظر تفسير الآية:٥٤ ٤٩ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٠ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥١ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٢ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٤ قوله تعالى: {وَٱذْكُرْ عِبَادَنَا} وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن، وابن كثير: {عَبْدَنَا} إشارة إلى إبراهيم، وجعلوا إسحاق ويعقوب عطفا عليه، لأنه الأصل وهما ولداه، والمعنى: اذكر صبرهم فإبراهيم ألقي في النار، وإسحاق أضجع للذبح، ويعقوب صبر على ذهاب بصره وابتلي بفقد ولده، ولم يذكر إسماعيل معهم لأنه لم يبتل كما ابتلوا. {أُوْلِى ٱلاْيْدِى} يعني القوة في الطاعة {وَٱلاْبْصَـٰرُ} البصائر في الدين والعلم. قال ابن جرير: وذكر الأيدي مثل وذلك لأن باليد البطش، وبالبطش تعرف قوة القوي، فلذلك قيل للقوي ذو يد، وعنى بالبصر بصر القلب، وبه تنال معرفة الأشياء، وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن أبي عبلة: {أُوْلِى ٱلاْيْدِى} بغير ياء في الحالين. قال الفراء: ولها وجهان: أحدهما: أن يكون القارئ لهذا أراد الأيدي فحذف الياء، وهو صواب مثل الجوار والمناد. والثاني: أن يكون من القوة والتأييد، من قوله {وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ} [البقرة/ ٨٧]. قوله تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنٰهُمْ} أي: اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين، فأفردناهم بمفردة من خصال الخير، ثم أبان عنها بقوله {ذِكْرَى ٱلدَّارِ}. وفي المراد بالدار هاهنا قولان: أحدهما: الآخرة. والثاني: الجنة. وفي الذكرى، قولان: أحدهما: أنها من الذكر فعلى هذا يكون المعنى أخلصناهم بذكر الآخرة، فليس لهم ذكر غيرها. قاله مجاهد، وعطاء والسدي، وكان الفضيل ابن عياض رحمة اللّه عليه يقول: هو الخوف الدائم في القلب. والثاني: أنها التذكير. فالمعنى: أنهم يدعون الناس إلى الآخرة وإلى عبادة اللّه تعالى. قاله قتادة. وقرأ نافع {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ} فأضاف خالصة إلى ذكرى الدار. قال أبو علي: تحتمل قراءة من نون وجهين: أحدهما: أن تكون ذكرى بدلا من خالصة والتقدير: أخلصناهم بذكر الدار. والثاني: أن يكون المعنى أخلصناهم بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة، والزهد في الدنيا. ومن أضاف فالمعنى: أخلصناهم بإخلاصهم ذكرى الدار بالخوف منها. وقال ابن زيد: أخلصناهم بأفضل ما في الجنة. قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ} أي: من الذين اتخذهم اللّه صفوة فصفاهم من الأدناس {ٱلاْخْيَارِ} الذين اختارهم. {وَٱذْكُرْ إِسْمَـٰعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ} أي: اذكرهم بفضلهم وصبرهم لتسلك طريقهم، واليسع نبي واسمه أعجمي معرب، وقد ذكرناه في [الأنعام/ ٨٥] وشرحنا في سورة [الأنبياء/ ٨٥] قصة ذي الكفل وتكلمنا في [البقرة/ ١٢٥] في اسم إسماعيل، وزعم مقاتل أن إسماعيل هذا ليس بابن إبراهيم. قوله تعالى: {هَـٰذَا ذِكْرُ} أي: شرف وثناء جميل يذكرون به أبدا {هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} أي: حسن مرجع يرجعون إليه في الآخرة. ثم بين ذلك المرجع، فقال: {جَنَّـٰتٍ * مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلاْبْوَابُ} قال الفراء: إنما رفعت الأبواب لأن المعنى: مفتحة لهم أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون: مررت على رجل حسن العين وقبيح الأنف، والمعنى: حسنة عينة قبيح أنفه، ومنه قوله تعالى: {فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ} [النازعات /٣٩] والمعنى: مأواه وقال الزجاج: المعنى مفتحة لهم الأبواب منها، فالألف واللام للتعريف لا للبدل. قال ابن جرير: والفائدة في ذكر تفتيح الأبواب، أن اللّه عز وجل أخبر عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها لها بيد، ولكن بالأمر، قال الحسن: هي أبواب تكلم فتكلم انفتحي انغلقي. قوله تعالى: {وَعِندَهُمْ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ} قد مضى بيانه في [الصافات/ ٤٨] قال الزجاج: والأتراب: اللواتي أسنانهن واحدة وهن في غاية الشباب والحسن. قوله تعالى: {هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ} قرأ أبو عمرو، وابن كثير، بالياء، والباقون بالتاء. قوله تعالى: {لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ} اللام بمعنى في