ÓõæÑóÉõ ÇáÒøõãóÑö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÎóãúÓñ æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð

سورة الزّمر

وتسمى سورة الغرف

[فص] فصل في نزولها[/فص]

روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وجابر بن زيد.

وروي عن ابن عباس أنه قال: فيها آيتان نزلتا بالمدينة قوله {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } [الزمر/ ٢٣] وقوله {قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [الزمر: ٥٣]

وقال مقاتل: فيها من المدني {قُلْ يٰأَهْلَ عِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } الآية [الزمر: ٥٣] وقوله {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } [الزمر/ ١٠] وفي رواية أخرى عنه قال: فيها آيتان مدنيتان {قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [الزمر/ ٥٣] وقوله {قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [الزمر/ ١٠]

وقال بعض السلف: فيها ثلاث آيات مدنيات {قُلْ يٰأَهْلَ عِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } إلى قوله: {وَأَنتُمْ * تَشْعُرُونَ } [الزمر/٥٥-٥٣].

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

انظر تفسير الآية:٤

٢

انظر تفسير الآية:٤

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

قوله تعالى: {تنزيلُ الكتابِ} قال الزجاج: الكتاب هاهنا القرآن، ورفع " تنزيلُ " من وجهين.

أحدهما: الابتداء، ويكون الخبر {مِنَ اللّه} ، فالمعنى: نزل من عند اللّه.

والثاني: على إضمار هذا تنزيلُ الكتاب؛ و {مُخْلِصاً} منصوب على الحال؛

فالمعنى: فاعبُدِ اللّه موحِّداً لا تُشْرِكْ به شيئاً.

قوله تعالى: {ألا للّه الدّينُ الخالصُ} يعني: الخالص من الشِّرك، وما سِواه ليس بِدِين اللّه الذي أَمر به؛ [وقيل]: المعنى: لا يَستحِقُّ الدِّينَ الخالصَ إِلاّ اللّه.

{والذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونِه أولياءَ} يعنى آلهة ويدخُل في هؤلاء اليهودُ حين قالوا {عُزَيْرٌ ابنُ اللّه} [التوبة: ٣٠] والنصارى لقولهم {المسيحُ ابنُ اللّه} [التوبة:٣٠] وجميعُ عُبَّاد الأصنام، ويدُلُّ عليه قولُه بعد ذلك {لو أرادَ اللّه أن يَتَّخِذَ وَلَداً} [الزمر:٤].

قوله تعالى: {ما نَعْبُدُهم} أي: يقولون ما نعبُدُهم {إلا لِيُقَرِّبونا إِلى اللّه زُلْفى} أي: إِلاّ لِيَشْفَعوا لنا إِلى اللّه، والزُّلْفى: القُرْبى، وهو اسم أُقيم مقامَ المصدر فكأنه قال: إلاّ لِيُقَرِّبونا إِلى اللّه تقريباً.

{إنَّ اللّه يحكمُ بينهم} أي: بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدّين. وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.

قوله تعالى: {إنَّ اللّه لا يَهْدي} أي: لا يُرْشِد {مَنْ هو كاذبٌ} في قوله إِن الآلهه تشفع {كَفَّارٌ} أي: كافر باتِّخاذها آلهة. وهذا إِخبار عمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية.

{لو أراد اللّه أن يَتَّخِذَ وَلَداً} [أي]: على ما يزعم من ينسُب ذلك إِلى اللّه {لاصْطَفَى} أي: لاختار ممّا يخلُق. قال مقاتل: أي من الملائكة.

٥

وله تعالى: {خَلَقَ السمواتِ والأرضَ بالحَقِّ} [أي]: لم يخلقهما لغير شيء.

{يُكَوِّرُ اللَّيلَ على النَّهار} قال أبو عبيدة: يُدْخِلُ هذا على هذا. قال ابن قتيبة: وأصلُ التَّكْوِير: اللَّفُّ ومنه كَوْرُ العِمامة، وقال غيره: التَّكْويرُ طَرْحُ الشيء بعضه على بعض.

{وسخَّر الشَّمسَ والقمر} أي ذللّهما للسَّير على ما أراد {كُلٌّ يَجْري لأَجَلٍ مسمَّى} أي: إِلى الأجَلَ الذي وقَّت اللّه للدُّنيا. وقد شرحنا معنى العزيز في [البقرة:١٢٩] ومعنى الغفَّار في [طه: ٨٢].

٦

قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحدةٍ} يعني آدم {ثُمَّ جعَلَ منها زَوْجَها} أي: قَبْلَ خَلْقِكم جعل منها زوجها، لأنّ حَوّاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ الذُّرِيَّة، ومِثْلُه في الكلام أن تقول: قد أعطيتُكَ اليوم شيئاً، ثُمَّ الذي أعطيتُكَ أمس أكثر؛ هذا اختيار الفراء. وقال غيره: ثم أَخبركم أنه خَلَق منها زَوْجَها. {وأَنْزَلَ لكم من الأَنعام} أي: خَلَق {ثمانيةَ أزواجٍ} ، وقد بيَّنّاها في سورة [الأنعام:١٤٣].

{خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} أي: نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثم مُضَغاً ثم عَظْماً ثم لَحْماً، ثم أنبت الشَّعر، إِلى غير ذلك من تقلُّب الأحوال إِلى إِخراج الأطفال، هذا قول الجمهور. وقال ابن زيد: خَلْقاً في البُطون مِنْ بَعْدِ خَلْقِكم في ظَهْر آدم.

قوله تعالى: {في ظُلُماتٍ ثلاثٍ} ظُلْمة البَطْن، وظُلْمة الرَّحِم، وظُلْمة المَشيمة، قاله الجمهور، وابن زيد معهم. وقال أبو عبيدة: إِنها ظُلْمة صُلْب الأب، وظُلْمة بَطْن المرأة، وظُلْمة الرَّحِم.

قوله تعالى: {فأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: من أين تُصْرَفون عن طريق الحَقِّ بعد هذا البيان.

٧

{إِن تكفُروا فإنَّ اللّه غنيٌّ عنكم} أي: عن إِيمانكم وعبادتكم

{ولا يَرْضَى لِعباده الكُفْرَ} فيه قولان:

أحدهما: لا يرضاه للمؤمِنين قاله ابن عباس.

والثاني: لا يرضاه لأحَد وإِن وقع بإرادته، وفرقٌ بين الإِرادة والرِّضى. وقد أشرنا إِلى هذا في [البقرة:٢٠٥] عند قوله: {واللّه لا يحب الفساد}.

{وإِنْ تشكُروا يَرْضَهُ لَكُم} أي: يرضى ذلك الشُّكر لكم {إِنَّه عَلِيمٌ بذاتِ الصُّدور} أي: بما في القلوب.

٨

قوله تعالى: {وإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.

أحدهما: في عتبة بن ربيعة، قاله عطاء.

والثاني: في أبي حذيفة بن المغيرة، قاله مقاتل. والضُرُّ: البلاء والشِّدَّة.

{مُنِيباً إِليه} أي: راجعاً إليه من شِركه.

{ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ} أي: أعطاه وملَّكه {نِعْمِةً منه} بعد البلاء الذي أصابه، كالصِّحَّة بعد المرض والغنى بعد الفقر {نَسِيَ} أي: ترك ما كان يدعو إِليه، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: نسي الدُّعاء الذي كان يتضرَّع به إلى اللّه تعالى.

والثاني: نَسِيَ الضُّرَ الذي [كان] يدعو [اللّه] إٍلى كَشْفه.

والثالث: نَسِيَ اللّه الذي [كان] يتضرَّع إِليه. قال الزجّاج: وقد تَدُلُّ {ما} على اللّه عز وجل، كقوله {ولا أنتمُ عابِدونَ ما أعبُدُ} [الكافرون:٣] وقال الفراء: تَرَكَ ما كان يدعو إِليه، وقد سبق معنى الأنداد [البقرة:٢٢] ومعنى {لِيُضِلَّ عن سبيل اللّه} [الحج:٩].

قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفرك} لفظُه لفظُ الأمر ومعناه التهديد، ومثله {فتَمَتَّعُوا فسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل:٥٥].

٩

انظر تفسير الآية:١٠

١٠

قوله تعالى: {أَمَّنْ هو قانِتٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وأبو جعفر، والمفضل عن عاصم، وزيد عن يعقوب: {أَمَنْ} بالتخفيف؛ وقرأ الباقون: بالتشديد. فأما المشدَّدة فمعناها: أهذا الذي ذَكَرْنا خيرٌ، أمَّن هو قانتٌ؟ والأصل في {أمَّن}: أَمْ مَنْ فأدغمت الميم في الميم. وأما المخفَّفة، ففي تقديرها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها بمعنى النداء. قال الفراء: فسَّرها الذين قرؤوا بها فقالوا: يامَنْ هو قانتٌ، وهو وجه حسن، والعرب تدعو بالألف كما تدعوا بياء فيقولون: يا زيدُ أَقْبِل، وأَزَيُدْ أَقْبِل. فيكون المعنى: أنه ذَكَر النّاسيَ الكافرَ. ثمَ قصَّ قِصِّةَ الصّالح بالنِّداء، كما تقول: فلانٌ لا يصوم ولا يصلِّي، فيامَنْ يصوم أبْشِرْ.

والثاني: أن تقديرها: أمَّن هو قانت كمن ليس بقانت؟!.

والثالث: أمَّن هو قانت كمن جعل للّه أنداداً؟!.

وقد ذكرنا معنى القُنوت في [البقرة:١١٦] ومعنى {آناءَ اللَّيل} في [آل عمران:١١٣].

قوله تعالى: {ساجداً وقائماً} يعني في الصلاة. وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال.

أحدها: أنه أبو بكر الصِّدِّيق، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: عثمان بن عفان، قاله ابن عمر.

والثالث: عمّار بن ياسر، قاله مقاتل.

والرابع: ابن مسعود، وعمّار وصُهَيب، وأبو ذَرّ قاله ابن السائب.

والخامس: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام.

قوله تعالى: {يَحْذَرُ الآخرة} أي: عذاب الآخرة. وقد قرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن عباس، وعروة، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأبو عمران: {يَحْذَرُ عذابَ الآخرة} بزيادة {عذابَ}.

{ويَرْجو رَحْمَةَ ربِّه} فيها قولان:

أحدهما: أنها المغفرة، قاله ابن السائب.

والثاني: الجنة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {قُلْ هل يستوي الذي يَعْلَمونَ} أنَّ ما وعدَ اللّه من الثواب والعقاب حَقٌّ {والذين لا يَعْلَمونَ} وباقي الآية قد تقدم في [الرعد:١٩] وكذلك قوله {لِلَّذينَ أَحْسَنوا في هذه الدُّنيا حسنة} قد تقدم في [النحل: ٣٠].

وفي قوله: {وأرضُ اللّه واسعةٌ} قولان.

أحدهما: أنه حَثٌّ لهم على الهِجرة من مكَّة إِلى حيث يأمنون.

والثاني: أنها أرض الجَنَّة رغَّبهم فيها.

{إنِّما يوفَّى الصَّابرون} الذين صبروا لأجل اللّه تعالى على مانالهم {بغير حساب} أي: يُعْطَون عطاءً كثيراً أوسعَ من أن يُحْسَب وأعظمَ من أن يُحاطَ به، لا على قَدْر أعمالهم.

١١

انظر تفسير الآية:١٨

١٢

انظر تفسير الآية:١٨

١٣

انظر تفسير الآية:١٨

١٤

انظر تفسير الآية:١٨

١٥

انظر تفسير الآية:١٨

١٦

انظر تفسير الآية:١٨

١٧

انظر تفسير الآية:١٨

١٨

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ} قال مقاتل: وذلك أن كُفّار قريش قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما حَمَلك على الذي أتيتَنا به؟! ألا تنظُر إِلى مِلَّة آبائك فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية. والمعنى {قل إِنِّي أُمِرْتُ أنْ أعبُد اللّه مُخْلِصاً له الدِّينَ} أي: أُمِرْتُ أن أعبُدَه على التوحيد والإِخلاص السالم من الشّرك، {وأُمِرْتُ لأَنْ أكونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ} من هذه الأُمَّة.

{قُلْ إِنِّي أخافُ إِنْ عَصَيْتُ ربِّي} بالرجوع إلى دين آبائي، {عذابَ يَوْمٍ عظيمٍ} وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بيَّنّا في نظيرتها في [الأنعام:١٥]

{قُلِ اللّه أعبُدُ مُخْلِصاً له دِيني} بالتوحيد، {فاعبُدوا ماشِئتُم} ، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمراً، كان منسوخاً، فأمّا أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لِنَسْخه.

{قُلْ إِنَّ الخاسرينَ الذين خَسِروا أنفسُهم} بأن صاروا إِلى النار. (و) خسروا (أهليهم) فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم خَسِروا الحُور العين اللَّواتي أُعْدِدْنَ لهم في الجنة لو أطاعوا، قاله الحسن وقتادة.

والثاني: خَسِروا الأهل في النَّار، إِذ لا أهَل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد.

والثالث: خَسِروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إِذ صاروا إلى النار بكُفرهم، وصار أهلوههم إِلى الجَنَّة بإيمانهم، قاله الماوردي.

قوله تعالى: {لهم مِنْ فَوقهم ظُلَلٌ مِنَ النّار} وهي الأطباق من النار. وإِنما قال: {ومِنْ تحتهم ظُلَلٌ} لأنَّها ظُلَلٌ لِمَنْ تحتَهم (ذلك) الذي وصف اللّه من العذاب {يُخَوِّفُ اللّه به عباده} المؤمنين.

قوله تعالى: {والذين اجتَنَبوا الطّاغوتَ} روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نَفَرٍ كانوا في الجاهلية يوحِّدون اللّه تعالى: زيدِ ابن عمرو بن نُفَيل، وأبي ذَرّ، وسلمان الفارسي، رضى اللّه عنهم؛ قال {أولئك الذين هداهم اللّه} بغير كتاب ولا نبيّ.

وفي المراد بالطّاغوت هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: الشياطين، قاله مجاهد.

والثاني: الكهنة، قاله ابن السائب.

والثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا إنما قال: " يعبُدوها " لأنها مؤنَّثة. وقال الأخفش: إنما قال: " يعبُدوها " لأن الطّاغوت في معنى جماعة، وإن شئتَ جعلتَه واحداً مؤنَّثاً.

قوله تعالى: {وأنابوا إِلى اللّه} أي: رجَعوا إِليه بالطّاعة {لهم البُشْرى} بالجنة {فبَشِّر عبادي} بباءٍ، وحرَّك الياء أبوعمرو.

ثم نعتهم فقال {الذين يستمِعونَ القول} وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: [أنه] القرآن، قاله الجمهور. فعلى، هذا في معنى {فيَتَّبعونَ أحسنه} أقوال. قد شرحناها في [الأعراف:١٤٥] عند قوله {وأمُرْ قَوْمَكَ يأخُذوا بأحسنها}.

والثاني: أنه جميع الكلام.

ثم في المعنى قولان:

أحدهما: [أنه الرَّجُل] يَجْلِس مع القوم فيَسْمَع كلامهم، فيَعمل بالمحاسن ويحدِّث بها، ويَكُفُّ عن المساوىء ولايُظْهِرها، قاله ابن السائب.

والثاني: [أنه] لمّا ادَّعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، وأتت الكهنة بالكلام المزخرَف في الأباطيل، فرَّق المؤمنون بين ذلك وبين كلام اللّه، فاتَّبَعوا كلامَ اللّه، ورفضوا أباطيل أولئك. قاله أبو سليمان الدمشقي.

