٢٦٤

{ يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن باللّه واليوم الاخر} وفي الآية مسائل؛

المسألة الأولى: قال القاضي: إنه تعالى آكد النهي عن إبطال الصدقة بالمن والأذى وأزال كل شبهة للمرجئة بأن بين أن المراد أن المن والأذى يبطلان الصدقة، ومعلوم أن الصدقة قد وقعت وتقدمت، فلا يصح أن تبطل فالمراد إبطال أجرها وثوابها، لأن الأجر لم يحصل بعد وهو مستقبل فيصح إبطاله بما يأتيه من المن والأذى.واعلم أنه تعالى ذكر لكيفية إبطال أجر الصدقة بالمن والأذى مثلين، فمثله أولا: بمن ينفق ماله رئاء الناس، وهو مع ذلك كافر لا يؤمن باللّه واليوم الآخرلأن بطلان أجر نفقة هذا المرائي الكافر أظهر من بطلان أجر صدقة من يتبعها المن والأذى، ثم مثله ثانيا: بالصفوان الذي وقع عليه تراب وغبار، ثم أصابه المطر القوي، فيزيل ذلك الغبار عنه حتى يصير كأنه ما كان عليه غبار ولا تراب أصلا، فالكافر كالصفوان، والتراب مثل ذلك الإنفاق والوابل كالكفر الذي يحبط عمل الكافر، وكالمن والأذى اللذين يحبطان عمل هذا المنفق، قال: فكما أن الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان، فكذا المن والأذى يوجب أن يكونا مبطلين لأجر الانفاق بعد حصوله، وذلك صريح في القول بالاحباط والتفكير، قال الجبائي: وكما دل هذا النص على صحة قولنا فالعقل دل عليه أيضا، وذلك لأن من أطاع وعصى، فلو استحق ثواب طاعته وعقاب معصيته لوجب أن يستحق النقيضين، لأن شرط الثواب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال، وشرط العقاب أن يكون مضرة خالصة دائمة مقرونة بالإذلال فلو لم تقع المحابطة لحصل استحقاق النقيضين وذلك محال، ولأنه حين يعاقبه فقد منعه الإثابة ومنع الإثابة ظلم، وهذا العقاب عدل، فيلزم أن يكون هذا العقاب عدلا من حيث إنه حقه، وأن يكون ظلما من حيث إنه منع الإثابة، فيكون ظالما بنفس الفعل الذي هو عادل فيه وذلك محال، فصح بهذا قولنا في الإحباط والتفكير بهذا النص وبدلالة العقل، هذا كلام المعتزلة.

وأما أصحابنا فإنهم قالوا: ليس المراد بقوله {لا تبطلوا} النهي عن إزالة هذا الثواب بعد ثبوته بل المراد به أن يأتي بهذا العمل باطلا، وذلك لأنه إذا قصد به غير وجه اللّه تعالى فقد أتى به من الابتداء على نعت البطلان، واحتج أصحابنا على بطلان قول المعتزلة بوجوه من الدلائل: أولها: أن النافي والطارىء إن لم يكن بينهما منافاة لم يلزم من طريان الطارىء زوال النافي، وإن حصلت بينهما منافاة لم يكن اندفاع الطارىء أولى من زوال النافي، بل ربما كان هذا أولى لأن الدفع أسهل من الرفع. ثانيها: أن الطارىء لو أبطل لكان

أما أن يبطل ما دخل منه في الوجود في الماضي وهو محال لأن الماضي انقضى ولم يبق في الحال وإعدام المعدوم محال

وأما أن يبطل ما هو موجود في الحال وهو أيضا محال لأن الموجود في الحال لو أعدمه في الحال لزم الجمع بين العدم والوجود وهو محال،

وأما أن يبطل ما سيوجد في المستقبل وهو محال، لأن الذي سيوجد في المستقبل معدوم في الحال وإعدام ما لم يوجد بعد محال.

وثالثها: أن شرط طريان الطارىء زوال النافي فلو جعلنا زوال النافي معللا بطريان الطارىء لزم الدور وهو محال.

