٨٠

{ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة وابن عامر {ولا يأمركم} بنصب الراء، والباقون بالرفع

أما النصب فوجهه أن يكون عطفا على {ثم يقول} وفيه وجهان

أحدهما: أن تجعل {لا} مزيدة والمعنى: ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون اللّه ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، كما تقول: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ويستخف بي

والثاني: أن تجعل {لا} غير مزيدة، والمعنى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح، فلما قالوا: أتريد أن نتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يجعله اللّه نبيا ثم يأمر الناس بعبادة نفسه وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء،

وأما القراءة بالرفع على سبيل الاستئناف فظاهر لأنه بعد انقضاء الآية وتمام الكلام، ومما يدل على الانقطاع عن الأول ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ {ولن * يأمركم}.

المسألة الثانية: قال الزجاج: ولا يأمركم اللّه، وقال ابن جريج: لا يأمركم محمد،

وقيل: لا يأمركم الأنبياء بأن تتخذوا الملائكة أربابا كما فعلته قريش.

المسألة الثالثة: إنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا من أهل الكتاب بعبادة غير اللّه لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة وعبادة المسيح وعزير، فلهذا المعنى خصهما بالذكر. ثم قال تعالى: {أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وفيه ومسائل:

المسألة الأولى: الهمزة في {أيأمركم} استفهام بمعنى الإنكار، أي لا يفعل ذلك.

المسألة الثانية: قال صاحب "الكشاف" قوله {بعد إذ أنتم مسلمون} دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم في أن يسجدوا له.

المسألة الثالثة: قال الجبائي: الآية دالة على فساد قول من يقول: الكفر باللّه هو الجهل به والإيمان باللّه هو المعرفة به، وذلك لأن اللّه تعالى حكم بكفر هؤلاء، وهو

قوله تعالى: {أيأمركم بالكفر} ثم إن هؤلاء كانوا عارفين باللّه تعالى بدليل قوله {ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون اللّه} وظاهر هذا يدل على معرفته باللّه فلما حصل الكفر ههنا مع المعرفة باللّه دل ذلك على أن الإيمان به ليس هو المعرفة والكفر به تعالى ليس هو الجهل به.

والجواب: أن قولنا الكفر باللّه هو الجهل به لا نعني به مجرد الجهل بكونه موجودا بل نعني به الجهل بذاته وبصفاته السلبية وصفاته الإضافية أن لا شريك له في المعبودية، فلما جهل هذا فقد جهل بعض صفاته.

﴿ ٨٠