١١٤وقوله {يؤمنون باللّه واليوم الاخر} إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية وذلك أكمل أحوال الإنسان، وهي المرتبة التي يقال لها: إنها آخر درجات الإنسانية وأول درجات الملكية. الصفة الخامسة: قوله {ويأمرون بالمعروف}. الصفة السادسة: قوله {وينهون عن المنكر} واعلم أن الغاية القصوى في الكمال أن يكون تاما وفوق التمام فكون الإنسان تاما ليس إلا في كمال قوته العملية والنظرية وقد تقدم ذكره، وكونه فوق التمام أن يسعى في تكميل الناقصين، وذلك بطريقين، أما بإرشادهم إلى ما ينبغي وهو الأمر بالمعروف، أو يمنعهم عما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: {يأمرون بالمعروف} أي بتوحيد اللّه وبنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم {وينهون عن المنكر} أي ينهون عن الشرك باللّه، وعن إنكار نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، واعلم أن لفظ المعروف والمنكر مطلق فلم يجز تخصيصه بغير دليل، فهو يتناول كل معروف وكل منكر. الصفة السابعة: قوله {ويسارعون فى الخيرات} وفيه وجهان أحدهما: أنهم يتبادرون إليها خوف الفوت بالموت، والآخر: يعملونها غير متثاقلين. فإن قيل: أليس أن العجلة مذمومة قال عليه الصلاة والسلام: "العجلة من الشيطان والتأني من الرحمان" فما الفرق بين السرعة وبين العجلة؟ قلنا: السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه، فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين، لأن من رغب في الأمر، آثر الفور على التراخي، قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} (آل عمران: ١٣٣) وأيضا العجلة ليست مذمومة على الإطلاق بدليل قوله تعالى: {وعجلت إليك رب لترضى} (طه: ٨٤). الصفة الثامنة: قوله {وأولئك من الصالحين} والمعنى وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند اللّه تعالى ورضيهم، واعلم أن الوصف بذلك غاية المدح ويدل عليه القرآن والمعقول، أما القرآن، فهو أن اللّه تعالى مدح بهذا الوصف أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: بعد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وغيرهم {وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين} (الأنبياء: ٨٦) وذكر حكاية عن سليمان عليه السلام أنه قال: {وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين} (النمل: ١٩) وقال: {فإن اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} (التحريم: ٤) وأما المعقول فهو أن الصلاح ضد الفساد، وكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد، سواء كان ذلك في العقائد، أو في الأعمال، فإذا كان كل ما حصل من باب ما ينبغي أن يكون، فقد حصل الصلاح، فكان الصلاح دالا على أكمل الدرجات. ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات الثمانية قال: |
﴿ ١١٤ ﴾