١٩

انظر تفسير الآية:٢٠

٢٠

قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عليه كَلِمَةُ العذابِ} قال ابن عباس: سبق في عِلْم اللّه أنَّه في النّار.

فإن قيل: كيف اجتمع في هذه الآية استفهامان بلا جواب؟

قيل: أمّا الفراء، فإنه يقول: هذا ممّا يُراد به استفهام واحد، فسبق الاستفهامُ إِلى غير موضعه فَرُدّ إِلى موضعه الذي هو له، فيكون المعنى: أفأنتَ تُنْقِذ مَنْ في النارِ مَنْ حَقَّت عليه كلمة العذاب؟ ومثله {أَيَعِدُكُمْ أَتَّكُمْ إِذا مِتُّم وكُنْتُم تُرَاباً وعِظاماً أَنَّكُم مُخْرَجُون} [المؤمنون:٣٥] فرَدّ {أنَّكُ} مرتين، والمعنى: أَيَعِدُكُم أنكم مُخْرَجون إِذا مِتُّم؟ ومثله {لا تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بما أَتَوْا} [آل عمران: ١٨٨] ثم قال {فلا تَحْسَبَنَّهُمْ} [آل عمران:١٨٨] فرَدَّ " تَحْسَبَنَّ " مرتين، والمعنى: لا تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بمفازة من العذاب. وقال الزجاج: يجوز أن يكون في الكلام محذوف، تقديره: أفمن حَقَّ عليه كلمةُ العذاب فيتخلَّص منه أو ينجو، أفأنت تنقذه؟

قال المفسرون: أفأنت تخلّصه ممّا قُدِر له فتجعله مؤمناً؟ والمعنى: ما تقدر على ذلك. قال عطاء: يريد بهذه الآية: أبا لهب وولده ومن تخلَّف من عشيرة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الإِيمان.

قوله تعالى: {لكِن الذين اتَّقَوا} وقرأ أبو المتوكل، وأبوجعفر: {لكِنَّ} بتشديد النون [وفتحها] قال الزجاج: والغُرَف هي: المنازل الرفيعة في الجنة، {مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ} أي: منازل أرفع منها.

{وَعْدَ اللّه} منصوب على المصدر؛ فالمعنى: وعَدَهم اللّه غُرَفاً وَعْداً. ومن قرأ: " وَعْدُ اللّه " بالرفع؛ فالمعنى: ذلك وَعْدُ اللّه.

٢١

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللّه أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} قال الشعبي: كُلُّ مافي الأرض فمن السَّماء ينزل {فسَلَكَه يَنابيعَ} قال ابن قتيبة: أي: أدَخَلَه فجعله ينابيعَ، أي: عُيوناً تَنْبُعُ، {ثًمَّ يَهيجُ} أي: يَيْبَسُ. قال الأصمعي: يقال للنَّبت إِذا تَمَّ جَفافُه: قد هاجَ يَهِيجُ هَيْجاً.

فأمّا الحُطام، فقال أبو عبيدة: هو ما يَبِسَ فتَحاتَّ من النَّبات، ومثله الرُّفات. قال مقاتل: هذا مَثَلَ ضُرب الدُّنيا، بينا ترى النبت أخضر، إذ تغيَّر فَيبِسَ ثُمَّ هَلَكَ، وكذلك الدُّنيا وزينتُها. وقال غيره: هذا البيان للدّلالة على قدرة اللّه عز وجل.

٢٢

قوله تعالى: {أفمَنْ شَرَحَ اللّه صدره} قال الزجاج: جوابه متروك، لأنَّ الكلام دالٌّ عليه، تقديره: أفمن شَرَحَ اللّه صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يَهْتَد؟ ويُدلُّ على هذا قوله {فوَيْلٌ للْقاسية قلوبُهم}؛ وقد روى ابن مسعود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلا هذه الآية، فقلنا: يا رسول اللّه وما هذا الشَّرْحُ؟ فذكر حديثا قد ذكرناه في قوله {فمَنْ يُرِدِ الهُ أن يُهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للاسلامِ} [الأنعام:١٢٥].

قوله تعالى: {فهُوَ على نُورٍ} فيه أربعة أقوال.

أحدها: اليقين، قاله ابن عباس.

والثاني: كتاب اللّه يأخذ به وينتهي إليه، قاله قتادة.

والثالث: البيان، قاله ابن السائب.

والرابع: الهُدى، قاله مقاتل.

وفيمن نزلت هذه الآية؟ فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق وأًبيّ بن خَلَف. رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: في عليّ وحمزة وأبي لهب و وولده قاله عطاء.

والثالث: في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي أبي جهل، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {فوَيْلٌ للقاسية قُلوبُهم من ذِكْر اللّه} قد بيَّنّا معنى القساوة في [البقرة:٧٤].

فإن قيل: كيف يقسو القلب من ذِكْر اللّه عز وجل؟

فالجواب: أنه كُلَّما تُلِيَ عليهم ذِكْرُ اللّه الذي يكذِّبونَ به، قَسَت قلوبُهم عن الإيمان به. وذهب مقاتل في آخَرِين إِلى أنَّ {مِنْ} هاهنا بمعنى " عَنْ " ، قال الفراء: كما تقول: أُتْخِمْتُ عن طعام أكلتُه، ومِنْ طعام أكلتُه؛ وإِنما قَسَت قلوبُهم مِنْ ذِكْر اللّه، لأنهم جعلوه كذباً فأقسى قلوبَهم؛ ومن قال: قَسَت قلوبُهم عنه، أراد: أَعرضتْ عنه. و[قد] قرأ أُبيُّ ابن كعب، وابن أبي عبلة، وأبو عمران: {قُلوبُهم عن ذِكْر اللّه} مكان قوله {منْ}.

٢٣

قوله تعالى: {اللّه نَزَّلَ أحْسَنَ الحديث} يعني القرآن، وقد ذكرنا سبب نزولها في أول (يوسف).

قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً} فيه قولان:

أحدهما: أن بَعْضهُ يشْبِه بَعْضاً في الآي والحروف، فالآية تُشْبِه الآية، والكَلِمَة تُشْبِه الكَلِمة، والحَرْفُ يُشْبِه الحَرْفَ.

والثاني: أن بَعْضَه يصدِّق بَعْضاً، فليس فيه اختلاف ولا تناقض.

وإنما قيل له: {مَثانيَ} لأنه كُرِّرت فيه القصص والفرائض والحدود والثَّواب والعقاب.

فإن قيل: ما الحكمة في تكرار القصص، والواحدة قد كانت تكفي؟

فالجواب: أن وفود العرب كانت تَرِدُ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيُقرئهم المسلمون شيئاً من القرآن، فيكون ذلك كافياً لهم، وكان يَبْعَثُ إلى القبائل المتفرِّقة بالسُّوَر المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنّاة مكرَّرة، لوقعتْ قصةُ موسى إِلى قوم، وقصةُ عيسى إِلى قوم، وقصةُ نوح إِلى قوم، فأراد اللّه تعالى أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويُلْقِيَها إِلى كل سَمْع، فأمّا فائدة تكرار الكلام من جنس واحد، كقوله {فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تكذِّبان} [الرحمن]، وقوله: {لا أعبدُ ما تعبُدونَ} [الكافرون] وقوله {أَوْلَى لَكَ فأَوْلًى} [القيامة: ٣٤ـ ٣٥] {وما أدراك ما يومُ الدّينِ} [الانفطار: ١٧ـ ١٨] فسنذكرها في سورة {الرحمن} عز وجل.

قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ منهُ جلودُ الذين يَخْشَوْنَ ربِّهم} أي: تأخذُهم قشعريرة، وهو تغيُّر يحدُث في جِلْد الإِنسان من الوَجَل. وروى العباس ابن عبد المطلب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

" إِذا اقشعرَّ جِلْد العَبْد من خَشْية اللّه، تَحاتَّتْ ذُنوبُه كما يتحاتُّ عن الشجرة اليابسة ورقُها "

وفي معنى الآية ثلاثة أقوال.