والنفاد: الانقطاع. قال السدي: كلما أخذ من رزق الجنة شيء، عاد مثله. ٥٥ انظر تفسير الآية:٦٦ ٥٦ انظر تفسير الآية:٦٦ ٥٧ انظر تفسير الآية:٦٦ ٥٨ انظر تفسير الآية:٦٦ ٥٩ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٠ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦١ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٢ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٣ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٤ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٥ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٦ قوله تعالى: {هَـٰذَا} المعنى: هذا الذي ذكرناه {وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ} يعني الكافرين {لَشَرَّ مَـئَابٍ}، ثم بين ذلك بقوله {جَهَنَّمَ} والمهاد: الفراش. {هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ} قال الفراء: في الآية تقديم وتأخير تقديره: هذا حميم وغساق فليذوقوه، وإن شئت جعلت الحميم مستأنفا، كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم ومنه غساق. كقول الشاعر: حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود فأما الحميم، فهوالماء الحار. وأما الغساق، ففيه لغتان: قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: بالتشديد. وكذلك في [عم يتساءلون/ ٢٥] تابعهم لمفضل في {عَمَّ} وقرأ الباقون بالتخفيف. وفي الغساق أربعة أقوال: أحدها: الزمهرير، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: الغساق لا يستطيعون أن يذوقوه من برد. والثاني: أنه ما يجري من صديد أهل النار، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال عطية، وقتادة، وابن زيد. والثالث: أن الغساق: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غيرها، فيستنقع، فيؤتي بالآدمي فيغمس فيها غمسة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام، ويجر لحمه جر الرجل ثوبه، قاله كعب. والرابع: أنه ما يسيل من دموعهم، قاله السدي. قال أبو عبيدة: الغساق ما سال يقال: غسقت العين والجرح. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال: لم يكن أبو عبيدة يذهب إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب. وكان يقول هو اتفاق يقع بين اللغتين، وكان غيره يزعم أن الغساق البارد المنتن بلسان الترك. وقيل: فعال من غسق يغسق فعلى هذا يكون عربيا. وقيل في معناه: إنه الشديد البرد يحرق من برده. وقيل: هو ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد. قوله تعالى: {قَدَّمَ وَأَخَّرَ} قرأ أبو عمرو، والمفضل: {وَأَخَّرَ} بضم الهمزة من غير مد، فجمعا لأجل نعته بالأزواج، وهي جمع. وقرأ الباقون بفتح الألف ومده على التوحيد. واحتجوا بأن العرب تنعت الاسم إذا كان فعلا بالقليل والكثير؛ قال الفراء: تقول: عذاب فلان ضروب شتى وضربان مختلفان، وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم والغساق والآخر، فهن ثلاثة، والأشبه أن تجعله صفة لواحد. وقال الزجاج: من قرأ وآخر بالمد فالمعنى: وعذاب آخر {مِن شَكْلِهِ} أي: مثل الأول. ومن قرأ: وأخر فالمعنى: وأنواع أخر، لأن قوله: {أَزْوٰجٌ} بمعنى أنواع. وقال ابن قتيبة: من شكله أي من نحوه أزواج أي أصناف. وقال ابن جرير: من شكله أي من نحو الحميم. قال ابن مسعود في قوله {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ} هو الزمهرير. وقال الحسن: لما ذكر اللّه تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا، قال: وآخر من شكله أي: وآخر لم ير في الدنيا. قوله تعالى: {هَـٰذَا فَوْجٌ} هذا قول الزبانية للقادة المتقدمين في الكفر إذا جاؤوهم بالأتباع، وقيل: بل هو قول الملائكة لأهل النار كلما جاؤوهم بأمة بعد أمة، والفوج الجماعة من الناس، وجمعه أفواج، والمقتحم الداخل في الشيء رميا بنفسه. قال ابن السائب: إنهم يضربون بالمقامع فيلقون أنفسهم في النار ويثبون فيها خوفا من تلك المقامع، فلما قالت الملائكة ذلك لأهل النار قالوا: لا مرحبا بهم، فاتصل الكلام كأنه قول واحد، وإنما الأول من قول الملائكة والثاني: من قول أهل النار. وقد بينا مثل هذا في قوله {لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ} [يوسف/٥٢] والمرحب والرحب السعة والمعنى: لا اتسعت بهم مساكنهم. قال أبو عبيدة: تقول العرب للرجل: لا مرحبا بك أي: لا رحبت عليك الأرض. وقال ابن قتيبة: معنى قولهم: مرحبا وأهلا: أي: أتيت رحبا أي