١٠١{وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات اللّه وفيكم رسوله} وكلمة {كيف } تعجب، والتعجب إنما يليق بمن لا يعلم السبب، وذلك على اللّه محال، والمراد منه المنع والتغليظ وذلك لأن تلاوة آيات اللّه عليهم حالا بعد حال مع كون الرسول فيهم الذي يزيل كل شبهة ويقرر كل حجة، كالمانع من وقوعهم في الكفر، فكان صدور الكفر على الذين كانوا بحضرة الرسول أبعد من هذا الوجه، فقوله {إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} تنبيه على أن المقصد الأقصى لهؤلاء اليهود والمنافقين أن يردوا المسلمين عن الإسلام ثم أرشد المسلمين إلى أنه يجب أن لا يلتفتوا إلى قولهم، بل الواجب أن يرجعوا عند كل شبهة يسمعونها من هؤلاء اليهود إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، حتى يكشف عنها ويزيل وجه الشبهة فيها.ثم قال: {ومن يعتصم باللّه فقد هدى إلى صراط مستقيم} والمقصود: إنه لما ذكر الوعيد أردفه بهذا الوعد، والمعنى: ومن يتمسك بدين اللّه، ويجوز أن يكون حثا لهم على الالتجاء إليه في دفع شرور الكفار والاعتصام في اللغة الاستمساك بالشيء وأصله من العصمة، والعصمة المنع في كلام العرب، والعاصم المانع، واعتصم فلان بالشيء إذا تمسك بالشيء في منع نفسه من الوقوع في آفة، ومنه قوله تعالى: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} (يوسف: ٣٢) قال قتادة: ذكر في الآية أمرين يمنعان عن الوقوع في الكفر أحدهما: تلاوة كتاب اللّه والثاني: كون الرسول فيهم، أما الرسول صلى اللّه عليه وسلم فقد مضى إلى رحمة اللّه، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر. وأما قوله {فقد هدى إلى صراط مستقيم} فقد احتج به أصحابنا على أن فعل العبد مخلوق للّه تعالى، قالوا: لأنه جعل اعتصامهم هداية من اللّه، فلما جعل ذلك الاعتصام فعلا لهم وهداية من اللّه ثبت ما قلناه، أما المعتزلة فقد ذكروا فيه وجوها الأول: أن المراد بهذه الهداية الزيادة في الألطاف المرتبة على أداء الطاعات كما قال تعالى: {يهدى به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام} (المائدة: ١٦) وهذا اختاره القفال رحمه اللّه والثاني: أن التقدير من يعتصم باللّه فنعم ما فعل فإنه إنما هدي إلى الصراط المستقيم ليفعل ذلك الثالث: أن من يعتصم باللّه فقد هدى إلى طريق الجنة و الرابع: قال صاحب "الكشاف" {فقد هدى} أي فقد حصل له الهدى لا محالة، كما تقول: إذا جئت فلانا فقد أفلحت، كأن الهدى قد حصل فهو يخبر عنه حاصلا وذلك لأن المعتصم باللّه متوقع للّهدى كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده. |
﴿ ١٠١ ﴾