أحدها: تَقْشَعِرُّ من وَعيده، وتَلين عندَ وعْده، قاله السدي.

والثاني: تَقْشَعِرُّ من الخَوْف، وتَلِينُ من الرَّجاء.

والثالث: تَقْشَعِرُّ الجُلود لإِعظامه، وتَلِينُ عند تلاوته، ذكرهما الماوردي.

وقال بعض أهل المعاني: مفعول الذِّكْر في قوله {إِلى ذِكْر اللّه} محذوف، لأنه معلوم؛ والمعنى: تَطْمَئنُّ قلوبُهم إِلى ذِكْر اللّه الجنةَ والثوابَ. قال قتادة: هذا نَعْتُ أولياء اللّه، تقشَعِرُّ جلودُهم [وتَلِينُ قلوبُهم]، ولم يَنْعَتْهم بذَهاب عُقولهم والغِشْيان عليهم، إنَّما هذا في أهل البِدَع. وهذا من الشَّيطان. وقد روى أبو حازم، قال: مَرَّ ابنُ عمر برجُل ساقط من أهل العراق، فقال: ما شأنُه؟ فقالوا: إنه إذا قرىء عليه القرآن يُصيبه هذا. قال: إِنّا لنَخشى اللّه عزّ وجلّ، وما نَسْقُط. وقال عامر بن عبد اللّه بن الزبير: جئتُ أبي، فقال لي: أين كنتَ؟ فقلت: وجدتُ قوماً، ما رأيت خيراً منهم قَطٌّ، يذكُرون اللّه عز وجل فيُرعَد واحدهم حتى يُغْشَى عليه من خَشْية اللّه عز وجلّ، فقعدتُ معهم، فقال: لا تقعُد معهم بعدها [أبداً]. قال: فرآني كأني لم يأخذ ذلك فيَّ فقال: رأيت رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتلو القرآن، ورأيتُ أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يُصيبُهم هذا من خَشْية اللّه تعالى، أفتَرَى أنهم أخشى للّه من أبي بكر وعمر، قال: فرأيت ذلك كذلك.

وقال عكرمة: سُئلتْ أسماءُ بنت أبي بكر: هل كان أحد من السَّلَف يُغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون. وقال عبد اللّه بن عروة بن الزبير: قلت لجَدَّتي أسماءَ بنتِ أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم اللّه تعالى، تَدْمَعْ أعيُنُهم وتَقْشَعِرُّ جلودهم. فقلت لها: إِنَّ ناساً اليوم إذا قرىء عليهم القرآن، خَرَّ أحدُهم مَغْشِيّاً عليه؟ فقالت: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم. وكان جَوّاب يُرْعَدُ عند الذِّكْر، فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه، فما أُبالي أن لا أعتدَّ بك، وإن كنتَ لا تملكه، فقد خالفتَ من كان قبلك.

قوله تعالى: {ذلك هُدى اللّه} في المشار إِليه قولان.

أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.

والثاني: أنه ما يَنْزِلُ بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد، ولينها عند الوعد، قاله ابن الأنباري.

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٨

قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بوجهه سُوءَ العذاب} أي: شِدَّتَه. قال الزجاج: جوابه محذوف، تقديره: كَمَنْ يدخُل الجنة؟ وجاء في التفسير أن الكافر يُلقى في النار مغلولاً، ولا يتهيَّأ له أن يتَّقيَها إلاّ بوجه.

ثم أخبر عمّا يقول الخَزَنة للكفار بقوله {وقيل للظالِمِين} يعني الكافرين {ذُوقوا ما كنتم تَكْسِبونَ} أي: جزاء كَسْبِكم.

قوله تعالى: {كذَّب الذين مِنْ قَبْلهم} أي: من قبْل كفار مكة {فأتاهم العذاب من حيث لا يَشْعُرون} أي: وهم آمنون غافلون عن العذاب، {فأذاقهم اللّه الخِزْيَ} يعني الهوان والعذاب، {ولَعذابُ الآخرة أكبرُ} ممّا أصابهم في الدنيا {لو كانوا يَعْلَمونَ} ، ولكنهم لا يعلمون ذلك.

{ولقد ضَرَبْنا للناس في هذا القرآن} أي: وَصَفْنا لهم {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي: من كل شبه يشبه أحوالهم.

قوله تعالى: {قُرآناً عربياً} قال الزجاج: " عربياً " منصوب على الحال، المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيَّته وبيانه، فذكر {قرآنا} توكيداً، كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً. وجاءني عمرو إِنساناً عاقلاً، فذكر رجلاً وإنساناً توكيداً.

قوله تعالى: {غَيْرَ ذي عِوَجٍ} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: غير مخلوق. وقال غيره: مستقيم غير مختلف.

٢٩-٣١

قوله تعالى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلاً} ثم بيَّنه فقال: {رجُلاً فيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} قال ابن قتيبة: أي: مختلِفون، يَتَنازعُون ويَتَشاحُّون فيه، يقال: رجُلٌ شَكِسٌ. وقال اليزيدي: الشَّكسِ من الرجال: الضَّيِّق الخُلُق.

قال المفسرون: وهذا مَثَل ضربه اللّه للمؤمِن والكافر، فإن الكافر يعبُد آلهةً شتَّى فمثَّله بعبدٍ يملكه جماعة يتافسون في خدمته، ولا يقدرون أن يبلُغ رضاهم أجمعين؛ والمؤمن يعبُد اللّه وحده، فمثَّله بعبدٍ لرجل واحد، قد عَلِم مقاصدَه وعَرَفَ الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاكس الخُلَطاء فيه، فذلك قوله: {سالِماً لرجُل} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إٍلاّ عبد الوارث في غير رواية القزَّاز، وأبان عن عاصم {ورجُلا سالِماً} بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما؛ والمعنى: ورجُلاً خالصاً لرجُل قد سَلِم له من غير مُنازِع. ورواه عبد الوارث إلاّ القزاز كذلك، إلاّ أنه رفع الاسمين، فقال: " ورجُلٌ سالِمٌ لرجُلٍ. وقرأ ابن أبي عبلة {سِلْمُ لِرَجُلٍ} بكسر السين ورفع الميم. وقرأ الباقون: {ورجُلاً سَلَماً} بفتح السين واللام [وبالنصب] فيهما والتنوين. والسَّلَم، بفتح السين واللام، معناه الصُّلح، والسِّلم، بكسرِ السين مثله. قال الزجاج: من قرأ: " سِلْماً " و " سَلْماً " فهما مصدران وُصِفَ بهما، فالمعنى: ورجُلاً ذا سِلْمٍ لرجُل وذا سَلْمٍ لرجُل؛ فالمعنى: ذا سِلْم؛ والسَّلْم: الصُّلح، والسِّلْم، بكسر السين مِثْلُه. وقال ابن قتيبة: [من قرأ] {سَلَماً لِرَجُلٍ} أراد: سلَّم إليه فهو سِلْمٌ له. وقال أبو عبيدة: السِّلْم والسَّلم الصُّلح.

قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} هذا استفهام معناه الإِنكار، أي: لا يستويان، لأن الخالص لمالك واحدٍ يَستحقُّ من معونته وإِحسانه ما لا يستحقُّه صاحب الشُّركاء المتشاكسين.

وقيل: لا يستويان في باب الرّاحة، لأنه هذا قد عرف الطريق إِلى رضى مالكه، وذاك متحيّر بين الشُّركاء. قال ثعلب: وإِنما قال {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} ولم َيُقْل: مَثَلَيْنِ، لأنهما جميعاً ضُرِبا مَثَلاً واحداً، ومِثْلُه: {وجَعَلْنا ابْن مَريمَ وأُمَّه آيةً} [المؤمنون: ٥٠]، ولم يَقُلْ: آيتين، لأن شأنهما واحد، وتم الكلام هاهنا. ثم قال: {الحمدُ للّه} أي: له الحمد دون غيره من المعبودِين {بَلْ أكثرُهم لا يَعْلَمونَ} والمراد بالأكثر الكُلّ.

