٢٠ [يكاد البرق يخطف أبصارهم] السؤال السادس: ما الرعد والبرق؟ الجواب: الرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض وترتعد إذا أخذتها الريح فصوت عند ذلك من الارتعاد والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع. السؤال السابع: الصيب هو المطر والسحاب فأيهما أريد فما ظلماته؟ الجواب: أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمته سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل، وأما ظلمة المطر فظلمته تكاثفه وانسجامه بتتابع القطر وظلمته إظلال الغمامة مع ظلمة الليل. السؤال الثامن: كيف يكون المطر مكانا للرعد والبرق وإنما مكانهما السحاب. الجواب: لما كان التعليق بين السحاب والمطر شديدا جاز إجراء أحدهما مجرى الآخر في الأحكام. السؤال التاسع: هلا قيل رعود وبروق كما قيل ظلمات؟ الجواب: الفرق أنه حصلت أنواع مختلفة من الظلمات على الاجتماع فاحتيج إلى صيغة الجمع، أما الرعد فإنه نوع واحد، وكذا البرق ولا يمكن اجتماع أنواع الرعد والبرق في السحاب الواحد فلا جرم لم يذكر فيه لفظ الجمع. السؤال العاشر: لم جاءت هذه الأشياء منكرات. الجواب: لأن المراد أنواع منها، كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف. السؤال الحادي عشر: إلى ماذا يرجع الضمير في "يجعلون". الجواب: إلى أصحاب الصيب وهو وإن كان محذوفا في اللفظ لكنه باق في المعنى ولا محل لقوله يجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} (البقرة: ٢٠) السؤال الثاني عشر: رءوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان فهلا قيل أناملهم؟ الجواب المذكور وإن كان هو الأصبع لكن المراد بعضه كما في قوله: {فاقطعوا أيديهما} (المائدة: ٣٨) المراد بعضهما. السؤال الثالث عشر: ما الصاعقة؟ الجواب: إنها قصف رعد ينقض منها شعلة من نار وهي نار لطيفة قوية لا تمر بشيء إلا أتت عليه إلا أنها مع قوتها سريعة الخمود. السؤال الرابع عشر: ما إحاطة اللّه بالكافرين. الجواب: إنه مجاز والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه عالم بهم قال تعالى: {وأن اللّه قد أحاط بكل شىء علما} (الطلاق: ١٢) وثانيها: قدرته مستولية عليهم {واللّه من * وراءهم * محيط} (البروج: ٢٠) وثالثها: يهلكهم من قوله تعالى: {إلا أن يحاط بكم} (يوسف: ٦٦) السؤال الخامس عشر: ما الخطف. الجواب: إنه الأخذ بسرعة، وقرأ مجاهد "يخطف" بكسر الطاء، والفتح أفصح، وعن ابن مسعود "يختطف" وعن الحسن "يخطف" بفتح الياء والخاء وأصله يختطف، وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء، وعن زيد بن علي: يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله: {ويتخطف الناس من حولهم} (العنكبوت: ٦٧) أما قوله تعالى: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} (البقرة: ٢٠) فهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في حالتي ظهور البرق وخفائه، والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء اللّه لزاد في قصف الرعد فأصمهم، وفي ضوء البرد فأعماهم. وأضاء أما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه، فالمفعول محذوف، وأما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة "كلما ضاء" فإن قيل كيف قال مع الإضاءة كلما، ومع الإظلام إذا: قلنا لأنهم حراص على إمكان المشيء، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها وليس كذلك التوقف، والأقرب في أظلم أن يكون غير متعد وهو الظاهر، ومعنى قاموا وقفوا وثبتوا في مكانهم، ومنه قامت السوق، وقام الماء جمد، ومفعول شاء محذوف لأن الجواب يدل عليه والمعنى