سعة وأهلا أي أتيت أهلا لا غرباء، فائنس ولا تستوحش، وسهلا أي أتيت سهلا لا حزنا. وهو في مذهب الدعاء. كما تقول: لقيت خيرا. قال الزجاج: ومرحبا منصوب بقوله: رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت لا على ذلك المعنى. قوله تعالى: {إِنَّهُمْ صَالُو ٱلنَّارِ} أي: داخلوها كما دخلناها ومقاسون حرها، فأجابهم القوم ف {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} إن قلنا: إن هذا قول الأتباع للرؤساء فالمعنى: أنتم زينتم لنا الكفر. وإن قلنا: إنه قول الأمة المتأخرة للأمة المتقدمة، فالمعنى: أنتم شرعتم لنا الكفر وبدأتم به قبلنا، فدخلتم النار قبلنا {فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ} أي: بئس المستقر والمنزل. {قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا} أي: من سنه وشرعه {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى ٱلنَّارِ} وقد شرحناه في [الأعراف/ ٣٨] وفي القائلين لهذا قولان. أحدهما: أنه قول جميع أهل النار، قاله ابن السائب. والثاني: قول الأتباع. قاله مقاتل قوله تعالى: {وَقَالُواْ} يعني أهل النار {مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ ٱلاْشْرَارِ} قال المفسرون: إذا دخلوا النار، نظروا فلم يروا من كان يخالفهم من المؤمنين، فيقولون ذلك. قال مجاهد: يقول أبو جهل في النار: أين صهيب أين عمار أين خباب أين بلال. قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيّاً} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {مّنَ ٱلاْشْرَارِ * أَتَّخَذْنَـٰهُمْ} بالوصل على الخبر أي: إنا اتخذناهم. وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة. وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام. وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة. وقال الفراء: وهذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ. والمعنى: أنهم يوبخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين و{سِخْرِيّاً} يقرأ بضم السين وكسرها. وقد شرحناها في آخر سورة [المؤمنين/ ١١٠] {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلابْصَـٰرُ} أي: وهم معنا في النار ولا نراهم. وقال أبو عبيدة: أم هاهنا بمعنى بل. قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ} قال الزجاج: أي: إن الذي وصفناه عنهم لحق، ثم بين ما هو فقال هو {تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ} وقرأ أبوالجوزاء، وأبو الشعثاء، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: {تَخَاصُمُ} برفع الصاد وفتح الميم، وكسر اللام من أهل. وقرأ أبو مجلز، وأبو العالية، وأبو المتوكل، وابن السميفع: {تَخَاصُمُ أَهْلِ} بفتح الصاد والميم ورفع اللام. ٦٧ انظر تفسير الآية:٨٨ ٦٨ انظر تفسير الآية:٨٨ ٦٩ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٠ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧١ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٢ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٣ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٤ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٥ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٦ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٧ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٨ انظر تفسير الآية:٨٨ ٧٩ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٠ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨١ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٢ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٣ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٤ انظر تفسير الآية:٨٨
٨٨ ٨٦ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٧ انظر تفسير الآية:٨٨ ٨٨ قوله تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} النبأ الخبر وفي المشار إليه قولان. أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور. والثاني: أنه البعث بعد الموت، قاله قتادة. {أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} أي: لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي، وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من اللّه، ويدل على هذا المعنى قوله {مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَـَلإِ ٱلاْعْلَىٰ} يعني