ثم أخبر نبيَّه بما بعد هذا الكلام أنه يموت، وأن الذين يكذِّبونه يموتون، وأنهم يجتمعون للخُصومة عند اللّه عز وجل، المُحِقُّ والمُبطلُ، والمظلومُ والظالمُ. وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها، وما نرى أنها نزلت إلاّ فينا وفي أهل الكتابين، حتى قُتِل عثمان، فعرفتُ أنها فينا نزلت وفي لفظ آخر: حتى وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية.

٣٢-٣٥

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللّه} بأن دعا له ولداً وشريكاً {وكذَّبَ بالصِّدْق إِذْ جاءَهُ} وهو التوحيد والقرآن {ألَيْسَ في جهنَّمَ مَثْوىً للكافِرِينَ} أي: مَقَامٌ للجاحِدِين؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، يعني: إِنه كذلك.

قوله تعالى: {والَّذي جاءَ بالصِّدْقِ} فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله عليّ بن أبي طالب، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد. ثم في الصِّدق الذي جاء به قولان:

أحدهما: أنه " لا إله إلا اللّه " ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال [سعيد] بن جبير.

والثاني: [أنه] القرآن، قاله قتادة.

وفي الذي صدَّق به ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيضاً، هو جاء بالصِّدق، وهو صدَّق به، قاله ابن عباس، والشعبي.

والثاني: أنه أبو بكر، قاله علي بن أبي طالب.

والثالث: أنهم المؤمنون، قاله قتادة]، والضحاك، وابن زيد.

والقول الثاني: [أن] الذي جاء بالصِّدق: أهل القرآن، وهو الصِّدق الذي يُجيبونَ به يوم القيامة، وقد أدّوا حَقّه، فَهُم الذين صدَّقوا به، قاله مجاهد.

والثالث: أن الذي جاء بالصِّدق الأنبياء، قاله الربيع، فعلى هذا، يكون الذي صدَّق به: المؤمِنون.

والرابع: أن الذي جاء بالصِّدق: جبريل، وصدَّق به: محمد، قاله السدي.

قوله تعالى: {أولئك هُمُ المُتَّقُونَ} أي: الذين اتَّقّوْا الشرك؛ وإِنما قيل: " هُم " ، لأن معنى " الذي " معنى الجمع، كذلك قال اللغويون، وأنشد أبو عبيدة، والزجاج:

فإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ هُمُ القَوْمُ، كُلُّ القَوْمِ، يا أُمَّ خالِدِ

قوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللّه عنهم} المعنى: أعطاهم ماشاؤوا ليكفِّر عنهم {أَسوأَ الذي عَملوا} ، أي: لِيَسْتُر ذلك بالمغفرة {وَيجْزِيَهم أَجرهم} بمحاسن أعمالهم لا بمساوئها.

٣٦

انظر تفسير الآية:٣٨

٣٧

انظر تفسير الآية:٣٨

٣٨

قوله تعالى: {أَلَيْس اللّه بكافٍ عَبْدَهُ} ذكر المفسِّرون أن مشركي مكة قالوا: يا محمد، ما تزال تذكرُ آلهتنا وتَعِيبُها، فاتَّق أن تصيبك بسوءٍ، فنزلت هذه الآية. والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقرأ حمزة، والكسائي: {عِبَادَهُ} على الجمع، وهم الأنبياء، لأن الأمم قصدتْهم بالسُّوء؛ فالمعنى: أنه كما كفى الأنبياءَ قَبْلَكَ، يكفيك. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبو عمران الجوني: {بِكافي} مثبتة الياء " عَبْدِهِ " بكسر الدال والهاء من غير ألف. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو العالية، وأبو الجوزاء، والشعبي مِثْلَه، إِلاّ أنهم أثبتوا الألف في {عِبادِهِ}. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش: {بِكافٍ} بالتنوين، {عِبادَهُ} على الجمع. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء العطاردي: {يُكافِيْ} بياء مرفوعة قبل الكاف وياء ساكنة بعد الفاء {عِبادَهُ} على الجمع.

{وُخَوِّفونَكَ بالذين مِنْ دونِهِ} أي: بالذين يَعْبُدون مِن دونِهِ، وهم الأصنام.

ثُمَّ أَعْلَمَ بما بعد هذا أن الإِضلال والهداية إليه تعالى، وأنه منتقم ممن عصاه، ثم أخبر أنهم مع عبادتهم، يُقِرُّونَ أنه الخالق. ثم أمر أن يُحْتَج عليهم بأن ما يعبُدون لا يَمْلِكُ كَشْفَ ضُرٍّ ولا جَلْبَ خَيْرِ.

وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: {كاشفاتٌ ضُرَّه} و {ممسكاتٌ رحمته} منوَّناً. والباقون: {كاشفاتُ ضُرِّه} و {ممسكاتُ رحمتِه} على الإِضافة.

٣٩

انظر تفسير الآية:٤١

٤٠

انظر تفسير الآية:٤١

٤١

قوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا} ذكر بعض المفسرين أنها والآية التي تليها نُسخت بآية السيف.

قوله تعالى: {إِنّا أَنْزَلْنا عليكَ الكتابَ} يعني القرآن {للناس} أي: لجميع الخَلْقِ {بالحَقِّ} ليس فيه باطل. وتمام الآية مفسَّر في آخر [يونس: ١٠٨]، وذكروا أنه منسوخ بآية السيف.

٤٢

قوله تعالى: {اللّه يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها} أي: يَقْبِضُ الأرواحَ حين موت أجسادها {والَّتي لَمْ تَمُتْ} أي: ويتوفَّى التي لَمْ تَمُتْ {في منامها}.

{فيُمْسِكُ} أي: عن الجسد [والنفس] {التي قضى عليها الموت} وقرأ حمزة، والكسائي: {قُضِيَ} بضم القاف وفتح الياء، {الموتُ} بالرفع.

{ويُرْسِلُ الأُخرى} إِلى الجسد {إٍلى أَجَلٍ مُسَمّىً} وهو انقضاءُ العُمُر {إنَّ في ذلك لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ} في أمر البعث، وروى [سعيد] بن جبير عن ابن عباس قال: تلتقي أرواح الأحياء وأرواحُ الأموات في المنام، فيتعارفون ويتساءلون، ثم تُرَدُّ أرواحُ الأَحياءِ إلى أجسادها، فلا يُخطأُ بشيء منها، فذلك قوله: {إِن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وقال ابن عباس في رواية أخرى: في ابنِ آدم نَفْسٌ وروحٌ، فبالنَّفس العقلُ والتمييزُ، وبالرُّوح النَّفَس والتحريك، فإذا نام العبدُ، قَبَضَ اللّه نَفْسَه ولم يَقْبِض روحه وقال ابن جريج: في الإِنسان روح ونَفْسٌ، بينهما حاجز، فهو تعالى يَقْبِضُ النَّفْسَ عند النَّوم يَرُدُّها إِلى الجسد عند الانتباه، فإذا أراد إِماتةَ العبد في نومه، لم يَرُدَّ النَّفْسَ وقَبَض الرُّوح.

وقد اختلف العلماء، هل بين النَّفْس والرُّوح فَرْقٌ؟ على قولين قد ذكرتُهما في " الوجوه والنظائر " ، وزدتُ هذه الآية شرحاً في باب التوفّي في كتاب " النظائر " ، وذهب بعض العلماء إِلى أَن التوفيّ المذكور في حق النّائم هو نَوْمُه، وهذا اختيار الفراء وابن الأنباري؛ فعلى هذا، يكون معنى توفّي النائم: قبضُ نَفْسِه عن التصرُّف، وإِرسالُها: إِطلاقُها باليَقَظَة للتصرُّف.

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٤

٤٤

قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذوا} يعني كُفَّارَ مكَّةَ.

وفي المراد بالشُّفعاءِ قولان:

أحدهما: أنَّها الأصنام، زعموا أنها تشفع لهم في حاجاتهم، قاله الأكثرون.

والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.

{قُلْ أولَو كانوا لا يَمْلِكونَ شيئاً} من الشفاعة {ولا يَعْقِلونَ} أنَّكم تعبُدونهم؟! وجواب هذا الاستفهام محذوف، تقديره: أوَلَو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم.

{قُلْ للّه الشَّفاعةُ جميعاً} أي: لا يَمْلِكُها أَحَدٌ إِلاّ بتمليكه، ولا يشفع عنده أَحَدٌ إلاّ بإذنه.

٤٥

انظر تفسير الآية:٤٨

٤٦

انظر تفسير الآية:٤٨

٤٧

انظر تفسير الآية:٤٨

٤٨

قوله تعالى: {وإِذا ذُكِرَ اللّه وَحْدَهُ اشمأزَّتْ قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: انقبضتْ عن التوحيد، قاله ابن عباس، ومجاهد.

والثاني: استكبرتْ، قاله قتادة.

والثالث: نَفَرتْ، قاله أبو عبيدة، والزجاج.

قوله تعالى: {وإِذا ذُكِرَ الذين مِنْ دُونِه} يعني الأصنام {إذا هُمْ يَسْتَبْشِرونَ} يفرحون. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الأنعام: ١٤ـ ٧٣] [البقرة: ١١٣] [الرعد:١٨] إِلى قوله {وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يَحْتَسِبون}. قال السدي: ظَنَّوا أنّ أعمالَهم حسناتٍ، فبدت لهم سيئات. وقال غيره: عَمِلوا أعمالاً ظنُّوا أنَّها تنفعُهم، فلم تنفع مع شِركهم. قال مقاتل: ظهر لهم حين بُعثوا مالم يحتَسِبوا أنَّه نازلٌ بهم؛ فهذا القول يحتمل وجهين:

أحدهما: أنَّهم كانوا يرجون القُرْبَ من اللّه بعبادة الأصنام، فلمّا عُوقِبوا عليها، بدا لهم ما لم يكونوا يحتَسِبون.

والثاني: أنَّ البعثَ والجزاءَ لم يكن في حسابهم، وروي عن محمد بن المنكدر أنه جَزِع عند الموت وقال: أخشى هذه الآية أن يبدو لي مالا أحتَسِب.

قوله تعالى: {وحاقَ بهم} أي: نزل بهم {ما كانوا به يستهزؤنَ} أي: ما كانوا يُنْكِرونه ويكذِّبون به.

٤٩

انظر تفسير الآية:٥٢

٥٠

انظر تفسير الآية:٥٢

٥١

انظر تفسير الآية:٥٢

٥٢

قوله تعالى: {فإذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌ دعانا} قال مقاتل: هو أبو حذيفة ابن المغيرة، وقد سبق في هذه السورة نظيرها [الزمر: ٨] وإنما كنّى عن النِّعمة بقوله {أُوتيتُه} ، لأن المراد بالنِّعمة: الإنعام.

{على عِلْمٍ} عندي، أي: على خيرٍ عَلِمَهُ اللّه عندي.

وقيل: على عِلْمٍ مِنَ اللّه بأنِّي له أهلٌ، قال اللّه تعالى: {بل هي} يعني النِّعمة التي أنعم [اللّه] عليه بها {فِتْنَةٌ} أي: بلوى يُبْتَلى بها العبدُ لِيَشْكُرَ أو يكفُر، {ولكنَّ أكثرهم لا يَعْلَمونَ} أن ذلك استدراج لهم وامتحان.

وقيل: " بل هي " أي: المقالة التي قالها فتنةٌ.

{قد قالها} يعني تلك الكلمة، وهي قوله: {إِنما أُوتيتُة على عِلْمٍ} {الذين مِنَ قَبْلِهم} وفيهم قولان:

أحدهما: أنَّهم الأًمم الماضية، قاله السدي.

والثاني: قارون، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {فما أغنى عنهم} أي: ما دفع عنهم العذاب

{ما كانوا يَكْسِبونَ} وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: من الكفر.

والثاني: من عبادة الأصنام.

والثالث: من الأموال.

{فأصابهم سيِّئاتُ ما كسَبوا} أي: جزاءُ سيِّئاتهم، وهو العذاب.

ثم أوعد كُفَّار مكَّة، فقال: {والذين ظَلَموا مِنْ هؤلاء سيُصيبُهم سيِّئاتُ ما كسَبوا وما هم بمُعْجِزينَ} أي: إِنهم لا يُعْجِزونَ اللّه ولا يَفوتونه.

قال مقاتل: ثم وعظهم لِيَعْلَموا وحدانيتَّه حين مُطِروا بعد سبع سنين، فقال: {أوَلَم يَعْلَموا أنَّ اللّه يَبْسُطُ الرِّزق لِمَنْ يشاءُ ويَقْدِرُ إن في ذلك} أي: في بَسْطِ الرِّزق وتقتيره {لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنونَ}.

٥٣

انظر تفسير الآية:٥٥

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٥

٥٥

قوله تعالى: {قُلْ ياعباديَ الذين أَسْرَفوا على أنفُسهم} في سبب نزولها أربعة أقوال:

أحدها: أن ناساً من المشركين كانوا قد قَتَلُوا فأكثَروا، وزَنَوْا فأكثَروا، ثم أتَوا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إِنّ الذي تدعو إِليه لَحَسَنٌ، لو تُخْبِرُنا أنّ لِما عَمِلْنا كفّارةً، فنزلت هذه الآية. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في عَيّاش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونَفَرٍ من المسلمين كانوا قد أسلموا، ثم عُذِّبوا فافتُتِنوا، فكان أصحاب رسول اللّه يقولون: لا يَقْبَلُ اللّه مِنْ هؤلاء صَرْفاً ولا عَدْلاً، قومُ تركوا دينهم بعذاب عُذِّبوه! فنزلت هذه الآية، فكتبها عمر إلى عَيّاش والوليد وأولئك النَّفَر، فأسلموا وهاجروا؛ وهذا قول ابن عمر.

والثالث: أنها نزلت في وحشي، وهذا القول ذكرناه مشروحاٍ في آخر [الفرقان: ٦٨] عن ابن عباس.

والرابع: أنَّ أهل مكَّةَ قالوا: يزعُم محمدٌ أنَّ مَنْ عَبَدَ الأوثانَ وقَتَلَ النَّفْسَ التي حرَّم اللّه لم يُغْفَر له، فكيف نُهاجِر ونُسْلِم وقد فَعَلْنا ذلك؟! فنزلت هذه الآية؛ وهذا مرويُّ عن ابن عباس أيضاً.

ومعنى {أَسْرَفوا على أنفسهم} ارتكَبوا الكبائر، والقنوط بمعنى اليأس. {وأَنيبوا} بمعنى ارجِعوا إِلى اللّه من الشِّرك والذًّنوب، {وأسلِموا له} أي: أخِلصوا له التوحيد. و {تُنْصَرون} بمعنى تُمْنَعون.

{واتَّبِعوا أحسن ما أُنزل إِليكم} قد بيَّنّاه في قوله {يأخُذوا بأحسنها} [الأعراف: ١٤٥].

٥٦

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٧

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٨

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٩

قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} قال المبرِّد: المعنى: بادِروا قَبْلَ أن تقول نَفْسٌ، وحَذَراً من أن تقول نَفْسٌ. وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول. ومعنى {يا حسرتا} يا ندامتا ويا حزنا. والتحسُّر: الاغتمام على ما فات. والألِف في {يا حسرتا} هي ياء المتكلم، والمعنى: يا حسرتي على الإِضافة. قال الفراء: والعرب تحوِّل الياء إلى الألِف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدُّعاء، وربما أدخلت العربُ الهاء بعد هذه الألف، فيَخْفِضونها مَرَّةً، ويرفعونها أخرى. وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمران، وأبو الجوزاء: {يا حسرتي} بكسر التاء، على الإِضافة إِلى النَّفْس. وقرأ معاذ القارىء، وأبو جعفر: {يا حسرتايَ} بألف بعد التاء وياء مفتوحة. قال الزجاج: وزعم الفراء أنه يجوز " يا حسرتاهَ على كذا " بفتح الهاء، و " يا حسرتاهُ " بالضم والكسر، والنحويّون أجمعون لا يُجيزون أن تُثْبَتَ هذه الهاءُ مع الوصل.

