٢٠٦

الصفة الخامسة: قوله تعالى: {وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة بالإثم}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قال الواحدي: قوله تعالى: {وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة} معناه أن رسول اللّه دعاه إلى ترك هذه الأفعال فدعاه الكبر والأنفة إلى الظلم.

واعلم أن هذا التفسير ضعيف، لأن قوله: {وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة} ليس فيه دلالة إلا على أنه متى قيل له هذا القول أخذته العزة، فإما أن هذا القول قيل أو ما قيل فليس في الآية دلالة عليه فإن ثبت ذلكبرواية وجب المصير إليه وإن كنا نعلم أنه عليه السلام كان يدعوا الكل إلى التقوى من غير تخصيص.

المسألة الثانية: أنه تعالى حكى عن هذا المنافق جملة من الأفعال المذمومة

أولها: اشتغاله بالكلام الحسن في طلب الدنيا

وثانيها: استشهاده باللّه كذبا وبهتانا

وثالثها: لجاجه في إبطال الحق وإثبات الباطل

ورابعها: سعيه في الفساد

وخامسها: سعيه في إهلاك الحرث والنسل وكل ذلك فعل منكر قبيح وظاهر قوله: {إذا قيل لهم * اتق اللّه} فليس بأن ينصرف إلى بعض هذه الأمور أولى من بعض، فوجب أن يحمل على الكل فكأنه قيل: اتق اللّه في إهلاك الحرث والنسل وفي السعي بالفساد، وفي اللجاج الباطل، وفي الإستشهاد باللّه كذلك، وفي الحرص على طلب الدنيا فإنه ليس رجوع النهي إلى البعض أولى من بعض.

المسألة الثالثة: قوله: {أخذته العزة بالإثم} فيه وجوه

أحدها: أن هذا مأخوذ من قولهم أخذت فلانا بأن يعمل كذا، أي ألزمته ذلك وحكمت به عليه، فتقدير الآية: أخذته العزة بأن يعمل الإثم، وذلك الإثم هو ترك الإلتفات إلى هذا الواعظ وعدم الإصغاء إليه

وثانيها: {أخذته العزة} أي لزمته يقال: أخذته الحمى أي لزمته، وأخذه الكبر، أي اعتراه ذلك، فمعنى الآية إذا قيل له اتق اللّه لزمته العزة الحاصلة بالإثم الذين في قلبه، فإن تلك العزة إنما حصلت بسبب ما في قلبه من الكفر والجهل وعدم النظر في الدلائل، ونظيره قوله تعالى: {بل الذين كفروا فى عزة وشقاق} (ص: ٢) والباء ههنا في معنى اللام، يقول الرجل: فعلت هذا بسببك ولسببك، وعاقبته بجنايته ولجنايته.

أما قوله تعالى: {فحسبه جهنم} قال المفسرون: كافيه جهنم جزاء له وعذابا يقال: حسبك درهم أي كفاك وحسبنا اللّه، أي كافينا اللّه،

وأما جهنم فقال يونس وأكثر النحويين: هي اسم للنار التي يعذب اللّه بها في الآخرة وهي أعجمية وقال آخرون.

جهنم اسم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها، حكى عن رؤبة أنه قال: ركية جهنام بريد بعيدة القعر.

أما قوله تعالى: {ولبئس المهاد} ففيه وجهان

الأول: أن المهاد والتمهيد: التوطئة، وأصله من المهد، قال تعالى: {والارض فرشناها فنعم الماهدون} (الذاريات:٤٨) أي الموطئون الممكنون، أي جعلناها ساكنة مستقرة لا تميد بأهلها ولا تنبو عنهم وقال تعالى: {فلانفسهم يمهدون} (الروم:٤٤) أي يفرشون ويمكنون

والثاني: أن يكون قوله: {ولبئس المهاد} أي لبئس المستقر كقوله: {جهنم يصلونها وبئس القرار} (إبراهيم: ٢٩) وقال بعض العلماء: المهاد الفراش للنوم، فلما كان المعذب في النار يلقى على نار جهنم جعل ذلك معادا له وفراشا.

﴿ ٢٠٦