١٤٩

{ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين }.

واعلم أن هذه الآية من تمام الكلام الأول، وذلك لأن الكفار لما أرجفوا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد قتل، ودعا المنافقون بعض ضعفة المسلمين الى الكفر، منع اللّه المسلمين بهذه الآية عن الالتفات الى كلام أولئك المنافقين.

فقال: {المحسنين ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا} وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قيل: {إن تطيعوا الذين كفروا} المراد أبو سفيان، فانه كان كبير القوم في ذلك اليوم، قال السدي: المراد أبو سفيان لأنه كان شجرة الفتن،

وقال آخرون: المراد عبداللّه بن أبي وأتباعه من المنافقين، وهم الذين ألقوا الشبهات في قلوب الضعفة وقالوا لو كان محمد رسول اللّه ما وقعت له هذه الواقعة، وإنما هو رجل كسائر الناس، يوما له ويوما عليه، فارجعوا الى دينكم الذي كنتم فيه،

وقال آخرون: المراد اليهود لأنه كان بالمدينة قوم من اليهود، وكانوا يلقون الشبهة في قلوب المسلمين، ولا سيما عند وقوع هذه الواقعة، والأقرب أنه يتناول كل الكفار، لأن اللفظ عام وخصوص السبب لا يمنع من عموم اللفظ.

المسألة الثانية: قوله: {إن تطيعوا الذين كفروا} لا يمكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه بل لا بد من التخصيص فقيل: ان تطيعوهم فيما أمروكم به يوم أحد من ترك الاسلام،

وقيل: ان تطيعوهم في كل ما يأمرونكم من الضلال،

وقيل في المشورة،

وقيل في ترك المحاربة وهو قولهم: (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا).

ثم قال: {يردوكم على أعقابكم} يعني يردوكم الى الكفر بعد الإيمان، لأن قبول قولهم في الدعوة الى الكفر كفر.

ثم قال: {فتنقلبوا خاسرين}.

واعلم أن اللفظ لما كان عاما وجب أن يدخل فيه خسران الدنيا والآخرة، أما خسران الدنيا فلأن أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له وإظهار الحاجة اليه،

وأما خسران الآخرة فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد.

﴿ ١٤٩