سُورَةُ الْقَدْرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسُ آياَتٍ

سورة القدر

وفيها قولان:

احدهما: أنها مكية، رواه أبو صالح، عن ابن عباس.

والثاني: مدنية، قاله الضحاك، ومقاتل.

قال الماوردي: والأول قول الأكثرين. وقال الثعلبي:

الثاني قول الأكثرين.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

انظر تفسير الآية:٥

٢

انظر تفسير الآية:٥

٣

انظر تفسير الآية:٥

٤

انظر تفسير الآية:٥

٥

قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ} يعني: القرآن {فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} وذلك أنه أنزل جملة في تلك الليلة الى بيت العزة، وهو بيت في السماء الدنيا.

وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا. والهاء في «إنا أنزلناه» كناية عن غير مذكور.

وقال الزجاج: قد جرى ذكره في قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} [الدخان:٣].

فأما {لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال:

أحدها: أن القدر العظمة من قولك: لفلان قدر، قاله الزهري. ويشهد له قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللّه حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:٩١] و [الزمر: ٦٧].

والثاني: أنه من الضيق، أي: هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون، قاله الخليل بن أحمد، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:٧].

والثالث: أن القدر الحكم كأن الأشياء تقدر فيها، قاله ابن قتيبة.

والرابع: لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر، قاله أبو بكر الوراق.

والخامس: لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، وتنزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر، حكاه شيخنا علي بن عبيد اللّه.

فصل

واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية، أم كانت في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة؟ والصحيح بقاؤها.

وهل هي في جميع السنة، أم في رمضان؟ فيه قولان:

احدهما: في رمضان، قاله الجمهور.

والثاني: في جميع السنة، قاله ابن مسعود.

واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض؟ على قولين:

احدهما: أنها في العشر الأواخر، قاله الجمهور.

وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه. وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

«التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، أو سابعة تبقى، أو في خامسة تبقى» وفي حديث أبي بكرة قال: ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول:

«التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة».

والقول الثاني: أنها في جميع، رمضان قاله الحسن البصري.

واختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع؟ على قولين.

احدهما: أنها تختص الأفراد، قاله الجمهور. والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه.

وقد أخرج البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

«ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها».

والثاني: أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر، قاله الحسن.

وروي عن الحسن، ومالك بن أنس قالا: هي ليلة ثماني عشرة.

واختلف القائلون بأنها في الأفراد في أخص الليالي بها على خمسة أقوال.

أحدها: أن الأخص بها ليلة إحدى وعشرين، فروى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العشر الوسط واعتكفنا معه، فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه، وأرى ليلة القدر، ثم أنسيها، فقال:

«إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد في ماء وطين، فمن اعتكف فليرجع إلى معتكفه، وهاجت علينا السماء آخر تلك العشية، وكان سقف المسجد عريشا من جريد، فوكف المسجد فوالذي هو أكرمه، وأنزل عليه الكتاب لرأيته يصلي، بدأ المغرب ليلة إحدى وعشرين، وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين». وهذا مذهب الشافعي.

والثاني: أن الأخص بها ليلة ثلاث وعشرين، روى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ليلة ثلاث وعشرين:

«اطلبوها الليلة».

وروى ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال:

«من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين».

وروى مسلم في أفراده من حديث عبد اللّه بن أنيس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين. قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. قال: وكان عبد اللّه بن أنيس يقول ليلة ثلاث وعشرين.

والثالث: ليلة خمس وعشرين، روى هذا المعنى أبو بكرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.

والرابع: ليلة سبع وعشرين، روى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين، يعني ليلة القدر وهذا مذهب علي، وأبي بن كعب، وكان أبي يحلف، لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، وبه قال ابن عباس، وعائشة، ومعاوية، واختاره أحمد رضي اللّه عنه.

وروي عن ابن عباس: أنه استدل على ذلك بشيئين.

