١٩٢

أما قوله تعالى: {فإن انتهوا فإن اللّه غفور رحيم} فاعلم أنه تعالى أوجب عليهم القتال على ما تقدم ذكره، وكان يجوز أن يقدر أن ذلك القتال لا يزال وإن انتهوا وتابوا كما ثبت في كثير من الحدود أن التوبة لا تزيله، فقال تعالى بعدما أوجب القتل عليهم: {فإن انتهوا فإن اللّه غفور رحيم} بين بهذا أنهم متى انتهوا عن ذلك سقط وجوب القتل عنهم، ونظيره قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} (الأنفال: ٣٨) وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قال ابن عباس: فإن انتهوا عن القتال وقال الحسن: فإن انتهوا عن الشرك.

حجة القول الأول: أن المقصود من الإذن في القتال منع الكفار عن المقاتلة فكان قوله: {فإن انتهوا} محمولا على ترك المقاتلة.

حجة القول الثاني: أن الكافر لا ينال غفران اللّه ورحمته بترك القتال، بل بترك الكفر.

المسألة الثانية: الانتهاء عن الكفر لا يحصل في الحقيقة إلا بأمرين

أحدهما: التوبة والآخر التمسك بالإسلام، وإن كان قد يقال في الظاهر لمن أظهر الشهادتين: إنه انتهى عن الكفر إلا أن ذلك إنما يؤثر في حقن الدم فقط.

أما الذي يؤثر في استحقاق الثواب والغفران والحرمة فليس إلا ما ذكرنا.

المسألة الثالثة: دلت الآية على أن التوبة من كل ذنب مقبولة، وقول من قال: التوبة عن القتل العمد غير مقبولة خطأ، لأن الشرك أشد من القتل، فإذا قبل اللّه توبة الكافر فقبول توبة القاتل أولى، وأيضا فالكافر قد يكون بحيث جمع مع كونه كافرا كونه قاتلا.

فلما دلت الآية على قبول توبة كل كافر دل على أن توبته إذا كان قاتلا مقبولا واللّه أعلم.

﴿ ١٩٢