قوله تعالى: {في جَنْبِ اللّه} فيه خمسة أقوال:

أحدها: في طاعة اللّه تعالى، قاله الحسن.

والثاني: في حق اللّه، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: في أمْر اللّه، قاله مجاهد، والزجاج.

والرابع: في ذِكْر اللّه، قاله عكرمة، والضحاك.

والخامس: في قٌرْب اللّه؛ روي عن الفراء أنه قال: الجَنْب: القُرْب، أي: في قُرْب اللّه وجِواره؛ يقال: فلان يعيش في جَنْبِ فلان، أي: في قُرْبه وجواره؛ فعلى هذا يكون المعنى: [على] ما فرَّطْتُ في طلب قُرْب اللّه تعالى، وهو الجنة.

قوله تعالى: {وإِنْ كنتُ لَمِن السّاخِرِينَ} أي: وما كنتُ إِلاّ من المستهزِئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدُّنيا.

{أوْ تقولَ لو أنَّ اللّه هداني} أي: أرشَدني إِلى دينه {لكنتُ من المُتَّقِينَ} الشِّرك؛ فيقال لهذا القائل: {بلى قد جاءتك آياتي} قال الزجاج: و " بلى " جواب النفي، وليس في الكلام لفظ النفي، غير أن معنى {لو أن اللّه هداني} ما هُديتُ، فقيل: " بلى قد جاءتك آياتي ". وروى ابن أبي سريج [عن الكسائي] {جاءتكِ} {فكذَّبْتِ} ، {واسْتَكْبَرْتِ} {وكُنْتِ} ، بكسر التاء فيهنّ، مخاطَبة للنفْس ومعنى " اسْتَكْبَرْتَ ": تكبَّرتَ عن الإِيمان بها.

٦٠

انظر تفسير الآية:٦١

٦١

قوله تعالى: {ويومَ القيامة تَرَى الذين كَذَبوا على اللّه} فزعموا أن له ولداً وشريكاً {وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ}. وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فَعَلْنا، وإِن شئنا لم نَفْعَل، وباقي الآية قد ذكرناه آنفا [الزمر:٣٢].

قوله تعالى: {ويُنَجِّي اللّه الذين اتَّقَوا بمفازتهم} وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {بمفازاتهم} قال الفراء: وهو كما قد تقول: قد تبيَّن أمرُ القوم وأمورهم، وارتفع الصوت والأصوات، والمعنى واحد.

وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال:

أحدها: بفضائلهم، قاله السدي.

والثاني: بأعمالهم، قاله ابن السائب، ومقاتل.

والثالث: بفوزهم من النار.

قال المبرِّد: المَفازة: مَفْعَلة من الفوز، وإن جُمع فحسن، كقولك: السعادة والسعادات، والمعنى: ينجيهم اللّه بفوزهم أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة.

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٣

٦٣

اَللّه خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

قوله تعالى: {له مَقاليدُ السموات والأرض} قال ابن قتيبة: أي: مفاتيحُها وخزائنُها، لأن مالِكَ المفاتيح مالِك الخزائن، واحدها إِقليد، وجُمع على غير واحد، كما قالوا: مَذاكير جمع ذَكَر، ويقال: هو فارسيّ معرَّب. [وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: الإِقليد: المفتاح، فارسي معرَّب]، قال الراجز:

لَمْ يُؤْذِها الدِّيكُ بصوتِ تَغْرِيدْ ولَمْ تُعالِجْ غَلَقاً باقْليدْ

والمِقْلِيدُ: لغةٌ في الإِقْلِيدِ، والجمع: مَقَالِيد.

وللمفسرين في المقاليد قولان.

أحدهما: المفاتيح، قاله ابن عباس.

والثاني: الخزائن، قاله الضحاك. وقال الزجاج: تفسيره: أن كل شيء في السموات والأرض، فهو خالقه وفاتح بابه.

قال المفسرون: مفاتيح السموات: المطر، ومفاتيح الأرض: النبات.

٦٤

انظر تفسير الآية:٦٦

٦٥

انظر تفسير الآية:٦٦

٦٦

قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللّه تأمُرونِّي أَعْبُدُ} قرأ نافع، وابن عامر: {تأمُرُونِي أعْبُدُ} مخفَّفةً، غير أن نافعاً فتح الياء، ولم يفتحها ابن عامر. وقرأ ابن كثير: {تأمرونّيَ} بتشديد النون وفتح الياء. وقرأ الباقون بسكون الياء. وذلك حين دعَوْه إلى دين آبائه {أيُّها الجاهلونَ} أي: فيما تأمُرون.

قوله تعالى: {ولقد أُوحِيَ إِليكَ وإِلى الذين مِنْ قَبْلِكَ} فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولقد أُوحِيَ إِليكَ لئن أشركتَ لَيَحْبَطَنَّ عملُكَ وكذلك أُوحيَ إِلى الذين مِنْ قَبْلِكَ. قال أبو عبيدة: ومجازها مجاز الأمرين اللَّذَين يُخْبَرُ عن أحدهما ويُكَفُّ عن الآخر، قال ابن عباس: هذا أدبٌ من اللّه تعالى لنبيِّه صلى اللّه عليه وسلم وتهديدٌ لغيره، لأن اللّه عز وجل قد عصمه من الشِّرك. وقال غيره: إِنما خاطبه بذلك، لِيَعْرِفَ مَنْ دونَه أن الشِّرك يُحبِطُ الأعمال المتقدِّمة كلَّها، ولو وقع من نبيٍّ. وقرأ أبو عمران، وابن السميفع، ويعقوب: {لَنُحْبِطَنَّ} بالنون، " عَمَلَكَ " بالنصب. {بَلِ اللّه فاعْبُدْ} أي: وَحِّدْ.

٦٧

قوله تعالى: {وما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ} سبب نزولها " أن رجلاً من أهل الكتاب أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن اللّه تعالى يَحْمِلُ الخلائقَ على إِصْبع والأَرَضِينَ على إِصْبَع والشَّجَر على إِصْبَع والثَّرى على إِصْبع؟! فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذُه " ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، قاله ابن مسعود. [وقد أخرج البخاري ومسلم في " الصحيحين " نحوه عن ابن مسعود]. وقد فسَّرنا أول هذه الآية في [الأنعام: ٩١] قال ابن عباس: هذه الآية في الكفار، فأمّا مَنْ آمن بأنه على كل شيء قدير، فقد قَدَرَ اللّه حَقَّ قَدْرِهِ.

ثم ذكر عَظَمته بقوله {والأرضُ جميعاً قَبْضَتُه يومَ القيامة والسمواتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينه} وقد أخرج البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:

" يَقْبِضُ اللّه الأرض يومَ القيامة ويَطْوي السماءَ بيمينه، ثم يقول: أنا الملِك، أين ملوكُ الأرض؟ "

وأخرجا من حديث ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

" يَطْوي اللّه عز وجل السموات يومَ القيامة، ثم يأخذُهُنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملِك، أين الجبّارون، أين المتكبِّرون؟ " قال ابن عباس: الأرضُ والسموات كلُّها بيمينه. وقال سعيد بن جبير: السموات قَبْضَةٌ والأَرَضُونَ قَبْضَةٌ.