الملائكة {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} في شأن آدم حين قال اللّه تعالى: {إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً} [البقرة/ ٣٠] والمعنى: إني ما علمت هذا إلا بوحي، {إِن يُوحَىٰ إِلَىَّ} أي: ما يوحى إلي {إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ} أي: إلا أني نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه. {إِذْ قَالَ رَبُّكَ} هذا متصل بقوله: يختصمون، وإنما اعترضت تلك الآية بينهما. قال ابن عباس: اختصموا حين شووروا في خلق آدم، فقال اللّه لهم {إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً} وهذه الخصومة منهم إنما كانت مناظرة بينهم. وفي مناظرتهم قولان: أحدهما: أنه قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة/ ٣٠] قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني: أنهم قالوا: لن يخلق اللّه خلقا إلا كنا أكرم منه وأعلم. قاله الحسن، هذا قول الأكثر من المفسرين. وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: رأيت ربي عز وجل فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: أنت أعلم يارب. قال: في الكفارات والدرجات، فأما الكفارات، فاسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وأما الدرجات فافشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام. قوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ} أي: استكبرت بنفسك حين أبيت السجود {أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَـٰلِينَ} أي: من قوم يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك من قوم يتكبرون. قوله تعالى: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي: مرجوم بالذم واللعن. قوله تعالى: {إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ} وهو وقت النفخة الأولى، وهو حين موت الخلائق. وقوله: {فَبِعِزَّتِكَ} يمين بمعنى: فوعزتك، وما أخللنا به في هذه القصة فهو مذكور في [الأعراف/ ١٢] و [الحجر/ ٣٤] وغيرهما مما تقدم. قوله تعالى: {قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ} قرأ عاصم إلا حسنون عن هبيرة، وحمزة، وخلف، وزيد عن يعقوب: {فَٱلْحَقُّ} بالرفع في الأول ونصب الثاني. وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد. قال ابن عباس في معناه: فأنا الحق وأقول الحق، وقال غيره: خبر الحق محذوف تقديره: الحق مني. وقرأ محبوب عن أبي عمرو بالرفع فيهما. قال الزجاج: من رفعهما جميعا كان المعنى: فأنا الحق والحق أقول. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: بالنصب فيهما. قال الفراء: وهو على معنى قولك: حقا لآتينك. ووجود الألف واللام وطرحهما سواء، وهو بمنزلة قولك: حمدا للّه. وقال مكي بن أبي طالب: انتصب الحق الأول على الإغراء أي: اتبعوا الحق واسمعوا والزموا الحق. وقيل: هو نصب على القسم كما تقول: اللّه لأفعلن فتنصب حين حذفت الجار لأن تقديره فبالحق. فأما الحق الثاني فيجوز أن يكون الأول وكرره توكيدا ويجوز أن يكون منصوبا ب {أَقُولُ} كأنه قال:وأقول الحق. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو رجاء، ومعاذ القارىء، والأعمش: {فَٱلْحَقُّ} بكسر القاف {وَٱلْحَقَّ} بنصبها. وقرأ أبو عمران الجوني: بكسر القافين جميعا. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو نهيك: {فَٱلْحَقُّ} بالنصب {وَٱلْحَقَّ} بالرفع. قوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ} أي: من نفسك وذريتك. {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي: على تبليغ الوحي {وَمَا أَنَا مِنَ ٱلْمُتَكَلّفِينَ} أي: لم أتكلف إتيانكم من قبل نفسي، إنما أمرت أن آتيكم، ولم أقل القرآن من تلقاء نفسي، إنما أوحي إلي. {إِنْ هُوَ} أي: ماهو، يعني القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} أي: موعظة {لّلْعَـٰلَمِينَ}. {وَلَتَعْلَمُنَّ} يا معاشر الكفار {نَبَأَهُ} أي: خبر صدق القرآن {بَعْدَ حِينِ} وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: بعد الموت. والثاني: يوم القيامة، رويا عن ابن عباس، وبالأول يقول قتادة، وبالثاني يقول عكرمة. والثالث: يوم بدر، قاله السدي، ومقاتل. وقال ابن السائب: من بقي إلى أن ظهر أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علم ذلك، ومن مات علمه بعد الموت. وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك. |
﴿ ٠ ﴾