ورابعها: أن الطارىء إذا طرأ وأعدم الثواب السابق فالثواب السابق

أما أن يعدم من هذا الطارىء شيئا أو لا يعدم منه شيئا، والأول هو الموازنة وهو قول أبي هاشم وهو باطل، وذلك لأن الموجب لعدم كل واحد منهما وجود الآخر فلو حصل العدمان معا اللذان هما معلولان لزم حصول الوجودين اللذين هما علتان فيلزم أن يكون كل واحد منهما موجودا حال كون كل واحد منهما معدوما وهو محال.

وأما الثاني: وهو قول أبي علي الجبائي فهو أيضا باطل لأن العقاب الطارىء لما أزال الثواب السابق، وذلك الثواب السابق ليس له أثر ألبتة في إزالة الشيء من هذا العقاب الطارىء، فحينئذ لا يحصل له من العمل الذي أوجب الثواب السابق فائدة أصلا لا في جلب ثواب ولا في دفع عقاب وذلك على مضادة النص الصريح في قوله {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} (الزلزلة: ٧) ولأنه خلاف العدل حيث يحمل العبد مشقة الطاعة، ولم يظهر له منها أثر لا في جلب المنفعة ولا في دفع المضرة.

وخامسها: وهو أنكم تقولون: الصغيرة تحبط بعض أجزاء الثواب دون البعض، وذلك محال من القول لأن أجزاء الاستحقاقات متساوية في الماهية، فالصغيرة الطارئة إذا انصرف تأثيرها إلى بعض تلك الاستحقاقات دون البعض مع استواء الكل في الماهية كان ذلك ترجيحا للممكن من غير مرجح وهو محال، فلم يبق إلا أن يقال بأن الصغيرة الطارئة تزيل كل تلك الاستحقاقات وهو باطل بالاتفاق، أو لا نزيل شيئا منها وهو المطلوب.

وسادسها: وهو أن عقاب الكبيرة إذا كان أكثر من ثواب العمل المتقدم،

فأما أن يقال بأن المؤثر في إبطال الثواب بعض أجزاء العقاب الطارىء أو كلها والأول: باطل لأن اختصاص بعض تلك الأجزاء بالمؤثرية دون البعض مع استواء كلها في الماهية ترجيح للمكن من غير مرجح وهو محال، والقسم الثاني باطل، لأنه حينئذ يجتمع على إبطال الجزء الواحد من الثواب جزآن من العقاب مع أن كل واحد من ذينك الجزأين مستقل بإيطال ذلك الثواب، فقد اجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وذلك محال، لأنه يستغني بكل واحد منهما فيكون غنيا عنهما معا حال كونه محتاجا إليهما معا وهو محال.

وسابعها: وهو أنه لا منافاة بين هذين الاستحقاقين لأن السيد إذا قال لعبده: احفظ المتاع لئلا يسرقه السارق، ثم في ذلك الوقت جاء العدو وقصد قتل السيد، فاشتغل العبد بمحاربة ذلك العدو وقتله فذلك الفعل من العبد يستوجب استحقاقه للمدح والتعظيم حيث دفع القتل عن سيده، ويوجب استحقاقه للذم حيث عرض ماله للسرقة، وكل واحد من الاستحقاقين ثابت، والعقلاء يرجعون في مثل هذه الواقعة إلى الترجيح أو إلى المهايأة،

فأما أن يحكموا بانتفاء أحد الاستحقاقين وزواله فذلك مدفوع في بداهة العقول.

وثامنها: أن الموجب لحصول هذا الاستحقاق هو الفعل المتقدم فهذا الطارىء

أما أن يكون له أثر في جهة اقتضاء ذلك الفعل لذلك الاستحقاق أو لا يكون، والأول: محال لأن ذلك الفعل إنما يكون موجودا في الزمان الماضي، فلو كان لهذا الطارىء أثر في ذلك الفعل الماضي لكان هذا إيقاعا للتأثير في الزمان الماضي وهو محال، وإن لم يكن للطارىء أثر في اقتضاء ذلك الفعل السابق لذلك الاستحقاق وجب أن يبقى ذلك الاقتضاء كما كان وأن لا يزول ولا يقال لم لا يجوز أن يكون هذا الطارىء مانعا من ظهور الأثر على ذلك السابق، لأنا نقول: إذا كان هذا الطارىء لا يمكنه أن يعمل بجهة اقتضاء ذلك الفعل السابق أصلا وألبتة من حيث إيقاع الأثر في الماضي محال، واندفاع أثر هذا الطارىء ممكن في الجملة كان الماضي على هذا التقدير أقوى من هذا الحادث فكان الماضي بدفع هذا الحادث أولى من العكس.

