٣

واختلفوا في معنى {ص} على سبعة أقوال:

أحدها: أنه قسم أقسم اللّه به وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: أنه بمعنى صدق محمد، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثالث: صدق اللّه، قاله الضحاك، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: معناه صادق فيما وعد. وقال الزجاج: معناه: الصادق اللّه تعالى.

والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن أقسم اللّه به، قاله قتادة.

والخامس: أنه اسم حية رأسها تحت العرش وذنبها تحت الأرض السفلى، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال: أظنه عن عكرمة.

والسادس: أنه بمعنى: حادث القرآن، أي: انظر فيه، قاله الحسن، وهذا على قراءة من كسروا، منهم ابن عباس، والحسن، وابن أبي عبلة. قال ابن جرير: فيكون المعنى: صاد بعملك القرآن، أي: عارضه.

وقيل: اعرضه على عملك، فانظر أين هو منه.

والسابع: أنه بمعنى: صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به وأحبوه. حكاه الثعلبي، وهذا على قراءة من فتح. وهي قراءة أبي رجاء، وأبي الجوزاء، وحميد، ومحبوب عن أبي عمرو. قال الزجاج: والقراءة صاد، بتسكين الدال لأنها من حروف التهجي، وقد قرئت بالفتح وبالكسر، فمن فتحها فعلى ضربين:

أحدهما: لالتقاء الساكنين.

والثاني: على معنى أتل صاد، ويكون صاد اسما للسورة لاينصرف، ومن كسر فعلى ضربين:

أحدهما: لالتقاء الساكنين أيضا.

والثاني: على معنى: صاد القرآن بعملك، من قولك صادى يصادي. إذا قابل وعادل يقال صاديته إذا قابلته.

قوله تعالى: {ذِى ٱلذّكْرِ} في المراد بالذكر ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الشرف، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي.

والثاني: البيان، قاله قتادة.

والثالث: التذكير، قاله الضحاك.

فإن قيل: أين جواب القسم بقوله: {ص وَٱلْقُرْءانِ ذِى ٱلذّكْرِ}؟

فعنه خمسة أجوبة:

أحدها: أن ص جواب لقوله: {وَٱلْقُرْءانِ} ف {ص} في معناها كقولك: وجب واللّه، نزل واللّه، حق واللّه، قاله الفراء، وثعلب.

والثاني: أن جواب {ص} قوله {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} ومعناه: لكم. فلما طال الكلام،حذفت اللام، ومثله: {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا} {قَدْ أَفْلَحَ}، [الشمس/١ و٩] فإن المعنى: لقد أفلح، غير أنه لما اعترض بينهما كلام، تبعه قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} حكاه الفراء، وثعلب أيضا.

والثالث: أنه قوله: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ} [ص /١٤]، حكاه الأخفش.

والرابع: أنه قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ} [ص/ ٦٤] قاله الكسائي. وقال الفراء: لا نجده مستقيما في العربية، لتأخره جدا عن قوله {وَٱلْقُرْءانِ}.

والخامس: أن جوابه محذوف، تقديره: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار، ويدل على هذا المحذوف قوله {بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ذكره جماعة من المفسرين، وإلى نحوه ذهب قتادة. والعزة: الحمية والتكبر عن الحق. وقرأ عمرو بن العاص، وأبو رزين، وابن يعمر، وعاصم الجحدري، ومحبوب عن أبي عمرو: {فِى} بغين معجمة و راء غير معجمة. والشقاق: الخلاف والعداوة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد سبق بيان الكلمتين مشروحا [البقرة/ ٢٠٦ـ ١٣٨]. ثم خوفهم بقوله تعالى: {يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} يعنى الأمم الخالية {فَنَادَوْاْ} عند وقوع الهلاك بهم. وفي هذا النداء قولان:

أحدهما: أنه الدعاء.

والثاني: الاستغاثة. قوله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} وقرأ الضحاك، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: {وَّلاَتَ حِينَ} بفتح التاء ورفع النون. قال ابن عباس: ليس حين يروه فرار. وقال عطاء: في لغة أهل اليمن {لأَتٍ} بمعنى ليس. وقال وهب بن منبه: هي بالسريانية. وقال الفراء: لات بمعنى ليس. والمعنى: ليس بحين فرار. ومن القراء من يخفض لات. والوجه النصب لأنها في معنى ليس. أنشدني المفضل: تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القريناقال ابن الأنباري: كان الفراء والكسائي والخليل وسيبويه والأخفش وأبو عبيدة يذهبون إلى أن التاء في قوله تعالى: {وَّلاَتَ} منقطعة من {حِينٍ} قال: وقال أبو عبيدة: الوقف عندي على هذا الحرف {وَلاَ} والابتداء {تحين} لثلاث حجج: إحداهن: أن تفسير ابن عباس يشهد لها، لأنه قال: ليس حين يروه فرار، فقد علم أن {أَوَ لَيْسَ} هي أخت {لا} وفي معناها. والحجة الثانية: أنا لا نجد في شيء من كلام العرب {وَّلاَتَ} إنما المعروفة {لا}. والحجة الثالثة: أن هذه التاء إنما وجدناها تلحق مع {حِينٍ} ومع {الآن} ومع ال {أوان} فيقولون: كان هذا تحين كان ذلك، وكذلك: تأوان، ويقال: اذهب تلان، ومنه قول أبي وجزة السعدي: العاطفون تحين مامن عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم وذكر ابن قتيبة عن ابن الأعرابي أن معنى هذا البيت: العاطفونة بالهاء، ثم تبتدىء: حين مامن عاطف، قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأن الهاء إنما تقحم على النون في مواضع القطع والسكون، فأما مع الاتصال فإنه غير موجود. وقال علي بن أحمد النيسابوري: النحويون يقولون في قوله {فَنَادَواْ وَّلاَتَ} هي {لا} زيدت فيها التاء كما قالوا: ثم وثمت ورب وربت، وأصلها هاء وصلت ب {لا} فقالوا: لاه فلما وصلوها جعلوها تاء، والوقف عليها بالتاء عند الزجاج، وأبي علي، وعند الكسائي بالهاء، وعند أبي عبيد الوقف على {لا}. فأما المناص فهو الفرار. قال الفراء: النوص في كلام العرب: التأخر، والبوص: التقدم. قال امرؤ القيس:

أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص فتقصر عنها خطوة وتبوص

وقال أبوعبيدة: المناص: مصدر ناص ينوص، وهوالمنجى والفوز.

﴿ ٣