ولو شاء اللّه أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما وههنا مسألة، وهي أن المشهور أن "لو" تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ومنهم من أنكر ذلك وزعم أنها لا تفيد إلا الربط واحتج عليه بالآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} (الأنفال: ٢٣) فلو أفادت كلمة لو انتفاء الشيء لا انتفاء غيره للزم التناقض لأن قوله: {ولو علم اللّه فيهم خيرا لاسمعهم} يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم وقوله: {ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} يفيد أنه تعالى ما أسمعهم وأنهم ما تولوا ولكن عدم التولي خير فلزم أن يكون قد علم فيهم خيرا، وما علم فيهم خيرا وأما الخبر فقوله عليه السلام: "نعم الرجل صهيب لو لم يخف اللّه لم يعصه" فعلى مقتضى قولهم يلزم أنه خاف اللّه وعصاه وذلك متناقض، فقد علمنا أن كلمة "لو" لا تفيد إلا الربط واللّه أعلم. وأما قوله: {إن اللّه على كل شىء قدير} ففيه مسائل: المسألة الأولى: منهم من استدل به على أن المعدوم شيء، قال: لأنه تعالى أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه لاستحالة إيجاد الموجود، فالذي عليه القدرة معدوم وهو شيء فالمعدوم شيء. والجواب: لو صح هذا الكلام لزم أن ما لا يقدر اللّه عليه لا يكون شيئا، فالموجود لما لم يقدر اللّه عليه وجب أن لا يكون شيئا. المسألة الثانية: احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء، قال لأنها تدل على أن كل شيء مقدور للّه واللّه تعالى ليس بمقدور له، فوجب أن لا يكون شيئا، واحتج أيضا على ذلك بقوله تعالى: {ليس كمثله شىء} (الشورى: ١١) قال لو كان هو تعالى شيئا لكان تعالى مثل نفسه فكان يكذب قوله: {ليس كمثله شىء} فوجب أن لا يكون شيئا حتى لا تتناقض هذه الآية، واعلم أن هذا الخلاف في الاسم، لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم، واحتج أصحابنا بوجهين: الأول: قوله تعالى: {قل أى شىء أكبر شهادة قل اللّه}. (الأنعام: ١٩) والثاني: قوله تعالى: {كل شىء هالك إلا وجهه} (القصص: ٨٨) والمستثنى داخل في المستثنى منه فيجب أن يكون شيئا. المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور للّه تعالى خلافا لأبي علي وأبي هاشم، وجه الاستدلال أن مقدور العبد شيء، وكل شيء مقدور للّه تعالى بهذه الآية فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدورا للّه تعالى. المسألة الرابعة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المحدث حال حدوثه مقدور للّه خلافا للمعتزلة فإنهم يقولون: الاستطاعة قبل الفعل محال، فالشيء إنما يكون مقدورا قبل حدوثه، وبيان استدلال الأصحاب أن المحدث حال وجوده شيء، وكل شيء مقدور، وهذا الدليل يقتضي كون الباقي مقدورا ترك العمل به فبقي معمولا به في محل النزاع، لأنه حال البقاء مقدوره، على معنى أنه تعالى قادر على إعدامه، أما حال الحدوث، فيستحيل أن يقدر اللّه على إعدامه لاستحالة أن يصير معدوما في أول زمان وجوده، فلم يبق إلا أن يكون قادرا على إيجاده. المسألة الخامسة: تخصيص العام جائز في الجملة، وأيضا تخصيص العام جائز بدليل العقل، لأن قوله: {واللّه على كل شيء قدير} (البقرة: ٢٨٤) يقتضي أن يكون قادرا على نفسه ثم خص بدليل العقل، فإن قيل إذا كان اللفظ موضوعا للكل ثم تبين أنه غير صادق في الكل كان هذا كذبا، وذلك يوجب الطعن في القرآن، قلنا: لفظ الكل كما أنه يستعمل في المجموع. فقد يستعمل مجازا في الأكثر، وإذا كان ذلك مجازا مشهورا في اللغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذبا واللّه أعلم. |
﴿ ٢٠ ﴾