١

قوله تعالى: {ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء} قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم. والمؤمنون داخلون معه فيه. ومعناه: إذا أردتم طلاق النساء، كقوله تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا} {المائدة: ٦}

وفي سبب نزول هذه الآية قولان:

أحدهما: أنها نزلت حين طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حفصة، وقيل له: راجعها، فإنها صوامة قوامة، وهي من إحدى زوجاتك في الجنة، قاله أنس بن مالك.

والثاني: أنها نزلت في عبد اللّه بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضا، فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، قاله السدي.

قوله تعالى: {لِعِدَّتِهِنَّ} أي: لزمان عدتهن، وهو الطهر. وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها. والطلاق: على ضربين: سني، وبدعي. فالسني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، وذلك هو الطلاق للعدة، لأنها تعتد بذلك الطهر من عدة، وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة. والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم، وإن جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد، فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة.

قوله تعالى: {وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ} أي: زمان العدة. وفي إحصائها فوائد. منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسكنى، وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلق ثلاثا، وليعلم أنها قد بانت، فيتزوج بأختها، وأربع سواها.

قوله تعالى: {وَٱتَّقُواْ ٱللّه فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللّه رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} فيه دليل على وجوب السكنى. ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة.

فإن خرجت أثمت {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} وفيها أربعة أقوال:

أحدها: المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة، فخروجهن هو الفاحشة المبينة، وهذا قول عبد اللّه بن عمر، والسدي، وابن السائب.

والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك. فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن.

والثالث: الفاحشة: أن تبذؤ على أهلها، فيحل لهم إخراجها، رواه محمد ابن إبراهيم عن ابن عباس.

والرابع: أنها إصابة حد، فتخرج لإقامة الحد عليها، قاله سعيد ابن المسيب.

قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللّه} يعني: ما ذكر من الأحكام {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللّه} التي بينها.

وأمر بها {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي: أثم فيما بينه وبين اللّه تعالى {لا تَدْرِى * لَعَلَّ ٱللّه يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} أي: يوقع في قلب الزوج المحبة لرجعتها بعد الطلقة و الطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث.

﴿ ١