وتاسعها: أن هؤلاء المعتزلة يقولون: إن شرب جرعة من الخمر يحبط ثواب الإيمان وطاعة سبعين سنة على سبيل الإخلاص، وذلك محال. لأنا نعلم بالضرورة أن ثواب هذه الطاعات أكثر من عقاب هذه المعصية الواحدة، والأعظم لا يحيط بالأقل، قال الجبائي: إنه لا يمتنع أن تكون الكبيرة الواحدة أعظم من كل طاعة، لأن معصية اللّه تعظم على قدر كثرة نعمه وإحسانه، كما أن استحقاق قيام الربانية وقد رباه وملكه وبلغه إلى النهاية العظيمة أعظم من قيامه بحقه لكثرة نعمه، فإذا كانت نعم اللّه على عباده بحيث لا تضبط عظما وكثرة لم يمتنع أن يستحق على المعصية الواحدة العقاب العظيم الذي يوافي على ثواب جملة الطاعات، واعلم أن هذا العذر ضعيف لأن الملك إذا عظمت نعمه على عبده ثم إن ذلك العبد قام بحق عبوديته خمسين سنة ثم إنه كسر رأس قلم ذلك الملك قصدا، فلو أحبط الملك جميع طاعاته بسبب ذلك القدر من الجرم فكل أحد يذمه وينسبه إلى ترك الانصاف والقسوة، ومعلوم أن جميع المعاصي بالنسبة إلى جلال اللّه تعالى أقل من كسر رأس القلم، فظهر أن ما قالوه على خلاف قياس العقول.

وعاشرها: أن إيمان ساعة يهدم كفر سبعين سنة فالإيمان سبعين سنة كيف يهدم بفسق ساعة، وهذا مما لا يقبله العقل واللّه أعلم، فهذه جملة الدلائل العقلية على فساد القول بالمحابطة، في تمسك المعتزلة بهذه الآية فنقول:

قوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى} يحتمل أمرين

أحدهما: لا تأتوا به باطلا، وذلك أن ينوي بالصدقة الرياء والسمعة، فتكون هذه الصدقة حين وجدت حصلت باطلة، وهذا التأويل لا يضرنا ألبتة.

الوجه الثاني: أن يكون المراد بالإبطال أن يؤتي بها على وجه يوجب الثواب، ثم بعد ذلك إذا اتبعت بالمن والأذى صار عقاب المن والأذى مزيلا لثواب تلك الصدقة، وعلى هذا الوجه ينفعهم التمسك بالآية، فلم كان حمل اللفظ على هذا الوجه الثاني أولى من حمله على الوجه الأول واعلم أن اللّه تعالى ذكر لذلك مثلين

أحدهما: يطابق الاحتمال الأول، وهو قوله {كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن باللّه} إذ من المعلوم أن المراد من كونه عمل هذا باطلا أنه دخل في الوجود باطلا، لا أنه دخل صحيحا، ثم يزول، لأن المانع من صحة هذا العمل هو الكفر، والكفر مقارن له، فيمتنع دخوله صحيحا في الوجود، فهذا المثل يشهد لما ذهبنا إليه من التأويل،

