٣٤

قوله تعالى: {فَذَكّرْ} أي: فعظ بالقرآن {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ} أي: بإنعامه عليك بالنبوة {بِكَـٰهِنٍ} وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويخبر عما في غد من غير وحي. والمعنى: إنما تنطق بالوحي لا كما يقول فيك كفار مكة.

{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} أي: هو شاعر. وقال أبو عبيدة: «أم» بمعنى «بل» قال الأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالالم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.

قوله تعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ} فيه قولان:

أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس.

والثاني: حوادث الدهر، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة: حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، و«المنون» الدهر، قال أبو ذؤيب: أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع كذا أنشدناه أصحاب الأصمعي عنه، وكان يذهب إلى أن المنون الدهر، قال وقوله «والدهر ليس بمعتب» يدل على ذلك، كأنه قال: «أمن الدهر وريبه تتوجع؟ٰ» قال الكسائي: العرب تقول: لا أكلمك آخر المنون، أي: آخر الدهر.

قوله تعالى: {قُلْ تَرَبَّصُواْ} أي: انتظروا بي ذلك {فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ ٱلْمُتَرَبّصِينَ} أي: من المنتظرين عذابكم، فعذبوا يوم بدر بالسيف. وبعض المفسرين يقول: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، إذ لا تضاد بين الآيتين.

قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ بِهَـٰذَا}

قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام، وهي العقول، فأزرى اللّه بحلومهم، إذ لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل. وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم اللّه تعالى بالعقول؟ٰ فقال: تلك عقول كادها بارئها، أي: لم يصحبها التوفيق. وفي قوله: «أم تأمرهم» وقوله: {أَمْ هُمُ} قولان:

أحدهما: أنهما بمعنى «بل» قاله أبو عبيدة.

والثاني: بمعنى ألف الاستفهام، قاله الزجاج؛ قال: والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بترك القبول ممن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدلائل، أم يكفرون طغيانا وقد ظهر لهم الحق؟ٰ وقال ابن قتيبة: المعنى: أم تدلهم عقولهم على هذا؟ٰ لأن الحلم يكون بالعقل، فكني عنه به.

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي: افتعل القرآن من تلقاء نفسه؟ والتقول: تكلف القول، ولا يستعمل إلا في الكذب {بَلِ} أي: ليس الأمر كما زعموا {لاَ يُؤْمِنُونَ} بالقرآن، استكبارا.

{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} في نظمه وحسن بيانه. وقرأ أبو رجاء، وأبو نهيك، ومورق العجلي، وعاصم الجحدري: «بحديث مثله» بغير تنوين {إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ} أن محمدا تقوله.

﴿ ٣٤