٢٧٨

{ياأيها الذين ءامنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقى من الربواا إن كنتم مؤمنين }.

في الآية مسائل:

المسألة الأولى: إعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن من انتهى عن الربا فله ما سلف فقد كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة القوم، فقال تعالى في هذه الآية {وذروا ما بقى من الربواا} وبين به أن ذلك إذا كان عليهم ولم يقبض، فالزيادة تحرم، وليس لهم أن يأخذوا إلا رؤوس أموالهم، وإنما شدد تعالى في ذلك، لأن من انتظر مدة طويلة في حلول الأجل، ثم حضر الوقت وظن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له، فيحتاج في منعه عنه إلى تشديد عظيم، فقال: {اتقوا اللّه} واتقاؤه ما نهى عنه {وذروا ما بقى من الربواا} يعني إن كنتم قد قبضتم شيئا فيعفو عنه، وإن لم تقبضوه، أو لم تقبضوا بعضه، فذلك الذي لم تقبضوه كلا كان، أو بعضا فإنه محرم قبضه. وإعلم أن هذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار إذا أسلموا، وذلك لأن ما مضى في وقت الكفر فإنه يبقى ولا ينقص، ولا يفسخ، وما لا يوجد منه شيء في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام فهو عفو لا يتعقب، وإن كان النكاح وقع على محرم فقبضته المرأة فقد مضى، وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون المهر المسمى هذا مذهب الشافعي رضي اللّه عنه.

فإن قيل: كيف قال: {مستقيم ياأيها الذين ءامنوا اتقوا} ثم قال في آخره {إن كنتم مؤمنين}.

الجواب: من وجوه

الأول: أن هذا مثل ما يقال: إن كنت أخا فأكرمني، معناه: إن من كان أخا أكرم أخاه

والثاني: قيل: معناه إن كنتم مؤمنين قبله

الثالث: إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان

الرابع: يا أيها الذين آمنوا بلسانهم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم.

المسألة الثانية: في سبب نزول الآية روايات: الرواية

الأولى: أنها خطاب لأهل مكة كانوا يرابون فلما أسلموا عند فتح مكة أمرهم اللّه تعالى أن يأخذوا رؤوس أموالهم دون الزيادة. والرواية

الثانية: قال مقاتل: إن الآية نزلت في أربعة أخوة من ثقيف: مسعود، وعبد يا ليل، وحبيب، وربيعة، بنو عمرو بن عمير الثقفي كانوا يداينون بني المغيرة، فلما ظهر النبي صلى اللّه عليه وسلم على الطائف أسلم الأخوة، ثم طالبوا برباهم بني المغيرة، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. والرواية

الثالثة: نزلت في العباس، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهما وكانا أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قبضا بعضا، وزاد في الباقي فنزلت الآية، وهذا قول عطاء وعكرمة.الرواية

الرابعة: نزلت في العباس وخالد بن الوليد، وكانا يسلفان في الربا، وهو قول السدي.

المسألة الثالثة: قال القاضي: قوله {إن كنتم مؤمنين} كالدلالة على أن الإيمان لا يتكامل إذا أصر الإنسان على كبيرة وإنما يصير مؤمنا بالإطلاق إذا اجتنب كل الكبائر.

والجواب: لما دلت الدلائل الكثيرة المذكورة في تفسير قوله {الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة: ٣) على أن العمل خارج عن مسمى الإيمان كانت هذه الآية محمولة على كمال الإيمان وشرائعه، فكان التقدير: إن كنتم عاملين بمقتضى شرائع الإيمان، وهذا وإن كان تركا للظاهر لكنا ذهبنا إليه لتلك الدلائل.

﴿ ٢٧٨