وأما المثل الثاني وهو الصفوان الذي وقع عليه غبار وتراب ثم أصابه وابل، فهذا يشهد لتأويلهم، لأنه تعالى جعل الوابل مزيلا لذلك الغبار بعد وقوع الغبار على الصفوان فكذا هاهنا يجب أن يكون المن والأذى مزبلين للأجر والثواب بعد حصول استحقاق الأجر، إلا أن لنا أن نقول: لا نسلم أن المشبه بوقوع الغبار على الصفوان حصول الأجر للكافر، بل المشبه بذلك صدور هذا العمل الذي لولا كونه مقرونا بالنية الفاسدة لكان موجبا لحصول الأجر والثواب، فالمشبه بالتراب الواقع على الصفوان هو ذلك العمل الصادر منه، وحمل الكلام على ما ذكرناه أولى، لأن الغبار إذا وقع على الصفوان لم يكن ملتصقا به ولا غائصا فيه ألبتة، بل كان ذلك الاتصال كالانفصال، فهو في مرأى العين متصل، وفي الحقيقة غير متصل، فكذا الانفاق المقرون بالمن والأذى، يرى في الظاهر أنه عمل من أعمال البر، وفي الحقيقة ليس كذلك، فظهر أن استدلالهم بهذه الآية ضعيف،

وأما الحجة العقلية التي تمسكوا بها فقد بينا أنه لا منافاة في الجمع بين الاستحقاقين، وأن مقتضى ذلك الجمع

أما الترجيح

وأما المهايأة.

المسألة الثانية: قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن على اللّه بسبب صدقتكم، وبالأذى لذلك السائل، وقال الباقون: بالمن على الفقير، وبالأذى للفقير. وقول ابن عباس رضي اللّه عنهما محتمل، لأن الإنسان إذا أنفق متبجحا بفعله، ولم يسلك طريقة التواضع والانقطاع إلى اللّه، والاعتراف بأن ذلك من فضله وتوفيقه وإحسانه فكان كالمان على اللّه تعالى وإن كان القول الثاني أظهر له.

أما قوله {كالذى ينفق ماله رئاء الناس} ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: الكاف في قوله {كالذى} فيه قولان

الأول: أنه متعلق بمحذوف والتقدير لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كإبطال الذي ينفق ماله رئاء الناس، فبين تعالى أن المن والأذى يبطلان الصدقة، كما أن النفاق والرياء يبطلانها، وتحقيق القول فيه أن المنافق والمرائي يأتيان بالصدقة لا لوجه اللّه تعالى، ومن يقرن الصدقة بالمن والأذى، فقد أتى بتلك الصدقة لا لوجه اللّه أيضا إذ لو كان غرضه من تلك الصدقة مرضاة اللّه تعالى لما من على الفقير ولا آذاه، فثبت اشتراك الصورتين في كون تلك الصدقة ما أتى بها لوجه اللّه تعالى، وهذا يحقق ما قلنا أن المقصود من الابطال الإتيان به باطلا، لا أن المقصود الإتيان به صحيحا

ثم إزالته وإحباطه بسبب المن والأذى.

والقول الثاني: أن يكون الكاف في محل النصب على الحال، أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق ماله رئاء الناس.

المسألة الثانية: الرياء مصدر، كالمراءاة يقال: راأيته رياء ومراءاة، مثل: راعيته مراعاة ورعاء، وهو أن ترائي بعملك غيرك، وتحقيق الكلام في الرياء قد تقدم، ثم إنه تعالى لما ذكر هذا المثل أتبعه بالمثل الثاني، فقال {فمثله} وفي هذا الضمير وجهان

أحدهما: أنه عائد إلى المنافق، فيكون المعنى أن اللّه تعالى شبه المان والمؤذي بالمنافق، ثم شبه المنافق بالحجر، ثم قال: {كمثل صفوان} وهو الحجر الأملس، وحكى أبو عبيد عن الأصمعي أن الصفوان والصفا والصفوا واحد، وكل ذلك مقصور، وقال بعضهم: الصفوان جمع صفوانه، كمرجان ومرجانة، وسعدان وسعدانة، ثم قال: {أصابه * وابل} الوابل المطر الشديد، يقال: وبلت السماء تبل وبلا، وأرض موبولة، أي أصابها وابل، ثم قال: {فتركه صلدا} الصلد الأمس اليابس، يقال: حجر صلد، وجبل صلد إذا كان براقا أملس وأرض صلدة، أي لا تنبت شيئا كالحجر الصلد وصلد الزند إذا لم يور نارا. واعلم أن هذا مثل ضربة اللّه تعالى لعمل المان المؤذي، ولعمل المنافق، فإن الناس يرون في الظاهر أن لهؤلاء أعمالا، كما يرى التراب على هذا الصفوان، فإذا كان يوم القيامة اضمحل كله وبطل لأنه تبين أن تلك الأعمال ما كانت للّه تعالى، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب،