٦٨

انظر تفسير الآية:٧٠

٦٩

انظر تفسير الآية:٧٠

٧٠

قوله تعالى: {وما قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ} سبب نزولها " أن رجلاً من أهل الكتاب أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن اللّه تعالى يَحْمِلُ الخلائقَ على إِصْبع والأَرَضِينَ على إِصْبَع والشَّجَر على إِصْبَع والثَّرى على إِصْبع؟! فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذُه " ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، قاله ابن مسعود. [وقد أخرج البخاري ومسلم في " الصحيحين " نحوه عن ابن مسعود]. وقد فسَّرنا أول هذه الآية في [الأنعام: ٩١] قال ابن عباس: هذه الآية في الكفار، فأمّا مَنْ آمن بأنه على كل شيء قدير، فقد قَدَرَ اللّه حَقَّ قَدْرِهِ.

ثم ذكر عَظَمته بقوله {والأرضُ جميعاً قَبْضَتُه يومَ القيامة والسمواتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينه} وقد أخرج البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:

" يَقْبِضُ اللّه الأرض يومَ القيامة ويَطْوي السماءَ بيمينه، ثم يقول: أنا الملِك، أين ملوكُ الأرض؟ " وأخرجا من حديث ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

" يَطْوي اللّه عز وجل السموات يومَ القيامة، ثم يأخذُهُنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملِك، أين الجبّارون، أين المتكبِّرون؟ " قال ابن عباس: الأرضُ والسموات كلُّها بيمينه. وقال سعيد بن جبير: السموات قَبْضَةٌ والأَرَضُونَ قَبْضَةٌ.

٧١

انظر تفسير الآية:٧٥

٧٢

انظر تفسير الآية:٧٥

٧٣

انظر تفسير الآية:٧٥

٧٤

انظر تفسير الآية:٧٥

٧٥

قوله تعالى: {وسيِقَ الذين كَفَروا إِلى جهنَّمَ زُمَراً} قال أبو عبيدة: الزُّمَر: جماعاتٌ في تفرقة بعضُهم على إِثر بعض، واحدها: زُمْرة.

قوله تعالى: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} أي: من أنفُسكم. و {كلمةُ العذاب} هي قوله {لأَملأَنَّ جهنَّمَ} [الأعراف: ١٨].

قوله تعالى: {فُتِحَتْ أبوابُها} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {فُتِّحَتْ} و {فُتِّحَتْ} مشدَّدتين؛ وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالتخفيف.

وفي هذه الواو ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها زائدة، روي عن جماعة من اللُّغويين منهم الفراء.

والثاني: أنها واو الحال؛ فالمعنى: جاؤوها وقد فُتحتْ أبوابُها، فدخلت الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتَّحةٍ قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مُغْلَقةً قبل مجيئهم،

ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّ أهل الجنة جاؤوها وقد فُتحت أبوابُها ليستعجلوا السُّرور والفرح إِذا رأَوا الأبواب مفتَّحةً، وأهل النار يأتونها وأبوابُها مُغلَقة ليكون أشدَّ لحرِّها، ذكره أبو إِسحاق ابن شاقْلا من أصحابنا.

والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوعُ ذُلٍّ، فصِينَ أهلُ الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار، ذكره لي بعض مشايخنا.

والثالث: أنه لو وَجَدَ أهلُ الجنة بابها مُغلَقاً لأثَّر انتظارُ فَتْحه في كمال الكَرَم، ومن كمال الكَرَم غَلْقُ باب النّار إِلى حين مجيء أهلها، لأن الكريم يعجِّل المثوبة، ويؤخِّر العقوبة، وقد قال عز وجل: {ما يَفْعَلُ اللّه بِعذابكم إِنْ شَكَرْتُمْ وآمنتُم} [النساء: ١٤٧] قال المصنف: هذا وجهٌ خطر لي.

والقول الثالث: أن الواو زِيدتْ لأنَّ أبواب الجنة ثمانيةٌ، وأبواب النار سبعةٌ، والعرب تَعْطِفُ في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله: {ويَقُولونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كلَبْهُم} [الكهف: ٢٢] حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي.

واختلف العلماء: أين جوابُ هذه الآية؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الجواب محذوف، قاله أبو عبيدة، والمبرِّد، والزجّاج في آخرين. وفي تقدير هذا المحذوف قولان:

أحدهما: أن تقديره: {حتى إِذا جاؤوها...} إِلى آخر الآية سُعِدوا، قاله المبرِّد.

والثاني: {حتى إذا جاؤوها...} إِلى قوله: {فادخُلوها خالدين}.. دخلوها، وإِنما حُذف، لأن في الكلام دليلاً عليه، وهذا اختيار الزجاج.

والقول الثاني: أن الجواب: قال لهم خزنتُها، والواو زائدة، ذكره الأخفش. قال: ومثله في الشِّعر.

فإذا وذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ إِلاَ كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ

أي: فإذا ذلك.

والثالث: الجواب: {حتى إِذا جاؤوها فُتحتْ أبوابُها} والواو زائدة، حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة.

وفي قوله: {طِبْتُمْ} خمسة أقوال:

أحدها: أنهم إذا انْتَهَوا إِلى باب الجنة وَجدوا عند بابها شجرةً يَخرج من تحت ساقها عينان، فيَشربون من إِحداهما فلا يبقى في بطونهم أذىً ولا قذىً إِلاّ خرج، ويغتَسلون من الأُخرى، فلا تَغْبَرُّ جلودُهم ولا تَشَعَّثُ أشعارُهم أبداً، حتى إِذا انتَهَوْا إِلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها: {سلامٌ عليكم طِبْتُم} رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضى اللّه عنه، وقد ذكرنا في [الأعراف: ٤٤] نحوه عن ابن عباس.

والثاني: طاب لكم المقام، قاله ابن عباس.

والثالث: طِبْتُم بطاعة اللّه، قاله مجاهد.

والرابع: أنهم طُيِّبوا قَبْلَ دخول الجنة بالمغفرة، واقتُصَّ من بَعْضِهم لِبَعْض، فلمّا هُذِّبوا قالت لهم الخَزَنَةُ: طِبْتُم، قاله قتادة.

والخامس: كنتم طِّبِينَ في الدُّنيا، قاله الزجاج.

فلمّا دخَلوها قالوا: {الحمدُ للّه الذي صَدَقَنا وَعْدَهُ} بالجنة {وأَوْرَثَنا الأرضَ} أي أرض الجنة {نتبوَّأ منها حيثُ نشاء} أي: نَتَّخِذُ فيها من المنازل ما نشاء. وحكى أبو سليمان الدمشقي: أن أُمَّة محمد صلى اللّه عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأُمم بعدهم فيها، فلذلك قالوا: " نتبوَّأ من الجنة حيثُ نشاءُ "؛ يقول اللّه عز وجل: {فنِعْمَ أَجْرُ العامِلينَ} أي: نِعْمَ ثوابُ المُطِيعِينَ في الدُّنيا الجنة.

قوله تعالى: {وتَرَى الملائكةَ حافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ}: أي مُحْدِقِينَ به، يُقال: حَفَّ القومُ بفلانٍ: إِذا أَحْدَقوا به؛ ودخلتْ " مِنْ " للتوكيد، كقولك: ما جاءني من أحدٍ.

{يُسَبِّحونَ بِحَمْدِ ربِّهم} قال السدي، ومقاتل: بأَمْرِ ربِّهم. وقال بعضهم: يُسَبِّحونَ بالحمد له حيث دخل الموحِّدون الجنة. وقال ابن جرير: التَّسبيح هاهنا بمعنى الصَّلاة.

قوله تعالى: {وقُضِيَ بينَهم} أي: بينَ الخلائق {بالحَقِّ} أي: بالعَدْلِ {وقيل الحَمْدُ للّه ربِّ العالَمِينَ} هذا قول أهل الجنة شُكْراً للّه تعالى على إِنعامه.

قال المفسرون: ابتدأ اللّه ذِكْرَ الخَلْق بالحَمْدِ فقال:

{الحَمْدُ للّه الذي خلق السموات والأرض} [الأنعام: ١] وختم غاية الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم بالحمد للّه بهذه الآية، فنبَّه على تحميده في بداية كُلِّ أمْرٍ وخاتِمته.

﴿ ٠