١٦٨{الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}. اعلم أن الذين حكى اللّه عنهم أنهم قالوا: {لو نعلم قتالا لاتبعناكم} (آل عمران: ١٦٧) وصفهم اللّه تعالى بأنهم كما قعدوا واحتجوا لقعودهم، فكذلك ثبطوا غيرهم واحتجوا لذلك، فحكى اللّه تعالى عنهم أنهم قالوا لاخوانهم إن الخارجين لو أطاعونا ما قتلوا، فخوفوا من مراده موافقة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في محاربة الكفار بالقتل لما عرفوا ما جرى يوم أحد من الكفار على المسلمين من القتل، لأن المعلوم من الطباع محبة الحياة فكان وقوع هذه الشبهة في القلوب يجري مجرى ما يورده الشيطان من الوسواس، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في محل {الذين} وجوه: أحدها: النصب على البدل من {الذين نافقوا} وثانيها: الرفع على البدل من الضمير في {يكتمون} وثالثها: الرفع على خبر الابتداء بتقدير: هم الذين، ورابعها: أن يكون نصبا على الذم. المسألة الثانية: قال المفسرون: المراد {بالذين * قالوا} عبداللّه بن أبي وأصحابه، وقال الأصم: هذا لا يجوز لأن عبداللّه بن أبي خرج مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في الجهاد يوم أحد، وهذا القول فهو واقع فيمن قد تخلف لأنه قال: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا} أي في القعود ما قتلوا فهو كلام متأخر عن الجهاد، قاله لمن خرج الى الجهاد ولمن هو قوي النية في ذلك ليجعله شبهة فيما بعده صارفا لهم عن الجهاد. المسألة الثالثة: قالوا لاخوانهم: أي قالوا لأجل إخوانهم، وقد سبق بيان المراد من هذه الاخوة، الاخوة في النسب، أو الاخوة بسبب المشاركة في الدار، أو في عداوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو في عبادة الاوثان؟ واللّه أعلم. المسألة الرابعة: قال الواحدي: الواو في قوله: {وقعدوا} للحال ومعنى هذا القعود القعود عن الجهاد يعني من قتل بأحد لو قعدوا كما قعدنا وفعلوا كما فعلنا لسلموا ولم يقتلوا، ثم أجاب اللّه عن ذلك بقوله: {قل فادرؤا عن أنفسكم الموت ان كنتم صادقين}. فإن قيل: ما وجه الاستدلال بذلك مع أن الفرق ظاهر فان التحرز عن القتل ممكن، أما التحرز عن الموت فهو غير ممكن ألبتة؟ والجواب: هذا الدليل الذي ذكره اللّه تعالى لا يتمشى إلا إذا اعترفنا بالقضاء والقدر، وذلك لأنا إذا قلنا لا يدخل الشيء في الوجود إلا بقضاء اللّه وقدره، اعترفنا بأن الكافر لا يقتل المسلم إلا بقضاء اللّه، وحينئذ لا يبقى بين القتل وبين الموت فرق، فيصح الاستدلال. أما إذا قلنا بأن فعل العبد ليس بتقدير اللّه وقضائه، كان الفرق بين الموت والقتل ظاهرا من الوجه الذي ذكرتم، فتفضي إلى فساد الدليل الذي ذكره اللّه تعالى، ومعلوم أن المفضي إلى ذلك يكون باطلا، فثبت أن هذه الآية دالة على أن الكل بقضاء اللّه. وقوله: {ان كنتم صادقين} يعني: إن كنتم صادقين في كونكم مشتغلين بالحذر عن المكاره، والوصول إلى المطالب. |
﴿ ١٦٨ ﴾