وأما المعتزلة فقالوا: إن المعنى أن تلك الصدقة أوجبت الأجر والثواب، ثم إن المن والأذى أزالا ذلك الأجر، كما يزيل الوابل التراب عن وجه الصفوان، واعلم أن في كيفية هذا التشبيه وجهين

الأول: ما ذكرنا أن العمل الظاهر كالتراب، والمان والأذى والمنافق كالصفوان ويوم القيامة كالوابل هذا على قولنا،

وأما على قول المعتزلة فالمن والأذى كالوابل.

الوجه الثاني: في التشبيه، قال القفال رحمه اللّه تعالى، وفيه احتمال آخر، وهو أن أعمال العباد ذخائر لهم يوم القيامة، فمن عمل بإخلاص فكأنه طرح بذرا في أرض فهو يضاعف له وينمو حتى يحصده في وقته، ويجده وقت حاجته، والصفوان محل بذر المنافق، ومعلوم أنه لا ينمو فيه شيء ولا يكون فيه قبول للبذر، والمعنى أن عمل المان والمؤذي والمنافق يشبه إذا طرح بذرا في صفوان صلد عليه غبار قليل، فإذا أصابه مطر جود بقي مستودعا بذره خاليا لا شيء فيه، ألا ترى أنه تعالى ضرب مثل المخلص بجنة فوق ربوة، والجنة ما يكون فيه أشجار ونخيل، فمن أخلص للّه تعالى كان كمن غرس بستانا في ربوة من الأرض، فهو يجني ثمر غراسه في أوجات الحاجة وهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها متضاعفة زائدة،

وأما عمل المان والمؤذي والمنافق، فهو كمن بذر في الصفوان الذي عليه تراب، فعند الحاجة إلى الزرع لا يجد فيه شيئا، ومن الملحدة من طعن في التشبيه، فقال: إن الوابل إذا أصاب الصفوان جعله طاهرا نقيا نظيفا عن الغبار والتراب فكيف يجوز أن يشبه اللّه به عمل المنافق،

والجواب أن وجه التشبيه ما ذكرناه، فلا يعتبر باختلافها فيما وراءه، قال القاضي: وأيضا فوقع التراب على الصفوان يفيد منافع من وجوه

أحدها: أنه أصلح في الاستقرار عليه

وثانيها: الانتفاع بها في التيمم

وثالثها: الانتفاع به فيما يتصل بالنبات، وهذا الوجه الذي ذكره القاضي حسن إلا أن الاعتماد على الأول.

أما قوله تعالى: {لا يقدرون على شىء مما كسبوا} فاعلم أن الضمير في قوله {لا يقدرون} إلى ماذا يرجع؟ فيه قولان

أحدهما: أنه عائد إلى معلوم غير مذكور، أي لا يقدر أحد من الخلق على ذلك البذر الملقى في ذلك التراب الذي كان على ذلك الصفوان لأنه زال ذلك التراب وذلك ما كان فيه، فلم يبق لأحد قدرة على الانتفاع بذلك البذر، وهذا يقوي الوجه الثاني في التشبيه الذي ذكره القفال رحمه اللّه تعالى، وكذا المان والمؤذي والمنافق لا ينتفع أحد منهم بعمله يوم القيامة

والثاني: أنه عائد إلى قوله {كالذى ينفق ماله} وخرج على هذا المعنى، لأن قوله {كالذى ينفق ماله} إنما أشير به إلى الجنس، والجنس في حكم العام، قال القفال رحمه اللّه: وفيه وجه ثالث، وهو أن يكون ذلك مردودا على قوله {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى} فإنكم إذا فعلتم ذلك لم تقدروا على شيء مما كسبتم، فرجع عن الخطاب إلى الغائب، ك

قوله تعالى: {حتى إذا كنتم فى الفلك * نخسف بهم} (يونس: ٢٢). ثم قال: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} ومعناه على قولهم: سلب الإيمان، وعلى قول المعتزلة: إنه تعالى يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسوء اختيارهم. ثم قال تعالى:

﴿ ٢٦٤