١١١ {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } اعلم أن هذا هو النوع الرابع من تخليط اليهود وإلقاء الشبه في قلوب المسلمين، واعلم أن اليهود لا تقول في النصارى: إنها تدخل الجنة، ولا النصارى في اليهود، فلا بد من تفصيل في الكلام فكأنه قال: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، ولا يصح في الكلام سواه، مع علمنا بأن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر، ونظيره: {قالوا * كونوا هودا أو نصارى} (البقرة: ١٣٥) والهود: جمع هائد، كعائذ وعوذ وبازل وبزل، فإن قيل: كيف قيل: كان هودا، على توحيد الاسم، وجمع الخبر؟ قلنا: حمل الاسم على لفظ (من) والخبر على معناه كقراءة الحسن: {إلا من هو صال الجحيم} (الصافات: ١٦٣) وقرأ أبي بن كعب: {إلا من كان * يهوديا * أو * نصرانيا} أما قوله تعالى: {تلك أمانيهم} فالمراد أن ذلك متمنياتهم، ثم إنهم لشدة تمنيهم لذلك قدروه حقا في نفسه، فإن قيل: لم قال: {تلك أمانيهم} وقولهم: {لن يدخل الجنة} أمنية واحدة؟ قلنا: أشير بها إلى الأماني المذكورة، وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفارا، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي: تلك الأماني الباطلة أمانيهم، وقوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم} متصل بقوله: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} و {تلك أمانيهم} اعتراض، قال عليه الصلاة والسلام "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على للّه الأماني" وقال علي رضي للّه عنه: "لا تتكل على المنى فإنها بضائع التولي". أما قوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم} ففيه مسائل: المسألة الأولى: هات: صوت بمنزلة هاء في معنى أحضر. المسألة الثانية: دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا، أو إثباتا، فلا بد له من الدليل والبرهان، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد قال الشاعر: ( من ادعى شيئا بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه ) |
﴿ ١١١ ﴾