٣٢

قوله تعالى: {قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ} أي: لعن. والمراد بالإنسان: هاهنا الكافر.

وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه أشار الى كل كافر، قاله مجاهد.

والثاني: أنه أمية بن خلف، قاله الضحاك.

والثالث: عتبة بن أبي لهب، قاله مقاتل.

وفي قوله تعالى: {مَا أَكْفَرَهُ} ثلاثة أقوال:

أحدها: ما أشد كفره، قاله ابن جريج.

والثاني: أي شيء أكفره؟ قاله السدي فعلى هذا يكون استفهام توبيخ.

الثالث: أنه على وجه التعجب، وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى: اعجبوا أنتم من كفره، قاله الزجاج.

قوله تعالى: {مِنْ أَىّ شَىْء خَلَقَهُ} ثم فسره

فقال تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ}

وفي معنى «فقدره» ثلاثة أقوال:

أحدها: قدر أعضاءه، رأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه، قاله ابن السائب.

والثاني: قدره أطوارا: نطفة، ثم علقه، الى آخر خلقه، قاله مقاتل.

والثالث: فقدره على الإستواء، قاله الزجاج.

{ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ} فيه قولان:

احدهما: سهل له العلم بطريق الحق والباطل، قاله الحسن، ومجاهد، قال الفراء: والمعنى: ثم يسره للسبيل.

والثاني: يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه، قاله السدي ومقاتل.

قوله تعالى: {فَأَقْبَرَهُ} قال الفراء: أي: جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير، فكأن القبر مما أكرم به المسلم، ولم يقل: قبره، لأن القابر هو الدافن بيده. والمقبر اللّه لأنه صيره مقبورا، فليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تقول: بترت ذنب البعير، واللّه أبتره. وعضبت قرن الثور، واللّه أعضبه. وطردت فلانا عني، واللّه أطرده، أي: صيره طريدا. وقال أبو عبيدة: أقبره: أي أمر أن يقبر، وجعل له قبرا. قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل

والثاني: أنه خاص للكافر لم يقض ما أمر به من الإيمان والطاعة، قاله يحيى بن سلام. ولما ذكر خلق ابن آدم، ذكر رزقه ليعتبر وليستدل بالنبات على البعث، فقال تعالى:

{فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ} قال مقاتل: يعني به عتبة بن أبي لهب. ومعنى الكلام فلينظر الإنسان كيف خلق اللّه طعامه الذي جعله سببا لحياته؟ ثم بين فقال تعالى: {أَنَاْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «إنا» بالكسر وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {أَنَّا صَبَبْنَا} بفتح الهمزة في الوصل وفي الابتداء، ووافقهم رويس على فتحها في الوصل، فإذا ابتدأ كسر قال الزجاج: من كسر {أَنَاْ} فعلى الابتداء والاستئناف ومن فتح فعلى البدل من الطعام، المعنى: فلينظر الإنسان أنا صببنا

قال المفسرون: أراد بصب الماء: المطر. {ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلاْرْضَ} بالنبات

{شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} يعني به جميع الحبوب التي يتغذى بها

{وَعِنَباً وَقَضْباً} قال الفراء: هو الرطبة. وأهل مكة يسمون القت: القضب. قال ابن قتيبة ويقال: انه سمي بذلك لأنه يقضب مرة بعد مرة أي: يقطع، وكذلك القصيل، لأنه يقصل، أي يقطع.

قوله تعالى: {وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً} قال الفراء: كل بستان كان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل: حديقة. والغلب: ما غلظ من النخل. قال أبو عبيدة: يقال: شجرة غلباء: إذا كانت غليظة. وقال ابن قتيبة: الغلب: الغلاظ الأعناق. وقال الزجاج: هي المتكاثفة، العظام.

قوله تعالى: {وَفَـٰكِهَةٍ} يعني: ألوان الفاكهة {وَأَبّاً} فيه قولان:

احدهما: أنه ما ترعاه البهائم، قاله ابن عباس، وعكرمة. واللغويون وقال الزجاج: هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية.

والثاني: أنه الثمار الرطبة، رواه الوالبي عن ابن عباس.

{مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلاِنْعَـٰمِكُمْ} قد بيناه في السورة التي قبلها {النازعات: ٣٣}.

قوله تعالى: {وَلاِنْعَـٰمِكُمْ فَإِذَا جَاءتِ ٱلصَّاخَّةُ} وهي الصيحة الثانية. قال ابن قتيبة: الصاخة تصخ صخا أي: تصم. يقال: رجل أصخ، وأصلخ إذا كان لا يسمع والداهية صاخة أيضا. وقال الزجاج: هي الصيحة التي تكون عليها القيامة، تصخ الأسماع، أي: تصمها، فلا تسمع إلا ما تدعي به لإحيائها. ثم فسر في أي وقت تجيء،

فقال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ}

قال المفسرون: المعنى لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه، لعظم ما هو فيه، قال الحسن: أول من يفر من أخيه هابيل، ومن أمه وأبيه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح، وقال قتادة: يفر هابيل من قابيل والنبي صلى اللّه عليه وسلم من أمه، وإبراهيم من أبيه، ولوط من صاحبته، ونوح من ابنه.

قوله تعالى: {لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} قال الفراء: أي: يشغله عن قرابته. وقال ابن قتيبة: أي: يصرفه ويصده عن قرابته. يقال: اغن عني وجهك، أي: اصرفه. واغن عني السفيه. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، وأبو العالية، وابن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي عبلة، «يعنيه» بفتح الياء و العين غير معجمة. قال الزجاج: معنى الآية: له شأن لايقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره. وكذلك قراءة من قرأ «يغنيه» بالغين، معناه: له شأن لا يهمه معه غيره.وقد روى أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبي صلى اللّه عليه وسلم أنحشر عراة؟ قال: نعم قالت: واسوءتاه، فأنزل اللّه تعالى {لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} أي: مضيئة قد علمت ما لها من الخير

{ضَـٰحِكَةٌ} لسرورها {مُّسْتَبْشِرَةٌ} أي: فرحة بما نالها من كرامة اللّه عز وجل

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي: غبار وقال مقاتل: أي سواد وكآبة

{تَرْهَقُهَا} أي: تغشاها {قَتَرَةٌ} أي:ظلمة. وقال الزجاج: يعلوها سواد كالدخان. ثم بين من أهل هذه الحال، فقال تعالى: {أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ} وهوجمع كافر وفاجر.

﴿ ٣٢