احدهما: أنه قال: إن اللّه تعالى خلق الإنسان على سبعة أصناف، يشير إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ} [المؤمنين:١٢] الآيات ثم جعل رزقه في سبعة أصناف يشير إلى قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَاء صَبّاً} [عبس: ٢٥] ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام، وجعل السموات سبعا، والأرضين سبعا، والمثاني سبعا، فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة وعشرين.

والثاني: أنه قال قوله تعالى {سَلَـٰمٌ} هي الكلمة السابعة والعشرون، فدل على أنها كذلك. واحتج بعضهم فقال: ليلة القدر كررت في هذه السورة ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، والتسعة إذا كررت ثلاثا فهي سبع وعشرون، وهذا تنبيه على ذلك.

والقول الخامس: أن الأولى طلبها في أول ليلة من رمضان، قاله أبو رزين العقيلي.

وروى أيوب عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر.

فأما الحكمة في إخفائها فليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان طمعا منهم في إدراكها، كما أخفى ساعة الجمعة، وساعة الليل، واسمه الأعظم، والصلاة الوسطى، والولي في الناس.

قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ} هذا على سبيل التعظيم والتشوق إلى خيرها.

قوله تعالى: {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قال مجاهد: قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر وصيامها ليس فيها ليلة القدر، وهذا قول قتادة، واختيار الفراء، وابن قتيبة، والزجاج، وروى عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكر له رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل اللّه ألف شهر، فعجب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لذلك وتمنى أن يكون ذلك في أمته فأعطاه اللّه ليلة القدر وقال هي خير من ألف شهر التي حمل فيها الاسرائيلي السلاح في سبيل اللّه.

وذكر بعض المفسرين أنه كان الرجل فيما مضى لا يستحق أن يقال له: عابد حتى يعبد اللّه ألف شهر كانوا يعبدون فيها.

قوله تعالى: {تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ} قال أبو هريرة: الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.

وفي الروح ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه جبريل قاله الأكثرون. وفي حديث أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

«إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه عز وجل».

والثاني: أن الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، قاله كعب، ومقاتل بن حيان.

والثالث: أنه ملك عظيم يفي بخلق من الملائكة، قاله الواقدي.

قوله تعالى: {فِيهَا} أي: في ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} أي: بما أمر به وقضاه

{مّن كُلّ أَمْرٍ} قال ابن قتيبة: أي: بكل أمر

قال المفسرون: يتنزلون بكل أمر قضاه اللّه في تلك السنة إلى قابل. وقرأ ابن عمر، وابن عباس، وأبو العالية، وأبو عمران الجوني «من كل امرِىء» بكسر الراء وبعدها همزة مكسورة منونة، وبوصل اللام من غير همز،

ولهذه القراءة وجهان.

احدهما: من كل ملك سلام.

والثاني: أن تكون «من» بمعنى «على» تقديره على كل أمر من المسلمين سلام من الملائكة كقوله تعالى: {وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ} [الأنبياء:٧٧] والقراءة الموافقة لخط المصحف هي الصواب. ويكون تمام الكلام عند قوله تعالى: «من كل أمر» ثم ابتدأ فقال تعالى: {سَلَـٰمٌ هِىَ} أي: ليلة القدر سلام وفي معنى السلام قولان:

احدهما: أنه لا يحدث فيها داء، ولا يرسل فيها شيطان. قاله مجاهد:

والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة. وكان بعض العلماء يقول: الوقف على «سلام» على معنى تنزل الملائكة بالسلام.

قوله تعالى: {حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة «مطلَع» بفتح اللام وقرأ الكسائي بكسرها قال الفراء: والفتح أقوى في قياس العربية، لأن المطلع بالفتح: الطلوع، وبالكسر: الموضع الذي يطلع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلعا، بالكسر وهم يريدون المصدر، كما تقول: أكرمتك كرامة، فتجتزيء بالاسم عن المصدر، وقد شرحنا هذا المعنى في الكهف عند قوله تعالى: {مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ} [آية:٩] شرحا كافيا وللّه الحمد.

﴿ ٠