٤٣

قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء} فيه أربعة أقوال:

أحدها: أم خلقوا من غير رب خالق؟

والثاني: أم خلقوا من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد لا يعقلون؟

والثالث: أم خلقوا من غير شيء كالسماوات والأرض؟ أي: إنهم ليبسوا بأشد خلقا من السماوات والأرض، لأنها خلقت من غير شيء وهم خلقوا من آدم، وآدم من تراب.

والرابع: أم خلقوا لغير شيء؟ فتكون «من» بمعنى اللام. والمعنى: ما خلقوا عبثا فلا يؤمرون ولا ينهون.

قوله تعالى: {أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ} فلذلك لا يأتمرون ولا ينتهون؟ لأن الخالق لا يؤمر ولا ينهى.

قوله تعالى: {بَل لاَّ يُوقِنُونَ} بالحق، وهو توحيد اللّه وقدرته على البعث.

قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ} فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: المطر والرزق، قاله ابن عباس.

والثاني: النبوة، قاله عكرمة.

والثالث: علم ما يكون من الغيب، ذكره الثعلبي. وقال الزجاج: المعنى: أعندهم ما في خرائن ربك من العلم،

وقيل: من الرزق، فهم معرضون عن ربهم لاستغنائهم؟ٰ

قوله تعالى: {أَمْ هُمُ} قرأ ابن كثير: «المسيطرون» بالسين. وقال ابن عباس: المسلطون. قال أبو عبيدة: «المصيطرون» الأرباب. يقال: تسيطرت علي، أي: اتخذتني خولا، قال: ولم يأت في كلام العرب اسم على «مفيعل» إلا خمسة أسماء: مهيمن، ومجيمر، ومسيطر، ومبيطر، ومبيقر، فالمهيمن: اللّه الناظر المحصي الذي لا يفوته شيء، ومجيمر: جبل؛ والمسيطر: المسلط؛ ومبيطر: بيطار؛ والمبيقر: الذي يخرج من أرض إلى أرض، يقال: بيقر: إذا خرج من بلد إلى بلد، قال امرؤ القيس:

ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا؟

ال الزجاج: المسيطرون: الأرباب المسلطون، يقال: قد تسيطر علينا وتصيطر: بالسين والصاد، والأصل السين، وكل سين بعدها طاء، فيجوز أن تقلب صادا، تقول: سطر وصطر، وسطا علينا وصطا.

قال المفسرون: معنى الكلام: أم هم الأرباب فيفعلون ما شاؤوا ولا يكونون تحت أمر ولا نهى؟ٰ

قوله تعالى: {ٱلْمُسَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} أي: مرقى ومصعد إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي: عليه الوحي، كقوله: {فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ} [طه: ٧١] فالمعنى يستمعون الوحي فيعلمون أن ما هم عليه حق {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} إن ادعى ذلك {بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ} أي: بحجة واضحة كما أتى محمد بحجة على قوله.

{أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ} هذا إنكار عليهم حين جعلوا للّه البنات.

{أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} أي: هل سألتهم أجرا على ما جئت به، فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الاسلام؟ والمغرم بمعنى الغرم وقد شرحناه في [براءة: ٩٨].

قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ} هذا جواب لقولهم: «نتربص به ريب المنون»؛

والمعنى: أعندهم الغيب؟ وفيه قولان:

أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه ويخبرون الناس. قاله ابن عباس.

والثاني: أعندهم علم الغيب فيعلمون أن محمدا يموت قبلم {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي: يحكمون فيقولون سنقهرك. والكتاب: الحكم؛ ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم:

«سأقضي بينكما بكتاب اللّه» أي: بحكم اللّه عز وجل؛ وإلى هذا المعنى: ذهب ابن قتيبة.

قوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} وهو ما كانوا عزموا عليه في دار الندوة؛ وقد شرحنا ذلك في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: ٣٠] ومعنى {هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ} هم المجزيون بكيدهم، لأن ضرر ذلك عاد عليهم فقتلوا ببدر وغيرها.

{أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللّه} أي: ألهم إله يرزقهم ويحفظهم غير اللّه؟ والمعنى أن الأصنام ليست بآلهة، لأنها لا تنفع ولا تدفع. ثم نزه نفسه عن شركهم بباقي الآية.

﴿ ٤٣